روايات

رواية أنا لها شمس الفصل الثاني 2 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الفصل الثاني 2 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الجزء الثاني

رواية أنا لها شمس البارت الثاني

أنا لها شمس
أنا لها شمس

رواية أنا لها شمس الحلقة الثانية

أحيانًا نحتاج لمن يحتوينا بضمته ليُشعرنا بالأمان بأحلك أوقاتنا،ندُورُ بأعيُننا لنبحث عن ذاك الشخص الذي سنرتمى بأحضانه ليسحب من داخلنا أهاتنا والألام،ليزداد أنين روحنا وتمزقها عندما ندرك وحدتنا وأننا بلا حبيب،بلا صديق بلا شخصًا يؤتمن،لنكتشف حينها أن تلك هي مأساتنا بالحياة.
خواطر إيثار الجوهري
بقلمي روز أمين
عادت إلى منزلها لا تعلم كيف قادت سيارتها وقطعت تلك المسافة وهي تزرف دموعها تلك التي لم تنقطع ولو للحظة، فتحت الباب ودخلت لتجد”عزة “باستقبالها، تلك السيدة الأربعينية التي تهتم بصغير إيثار ” يوسف”ذو الأعوام الست،والتي لم تحظى بفرصة للزواج ليضعها القدر بطريق إيثار عن طريق الصدفة لتطلب منها بأن تمكث معها بنفس المنزل لتهتم بصغيرها مقابل مبلغ مادي تتلقاه شهريًا،تحركت صوبها لتقول بنبرة لائمة:
-إتاخرتي كدة ليه يا إيثار، وبعدين مبترديش على تليفونك ليه،ده أنا متصلة بيكِ أربع مرات
واستكملت بثرثرة استدعت استياء الاخرى:
-وأمك صدعتني من الصبح، مبطلتش رن على التليفون الأرضي لحد مزهقتني في عيشتي،بتقول إنها كلمتك كتير ومبترديش عليها، وأكدت عليا أول متوصلي لازم تكلميها علشان عوزاكي في موضوع ضروري
-خلاص يا عزة، إرحميني بقى من رغيك، أنا لا نقصاكي ولا نقصاها… نطقت كلماتها بهتافٍ حاد لتسترسل بصراخٍ هيستيري جعل عيني الاخرى تتسع على مصراعيها:
-ولو اتصلت تاني مترديش عليها، قولي لها تنساني وترحمني بقي، هي إيه، مكفهاش كل اللي حصل لي بسببها هي وولادها، سبتلهم دنيتهم بحالها،عاوزة مني إيه تاني؟
بملامح وجه قلقة سألتها بخفوت:
-مالك يا بنتي، فيكِ إيه، إنتِ معيطة يا إيثار؟
بسيقان مهتزة وصلت إلى أقرب مقعد ورمت حالها فوقه باستسلام ثم رفعت رأسها ناظرة بعيني عزة لتنطق بألم بعدما تركت العنان لدموعها أن تنهمر من جديد:
-كريم إتقتل يا عزة، إتقتل قدام عنيا، راح في لحظة، مسافة غمضة عين روحه فارقت جسمه
-يلهوي، كريم السواق، مين اللي قتله؟ بدموعها الغزيرة قصت عليها ما حدث لتهتف الاخرى بحِدة وقد ظهر الرعب بمقلتيها وكأنها قطعة من روحها:
-لاااا، الحكاية دي ميتسكتش عليها، إنتِ لازم تسيبي الشغل عند اللي إسمه أيمن ده، مهو أنا مش مستغنية عنك، المرة دي الطلقة جت في المسكين كريم يا عالم المرة الجاية هتيجي في مين
واستطردت بهلع:
-أبو الواد اللي قتله أيمن مش هيسكت، وهيحاول مرة واتنين وعشرة لحد ماياخد تار إبنه اللي دمه ساح في بيت اللي إسمه أيمن
نظرت لها لتتحدث بيأسٍ:
-ولما أسيب الشغل هنعيش أنا وإنتِ منين يا عزة،والمسكين اللي جوة ده هجيب مصاريف مدرسته منين؟!
-من الموكوس أبوه، هو ملزوم غصب عنه يصرف على ابنه وعلى تعليمه،هو فقير،دي الفلوس بالكوم على قلبه وقلب أبوه… كلمات نطقتها بهتافٍ غاضب لتجيبها الاخري بألم:
-وهو ده اللي عاوزه، أتذل له واطلب فلوس لإبني وساعتها هيبيع ويشتري فيا ويحط شرط رجوعي قصاد الفلوس
ثم نظرت أمامها في نقطة اللاشيء لتهتف بعزيمة واصرار:
-وده اللي عمري ما هعمله حتى لو هموت أنا وابني من الجوع
دارت عزة حول نفسها لتهتف بحماس وهي تدق على كفيها:
-خلاص، دوري على شغل جديد، يعني هو اللي خلق شركة الأباصيري مخلقش غيرها؟
_وتفتكري الشغل الجديد هيدوني نفس المرتب اللي أيمن بيدهولي، ولا هيدوني منصب زي اللي وصلت له عند أيمن، أنا مديرة مكتب أيمن الاباصيري واللي مبيتحركش خطوة من غيري… لتستطرد بامتنان:
-ده غير إن أيمن بيه بيعتبرني زي بنته ومديني برستيچي في الشركة،معقولة هسيب كل ده واروح ابدأ من الصفر في مكان تاني؟
تنهيدة استسلام خرجت من صدر تلك الصادقة والتي اتخذت من إيثار إبنة لها ومن يوسف حفيدًا وحمدت الله على تعويضها بهما بديلاً عن الاسرة التي حُرمت من تكوينها، تحدثت بأسى:
-سبيها على الله وهو هيحلها،أنا هدخل املى لك البانيو ماية سخنة واحط لك فيه شوية زيوت عطرية تهدي لك جسمك
واقتربت لتمسك بيدها لتساعدها على الوقوف لتستطرد:
-قومي يلا معايا
وقفت تنظر بعينيها ثم امسكت كفاي يداها لتتحدث شاكرة:
-ربنا يخليكي ليا يا عزة، مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه،الدنيا كلها باعتني وإنتِ الوحيدة اللي اشترتيني
بابتسامة خافتة تحدثت:
-بتشكريني على إيه يا عبيطة، ده أنتِ ربنا بعتك ليا هدية من السما إنتِ ويوسف، اللي ربنا يعلم لو كان عندي حفيد مكنتش هحبه زيه
ابتسمت لها وسألتها باهتمام وكأنها للتو تذكرت صغيرها:
-هو يوسف نام؟
من بدري… لتسالها من جديد:
-إتعشى؟
اجابتها لتطمأنها:
-طمني بالك من ناحية يوسف خالص،إنتِ عارفة إنه في عنيا… اومأت بتطابق وبعد قليل كانت تغمر جسدها داخل حوض الإستحمام،شهقة عالية خرجت منها لتنهمر دموعها من جديد وتخطلت بمياه المغطس، تألمت حين تذكرت جسد كريم وعينيه وهي تُغلق للمرة الأخيرة،ظلت تبكي عل دموعها تغسل همومها وتمحي ما يؤرق روحها،خرجت من المغطس عندما شعرت ببعضًا من الراحة بفضل بكائها، ارتدت ثيابها وتحركت لغرفة صغيرها لتمدد جسدها بجواره بالفراش، تأملت ملامحه البريئة لتمرر أصابعها حيث تخللت خصلات شعره بحب وتميل على وجنته تطبع بها قُبلة حنون،تنفست براحة وحاوطت جسده الصغير لتضمهُ إلي صدرها بحنو،كم كانت تحتاج لهذا العناق لينسيها ما عاشته بيومها الصعب،شددت من عناقه في غفوة منها ليحرك الصغير أهدابه ويفتحهما عدة مرات لينطق بابتسامة صافية:
-ماما
قابلت ابتسامتهُ بأخرى وبعينين تقطرُ حنانًا تحدثت وهي تشدد من عناقه:
-حبيبي، وحشتني
-إنتِ كمان وحشتيني يا مامي
تنهدت وسحبت جسدها للاسفل لتضع رأسه فوق ذراعها وهي تقول:
-يلا نام يا حبيبي
إنتِ هتنامي معايا؟…هزت رأسها بإيجاب مما ادخل السرور لقلب الصبي الذي لف ذراعه الصغير حول خصر والدته وغط في ثباتٍ عميق بعدما شعر بالامان في حضرت مصدر أمانه الوحيد بجانب عزة، تنفست وحاولت جاهدة الدخول في النوم لتنجح بعد كثيرًا من الوقت لتسقط بدوامة النوم وتغرق بها علها تخفف عنها وطأة ذاك الكابوس الموجع التي عاشته
*****
صباح اليوم التالي
استيقظت وساعدت صغيرها على ارتداء ثيابه الخاصة بالمدرسة ثم اصطحبته وخرجا متجهين للمطبخ لتجد عزة تقف أمام موقد الغاز لمباشرة تجهيز طعام الفطار، تحدثت وهي تُجلس صغيرها:
-صباح الخير يا عزة
صباح الفل على عيونك… واستطردت بعدما تحركت إلى الصغير لتميل على وجنته طابعة قُبلة به:
-صباح الخير يا حبيب قلبي
صباح الخير يا زوزة… نطقها الصغير بطلاقة، جلبت عزة الطعام ورصته فوق الطاولة وجلست لتتحدث لتلك التي تُطعم صغيرها بذهنٍ شارد:
-مبتاكليش ليه يا حبيبتي؟ده انا عملالك الأومليت اللي بتحبيه
تنهدت لتجيبها بألم:
-وهجيب النفس اللي أكل بيها منين يا عزة
-وحدي الله وهوني على نفسك وإدعي له بالرحمة…. تحدثت بيقين لتجيبها الأخرى:
-لا إله إلا الله محمد رسول الله
مدت يدها وناولت صغيرها كأس الحليب لتتحدث:
-إشرب اللبن بسرعة قبل الباص ما ييجي يا يوسف
تناوله منها وبدأ بارتشافه،بسطت عزة ذراعها بشطيرة لتتحدث برجاء:
-طب خدي ساندوتش الرومي ده كليه علشان يسندك
اجابتها بملامح متأثرة:
-مش قادرة أحط أي حاجة في بُقي
كادت ان تضغط عليها من جديد لولا مقاطعة رنين الهاتف الارضي لتهتف عزة قائلة:
-دي أكيد امك اللي بتتصل على الصبح كدة
سيبك منها ومترديش،هي رنت على فوني من شوية وانا كنسلت… ثم نهضت وتحدثت وهي تضع صندوق الطعام داخل حقيبة الصغير:
-يلا يا حبيبي علشان نلحق الباص تحت، ومتنساش تاكل كل اكلك، عاوزة اللانش بوكس يرجع فاضي مش زي كل يوم، مفهوم يا چو
حاضر يا مامي…تمسكت بكف صغيرها وجذبت حقيبتها لتتحدث بهدوء:
-أنا ماشية يا عزة…سألتها باستغراب:
-مش لسة بدري؟
أجابت بإبانة:
-هروح ارتب الشغل وألغي موعيد أيمن بيه، اكيد لسة تعبان ومش هييجي الشركة النهاردة
سألتها مستفسرة:
-ولو أمك إتصلت أقولها إيه؟
هتفت بضَجر:
-إتصرفي يا عزة، ولا أقولك، أنا هرد عليها لو اتصلت بيا علشان أرحمك من زنها…تحركت بجانب طفلها حيث أودعته داخل الباص وتحركت بسيارتها باتجاه الشركة،أمسكت هاتفها وطلبت رقم أيمن ليُجيبها بعد قليل بصوتٍ واهن وهو يقبع فوق أحد أسِرة المشفي المملوك لنجله:
-أهلاً يا إيثار
تحدثت بتأثر:
-أهلاً بيك يا أفندم، طمني على صحتك، يارب تكون بقيت أحسن
-أنا بخير الحمدلله، طمنيني، روحتي الشركة… نطقها مستفسرًا لتجيبه بإبانة:
-أنا في الطريق، وهلغي لحضرتك كل مواعيد النهاردة لحد ما ترجع بالسلامة
بصوتٍ ضعيف املى عليها:
-إقعدي مع المهندس عدنان وتابعي معاه أخبار الصفقة الجديدة
كاد أن يُكمل فهتفت تلك الجالسة بجواره:
-كفاية كلام ومتتعبش نفسك يا أيمن، إيثار فاهمة شغلها كويس واكيد هتعمل كل ده من نفسها
واستطردت بملامة:
– ما هي ياما مشت أمور الشركة لما كنت بتاخد أجازات ونسافر
نظر بعينيه لتلك الجميلة ذات الاعوام الخمسون ليتحدث بعينين راجيتين:
-معلش يا حبيبتي،هبلغها كام نقطة بس وهقفل على طول…قطع حديثه نجله الذي ولج للتو لينظر بحدة بالغة إلى الهاتف متحدثًا وهو يجذب الهاتف من يده:
-هو ده اللي اتفقنا عليه يا بابا، مش قولت لك بلاش الموبايل وحاول تسترخي
واسترسل بعتاب وهو يتطلع لوالدته:
-وحضرتك قاعدة تتفرجي عليه يا ماما؟
أنا حاولت يا أحمد بس بباك هو اللي صمم يرد لما عرف إن إيثار هي اللي على التليفون… هكذا أجابته فوضع أحمد الهاتف وتحدث لتلك التي تستمع لحديثهم عبر سماعة “البلوتوث” الموضوعة بداخل أذنها حيث تتابع القيادة:
-تابعي الشُغل بنفسك وبلاش ترجعي للباشا يا إيثار،هو محتاج راحة تامة إسبوع على الأقل
بهدوء أجابته:
-أنا مكلمتش الباشا علشان الشُغل يا دكتور، أنا كنت بكلمه اطمن على صحته، لكن أنا عارفة هتصرف إزاي في المواقف اللي زي دي،أصلها مش أول مرة الباشا يسيب لي الشركة تحت تصرفي…اجابها بتأكيد:
– علشان كدة بقول لك إتصرفي ومترجعلوش، ولو فيه حاجة ضروري كلميني أنا
-تمام، هقفل علشان معطلش حضرتك… نطقتها باقتضاب ليتحدث باحترام:
-تمام يا إيثار،مع السلامة
اغلق معها ليتحدث إلى أبيه:
-مش ممكن يا بابا اللي بتعمله في نفسك ده، معقولة الشغل عندك أهم من صحتك!
نظر لتلك الأسلاك المعلقة بيده ليتحدث بتملل وهو يعتدل جالسًا:
-تعالى شيل البتاع اللي مركبهولي ده علشان أروح بيتي أرتاح فيه
نهضت “نيلي”لتقترب من زوجها قائلة بقلق:
-بيت إيه اللي عاوز ترجعه وإنتَ تعبان بالشكل ده يا أيمن!
-زهقان يا نيلي، مش طايق منظر المحاليل ولا ريحة الأدوية والتعقيم… كلمات قالها باقتضاب ليكمل وهو يتزحزح لينزل قدميه من فوق السرير ليهتف نجله:
-يا بابا مينفعش اللي إنتَ بتعمله ده، على الأقل خليك هنا يومين كمان لحد ماترتاح
نطق بضَجَر:
-مش هرتاح طول ما أنا في المكان ده يا أحمد، روحني يا أبني، نفسي أنام على سريري
لم يكن بمقدور نجله فعل شيء سوى الانصياع لرغبة أبيه، بالفعل تحركوا به إلى المنزل وما أن دخل من الباب حتى وجد من تهرول من فوق الدرج لتسرع إليه لترتمي داخل أحضانه ليهتف شقيقها محذرًا:
-حاسبي يا لارا،بالراحة بابا لسة تعبان
ابتسم هو ووضع كف يده ليمررهُ فوق شعرها قائلاً بحنان:
-سيبها يا أحمد،دي اللي حضنها فيه الشفا لقلبي
التصقت به أكثر وباتت تتمسح بصدره قائلة بدموعها التي انهمرت:
-أنا أسفة يا بابي،انا السبب في كل اللي حصل ده
ابتسم لها وتحدث نافيًا كي يمحي عنها شعور الذنب الذي بات ملازمًا لها منذ تلك الليلة المشؤمة:
-إنتِ ملكيش ذنب في أي حاجة حصلت، كل اللي حصل من أول حادثة بسام لحد حادثة الإغتيال بتاعة إمبارح مكتوب ومقدر
اقتربت نيلي من نجلتها وبدأت بسحبها لتحثها بالإبتعاد عن والدها لتقول:
-مش وقت الكلام ده يا لارا، بابي لسة تعبان ولازم يطلع يرتاح في أوضته
لا يطلع إيه، بابا مش لازم يطلع سلالم ويجهد قلبه…نطقها أحمد باعتراض واسترسل مفسرًا:
-أنا كلمت الشغالين خليتهم جهزوا أوضة الضيوف علشان الباشا يرتاح فيها لحد ماصحته تتحسن
وافقه الجميع وتحرك أيمن صوبها بصحبة زوجته ونجلاه
**********
بالشركة
بعد قليل كانت داخل مكتبها تجفف أثر دموعها التي انهمرت عندما وصلت لمقر الشركة وشاهدت تجمع بعض رجال الشرطة المتواجدون لاستكمال التحقيق مع جميع الموظفين، تذكرت ما حدث بالأمس لذاك المسكين وكأنهُ شريط سينمائي يُعاد أمام عينيها من جديد،حاولت جاهدة تجاوز ما حدث والتغلب على الألم الساكن قلبها لتتحرك إلى مكتبها وترتمي فوق مقعدها باستسلام،دلفت فتاة رشيقة تمتلك جسدًا ممشوقًا ترتدي تنورة قصيرة تكشف عن ساقيها البض تعتليها كنزة ضيقة بأكمام تاركة العنان لشعرها الأصفر مما جعلها صارخة الجمال،اقتربت من إيثار وتحدثت باحترام:
-صباح الخير يا أستاذة إيثار
لتجيبها الأخرى بعملية:
-صباح النور يا “هانيا”
واستطردت وهي تناولها ملفًا:
-إتصلى بأسماء العملة الي موجودين في الملف ده واعتذري لهم وإلغي مواعيد النهاردة،وبلغيهم إن حالة أيمن بيه الصحية متسمحش وإننا هنبلغهم بالمواعيد الجديدة أول ما حالته تتحسن ويرجع لشركته
تحدثت “هانيا”مستفسرة:
-هو أيمن بيه كويس؟
اجابت باقتضاب:
-الحمدلله، هو بخير بس طبعاً مش هيقدر ينزل الشركة قبل إسبوع على الأقل
واسترسلت:
-من فضلك خلي البوفيه يعمل لي قهوتي
أومأت الفتاة وتحركت للخارج
داخل مبني النيابة العامة بالقاهرة الكبرى
كان يجلس فوق مقعده الخاص بمكتبه،منشغلاً بتخليص أحد الأوراق المتواجدة أمامه ليقطع تواصله رنين الهاتف الأرضي الموضوع جانبًا،أمسك بالسماعة ليجيب بوقار يليق به:
-ألو
إستمع للطرف الأخر وكان رئيسه المباشر حيث تحدث قائلاً:
-أزيك يا فؤاد
-بخير يا باشا، إتفضل معاليك…نطقها بعملية ليقول الأخر بتفسير:
-فيه حادثة محاولة إغتيال حصلت إمبارح لرجل الأعمال”أيمن الأباصيري “قدام شركته،رجل الأعمال فلت من ضرب النار، والسواق بتاعه هو اللي دفع حياته تمن حمايته لـ أيمن
أومأ فؤاد متحدثًا:
-قريت عن الحادثة في صفحات التواصل الإجتماعي وعندي فكرة عنها.
-طب كويس، وفرت عليا شرح التفاصيل، القضية دي من النهاردة قضيتك يا سيادة المستشار، لأنها متشعبة وفيه قضية مرتبطة بيها،قضية قتل إبن رجل أعمال شهير إتقتل في فيلا ايمن الاباصيري،وعلى فكرة،أيمن قدم بلاغ رسمي النهاردة بيتهم فيه رجل الاعمال” صلاح عبدالعزيز”بمحاولة قتله، القضية صعبة ومحتاجة مجهود ذهني جبار…واسترسل باستحسان:
-أنا قُلت لسيادة الريس إن محدش هيخلص القضية دي ويقفلها غير”فؤاد زين الدين ”
-متشكر لثقة سعادتك يا باشا وربنا يقدرني واكون قدها… نطقها برزانة ليتحدث الاخر:
-هبعت لك ملف القضية اللي إتحول لنا من قسم الشرطة اللي حقق في الواقعة،ومعلش يا سيادة النائب، هتضر تروح لـ”أيمن الأباصيري” المستشفى بنفسك علشان تاخد أقواله
وإلى هنا فقد تحول داخله من السكون إلى الاشتعال،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج ليتحدث فى جمود:
-بس جنابك عارف إني رافض مبدأ خروج وكيل النيابة من مقره مهما كان مين الشخص اللي هيتاخد أقواله،إحنا المفروض بنفذ القانون يا أفندم والقانون ده يمشي على الكل من أصغر مواطن لأكبر راس في البلد
تنفس قبل ان يُجيبه مفسرًا:
– أنا فاهم الكلام ده كويس ومقدر موقفك وبحترمه يا فؤاد،لكن هنعمل إيه،لازم نبدأ في التحقيق، والراجل من ساعة اللي حصل له وهو مرمي في المستشفي وتعبان،معندناش رفاهية الوقت اللي هنستناه لحد ما يخرج من المستشفى،الراجل إسمه كبير وليه وزنه في البلد، ممكن جداً اللي حاولوا يقتلوه يكرروا المحاولة ولا قدر الله تنجح والراجل يتقتل بجد المرة دي، ساعتها الرأي العام هيتقلب علينا ويتهمونا إننا تقاعصنا عن شُغلنا.
-تمام معاليك، بس إديني فرصة لحد بكرة،معايا قضية سالم الحسيني ولازم اقفلها النهاردة… هكذا اجابه ليوافقه الاخر الرأي تحت ضيق فؤاد من تلك التنازلات التي يوافق عيها مضطرًا في بعض الأحيان.
***********
مر اليوم على الجميع بسلام،كانت تقود سيارتها قاصدة العودة لمنزلها،ممسكة بتارة القيادة وهي شاردة الذهن تفكر بذاك الـ كريم الذي فقد حياته بلمح البصر، قطع شرودها رنين هاتفها،نظرت بشاشته لتزفر بضيق حين رأت نقش اسم والدتها، ردت باقتضاب وبصوتٍ خالي من المشاعر:
-نعم يا ماما، خير!
تنهدت “منيرة”بضيق ثم تحدثت بصوتٍ حزين متصنع:
-هو ده ردك على أمك يا إيثار!
زفرت بقوة لتهتف بضجر:
-هاتي من الاخر وقولي عاوزة إيه يا ماما،أنا سايقة العربية وممكن أخد مخالفة، فانجزي.
تنهيدة حارة خرجت من صدر منيرة لتقول باندفاع:
-عمرو كلم عزيز تاني وعاوز يرجعك
لتستطرد بنبرة طامعة:
-بس المرة دي غير كل مرة، ده هيحط لك نص مليون جنيه في البنك بإسمك، وهيجيب لك شبكة جديدة والذهب اللي إنتِ هتنقيه كله هيشتريهولك، وكل اللي تقولي عليه هينفذه من غير كلام
سألتها متهكمة:
-وياترى ولادك الرجالة هياخدوا كام من ورا الثفقة الجامدة دي يا أم عزيز؟
ارتبكت وتحدثت نافية بتلعثم:
-إخص عليكِ يا إيثار، هو ده ظنك في إخواتك،طب دول يا حبة عيني كل مناهم إنهم يشوفوكي متسترة ومتستتة في بيتك وفي ضل راجل
هتفت ساخرة:
-راجل! هو مين ده اللي راجل، عمرو إبن إجلال!
-عيب تتكلمي كدة على الراجل يا بنتي، طب على الأقل إعملي حساب لـ يوسف…وكأنها بمجرد نطقها لتلك الكلمات قد فتحت عليها بابًا من أبواب جهنم لتهتف الأخرى بقوة بكلماتٍ لازعة:
-عيب دي تقوليها لولادك اللي عاوزين يبيعوني ويرموني لراجل زبالة علشان خاطر مصالحهم، وتقوليها لنفسك قبلهم
شعرت بغصة مرة بحلقها لتقول مسترسلة:
– إنتِ إيه يا شيخة، هو أنا مش بنتك أنا كمان، بتعملي فيا كدة ليه!
من المتوقع أن تتألم أية أم لنطق إبنتها لتلك الكلمات اللائمة لكن الامر يختلف مع تلك المنعدمة المشاعر لتتحدث بنبرة تهديدية صريحة:
-بلاش الكلمتين الماسخين بتوع كل مرة دول واسمعيني كويس،أنا حايشة عنك عزيز بالعافية،فمتسوقيش فيها عشان اخوكِ مستني يشوفني هعمل إيه معاكِ،وإنتِ عارفة عزيز كويس،لو اللي في دماغه ممشيش هيهد الدنيا على دماغك
واستطردت لتخيفها علها تتراجع:
-ده مش بعيد ييجي ياخدك من قلب الشُغل مجرورة من شعرك ويفرج عليكِ الناس،فخديها من قصيرها وتلمي هدومك إنتِ وإبنك وترجعي وتتقي شر إخواتك
-رجوع مش هرجع، وأعلى ما في خيلكم إركبوه، وخلي رجالتك يوروني هيعملوا إيه…نطقت كلماتها بحدة لتسترسل بتهديد:
-وأقسم بالله العظيم، لو حد فيهم قرب لي أنا ولا إبني لانهشه بسناني والبسه قضية ميطلع منها أبداً.
قالت كلماتها التحذيرية واغلقت الهاتف قبل أن تنطق الاخرى بحرفٍ واحد،ظلت تنظر أمامها وبدون سابق إنذار خانتها دموعها لتنهمر على وجنتيها كشلالٍ،تركت لها العنان لتتخلى عن وجه القوة التي رسمته باحترافية شديدة وباتت تصدره للجميع وتتوارى خلفه،بكت بحُرقة حتى انتفض جسدها أثر بكائها الشديد،لقد قررت الإبتعاد عن عائلتها وقررت الهروب والعيش وحيدة هى وصغيرها في تلك المدينة الواسعة لتنأى من بطش جميع ذكورها،فلقد ابتُليت بكثرة الذكور بحياتها وإلى الأن لم تجد ذاك الرجل التي تستطيع الإستناد والإعتماد عليه، لذا قررت الإنسحاب والبدأ من جديد ولتكن هي السد المنيع لها ولصغيرها بهذه الحياة
**************
ليلاً داخل قصر سيادة المستشار “علام زين الدين”
ولج “فؤاد” بسيارته من بوابة القصر ليترجل بعدما صفها بمكانها المعتاد،تطلع بعينيه يتفقد المكان ليبتسم حين رأى شقيقته تجاور زوجها الجلوس فوق الأريكة الموجودة أمام “حمام السباحة”وسط أجواء هادئة تدعو للإستجمام، تحرك صوبهما ليقول بوجهٍ بشوش:
-مساء الخير
-مساء النور يا فؤاد،أخبارك إيه…قالها ماجد بهدوء ليجيبه الاخر برزانة:
-أنا تمام إنتَ كويس؟
-ماشي الحال…قالها وهو يهز رأسه لتقول فريال بحنو:
-تعالى إقعد معانا يافؤاد
تنهد ليجيبها باعتذار:
-معلش يا حبيبتي،يومي كان طويل وعندي شغل كتير بكرة،يادوب أطلع أخد شاور وأنام
وقفت لتتحدث باهتمام كعادتها مع شقيقها التي تعتبره نجلها برغم أنهُ يكبرها بعدة أعوام:
-هخلي سعاد تجهز لك العشا حالاً علشان تتعشى قبل ما تطلع اوضتك
أوقفها وهو يمسك رسغها برفقٍ ليقول:
-متتعبيش نفسك يا رولا، أنا اتعشيت مع واحد صاحبي
قطب ماجد جبينهُ واحاط ذقنهُ بأصابع يده ليقول بمداعبة:
-مش عارف ليه عندي إحساس إن صاحبك اللي بتتعشى معاه من وقت للتاني ده هتطلع في الاخر مُزة وهتطلع سيادتك مغفلنا كلنا وعايش لنا فيها دور عدو المرأة وإنتَ مقضيها جولات مع الفاتنات
انطلقت ضحكة مرتفعة منه وصلت حد القهقهة ليضحكا الزوجان على ضحكاته ليتوقف بعد ثواني وهو يقول:
-ضحكتني يا دكتور والله، بس تعرف يا ماجد،مش إنتَ متجوز اختي من أكتر من خمس سنين، بس شكلك لسة متعرفش مين هو فؤاد زين الدين
قطب ماجد جبينه ليرفع الاخر قامته للأعلى وبقوة استطرد بإبانة:
-أنا زي الشمس، مبستخباش ورا عمايلي، ولسة متخلقش اللي يجبرني أكدب أو أخبي حاجة
-مالك قلبتها جد كدة يا سيادة المستشار،أنا بهزر معاك…نطقها ملتمسًا العذر ليقول الاخر:
-عارف إنك بتهزر يا دكتور،أنا حبيت بس أوضح لك نقطة اتذكرت في سياق الكلام
وهم سريعًا بالانسحاب قائلاً كي لا يعطي المجال للحديث أكثر:
-تصبحوا على خير
نظر بشرود في أثره ليقول متوجسًا:
-هو زعل ولا إيه، أنا كنت بهزر والله.
جلست من جديد لتقول بأسى وهي تتابع انسحاب شقيقها للداخل:
-هو عارف كويس إنك بتهزر يا حبيبي،بس الموضوع القديم شكله أخد محور جديد في حياته
زفر بضيق وتحدث بتأنيب ضمير:
-الظاهر إننا لازم ناخد بالنا أكتر من كدة وإحنا بنتكلم معاه
تطلعت لعينيه وتحدثت بعينين شبه دامعتين:
-أنا حاسة إني عاجزة قدام مشكلة أخويا يا ماجد، مش عارفة أعمله إيه علشان أخرجه من الدايرة دي
تنهد بأسى لأجل حبيبته ثم قال بإبانة علها تقتنع وتترك شقيقها وشأنه:
-ريحي نفسك يا رولا،أخوكِ مش صُغير ومش محتاج وصي في حياته، ده راجل معدي ستة وثلاثين سنة يعني ناضج كفاية بإنه يعرف مصلحته، ولو هو مقتنعش بفكرة الجواز مرة تانية مفيش مخلوق هيقدر يفرض عليه الفكرة
أطرقت برأسها قائلة بحزن:
-للاسف كلامك صح
سحبها لداخل أحضانه كي يخفف عنها ثم تحدث بمداعبة:
-إحنا كُنا بنقول إيه قبل فؤاد ما ييجي؟
ضحكت لتذكرها مداعبات زوجها لها قبل ولوج شقيقها واندمجت معه مرةً اخرى
************
صباح اليوم التالي
كانت متواجدة بمكتبها عندما ولجت إليها “هانيا”وابلغتها بحضور رب عملهما إلى الشركة لتنهض سريعًا وتتحرك متجهة صوب مكتب”أيمن “والذي يفصل بينهما بابًا داخليًا حيث أن مكتب أيمن يوجد له بابان بابًا خارجي منفتح علي حجرة مكتب السكيرتارية والأخر على الحجرة الخاصة بمديرة مكتبه”إيثار”، خطت للداخل لتقول بذهول:
-ده حضرتك هنا بجد، أنا مصدقتش”هانيا “وهي بتقول لي إنك وصلت لمكتبك وعاوزني،معقولة تنزل الشركة وإنتَ لسة تعبان!.
-طب قولي لي حمدالله على السلامة الاول وبعدين حققي، وبعدين مش كفاية عليا تحقيق دكتور أحمد ونيلي، هيبقى هما في البيت وإنتِ هنا يا إيثار… نطق كلماته لائمًا لترد باستغراب:
-أنا بصراحة مستغربة ومش عارفة دكتور أحمد ساب حضرتك تخرج إزاي؟!
تنهد ليتراجع بمقعده للخلف وقد بدا عليه التعب وعدم التعافى الكامل ليقول بإبانة:
-أنا خرجت منهم بإعجوبة، بعد ما أقنعتهم إني لو فضلت قاعد في البيت ممكن يجرى لي حاجة
واستطرد بجدية:
-خلينا في المهم، إتصلي بشركة” طارق الرفاعي” وخليه ييجي علشان نعقد الإجتماع اللي إتأجل إمبارح
تحدثت باعتراض لطيف:
-يا باشمهندس حضرتك لسة تعبان،حرام عليك اللي بتعمله في نفسك ده
أجابها بابانة:
-أنا كويس يا إيثار، وهقول لك اللي قولته لولادي ونيلي، اللي زيي مبيتعبش من الشغل، اللي زيي بيموت لو بِعد عن شغله وشركته يا بنتي
استطرد ليحثها على التحرك:
-يلا بقى اسمعي الكلام وبلغي الراجل علشان يلحق يظبط مواعيده
هزت رأسها باستسلام وتحركت لتنفيذ ما أُمرت به،في تمام الساعة الحادية عشر وداخل قاعة الإجتماعات الخاصة بالشركة كانت تجلس بجوار أيمن تتابع بتركيز ما يقال داخل الإجتماع وتدونهُ بدفترها حيث حضر طارق الرفاعي وبعضًا من موظفيه لحضور الإجتماع وإبرام الصفقة، استمعت لاصواتٍ عالية تأتي من مكتب السكرتارية فنهضت سريعًا بعدما رأت نظرات أيمن الغاضبة، انسحبت للخارج لترى ما المشكلة وتنهيها وتحاسب المتسبب بإحداث تلك الفوضى بوجود الزائرين، وجدت “هانيا” تقف أمام رجلين أحدهما يرتدي حلة سوداء ويبدو من هيئته الوقار والثراء وهذا ما استشفته من ظهره،استمعت إليه يهتف غاضبًا:
-تدخلي حالاً تدي للمدير بتاعك خبر بوجودي وإلا مش هيحصل لك طيب
-فيه إيه يا حضرة، صوتك عالي ليه،لازم تراعي إنك موجود في شركة محترمة مش في سويقة…كانت تلك كلماتها التي نطقتها بحدة واستنكار ليستدير لها شاملاً إياها بنظراتٍ ازدرائية من رأسها لأخمص قدميها تحت إثارة غضبها،رفع حاجبه الأيسر ليتحدث بتقليل من شأنها:
-وإنتِ تطلعي إيه إنتِ كمان؟
رمقته بنظرة إستنكارية لتهتف “هانيا”متطوعة بالإجابة:
-دي الأستاذة “إيثار الجوهري”مديرة مكتب أيمن بيه
-سكرتيرة زيك يعني… نطقها بازدراء ليسترسل بصرامة موجهًا حديثه إلى”هانيا”:
-شوفي لي حد محترم في أم الشركة دي أكلمه
رمقته هي بنظراتٍ نارية ولو كانت النظرات تصيب لتفحم وتحول إلى رمادًا أمامها، نطقت بصوتٍ يبدو هادئًا لكنه يحمل بين طياته حربًا باردة:
-حضرتك الموظفين المحترمين عندنا مبيستقبلوش غير العملاء المميزين، لكن أنا وزميلتي موجودين علشان نقابل أمثالك
قالت جملتها الأخيرة وهي ترمقه بنظرة ذات مغزى ليرفع حاجبه الأيسر قائلاً بتكرار لجملتها:
-العملا أمثالي؟
واستطرد بذات مغزى:
-طب إدخلي يا شاطرة قولي للي مشغلك إن وكيل النائب العام المستشار”فؤاد علام زين الدين “عاوز يقابله وحالاً
-للأسف يا سيادة المستشار، اللي مشغلني عنده إجتماع مهم ومستحيل أقاطعه علشان أبلغه بوجود جنابك…نطقت كلماتها ببرود استفزه لتنظر إليه باستنكار مسترسلة:
-وعلى ما أظن إن حضرتك مش واخد ميعاد سابق؟
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهدر وهو يقول بحدة بالغة:
-إلزمي حدودك معايا واتكلمي كويس وإعرفي إنتِ واقفة قدام مين؟
بقوة أجابته:
-حدودي انا عارفاها كويس جداً ومش محتاجة حضرتك تعرفها لي،وبالنسبة لشخص جنابك فده شيء ميخصنيش لأني لحد الأن متخطيتش حدود اللباقة معاك
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو ينظر إليها متعجبًا قوتها، لا ينكر أنه أعجب بشموخها رغم اشتعال روحهُ من مجادلتها له،أغمض عينيه محاولاً تنظيم أنفاسه كي يستعيد هدوئه حتى لا يحتد عليها أكثر ثم تحدث قائلاً بإبانة:
-إسمعيني يا… قولتي لي إسمك إيه؟
-أستاذة إيثار… نطقتها بعزة وشموخ ليبتسم داخله برغم جمود ملامحه الخارجية ثم تحدث من جديد مفسرًا بعدما تملك من حالة الغضب التي شملته:
-أوك،إنتِ شكلك كدة مش فاهمة الموقف فأنا هشرح لك،أنا وكيل النائب العام المكلف بالتحقيق في قضية الإغتيال اللي حصلت قدام الشركة من يومين، والمفروض إني كنت هاخد أقوال” أيمن الأباصيري” النهاردة في المستشفي،بس لما روحت أنا والكاتب لقيناه خرج من المستشفى وإبنه بلغني إنه موجود هنا في الشركة،
واستطرد بنفاذ صبر:
-فياريت تدخلي تبلغيه لأن كدة بتعطلوا وقت النيابة وده غلط عليكم
كان يتوقع ردًا لطيفًا لكن حدتها لم تتراجع حيث تحدثت بما استفزه:
-للأسف، مش هينفع
قست نبراته مع هذا الغضب الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها قائلاً:
-إنتِ كدة تعديتي حدودك معايا، وعنادك ده هدفعك تمنه غالي
تحدثت بصوتٍ هاديء لتشرح له موقفها:
-يا أفندم أنا لا بعاند معاك ولا حاجة،إسمح لي زي ما حضرتك شرحت لي سبب الزيارة أبين لك أنا كمان سبب كلامي
واسترسلت مشيرة بكفها نحو مكتبها باحترام:
– ياريت تتفضل معايا في مكتبي أشرح لك أسبابي وإنتَ بتشرب قهوتك
توقفت لتسأله:
-قهوة حضرتك إيه؟
توقف أمامها ليتأمل ملامحها الصارمة، نظارتها الطبية التي أعطت لها مظهرًا عمليًا ووقارًا غريبًا يجبر من يتحدث معها على إحترامها،بجانب تلك البدلة العملية التي توحي لمدى جديتها بالحياة،قطب جبينه متعجبًا طريقتها ليتنهد قائلاً باستسلام:
-سادة
التفت للكاتب وسألته بابتسامة لطيفة أثارت تحفظ فؤاد حيث أخذها من باب عدم الاحترام لشخصه:
-وقهوة حضرتك؟
أجابها الرجل فنظرت إيثار للفتاة وأملت عليها جلب القهوة إلى مكتبها لتتقدم الرجلين متجهة صوب مكتبها الخاص لتجلس خلف مقعدها بعدما جلسا الزائرين، وضعت ذراعيها أمامها وبدأت تتحدث بوقار:
-الباشمهندس أيمن لسة تعبان وحالته الصحية مش أحسن حاجة،هو حضر مضطر علشان يتمم صفقة مهمة جداً للشركة المفروض كانت تتم إمبارح، وكل يوم تأخير بيكلف الشركة خسارة لمبالغ كبيرة
واسترسلت بإبانة:
-الناس اللي جوة مع الباشمهندس ناس عملية بطريقة لا تتخيلها، الدقيقة عندهم بتتحسب بفلوس
هزت رأسها برفضٍ لتسترسل:
-مينفعش اقتحم الإجتماع واطلب منهم ينتظروا لحد ما الباشمهندس يخلص كلامه مع حضرتك
كان ينظر إليها بتعمق واضعًا كف يده فوق ذقنه يتحسسها بتأمل لتستطرد كلامها:
-خلينا نتكلم بموضوعية اكثر، سيادتك جاي تاخد أقوال الباشمهندس في اللي حصل،سؤال هيجيب سؤال وموضوع هيفتح موضوع تاني
ضيقت بين حاجبيها بتفكُر لتستطرد:
-يعني أقل حاجة الاستجواب هياخد ساعة ده إذا مكنش أكتر، تفتكر حضرتك الناس اللي جوة دي هتقدر تنتظر ساعة؟!
-كنت دايمًا بستغرب من لقب مديرة مكتب، كنت بقول لنفسي دي مجرد منظرة من صاحب الشركة،أصل هتكون بتعمل إيه يعني أكتر من اللي السكرتيرة بتعمله…قال كلماته باستخفاف ليستطرد باستحسان:
-لكن بصراحة بعد الموقف ده،أمنت بأهمية دور مديرة المكتب
أومأت شاكرة،تقدمت “هانيا”عامل البوفيه لتتحدث بهدوء إلى إيثار:
-القهوة يا استاذة
قدمها للضيوف يا” عزت”… جملة عفوية نطقتها إيثار ليتحرك عامل البوفيه ليقدم القهوة إلى الموظف لينتفض الرجل بجلسته مُشيرًا لسيده قائلاً بتوقير:
-ميصحش كدة، قدم للباشا قهوته الأول
إبتسامة متهكمة اعتلت ثغرها لاحظها ذاك الجالس بغرور واضعًا قدمًا فوق الأخرى ليسألها مستفسرًا:
-ممكن أعرف إيه سبب الضحكة الغريبة دي؟
أجابته بذات مغزى:
-اصلى بستغرب جداً من رجال النيابة والقضاء المصري،برغم إنهم القائمين على إصدار القوانين وتطبيقها إلا إنهم أول ناس بيخترقوها
قطب جبينه غير مستوعبًا لتسترسل موضحة باستفسار:
-المفروض إن لقب البهوية والبشوية إتلغت من مصر بقوانين، ومع ذلك لسة ناس كتير في السُلطة بتستخدم اللقب وكأنهم قاصدين علشان يميزهم عن باقي الشعب،وأكثر الناس دي هما رجال القضاء، اللي زي ما قولت المفروض يكونوا احرص الناس على تطبيق القوانين
-ده أنتِ طلعتي معقدة طبقيًا… نطقها مع ابتسامة ساخرة بادلتهُ بمثلها لتتحدث متهكمة:
-هو علشان كلامي مجاش على هوا جنابك هتطلعني مريضة نفسيًا!
-أنا جبت سيرة مرض نفسي؟ ٠٠٠ نطقها بمراوغة لتُجيبه باقتضاب:
-مش لازم تقولها صريحة
اشارت بكفها:
-إشرب قهوتك قبل ما تبرد
واستطردت بذات مغزى وهي تضغط في إخراج الحروف:
-القهوة لما بتبرد بتفقد مذاقها وبتبقى زي عدمها
تبسم معجبًا بذكائها وشخصيتها القوية ليرتشف قهوته بهدوء،بادر بسؤالها:
-إنتِ كنتي موجودة وقت للحادثة ماحصلت؟
تغيرت ملامح وجهها لتكتسي بالحُزن وتنهدت لتجيبه متأثرة:
-أيوة،أنا نزلت في الاسانسير أنا والباشمهندس
واسترسلت بغصة في حلقها:
-وكريم الله يرحمه كان معانا، خرجنا من باب الشركة مع بعض لحد ما وصلنا لعربياتنا، وحصل اللي حصل
سألها باهتمام:
-يعني إنتِ شفتي الناس اللي ضربوا النار، تقدري توصفيهم؟
هزت رأسها بنفي لتقول شارحة:
-اللي حصل كان مفاجأة للكل، محدش لحق يركز في حاجة، ضرب النار كان كتير جداً وصعب حد يركز في مواصفاتهم
-هستناكي بكرة في مبنى النيابة علشان تُدلي بأقوالك…نطقها ورفع كوب القهوة ليرتشف ما تبقى به، قطبت جبينها لتتحدث بإبانة:
-أنا قولت كل اللي اعرفه لحضرة الظابط اللي حقق في القضية
-القضية إتحولت للنيابة وبقت تحت مسؤليتي… قالها بجدية ليسترسل بتفاخر:
-وفؤاد علام مبيعتمدش على تحقيقات حد.
تنهدت بضيق ثم تحدثت مقترحة:
-طب ممكن حضرتك تسألني في اللي حابب تعرفه هنا، وكدة كدة عندنا وقت
ابتسم ساخرًا ليتحدث بنبرة مقللة:
-على أخر الزمن رئيس النيابة هياخد أقوال الشهود في مكاتبهم
وبلحظة تحولت ملامحه لصارمة ليستطرد بنبرة حادة:
-إنتِ بتكلمي رئيس نيابة مش عامل دليفري يا أستاذة
رفعت حاجبها الأيسر لتتحدث ساخرة:
-بيتهيء لي إن جناب رئيس النيابة جاي هنا علشان ياخد أقوال أحد الشهود في مكتبه،
وضعت سبابتها بمقدمة رأسها مدعية التذكر لتستطرد بذات مغزى:
-أه نسيت، حضرتك جاي لرجل الأعمال أيمن الاباصيري مالك أكبر شركة إستيراد وتصدير في البلد كلها،مش معقول هتعامل إيثار الجوهري مديرة مكتبه بنفس المعاملة
انتفض واقفًا بعدما تحولت ملامحه إلى مشتعلة مما جعلها ترتعب وتشعر أنها قد ازادتها،ليتقدم منها وكاد أن يتحدث قاطعه صوت رنين هاتف مكتبها لترد سريعًا بعدما استمعت لصوت مديرها:
-حاضر يا أفندم
اغلقت واشارت نحو الباب لتتحدث بارتياب:
-الباشمهندس أيمن في إنتظارك
رمقها بنظراتٍ حارقة ليهتف بنبرة حادة:
-التليفون ده رحمك من غضبي، بس بسيطة، مستنيكي بكرة في مكتبي علشان أوجب معاكي وارد لك تحيتك
رمقته بنظرات جادة وتقدمت أمامه لتهتف باحترام وهي تشير لـ أيمن:
-إتفضل يا سيادة المستشار
لتسترسل بتعريف:
-حضرته يبقى “فؤاد علام زين الدين “وكيل النائب العام اللي جاي ياخد أقوالك يا أفندم
تعجب من سردها لإسمه بدقة،لقد نال ذكائها وسرعة بديهتها استحسانه بجانب شخصيتها الفريدة،وقف أيمن وتحرك باتجاهه ليمد يده متحدثًا باحترام:
-أهلاً وسهلاً يا فؤاد باشا، دكتور أحمد إبني كلمني وقال لي إنك سألت عليا في المستشفى
واستطرد بامتنان:
-ومش عارف أشكرك إزاي إنك جيت لي لحد هنا
-ده شُغلي يا أيمن بيه وكان لازم أنجزه لأن وقتي ضيق… نطقها بعملية ليُشير أيمن إلي تلك الاريكة المتواجدة بالمنتصف:
-إتفضل معاليك
نظر إلى تلك الواقفة واستطرد قائلاً:
-شوفي الباشا بيشرب قهوته إزاي يا أستاذة إيثار
بإشارة من يده أوقفها ليجيبه باقتضاب:
-مفيش داعي، شربت فنجان برة في مكتب الإستاذة
يظهر إن قهوتنا معجبتش الباشا…قالها أيمن بعدما رأى جمود ملامحه لينظر الاخر إلى إيثار متحدثًا بذات مغزى:
-بصراحة لا، كانت باردة وملهاش طعم
استشاط داخلها لتيقنها بأنهُ يقصدها لا القهوة،ليتحدث أيمن متعجبًا:
-غريبة قوي، ده مفيش حد داق قهوتنا إلا وشكر فيها، دي إيثار بتبعت تجيب البُن مخصوص من البرازيل
تحدثت باستفزاز:
-القهوة أصلها أذواق يا باشمهندس
رمقها أيمن بنظرة عاتبة لتتحدث هي بانسحاب:
-أنا برة في مكتبي،لو حضرتك احتاجتني رن عليا
-خليكي معانا علشان سيادة المستشار ياخد أقوالك بالمرة…نطقها أيمن بتلقائية لتجيبه بنبرة تهكمية:
-لا ما اهو سيادته إستدعاني لمكتبه بكرة،علشان كدة هستأذن بكرة بدري ساعتين علشان ألحق ميعاد النيابة
-ميعادك الساعة 11 صباحًا يا أستاذة،إنتِ هنا اللي بتحددي مواعيد اللي يدخل لـمديرك، لكن مواعيد النيابة دي بتاعتي أنا…قالها بحنق مما أثار فضول أيمن الذي تسائل:
-يظهر إنك زعلتي الباشا مننا يا إيثار
-محصلش يا أفندم،بس من الواضح إن سعادته من الشخصيات اللي بيتوتر ويتضايق من الإنتظار،وأنا مكنش في إيدي أي حاجة اعملها،وخصوصًا إن سعادته مكنش واخد ميعاد سابق… نطقت كلماتها لـ أيمن الذي تفهم حديثها ليقول وهو يحثها على الخروج:
-خلاص يا إيثار،تقدري تخرجي تشوفي شُغلك
خرجت تحت انظار ذاك الذي تابعها حتى اختفت خلف الباب، ليبدأ بحديثه قائلاً بعدما نظر بعيناه للموظف وحثهُ على البدأ بتدوين التحقيق:
-حضرتك قدمت بلاغ ضد المدعو “صلاح عبدالعزيز ” إتهمته فيه إنه ورا محاولة الإغتيال اللي اتعرضت لها، ممكن أعرف إيه السبب ورا الإتهام ده؟
تنهد وظهر الاعياء على ملامحه ليتحدث بابانة:
-صلاح عبدالعزيز جالي بيتي من كام يوم وهددني إنه هياخد تار إبنه مني
-كويس إنك فتحت الموضوع،أنا عاوزك تحكي لي قصة إبنه اللي إتقتل في فيلتك وعلى إيدك، وياريت بأدق التفاصيل… نزلت كلماته على قلب ايمن كسواطٍ لتجلده،أخذ نفسًا عميقًا ليقول بنبرة حزينة:
-أنا عمري ما كنت أتخيل إني ممكن أأذي نملة، مش اقتل بني أدم، اللي حصل كان غصب عني
قطب جبينه وبات يتطلع عليه بتعمق ليسرد الاخر:
-بسام إبن صلاح عبدالعزيز كان في حفلة عيد ميلاد واحدة قريبته،لارا بنتي كانت حاضرة الحفلة بحُكم إن البنت زميلتها في الجامعة، لما بسام شافها أعجب بيها وحاول يتقرب منها ويتكلم معلها لكن لارا صدته، فضل متابعها شهور يجري وراها في كل مكان والبنت كانت بتصده بكل قوتها لأنه كان فاشل وثقيل الدم، لحد ما في يوم كان بيشرب خمور مع أصحابه وأخدوا حبوب مهلوسة،جاب واحد صاحبه وجه لحد بيتي في نص الليل ونط من على سور الفيلا من غير ما الحَرس ياخدوا بالهم
واسترسل موضحًا:
-وده ظهر في كاميرات المراقبة اللي النيابة إطلعت عليها وقت التحقيقات، المهم، صاحب الولد ساعده ونقلوا سلم حديد كان الجنايني جايبه يطلع بيه على الشجر العالي علشان ينضفه،طلع على بلكونة اوضة بنتي
قاطعه فؤاد مستفسرًا:
-وهو عرف أوضة بنتك منين؟!
أجابه ليقطع عنه الشك الذي ساورهُ:
-“بسام” كان مجنون بحُب “لارا”،كان بيقف بعربيته بالساعات يراقب البيت ويستناها لحد ماتخرج في البلكونة علشان يشوفها
واسترسل:
-أنا كنت نايم في اوضتي لما سمعت صراخ بنتي فجريت انا ومراتي علشان نشوف فيه إيه، لما دخلنا لقيناه ماسك لها مسدس وبيجبرها على إنها تنزل معاه من السلم اللي موصل للبلكونة، إتجننت لما شفت رُعب بنتي في عنيها، جريت عليها وأخدتها في حضني،وهو شد أجزاء المسدس وهددني لو مبعدتش عنها وسبتها تمشي معاه هيقتلها قدام عنيا،وفعلاً بدأ يشدها من إيدي في الوقت ده اخوها أحمد دخل وكان هيهجم عليه،من خوفي على ولادي جريت عليه وحاولت أخد منه المسدس بس هو كان عامل زي المجنون، البرشام والمخدرات اللي كان شاربها مكنتش مخلياه في وعيه، مسكت معاه المسدس وقعدنا نشد قصاد بعض انا وهو لحد ما صباعه ضغط على الزناد وخرجت منه طلقة،استقرت في كليته عملت له نزيف وكانت السبب في موته
كان يروي ما حدث منذ ثلاثة أشهر وكأنه يرى الحادث أمام عيناه، اغرورقت الدموع بمقلتيه ليستطرد وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا:
-صدقني يا سيادة المستشار أنا ماقتلتوش،والطب الشرعي أثبت إن بصمات بسام هي اللي كانت موجودة على الزيناد وقت ما الطلقة خرجت
-وطبعًا صلاح عبدالعزيز إتهمك بقتل إبنه… نطقها فؤاد ليجيبه أيمن بتأكيد:
-ومن يومها وهو حالف لياخد بتارة مني، دي مش أول محاولة ليه، من حوالي شهر حاول يسممني لما قدم رشوة للشغالة اللي عندي في البيت وعطاها نوع سم تحطهولي في العصير، ولولا ستر ربنا والطباخ شاف البنت وهي بتحط السم من قزازة كانت في جيب فستانها ومسكها ونده لنا، مكناش إكتشفنا الموضوع وكان زماني مقتول على إيده
سأله مستفسرًا:
-قدمت بلاغ بالواقعة دي؟
-أيوة طبعاً قدمت بلاغ اتهمته فيه بالتحريض على قتلي وسلمت البنت لقسم الشرطة واعترفت بكل حاجة، لكن صلاح انكر صلته بالموضوع وساعده في إنه يفلت منها إن الولد اللي إتفق مع البنت قال لها إنه تبع واحد بيكرهني وعاوز يخلص مني، مذكرش اسم صلاح وده اللي خلى النيابة تخرجه لعدم وجود أي أدلة قوية تدينه
إنتهى من التحقيق وخرج بعدما شكره أيمن الذي أوصله إلى الباب المؤدي لمكتب “هانيا” السكرتيرة، بات يتلفت بعيناه علهُ يرى تلك المشاكسة لكن خاب أمله،تعجب من حاله ومن التفكير بها ليهز رأسهُ ينفض منها تلك الافكار العجيبة ليتحرك مغادرًا الشركة بأكملها
*************
فتحت عينيها باتساع لتنتفض من فوق فراشها تتلفت حولها بفزعٍ بعدما استمعت لصوت جرس الباب والطرقات العالية التي صدحت لتصدر صوتًا مزعجًا افزعها من نومها،اتسعت عينيها بارتعاب وهي تنظر إلى الهاتف لتكتشف أن الساعة قد تخطت الثانية بعد منتصف الليل، نفضت الغطاء واتجهت نحو عليقة الملابس لتنتزع مأزرها الشتوي وترتديه بتلبك وهي تتحرك على عُجالة باتجاه باب المسكن لتقابلها عزة التي هتفت بارتعاب:
-مين اللي بيخبط علينا كدة يا إيثار
-مش عارفة، مش عارفة… نطقتها وهي تهز رأسها بهلع لتتجه إلى الباب وتقترب منه لاصقة إحدى عينيها بفتحة الباب السحرية لتجحظ عينيها بفزع وهي ترى عمرو لتتسلل إلى مسامعها نبراته التى تخشاها وتمقتها وهو يقول بصوتٍ يبدوا عليه عدم الإتزان:
-إفتحي يا إيثار،إفتحي لي الباب
شهقت لتهتف بحِدة جنونية:
-إنتَ إتجننت يا عمرو، هي حصلت تجي لي الشقة وتخبط عليا الساعة إتنين بالليل؟!
زاد من طرقه الجنوني للباب وتحدث بلسانٍ ثقيل مع ترنح جسده مما جعلها تتوقع احتساءه لاحد المشروبات الكحولية:
-إفتحي الباب يا حبيبتي، أنا قلبي مولع نار وعاوز اطفيها جوة حُضنك
-يا نهارك إسود، إنتَ شارب…نطقتها بذهول ليهتف بعلو صوته:
-أيوا شارب علشان أنسى رفضك ليا، إرجعي لي يا إيثار علشان أحس إني عايش
تحدثت برجاء كي تحسه على الرحيل:
-إمشي يا عمرو قبل الجيران ما تصحى وتتفرج عليك وإنتَ بالشكل ده،أرجوك أنا مش ناقصة فضايح
لو مش عاوزة فضايح إفتحي وخلينا نتكلم جوة… نطقها مستغلاً خشيتها من حديث الجيران لتهتف عزة بصوتٍ مرتعب:
-إوعي تفتحي له، ده الموكوس شارب ومش واعي بنفسه
-أفتح له إيه إنتِ كمان، شيفاني مجنونة قدامك…نطقت كلماتها بملامح وجه مكفهرة لتهتف محدثة ذاك الواقف خلف الباب:
-إمشي حالاً علشان ما تضطرنيش أطلب لك البوليس
نطق بعنادٍ وتعنُت بجسدٍ مترنح:
-إعملي اللي إنتِ عوزاه، أنا مش هتحرك من هنا قبل ما أشوفك وأتكلم معاكِ
صرخت بعدما افقدها توازنها:
-والله العظيم لو ما مشيت حالاً لاتصل بالبوليس واخليهم ييجوا ياخدوك ويعملوا لك محضر تهجم ومحضر سُكر
-قولت لك إفتحي… نطقها وهو يركل الباب بقدمه بقوة ليخرج جارها المقابل متحدثًا بنبرة حادة:
-فيه إيه يا أستاذ، إيه الدوشة اللي إنتَ عاملها دي، إنتَ عارف الساعة كام؟
ترنح بوقفته ليهتف بتهديدًا صريح:
-أدخل وأقفل بابك عليك بدل ما اخليك تندم على عمرك
ما أن استمعت لصوت همهمات الجيران التي بدأت تعلو بعدما خرجوا من جميع الطوابق على صياح ذاك الحاد، شعرت بروحها تكادُ أن تنسحب منها لتهرول باتجاه غرفة النوم لتتبعها عزة التي تحدثت وهي تراها تخطف هاتفها الجوال من فوق الكومود استعدادًا لعمل مكالمة:
-إنتِ هتطلبي البوليس بجد يا إيثار، إحنا مش ناقصين مشاكل مع نصر البنهاوي، ده راجل شراني وقرصته بالقبر
-المشاكل هي اللي جت لحد عندنا يا عزة… نطقتها وهي تطلب رقم….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى