روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الخامس والأربعون

رواية أغصان الزيتون البارت الخامس والأربعون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الخامسة والأربعون

“اللغـز الذي حيّر عائلة بأكملها، والآن تنجرف أمواجها للشاطئ كي تختطف كل ما عليه، وتبتلعه في جوفٍ لا قاع لـه.”
______________________________________
منذ أن رأى بنفسهِ صورة طفلهِ وفضولهِ يدفعه لرؤيته في الطبيعة، أن يطل عليه مرة واحدة، وكأن الشك في قلبهِ حول ذلك الشبه الذي بدا مريبًا بالنسبة إليه. لم يمنع نفسه من ذلك، بل اختلق سبب ليدخل غرفتها فـ يراه، وگعادته فتح الباب دون أن يطرقه؛ لكنه وجد الغرفة فارغة تمامًا منهم، تقوست شفتيهِ حينما عادت ساقهِ خطوة للخلف من أجل المغادرة؛ لكنه لمح شيئًا استوقفه واسترعى انتباهه، ذلك الإطار المكسور على الأرض والمحاط بقطع الزجاج المهشمة. ضاقت عيناه ودخل نحوه، انحنى قليلًا حتى يراه عن كثب، فتأكدت ظنونهِ بإنه نفس شكل الإطار الذي أهدتهُ إياه “يسرا”، ولم يكن ظنّه إلا إنها فعلت ذلك عن عمد مقصود. التفت من حوله يبحث عن سلة المهملات حتى رآها في الزاوية، فـ سار نحوها ونظر داخلها، ليتفاجأ بنصف الصورة التي قطعتها “سُلاف” لقطع صغيرة ورمتها. تشبّعت ملامحه بتعابير الذهول، وما زال يُصدم من ردود أفعالها العدوانية، وإنها تحمل داخلها طاقة كراهيه شديدة له، لا يُعقل إنها تكونت لمجرد علاقة حميمية نشأت بينهم ونتج عنها طفل غير شرعي، هناك سابقة مُشينة بينهما لا يعلم عنها أحد سواها، بل أن تلك السابقة جرّت معها كُل آل القُرشي أيضًا. استشعر “حمزة” تلك الحرارة المنبعثة من صدرهِ، كأنها شُعلة أمسكت في ثيابهِ وتسللت إليه، فـ سحب نفسه وخرج من غرفتها بعجالةٍ مندفعة، عُجالة منعتهُ من رؤيتها على رأس الدرج وقد رأتهُ هي أثناء خروجه بذلك الشكل، فـ ارتابت و سعت للدخول بسرعة كي تطل على الغرفة، وسرعان ما تفهمت إنه رأى ما تركته خلفها، والغريب إنها لم تكترث، لم تُعير الأمر أدنى اهتمام حتى!.. كأنه رأى ما أرادت هي أن تُريه إياه.
***************************************
في غرفة مكتبه الخلفية التي تبعد قليلًا عن محطّ أنظار الجميع، اجتمع مع أحد رجاله الأوفياء الذي يثق فيهم، وبسريّة تامة بعيدًا عن آذان ابنه أو حتى زوجتهِ. جلس “شافعي” قبالته على المكتب، وقد أعطاه الخبر اليقين الذي تأكد من صدقه، فـ تلونت تعابير “صلاح” بتغيرٍ مفاجئ، وهو يردف بـ :
– يعني كل البيانات دي مزورة؟؟.
أومأ “شافعي” رأسه مؤكدًا صحة المعلومة التي أتى بها :
– آه ياأستاذنا.. دي مش سُلاف محفوظ السني، ده أسم ببيانات مزورة ملهوش أساس من الصحة.
وقف “صلاح” عن جلستهِ، وحاول ألا يترك غضبهِ يتمكن منه فـ يصيح صياحًا هادرًا بتلك الساعة المتأخرة :
– دي عصابة بقى!!.. واحدة مزقوقة علينا مش مجرد بت غلط معاها حمزة!.
وضرب على سطح المكتب وهو يسترسل في الحديث :
– دي مصيبة يا شافعي!!.. البت دي خدت مني البيت بتاعي بعقد بيع وشرا وليها حق التصرف فيه!.. صحيح إنه بأسم الواد الصغير لكن في بند يُقرّ بوصايتها هي عليه!.. مـــين دي يا شـافعـي!.
نهض “شافعي” عن جلسته محاولًا تهدئته و :
– أهدا بس يا باشا خلينا نفكر صح.
فـ صاح فيه بغتة :
– صح إيـه وغـلـط إيـه!!.. بقولك جايـه تنـهـب!.
تجول “صلاح” يمينًا ويسارًا بعشوائية، وهو يغمغم بـ :
– لازم نعرف البت دي مين بالظبط، ولو كانت جاسوسة عناني ولا هو اللي وراها أنا هنسفه.. هـنـسفـه نـسـف!.
– أنا فعلًا شغال على ده، متقلقش خالص.
تملك التوتر منه، حتى بات يفكر بشكل أكثر عشوائية ودون تخطيط مُحنك :
– خد راغب يشد معاك في الحوار عشان نخلص.
عادت نوبات الغيرة القاتلة تنهش في “شافعي” بلا هوادة، وتهرّب من ذلك الأمر قائلًا :
– بس سيادتك قولتلي مش عايزين نعرف راغب لأنه هينقل الموضوع لحمزة على طول!.
فـ زجرهُ “صلاح” بنظرات مُتهمة، كأنه أحس بتقصير منه أو ما شابه :
– ماانت مش عارف تخلص الموضوع لوحدك!.. بقالك قد إيه بتدور عشان تطلعلي معلومة مهببة زي دي، وكمان بعد ما خسرت بيتي!.
تماسك “شافعي” لئلا يخسر هدوءهِ المُصطنع، وأردف بـ :
– صدقني أنا شغال بكل جهدي، وهجيبلك المعلومة الأكيدة أقرب مما تتصور.
تأفف “صلاح” بإنزعاج شديد، ورمى بجسدهِ على المقعد الخشبي الهزاز، ليبدأ في التأرجح تلقائيًا وهو يحمله :
– والبيت، عملت إيه في موضوع البيت؟؟.
– خلصت تسجيله بأسمك وخلال أسبوع كل العفش اللي اتفقنا عليه هيروح هناك ويتفرش، يعني كلها ١٠ أيام والبيت الجديد يكون جاهز لأستقبالك.
أرخى “صلاح” ظهرهُ على المقعد الهزاز، وسرح بعقلهِ الذي أصبح گـ كرة الصوف التي تشابكت خيوطها، وعشرات الأفكار تتأرجح في رأسه يمينًا ويسارًا، كلها تتجه نحو “سُــلاف” ، اللغـز الذي حيّر عائلة بأكملها، والآن تنجرف أمواجها للشاطئ كي تختطف كل ما عليه، وتبتلعه في جوفٍ لا قاع لـه.
***************************************
لقد بدأت معالم الخريف تزحف زحفًا على مصر كلها، بعض الغيوم، رياح لطيفة باردة، ورائحة الأوراق المتساقطة گالأحلام التي ذهبت هباءًا منثورًا. ظهرت أعراض الإكتئاب الموسمي عليها، فـ اعتزلت الجميع حتى في وقت العشاء العائلي، وانزوت على نفسها بإنفراد في الحديقة الخلفية، أمام المسبح مباشرة. أطبقت “يسرا” جفونها، وأطلقت العنان لخيالها الذي ذهب بها إليه، ذاك الشخص الوحيد الذي ترغبه من الدنيا ولا تريد أي شئ آخر. بزغت ابتسامة سعيدة، وحينما فتحت عيناها وجدت واقعها الحقيقي. اقتربت منها “سُلاف” بإبتسامة صغيرة، وهتفت بـ :
– افتكرت هاجي آلاقيكي جاهزة.
قطبت جبينها بإستغراب وهي تسألها :
– جاهزة لأيه!.. .دي الساعة بقت ١ بعد نص الليل؟!.
نظرت “سُلاف” في ساعة اليد خاصتها قبل أن تجيب :
– أنا عارفه إن الوقت متأخر شويه، لكن ده الوقت الوحيد اللي هقدر أخرجك فيه من هنا يا يسرا.. حمزة مش موجود وأهلك في أوضتهم.
نظرت “يسرا” من حولها و :
– طب آ… هعمل إيه ؟.
– ولا حاجه.. أنا اللي هعمل ، أنتي بس هتلبسي هدومك وتيجي لحد هنا تاني، هتلاقي عِبيد مستنيكي وهو هيقوم بكل حاجه.
قفزت “يسرا” من مكانها بتحفزٍ عجيب :
– حالًا هكون جاهزة.
استخدمت “سُلاف” هاتفها في إرسال رسالة نصية لـ “عِبيد”، ثم أغلقت الهاتف وهي تتمتم بـ :
– ربنا يقدرني على فعل الخير دايمًا.
***************************************
كان يجوب الشوارع بسيارته بلا هدف، طال الوقت عليه وهو في تلك الحالة التي لا يجد لها مُسمى، تيه لا يعلم حتى كم الساعة الآن، فقط فتح النوافذ كلها وترك الهواء يرتطم بوجهه وجسدهِ من كل الأنجاء؛ لكن هذا لم يفيد في حالتهِ المستعصية، أوشك على تصديق إنه يحتاج للتدخل النفسي من أحد المتخصصين، أو ربما يحتاج اختفاء “سُلاف” نهائيًا من حياته لتعود إلى سابق عهدها، هادئة، لطيفة، ممتعة. أغلق “حمزة” النافذة المجاورة له حينما رنّ هاتفه، ليتمكن من الرد دون أن يزعجه صافرة الهواء الطلق، ثم لمس الهاتف بعدما وضع السماعة بأذنه ليجيب :
– أيوة.
– مساؤ عسل ياأبو البشوات.
نفخ “حمزة” مضجرًا و :
– خير ياأبو زيد!.. في حاجه حصلت؟.
– إيه صوت الهوا ده!!.. انت سايق ولا إيه!.. لأ خلي بالك من السواقة بالليل دي تقلق.
تذمر “حمزة” من اجتماعيته المفرطة وكأنهم زملاء صف واحد، ولم يحجب عنه ضيقهِ بشأن ذلك الأمر :
– هو احنا هنتصاحب ولا إيه!!.. ما تقول اللي عندك يا عم.
تغير صوت “زيدان” قليلًا، وهو يسأله بإستفهام :
– ده انا قولت هلاقي الغزالة رايقة بعد ما تستلم هديتي!.. هي موصلتش ولا إيه؟.
تغضن جبين “حمزة”، وهو يُطالع الطريق جيدًا من أجل أن يصفّ سيارتهِ جانبًا :
– هدية إيه اللي بتكلم عنها، مش فاهم حاجه؟؟.
– بعتلك ظرف في سوفريس.
– إيــه!!
ضحك “زيدان” ضحكة بلهاء وهو يصحح لغتهِ الأجنبية الركيكة :
– قصدي يعني مفاجأة.
هُنا أدرك “حمزة” إنه فوّت شيئًا هامًا، عندما أجّل فحص البريد اليومي من موظفة الإستقبال، ووضعه بلا اهتمام في درج مكتبه لـ يُطالعه في حينٍ آخر. شبت غريزة الفضول في صدرهِ، وتسائل بفضول شديد :
– مفاجأة إيه!.. قول بسرعة انا مش في المكتب.
رفض “زيدان” ذلك رفضًا قاطعًا، متخذًا كافة التدابير التي تحمي كلاهما :
– لأ لمؤاخذة، يمكن تليفونك على الهوا ولا حاجه، معلش ياأبو البشوات روح شوفها بنفسك وكلمني.. سلامات.
كان ذلك دافعًا ضخ الجنون في أعصابه التي كانت بالفعل متأججة، وبدون تفكير كان يعاود قيادة السيارة وقد نوى أن يسلك أول دوران للعودة إلى مكتبه في أسرع وقت، بدون أدنى انتظار.
***************************************
لم يصدقها، فكرة مجنونة گتلك كانت باعثًا للقلق في نفسهِ، لا سيما اختيارها لـ تلك المنبوذة گمحامية تدافع عنها. تشتتت أنظار “راغب” وهو ينظر للقليلين من حوله بالمقهى الراقي، وهتف بخفوتٍ سمعته :
– ده جنان!!.. خلع إيه اللي ترفعيه يا يسرا؟؟.. أنا قولت طلاق مش خلع!.. ليه مصممة تحطي نفسك في موقف مع البني آدم ده.
كان قوية شجاعة، بعدما اقنعتها “سُلاف” بقوة موقفها في القضية، والذي سيضمن لها حكم لصالحها :
– أنا عايزة أربيه يا راغب.. اللي هو عمله معايا مش هيعدي من غير عقاب.
تغضن جبينه بإستغراب، متعجبًا من موقفها الذي تغير بين ليلة وضحاها :
– مكنش ده كلامك من كام يوم!!.. كنتي عايزة تخلصي منه بأي شكل!.. مين اللي زرع في دماغك موضوع التربية ده!!.
ثم انفعل فجأة وهو يخمن :
– أكيد البت اللي اختارتيها عشان ترفع القضية، مرات أخوكي الحرباية!.
تأففت “يسرا” بإنزعاج وهي تدفع بتلك التهمة عن “سُلاف” :
– هي ملهاش علاقة، أنا اللي اخترت الطريق الصعب.
مسح “راغب” على وجهه بعنف و :
– انتي ماشية في سكة غلط وكل ده هييجي على دماغي أنا وانتي.. وفي الآخر يا إما هقتل حاتم ياإما هو هيقتلني.. أو هو وحمزة هيمسكوا في بعض وفي النهاية أنا هتدخل وهكون طرف برضو.. انتي عارفه كده ولا لأ ؟؟..
اتسعت عيناها بذهول من توقعهِ المخيف، ونفت وقوع أمر گهذا :
– إيه الكلام ده يا راغب!.. طبعًا مش هيحصل.
– لأ هـيحصل.. عشان حاتم غبي وغلاوي وهيعمل معاكي حركة و××× رد على عملتك دي.. ولا نسيتي البت بتاعة البسين!.
تفشّت المخاوف بصدرها، ورغم ذلك حاولت ألا تبين له شيئًا من مشاعرها المرتجفة :
– مستحيل، أنا مش واحدة صاحبته يا راغب.
– ده الأسوأ، لما يفضح واحدة ويجيبلها شوية نسوان يدوها علقة موت لمجرد إنها صحبته وفضحت علاقتهم ببعض.. أمال مراته اللي عايزة تشهّر بيه وتخلعه هيعمل إيه معاها.
— على جانب آخر —
كانت “سُلاف” قد دخلت بالفعل للمكان، وبتأني وحرص شديدين كانت تفحص المتواجدين بالمكان كله، بحثًا عن الطاولة التي تجلس عليها “يسرا” برفقة حبيبها المجهول. وفي لحظة كانت عيناها ترصدهم، لتسيطر صدمة عظيمة على كافة حواسها، مع رؤيتها لـ “راغب” جالسًا برفقتها، وعلى ما يبدو أن الحوار بينهم قد أخذ محمل جدّي للغاية، لتهمس هي بـ :
– دي ليلة سودا ومش فايتة على دماغك!.
عادت للخلف خطوتين غير قادرة على التفكير الجيد؛ فـ ألهمها عقلها لأن تُخلد ذلك المشهد وتحتفظ به گدليل بين يديها، وبناء عليه كانت تستخدم هاتفها بشكل سري وحريص جدًا، لتصوير مقطع مُصور صغير للغاية، وكأنها تعبث بهاتفها أو ما شابه، ودون أن تلفت إليها أي انتبـاه…
****************************************
أغلق “حمزة” الباب من خلفه، وقد أضاء أغلب أنوار المكتب بالخارج، هرع للداخل ونسبة الأدرينالين في دمائه قد تخطت كل المقاييس، حتى إنه كان يلهث بشدة من فرط مجهوده الذهني قبل البدني. تعثر في المنضدة الصغيرة بغرفته، حتى إنها سقطت ولم يعبأ بذلك متابعًا ركضهِ، فتح الدرج، أخرج البريد كله وبدأ يفحص ظرف ظرف وكله شتات وتوتر، حتى أمسك بذلك الظرف المميز، والذي وجد عليه طابع المحافظة (مطروح)، ازدرد ريقه وهو يشقّ الظرف بتلهفٍ غير مسبوق، ليجد داخله ورقة مطوية، فـ ألقى الظرف أرضًا وفتح الورقة وكلهِ شغف، ليقرأ ذلك الأسم المكتوب بالخط العربي النسخ :
– ( سُـــــــــلاف إســــمــــــاعــــيـــل زيـِّــــــــــــان )

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى