رواية غرام المغرور الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم نسمة مالك
رواية غرام المغرور الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم نسمة مالك |
رواية غرام المغرور الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم نسمة مالك
تحذير!!..
يجب على كل زوجة أن تكون صريحة وواضحة بحياتها الزوجية..لا تخفي شيء يخص علاقتها الشخصية بشريك حياتها.. لتتجنب المخاطر والعواقب الوخيمة التي ستنتج إذا علم زوجها بما تخفيه عنه..
.. فلاش باااااااااااك..
كان “فارس” يجلس بالغرفة الخاصة بالاجتماعات منهمك في مباشرة أعماله الكثيفة حتي صدعت أصوات هواتفه معلنين عن وصول رسالة بأن واحد.. حتي اللاب الخاص به تلقي عليه أيضاً رسائل عبر المواقع الخاصة به على السوشيال ميديا..
عقد حاجبيه بدهشه، وأسرع بأمساك إحدي هواتفه يتفحصه بلهفه وقد زحف القلق لقلبه دون معرفة السبب.. بل تمكن الهلع منه حين رأي محتوي الرسالة..
“زوجتك بخطر.. يحاولون قتلها بعيادات فندقك أسرع لتتمكن من أنقاذها، وأحذر فهناك مجموعة من الرجال المسلحين داخل العيادات”..
سقط قلبه أرضاً، وتلاحقت أنفاسه حتي انه أوشك على الموت خنقاً حين خيل له أن ساحرته من الممكن يفقدها الآن وللأبد .. انتفض من مكانه فجأة وركض بأقصى سرعة لديه خلفه رجال الحراسه الخاصة به كل منهم حامل سلاحه الناري بيده ..
فور وصوله لباب العيادات ظهر أكثر من من رجل ملثم وبدأو يتبادلون إطلاق الطلقات النارية التي وصلت صداها لسمع إسراء عقب رائحة عطر زوجها التي اخبرتها بوجوده..
.. نهاية الفلاش بااااك..
حالة من الفزع والرعب سيطرت على قلب “الهام” والطبيبة والفتاة التي برفقتها حين اندفع “فارس” داخل غرفة الكشف بوجه يظهر عليه الغضب العارم.. ممسك سلاحه بيده، وهيئته تدل انه سيزهق روح من يفكر في إيقافه..
اما “إسراء” كانت بحالة يرثي لها بعدما أدركت حجم الكارثة التي أوقعت نفسها بها بسبب تهورها الذي جعلها ترتكب خطأ فادح من الممكن أن تخسر زوجها بسببه..
دار بعينيه بأنحاء الغرفة يبحث عنها كالمجنون.. حتي لمحها تتمد خلف ذلك الساتر تنظر له بأعين زائغه، ووجه شاحب من شدة خوفها..
“مدخلش حد من الحرس يا هاشم”..
قالها وهو يقطع المسافة بينه وبين زوجته بخطوتين، وبلحظة كان حاوطها بذراعيه لداخل حضنه بحماية مردداً بأنفاس منقطعه..
“إسراء.. إسراء عملوا فيكي أيه؟!”..
بدأ يتفحص كل أنش بها بلهفه، وقلب أوشك حقاً على التوقف من عنف دقاته.. تصلب جسده ، وحجظت عينيه بصدمة عندما وجدها بدون ثيابها الخاصة..
لهنا وجن جنونه أكثر وبلمح البصر كان قبض على عنق الطبيبه، والفتاه معاً بكلتا يديه، وتقدم بهما نحو إحدي الجدران دفعهما به بقسوه، ورفعهما سوياً من عنقهما حتي لم تعد قد قدميهما تلمس الأرض..
“عملتوا فيها يا ولاد ال***.. انطقي يا *** انتي وهي عملتوا اييييه في مراتي”..
بصعوبه بالغه حاولت الطبيبة تتحدث بضعف شديد، وهي تجاهد لأبعاد يده الطابقة بعنف على عنقها كادت أن تفقدها وعيها.. بل تسلب روحها..
“و والله االعظيم ممما عملت حاااجه ااانا ش شيلتلها اال وسيله بس”..
استجمعت” إسراء ” شتات نفسها وهي تري انه على وشك قتلهما.. فنهضت جالسه بوهن ساحبة الغطاء الزهري عليها جيداً، وببكاء صرخت قائله..
” فااارس سيبهم بالله عليك هيموتوا في أيدك .. أنا كويسة”..
فور سماع صوت معذبته.. تركهما على الفور ليسقطا أرضاً على ركبتهما ويسعلان بشدة كمحاولة منهما ليلتقطا أنفاسهما..
أقترب منها ثانياً واحتضن وجهها بين كفيه ونظر لعينيها نظرة متوسله وبأنفاس متهدجة همس قائلاً..
” انتي كويسه.. قوليلي عملوا فيكي حاجة”..
أمسك ثيابها الموضوعة جوارها على الفراش، وتابع وهو يبتلع لعابة بصعوبة..
“قلعوكي هدومك ليه؟!”..
“متخفش يا ابني مراتك هي اللي كانت بتكشف.. والله ما حد عمل فيها حاجة” ..
كان هذا صوت “إلهام” التي تبكي هي الأخرى بنحيب..
بينما” إسراء ” أعتصر قلبها حين رأت كل هذا الكم من الرعب والفزع الظاهر بعينيه وعلي ملامحه وحتي بنبرة صوته..رفعت يدها تمسد على صدره بكف يدها المرتجفه بحركتها المفضله لديه، وبهمس متقطع من بين شهقاتها الحادة قالت..
” أهدي يا فارس أرجوك، وأطمن والله أنا كويسة “..
خطفها لصدره بعناق محموم يعتصرها بين ضلوعه.. يود حرفياً أن يخفيها داخل أبعد نقطه بأعماق قلبه.. إزداد نشيجها وبدأت تبكي بندم أكبر وجسدها ينتفض بشدة بين يديه.. مما جعل وتيرة غضبه تهدأ قليلاً، وبدأ يربت على رأسها، وكتفها وظهرها برفق مغمغماً بفيض من الحنان لا يظهر سوي لها وحدها فقط..
“هششش.. أهدي يا روحي.. أنا جنبك.. متخفيش”..
“عايزه أمشي من هنا.. وديني أوضتنا يا فارس أرجوك “..
همست بها وهي تندس داخل حضنه أكثر بعدما تفهمت انه لم يستوعب بعد الجملة التي قالتها له الطبيبة..
قبل جبهتها قبله طويله أكثر من مرة وهو يقول..
“حاضر.. هنروح أوضتنا “..
تناول ثيابها الموضوعه بجوارها على الفراش، وقام بتلبسها بنفسه حتي أنتهي، وحملها بين يديه واضعاً يد أسفل ركبتيها، والأخرى حول خصرها، وسار بها نحو الخارج وهو يقول بأمر موجه حديثه لأحدي حراسه..
“خدو الاتنين اللي جوه كمان”..
أنهي جملته، وسار بزوجته بخطوات واسعه أمام أعين أعين حشد هائل من العاملين والنزلاء بالفندق..
………………………….
..بجناح ديمة..
كانت تتابع كل ما يحدث عبر هاتفها بأعين جاحظه ووجه انسحبت منه الدماء بل انسحبت الدماء من جميع أوردتها..
لتصعق حين رأت باب الجناح فُتح فجأة، وخطي للداخل مجموعة من الرجال المسلحة تقدم منها أحدهم وقام بحملها بكثير من العنف جعلها تصرخ بألم قائله..
“أنت مين يا حيوان.. نزلني احسنلك.. انت مش عارف أنا مين”..
حاولت الأفلات من يده ولكن جروحات جسدها منعتها واجبرتها على عدم الحركة.. اكتفت بالصراخ الهستيري بعدما أدركت أن عقاب “فارس” لها هذه المرة لن يكون بكسر إحدي ضلوعها كالمرة السابقة..
…………………………..
.. بجناح فارس وساحرته..
كان بنتظارهم فريق طبي كامل استدعاه “فارس” خصيصاً حتي يقوم بفحص كامل ليطمئن على زوجته..
أنتهت أخر طبيبه من فحص “إسراء” تحت أعين “فارس” الجالس بجوارها يضمها لصدره بلهفه وقلق شديد، ونظرت الطبيبة ل “إسراء” المرتعبه وتحدثت بابتسامة..
“الحمدلله حضرتك كويسه جداً.. شوية التهابات بسيطة مكان الوسيلة مش أكتر”..
وسيلة؟!.. تلك الكلمة ثانياً.. هنا انتبه لها “فارس” الذي تحدث بتساؤل وهو يتنقل بنظره بين زوجته والطبيبة، وبداخلة أن يكون ظنه خاطئ..
“وسيلة أيه بالظبط؟!”..
“وسيلة منع الحمل يا فارس باشا.. المدام شكلها شلتها قريب”..
هكذا أجابته الطبيبه ببساطة وبدأت تكتب لها الدواء المناسب..
أطبق الصمت فجأة على الغرفة.. تسمّر “فارس” محله مصدومًا لبرهةٍ، وما لبث ونظر لزوجته التي تستجديه بعينيها أن يعطي لها فرصه واحدة ويستمع لها أولا قبل ان يطولها غضبه، وعقابه..
بينما كانت نظرة” فارس”مستنكرة.. متخاذلة.. أيعقل كانت لا تستخدم وسيلة حتي تمنعها أن تحمل منه؟!..
“حمد لله على سلامة حضرتك.. تؤمرني بحاجة تاني يا فارس باشا”..
قالتها الطبيبة وهي تمد يدها بالورقة المدون عليها الدواء تعطيها له..
لم يأخذها منها “فارس”.. لم يستمع لها من الأساس.. نظره مصوب على زوجته بنظرات منذهله.. بعدما أصبح عقله غير قادر على الأستيعاب..
أبتعدت” إسراء ” بعينيها عن عينيه التي تحرقها بنظراته، ونظرت للطبيبه بابتسامة باهته، ومدت يدها أخذت منها الورقة متمتمه..
“شكراً..تقدري تتفضلي”..
لحظات و انصرف جميع من بالغرفة، وظلت وحدها برفقة زوجها..
انتفضت جالسه فجأة أمامه على ركبتيها، وبدأت تتحدث بهذيان من شدة فزعها..
“فارس.. أنا غلطانه.. أنا أسفة؟!”..
“مكنتيش عايزة تخلفي مني، وكلامي معاكي خلاكي تشفقي عليا، وتقرري لوحدك وبمزاجك تشيلي الوسيلة اللي بتستخدميها من ورايا؟!”..
هكذا قاطع حديثها بجملته التي قالها بهدوء منقطع النظير، ولكنه لا يبشر بالخير أبداً..
حركت رأسها بالنفي، وهمت بألقاء نفسها داخل حضنه تختبئ منه فيه كعادتها.. لكنها صرخت بهلع حين هب واقفاً فجأة، وسار نحو إحدي الارائك بالغرفة وبدأ يحطمها بقوة بكلتا يديه وحتي قدميه مردداً بنهيار..
“كلامي وتحذيري ليكي من زعلي وغضبي منك.. اللي قولتهولك هنا.. على الكنبة دي.. مسمعتيش منه حرف واحد.. رمتيه كله ورا ضهرك وأول ما خرجتي من الأوضة عملتي بدل الكارثة كوارث.. خلتك هترجعيلي جثه انهارده بسبب طيشك وتهورك”..
يلكم كل شيء تطوله يديه بعدما حطم الاريكة..
ركضت خلفه بهروله،ودفعت الباب الذي فتحه بجسدها أغلقته مرة أخرى..
تحاول هي الوصول له بكافة الطرق، ولكنه كان يتعمد الابتعاد عنها.. لا يريد لمسها حتي لا يحطم عظامها هي الأخرى كما يفعل بالأثاث من حوله..فبرغم كل ما فعلته لن يتحمل صرخة ألم واحده منها..
صك على أسنانه بعنف، ورمقها بنظرة مستحقرة أدمت قلبها وتحدث بلهجة قاسية قائلاً..
“الوحدة اللي بتبقي مش عايزه تخلف من جوزها دي.. بتبقي مش طيقاه، ولا طايقة لمسته.. لكن أنتي يا بيبي بتبقي أكتر من مستمتعه وانتي بين ضلوعي، وبشوف في عيونك أنك عايزانى زيي ما أنا كنت ببقي عايزك ويمكن أكتر كمان”..
كلماته كانت جارحة لانوثتها، ولكنها تغاضت عنها ولم تفرق معها سوي كلمة واحدة.. كنت؟!.. مادا يعني بها؟! هل أصبح لا يريدها؟!..
” تفصد أيه بكنت عايزني دي يا فارس؟! “..
ابتسم لها ابتسامة مصطنعه، وحرك رأسه بالايجاب وهو يقول..
” أيوه بالظبط اللي فهمتيه.. مش فارس الدمنهوري االي يسبب واحده على ذمته مكنتش عايزة تخلف منه”..
صمت للحظه وهم بمتابعة حديثه الذي سيكون من كلمة واحدة تصبح بها” إسراء” طليقته.. تفهمت هي مقصده، وما ينوي قوله لها.. فركضت عليه بكل ما أوتيت من سرعة داخل حضنه ارتطمت بصدره، وأسرعت بوضع كف يدها على فمه تمنعه من قولها مردده بنحيب..
” لا يا فارس.. علشان خاطري متقولهاش”..
نظر لها نظرة يخبرها بها أن خاطرها لم يعد يهمه من الأساس.. فصرخت هي بتوسل قائله..
“طيب بلاش علشان خاطري انا.. علشان خاطر إسراء اللي بتحبك أكتر مني”..
لأول مرة يدفعها هو بعيداً عنه سقطت أرضاً بقوة أثر دفعته هذه.. ورمقها بنظرة يملؤها الألم ومن ثم أندفع نحو باب الجناح وهو يقول بأسف..
“لخاطر إسراء.. فاهمة لخاطرها.. بس من انهاردة مش عايز اشوف وشك قدامي ولا حتي صدفة”..
وقفت أمامه مستنده بظهرها على الباب.. ممسكه بكلتا يديها المرتجفة بياقة قميصه.. تستمد منها القوة ولو قليلاً..
تسمر بمحله لبرهةٍ و هو يرمقها بنظراته المتأججة..
رفع يده وهم بدفعها بعيداً عنه، ولكنها أرتمت داخل حضنه بلهفه تضمه بكل قوتها متمتمه بصعوبة من بين شهقاتها..
“طيب اسمعني الأول يا فارس علشان خاطري؟!”..
“احسنلك تبعدي عن طريقي دلوقتي”..
قالها وهو يمسك زراعيها بين كفيه بعنف ألمها ولكنها تحاملت على نفسها، ورفعت وجهها الغارق بالدموع نظرت له نظرة رق لها قلبه المتيم بها..
مسح “فارس” على وجهه بعصبية و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، ثم قال بصوتٍ أجش..
” اختفي من قدامي حالاً بدل ما ارتكب جريمة قتل يا إسراء هانم”..
كان الرعب واضحًا عليها لمرآى تعبير وجهه الغضوب..
عيناه تتسعان بغضب و تبرز عروقه بخطورة..شعرت حينها أن حديثه ليس مجرد تهديد لها، وأنه بالفعل على حافة فقدان السيطرة على غضبه وسيقبض على عنقها ولن يتركها إلا عندما تلفظ أنفاسها الاخيرة..
شحب وجهها و إزرقت شفاهها بلحظة، وإرتفع صوت نشيجها، وأطلقت شهقة عميقة مرة واحدة..
تحطم جمود “فارس” عندما رأي تطور حالتها إلى الإعياء الشديد، وتهاوت قدميها لم تعد قادره على حملها، وأوشكت على السقوط أرضاً، ولكن يديه القويه التي تمردت عليه والتفت حول خصرها جذبتها داخل حضنه ثانياً بلهفه فشل في أخفائها خاصةً حين همست ببطء وضعف شديد..
“وحياة ربنا يا فارس قلبي هيقف”..
حملها بذراع واحد من خصرها، ودار بعينيه في انحاء الغرفة يبحث عن إسدال الصلاة الخاص بها.. وجده على المشجب الخشبي.. هروله نحوه ،وقام بتلبسها إياه على عجل، ولف حجابها بأحكام، وحملها ثانياً وسار بها لخارج الجناح حتي وصل لغرفة “خديجة” التي كانت تجلس برفقتها “إلهام” الباكية، و”ايمان” الباكيه لبكائها أيضاً..
فتح الباب دون سابق إنظار جعلهن يشهقن بفزع، واندفع بزوجته نحو الفراش وضعها عليه متمتماً بنفاذ صبر..
“خلي الهانم عندك يا خديجة”..
قالها وهو يسير للخارج.. أسرعت “إسراء” بالركض خلفه.. لكنها تيبست مكانها حين نظر لها مكملاً بتهديد وهو يشير لباب الجناح..
“تخرجي من الباب دا هتكوني طالق مني يا إسراء”..
نهي جملته سار للخارج بخطواته الغاضبه..
“فارس استني يا حبيبي”..
أردفت بها “خديجة” ببكاء وهي تركض خلفه كمحاولة منها للحاق به..لكنه تابع سيره دون توقف حتي اختفى عن عينيها داخل المصعد.. أسرعت هي بخطوتها أكثر لعلها تصل إليه قبل أن ينغلق الباب لتتعثر قدميها بسبب حذائها ذات الكعب العالي مما أدى للتواء كاحلها جعلها تشهق بألم، وكادت أن تسقط أرضاً بقوة..
لكن يد عريضه ألتفت حول خصرها بلهفه منعتها من السقوط.. رفعت وجهها الغارق بالعبرات ببطء لتتقابل عينيها بأعين “هاشم” ترمقها بنظرة لم تستطيع تفسيرها.. هل هي خوف.. لهفه.. أم شفقة؟!..
“أنتي كويسه.. رجلك جرالها حاجة؟! “..
قالها بصوته الرجولي ذو البحة المميزة..
توردت وجنتي “خديجة” بحمرة الخجل، وحبست أنفاسها حين اقتحمت رائحة عطرة حواسها، وأسرعت بالابتعاد عنه لكنها شعرت بألم حاد بقدمها جعلها تأن بوجع..
لم يفكر “هاشم” مرتين وهو يميل بجزعه عليها قليلاً، وحملها بين يديه ، وسار بها متجهه نحو جناحها مرة أخرى وهو يقول بثقه..
“متخفيش علي فارس.. هو محتاج يكون لوحده شويه علشان يقدر يهدي”..
لم تنطق “خديجة” بحرف واحد.. فحمله لها وقربه منها لهذا الحد كان كفيل بفقدها النطق، والحركة..
………………………………
.. دلف “فارس” داخل المصعد بخطوات مهروله.. لا يرى أمامه من شدة إنفعالاته المتضاربة.. أنفاسه متلاحقة.. عروقه بارزة وعينيه متسعة على أخرها من شدة غضبه العارم جعلت هيئته المزريه تبدو أكثر رعباً،وكأنه انفض للتو من عراك أودي فيه بحياة أحدهم..
هو بالفعل كذلك لقد أستمع لشق قلب ساحرته بعدما القي على سمعها حديثه السام الذي تعمد جرحها به كما فعلت هي وضربته برجولته بمقتل.. فما أصعب ذلك الشعور على الرجل حين يكتشف أن زوجته لا تريد أن تنجب منه.. رباه هذا أسوء وأقسي شعور شعر به في حياته على الإطلاق..
ضغط على زر بلوحة المعدنيه بجانب المصعد.. بل لكمه بكل قوته بعنف.. انغلق الباب،وبدأ المصعد بالهبوط..وهو بالداخل مستند بجبهته على المرآه يلكمها بكلتا يديه بكل ما أوتي من قوة حتي انه حطمها وتناثرت أجزاءها أسفل قدميه بعدما تسببت بالكثير من الجروح بيديه بدأت تنزف بغزراه..
لكنه لم يشعر بها فجرح قلبه أقوى وأكبر..وصل المصعد وقبل أن يفتح الباب كان ضغط على أزراره ثانياً قاصداً الطابق الأخير..
هدأت موجة غضبه قليلاً وهو يتابع الشاشة الصغيره التي تظهر أرقام الطوابق.. حتي توقف المصعد مرة أخرى بالطابق الذي لم يخطر بباله للحظة انه يصعد إليه..
الطابق الأخير الذي جهز به جناح خاص لتقيم به المرأه الوحيده التي كانت تسعي لقتله رغم أنها وبكل أسف والدته..
بعد كل ما فعلت لم يستطيع تركها بعيداً عن عينيه وقام بأحضارها دون أن يخبر اي أحد عن وجودها هنا حتي خديجة..
سار بالممر الطويل بخطي ثابته بين رجال الحراسه الواقفين علي الجنبين.. متجه نحو جناحها..
وقف لبرهه أمام الباب يلتقط أنفاسه، ومن ثم فتحه بحرص، وخطي للداخل.. ليتأهب جميع العاملات في المكان، معظمهم طبيبات وممرضات..
جحظت أعينهم حين رأوا تعابير وجهه الغضوب، وهيئته التي لا تبشر بالخير أبداً، وبرغم هذا تحدث بهدوء لا يليق بحالته أثار دهشتهم أكثر ..
“ايه الأخبار؟”..
أجابته أحدهن على الفور..
“مش هكدب على حضرتك يا فارس باشا.. مارفيل هانم حالتها صعبة جداً ومش راضية تستجيب للعلاج، وللأسف هتاخد وقت كبير على ما تتحسن”..
حرك رأسه لها بالايجاب وهو يقترب من الغرفه التي ترقد بها مارفيل..أخذ نفس عميق وخطي للداخل بخطوات متثاقلة..
وقعت عينيه عليها.. تغص بنومٍ أشبه بالغيبوبة على الفراش بجسد هزيل يظهر عليه التعب والاجهاد الشديد.. وجهها شاحب للغاية، وحول عينيها هالات سوداء بعدما فقدت الكثير من الوزن خلال الأسبوعين الذي خضعت بهم للعلاج بالأجبار حتي أعلنت أستسلامها..
رفع يده التي لم تتوقف عن النزيف، وأشار للمشرفات على حالتها بالأنصراف..فنسحبوا للخارج واحدة تلو الأخرى..
ظل واقفاً بمكانه يراقبها بحالة من الجمود.. ملامحه خالية من المشاعر.. سار نحو المقعد المجاور لفراشها وجلس عليه بإرهاق.. مال بجسده قليلاً مستند بمرفقيه على ركبتيه يتأمل ملامحها للمرة الأولى بحياته متمتماً بابتسامة حزينة..
“مرحباً أمي.. نعم أنا هنا.. بجوارك،ومازلت أناديك أمي.. فإذا نسيتِ أنتِ بيوم أنني إبنك.. فأنا لن أنسي أنك أمي، وستظلي”..
صمت فجأة حين داهمته رغبه قوية بالبكاء.. بكاء؟! يا الله يبدو أن جروحات روحه وقلبه غائرة..
ليأتي إلى هنا ويبوح ويتحدث لها رغم انه على علم أنها لن تستمع لحديثه هذا،ولكن يريد أن يخرج ما بقلبه.. لم يعد يستطيع التحمل أكثر من ذلك..
نظر لها بنظرة يملؤها الألم والآسي..يسأل نفسه كيف يبدو عناقها؟! .. لم يتذكر انه عانقها أو فعلت هي العكس من قبل..
بماذا سيشعر إذا ضمته لها مرة واحدة فقط؟!..
يثق أنها لن تفعلها.. فهل يمكن أن يختلس هو ضمه منها أثناء نومها؟!..
يحتاج لضمتها بشدة فما يشعر به من ألالام الآن كافية بأن تسبب له أزمة قلبيه، ويسقط قتيل على أثارها في الحال..
دون أدراك منه أرتمي جوارها على الفراش، واضعاً رأسه على كتفها، وأمسك يديها برفق لفها حوله غالقاً عينيه بتعب حينها سمح لعبراته تنهمر على خديه دون بكاء..
غافلاً عن تلك الكاميرا التي تنقل كل ما يحدث بالغرفة لوالده الذي بدأ هو الأخر يبكي بنحيب بعدما تمزق قلبه لأشلاء حين أدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه بحق وحيده..
جاهد للسيطرة على شهقاته التي ارتفع نشيجها، ورفع سماعة الهاتف الموضوع أمامه على مكتبه الفخم.. تحدث بها بلهجه أمره..
“أخبر قائد الطائرة أن يستعد الآن للإقلاع.. سأعود لمصر اليوم”..