روايات

رواية حجر ينبض الفصل الثاني عشر 12 بقلم فريحة خالد

رواية حجر ينبض الفصل الثاني عشر 12 بقلم فريحة خالد

رواية حجر ينبض الجزء الثاني عشر

رواية حجر ينبض البارت الثاني عشر

رواية حجر ينبض
رواية حجر ينبض

رواية حجر ينبض الحلقة الثانية عشر

– نَدىٰ انتِ بِـخير يا بنتي؟!
أنا.. أنا قلتلك إن الحقيقة صعبة عليكِ!!
كُنت سرحانة في اللاشيء قُصادِي ، عيوني مركّزة علىٰ ولا شيء ، بنزّل شلالات من الدّموع ، جِسمي كُلّه بيرتعش ، قلبي بِـينبُض بقوّة ، حاسّة كإن فيه مقبض من حديد بيعتصر قلبي..
مش قادرة أسمع من الشّيخ نُوح أي كلمة بعد كلمة ماتت..
صُوت بُكائي بدأ يعلىٰ ويزيد ، اتحوّل لهيستيريا من العياط..
لاقيته بيطبطب علىٰ ايدي وبيقول :
– فيروز ماتت علشان تعيشوا أنتم ، هيّ ضحّت بنفسها علشان خاطركم يا بنتي.
بصّيتله وِ دُموعي ما قلّتش بل بِـتزيد ، حاوطت نفسي بِـدراعاتي ، وِ اتكلّمت بتقطّع وِ أنا بقول :
– إيه.. حَـ… حَصل بعد كده؟!
بعد ما هيّ ماتت إزاي أنا بقيت شيماء؟
وِ إزاي.. إزاي رحيم بقىٰ عبد الرحمن؟
وِ إزاي أنا مش فاكرة كُل ده!!!
قُلت آخر جُملة بِـصُوت كلّه ضَعف مصحوب بِـشهقات كُلها حسرة..
حسرة علىٰ أمّي ، السّت اللي دفعت شبابها تمن لِـ حياتنا..

 

 

حسرة علىٰ أخويا ، اللي اتكتب عليه يتعجّز بسبب كمّية جُحود وِ قسوة في قلب شخص ، لو كان حجر مكنش هيعمل كده!!!
حسرة علىٰ أختِي اللي ماتت في حادثة بشعة وهيّ لسه طِفلة ماشافتش الدُّنيا.
رد بِـهُدوء وِ قالّي :
– أنا قلتلك من الأول إن حل كُل اللغز مش معايا ، الباقي عندك إنتِ وِ رحيم.
– يعني إيه مش فاهمة؟!
– يعني يا بنتي بعد ما أمّك ماتت ، أنا اللي دفنتها مع نُور في القبر وِ رحيم أخوكِ نزل معايا وِ إحنا بندفنها وِ بعد ما روّحنا شُكريّة أخدتكم تبيّتوا عندها ، وِ بعد كام يوم رحيم أخدك وِ روّحتوا بيتكم وِ فضلتم عايشين فيه أربع سنين..
أربع سنين أثبت فيهم رحيم إن أمّك عرفت تربّي صح ، رفض تمامًا إنكم تعيشوا مع حد وأصر تعيشوا في بيتكم ، رفض أكتر حد يصرف عليكِ أو عليه أو حتّى يساعدكم بِـرُبع جنيه وِ كان بيشتغل صبي عند ميكانيكي أو سبّاك وِ أوقات مع كهربائي وِ حدّاد باليوميّة ، اشتغل كُل حاجة وأي حاجة وِ هوّ عاجِز علشان تعيشي انتِ وِ هوّ..
مكنش فيه حد بيهدّيكي غيره لمّا تعيّطي وتنادي على أمّك أو نور ، كان بيسيبك مع شُكريّة لحد ما يرجع آخر اليوم ياخدك ، كنتِ طول اليوم بتصرّخي باسم مامتك وِ اسم نُور وِ مجرّد ما يشيلك في حُضنه تهدي وِ تنامي..
كان بيودّيكي المدرسة وِ يذاكرلك وِ يلعب معاكِ ، كان ليكِ أب وِ أخ زي ما أمّه وصيته..
أربع سنين دمعته مانشفتش من البُكا على مامتك ، أربع سنين وِ هوّ كُل جمعة ياخدك وتزوروا قبرها ويقرأ لها قُرآن هناك..
أربع سنين وهوّ بيكسب احترام وِ حب الناس كلها يوم عن يوم..
لحد ما في مرّة ماطلعش من البيت يروح مدرسته أو حتّىٰ يودّيكِ انتِ ليها ، وماطلعش يروح شُغله زي كُل يوم ، قلقنا عليكم وِ خفنا لَـيُكون صَـالِـح رجع وعمل فيكم حاجة ، مُعظم النّاس اللي في الشارع اتجمّعت عند الباب وِ شُكريّة خبّطت وِ بقيت أنا أنادي عليكم بِـعلوّ الصوت في الشارِع ، بس مفيش فايدة ومحدّش بيرُد..
كسرنا البوّابة الحديد بِـصُعوبة ، وكسرنا باب الشّقة اللي جوّه ، وِ لمّا دخلت أنا وِ شُكريّة لاقينا الأنوار مطفيّة ، وهدومك انتِ وِ رحيم مش في الدّولاب ، ومعظم حاجتكم من كُتب وِ لعب مش موجودة ، ساعتها عرفنا إنكم مشيتوا بمزاجكم وِ سيبتوا الحارة..
كُنا كلنا في قمة الحُزن وِ الأسىٰ عليكم ، حسّيت إني مقدرتش أوفّي بوعد أمّك وِ أحافظ عليكم ، شكرية حسّت إنها خسرت كل حاجة من ريحة صاحبة عُمرها ، وحتّىٰ هناء كانت متعوّدة تيجي تزوركم علىٰ طُول لمّا علمت اللي حصل لفيروز وِ نور من أبو عيالها ، أوّل ما جت بعد كده ولاقيتكم مش موجودين انهارت وِ ماشوفنهاش هِنا من يومها..
حاولت أوصلكم بس ماعرفتش كإن الأرض انشّقت وِ بلعتكم ، لحد ما يشاء القدر أشوفك بعد عشرين سنة.. عشرين سنة يا نَدىٰ وِ ألاقيكي نُسخة من فيروز!
وللسّخريّة انتِ كنتِ جايّة هنا تسألي عن الشّخص المسؤول عن كُل حاجة وحشة حصلت في حياتك انتِ وِ أمك وِ أخواتك ، والسبب الرئيسي في خروجكم من هِنا!!

 

 

حطّيت ايديا الاتنين علىٰ وِشّي وِ انفجرت في العياط ، كُل حاجة حكاهالي الشّيخ نوح بتمر قُصاد عيني توجعني كإن سكّينة وِ اتغرزت بكل جبروت في قلبي ، الشيخ نوح كان ساكت بيبصلّي بِـحُزن وِ أسىٰ ، لكن وداني كانت رافضة الصّمت وعمّالة تكررلي صُوته وهوّ بيحكيلي عن كميّة المأسآة اللي شافتها أمّي لحد ما ماتت..
سابني أعيّط وأخرّج صدمتي من اللي سمعته في دُموعي من غير ما يقاطعني ، بس بعد شويّة اتكلّم وقال بحسرة :
– عرفتي ليه قلتلك اللي زي الرّاجِل ده مايستاهلش غيبوبة تسرق شبابه وِ عمره بس ، وِ إنّه يِستاهل النّار تاكُل عضمه ، وِ تكوِي لحمه ، وِ تفحّم جِلدُه..
عرفتي ليه قلتلك كُل ده قُليل وِ عُمر النار دي ما هتقدر تخلّيه بني آدم وِ إنه هَـيفضل لحد ما يُموت مُجرّد حَـجَـر بِـ يُـنْـبُـض!!
شيلت ايدي من علىٰ وِشّي وِ مسحت دموعي بقوّة واتكلّمت بغل وأنا بتنفّس بِـصوت عالي ، وِ صدري بيطلع وينزل بقوّة :
– وِ رحمة أمّي اللي شافت العذاب ألوان علىٰ ايده..
وِ رحمة أختي اللي ماتت بسبب رعبها منّه..
وِ حياة أخويا اللي داق المُر واتعجّز من وِ هوّ لسّه طفل..
وحياة كل حاجة وحشة عملها فينا من صُغرنا حتّىٰ لو مكنتش فاكراها لَـ هدفّعه تمنها غالي وِ غالي أوي ، وِ أقسم بِـربّي اللي يعز وِ يذل لَـ أخلّيه يتمنّىٰ المُوت ومايعرفش يطوله بِـحق كُل السّوء اللي عمله يا شيخ نُوح.
مسكت شنطتي وِ كُنت لسّه هتحرّك ، لاقيت الشيخ نوح قبض علىٰ ايدي بِـقوّة وِ قال :
– وِ تفتكري لمّا تعملي كده فيروز هترجع؟ طب تفتكري نُور هترجع؟ ولا تفتكري أخوكِ هيرجع يمشي علىٰ رجله؟!
مهما عملتِ يا بنتي مفيش حاجة هترجع زي الأول ، اللي بيتكسر ما بيتصلّحش ، أمّك ربّيتكم علىٰ الرّحمة ولين القلب ، جاية انتِ بعد تسعة وِ عشرين سنة من عمرك تقسّي قلبك وِ تكونِي نسخة تانية من صَـالِـح دروِيش!!
حُطّي قُصاد عينك إن كُل ليّن مُحرّم علىٰ النّار يا بنتي!
حُطّي قُصاد عينك إن أمّك كان هدفها تزرع فيكم الحُب والحنيّة واللين..
سيبيه لِـربّنا قادر يقتّص منّه في باقي عُمره ، زي ما اقتّص منه في شبابه وِ حرمه منّه!!
بصّيتله وِ أنا تايهة وِ أنا حاسّة إن روحي بتتسحب منّي بالبطيء ، طبطب علىٰ ايدي تاني وِ قال بحنيّة :
– أنا شايف إنك تروّحي وتهدي وتفكّري بالعقل قبل ما تتصرّفي ، تشوفي نَدىٰ جوّاها إيه..؟!
جوّاكِ حِلو ولا وِحش ، واللي جوّاكِ هيظهر في رد فعلك..
شوفي شيماء اتربّت علىٰ إيه..؟!
اتربّت علىٰ الحنيّة وِ الرّحمة ولا علىٰ القسوة؟ وِ أنا واثق إن رحيم ربّاكِ علىٰ الرّحمة واللين زي ما واثق إني شايفك قُصادِي دلوقتي..
خلّيكِ فاكرة إن أمّك عُمرها ما هتنبسط لو انتِ بقيتي نُسخة تانية من صَـالِـح دروِيش!!

 

 

أخدت شنطتي وِ وقفت قُصاده وِ هزّيت راسي بِحُزن وِ ألم وِ أنا بقول بِـتعب وِ إرهاق :
– أنا مُضطرة أمشي ، وِ أوعدك هفكّر في كلامك بالعقل زي ما قولتلي.
مشيت من الحارة وِ أنا راسي فيها مليون خِناقة وِ قلبي والع فيه النّار ، بتمنّى لو الزّمن يرجع بيّا ومعرفش أي حاجة من اللي حكهالي الشّيخ نُوح ، دموعي كانت بتنزل وأنا ماشية بِـمُنتهىٰ الاستسلام ، وقّفت أول تاكسي قابلني لما خرجت من الحارة خالص وِ ادّيتله عِنوان المُستشفىٰ وِ أنا بفكّر في طريقة أنتقم بيها شر الانتقام من صَـالِـح دروِيش.
…….
– وصلنا يا هانِم.
نزلت من التّاكسي وِ وقفت قُدّام المُستشفىٰ ، بَـبُص لِـ المدخل بتاعها وِ أنا مُتردّدة أدخل المُستشفىٰ وِ أطلّع روحه بِـإيدي وِ ساعتها هكون انتقمت لِـ موت أُمّي وِ أختي وِ عجز أخويا من غير ما حد يمسك عليّا حاجة..
و وسط مشاعر انتقامي اتمرّدت عليّا مشاعر الشّفقة وِ الحُزن علىٰ حاله وقت ما فاق وِ هوّ بيترجّاني أفضل جنبه وِ أصدّقه..
وِ هوّ بيوعدني يكون صَـالِـح بجد!! دلوقتي فهمت ليه قالي كده لإنه كان مثال للسوء والطّلاح قبل كده..
وِ هوّ بيقولّي إنهم هيقتلوه لو عرفوا مكانه ، رغم إني مش عارفة مين دول ، لكن رعشة ايده وهوّ بيترجّاني في كل لحظة أفضل جنبه مخلّياني مُترددة!!

 

 

أخدت نفس عميق ، ومسحت دُموعي اللي نزلت علىٰ خدّي كلّمت نفسي بقوّة وأنا بقول :
– فوقي بقىٰ فوقي ، ده طَـالِـح.. ده فاسِد.. وِ قاتِل ما يستحقّش منك شفقة ، ما يستحقّش غير القتل بأبشع طريقة ، سِم ينتشر في دمّه يدمّر جِسمه بالبطيء ، نار تولّع فيه وِ تحرقه زي ما حرق قلبك انتِ وأخوكِ علىٰ أمك و أختك ، ده حجر!! فيه حجر يستحق الشفقة!
خطيت لِـجوه المُستشفىٰ وِ أنا بتجاهل كلام الشّيخ نُوح وتنبيهاته عليّا إني أتصرّف بالعقل وباللي جُوايا وِ اتربّيت عليه ، عزمت كل العزم إني مش هخرج منها غير وِ هوّ ميّت بعد ما يتعذّب قُصاد عيني وِ أشوف دُموعه نازلة بضعف وِ قهر لعلّها تطفّي النّار اللي مولّعة في قلبي وِ بتاكُل في رُوحِي!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية حجر ينبض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى