روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث والثلاثون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثالث والثلاثون

غوى بعصيانه قلبي 2
غوى بعصيانه قلبي 2

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالثة والثلاثون

الفصل الثالث و الثلاثون
(3)ج 2
‏”ما كنت أعرف إن المكان الذي تحل به قدميك موطني
‏و إن البلاد الخالية منك محطات انتظار .. لو كنت أعلم إلى أي خراب سيقودني الرحيل لقطعت شراييني قبل أن ينبض لك قلبي ”
•••••••
في رفة عين ؛ وقع تميم بالفخ الذي نصبته عبلة ، بات يصارع الماء كي نجو ، ورغم مهارته بالسباحة إلا أن ذلك سيكشف كذبته ! أ يستسلم لتلك المكيدة وينجو من الموت أم يبايع العمر محتفظًا بكذبته الطويلة ..
تخلى عنه مقعده المتحرك وتركه لوحده لمواجهة تلك الخديعة ، اختنقت روحه وتفاقمت فقاقيع أنفاسه الأخيرة ، على المقابل شاهد ” عاصي” فخ أمه الذي نصبته لأخيه ، هام كالمجنون يتأكل خطاوي الأرض بدون وعي ، لأول مرة يصل لحالة الجنون التي حلت بكيانه .
جاءت شمس تحمل مائدة القهوة وما أن رأت الكارثة التي نزلت فوق رأسه ، هوت الفناجين من يدها وهرولت إليه بأقصي سرعة ممكنة تصيح باسمه :
-تمـيم !
هنا تغير جلد الحية وأخذت تهتف بعواصف الخداع أن ينقذهم أحد وهى تراقبه يستسلم للموت بشماتة ، رمت “شمس ” نفسها بالماء رغم عدم اتقانها للسباحة ولكن تحملت على دوافعها وجعلت همها الأول هو إنقاذه من الغرق ..
رست قدميها على مقعده المتحرك الراسي بالأسفل وطلبت منه أن يتحمل على كتفيها وهي تعاونه على النجاة ، تحركت قدميه بدون إرادة منه كي ينقذ حياته بمساعدتها ، ما أن تلاقت أعينها المرتجفه بعينيه الذاهلة من هول الحدث قالت بتنهيدة :
-أسند عليا ومتقلقش ، هنخرج ..
ثم صاحت مستغيثة :
-ياجماعة حد يلحقنا ..
وصل عاصي وقفز بالحوض بحرفية وتسابق مع الماء كالحوت الماهر بالسباحة كي يساعد أخيه ، وصل إليهم وضم خصره بقوة وهو يقول :
-اتحمل يا تميم ..
ثم جهر بأنفاسه المتقطعة :
-اطلعي أنت يا شمس عشان تمسكيه معايا ..
سلمت المهمة لعاصٍ ثم تحركت بحذر نحو الجزء المنخفض بالمسبح وخرجت بسرعة ، تولى عاصي مهمة إخراجه من الماء بمساعدة شمس حتى أجلسوه على حائط المسبح ، عاد عاصي ليأتي بمقعده الغارق بالأسفل ثم تلقته منه شمس ..
ركضت عبلة إليهم وهي تمثل اللهفة :
-سامحني يا حبيبي مبعرفش أعوم كنت أنقذتك !
رمقها بنظرة انتقامية ولم يجبها بحرف ، مدت يدها لعاصي كي تعاونه يخرج من الحوض ، تركت شمس المقعد بالهواء كي يجف ثم عادت إليه وهي تربت على كتفه بلهفة لم تدركها :
-أنت كويس ، فيك حاجة بتوجعك !
ربت على كفها ليطمئنها :
-بخير يا شمس متقلقيش .
خرج عاصي من المسبح وهو ينادي على الحرس بصوته الأجهر كي يساعدوه في حمل تميم ، جاء الرجال يركضون إثر النداء ، انفجر عاصي بوجههم بغضب :
-أنتوا أزاي سايبين المكان هنا من غير حرس ! يعني لو حد وقع يبقى بالسلامة كده !
طأطأ الرجال رؤوسهم وقال أحدهم :
-دي تعلمات عبلة هانم ، لأنها بتحب تنزل البسين دايما ومش حابة حد مننا يكون موجود .
رمقتها شمس بنظرة كاشفة لكذبها ، تراجعت عبلة للخلف خطوة وما أن تهتهت لتبرر أوقفتها يد عاصي التي صدرها بوجهها ، أمر الرجآل قائلاً بعد ما تمتم بالتوعد إليهم :
-ساعدوا تميم بيه ووصلوه لأوضته فوق ، يلا اتحركوا .
أفسحت شمس المجال للرجال ووقفت أمام عبلة موجهة اتهاماتها :
-لو اتأكدت انك ورا الحادثة دي مش هرحمك المرة دي ..
لوحت عبلة بوجهها :
-أنتِ اتجننت يا بتاعة أنتِ ! أدي أخرة مجايبك على القصر يا عاصي ..
ثم حدجتها بنظرة توعد :
-بس قريب القصر هينضف من أشكالك ، وده وعد مني ..
*
هناك مقولة عسكرية تقول :
-“إذا كان الطريق أمامك أمنًا .. أعلم أن هناك كمين ”
تلك أول جملة قفزت في رأس “حياة ” عند رفع جفونها .. تفقدت المكان بأعينها الحائرة تتسائل
-أي ريح عصفت بي إلى هنا !!
تتطوف عينيها باحثة عنه فـلم يتبقى شيئًا منه إلا رائحته المُعلقة كالجراد بملابسها ..
اعتدلت في نومتها وضمت ساقيها إلى صدرها وغاصت في تفاصيل ليلة البارحة التي أسكنها به على سهوة ..
مسحت على شعرها المتدلي وزفرت باختناق لا تعلم مصدره .. ربما خلو المكان منه ! فكيف يكون أخر من عانق ليلها وتركها تحترق بشمس الوحدة نهارًا!!
وثبت قائمة بعد ما رفست الغطاء بملل ولامست أقدامها العارية الأرض ألتقت بطعامها المُحترق فوق “بار” المطبخ .. توقفت للحظة تفتش عن الجوع
الذي كان يقرض أحشائها وفجاة تبخر كالماء عند رؤيته .. لهذا الحد اختلط عليها الأمر وباتت لا تميز بين جوع المعدة وتضور القلب جوعًا؟؟
أكملت طريقها بممر الشقة ذات الطراز الفاخر الحديث وتوقفت عند رؤية العديد من الحقائب البلاستيكية الممتلئة .. فتشت بداخلهم فوجدت مستلزمات البيت وما يمكنها ان تحتاجه من مأكل .. فرغت محتوى الأكياس حتى توقفت أمام الأنواع العديدة التى أحضرها عاصي من الجمبري .. لا تعلم سبب الضحكة التي شقت ثغرها
وسرعان ما ذابت في سماء أحزانها ..
فرغت أخر حقيبة والتي كانت ممتلئة بالحلوى الفاخرة والتي تحبها للغاية .. غرقت بأنواعها وتذكرت موقف ما جمعهم سويا يتعلق بهذا الأمر ..
#فلاشـ_باكـ ..
“في قصر دويدار ”
وخاصة في ليال العشر الذي حكم عليها فيهم بنيل عقابها منه .. عندما رأت نور سيارته يقترب من القصر وتأكدت من قدومه
هرولت مُسرعًا كي تحتمي منه ومن ضعفها إليه بالنوم .. وضعت وسادة بجانب الأريكة لتنستند عليها واخرى فوق رأسها كي تستر ملامحها اليقظة
مرت قرابة النصف ساعة ولم يأت .. حتى ملت الانتظار وما كادت أن تنهض فوصل إليها صوت دقات حذائه .. ارتمت بحضن الأريكة مواصلة مسرحيتها ..
دخل “عاصي ” الذي يتأكد من يقظتها خاصة أنه لمح طيفها بالشرفة من أسفل .. ارتسمت ضحكة المكر على ثغره ونزع سترته وألقها بدون اهتمام ..
ثم ترك الحقيبة المغلفة من يده على طرف الكومود واقترب منها ليُجري محادثة تليفونية بصوت عالٍ قاصدًا أن يصل لمسامعها :
-قول اسمه تاني كده يا يسري .. ” المهندس مينا ميشيل ” مش هنسى يا يسري متقلقش ..
تستمع إليه من تحت الوسادة بعيونها المنفرجة .. أجرى مكالمة ثانية وهمية وأخذ يفتعل أحاديث وهمية عن العمل حتى نسي اسم المهندس ..
افتعل النسيان واخذ يعصر في فكره محاولا تذكر الاسم حتى أحست بورطته ووقعه في مأزق النسيان .. فنسيت مخططها وسقطت في فخه .. فزعت قائله بحذر وبصوت خفيض :
– اسمه مينا ميشيل ..
ارتخت ملامحه المنكمشة بالحيرة إلى ابتسامة انتصار وهو يرمي الهاتف من يده :
-كنت متأكد انك صاحية .
لكت الحجج بشدقها وهي تقول بلوم :
– صحيتني ! في حد يتكلم بصوت عالى كدة جمب الناس النايمة .
رفع حاجبه مشاكسًا :
-مش لو كانوا نايمين فعلًا !!
-تقصد ايه ! أني بمثل عليك ؟ لالا أنا مش بتاعت حركات الأطفال دي .
ثم هزت كتفيها بتلقائية :
– وهعمل كدا ليه أصلا !
اتكئ على الاريكة ممدًا وقال بتثاقل :
-شوفي بقا بتهربي من أيه .. يا ترى مني ولا منك !
يبدو أنه كشف ألاعيبها الطفولية التي تتصرفها بحماقة أمامه .. انتفضت من مكانها كي تهرب من أسهمه الاتهامية الصائبة :
-مفيش الكلام ده .. كبرت الموضوع على فكرة ..
وثبت لتفر من أمامه ولكنه أمسك بيدها وقال بنبرة هادئة :
-استني .. عايزك .
ثم قام ليحضر الحقيبة ومدها لها :
– دي ليكي ..
بدهشة :
– ايه دي ؟؟!
-افتحي وشوفيها ..
شرعت في فتح التغليفة فوجدت بها العديد من الحلوى .. لكنه قطع حيرتها قائلًا:
-معرفتش بتحبي أي نوع ..جبت كل الأنواع اللي في السوبر ماركت ..
انبهرت باعجاب :
-أنت مين قال لك على موضوع الشكولا ده ..
– صُحابك يا ستي فتنوا عليكِ.
ضحكت بعدم تصديق وتوتر :
-البنات !! أحنا كنا بنعلب على فكرة مش في دماغي حاجة .. بس بجد مرسيي .
-مقدرش أعرف إنك بتحبي حاجة واتاخر فيها ..
ثم دنى منها خطوة واضعًا كفه برفق على عنقها المختبئ تحت ستائر شعرها الطويل الذي لا يليق به إلا القُبـل ..أخذ يُداعب وجنتها بإبهامه وقال بهيام :
-أنت بقيتي حاجة مهمة أوي في حياتي يا حياه ..
نظر إليه بطريقة سحرت قلبها وهو يعلن أعترافه بأن الحظ لا يمكن أن يأتي بشخص مثلها مرتين .. ابتعدت عنه كالملدوغة :
-أنا هنزل أكل مع البنات تحت ..
تحمحم بخفوت واسترد وعيه وقال :
-أنا جبتلهم زيك بالظبط .. يعني كل ده ليكي لوحدك .. أأمم وممكن لو تفضلتي وعزمتي عليـا هكون مبسوط أوي .
#باكـ
استردت “حياة ” وعيها وقالت مرددة .. حتما كان الطريق إليك ممهدًا للدرجة التي أمنت فيها إليك ولم احترس من وجود فخي بأخر
ولكن ما يرهقني حقًا إنك غدرت وأنا في أمس الحاجة الى يد تخفف عني وطأة حزني .. فكيف أعفو وكيف أنسى الشوك الذي مزق قلبي أربابًا ؟!
****
“أعلم أن الحياة لا تعطينا كل ما نريد ولكن بالقناعة والقليل من التمرد يمكنك أن تمتلك الحيـــاة ”
لم تنعم “عالية ” بنومة هنية بعد ما كٌشف لها ستار مراد الحقيقي من وجهة نظرها .. باتت تنظره طول الليل حتى يأست من عودته عندما انفلق الصباح
وقفت أمام المرآة تتسائل
-الى متى ستبقى كقطعة صلصال بيد أمها ! الى متى ستقضي حياتها لتنفذ أوامر عاصي فقط ! الي متى تظل أسيرة لأنانية مراد ؟
غسلت وجهها بالماء وقالت بنبرة مخيفة :
-لحد هنا وكفاية يا عالية .. لازم تقولي لأ .. لازم ترجعي لحياتك القديمة حتى ولو مش عجباكي .. واول خطوة هي إني اخلص من مراد ومن وجوده في حياتي ..
تناولت المنشفة وجففت قطرات الماء من عليها وقفزت الفكرة برأسها :
ـ اكيد في مفتاح استبن .. أنا لازم اخرج من هنا .. أنا مش هعيش عبدة لحد من النهاردة ..
ثم ركضت واخذت تفتش في كل الأدراج بجنون .. وقلبت الشقة رأسًا على عقب باحثة عن مفتاح أخر للباب
وصلت الي درج ” الجزامة ” الكائنة بجوار الباب فتعثرت بالكثير من المفاتيح .. اخذت تجرب كل منهما حد دق الأمل قلبها بصوت فتح الباب ..
تنهدت بفرحة :
-الحرب اللي بينا أنت اللي بدأتها يا مراد ..
****
“كنت أظن أنني سأتوقف عن التساؤل عندما أعرف الأجوبة ..لم أكن أعلم أن التساؤلات الحقيقة تأتي بعد المعرفة ”
عاونت “شمس ” تميم على تبديل ملابسه المبللة بحياء شديد وهي تطرق بخجل منه ومن الموقف التي وقعت به
لأول مرة يحس تميم أن له جدار متين يمكن أن يتكئ عليه بقية عمره .. جلست شمس أمامه وقالت بتسائل :
-ليه رفضت عاصي يغير لك ؟ يعني كان هيفهمك أكتر مني وو
رد بثقة وبدون تفكير :
-لانك موجودة .. تفكتري ينفع ؟!
أحمرت وجنتها بدماء الخجل وقالت بخفوت :
-معاك حق ..
شرعت في قفل أزرار قميصه فسألها :
-أحنا متفقناش بعد ما كل واحد يوصل للي بيدور عليه .. هيكون أيه مصيرنا ؟
لم يتلق منها إلا صمت أزعجه كثيرا .. ثم أكمل موضحا:
-يعني احنا الاتنين هدفنا واحد وهو نكشف عبلة والسر اللي وراها .. بعد ما نوصل لده .. انت وانا يعني ……
-فهمتك يا تميم .. انا فكرت في الموضوع ده كويس .. ولقيت اني ما ينفعش ابني حياتي على كذبة ولا انتقام ..
عشان كده اسلم حل لينا .. البُعد .. كل واحد يكمل حياته بالطريقة اللي يحبها .. بس أنا عندي سؤال ..
حدجها غير مقتنعًا بحديثها :
– سؤال ايه ؟
-أنا وافقت اتجوزك عشان محددة هدفي من الاول وكنت عارفاه .. أنت بقي اتجوزتني ليه ؟ ليه اتقدمت لي وأنتَ متعرفش عني غير اسمي ..
وقع السؤال على صدره كالجمر .. أيخبرها الحقيقة المندسة في خوفه من خيانته وأنها جاسوسة لعاصي .. أو أنه استحب رؤيتها كل صباح خاصة بعدما سلكت طريق النور بقلبه بدون سعي منها أو ارادة منه .. هز رأسه قائلا بتمويه :
-أنا كمان كنت محدد هدفي ..
– الـ هو ؟
رد قلبه بالكلمة فانعكست بعيناه ولكن صوت طرق الباب ألجم لسانها .. نطقت شمس :
-اتفضل !
جاءت سيدة وبيدها صحن الشُربة الساخنة ووضعتها جنبًا :
-ماتشوفش شر أبدا يا تميم بيه ..
-تسلمي يا سيدة ..
سألتها شمس باهتمام :
-متعرفيش حاجة عن حياة يا سيدة ؟
– لا ياست الدكتورة..والله قلبي متوغوش عليها أوي .. من رايك أسال عاصي بيه ؟
شمس ناصحة :
-خليكي بعيد أنت .. اللي زي عاصي ده مش عارفين بيفكر في أيه !
رد باندفاعية :
-والله ما في زيه ولا في حنيته .. انت لو شوفتيه أيام الست مها كان واحد تاني خالص ..مكنش يخليها تلمس الأرض .. لو كانت عايزة تروح الحمام يشيلها كده على قلبه ويوصلها .. والله البيه الكبير ده مفيش زيه .. هي بس الايام اللي جات عليه وغيرته ..
تحيرت شمس في هوية ذلك المتخل الذي لم تر منه شعاعا للرحمة .. تأهبت سيدة أن تغادر ولكنها عادت متذكرة شيئا ما :
-ست شمس ده عنوان عم حسين .. أنا كلمته واخدت لكم معاد .. هو بس في الفيوم عند بنته وهيرجع الاسبوع الجاي .. ورحب أوي بسي تميم..
أخذت منها الورقة بلهفة وشكرتها بعرفان ثم أكدت عليها :
-سيدة مش عايزة حد يعرف الموضوع ده ..
-في بير ياهانم ..
ولت ظهرها وفارقت الغرفة ثم عادت شمس لتميم متسائلة باهتمام :
-أنت وقعت ازاي في البسين !!!
*****
“بين الحرية والحبِ، يقف قلبه حائرًا ، لا يدري أيهما يجب أن يختار !”
يجلس في مكتبه يقاتل شعور الحنين بداخله ، يهلك رأسه بالعمل كي تبتعد عن فكره ، ينبض فؤاده للعودة إليها والاختباء من وحشية العالم بين ذراعيها ، لم يستطع قراءة أول ورقة من الملف الذي فتحه ، فـشرد بجوارحه لعندها ، لحالة الضعف التي كان عليها متقويًا بحضنها ، كيف احتوت ضعفه وقوته بين مساحة يديها الصغيرة ، كيف لم تكف عن مداعبة جدائل شعره حتى في أشد لحظات غضبها منه ..
تمسك بالخنجر الكائن فوق مكتبه وأخذ يحركه بتيه حتى ثبت منقاره براحة كفه ، فـ وخزه بألم يضاهي الألم المغروس بقلبه ، حتى ظن أنهم قَبل إختراع الخناجر كانوا يَستعملون في الحروب ضِحكات النِساء الجميلات ، فأقسم قلبه لو رأى قائد أكبر معركة بالتاريخ لمح طيفها لغادر المعركة برمتها واتبعها لأخر العمر ..
زفر بضيق وهو يرمي ما بيده بلوم :
-أي تصرفات المراهقين دي ! فوق وركز في شغلك ، ومن أمتى واحدة عملت فيك كده !!
يظن أنه يدفع قلبه ثمنًا لأشياء لم يدركها ، ربما عقاب أهماله لبناته ، ام عقوبة بناء عمره على متن كذبة ! أم هو ذنب جميع الفتيات الاتي جاورهن ! أي ذنب يستحق حُرقة وعناء القلب الهالك وراء ضلوعه !!
فتح درج مكتبه وكادت يداه تنال كتابها ولكن تراجع إثر صوت الباب ، سمح للطارق بالدخول ، إذن بنوران تتقدم إليه بخطوات مترددة ، اطرقت بقلق :
-ممكن اتكلم معاك !
حاورها بنبرة لطيفة وهو يشير إليها كي تجلس :
-خير يا نوران ..
أخذت تعض على أناملها بصخب ، ثم قالت :
-أنا هدخل في الموضوع على طول ..
-سامعك ..
-أنا معرفش حضرتك ولا أنت كمان ، واتعرفنا في ظروف صعبة وأنت صاحب فضل علينا ، حتى لو ماليش حق اسأل السؤال ده ، بس عايزة أعرف عشان اطمن ؟!
-سؤال أيه ؟!
-هي حياة فين ؟! أنت قتلتلها صح ؟
تبسم إثر حماقتها وطريقتها العفوية بالحديث :
-ليه شيفاني قتال قُتلى يا نوران ؟
-أنا ماشوفتش منك خير يخليني اطمن لك .
وضعت يدها على ثغرها إثر هروب اللفظ منها بدون رقابة ، حتى بررت معتذرة :
-قصدي اننا مش اتعرفنا قبل كده ، او اتعرفنا في ظروف صعبة خلتني أخد عنك فكرة غلط .. يووه بعك صح ، طيب أنا كده ابقى شريكة معاك في قتل حياة !
لاحظ عاصي براءتها وعفويتها في الحديث ثم جاء ليطمئن قلبها ولكنه وجد عبلة تتجسس على الباب ، فظهر انعكاس ظلها بالغرفة ، تحولت ملامح عاصي وهو ينهرها :
-وأنت مالك ! أنتِ مين أصلا عشان تقعدي تحققي معايا كده .. أنت هنا ضيفة ، يعني قضي أيامك في سُكات وخصوصيات القصر دي كلها متخصكيش ، فاهمة ..
صُعقت من تحوله المفاجئ فوثبت قائمة بذعر وقالت بعناد :
-تصدق أنك بني آدم مجنون ومحتاج تروح مصحة تتعالج زي ما شمس بتقول ، بجد طلعت مجنون ومعتوه وانا اللي غلطانه أني عاملتك باحترام وانت مش أهله .. أنا ماشية بس مش هبطل ادور على حياة ولو اذيتها فعلا هبلغ عنك عشان أنت مجرم ولازم العالم كله يعرف حقيقتك ..
ضربت الأرض بقدميها بحركة طفولية وما كادت أن تولى ظهرها وجدت عبلة تصيح أمامها :
-أنتِ شكلك اتجننتي يا بنت ولا أيه ، ازاي واقفة تبجحي قدام ابني كده ، أنتِ نسيتي نفسك !
ولت رأسها إليه وقالت جملتها الأخيرة قبل أن تركض هاربة من بطشهم :
-اقولك حاجة كمان ابقى خد الست دي عشان تتعالج معاك ..
صرخت عبلة بوجه عاصي خاصة بعد ما فقدت الامساك بنوران :
-انت ازاي ساكت لها ، البنت دي لازم تتربى !
ابتلع عاصي ضحكته وقال بثبات :
-سيبك منها وخلينا فيكي !
ثم نصب قامته ليقفل الباب ويتأكد من خلو المكان بالخارج ثم دنى من آذانها :
-أنا قبلت كدبتك دي كلها بشرط واحد ، فاكرة ولا تحبي افكرك يا عبلة هانم ؟!
ثم خشنت نبرته وقال بحدة :
-قولت لك مش عايز شعرة تتمس من تميم ، وحياته مقابل السر الكبير اللي دفنينه سوا ، بس شكلك ناوية على خراب القصر ده قريب ..
أخذت تربت على كتفه بخوف مصطنع :
-حبيبي اهدى بس ، هو اللي استفزني بالكلام انا ، أنا معرفش عملت كده ازاي ، متزعلش مني والله ما هتتكرر أنت بس روق كده وفوق للشغل والحاجات الكبيرة اللي مستنيانا ، احنا ما صدقنا خلصنا من اللي ما تتسمى ..
ثم قبلت كتفه بترجى :
-متزعلش نفسك ، والبت نوران دي أنا هربيها !
قبض على معصمها بقوة وقال بتحذير :
-شيلي تميم من دماغك يا عبلة يا محلاوي ، وألا النار هتطول الكل ، فاهمة …؟؟!!
عاتبته بقوة بعدما نزعت ثوب التوسل إليه :
-هو ده جزاتي أني خايفة عليك وعايزة اامنك ؟!
-ياستي مالكيش دعوة بيا ، طلعيني من دماغك ..
أخذت تربت على كتفه ثم قالت :
-طيب اقعد ارتاح كده عشان نتكلم عندي كلام مهم ..
زفر بضيق :
-مش فاضي اسمع حاجة .
وقفت أمامه معاندة :
-لازم تسمع ، البت هدير بتخطط لك لحاجة كبيرة وناوية تدمرك ، عشان كده لازم نتكلم ..
وبخها بلوم :
-مش هدير دي اختيارك وبنت اختك وهي المناسب لمجد آل دويدار ..
-ورجعت في كلامي يا عاصي ، ولازم نحل المشكلة دي ..
-أنتِ حلي ، أنا مش فاضي لهدير ولا اللي زيها .
هزت رأسها متفهمة :
-خلاص سيبك من هدير خالص ، أنت فعلًا خلصت من البت حياة ؟
لملم مفاتيحه على مضض :
-قولت لك موضوعها خلص ، وانسيها ..
تبسمت عبلة بفرحة :
-يعني اترحم عليهـا .
ارتدى سترته السوداء ولم يجبها ، فاستقبلت صمته على أنه تأيدًا لوهمها :
-طيب في حد عايزاك تقابله .
-مين ..
-فريد ، شهرته حوت البحر الأحمر ، ومصمم يقابلك بنفسه ..
رد بعجل متأهبًا للذهاب :
-خليه ياخد معاد مع مديرة مكتبي ..
*
في مكتب أحدى المحاميات، تجلس ” عالية ” بعد ما ارتشفت رشفة من فنجان قهوتها ، فسألتها المحامية :
-هاا يا مدام عالية ، أي أسباب الخُلع ؟!
بللت حلقها الجاف وقالت بتيـه :
-قفشته بيخوني ..
مازحتها الاستاذة منال قائلة :
-وحد يخون القمر دي ، فعلًا الرجالة دول مايملى عينهم غير التراب .. المهم نرجع لموضوعنا .. في شهود ..
عالية بسكون وضلال لم تجد من يوجهها :
-لا مفيش ، معرفش ..
-طيب حصل أيه ، احكي لي ..
أغرورقت أعين عاليـة وهي تروي ما رأته :
-كنا راجعين شقته في اسكندرية ، وكنا بنتكلم عادي ، فجاة طلعت البنت دي من أوضة نومه ..
-استني بس يا مدام عالية ، معنى كده أن جوزك كان معاكي بره ، يعني مكنش في وضع مُخل مع البنت دي ..
أومأت رأسها بالموافقة :
-بالظبط ..
تركت المحامية القلم من يدها وسألتها :
-طيب هل جوزك بيضربك وفي ما بينكم محضر قبل كده ..
هزأت رأسها يمينًا ويسارًا :
-لا خالص ، كان الأول بس في سوء تفاهم ، بعد كده ما شوفتش منه حاجة وحشة .. لا .
تفحصتها منال بأعينها الثاقبة :
-طيب قولتيلي انه حبسك وقفل عليكِ ، ليه ، أيه السبب!
عالية بفتور :
-كان عايز يكذب عليا تاني والمفروض إني لما أصدق كذبته اسامحه ..
-طيب مابيصرفش عليكي ، يعني شخص بخيل مثلًا .
ردت على الفور :
-لالا مفيش الكلام ده خالص ، بالعكس عمره ما بخل في حاجة ، كان بيجيب لي كل حاجة بزيادة رغم أنه مش بيلاقي مُقابل لده .. يعني عمره مثلًا ..
ثم صمتت وعجز لسانها عن استكمال سرد مميزاته ، انتبهت لها منال بتركيز :
-استنى كده ، يعني أيه مش بيلاقي مُقابل ، قصدك أيه ..
أخذت عالية نفسًا طويلًا ثم قالت :
-أحنا اتجوزنا في ظروف غريبة شوية ، يعني أجبرتنا أننا ناخد وقتنا نتعرف على بعض قبل أي حاجة ، قصدي قبل ما نبقى زوج وروجة بالفعل ..
اتسعت أعين منال بذهول :
-قصدك تقولي أنك لسه بنت ..! يعني كان جوازكم على ورق بس !
أطرقت عالية بخجل وهي تومئ راسها بالايجاب ، تركت منال مقعدها ونهضت لتجلس أمامها وقالت بنبرة حريصة:
-قوليلي يا عالية ، انتِ عايزة تخلعي جوزك كيدي ولا لانك عايزة تخلعيه بالمعروف ..
أغرورقت أعين عالية بالدموع وهي تسرد وجعها :
-هو معتذرش عن خيانته حتى ، ده جرجرني زي البهيمة وحبسني في شقته وقالي مفيش خروج من هنا وإني تحت طوعه وعصمته ومحدش هيخلصني منه ..
ربتت منال على ركبتها لتواسيها ثم قالت :
-زي ما توقعت ، كيدي .. طيب اسمعيني يا عالية .. كل الكلام اللي قولتيه ده محاميه هيرد عليه وهيخسر القضية ، ألا ثغرة واحدة .
-أيه هي ؟
-مفيش راجل يسمح ببعد مراته عنه الأ لو كان عنده خلل ، بمعني مريض ، وأحنا معانا الاثبات القطعي لده ، وصدقيني هتكسبي القضية من أول جلسة .. وهتبقى حديث كل الجرايد ..
فزعت عالية كالملدوغة رافضًا رفضًا قاطعًا :
-لا مستحيل ، أنا مش ممكن اتبلى على مراد بحاجة زي دي ، لا مش هينفع ، أنا عايزة امشي .
-اقعدي بس واسمعي مني ، ده الحل الوحيد اللي هيخلصك من جوزك وكمان هتعلميه الأدب عشان يعرف يعامل بنات الناس ..
ثم وقفت لتبخ سُمها في آذانها :
-صدقيني ، اقعدي وفكري هتلاقي حقك رجع لك في جلسة واحدة ، حاجة زي دي بتجننهم وهتبقى ضربة في مقتل لجوزك بتاع الستات ده .. هاا قولي أيه ..؟!
****
” يرفض كلَّ الكؤوس الممدودة إليه .. وأصبح وفيًا لعطشه العنيد..”
تلك الحالة التي وصل إليها عاصي ، بعد ما أقسم بعدم العودة وجدت وجهة سيارته وقلبه عندها ، تحركه أقدامه للصعود إليها ، ليتلذذ بسم توبيخها وعنادها ، كل أجزاءه باتت تقوده إلى دربها حتى كبريائه خضع وسلم لها ..
صعد البنية على درجات السلم كي يمهل العقل فسحة من الرجوع وعدم اتباعه لأهواء القلب حتى فشل مخططه أيضًا ووقف أمام بابها يدق مفتاح حنينه ..
خفق قلبها الذي كان ينتظره بشوق اغتال غضبها ، تركت ما بيدها بسرعة وهرولت لاستقباله ، وبدلًا من إلقاء السلام على الخير الذي أتى به إلا هنا ، استبدلته بعناد الانثى الذي يسكنها قائلة بضيق :
-خير ؟!
لبس ثوب رجل الجليد أمامها وجلس على أقرب أريكة ، لم يجد ما يفعله كي ينشغل عنها ، في التو انقذه رنين هاتفه ، رد على الهاتف وتعمد أن يطيل المكالمة بقدر الإمكان حتى ختم حديثه :
-أول ما يسري يرجع من لندن هيشوف الحوار ده ..
أنهى مكالمته ولم تنه شجارها بعد ، مازالت صامدة أمامه عاقدة ذراعيها أمام صدرها وكررت سؤالها :
-جيت ليه ؟!
رد ببرود :
-جيت اتغدى !
اغتالها جموده وتصرفاته البريئة :
-والله ! أيه مفيش أكل عند مدام هدير ..
وضع ساق فوق الأخرى وقال بفظاظة :
-لا طبعًا فيه ، بس قولت أجيب لك العلاج بتاعك ، نسيتيه وأنت بتهربي ..
جلست بجواره بخفه وقالت بفتور :
-أنت ليه بتتصرف كأنه محصلش حاجة ؟!
رفع حاجبه متعمدًا :
-وهو كان أيه اللي حصل ؟!
رمقته بسخط :
-ااه سوري ، نسيت أنك متعود على الحاجات دي ، فـ بالنسبالك مفيش حاجة حصلت !! لكن مش معايا يا عاصي بيه ..
دفن نيرانه المتوهجة بشوقه إليها وقال :
-بالظبط .. أنتِ اللي مكبرة الموضوع .. وبعدين أنتِ شرعًا وقانونًا مراتي ..
ضحكت باستهزاء :
-أنت بتضحك على نفسك ! أنت متجوز واحدة ملهاش وجود غير في خيالك أنت وبس ..
مال على أذانها وقال بنبرة اخضعت لمعان سيوفها لأجله تمادى في وقاحته قائلًا :
-أنتِ لو تفتكري كُنت عاملة ازاي وقتها ، هتعرفي أنه مش في خيالي لوحدي وبس .. وأنها الحقيقة الوحيدة اللي عرت قلوبنا لبعض ..
-أنت وقح ، وكل تفكيرك كده وعمرك ما هتتغير ، ومش بعيد تكون أنت الـ قولت لسيدة تحط لي حاجة في العصير ..
تبسم بهدوء ممزوج بالتخابث:
-تصدقي ، هتجنن وأعرف اسم الحاجة دي واللي حطها وأنا هشكرهم .. بس هو فعلًا كان في حاجة فـالعصير ولا دي ستارة لـ
قاطعته بنفور :
-انت جرحتني ، وخليتي أقرف أبص لنفسي في المراية ، أنت طلعت مني شخصية أنا معرفهاش وبكرهها ، وبكرهك .. بلاش توهم نفسك بحاجات موجودة في دماغك وبس !
هتف على مضض :
-حياة ..
قاطعته بحدة :
-رسيل ، اسمي رسيل .. حياة ده ملهوش وجود في حياتي ، دي لعبة أنت لقيتها وعجبتك وكملت فيها ..
يبدو أن الحُب بد بحفر طقوسه عليه ، هدوءه الذي بات يعهده ، حنينه الذي يغلبه في كل مرة يعكف عن مجيئه إليها ، يقظة قلبه التي باتت تشعر بكل من حوله ، غفرانه الدائم وكانت أول من غفر لها خطيئتها ، تنهد بحيرة :
-أنتِ ليه عايزة تقتلي مشاعرك ؟ ليه الإنسان يستحلى عذابه ؟!
خرت دموعها وأصرت :
-كذب ، مفيش ليك جوايا غير مشاعر كره يا عاصي ، كفاية لحد كده واختفي من حياتي ..
ما تبقى من طاقتها لا يحمل رمشًا ، شتت جيش قوتها أمامه لم يتبقى منها سوى دمعة الهزيمة أن انسكبت لتروي جفاف قلبه فتلقاها على طرف إبهامه ثم قال بنبرة حنونة :
-أنتِ بتعاندي مين ! انا سامع صوت قلبك من مكاني ! اللي حصل ما بينا مش جرح ، ده شق طريق جديد لينا ، واختبار ، وأنا رضيت ورضيت أنسى كل حاجة ، هنسى كل ما يتعلق برسيل وماضيها ، وهابقى مع حياة وبس ..
تحير عقلها ثقته :
-أنت ليه محسسني أنك صاحب فضل عليا ؟!
-ماهي دي الحقيقية ، مفيش راجل يقبل أن مراته يكون لها علاقة مع حد قبله ، وأنا طويت الصفحة دي ، صفحة إنك مش بنت مع أن كل بياناتك تقول أنك متخطبتيش قبل كده ، ومع ذلك مش هحاسبك على حاجة انتي مش فاكراها …! وأنت كمان أغفري غلطتي الوحيدة معاكِ ااه كان لازم أكون أقوى من كده بسس ..
حياة بصاعق من الذهول جعلها لم تستمع لبقية حواره :
-أنت بتقول أيه ؟!!!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى