روايات

رواية حورية الفصل الثالث 3 بقلم ميان مالك

رواية حورية الفصل الثالث 3 بقلم ميان مالك

رواية حورية الجزء الثالث

رواية حورية البارت الثالث

رواية حورية الحلقة الثالثة

صباح يومٍ جديد
كان يوسف وحورية يجهزون المائدة للإفطار، ورحمة تجهز الإفطار نفسه، إلى أن قاطعهم دخول لورا المفاجئ من باب المنزل والذي حاز على إنتباه الجميع
وأنفعال صرخت لورا وركضت بأتجاه حورية غير مصدقة أنها بالفعل جاءت إلى هنا بنفسها
وأثناء العناق والقُبلات ضربتها رحمة على مؤخرة رأسها قائلة بتوعد :
“ماشي حسابك معايا بعدين على العملة السودة إلى عملتيها دي”
تحدثت لورا بمرح :
“مامي القمر خلاص بقى متزعليش، طب بصي جبتلك إيه”
وأخرجت من حقيبة ظهرها ذلك الورد الأحمر الملفوف بقماش أسود الذي جلبته لورا خصيصاً لوالدتها التي تعشق الورد الأحمر
وكجميع النساء نست رحمة غضبها من لورا وسخطها على أفعالها الحمقاء وصبت كامل تركيزها على تلك الورود التي عانقتهم بلطف وتحركت للداخل لتضعه بالمزهرية الخاصة بورداتها
(مش عارفة وقتها حسيت بإيه، لكني كنت حسا أن الناس إلى كُنت عايشه وسطهم كل العُمر ده مش عيلة، وأن العيلة إلى بجد هما دول إلى شاء القدر أنه يحطني بينهم، وقتها متمنتش أي حاجه غير أني أكون شبهم وجزء منهم)
بعد منتصف الليل
كانت تجلس في الشرفة تحتسي الشاي، شاردة في حالها البائس
تُرى ماذا سيحدث أن علم خالها بوجودها هنا، بالطبع سيدفنها حية، لكن لماذا !
على ماذا سيعاقبها أنها رفضت وقالت لا، أم أنها ذهبت في الطريق الأسهل وهربت كما تفعل دائماً
(الهروب ..أسهل طريق يقدر البني آدم يمشي فيه، في البداية بس ممكن تحس أن الطريق الأسهل والأفضل بدل المواجهه، لكن أنك تعيش الباقي من عمرك هربان !، أسوء شئ ممكن يحصل لك، المواجهه متعبة ومرهقة لأبعد حد لكنها بتريح، مش شرط أن يكون اليوم أو بكرة، ممكن يكون بعد شهر أو سنة المهم أنك أكيد هتلاقي راحتك يوماً ما، من وجهه نظري أن الهروب عمره ما هيكون حل، الحل أنك تعرف تقول لا)
طرق يوسف على المنضدة التي تجلس خلفها، ليتوجهه أنتباهها له، عقد حاجبيه بدهشة وهو ينطق بشك :
“أنتي بجد كنتي سرحانة للدرجة دي !”
وضعت كوب الشاي على المنضدة وهي تبتسم بتفاجؤ :
“أنت هنا من بدري”
هز رأسه ناظراً للشارع الهادئ بسبب تأخر الوقت وأردف :
“من شوية ..لحد ما قررت أقطع عزلتك وأفكارك عن ماضيكي وأقعد أرغي معاكي”
“عادي براح… ، عرفت منين أني سرحانة في الماضي !”
أشار لعيناها قائلاً بهدوء :
“عينك كانت مدمعة”
أبتسامة صغيرة حزينة هي كل ما تمكنت من فعله وعادت تنظر للشارع مرة أخرى، ظل يوسف صامتاً محترماً رغبتها في الصمت
لكنه لم يظل طويلاً، لأنه قال محاولاً أن يكون لطيفاً :
“حورية عارف أنك زعلانة ومضايقة، والموضوع يضايق عندك حق، لكن هتعملي إيه هتفضلي قاعدة كده، طول حياتك هتفضلي تعيطي على الماضي، ده كده مش حُزن كده هبل”
رمشت له عدة مرات غير مصدقة ما يتفاوه به، ليتحدث مرة أخرى بصراحة أكبر :
“أيوة هبل، عمرك إلى فات ضاع بسبب وجودك في المكان الغلط وبسبب ضعفك في أنك ترفضي أي حاجه مش عايزاها، هتضيعي الباقي !، يبقى أستفدتي إيه من هروبك، ولا أي حاجه، كان المفروض كل حاجة ترميها ورا ظهرك من يوم ما ركبتي الطيارة”
أنفعلت بغضب ولأول مرة :
“أرمي إيه !!، إلى بيترمي بيكون ماضي، لكن ده حاضر، أنا خالي مماتش ده بيدور عليا وهيلاقيني وقتها كل الماضي هيرجع ويبقى حاضر، الماضي بيكون باب مقفول مستحيل يتفتح، أما خالي هيرجع وهيكسر الباب ده فوق دماغي، أنت متعرفوش”
مسحت دموعها التي هبطت دون إرادتها، ثم رفعت نظرها له، لتجده يضع يده على إحدى وجنتيه يطالعها بملل
أردفت بتوتر :
“أنت بتبص لي كدة ليه !!”
أنزل يوسف يده وأردف بصراحة :
“أصل من ساعة ما جيتي وأنتي بتحكي فى نفس الحدوته تقريباً وتقعدي تعيطي، خلاص كلنا فــ البيت عرفنا أنك غلبانة وهما كسروكِ ودمروكِ وهدموا أحلامك وطموحك وألخ ألخ، هاا طيب ماشي وبعدين !!”
ظلت تنظر له بصدمة شاعرة وكأن لوح تلج يجلس أمامها غير عابئ بمشاعرها وحزنها وكل ما قالته
ليكمل يوسف بضيق بالغ :
“خلاص كلنا عرفنا الحدوته دي، ها هتفضلي واقفه مكانك محلك سر وكل ما حد يكلمك تحكي نفس الحدوته، خلاص إلى حصل كان ماضي وخلص ممكن نشوف حاضرنا شوية بقى”
نظرت للمارة في الشارع، وبعد قليل من الصمت سألته بحزن :
“يعني عايزني أعمل إيه !”
رفع كتفيه بحيرة حقيقية ثم أجاب :
“أي حاجه، وأولهم تخرجي من دور الشكائة البكائة ده زي أخت طه حسين”
رفعت حاجبيها وأتسعت عيناها نسبياً منصدمة من صراحته، لينهض هو متحدثاً بضجر :
“متبصيش كده أيوه أنتي شكائة بكائة، خلاص يا عروسه عرفنا أنك هربتي من فرحك وجبتي لأهلك الفضيحه، ممكن بقى نشوف حياتنا وهنعمل فيها إيه، يعني قومي غيري العالم إلى حواليكي وحياتك البائسة دي، عيشي حياتك وأستمتعي بكل ثانية فيها”
وأنهى كلامه مشيراً لداخل المنزل، بعض الحماس تخلل داخلها، وجزء منها مع ما يقوله يوسف، لذا نهضت وتحركت للداخل بحماس وهي تنوي تغير العالم وتغير كل ما حولها
جلس يوسف على مقعده مرة أخرى وهو يتنهد بأنزعاج من سلبية حورية، لكن ما هي إلا دقائق وعادت حورية مرة أخرى جالسة أمامه بتوتر
ثم همست بهدوء :
“هسمع كلامك وهغير العالم، بس بكرة مش دلوقتي عشان الوقت أتأخر”
وضع يده على عيناه وضغت على شفتيه يحاول كتم السباب داخله بكل الطرق الممكنة والأن تأكد من كلام والدته أن حورية لا أمل من تغيرها أبداً.
(القعدة دي أنا عمري أبداً ما هنساها تقريباً، عارفين النقطه إلى من أول السطر في صفحة جديدة من صفحات حياتك هتخطي كل حاجه فيها وتكتبها على مزاجك كُل حاجة أحساس حلو ميتنسيش، والأحلى أن يكون حد جمبك وأنت بتخطي الخطوة دي كلام عميق صح !، تعالو أكمل لكم)
يومٍ جديد كان شعارة
كل شئ يمكن أن نغيرة، لاشئ ثابت في تلك الحياة
وضع أمامها ورقة وقلم وقال بجدية تامة :
“أول حاجة عشان تغيري حياتك هي أنك تعرفي أنتي عايزة تغيري فيها أيه !، أكتبي إلى عايزة تغيريه إيه الجوانب إلى مش راضية عنها”
“أنا كُل حاجة عايزة أغيرها يا يوسف”
أشار إلى الورقة قائلاً بصرامة :
“إيه كُل حاجة دي، مفيش حاجة أسمها كُل حاجة، في حاجه أسمها نعرف إيه الكُل حاجة دي ونكتبها عشان نعرف نغيرها”
نظرت للورقة بأحباط ثم قالت بعد بعض التفكير :
“طب ممكن بلاش الورقه وتجيب لي كشكول”
(معاناة الواحد بتبدأ لما يكون في مكان غلط، والأدهى لما يحاول يقنع نفسه أنه في المكان الصح وأن كل المصايب إلى بتحصل حواليه دي مجرد أزمة وهتعدي، لا دي مش أزمة دي كوارث ومصايب هتقع كلها فوق دماغك، والمكان ده مش المكان صح، أهرب ..أجري ..أنفد بجلدك العمر مش بيتعاش غير مرة واحدة)
“أنا هروح الجيم !!”
قالتها بصدمة وهي تشير لنفسها بعدما أخبرها يوسف أنها ستأتي معه لصالة الألعاب الرياضية حتى تنقص من وزنها كما تريد
قطم قطمة من التفاحة التي بيده وهو يتسائل بهدوء :
“إيه المشكلة”
“مش عارفة ..إلى أعرفه أن الجيم ده للرجالة”
أقترب منها قائلاً بأبتسامة ساخرة :
“ولله يابنتي كان نفسي أقولك أه، بس الستات مبقتش سايبة حاجة للرجالة بس”
(من نظرتي الصغنونة، أن الجيم للرجالة، أو للبنات إلى بتهتم بصحتها وبلياقتها عموماً، أما واحدة زيي بتفرهد لما تتطلع السلم بتنهج مكنش ينفع تروح الجيم خالص)
سأل يوسف حورية التي تأخذ نفسها بصعوبة وهي تمشي بخطي سريعة نسبياً على جهاز المشي :
“حورية أنتي عندك كام سنة ؟”
قالت بصوت متقطع من المشي :
“22”
رفع إحدى حاجبيه وهو ينظر لهيئتها المتعبة هاتفاً بعدم تصديق :
“22 سنه وبتنهجي بالطريقة دي من مشي نص ساعة !، ده أنتي لو 50 سنة مش هتنهجي كدة”
أبتعدت عن الآلة وهي تقول بتعب :
“أنا خلاص مش قادرة أكمل أنا تعبت، هو أنا كدة خلصت ؟”
“أنتي كدة مش خلصتي، أنتي كدة بقيتي منتهية الصلاحية، أعضائك ماتت من قلة الرياضة إلى بتلعبيها”
قالت بغباء وهي تأخذ نفسها بصعوبة :
“رياضة إيه بس يا يوسف حرام عليك، أنا عايزة أخس مش عايزة ألعب مع الأهلى أنا !”
(أكيد مكنتش بالغباء ده، دي كانت مزحة عابرة عادي، المهم يا أخواتي اللُطاف القمر أنتم، قرر يوسف أنه يكون المرشد عن تغير كل جوانبي الوحشة، مجرد مرشد زي ما قال وأني أنا وبس الأمر الناهي في حياتي، تحت نظرات خالتو رحمة، هي مكانتش بتتكلم لكني كنت بحس قد إيه هي مبسوطة بيا وبتشجعني لما ألاقيها غيرت طريقة عمل أكله كاملة عشان تتناسب مع الدايت بتاعي، أو الحضن بتاعها مع الضحك عليا لما أطلع مدغده من الجيم، دي كانت أول مرة أعرف يعني جملة متخافش أنا جمبك)
ظلت تكرر للمرة بعد الثلاثين أمام المرآة متبعة ما قرأته في أحدى كُتب التنمية البشرية :
“أنا سعيدة، أنا سعيدة، أنا سعيدة”
لا أحد يعلم كم مر من الوقت على وقوفها تلك الوقفه ونطقها نفس الجملة، إلى أن جاء يوسف وفي يده صحن به بعض الخُضار وصاح بصوت عالِ لتسمعه :
“لو قعدتي تقولي من هنا للصبح أنك سعيدة في أحتمالية أنك تتجنني أكبر من أحتمالية إنك تكوني سعيدة”
زفرت بملل وهي تنظر له قائلة بضيق واضح :
“أومال أعمل إيه ما أنا عايزة أكون سعيدة !”
“السعادة جوا كل أنسان أنتي بس محتاجة تدوري جواكي عشان تعرفي إزاي تخرجيها”
أقتربت منه وهي تسأل بفضول :
“أزاي !”
ترك صحن من يده وسألها بهدوء :
“يعني أنتي مثلاً إيه هواياتك، بتحبي تعملي إيه !، حاجه بتستمتعي وأنتي تعمليها حتى لو مش هتاخدي عليها فلوس”
دقائق مرت بلا أي أجابة، هل يمكن الأجابة بلا يوجد ؟، لا تعلم ماذا تقول بالفعل فكرت في أي شئ تستمتع بفعله، لكن في الحقيقة لا يوجد
أنزلت رأسها بحزن ألهذا الحد كانت حياتها فارغة بلا هدف سوى جلي الصحون وتنظيف المنزل فقط
“مفيش !، عادي حاجه كنتي بتحبي تعمليها وأنتي صغيرة”
قال يوسف تلك الجملة ليخرجها من قوقعة أفكارها السلبية، فكرت قليلاً ثم قالت :
“هي كانت حاجة هبلة شوية”
“قوليها عادي”
تذكرت حورية بعض من ملامح طفولتها وهي تبتسم بصدق ناطقة بحنين لتلك الفترة :
“كنت بحب أشوف الفساتين بتاعت الممثلين وأرسمها، يعني فيلم كامل ممكن أقعد أشوف شكل الفساتين إلى فيه وأحاول أرسمه أو أقلده”
“وبعد كده بتعمليه !”
أجابت بواقعية :
“لا طبعا، محدش كان ممكن يوافق على حاجة زي كده”
رفع حاجبه وأردف بتركيز :
“كان !، ده معناه أنك معرضتيش الموضوع أصلا”
هزت رأسها بإيجاب في صراحة وتصالح تام مع النفس
زفر يوسف ببعض الضيق لكنه أرخي ملامحه بعد ثوان وسأل بفضول :
“طب وبطلتي ليه طالما حاجة بتحبيها”
أختفت ملامح الهدوء واللطف التي على وجهها، وتبدلت بأخرى حزينة ..يابسة كوردة بلا ماء أكلها الجفاف
وقبل أن يبادر ويسأل مرة أخرى بفضول أكبر بعد تلك النظرة، نطقت هي ببعض الثبات الواهي :
“عشان في المرة الأكل أتحرق مني من غير ما أقصد، حاولت أشرح أنه بسبب البوتجاز الجديد إلى شعلته عالية لكنه مصدقش، ودخل أوضتي وأخد رسوماتي وكشاكيلي حتى الرواية الوحيدة إلى أشتريتها أخدهم كلهم وقطعهم وبكل بساطة إداني الكبريت عشان أنا إلى أولع فيهم”
بلع يوسف لعابة وهو يقول بتركيز :
“وولعتي ؟”
لم تتمكن من الحديث لكنها هزت رأسها بإيجاب، تخيل أن يعطيك أحدهم مطرقه لتهدم أنت أحلامك بذاتك وتستجيب !، تخيل كم الضعف عندما يعطيك أحدهم خنجر لتقتل نفسك بنفسك وتفعل !
تخيل أن تعاني الضعف والحسرة والألم والمرارة في آن واحد في نفس الجرعه من نفس الكأس، كأس الحياة التي لم يضع بداخله سوى كل المشاعر البائسة والسيئة والحزينة وأذاقها للمسكينه جرعة واحدة، الرسومات لم تكن مجرد رسومات، والرواية ليست مجرد ورق، بل كانت أحلام وردية محترقة والفاعل صاحبة تلك الأحلام، تخيل أن تكون أنت الجاني والمجني عليه بنفس الوقت
لم يتحدث يوسف، ولم يتمكن من الحديث، حقاً حاول لكن لا يوجد كلمات يمكنها مواستها
لمس يدها بلطف، لترفع نظرها له قائلة بحسرة :
“صدقني حاولت أمنع حاجات كتير من أنها تحصل في حياتي، لكني مقدرتش أنا عمري ما كُنت كفاية لوحدي، عمري ما قدرت أعمل حاجة لوحدي”
وأنهارت بالبكاء، لم يكن الأنهيار من أجل تلك الذكري، يوجد الكثير والكثير مثلها، لكن تلك كانت الفتيلة التي أشعلت كُل ذكريات الماضي البائسة
وبلطفه المعهود وبلا استئذان عانقها، وهي لم ترفض بل كانت في أشد الحاجة إلى ذلك العناق
عناق !، كلمة غريبة تنظر لها للوهلة الأولى تشعر أنه شئ عادي بلا قيمة، لكن العناق في أحدى الأوقات يمكن أن يكون أهون وأرق وأحن من أي كلام أو أفعال أخرى
طال عناقهم، ظلت حورية تتمسك بالقميص الرياضي الذي يرتديه وكأنه أملها الوحيد في العيش بسلام، أما هو فتبدل شعوره، في البداية كانت حورية أخته الثانية مثل لورا بالضبط، لكن بعد ذلك رجف القلب وأرتعشت الضلوع وبعدما كانت هي من تحتاج للعناق، أكتشف يوسف مدى أحتياجة لذلك العناق، وبعدما كان يربت على ظهرها بهدوء، أصبح يخبئ وجهه في عُنقها لا تظهر منه سوى عيناه الذي يغمضهم بشده وكأنه يريد أن يختبئ من ذلك العالم بين ذراعيها، أو يدون تفاصيل اللحظه في ذاكرته
وللحظة نطق قلبه بتمرد أن من بين ذراعيه ليست لورا شقيقته ولن تكون، بل حورية ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حورية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى