رواية غرام المغرور الفصل التاسع 9 بقلم نسمة مالك
رواية غرام المغرور الفصل التاسع 9 بقلم نسمة مالك |
رواية غرام المغرور الفصل التاسع 9 بقلم نسمة مالك
عتاب!!..
“خديجه”..
تقف خلف “فارس” الجالس يتابع ساحرته بهتمام عبر الكاميرا الموجوده بغرفتها، والموصله بشاشه داخل جناحه الخاص..
عقدت يديها أمام صدرها، وتحدثت بنفاذ صبر قائله..
“وبعدين معاك يا فارس!!..أنا أول مره اشوفك مهتم بواحده بالشكل دا حتي بعد اللي قالتله عنك دلوقتي؟!”..
“قالت ايه يا ديجا؟ ..أنا كان معايا تليفون شغل، ومسمعتش حوارك معها”..
قالها “فارس” وعينيه لم تتزحزح عن “إسراء”..
جلست “خديجه” بجواره، وربتت على كتفه برفق مردفه براحه..
” أنا برضوا قولت انت أكيد مسمعتش، و إلا كان زمانك عامل مصيبه أحنا في غني عنها”..
ابتسم” فارس ” بتهكم وهو يقول..
“هي لدرجاتي غلطت فيا ولا أيه؟! “..
إجابته “خديجه” بتعقل قائله..
“البنت شكلها تعبان أوي وقلبها مجروح جرح مش هين،وأكيد كلامها مش قصداه، ولا فاهمه معناه، وانت لازم تفكر كويس جداً في حكاية جوازك منها دي.. لأنها للأسف بحالتها دي، واللي قالته صعب توافق عليك او على غيرك حتي.. فبلاش تحرج نفسك معاها يا حبيبي”..
هب واقفاً، وسار نحو الشاشة ببطء..قام بتصويب الكاميرا على ساحرته فقط.. حتى أصبح وجهها الملائكي الباكي ظاهر بوضوح..
رفع يده ومسد على وجنتيها كأنه يزيح عبراتها بمنتهي الرقه.. وتحدث بدهشه من نفسه، وأفعاله قائلاً..
” أنا نفسي مستغرب اللي حصلي من ساعة ما شوفتها يا ديجا.. هي فعلاً ساحره.. ساحرتني بجمالها الصافي، وأخلاقها اللي مقبلتش زيها في حياتي قبل كده”..
أخذ نفس عميق، وتابع بأسف..
“كل الستات اللي اترمو في طريقي معظمهم عرضوا نفسهم عليا من غير جواز حتي،اللي طمعانه في فلوس، واللي شغاله لحساب أعدائي، وبنت رئيس الوزراه دي خطوبتنا مجرد بسنس وبس”..
طرد زفره نزقه وأكمل بتنهيده..
” ومش هكون مثالي وأقولك إني مستغلتش شويه من الستات الرخيصه دي لحسابي.. بس خلاص.. العمر بيجري وانا بقي عندي 33 سنه ولسه مجبتش وريث لأملاك الدمنهوري،و إسراء ظهرتلي في الوقت المناسب.. وقت عايز فيه إنسانه تاخد بأيدي للصح وتمنعني عن أي غلط بعمله يا ديجا”..
رفعت” خديجه” حاجبيها بدهشه، ورمقته بنظرات منذهله وهي تقول..
“وتفتكر إسراء هي الانسانه دي يا ابني؟!”..
ابتسم” فارس” لها ابتسامه هادئه، وحرك رأسه بالايجاب عدة مرات وهو يقول..
” هي يا ديجا هي..قدرت تعمل اللي قبلها فشلو فيه”..
صمت لبرهه وتابع بفرحه غامرة اعتلت ملامحه الوسيمه..
“خطفت أنفاسي ،ونبض قلبي من أول لحظة وقعت عنيا عليها”..
حركت” خديجه” رأسها بالنفي واقتربت منه وضعت كف يدها على جبهته وتحدثت بشك قائله..
“لا لا لا.. انت مش طبيعي أبداً.. فارس الدمنهوري طول عمره مالوش في الكلام الرومنسي، ولا حركات الرجاله الحبيبه دي.. أكيد في حاجه غلط “..
رفع” فارس ” إحدي حاجبيه ونظر لها بفخر قائلاً ََ..
“دا انا ليا وليا كمان.. وعندي بحور رومانسيه شيلها للحبايب يا ديجا”..
دمدمت” خديجه” بصوت هامس محدثه نفسها..
“اممم ربنا يستر.. شكلنا داخلين على بحور فعلاً، وعلى الله محدش يغرق”..
بينما عاد” فارس”يتابع ساحرته بهتمام، وابتسامه بدأت تختفي شيئاً فشيئاً حين استمع لحديثها الباكي الذي يدل على شدة حزنها، وألم قلبها..
……………………………..
..بغرفة إسراء..
كانت “إلهام”.. يعتصر قلبها بألم حاد على بكاء وحيدتها.. ليس بيدها أي شيء تقدمه سوي الدعاء لها وضمها لحضنها، والبكاء معها..
تلك الفتاه الصغيره التي أصبحت بين ليله وضحاها.. أرمله ومسؤله عن ابنتها، ووالدتها أيضاً ..دفنت حزنها بين ثنايا روحها..جاهدت حتي تظهر قويه بعدما رأت نظرة بعض أشباه البشر لها..نظره كالسوط تجلد جسدها،وتمزق قلبها..
وبالأخير وقعت تحت رحمة “فارس” ذلك المغرور كما تطلق عليه هي..
بنظرها الحياة ليست عادله،ولكنها على يقين أن الله الذي خلق هذه الحياة سيكون عادلاً، ورحيماً بها..
أطبقت جفنيها ببطء حين داهمتها ذكري زوجها الخلوق.. الرجل الذي تفنن بعشقها.. رغم ضيق الحال، والظروف الكثيره الصعبه التي مرت عليهما أثناء فترة زواجهما القصيره إلا أنه كان سنداً لها عند ضعفها..
ظلاً تستضيء به في الهموم و الأحزان .. مصدر قوتها وأمانها..
لينتهي كل هذا وتصبح وحيده من دونه بعدما حرمت منه للأبد..
بكت “إسراء” داخل حضن والدتها.. ملجأها الوحيد.. تتمسك بها بكل قوتها مردفه بغصه مريره..
“انا مش حمل كل اللي بيحصلي دا يا ماما.. جوزي حب عمري يموت في عز شبابه.. ويسبني لوحدي في الدنيا القاسيه دي.. انا من غيره بقي ضهري مكسور”..
رفعت وجهها ونظرت لها بأعين شدة الاحمرار، وتابعت بصعوبه من بين شهقاتها..
“من يوم ما مات وانا بلف حولين نفسي في دايره مقفوله مش عارفه أخرج منها، وقولت اعمل محاوله وأروح لصاحب الشركه يمكن ربنا يجعله سبب وأقدر أصرف معاش رامي”..
إزداد نشيجها وأكملت بأسف..
“بس طلع معندوش قلب وخلي الحرس بتوعه يضربوا عليا نار.. انا كدبت عليكي.. هو مكنش زوق ولا نيله معايا يا ماما”..
شهقت “إلهام” بصدمه مردده..
“يا كبدي يا بنتي”..
مسحت” إسراء ” عبراتها بظهر يدها بطفوله، وتابعت بغيظ..
” ودلوقتي جابني البيت عنده هنا علشان يعرف مني اللي جوزي شافه عنده في الشركة وقالي عليه قبل ما يموت”..
عقدت” إلهام” حاجبيها، ونظرت لها بقلق وتحدثت بتساؤل قائله..
“وهو عرف منين أن جوزك قالك حاجه عن شغله يا إسراء؟!”..
زمت “إسراء” شفاتيها واجابتها بملامح عابثه..
” انا اللي قولتله قدام الحرامي اللي بيسرقه واللي عامل نصايب في شركته من ورا ضهره علشان أحرق دمه زي ما سيح دمي وخت 6غرز مش عايزين يخفو لحد دلوقتي “..
“يالهوي على هبلك يابت.. بقي علشان تحرقي دمه توقعي نفسك مع واحد حرامي ممكن ينتقم منك ويعمل فيكي حاجه يا إسراء؟! “..
أردفت بها” الهام” بعتاب وهي تخبط على صدرها بخوف وفزع شديد..
عضت” إسراء ” على شفتيها، وبأحراج قالت..
” انا عارفه اني اتغبيت وقتها، وغضبي وغيظي عماني ومبقتش عارفه بقول أيه.. بس دا ميدلوش الحق انه يبقي مراقبني في كل خطوه بعدها لحد ما استغل تعبي وجبني على بيته”..
وضعت” الهام” أصابعها أسفل ذقنها تفكر بحديث ابنتها بتمعن، وتحدثت قائله..
“يبقي انا نظرتي في فارس دا صح.. الراجل فعلاً طلع عايز يحميكي بعد كلامك اللي قولتيه قدام الحرامي”..
صكت” إسراء ” على أسنانها بغيظ متمتمه..
“يا سلام يا ست لوما، وهو عشان يحميني يقوم يتجوزني؟! “..
ضحكت” الهام” بقوه وامسكت وجنتيها بين أناملها تداعبها بلطف وهي تقول بخبث..
“ما أنتي عجبتيه، ودخلتي دماغه، وبإذن الله هتعششي في قلبه قريب أوي يا كبد أمك،وانا قلبي مطمني ليه مش عارفه ليه يا بت يا أم إسراء مع انه بجح وجرئ ومبيتكسفش خالص سبحان الله”..
رفعت كلتا يدها للسماء ودعت من صميم قلبها قائله..
“يارب لو فارس دا خير لبنتي اجعله من حظها ونصيبها، وعوض وفرحه لقلبها يمحي حزنها وتفرح معاه بشبابها يااااااارب “..
ترقرقت أعين” إسراء ” بالعبرات، ونظرت لها بعتاب قائله..
” انتي بجد عايزاني اتجوز بعد رامي الله يرحمه ، وأكون لواحد غيره يا ماما؟!”..
ربتت “إلهام” على كف يدها بحنان، وبتعقل قالت..
“يشهد ربنا يا بنتي ان موت رامي شق قلبي عليه كأنه ابني اللي مخلفتوش، ولو كانت ظروفنا أحسن من كده، وانا سليمه ومش حمل عليكي بمرضي؟!”..
أسرعت “إسراء” بوضع يدها على فمها توقفها عن تكملة حديثها، وهي تقول بلهفه..
“انتي عمرك ما كنتي حمل عليا يا ماما.. دا انتي وبنتي اهلي، وناسي وعزوتي اللي مليش غيرهم في الدنيا.. ربنا ميحرمنيش منكم أبداً يا حبيبتي “..
جذبتها” إلهام” لحضنها.. تضم رأسها بحنان بالغ، ولثمت جبهتها بحب وهي تقول..
“ولا يحرمني منكم يا ضنايا.. بس اسمعيني وافهمي كلامي كويس يا بنتي.. انا عمري ما هضرك، ولا هسيبك تضري نفسك..احنا حالنا دلوقتي لا يسر عدو ولا حبيب، وانتي لفيتي على شغل ياما ومافيش حاجه نافعه معاكي،وانا لو كنت أقدر اشتغل كنت ساعدتك وشلت عنك شويه بس ما باليد حيله.. الحمدلله على كل حال”..
وضعت أناملها أسفل ذقنها جعلتها تنظر لها وتابعت بصوت متحشرج بالبكاء..
“أنتي لسه صغيره والحياه قدامك.. متدفنيش شبابك بحزنك، وأدى لنفسك فرصه تانيه يابنتي يمكن يكون فيها خير وفرح لقلبك”..
حركت” إسراء ” رأسها بالنفي، وهمت بالاعتراض.. لتسرع” إلهام ” قائله بأمر..
“متستعجليش وفكري الأول، بطلي عياط وفوقي لنفسك انتي مش بطولك علشان تاخدي قرار لوحدك.. انا وبنتك متعلقين في رقبتك، واللي هتعمليه هيعود علينا كلنا..فقومي اتوضي ووضيني معاكي واوقفي بين ايد ربنا واطلبي منه يوفقك للصالح”..
“إسراء” بطاعه.. “ونعمه بالله العلي العظيم.. حاضر يا ماما هتوضي، واساعدك تتوضي، ونصلي سوا”..
اعتلي وجهها غضب مفاجئ وتابعت بأصرار..
” ولو ست خديجه موافقتش تشغلني.. يبقي هاخدك ونمشي من هنا غصب عن عين اللي اسمه فارس بيه دا”..
بينما “فارس” يتابع حديثهما بهتمام شديد، ومن ثم اتجه لخارج جناحه قاصداً غرفة ساحرته،وعلى وجهه ابتسامه متسعه تظهر مدي استمتاعه بالحديث مع تلك المشاكسه..
……………………………….
“إيمان”..
تتابع “تامر” زوجها المحتضن” إسراء ” الصغيره ويمسد على ظهرها بحب، ويقوم بأطعامها بنفسه، ويداعبها فتدوي صوت ضحكاتها البريئه تدخل السرور على قلب من يرها..
اعتلت ملامحها ابتسامه حزينه تخفي بها عبراتها التي ملئت عينيها، وتنهدت بصوت عالِ، واقتربت ببطء جلست جوارهما بعدما شعرت أن نوبة غضب زوجها هادئه الآن..
تتأمله بأعين عاشقه.. تشتاقه حد الجنون.. منذ موت شقيقه من ثمانيه أشهر، وهو تبدل حاله معها.. أصبح شخص أخر غير حبيبها الذي كان لا يطيق الإبتعاد عن حضنها ليله واحده..
أقتربت منه قليلاً حتي أصبحت تفصلهما بضعة انشات،وأغمضت عينيها لتهبط دمعه حارقه على وجنتيها مسحتها سريعاً وأخذت نفس عميق تستنشق عبق رائحته التي تتوق لها..
غير منتبه هو لها.. أو مصطنع عدم الإنتباه.. انتفضت بفزع،وكتمت شهقه خافضه حين تحدث بأمر قائلاً..
“قومي حضرلنا العشا علشان البت شكلها جعانه”..
قالها “تامر” بنبرته الصارمه،والتي أصبحت جافه مع زوجته طيلة الفتره الأخيره..
كأنه شعر بقربها واشتياقها له فقرر ابعادها عنه..
ظلت جالسه بمكانها جواره تنعم بقربه للحظات.. تستجدي قلبه أن يرأف بها..
رسم الغضب على ملامحه واستدار فجأه ينظره لها نظره دبت الرعب بأوصالها، وبغضب مكتوم قال من أسفل أسنانه ..
“انا مش قولت اتزفتي قومي حضرلنا عشا علشان البت جعانه.. ايه مسمعتيش؟”..
ظنت انه سيضربها كعادته مؤخراً.. لا يتحدث بلسانه.. فقط بيده.. فرفعت يدها بتلقائيه، واخفت وجهها بخوف مردده بطاعه..
“حاضر يا تامر.. هقوم”..
جحظت عينيه من رد فعلها، وما أوصلها إليه.. أسرعت هي،وانتفضت واقفه، وسارت نحو المطبخ بخطوات مهروله.. أمام نظراته المنذهله..
لتتوقف فجأه دون أن تلتفت له، وقد أغرقت عبراتها وجهها، وتحدثت بصوت جاهدت لأخراجه طبيعاً لكنه خرج مرتجف يظهر به كم قهرها، وحزنها..
“تامر انا عارفه أن علاجي طول أوي.. أكتر من 4سنين بتعالج، ومافيش نتيجه، وشكلي مش هقدر أخلف أبداً”..
تشنج جسد “تامر” وهو يستمع لحديثها الذي أعاد عقله له، وجعله يتذكر مرض زوجته، وقلبها المجروح الذي زاد هو جرحه أضعاف بمعاملته لها وابتعاده عنها..
مسحت “إيمان” دموعها بعنف، ورسمت ابتسامة زائفه على ملامحها الحزينه، واستدارت ببطء وتابعت دون أن تنظر له، والقت جمله جعلته يأنب نفسه على ما أوصلها إليه..
“وانت من حقك يكون عندك أولاد يشيلو أسمك.. علشان كده بطلب منك تتجوز يا تامر” ..
صمتت لبرهه تحاول الحفاظ على ثباتها، وتسيطر على بكائها، واكملت..
“كنت خايفه أقولك الكلام دا قبل كده لتتجوز واحده متوافقش إني افضل على زمتك، وتخليك تطلقني”..
نظرت له بعشق شديد ظاهر بعينيها الحزينه، وتابعت بلهفه..
” وانا مش عايزه اطلق منك يا تامر.. عايزه أفضل على زمتك حتي لو اتجوزت عليا”..
هبطت عبرتها بغزاره، وبصوت مبحوح قالت..
” انا بحبك ومليش حد غيرك”..
وجهت نظرها للصغيره المستكينه داخل أحضان عمها، وأكملت بحنو..
“وزي ما قولت قبل كده.. أنت أولى بلحم بنت أخوك”..
أخذت نفس عميق، وبقوه مزيفه قالت..
” اتجوز إسراء يا تامر.. أنت ظلمتها وهي شريفه..كلمتني وفهمتني كل حاجه وانت عارف انها لو كدبت على النيا كلها مبتكدبش عليا.. قالتلي انها راحت بيت صاحب الشركة علشان تشتغل خدامه عند مامته و؟! “..
قطعت حديثها حين لمحت ملامحه التي تبادلت من الهدوء.. للغضب العارم.. وضع الصغيره أرضاً بجوار العابها الذي جلبها من أجلها ،وهب واقفاً وسار نحوها ببطء مريب حتي أصبح أمامها مباشرةً..
ضيق عينيه،ومال برأسه على وجهها وأردف قائلاً بتساؤل..
“عايزاني اتجوز عليكي أرملة أخويا اللي أنتي بتعتبريها أختك يا إيمان؟!”..