Uncategorized

رواية منقذي وملاذي الجزء 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم فرح طارق

 رواية منقذي وملاذي الجزء 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم فرح طارق

رواية منقذي وملاذي الجزء 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم فرح طارق

رواية منقذي وملاذي الجزء 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم فرح طارق

عودة للماضي، لِليوم الذي يسبق يوم إصابة جاسر..”
جلست على الفراش وهي تعيد أفكارها، كيف ستعِش معه بعدما أعاد بصرهُ..؟ هي لم تعتاد عليه أثناء خُطبتهم ولم تسنح لها فرصة بذلك، وبليلة اعترافه لها بحبه حدثت تِلك الحادثة اللعينة وفقد بصره وبليلة أخرى مثلها أصبحت زوجته، ما سهل عليها أمر أن تتقرب منه والتعايُش معه ليس سوى فقدان بصره، لكن الآن كيف ستفعل ذلك! كيف ستكون معهُ كـ ذي قبل؟ ومِئة كيف وكيف تجول بخاطرها وهي تجلس على فراشها بتوتر وتقضُم أظافرها بتفكير.
قطع حبل أفكارها، صوت طرقات أسر على باب الغرفة واستمعت لصوته : ليان، طلبت لينا أكل و جه، تعالي كلي قبل ما يبرد.
كادت أن تردف بأنها لا تريد تناول الطعام، ولكنها صمتت وهي تتذكر بأنها جائعة ولم تتناول شئ منذ الصباح، ف عندما كانوا يتناولون طعامهم قد عرفت بإعادة بصره وتركت الطعام..
نهضت من مكانها وفتحت الباب ببطئ شديد، وهي تخرج رأسها اولًا ومن ثم خرجت بجسدها..
كتم أسر ضحكته عليها، بينما لاحظت هي كتمه لضحكاته ف نظرت لهُ بغيظ واردفت : فيه حاجة؟ على فكرة متفكرش إني قعدت كدة معاك، لأ أنا هكلم جاسر تاني واقوله يجي ياخدني.
ذهب أسر ناحية طاولة الطعام وجلس وشرع بتناول البيتزا التي أحضرها لأنه يعرف كم ليان تعشقها، واردف : مش معنى إني قولتلك هحققلك كل أحلامك يبقى تعلي سقف طموحاتك أوي كدة.
عقدت ذراعيها واردفت : وده مش حلم، دي حقيقة وهتحصل.
رفع نظره إليها واردف : لاحظي إنك زودتي أوي الموضوع وأنا ساكت يا ليان، انسي إنك تخرجي من هنا يا…
نظر لها وإبتسامة ارتسمت على ثغره واردف : زوجتي العزيزة.
ضربت الأرض بقدميها بغيظ واردفت بغضب : كلام إيه وموضوع إيه الي زاد؟ وبعدين حضرتك ناسي طلبك كل شوية إننا نطلق! أهو أنا دلوقت عاوزة أطلق.
– أيوة قولي إنك بترديها ليا.
ذهبت ناحيته واردفت والدموع اجتمعت في عينيها : أسر بليز افهمني، مش عاوزة أطلق طيب بس هروح عند بابا فترة لحد ما أخد عليك حتى شوية بعدين هرجع تاني.
– الي يشوفك كدة ميقولش إننا متربيين سوى يا قلب أسر.
– لأ مكنتش بكلمك كتير ولا بلعب معاك ولا أي حاجة حتى كنت بتكشف اسلم عليك وأنت عارف كدة، ما بالك إني بقيت مراتك؟
رفع حاجبيه واردف : وهو لما كنتِ عايشة معايا الفترة الي فاتت ده إسمه إيه؟
اردفت ببكاء : كنت أعمى مش شايفني.
ضحك أسر بشدة عليها، وسحبها بلمحة سريعة نحوه واجلسها على قدميه، بينما حاولت هي النهوض بخجل، وأحكم هو عليها واجبرها على الجلوس على قدميه.
أسر بصوت حازم : بس اثبتي ومتحاوليش تقومي.
سكنت وهي تنظر لهُ بخوف، بينما ابتسم هو لها واردف : ممكن أفهم إيه يمنع من إنك تاخدي عليا وتتعودي عليا وانتِ مراتي؟ متعرفيش إن كدة الموضوع أسرع واحسن!
– وأنت ليه مش عاوز تفهمني؟
تنهد أسر واردف : طيب فهميني انتِ يا ليان.
ليان بتوتر : ب..بص أنا هروح ع..
قاطعها أسر بحزم : بصي انتِ، طلوع من هنا مفيش، نوم ف مكان أنا مش فيه مفيش، تقعدي ف مكان أنا مش فيه مفيش، رجلك على رجلي فأي مكان أنا هكون فيه يا ليان، هديكِ فُرصتك معايا الي تحبيها، هستنى لحد ما تحبي انتِ، أنا استنيت كتير أوي ومش هاجي ف آخر خطوات ف الطريق وأمِل، لأ هستنى تاني معنديش أي مشكلة بس وانتِ معايا.
كادت أن تتحدث ولكنه قاطعها بحزم وهو يضع قطعة البيتزا بفمها : ولا كلمة كلي يلا علشان هتبرد.
انتهوا من تناول الطعام، وكادت ليان أن تنهض ولكن استوقفها أسر قائلًا : حركتك لقفل الباب عليكِ متتكررش.
نهضت و وضعت يدها بخصرها واردفت : هو إيه الي ميتكررش؟ لأ طبعًا مش هنام والباب مفتوح!! 
نهض من مكانه و وقف و وضع يديه بجيوب بنطاله واردف بإبتسامة استفزتها : أكيد مش هنام والباب مفتوح يا روحي.
تركها مكانها وذهب ناحية المرحاض، بينما ابتسمت هي بخبث وذهبت خلفه..
انتهى من غسل يديه، وجاء أن يخرج مرة أخرى وحاول فتح الباب، ولكنه وجده مغلق من الخارج..
ليان وهي تقف في الخارج : قولتلي مقفلش الباب عليا ف قولت بقى اقفله عليك أنت.
ضحك أسر على حركاتها معهُ واردف بغضب مُصطنع : ليان افتحي الباب.
صفقت ليان بسعادة من غضبه واردفت : لأ مش هفتح.
– طب افتحي واحبسيني ف الأوضة مش الحمام!!
– لأ ما هو أنت هتدخل الأوضة الي أنا بنام فيها وأنا مش بحب أنام غير فيها ولو حبستك فيها هضطر أنام ف أوضة تانية 
– لأ افتحي وأنا هدخل أوضة تاني.
كادت أن تفتح لهُ ولكنها توقفت واردفت : بتكدب عليا؟
كتم ضحكته واردف : لأ مش بكدب.
– ماشي هفتحلك.
فتحت لهُ الباب، وجرت مُسرعة حينما وجدته يحاول أن يمسكها..
ليان بصراخ : لأ يا أسر قولت هتدخل اوضتك بطل غش!
أسر بلهاث من جريه خلفها : يا بنتي اقفي هديتِ حيلي!!
صعدت على الفراش، و وقف الإثنان يلهثان من كثرة جريهم، وأسر وقف أمام الفراش يحاول أن يمسك بها، وكادت أن تنزل من على الفراش، أمسك أسر بقدميها واوقعها عليه وظل يُدغدغها..
ليان بضحك حتى أدمعت عينيها : لأ لأ يا أسر حرام عليك كفاية، مش قادرة هموت من الضحك، بسسسسس..
لأ لأ اسسسر كفاية..
توقف أسر عما يفعله، وكبل يدها أعلى رأسها واردف : قولي لأ لأ أسر كدة تاني.
ليان بمُشاكسة : لأ مش هقول.
بدأ أسر بدغدغتها مرة أخرى وصرخت هي من بين ضحكاتها : خلاص خلاص هقول..
توقف أسر وقبل وجنتها واردف : شطورة، ومعاها واحدة بحبك يا أسر..
– بحبك يا اسورتي.
نظر لها وعيونه تتحول نظراتهم من المرح، الي اللمعان بعشق وشوق، واقترب منها برأسه، بينما اردفت هي بخوف : اتفقنا على إيه!
أسر : دي بوسة بريئة خالص.
كادت أن تتحدث ولكنهُ قاطعها بقبلة اسكتت حروفها..
في شقة جاسر وشيري..”
دلف للشقة بعدما ذهب لأخته ورجع للشركة مرة أخرى، ف حينما هاتف أسر والده وهو جالسًا معه ترك كل أعماله وذهب لأخته ظنًا أنه قد أصابها شيئًا ما..
وجد شيري تقف بانتظاره واردفت : كل ده يا جاسر ؟ قلقتني عليك! وتليفونك مقفول! 
أبتسم جاسر بإرهاق واردف : معلش يا شيري، التليفون فصل، وروحت لـ ليان ف نص اليوم، وبعدين رجعت الشركة تاني أخلص فيها شغل مهم.
– روحت لـ ليان ليه؟ ومقولتليش ليه؟ 
زفر جاسر بضيق واردف : شيري بجد اليوم كان تقيل أوي معايا، ده غير خضتي إن ليان يكون فيها حاجة، ف بعدين هحكيلك حاضر اتفقنا؟
اقتربت منه واردفت بأسف وهي تقبله بجانب فمه : أنا آسفة، بس قلقت عليك علشان كدة اندفعت بالطريقة دي أول ما دخلت.
ابتسم لها واردف وهو ينزل ذراعيها الملفتة حول عنقه واردف : ماشي يا حبيبي.
تركها ودلف لغرفتهم، و وقفت هي مكانها تنظر أثره بحزن شديد، رغم أنه لم يقُل شيئًا أو يفعل شيئًا يحزنها، ولكنها تشعر بالحزن، ليس منه بل لأجله، دائمًا ترى ابتسامته لها، ولكنها ترى ف أعيُنه عكس ذلك، إبتسامة مرتسمة على ثغره، وعينيه تبعث نظرة حزينة إلى أوصال قلبها.
دلفت خلفه للغرفة، واقتربت منه وهي تساعده بخلع وسُترته واردفت : احضرلك العشا دلوقت، ولا هتاخد شاور الأول؟
قبلها من وجنتها واردف : لا عشا ولا غيره أنا جعان بس نووووم لأني مش قادر خالص، هاخد شاور سريع وأخرج أنام.
ضمت شفتيها بحزن واردفت : كنت مستنياك ناكل سوى.
عقد حاجبيه واردف بنبرة حادة : ليه انتِ كلتِ امتى آخر مرة؟ 
فركت يديها بتوتر واردفت : الصبح.
جاسر بنبرة غاضبة : مش قولت الـ ٣ وجبات يتاكلوا علشان علاجك؟
اقتربت منه واردفت: آسفة، بس فطرت، وبعدها كنت قلقانة عليك معرفتش أكل تاني.
جاسر بسخرية : وده هيشفع عندي يعني!
شيري بدلال وهي تعقد ذراعيها حول رقبته : والله أنت وكرمك بقى يا حبيبي.
وضعت رأسها على صدره واردفت : وحشتني أوي يا جاسر، حساك بعيد عني أوي الفترة دي.
جاسر بنبرة خبيثة : وعاوزاني أقرب إزاي؟ 
ضربت صدره بخجل واردفت : تصدق إنك وقِح يا جاسر!! 
ضحك جاسر بشدة عليها واردف : طيب يا قلب جاسر وسعي كدة علشان أدخل أخد شاور، بدل ما اوريكِ يعني إيه وقاحة بجد! 
تركته بخجل واردفت : ماشي.
ضحك على خجلها الذي مهما مر الوقت بينهما إلا أنها تخجل منه، وتركها ودلف للمرحاض..
توقف بعدما سار خطوتين والتف لها واردف : أخرج ألاقي الأكل لأن لو ملقتهوش هسيبك وانام علشان مش قادر خالص يا شيري.
شيري بفرحة : هوواااا ويكون هنا وهأكلك بإيديا كمان.
أبتسم لها جاسر ودلف للمرحاض وذهبت هي لتحضير الطعام لهم..
بعد وقت خرج جاسر من المرحاض، و وجد شيري تضع صينية الطعام على الطاولة، وتجلس بإنتظار خروجه..
جاسر بتساؤل : قاسم نام؟
– لأ صاحي.
– طب هاتيه ياكل معايا علشان وحشني أوي.
نهضت شيري واردفت بخضوع : حاضر.
أحضرت ابنهم، وتناولوا العشاء سويًا بجوٍ مرِح، أنساه تعب اليوم كله، ف بالنسبةٍ لهُ كل شئ يهون مُقابل أن يجلس مع اُسرته، ف ذاك الوقت بِأوقات اليوم كله..
في صباح يوم جديد في الشركة..
في مكتب جاسر..
كان يجلس وقاسم أمامه، واردف قاسم وهو يعطيه الملف : هنروح الموقع دلوقت؟ 
أمأ لهُ جاسر بنعم، وهو يتفقد الملف الذي يحمله بين يديه.
– دلوقت ؟
حرك جاسر رأسه بمعنى نعم، واردف قاسم : أيوة يعني دلوقت؟
ألقى جاسر الملف على المكتب واردف : ولا أنت غبي ولا بتتغابى معايا؟
قاسم : في إيه بقولك هنروح دلوقت ولا لأ.
– ما أنا عمال اتزفت وأقول أه دلوقت، بتسأل نفس السؤال بنفس الكلمة!! 
حرك قاسم كتفيه بلامُبالاة واردف : بحسب هتروح بعد الغدا. 
جاسر : وسألت وقولتلك دلوقت، ترجع تعيد نفس السؤال مرتين تاني!!
أبتسم لهُ قاسم بإسفزاز واردف : بتأكد.
نظر لهُ جاسر بغضب، ونهض من مكانه واردف : قوم يلا خلينا نمشي.
نظر لهُ قاسم ببراءة استفزت جاسر واردف : هنمشي دلوقت؟ 
دفعه جاسر بالمفاتيح الي كان يحملها بين يديه، وتقادى قاسم دفعته واردف : افرض كان مفتاح جه ف عيني؟ 
– كانت رحمتني من بصتك المُستفزة دي.
تركه جاسر وخرج، وقاسم خرج خلفه بعدما ضحك عليه،. فهو دائمًا يُحب مُشاكسته..
في مكان آخر، تحديدًا إحدى المباني العالية المُقابلة للـ شركة..
وقف القناص، وهو يضبط سلاحه حتى يُصوب هدفه بنجاح، ومر وقت و وجد قاسم وجاسر يخرجان من الشركة، وصوب هدفه ناحية قاسم..
في الأسفل..
قاسم : لأ هنروح بعربيتي..
جاسر : يا أبني الله يهديك أنجز أركب!!
قاسم بتصميم : لأ هنروح بعربيتي، وهي عربيتك أحسن من عربيتي ف إيه؟ 
زفر جاسر بضيق وكاد أن يتحدث، ولكنه لمح أحدا ما يُصوب بسلاحه ناحية قاسم..
وصرخ بإسمه سريعًا وجرى نحوه حتى يُبعده، ولم يلحق الإبتعاد معه، وأصِيب هو بالرصاصة بدلًا من قاسم..
امتلئ المكان عليهم، وجرى الحرس بعضهم منهم لجاسر، والبعض الآخر ناحية المبنى للإمساك بمن أطلق النار..
قاسم بصراخ : اطلبوا الإسعاف بسرعة..
ثم نظر لجاسر واردف بلهفة : جاسر بالله عليك خليك مفتح معايا، و هنقلك المستشفى بسرعة..
جاسر وهو يحاول فتح عينيه : ولادي يا قاسم، ومراتي، أمانة ف رقبتك..
قاسم بدموع وهو يحتضن رأسه : متقولش كدة يا جاسر، بالله عليك ما تقول كدة، هتروح المستشفى وتبقى بخير، أنت عارف إنك أخويا مش إبن عمي وإني مليش غيرك يا جاسر، بالله عليك ما تسبني، هتسبني عايش بنص روح؟ ينفع إنسان يعيش بنص روح يا جاسر؟ بالله عليك لأ.
في شركة فاروق..”
يوسف الشاذلي بغضب : رجالتك اغبية!!
فاروق بتوتر : يا يوسف جاسر شاف القناص، ولحق قاسم..
يوسف : وقولتلك إيه يا غبي!! مش قولتلك لو حد لمحه يهرب وميضربش نار!! ولو ضرب يصوب على قاسم بس!! 
فادي : طب ما ممكن جاسر يموت، وتبقى كدة ارتاحت منه بدل ما كنت هتموت قاسم، بعدين جاسر!! 
يوسف بحقد : كنت هموته بس على موت عيلته الأول، أحرق قلبه على موتهم بعدين أبقى اموته هو، وقاسم أخو جاسر مش إبن عمه، هيتكسر من وراه، الاتنين ساندين بعض، زي العمودين لو عمود وقع العمود تاني بيميل، وده الي كنت عاوزه.
ثم نظر لفاروق بغضب : بس رجالتك الاغبية، وأنا غبي أني سلمتك مهمة زي دي..
ثم نظر لفادي واردف : عملت أيه مع مراته؟ عرفت توصلها! ما هو مش هيبقى غباء من كل ناحية 
فادي بتوتر : شيري بقالها فترة مختفية، وآخر حاجة سمعتها إنها حاولت تنتحر، ومن بعدها اختفت حتى تليفونها مقفول، ومش بتنزل من بيتها خالص غير ما جاسر وبتروح فيلة ماجد ومبعرفش اكلمها.
ضرب يوسف المكتب بغضب واردف : علشان غبي، حتت بت مش عارف توقعها معاك!! 
– يوسف شيري بس كانت بتاخد مني المُخدر، إنما هي بتعشق جاسر وكانت مهما حاولت معاها بتصُدني!
يوسف بسخرية : وهي لو بتحبه كانت خدت منك المخدر ده يا غبي! ده ميدلش غير على إن العلاقة بينهم على المحك، يمكن علشان ابنهم مش أكتر، وغبائك هو الي خلاك متوقعهاش.
زفر فادي بضيق، من نعتهِ لهُ ولوالده بالغباء، واردف بضيق : ممكن كفاية شتيمة!! 
يوسف بحدة : فعلا كفاية شتيمة، علشان أنا الي غبي مش انتوا، أنا الي غبي وحطيت أيدي ف ايديكم، وساعدتك تعمل الشركة دي علشان تكون ف واجهة جاسر وخرجت أبوك من السجن.
فادي : أنت عملت كدة علشان تقدر تأذي جاسر من غير ما يعرفك ويبان إن إحنا الي بنعمل كدة!
يوسف بسخرية : وآل يعني عرفت أعمل حاجة بيكوا..!
عودة للحاضر..”
مر اسبوعًا يتلوه الآخر، حتى مر ثلاثة أشهُر عليهم..
شيري تأتي يوميًا لرؤية جاسر، وماجد ايضًا وقاسم..
شروق بحالة لا يُرثى لها من الخوف على ابنها..
وسجى وأحمد ابتعدوا عن بعضهم كثيرًا..
كيان أخذ زوجته وسافر بِها لإحدى القُرى السياحية..
في صباح يوم جديد..
كانت تسير بطُرقة المشفى، ذاهبة لغرفة زوجها لرؤيته، تسير وهي تجُر قدميها خلفها، تشعُر وكأنهم لم يعودوا قادرين على حملها، وحِمل ثقيل موضوع على قلبها لم تعد قادرة عليه، عرِفت اليوم كم كان جاسر يُعاني معها، كم يشغل عنها كثيرًا من الأشياء ويحملها بدلًا عنها، تأكدت أنها لا شئ بدونُه..
فتحت الباب بعدما بدلت ثيابها، لثياب المشفى حتى تدلف للغرفة، ودلفت وهي تنظر لهُ بأعيُن دامعة..
جلست أمامه وامسكت بيده و اردفت بدموع : وحشتني أوي يا جاسر، مش كفاية ٣ شهور من غير ما أسمع صوتك كدة!! 
أنا من غيرك ولا حاجة خالص، أتأكدت إنك كل حاجة ف حياتي، أتأكدت إنك حياتي كلها يا جاسر، أنا دلوقت حامل ولسة ف الشهر الرابع، فاكر ف قاسم كنت بتدلعني إزاي؟ مين هيدلعني دلوقت! 
عِرفت قيمتك يا حبيبي، عرفت قد إيه كنت موجوع مني، عرفت قد إيه جرحتك يا جاسر وقد إيه اذيتك بأنانيتي زي ما بتقول، أنا فعلا أنانية، سيبت جوزي الي كل تصرف كان بيعمله كان بيبين حبه ليا، وسيبت أبني وبيتي وفكرت ف نفسي، نفسي الي معملتش حاجة غير إنها تأذيك وتجرحك، نفسي الي كنت بتحاول تنقذني منها وأنا كنت بتصرف بأنانية بردوا وبمشي وراها واسيب حُبك ليا ومفكرش فيك ولا ف ابننا.
قوم علشان خاطري وخاطر ولادنا وكفاية كدة يا جاسر بُعد عننا وحشتنا أوي، قاسم كل يوم يقولي بابا مش هيجي، وحشني أوي يا ماما.
انهمرت دموعها بغزارة واردفت : عرفت دلوقت وجعك كان عامل ازاي لما كان بيسالك عليا وأنا ف المستشفى، عرفت يا جاسر والله عرفت، كفاية كدة ارجوك كفاية وقوم.
مسحت دموعها بلهفة واكملت : تعرف أنا جيت ليه النهاردة؟ جيت أقولك إني حامل ف بنت يا جاسر، هجيب بنوتة زي ما كنت بتقولي نفسك ف بنت، تكون من صُلبك، تحس بيها زي ما كنت مع ليان وتعوضك غيابها عنك لما تتجوز، وليان اتجوزت وأنا هجيبلك بنت زي ما كان ف نفسك، قوم علشان خاطري وخاطرها يا جاسر.
كل حاجة وحشة من غيرك، كلهم مستنيينك تقوم، كلهم وقعوا من غيرك يا حبيبي.
احتضنت يده وظلت تبكي بشدة..
أُقدس مقولة أننا أشخاص لا نعرف الحُب سوى بلحظات الوداع كالـ “عتبات المقابر، المشفى، المطارات، محطات القِطار”
ألا يحُق لِمن أحبنا أن يرى حُبنا ايضًا بالوقت ذاته؟ أن نُقابل حُبه لنا، بشغف، وامتنان، وحُب أيضًا، ألا يحق لهُ أن نُشعره بقيمة وجوده بحياتنا بلحظةٍ ما، بإحدى الليالي، أمام سماء مُضيئة مُرصعة بالنجوم، نُخبره كم هو يُضئ حياتنا كما تفعل النجوم بالسماءِ الآن؟ 
لِما لا نشعر بهم وهما مُشتعلين لأجلنا ولأجل أن يُضيئوا لنا طروقنا، لما لا نلحظهم سوى بعد أن يذوبوا ويختفي نورهم؟ كـ شمعة أضاءت لنا الطريق ونحن لم ننبته لوجودها سوى بعد أن تذوب جميعها ويختفي الضوء..
لـ فرح طارق
رفعت رأسها على يد الممرضة وهي تخبرها بأن تخرج من الغرفة فقد مر الوقت المسموح لها بزيارته بِه..
نظرت لجاسر واردفت بدموع : هجيلك تاني يا حبيبي.
في الشركة..”
دلفت لينا لمكتب قاسم، و وجدته مُنهمك ببعض الأعمال، واردفت : هتفضل كدة يا قاسم؟
رفع نظره إليها واردف بتساؤل : هفضل كدة إيه مش فاهم؟
– مش شايف نفسك بقيت عامل ازاي؟ دقنك بقيت قد إيه! اهمالك لنفسك! لصحتك ولكل حاجة حواليك! صدقني كدة بتأذي نفسك والمفروض ف الوقت ده تكون دعم لعيلتك وتقف معاهم، تسد مكان جاسر لحد ما يرجع لكن متكونش كدة!
أبتسم بحزن واردف : أسد مكانه! بحاول ومش عارف يا لينا، جزء من جوايا مفقود، مش هيرجع غير برجوع جاسر.
– بتحبه أوي كدة؟
أبتسم قاسم واردف : بحبه! ده تؤامي يا لينا عارفة يعني إيه؟ نُصي التاني، فتحت عيني وكبرت عليه هو، كبرنا سزى واتربينا سوى، مدارسنا واحدة، حتى الجامعة، ٣ ثانوي كنا جايبين نفس المجموع متخيلة؟ فتحت عيني على إن جاسر هو صاحبي واخويا، وكبرت على كدة، كنا بنتقاسم ف كل حاجة ف حياتنا سوى..
ضحك وهو يتذكر امرًا بينهم واردف بلهفة : تعرفي كنا بنتقاسم لدرجة إيه؟ ف مرة كنا سهرانين العيلة كلها مع بعض، وعملنا عصير كذا نوع، وأنا وهو مش بنحب غير نوع واحد وده اتبقى منه كوباية واحدة، وقتها جبنا ٢ شاليموه وحطيناهم ف نفس الكوباية وكنا بنشرب سوى، وكلهم فضلوا يضحكوا علينا.
و وأنا صغير كنت أهبل أوي، كنت بضرب حتى من البنات، وكنا ف المدرسة فيه شلة ولاد كدة ف إعدادي كانوا طول الوقت يضايقوني، ودخلنا ثانوي وجُم معانا، وكانوا زي عبده موتة بتوع المدرسة كلها، وقتها ف يوم ضربوني، وروحت لجاسر، شافني مضروب وعرف إن هما ورواح ضربهم كلهم علشاني، واترفد أسبوعين من المدرسة علشاني..
وبعدها قررت اتغير، وبقيت اضرب الي يضربني، وكنت شايل من العيال دي اوي وروحت الچيم مخصوص علشان اضربهم، وفعلا جيت ف يوم ضربتهم كلمهم ومنهم الي اتكسر رجله، والي اتكسر دراعه، أنا لو كنت بضرب شخص واحد كان زماني قتلته، وروحنا لمدير المدرسة وعلشان كان جاسر ضربهم قبل كدة فـ فكر جاسر واترفد تاني، بس اترفد السنة كلها، واطرد، ومرضيش يتكلم ويقول إن أنا الي ضربتهم، وعمي ضربه وقتها علقة جامدة أوي وكان المفروض أنا الي أضرب مش هو وهو مرضيش يتكلم ولِبسها بدالي، واتنقلنا من المدرسة سوى روحنا مدرسة غيرها..
رجع برأسه للخلف واردف والدموع اجتمعت بعينيه : والمرة دي اضرب بالرصاص عشاني، المفروض كانت الرصاصة تيجي فيا وهو خدها بدالي..
لينا بتساؤل : هو انتوا عرفتوا مين الي كان عاوز يضربك بالنار وضرب جاسر؟
– أيوة.
زفرت بارتياح واردفت : كويس.
أعاد قاسم برأسه واردف بجدية : يلا يا لينا، جهزي للاجتماع علشان بعديه هنروح الموقع نتفق مع العُملا ونشوف الشغل ماشي إزاي، مينفعش نقصر ف أي حاجة وجاسر لما يرجع يلاقي الدنيا ماشية زي ما كان سايبها.
نزلت دمعة منها على ذاك الحب الكبير بينهم، ومسحتها سريعًا واردفت بخضوع : حاضر.
في إحدى الشقق بالقاهرة..”
كيان : عجبتك الشقة؟
فريدة بسعادة : دي تحفه يا كيان..
ثم استدردت حديثها بتساؤل : هو احنا هنعيش ف القاهرة؟
– يعني مش بالظبط، بس الفترة دي هنشغل ف شغل ف القاهرة ف جيبتك معايا لأني مش هأمن بعد الي مرات عمك عملته إنك تقعدي معاها ف بيت واحد وأنا مش موجود، ف هتفضلي هنا معايا لحد ما نرجع البلد سوى، وف كل مهمة ليا هجيبك الشقة هنا..
اندفعت نحوه واحتضنته واردفت : بحبك أوي يا كيان.
ابتسم لها كيان واردف : بعشقك يا قلب كيان.
في فيلا ماجد..”
دلف لغرفتهم و وجدها جالسة وهي ترتدي إسدال الصلاة، وتمسك المُصحف بيدها وتقرأ بِه..
تركها ودلف للمرحاض أخذ شاورًا دافئًا، وخرج بعد وقت و وجدها على نفس جلستها..
أنهت شروق قرأتها وهي تتصدق، ونهضت ونظرت لماجد واردف بدموع : مفيش جديد ف حالته؟
تنهد ماجد بحزن واردف : لأ يا شروق.
اندفعت لاحضانه واردفت : وحشني أوي يا ماجد، وحشني صوته وكلامه وحشني كل حاجة فيه، وحشني كلمة ماما الي بسمعها منه، حاسة بروحي رايحة مني ومش هتترد ليا غير برجوع جاسر لجوة حُضني من تاني.
حاوطها ماجد واردف : هيرجع يا حبيبتي، هيقوم بالسلامة وهيكون كويس بإذن الله، خلي إيمانك بربنا كبير وخليكِ واثقة ف إنه مش هيرُد دعواتك وهيقبلها بإذن الله.
شروق بدموع : يا رب يا ماجد، يا رب..
ثم أكملت بتساؤل : عرفت مين تبع فاروق؟
تنهد ماجد بيأس واردف : لأ، لو أعرف هقدر اتصرف، لكن الي وراه ساند فاروق بدرجة كبيرة وبيمسح وراه كل حاجة، بس بحاول اوصله، وكيان صاحب قاسم، جه القاهرة النهاردة وهيفضل فيها لحد ما نشوف مين ده..
– أن شاء الله هنعرف مين.
– يا رب يا حبيبتي.
ابتعدت عنه عند علو صوت رنين هاتفها، وأخذته و وجدت الصوت لرسالة من احدٍ ما..
فتحت الرسائل، ونظرت لها لفترة طويلة ودموعها تنهمر بشدة، و انزلق الهاتف من يدها، وتقدم ماجد وهو يسألها تكرارًا ماذا حدث..
انخفض واحضر الهاتف ونظر للرسائل و وجدها من مجهول، وكانت تحتوي على أن ماجد يعرف من قتل أمها وهو من تستر عليه..
نظرت لهُ شروق واردفت : مين يا ماجد؟
– ابوكِ ومراته.
شروق ببكاء : مقولتليش ليه؟ وعارف بقالك قد إيه؟
– ف وقت ما حبسته عرفت، أنه قتل أمك لما عرفت حقيقة شغله إيه بمساعدة مراته، وقتل أم هشام لأنها عرفت بردوا.
– كل ده تعرف مين قتل أمي ومقولتليش!!
اقترب ماجد بحذر شديد واردف : كنت خايف عليكِ، مرضتش اقولك يا شروق.
– ولو مكنتش عرفت دلوقت مكنتش هتقول!! 
– مكنتش هقول علشانك، وعلشان رد فعلك لحاجة زي دي وأنك تعرفي إن ابوكِ قتل أمك! 
جلست على الأرض وأخذت تبكي واقترب ماجد منها و جلس بجانبها واردف : شروق، صدقيني علشانك، خوفت عليكِ من الصدمة، ومن رد فعلك.
شروق بسخرية : خوفت الصدمة تأثر عليا ف أبعد مش كدة؟ مش قولتلك يومها إنك أناني!
ماجد بغضب : أناني علشان خوفت عليكِ!
شروق بصراخ : لأ أناني علشان خوفت عليا يومها لأني كنت حامل وإني أبعد بابنك وكل حاجة تدخل ف بعضها، وخوفت بعد ما أولد ليحصل نفس الموقف الي إحنا فيه دلوقت.
ماجد بحزن : وهو إني اخاف تبعدي عني أبقى أناني؟
– أنت مستوعب الي بتقوله!! اخبي عليك إن أبوك قتل أمك لسنين!! قربنا ع الـ ٣٠ سنة ومخبي عليا حاجة زي دي يا ماجد! لو أنت مكاني كنت هتعمل ايه؟ رد فعلك كان ممكن يكون إيه يا ماجد؟
نظر لها بحزن، بينا صرخت شروق به واردفت : جاوبني مستكُتش.
ثم أكملت بسخرية : معندكش إجابة صح؟ أصل هترد تقول إيه؟ هترد تقول إنك كنت هتقلب الدنيا لو كنت مكاني!! 
تركته واقف مكانه وذهبت ناحية الخزانة وأخذت تجمع اشيائها، واردف ماجد : رايحة فين؟
– هقعد مع شيري واخذ بالي منها ومن حملها.
– وأنا هتسبيني؟
– ما أنت سبتني كتير يا ماجد إيه المشكلة؟
ماجد بضيق : بردوا هنتكلم ف الي فات!!
استدارت لهُ واردفت ببكاء : علشان ده مربوط ب كل الي فات يا ماجد، مربوط بيه كله.
اردفت بجملتها وجلست على الفراش وأخذت تبكي، بينما اقترب ماجد منها واردف : صدقيني مخوفتش غير عليكِ، زي ما قولتي أحط نفسي ف مكانك، اعملي العكس، شوفي هتقدري تقفي قصادي وتقوليلي أبوك قتل أمك يا ماجد!! هتقدري تعمليها؟ لا يا شروق وتبقي كدابة لو قولتي أه.
ألقت نفسها بداخل أحضانه واردفت ببكاء : أنا تعبت أوي يا ماجد، كل ما انسى وأقول خلاص كل حاجة هتتظبط ترجع الدنيا تتعقد تاني!
ماجد : ربنا قال إيه ف كتابه؟ “كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”
ودي مِحنة ربنا حطنا فيه يشوف قوة إيمانا قد إيه؟ يشوف هنصبر على قضائه ونستنى فرجه بصبر ولا هنتشائم ونقول ليه إحنا يا رب؟ أدعي واتمني وربنا بأذن الله هيحقق، وأنا واثق وصابر على حكمته ف الي بنمُر بيه دلوقت، و واثق. فرجُه القريب علينا كلنا بإذن الله.
هدأت قليلًا واردفت بتمني : يا رب يا ماجد، وجاسر يقوم بالسلامة.
يتبع…
لقراءة الفصل السابع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
للعودة للجزء الأول : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى