رواية سرداب الغرام الفصل الثاني 2 بقلم ندا حسن
رواية سرداب الغرام الجزء الثاني
رواية سرداب الغرام البارت الثاني
رواية سرداب الغرام الحلقة الثانية
فتح الباب وولج إلى الغرفة بعدما استحم يرتدي رداء المرحاض يختفي داخله جسده يصل إلى ما بعد ركبتيه بقليل واضعًا منشفة على رأسه يجفف خصلات شعره السوداء المُخالطة للبُنية، تذكر زوجته “مهرة” وكم تأخر عليها أسرع في التقدم إلى الداخل كي يرتدي ملابسه ويذهب إليها، رفع رأسه يبعد المنشفة عنه حتى يتقدم إلى الفراش يأخذ من عليه الهاتف ولكنه تفاجئ بتلك الجالسة على الفراش بكل هدوء..
رفع نظرة نحوها يبتلع غصة وقفت بحلقة وهو يراها تجلس على الفراش مُمددة القدمين، ترتدي فستان من اللون الذهبي الهادئ عاري الصدر يحتضن جسدها بقوة يرسمه بدقة شديدة وواضحة، وجمالها طبيعي خلاب..
صاحبة خصلات سوداء حريرية طويلة متناثرة حولها، وعينان تماثل خصلات شعرها حالكة السواد، شفتين ممتلئتين بحمرة زاهية ووجنتيها ممتلئة قليلًا، أعتدلت تنظر إليه جالسة على الفراش تظهر قدمها اليمنى بطولها من فتحة الفستان..
خرج صوته بعد لحظات وهو ينظر إليها يستوعب وجودها هنا معه بالغرفة:
-أنتي بتعملي ايه هنا يا نورا
وقفت قبالته تعود بخصلات شعرها للخلف في حركة إغراء واضحة للغاية ليظهر صدرها الواضح من ذلك الفستان العاري وتحدثت بلطف:
-كنت طالعة أشوفك لقيتك في الـ toilet استنيتك تخرج
تأفف من تلك الحركات الواضحة للغاية ربما يشعر بها الأعمى ليبعد عيناه عنها ثم قال بإيجاز:
-في حاجه؟
أقتربت منه بغنج ودلال تمط شفتيها هاتفه ببراءة:
-مش معقول لسه واصلة ويادوب تسلم عليا
أبتعد للخلف عنها يُلقي بالمنشفة على الفراش من يده لتقطر من خصلات شعره قطرات من الماء وخرج صوته جاد:
-معلش أصلي مشغول أوي أنتي عارفه.. إن شاء الله هبقى أقعد معاكم
عدلت على حديثه تخترقه بعيناها السوداء:
-معايا
أومأ إليها سريعًا بلا مبالاة:
-آه آه إن شاء الله
بحث بعينه البنية عن الهاتف مُتذكرًا أنه تركه على الفراش ولكن لا أثر له قطب جبينه باستغراب فوجدها مدت يدها إليه عندما وجدته يبحث عنه بعيناه قائلة بدلال:
-بتدور على ده
نظر إليها للحظة يأتي على خلده أنها ربما فتحته يعلم أنها فضولية مُتطفلة للغاية ولكنه أخذه منها مُتنهدًا مُتذكرًا أن له رمز سري لا يعرفه أحد سواه.. و “مهرة قلبه” ابتسم للحظة عندما أتت على ذاكرته وأسرع مُبتعدًا عن الأخرى يفتح الهاتف لينظر به ثم عاد إليها ناظرًا بقوة فلم تعطي إليه الفرصة للحديث بل قالت ببرود:
-واحدة اسمها مهرة نازلة رن رن فرديت عليها
أشار بيده سريعًا يسألها بهمجية فقط خوفًا على مشاعر زوجته أو أن تدرك الأمر خطأ:
-قالتلك ايه.. ولا أنتي قولتيلها ايه
سارت ببرود أمامه تشابك أصابع يدها ببعضهم البعض قائلة:
-قولتلها إنك بتاخد شاور ومش فاضي
سألها مرة أخرى باهتمام:
-وبعدين
أجابته بلا مبالاة:
-بس كده قفلت
نظر إلى شاشة الهاتف مرة أخرى ليعود مُنفعلًا عليها بقوة:
-وأنتي مين سمحلك تردي على موبايلي
رمقته بقوة واستغراب مُجيبة إياه:
-أنا لقيتها بترن كتير فرديت
أردف بعصبية:
-ما ترن
ضيقت عينيها السوداء عليه ثم اخترقت عاصفته الهوجاء بسؤالها الجاد:
-أنت زعلان أوي كده ليه هي مهمة للدرجة دي؟
شعر أنها أدركت اهتمامه بها وانزعاجه مما فعلته، لا يريد أقتراب الشبهات منه أو منها كي لا يتعرف عليها أحد فقال سريعًا:
-لأ.. لأ مش مهمة ولا حاجه دي شغاله عندنا
نظرت إليه بقوة تستشعر عدم صدقه لكنها قالت بنبرة ذات مغزى:
-لازم تكون مش مهمة
ارتفع رنين الهاتف بيده فأبصره بعيناه ليجدها هي تحاول مهاتفته مرة أخرى، ضغط على زر الوضع الصامت لينظر إليها قائلًا بجدية:
-طب اتفضلي عايز أغير هدومي
ظلت تنظر إليه بقوة ثم ابتعدت تذهب إلى الخارج بعدما لم تلوذ بفرصة الإقتراب منه والجلوس معه كما أمرها خالها “مراد” والده..
خرجت من الغرفة فاقترب يغلق الباب خلفها بالمفتاح ثم دلف إلى الداخل يبتعد عن الباب متوجهًا ليفتح شاشة التلفاز حيث كانت غرفته هنا تختلف كثيرًا عن غرفته بمنزل الزوجية، هنا كانت كبيرة شاسعة للغاية، بها فراش في المنتصف يأخذ أربع أفراد وخزانة ملابس خاصة عبارة عن غرفة أخرى تجاور المرحاض، بها مرآة تناسبه وجلسة ركنية في جانب الغرفة تأخذ منحنى وحدها وأمام الفراش شاشة تلفاز كبيرة..
ارتفع صوت الشاشة بعدما فتحها ليعود إلى الركنية يجلس عليها في أحد زوايا الغرفة ثم هاتف زوجته التي أتاه صوتها الصارخ بقوة وعنف:
-مين دي اللي عندك يا يوسف.. بنت عمتك بتعمل ايه في اوضتك وأنت بتستحمى يا يوسف
صرخت مرة أخرى بهمجبة شديدة:
-رد عليا أنت ساكت ليه
استنكر حديثها المُتتالي وإرادتها في أن يجيب عليها فقال بجدية واستغراب:
-هو أنتي مدياني فرصة يا بنت الناس
هدأت قليلًا لتأخذ نفسٍ عميقٍ يخترق مسامعه قائلة:
-طب رد يلا
اعتدل في جلسته وتحدث بصدقٍ وجدية عبر الهاتف:
-أنا كنت باخد شاور جوا في الحمام وخرجت لقيتها قاعدة في الأوضه وردت عليكي
سألته بجدية هي الأخرى مُنتظرة التكملة معتقدة أن للحديث بقية بينهم:
-وبعد ما خرجت
زفر بهدوء قائلًا:
-ولا حاجه يا مهرة قولتلها تخرج علشان عايز أغير وخرجت
اخترقت أذنه اليمنى الموضوع عليها الهاتف بصراخها عليه:
-تغير ايه هو أنت مش لابس
أبعد الهاتف قليلًا عن أذنه مغمضًا عينيه يُعاني من غيرتها العمياء هذه ولكنه قال بسخرية ثم أكمل بجدية:
-أنتي مجنونة يا مهرة ولا ايه أنا لابس البورنص يا حبيبتي
شعر بذهولها وهو يستمع إلى صوتها:
-بورنص.. واقف قدامها ببورنص
استنشق الهواء بقوة داعيًا ربه أن يصبره عليها في داخله ثم تحدث بهدوء ومازال يحاول أن يستمر عليه:
-والله العظيم صدق اللي قال عليكي مجنونة هو أنا واحدة ست أنا راجل وبعدين ماله البورنص لابسه ومقفول كأني لابس عادي يعني
قالت بجدية شديدة مُبتعدة عن ذلك الحديث تمامًا:
-جاي ولا مش جاي يا يوسف
ابتسم بهدوء ثم أجابها برفق يكمل برومانسية شديدة:
-جاي يا مهرة قلبي.. مقدرش أبعد عني
أجابته بإيجاز:
-طيب يلا متتأخرش.. نتكلم لما تيجي
زفر بضيق لتختفي الابتسامة من على وجهه قائلًا:
-هي لسه فيها كلام
أجابت مرة أخرى بسماجة اخترقت أذنه بها:
-آه يا چو فيها
أومأ برأسه للأمام وقال بجدية:
-طيب سلام يا حبيبتي
ثم أغلق الهاتف ووقف سريعًا يبتعد إلى الفراش واضعًا الهاتف عليه ودلف إلى غرفة الملابس ليخرج منها بنطال من الجينز الأسود وقميص أبيض يرتديهما بعدما ارتدى ملابسه الأخرى أسفلهما، وقف أمام المرآة يمشط خصلات شعره البُنية يعدل من هيئته ثم أخذ عطره الجذاب ذو الماركة العالمية ينثر منها على جسده لتفوح رائحته الجميلة في الغرفة، أبصر مظهره برضاء فهو دومًا يهتم بشكله وأناقته..
أبتعد إلى الفراش يأخذ هاتفه ثم تقدم إلى الكومود يأخذ من عليه مفاتيحه الخاصة منها العربية ومنزل الزوجية الخاص به وفيلا والده هنا.. ثم أخذ محفظة نقودة الجلدية التي كانت إهداء من زوجته العزيزة وتوجه للخروج من الغرفة..
فتح الباب وهم بالخروج ولكنه قابل والدته أمامه كادت أن تدق على الباب، أفسح لها الطريق لتدلف مُبتسمًا لها تبادلة الابتسامة هي الأخرى وأشارت له بإغلاق الباب، سيدة في أواخر الخمسون من عمرها وجهها بشوش ضاحك بملامح طيبة تملائها التجاعيد لا تضع أي مساحيق تجميل أو غيره تاركه جمالها الطبيعي يعبر عن نفسه ترتدي حجاب على رأسها وملابسها محتشمة..
أغلق الباب ودلف خلفها فنظرت إليه تسأله قائلة:
-أنت خارج
أومأ إليها برأسه مُجيبًا:
-أيوة.. هبات عند مهرة
تابعته بهدوء ثم ذهبت لتجلس على فراشه وخرجت الكلمات منها بجدية:
-يوسف يا حبيبي قلل بيات بره اليومين دول وأرجع زي ما كنت
ذهب هو الآخر ليجلس جوارها على الفراش ناظرًا إليها باستغراب ولم يصل إليه مغزى حديثها فتسائل:
-أرجع زي ما كنت يعني ايه
اقترحت عليه برفق:
-يعني روحلها في نص اليوم.. يوم الإجازة اقضيه معاها.. مرة تبات كل فترة بعيدة
سألها مُضيقًا عينيه عليها:
-ليه ده كله
وضعت يدها على كف يده بهدوء تتحدث معه بعقلانية شديدة:
-علشان أنت الفترة دي بتبات بره كل يوم يا يوسف وأبوك لو عرف الكلام ده هيشك فيك وأنت مش ناقص
تنهد عاليًا وأخفض وجهه بحيرة ثم قال لها برفق مُحاولًا التوضيح:
-أنا بروح ابات معاها علشان محسش إني مقصر.. كفاية أنها محبوسة مش بتشوف حد
ربتت على يده ثانيةً وأومأت إليه برأسها مردفة بلطف:
-معلش يا حبيبي ما كل ده علشان مصلحتك أنت وهي
سألها باستنكار وذهول ضاحكًا ثم أكمل بغلظة:
-هي فين مصلحتي دي.. رضوان بيه عايزني اتجوز نورا
أجابته بهدوء تام:
-أنت كنت متوقع ايه.. ما إحنا عارفين إن دي رغبته من زمان وعلق البنت بيها كمان
أشار إلى نفسه مجعدة ملامحه بحزن خالص شاعرًا بالعجز الشديد تجاة رغبة والده:
-وأنا ذنبي ايه.. أنا مش عايزها ولا طايقها.. أنا بحب مهرة يا أمي
أغمضت عينيها بهدوء ثم فتحتهما ناظرة إليه بحب وحنان لا تخلو نبرتها منه ونظرتها التي تحتويه بقوة وقالت برفق:
-عارفه يا حبيبي والله وهي حتة سكرة وتتحب بس نعمل ايه أمر القوي يا حبيبي
استنكر حديثها ضاحكًا مرة أخرى:
-أمر القوي!..
تخاف على أولادها بقوة وبالأخص “يوسف” الذي يعامله والده معامله سيئة منذ الصغر ولكن ولده الأكبر كان دومًا المفضل لديه، تخاف فقدانه هو صغيرها والحنون الذي يربت على قلبها:
-يوسف يا حبيبي.. اسمع كلامه علشان خاطري وهاوده أنت عارف هو بيعمل ايه فينا بلاش تعانده أنا مش عايزاه يبعدك عني
أمسك يديها الاثنين يرفعهما واحدة تلو الأخرى لفمه يقبلهما بحنان ورفق:
-مافيش حد يقدر يبعدني عنك يا ست الكل
قالت شاعرة بالشفقة تجاهه كلما رأت الحزن المخفي بعيناه:
-اوعدك إني هحاول معاه من تاني
ابتسم إليها وهو على علم بأن المحاولة ستكون فاشلة كغيرها الكثير والكثير ولكنه ترك لها الأمر قائلًا بصوت أجش:
-ربنا يخليكي ليا.. أنا ماليش غيرك أنتي ومهرة
حاولت أن تحسن من صورة والده ككل مرة وهي تقول بعقلانية حتى لا تكن القلوب قسوة أكبر من هذه تجاه بعضهم:
-متقولش كده.. والله أبوك بيحبك بس أنت عارفه وكمان زيدان أخوك
أكمل على حديثها بقسوة تربعت على عرش قلبه:
-عارفه قاسي وجبروته مقوي قلبه حتى على ابنه، وزيدان.. الله يعينه على حاله
حاولت الحديث وملامحها حزينة للغاية فلا يسر عينيها رأيتهم بهذه الطريقة:
-يا حبيبي…
قاطع حديثها يقول:
-متقوليش حاجه.. كفاية أنتي معايا
ابتسمت إليه متنهدة تاركة هذا الحديث جانبًا تدعي إليه بالسعادة دومًا:
-ربنا يسعدك وأشوفك أحسن الناس والفرحة مالية قلبك يا حبيبي ويخليك ليا
بادلها الدعاء والإبتسامة الرائعة التي تميزه عن غيره:
-ويخليكي ليا يارب
منذ فترة بعيدة لاحظت والدته اختفاءه الدائم في الليل والتغيب عن تجمعات عائلية بكثرة للدرجة التي جعلت والده يعنفه، فلم تستطع أن تصمد أكثر سلكت طريق المواجهة ووقفت أمامه تريد تفسير لما يفعله وما سبب نومه ليلًا في الخارج فلم يجد أمامه إلا أن يقص عليها، قد حضرت رفض والده القاطع على طلبه فوفرت عليه المسافات وقص عليها أنه متزوج من المرأة التي عشقها قلبه وأراد القرب منها والتمتع بغمرة عشقها..
قابلته في بداية الأمر بالخوف الشديد من أن يعلم والده ستكون سواد حالك على الجميع لا محال وهو بالأخص أولهم، ولكنها لم تجد مفر من السعادة لأجل ولدها أنه أخيرًا حقق شيء واحد من الذي يريد وارتسمت السعادة على وجهه بكثرة في تلك الأيام لم تكن تختفي إلا عندما يجتمع بوالده..
كانت تذهب معه كل فترة بعيدة إلى زوجته “مهرة” لتجلس معها قليلًا تودها بالحب والحنان الذي حرمت منه هي وولدها فكانت لهم كدواء نادر لجروح غائرة لا تشفى بسهولة..
❈-❈-❈
في غرفة أخرى داخل الڤيلا الخاصة بعائلة “رضوان” يجلس الابن الكبير “زيدان” على الفراش ممدد القدمين يتطلع نحو الهاتف الذي يمسكه بين يديه، ملامحه جادة على الهاتف صاحب عينيان سوداء وخصلات تماثلها..
كانت الغرفة لا تقل شيء عن غرفة “يوسف” بل كانت نفس المساحة الكبيرة والأثاث الراقي وبها مرحاض ككل غرف الڤيلا وخزانة ملابس عبارة عن غرفة ولكنها أكبر من الأخرى حيث أنها تجمع ملابسه وملابس زوجته “يمنى”، والتي كانت تجلس على المقعد أمام المرآة تزين وجهها تضع عليه مستحضرات التجميل تمشط خصلات شعرها السوداء القصيرة
وقفت على قدميها تقترب منه متجهة إلى مكانها في الفراش لتجلس جواره ممددة القدمين مثله ظاهرة قدميها بسخاء من أسفل القميص التي ترتديه..
جذبت الهاتف منه بمشاكسة تنظر إليه بدلال ثم قالت:
-عايزة اوريك حاجه
تابعها بنظراتٍ جادة ثم خرج صوته مُتسائلًا باستغراب:
-ايه
أتت بهاتفها من جوارها لتعبث به قليلًا ثم فتحته أمام وجهه لتنير شاشته على عقد من الألماس الخالص ذو مظهر رائع..
أردفت بنبرة هادئة لينة وهي تضع رأسها على صدره تقترب منه بدلال:
-ايه رأيك في ده
أومأ برأسه قائلًا بجدية محاولًا أن يبدو مهتمًا وهو في الأساس لم ينظر إليه إلا للحظة:
-جميل أوي يا حبيبتي
رفعت رأسها من على صدره تنظر إليه بقوة ثم اخترقت أذنه بكلماتها:
-هيبقى أجمل عليا مش كده
أومأ إليها مرة أخرى مُبتسمًا بحب:
-أكيد طبعًا
اعتدل عندما لاحظت عدم اهتمامه ومجاراته لها في الحديث لتسأله بجدية:
-طب مش هتجيبه
تنهد ثم سألها:
-بكام ده
تبسمت بوجهه تجيبه بجدية مُقتربة منه تنظر إليه بدلال وحب:
-أربعه ونص
اتسعت عيناه عليها بقوة ذهولًا واستنكارًا لأنها تحب هذه الأشياء الثمينة الغالية ولكنه منذ فترة قصيرة قد أتى إليها بغيره فتسأل باستنكار:
-أربعه ايه
رأت الاستنكار على ملامحه ومحاولة الهروب قادمة لتجلس أمامه وتحدثت بجدية وصوت حاد حتى يعلم أن لا مفر:
-أربعه مليون ونص يا زيدان
زفر الهواء من رئتيه وأبصرها بهدوء يخرج صوته بلطف وحنو يذكرها بما أتى لها به منذ فترة:
-أيوة يا حبيبتي بس مش لسه جايبلك من شهر خاتم ألماظ بـ مليون جنيه
تغيرت ملامح وجهها وهي تنظر إليه بحزن لتبعد الهاتف قائلة:
-في حاجه تغلى عليا؟
وضع يده على كف يدها يجذبها إليه يقبل باطنها وقال بجدية:
-أكيد لأ بس يعني استني شوية علشان مش هينفع أسحب فلوس كل شوية كده ومبالغ كبيرة
رمقته بحدة قائلة بعصبية:
-هما دول مبالغ كبيرة.. دا انتوا عندكم نص أملاك البلد
أبعدت وجهها عنه مُتصنعة الحزن تطرق على منطقة صعبة بالنسبة إليه تقول بحزن احتل ملامحها ولكنه كاذب لتخرج نبرتها خافتة:
-وبعدين مش كفاية قاعدة لوحدي ولا عيل يسليني حتى
لا يريد الاسترسال في هذا الحديث أبدًا وتبدأ وصلة الحديث عن الأطفال وأنه لديه الكثير من المشاكل الذي تعوقهم عن الإنجاب وهي إلى اليوم تتحمل ذلك دون شكوى فقال سريعًا:
-خلاص هجيبه يا حبيبتي هجيبه
أقتربت تحتضنه بمكر وخبث إمرأة تعرف كيف تسلك الطريق إلى مبتغاها:
-ربنا يخليك ليا يا زوز يا حبيبي
عادت إلى الخلف تنظر إليه بعينان حادة:
-بس بقولك ايه عايزاك تاخد بالك اليومين دول
قطب جبينه ولم يفهم مقصدها فتسائل:
-من ايه
تحدثت بجدية شديدة تنظر إليه بعينان يخرج منها المكر والخبث وعدم حب الخير للغير:
-مش شايف يوسف أخوك على الرغم من اللي أبوك بيعمله معاه بس لسه ماشي تحت أمره وبينفذ كلامه كله شكله كده مش سالك
أجابها بجدية يلقي حديثها جانبًا دون الاهتمام به فهو على علم بما يفعله شقيقه:
-مش سالك إزاي يوسف طول عمره كده مش بيحب يزعل أمه ولا يعارض أبوه
تهكمت وخرج صوتها ساخرًا:
-قصدك بيخاف من أبوه
ابتسم ناظرًا إليها وتهكم على كلماتها هو الآخر يبادلها السخرية قائلًا:
-الحق يتقال كلنا بنخاف منه
تلتف حوله كالحية محاولة أن تجعله ينظر إلى شقيقه بعين غير هذه ليراه يأخذ مكانه وكل ما يملكه والآخر لا حول له ولا قوة بل لم يستطع أخذ أي شيء من بينهم سوى حب وحنان والدته..
قالت مرة أخرى بكراهية وجشع:
-بس هو بيحاول يحنن قلبه عليه ويرسم عليه أن هو اللي باقيله
بينما هذا الأبلة كان يسير خلف حديثها وكأن لا درب أخر يسلكه سوى أن يكون خلفها يفعل ما تريد وما تأمر به لأنه يحبها ولأنها تقبله على عيبه فقال ببرود:
-لأ متقلقيش أبويا كده كده بيحبني أنا مهما عمل يوسف
ابتسمت تقترب منه قائلة بغنج:
-ما أنت تتحب بردو.. وتستاهل
على الرغم من أنها تمتلك كل ما تريد ولكن النفس الجشعة المهووسه بامتلاك كل شيء لا يكفيها ما تملكه بل تريد أن يكون أكثر وأكثر مُتناسبة أنها فانية دون أن تأخذه معها، تغيرت نبرتها إلى تلك الحزينة مرة أخرى قائلة:
-لو بس كنا نجيب حتة عيل قد كده كنا شيلنا الليلة كلها
استمعت إلى زفره حادة خرجت منه دليل على أنه مستاء من كلماتها التي لازالت تكررها كل لحظة تمر عليهم لتزعجه حتى وإن كانت لا تقصد..
أكملت سريعًا قبل أن يتحدث:
-يلا قريب إن شاء الله
الآن تتناسب مقولة خراب وعمار الدار بيد المرأة، هنا تخريب وتدمير ليس بعده شيء، في سبيل الوصول إلى المُبتغى يمكنها أن تدعس على أي شخص وتجعل الإخوة يكرهون بعضهم البعض دون مجهود منها بل كان المجهود منه ولو كان صغيرًا لأنه صدق على حديثها وسار خلفه دون اللجوء إلى خيارات عقله..
❈-❈-❈
فتح باب عش الزوجية بهدوء، دلف إلى الداخل وأغلقه من خلفه، وضع مفاتيحه على الكومود كالمُعتاد جوار الباب ثم دلف يحمل حقيبة بلاستيكية بيده..
سار إلى أن وصل إلى الغرفة التي كان يخرج منها صوت الأغاني الصاخبة، وقف على الباب ينظر إلى تلك المرأة التي تتفجر منها معالم الأنوثة، ترتدي قميص أحمر ناري، كان هذا اللون المفضل لها والذي تستخدمه دائمًا لتجذبه إليها أكثر وأكثر يعكس جمالها الأخذ ويظهر مفاتنها الساحرة.. بحمالات رفيعة للغاية وفتحة صدر واسعة، يحتضن الفستان جسدها بطريقة مغرية به كرانيش من نفس اللون تهبط من منتصف صدرها إلى جانبيها ينتهي طوله من الأمام قبل ركبتيها ليظهرها بسخاء يهبط من الخلف إلى قبل كاحلها بنفس تلك الكرانيش التي تعطيه مظهر رائع..
ظل واقفًا ينظر إلى تمايل جسدها ببراعة وتناغمه مع صوت الموسيقى والأغاني العالية، وتلك الخصلات الغجرية تتحرك مع حركاتها بسلاسة تظهرها وكأن ليس على الأرض غيرها.. كانت محترفة في فعل هذا ولا تجيد موهبة غير الرقص الشرقي الذي هدرت قلبه به..
أقترب منها بخطوات بطيئة هادئة وعيناه البُنية لا تستطيع الإبتعاد عنها يُسيل لعابه ككل مرة ينظر بها إلى هذا الجمال الفاتن الذي أبدع الخالق به وذرع حبها بقلبه..
وقف خلفها مباشرة يبعثر أنفاسه على عنقها فعادت للخلف سريعًا تبتعد عنه بعدما سلب أنفاسها منها بفزع فنظرت إليه واضعة يدها على موضع قلبها تتسارع دقاته ولكن خرج صوتها الصارخ:
-يوسف مش هتبطل حركاتك دي.. أنت كل مرة بتخضني
ظهر وجهها الحسن، بشرتها البيضاء، عينيها صاحبة الاختلافات بتلك الرسمة الفريدة والتي أكتسبت جمالًا على جمالها بكحل عينيها الأسود وتلك الشفاة الحمراء القاتمة بفعل الروچ الصارخ الذي تحبه..
أقترب خطوة ليبقى أمامها ينظر إلى عينيها الغريبة كليًا بتلك الألوان المتعددة بها يهتف باسمها بحنو بالغ وهيام بها:
-مهرة
أجابته بحدة فمازالت ضربات قلبها تتسارع من أثر تلك الفعلة التي تلازمه كلما أتى إلى هنا:
-ايـه
أقتربت يده تحيط بخصرها تتحرك أنامله عليها بحرية وجذبها نحوه بقوة لتبقى أمامه لا يفصل بينهم شيء:
-ايه الحلاوة دي
ابتعدت عنه تتحرك في الغرفة متقدمة من الهاتف تغلق صوت الأغاني العالية تتحدث بقوة:
-أنت جاي تاكل بعقلي حلاوة مثلًا.. لأ في حساب بينا وحساب جامد أوي لأني معرفتش أكلمك في الموبايل
ضغط على شفتيه السفلى بأسنانه ينظر إليها بغيظ وقال:
-بتقفليه ليه بس استني وبعدين حساب ايه وبتاع ايه أنا قولتلك اللي حصل
أقتربت لتقف أمامه ثانيةً ترمقه بتمعن:
-احكيلي بالتفصيل
تنفس بعمق وأجابها بهدوء وهو يتقدم من الفراش ليجلس عليه:
-احكيلك ايه طيب يا مهرة
تقدمت تقف أمامه بين قدميه تحيط عنقه بيدها الاثنين رافعًا رأسه ينظر إليه واندفعت بالحديث قائلة:
-كانت عندك بتعمل ايه ودخلت إزاي وقالتلك ايه وشافتك لابس ايه وردت عليا ليه وبتاخد موبايلك ليه ومين سمحلها تعمل كل ده
وضع الحقيبة البلاستيكية التي كانت معه جواره على الفراش وصاح بحدة:
-بالـراحـه.. ايه راديو
انخفضت للأسفل بجذعها تنظر إليه بتلك العينان الرمادية المحتلة بالأسود من الداخل والخارج كيون قطة مسحوبة بطريقة بارعة، تظهر إليه مقدمة صدرها عندما انحنت ليبتلع ريقعه عندما استمع إلى نبرتها الرقيقة:
-اتكلم
رفع وجهه عن صدرها وقال بجدية حتى يتخلص من ذلك الحصار:
-والله اللي حصل زي ما قولتلك بالظبط أنا دخلت أخد شاور وخرجت لقيتها بره وقالتلي أنها ردت عليكي حتى أنا اتعصبت عليها ولما حست إني مهتم بيكي سألتني.. قولتلها أنك شغاله معانا وبعد كده قولتلها تطلع بره ده كل اللي حصل حوار مكملش خمس دقايق بينا
وجدها تنظر إليه بجدية صامتة ولم تعلق على أي مما تحدث به فنظر إلى عينيها مباشرة واخترقها قائلًا:
-بتبصيلي كده ليه.. مش مصدقاني؟
أعتدلت في وقتها لتظهر طولها وجسدها الممشوق مرة أخرى وتحدثت بلهفة وحب كبير ظهر بحديثها عنه:
-لأ طبعًا مصدقاك أنا امتى كدبتك.. بس أنت عارف إني بغير عليك من الهوا الطاير
جذبها من خصرها بساعديه لتنحني عليه مرة أخرى متحدثًا أمام شفتيها بغرام وهيام:
-وأنا مش بخلي الهوا يلمسني علشان جمال عيونك
بادلته الغرام برسمة عينيها التي كانت ترسل إليه سهام الحب والشغف واللهفة القاتلة تجاهه، أبعدت عينيها على الحقيبة متسائلة:
-ايه اللي معاك ده
ابتسم ثم قال بحب ضاغطًا على خصرها:
-ده لمهرة قلبي وحبيبتي
ابتعدت لتجلس جواره تتمسك بالحقيبة ثم فتحتها لتجد الكثير من الكريز الأحمر الذي يماثل حمرة شفتيها والمفضل لديها من بين جميع الفواكه، أقتربت منه تحضنته بحب وامتنان قائلة بلطف:
-كريز.. ربنا يخليك ليا يا حبيبي
عاد بها إلى الخلف وأعطى إليها قبلة كوردة حنونة على شفتيها سريعة ثم عاد ناظرًا إلى عينيها يقول بشغف:
-مش هترقصيلي!
أومأت إليه ثم نظرت إلى الأرضية وعبثت بيدها الاثنين ببعضهم البعض وخرج صوتها خجل:
-يوسف كنت عايزة الأول الشهرية.. علشان ابعتها
تذكر سريعًا أن عليه إعطاؤها نقود كل شهر الذي ترسلها إلى جدتها فقد غفل عنها:
-آه معلش والله أنا آسف نسيت خالص
أردفت قائلة بخجل:
-معلش أنا عارفه إني بتقل عليك بس..
قاطعها قبل أن تكمل حديثها وهو يلتقط يدها بين كفي يده يمررهما عليها بحنان وخرج صوته الحنون للغاية:
-مهرة اوعي تقولي كده أنتي مراتي وكل حاجه ملكي بتاعتك.. وبعدين ده كان اتفاقنا من الأول لازم تبعتي ليهم الشهرية علشان يطمنوا إنك شغاله وكويسه
ابتسمت بسعادة وفراشات الحب ترفرف داخل قلبها تشعرها بكم هي مُمتنة له على كل ما يقدمه إليها من حب وحنان واهتمام دون أي مقابل سوى أنها تقدم دور زوجته على أكمل وجه:
-ربنا يخليك ليا يا يوسف.. أنا من غيرك معرفش الدنيا هتعمل فيا ايه
طمئنها أكثر مُردفًا بلين ورفق:
-أنا معاكي وعمري ما هسيبك.. متقلقيش من أي حاجه
عاد ناظرًا إليها بعمق يخترق عينيها وجمالها يقول بمرح ومشاكسة:
-ايه بقى مش هترقصيلي يا بنت الحلال
وقفت على قدميها ضاحكة لم تخجل ولم تخفي وجهها عنه فقد كانت تحمل الجرأة داخل طياتها وتفعل كل ما يبغاه ويهوى تجربته والشعور به..
تقدمت لتفتح صوت الأغاني مرة أخرى وأتت بشال أسود رفيع كان مُلقى على الأريكة لتحيط به خصرها المنحوت الذي لم يكن بحاجه إليه ولكنه أبرزه بدقة وأخذت تتمايل بغنج ودلال على الأنغام المُتعالية..
تقترب منه وتبتعد عنه تتمايل بخصرها يمينًا ويسارًا تفتنه بفتنتها الساحرة تجذبه خصلاتها التي تتطاير حول جسدها وترسم لوحة فنية رائعة لا مثيل لها لامرأة أغواها الهوى فقدمت كل ما تملك على طبق من ألماس في لحظة ضعف أو هيام لم تحدد ما كانت ولكن السائد على قلبها أن السعادة الخالصة تملكت منه.. فلم تنظر إلى المستقبل المجهول بجوار رجل أخفاها عن العالم يُلقي بها داخل السرداب..
سال لعابه أكثر وهو ينظر إليها تتمايل بهذه الطريقة البارعة وكأنها راقصة مُحترفة تحرك كل ما بها ببراعة لتجذبه إليها بطريقة السحر مسلوب الإرادة نحوها، لم يجد إلا دقات قلبه تتسارع أكثر كلما تمايلت وأظهرت له جسدها بسخاء فوقف على قدميه مُقتربًا منها مُسرعًا في اختطاف يدها يجذبها منها نحوه يدفع بها على الفراش لتنام عليه بظهرها تتناثر حولها خصلاتها ورائحتها الشهية تفوح من حوله يراها تحاول أن تعود بأنفاسها المسلوبة من كثرة الحركة ولكنه لم يعطي إليها الفرصة عندما أقترب يجسو مانعًا الكلمات من احتلال الموقف..
احتلها هو بنثر ورود الغرام على بدنها، يحكي عن هوى دام كثيرًا ولو كان في ديجور الدروب، يحكي عن عشقه لها وخوفه البشع من فقدانها، يروي قصة ظمأ رجل للحب والدفء والحنان لم يرتوي إلا بعدما نالها..
أثلجت صدره بترحيبها الدائم لعاصفته، ونثرت لمسات من الحب والشغف على كل لحظة تمر بينهما وهي تغمره بحنانها واستمتاعها بوجوده جوارها، أشعرته أن لا رجل غيره عندما أظهرت أن لا حياة لها من بعده.. فلما لا يحبها ويهوى غرامها؟!..
❈-❈-❈
“بعد مرور يومين”
وقف “يوسف” للمرة الثانية خلال هذا الشهر أمام والده في مجابهة كريهة للغاية وكأنها ثقل على قلبه وعاتقه ستؤدي بحياته إلى الجحيم إن لم يبعده عنه بأي طريقة كانت..
وضع والده قدم فوق الأخرى يعود بظهره إلى ظهر الأريكة الضخمة ذو الشكل والهيئة الغريبة كليًا ولكنها تدل على الفخامة.. رمقه بنظرة حادة يعرف كيف يرسلها إليه ثم خرج صوته الجاد الأمر:
-تحب تحدد معاد خطوبتك على نورا ولا أحدده أنا
أبصره بقوة وقسوة خرجت من عيناه لا إراديًا لم يكن في يوم من الأيام مُعتاد عليها، وتابع بصوت مُعترض:
-أنا موافقتش علشان تحدده.. أنا قولتلك مش موافق
تشابكت أصابع يده الاثنين مع بعضهم ناظرًا إليه ببرود تام ولم يبالي بحديثه حيث قال دون اهتمام وبصوتٍ ساخر:
-هو أنت لسه مُصر على رأيك.. مش معقول أنا قولت إنك أذكى من كده يا يوسف
زفر بصوتٍ خافت وحرك وجهه بضيق يهتف بضجر:
-دي مافيهاش ذكاء فيها آه أو لأ وأنا قولتلك لأ
ابتسم والده بقسوة وغلظة أظهرت أسنانه من خلف شفتاه متحدثًا بسخرية:
-فيها ذكاء يا يوسف.. يا ترى فكرت في العواقب
اعترض على حديثه الساخر وتقدم خطوة ليقف أمامه مباشرة مردفًا بجدية:
-ماينفعش يكون في عواقب وإلا كده أنا مبقاش ابنك ولا حتى عدوك هبقى حاجه أكبر من كده
وقف والده على قدميه وتوجه إلى المكتب يقف أمامه يُجيبه بقوة تماثل قوة نظرته التي تخترق جسده وثباته:
-وقت المصلحة معرفكش وهعاملك كأنك أكبر أعدائي
أشار “يوسف” إلى نفسه وقطب جبينه باستغراب ثم قال بعقلانية:
-ليه كل ده؟ لو أنا ابنك فعلًا بتحبني وعايز مصلحتي يبقى سعادتي.. سعادتي هي مصلحتي ومصلحتك
استمع إلى صوت ضحكة والده الساخرة ووجده يستدير ينظر إليه هازئًا:
-وسعادتك ومصلحتك مع مهرة؟
تلجلج قلبه داخل قفصه الصدري عندما ذكرها على لسانه خوفًا من توابع ذلك فقال مرددًا بتوتر:
-مهرة!
أشار بيده ضاحكًا وهو يتذكر منذ عامين عندما عرض عليه زواجه من فتاة تعمل لديهم عديمة الأهل والجاة:
-البنت الكحيانة اللي كنت عايز تتجوزها.. مش قولتلك قبل كده إنك رمرام
أومأ إليه بهدوء وأشعره أنه كان على حق حتى يبتعد بتفكيره وحديثه عنها:
-أنت قولت.. كنت عايز
تذكر رفضه القاطع وتهديده الصريح له والذي جعله يعود عما أراد فعله، تحدث بثقة وتأكيد ثم أكمل متهكمًا:
-جه الوقت اللي تقول فيه كنت بإرادتك.. لو أنا مكنتش رفضت جوازك منها كان زمانك فين دلوقتي؟ بتشحت معاها ولا بقيت معفن زيها..
أكمل باحتقار وملامح وجهه يظهر عليها التقليل الشديد منها وأهانها إهانة واضحة:
-واحدة زي الجربوعة دي تقضيلك معاها يومين حلوين وترميها.. وتبقى متجوز واحدة زي نورا
لم يستطع الصمت على الرغم من أنه لا يريد إثارة الشكوك ولكنه أجاب بانفعال:
-مهرة مكانتش كده.. كانت بنت محترمة شكل وأصل وفيها كل الصفات الحلوة كفاية إني حبيتها وهي حبيتني
تابعه والده ينظر إليه وأجابه بجدية:
-أنت اتغشيت في جمالها وهي حبت فلوسك
نفى ما قاله بقوة يُشير بيده إلى ذاته:
-مهرة عمرها ما حبت فلوسي مهرة بتحبني أنا
سأله بتهكم:
-وأنت عرفت منين
أجاب بثقة وتأكيد ولو يستطيع أن يتحدث عن كل ما تفعله لأجله دون أن تنظر لمن هو ولا إلى ما يملكه، بل تلقي عليه محبتها وحنانها وإحتوائها، تلقي عليه دون انتظار مقابل كل ما هو يهوى في طياته سعادته:
-كل تصرفاتها قالت كده
ضيق والده عيناه عليه وعلم كيف يقف أمامه دون أن يفكر في لحظة أن الفوز يحالفه وأتت الكلمات منه جادة واثقة:
-تحب نجيبها من بلدها ونسألها
حمحم بخشونة دليل على تراجعه ليظهر له أن أمله خاب وثقته مهزوزة حتى يبتعد عنها تمامًا وقال بتردد:
-هي…. هي خلاص راحت لحالها من زمان.. خلينا في دلوقتي
ابتسم بانتصار مُعتقدًا أنه حقًا تراجع خوفًا أن يكون حديثه صحيح ولم تهوى سوى ماله فقط فأومأ برأسه وقال:
-طيب كويس.. هتحدد أنت المعاد ولا احدده أنا
ظهرت معالم الإعتراض على وجهه وتحرك خطوة واحدة تجاهه يتحدث بقوة:
-أنا..
لم يعطي والده الفرصة في إكمال حديثه عندما فهم ما الذي سيقوله فأبتعد عائدًا إلى مقعده كما كان وخرج صوته الصارم الأمر ناظرًا إليه بعنف شديد:
-يبقى أحدده أنا
ابتلع ريقه بتوتر ناظرًا إليه ولم يستطع أن يتخطى نظرة والده له، قال بهدوء:
-هشوف نورا وأرد عليك بس اديني شوية وقت
ابتسم والده ببرود وأبعد نظرة عنه فأبتعد “يوسف” يخرج من الغرفة سريعًا، لم يتفوه بتلك الكلمات إلا عندما أتى على ذكرها.. لما تذكرها الآن؟ هل يشك به؟ هل يدري بأمر زواجه؟ هل يعلم أنه مازال يحبها ويهوى كل ما بها فألقى اسمها بين حديثهم ليجعله يرهب ما يتقدم منه ويوافق على حديثه؟ هل وهل وهل.. ولا يوجد إجابة سوى أن رأسه ستنفجر وأنه لن يتزوج تلك الغبية التي اختارها له.. ولن ينظر إلى امرأة غيرها مهما حدث..
تساقطت أوراق الشجر في خريف الدرب، فلم يكن هناك شيء يدفعه الهواء ليتطاير سوى السعادة، حيث لا ورود زاهية ولا أوراق منفردة بل متساقطة وورود ذابلة فساد الدرب الحزن ماحيًا كل لحظة غرام كتب عليها الصبر والمثابرة..
❈-❈-❈
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سرداب الغرام)