روايات

رواية جحر الشيطان الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الجزء السابع والعشرون

رواية جحر الشيطان البارت السابع والعشرون

رواية جحر الشيطان
رواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان الحلقة السابعة والعشرون

هل يُكتب لنا الفراق قبل اللقاء.
برأسها طلت خديجة لداخل الغرفة التي تأوى أطفال مرضى السرطان.
هُنا تنسى نفسها…
هُنا كأنها دلفت إلى عالم آخر غير الذي بالخارج….
هُنا تلقى السعادة، هُنا تشعُ بهجة، هُنا كأنها الجنة.
أتراها تبالغ؟ وهل تدركون تلك الفرحة!
الفرحة التي تكون محتواها أحبابُ الرحمن، هُنا السر الذي تخفيه عن الجميع … سر بسمة وضحكة فؤادها.
ما أن أحسوا بها الأطفال حتى هجموا عليها ضاحكون مسرورون وهيَ أيضًا، عانقت كُلاٍ منهم بمحبة وغبطة خالصة لا يشوبها شائبة والبسمة تشرق وجهها، حتى استقروا جالسون حولها، وطافت عينا خديجة بحزنٍ دافين على الوجوه المشرقة البريئة وقالت بنبرة حزينة كأنها تنبعث من خزنة للأحزان :
– أنا ممكن مجيش هنا تاني عشان مسافرة، يعني دي آخر مرة هنشوف فيها بعض ومين يعلم ممكن نتلاقي قريب بردوا.
بكاء صامت كُل ما صدر عن الأطفال قبيل صمتها لكن خديجة تنهدت بهم وتابعت :
– تعرفوا إني بحبكم كلكم، كلكم بدون أستثناء.
قاطعتها إحدى الصغار تقول في صوت باكي :
– ديجا أنتِ بتهزري معانا ومش هتسبينا صح؟
هزت خديجة رأسها بالسلب فضمتها الطفلة باكية وهي تتشبث فيها قائلة :
– انا مش هعمل العملية لو انتِ مش هتعمليهالي.
كتمت خديجة دموعها بجهد وازاحت دموع الصغيرة وقالت :
– هتعميلها وهتكوني بخير ومش هسافر قبل ما اعملهالك هو انا مش وعدتك.
فسئلتها الصغيرة ببراءة وهي تحل ذراعيها عن عنقها دون ان تبتعد عن حضنها :
– وهكبر وألبس نقاب زيك؟!
اومأت خديجة بالإيجاب فـ استأنفت الصغيرة :
– أنا بحب السيدة عائشة وهلبس الحجاب هو مش عادي؟
فردت خديجة بحنو :
– أنتِ لسه صغيرة لما تكبري.
فهزت الطفلة رأسها وقالت وهي تفرد ذراعيها :
-لا أنا كبيرة، اهوو شوفي؟
ضحكت خديجة بينما صدح صوت طفل صغير يقول :
– وأنا بحب البطل خالد بن الوليد وعايز اكون بطل زيه.
هُنا وصاح طفل آخر :
– وانا بحب الفاروق عُمر ونفسي أبقي زيه واعدل بين الناس.
وهتف صوت آخر :
– وانا بحب البطل الباحث عن الحق سلمان الفارسي وهكون زيه
– وأنا هكون زي سعيد بن عامر الجمحي.
– وأنا هكون زي البطل المهاجر ابن زياد
وقالت طفلة :
– وأنا هبقى زي امهات المؤمنين يا ديجا.
ضحكت خديجة لبرائتهم وقالت وهي تجول بعينيها عليهم :
وأنا واثقة إنكم هتكونوا كدا لما تكبروا_أبطال زي الصحابة.
سئلت طفلة آخرى قائلة :
– انتِ عايزة تسبينا ليه يا ديجا؟
فردت عليها خديجة، قائلة:
– عشان هتجوز.
– خلاص متتجوزيش وخليكِ معانا.
سئل طفل في تلهف :
-هتحكيلنا حكاية انهو بطل خارق انهاردة.
تبسمت خديجة وهزت رأسها وقالت :
– انهاردة مش هحكي انهاردة …
علا صوت أذان العصر مقاطعًا حديثها فعقد الصغار جميعهم أذرعهم وعم الصمت المكان إلا من همس ترديدهم مع المؤذن فما أن انتهى قالت خديجة :
– يلا نصلوا.
صلت برفقة الصغار وجلسوا جلست تسبيح بعد تأدية الصلاة.
تنحنحت خديجة وقالت في ارتياح :
– من اشتياقي لصحابة رسول الله كنت بحكي لكم عنهم وعن أمهات المؤمنين مثال عائشة وخديجة وفاطمة وزينب وأم سليم لكن غاب عن بالي المرأة التي ارضعت الرسول والتي سأحكي لكم عنها الآن.
ارهفت الآذان السمع في لهفة، وتعلقت الأبصار على وجه خديجة التي أردفت بصوت حنون :
– السيدة حليمة السعدية مرضعة الحبيب_صل الله عليه وسلم هذه السيدة الجليلة من بني سعد وقد كانوا سادت قريش يرضعون اولادهم في البوادي ليقوا أجسامهم ويفصحوا لسانًا.
و خلال طفولته مع السيدة حليمة وقعت للنبي أشياء كثيرة تدل على بركته وفضله.
_ راحت خديجة تروي لهم كيف إن النساء أبو أخذ النبي لإنه يتيم الأب متتعللون من يدفع لهن فـ أخذته السيدة حليمة حين لم تجد غيره، وكيف أن ثديها در باللبن ما أن التقمه الرسول الحبيب المبارك وقد كان خاويًا فشرب حتى ارتوى، ثم شرب ابنها حتى روى أيضًا.
وأن ناقتهم المسنة العجفاء امتلاء ضرعاها باللبن فـ حلب منها زوجها وشرب وشربت.
و كيف ان الناقة اصبحت نشيطة بعد ان كانت هزيلة تتقدم دواب القوم جميعهم.
أخبرتهم كيف حلت البركة بيت السيدة حليمة حين دخول سيدنا محمد عليهم حتى ما أتم السنتين كانت حريصة على ان يبقَ معها واقنعت أم حبيبنا ان يظل معها حتى وافقت.
ثُم حادثتهم عن الحادثة الأعجب والأغرب وهو حين اخذ سيدنا جبريل وملك آخر النبي فشقا بطنه.
فخافت عليه السيدة حليمة وذهبت تعيده لـ أمه يومئذٍ قالت لها :
– وهل تخوفتِ عليه من الشيطان يا حليمة؟
فقالت: نعم
فقالت ام الرسول :
– كلا، والله ما للشيطان عليه سبيل وإن لابني لشأنًا … فهل اخبرك خبره؟
قالت حليمة : بلى.
فقالت ام رسولنا :
– رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام… ثم إني حين ولدته نزل واضعًا يديه على الأرض، رافعًا رأسه إلى السماء.
هكذا كان حبيبنا مُباركًا أين ما حل فصلوا عليه وسلموا …
عقب أنتهاء خديجة من القصة وكـ كل حالها تفرح وهي تحكي القصة فرحة طائر حُر يخفق بجناحيه طائرًا سعيدًا مغردًا، فرقت على الصغار مصاحف مصحوب مع البنات حِجاب و ودعتهم مغادرة وما ان خرجت حتى تلاشت فرحتها وحل الحزن محلها، حزن المغادر من وطنة لوطن آخر لا ينتمى إليه، يا ليتها لم ترى اراس هذا ولم تلتقى به يا ليت….
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
تمرُ الأيام فما ندري كيف تمُر، لا ندرك كيف مرت، وكيف تحسب من أعمارنا التي تجري جري السحاب في مرورها.
تعبر الأيام من خلالنا وتذرنا وراءها كريشة تتقاذفُها الرياح من كلُ حدبٍ وصوب.
هكذا الأيام تمر كأنها لا تمر، تُعاد كأنها فلمٌ سنمائي لم يكتب المؤلم إلا سيناريو واحد يدور في فُلك واحد.
صوت الاناشيد دون موسيقى تملأ المكان الذي بات يتلألأ بالأنوار ، الاضواء والزينه تغمر المكان الزغاريد تنطلق من افواه النسوه بنشوه يخالطها السعاده.
وقف جان يتأمل جدهُ أدهم وهو يملي أوامره على الشباب بضحكة.
لقد وُلد من جديد منذُ أن جاء هذا المنزل.
الفرحة لا تغادر قلبه.
جميل شعور السند أن يغدو لك أحدٌ يهتمُ بشأنك، يغدقك بالحنان، يغمرك بالأهتمام، يزرعُ في قلبك الأطمئنان، يغزو روحك بالأمل، يعزز فيك الراحة، يكون لذاتك مؤئلًا، ولفؤادك موطنًا، ولروحك سكنًا وملجئًا.
لم يتخيل يومًا أن يكون له عائلة كان من المحال أساسًا أن يفكر في هذا، تمنى دائمًا أن يعرف معنى شعور الأهل حول المرء وها هو ينعم فيها، من كان يظن إنه سيُرزق بعائلة كهذه؟
كان دائمًا يسمع عن العوض والآن علم معنى الكلمة جيدًا.
لقد عوضه الله بكل جميل وطبطب على قلبه بنعمُه التي لا تُحصى.
الضحكة لم تعد تفارق قلبه الذي تفتحت فيه أكمامُ الورد مزدهره.
أمه، هيثم، أجداده، العائلة كلها تغدق عليه بالحنان فيروِ ظمأ روحه القاحلة.
فاق من شروده على صوت جده أدهم يصيحُ :
– قولت ظبط المقاعد دي على الجنب، إيه اللي حطها في النص.
جز خالد على أسنانه غيظًا من اوامر جده أدهم التي لا تكف كأنه يعمل لديه لكنه أمرٌ جميل على قلبه يروق له مشاكسته، بادر إسلام يقول وهو يكاد يذهب ليغير مكان المقاعد :
– سأوضبها أنا يا جدي، أترك خالد فهو منشغل.
فوكزة أدهم بعكازة قائلًا بصرامة :
– وهل قُلت لك أنت قف مكانك ولا تبرحه حتى لا تجد هذا العكاز يهوى فوق عنقك.
ثم التفت لخالد أمرًا :
– اعمل ياض إللي قولت عليه يلا.
لوى خالد فمه وهو يسب في خفوت منفذًا أمره صاغرًا.
فضحك إسلام مغيظًا إياه في مرح، وسمع صوت ادهم يقول وهو يطوق كتفه :
– ذرهم يفعلوا كل شيء وتعال لنجلس، لم اشبع منك.
أخذهُ وجلسا على المقاعد التي في الحديقة وبين الفنية والأخرى يرتفع صوت أدهم صارخًا في الشباب، وهل سيتم الأمر عادي، اليوم مميز، مميز جدًا، كتب كتاب بنات عائلة الشرقاوي له وقع خاص وحضور خاص وتجهيز خاص.
لمح إسلام خالته وعد تقبل بكرسيها المتحرك عليهما فقفز واقفًا مندفعًا نحوها آخذًا بالمقعد وهو يهمس عاتبًا :
– لماذا لم تناديني يا خالتي؟
فردت وعد بمحبة :
– ولماذا أتعبك!
رمقها إسلام بعتاب ولم ينبس وهو يترك ذراعِ المقعد قرب مقعد أدهم الصارخ في الشباب فهدأته وعد قائلة :
– يا بابا مش كده سيبهم يعملوا.
شوح أدهم بكفه بلا مبالاة وغمغم :
– اسكتِ أنتِ لازم أوريهم يعملوا اي بلاش يعكوا الدنيا.
هُنالك ارتفع صوت مالك قائلًا بغيظ :
– نعك أيه يا جدو يا حبيبي، ما تقوم أنت تعمل.
حدجه أدهم مغضبًا وهو يشير لوعد :
– عجبك كدا.
ضحكت وعد بإنطلاق متمتمة :
– سيبهم يا بابا.
دارت رأسها إلى إسلام، وقالت بضيق :
– لم أجد ما أفعله بالداخل فخرحت لأجلس معك ونتحدث.
قالت عبارتها بآسف مشوب بالرضا وهي تنظر إلى قدميها العاجزتين، وتابعت بلطف :
– حدثني عن نفسك، عن حياتك فيمَ مضى، أود ان اعرفك أكثر.
شردت مقلتيّ إسلام هنيهة، وقبع حزن الذكريات القاسية عينيه، وحين استدرك نفسه تبسم ضاحكًا في خفوت، وقال بمرح :
– لا أبغ الآن يا خالتي، اليوم سنزوج أروى وخديجة وشيماء، لا وقت الحديث.
فدفعته وعد بكتفها في كتفه، وقالت بتمعن :
– حسبك لا أتركك حتى تحادثني عن سر هذا الحزن في عينيك.
زم إسلام شفتيه قليلًا وراح يقصُ عليها بعد الطرائف، وصمت حين وصله صوت خديجة تنادِ على خالد الذي اختلس نظرة ضيقة نحوها ولم يبالى، ما زال هذا الشاب لا يحادثها منذُ علمه بأنها ستتزوج من ذاك المجرم آراس، فنهض متوجهًا نحوها حين رأى الحزن يكتسى وجهه، وقال :
– قولي ليّ ما تريدين وسآتيكِ به في الحالُ يا ديجا.
فـتنبهت له خديجة مصوبة انظارها الحزينة عن خالد إليه، وتبسمت مدحره شجونها في منأى عنها، تطلب منه ما تريد بهدوء وتولي مغادرة.
فعاتب إسلام خالد بضيق…
بعد صلاة العصر كان كتب كتاب كُلاٍ من أروى و حمزة، خديجة وآراس، شيماء وعبد الله يُكتب في المسجد.
كتب آراس قبلًا ثُم توجه مع عمرو إلى خديجة لتمضي على القسيمة، رغم الزغاريد حولها والنظرات المعلقة عليها، أحبتها الذين احدقوا بها كان بين جنبيها خافقٌ يتلظى بالشجون، يمورُ بالقلق، يتأججُ بالبكاء.
توالت عليها المباركات وكانت توزع الابتسامات المصتنعة، كأنها قد مضت على ورقة جحيمها، جحيم قد لا تعود منه بخير!
لكن ذلك التيهة لم يدم فما هي إلا لحظات وكانت تشرق أسارير وجهها فرحًا بـ أروى وحمزة وشيماء وعبد الله .
وعاد الرجال للمنزل جميعًا وسط الحضور وأنطلقت الأناشيد دون موسيقى.
في إحدى الكافيهات صاح إسلام بغضب مستعر للجالس أمامه :
– كيف تفعل هذا؟ لماذا جلبتني إلى هذا الكافية؟ ما الذي تود فعله!؟
فقال له الآخر بغضب مماثل :
– لا يجب أن يرآك آراس يا غبي، سيأخذ زوجته ويسافر وحينها تعود أنت لكن الآن لن اسمح لك.
ضرب إسلام بقبضته على الطاولة مع أنفعاله الثائر وهو يجأر :
– معتوهٌ أنت؟ ليراني هذا الآراس لا يعنيني.
ثُم هب واقفًا ممسكًا بياقتيّ قميصه يوقفه رغمًا عنه، وقال بنبرة حادة :
– إسمع يا ضياء لا تجعل ثورتي تثور لأني حينها سأكشف ورقتك لجدتي غير آسف على هذا، ستحل عني وإلا سأطوي دفترك للأبد.
عيون الحاضرين توجهت عليهما، وندت شهقات الفزع أثر صوت إسلام، فدار بصر ضياء يمنة ويسرة ونفض كفيّ إسلام بقوله بغيظ :
– تمهل، تمهل يا إسلام عيون الناس علينا! أنا فعلت هذا لأجلك آراك تنغمس في خدعاهم وتنجرف وراء برائتهم المزيفة، فوجب عليّ أن أحذرك، أبقَ هنا حتى يرحل آراس فضلًا من ان يُكشف أمرك.
أنهى عبارته وتحرك وقبل أن يجتازة وقف إزاءه وهمس وهو يرمقه بجانب وجهه :
– لا تثريب عليك فهم يخدعوا أعتى الرجال، ولكن خذ حذرك ولا تنسى والدك الذين أحرقُه، وأنت أحرى بأن تأخذ ثأرة أوتذره وراءك وتنسى وتكمل كأن كل معاناتك لم تكن.
افتر جانب ثغرة على بسمة خبيثة قبل أن يتحرك بخطوات ثابتة خارج الكافية، ألقى إسلام بجسده على المقعد وطائفةٌ من الاسئلة والأفكار السيئة غمرت رأسه.
في المنزل كان الجميع يهلل ويبارك، وعلى مقعدين بعيدين عن الضجة قليلًا، جلس آراس بجانب خديجة، وهو لا يكاد يصدق أنها أصبحت زوجته، كيف ضحكت له الحياة هكذا، لقد ظن أنها لن تضحك له أبدًا، لكن هل تثأر على كل جرائمه فيها؟
أنى السبيل للخلاص من منغصات التفكير السيء الذي يعصف به مكدرًا فرحته.
عيناها تتأمل فستانها الأسود اللامع بأعجاب، وبسمة متهكمة زينت ثغرة لقد حسبته سيضاق ذرعًا من فعلتها؟
غريبةٌ هي خديجة تارة تعامله بنبرة رقيقة ناعمة وأخرى قاسية، بعث إليها بفستان أبيض صُمم خصيصًا لأجلها فـ ذرته مرتدية فستانٌ أسود، ولو ظنت إنها هكذا تغضبه فلم تفلح، فقد كانت في الون الأسود فائقة الجمال رغم النقاب الذي يواري وجهها.
_ سنسافر متى؟
تنبه من شروده بها على سؤالها الحانق، فـ أخذ نفسًا عميقًا وهو مسبلًا جفنيه على عينين تنطق بالعشق و زفرة بتمهل وهو يستعيد ثباته باسمًا لها بلطف، وردد :
– بعد ساعة من الآن.
لم تعيره أهتمام بل ألتفتت تبحث بعينين متلهفتين، متحسرتين، عن أخيها خالد الذي يقاطعها؛ مقاطعة لا يستطع على حملها قلبها الضعيف الذي يود التقوي به في تلك اللحظة، الدموع تجمعت في مقلتيها و ودت لو تبكي وأن تطلق صرخةً من صدرها صداها يؤلمها، نادى آراس بـ أسمها فنظرت له بحدة نظرةً مشتعلة، فـ أردف هو في هدوء تام :
– خديجتي، أنا لن أوؤذيكِ أبدًا، ولا اسمح بأي أذى قد يصيبك، أنا أحبتتك يا خديجة، بين جنبيّ خافق لا يخفق إلا بأسمك، ومهجتي لا يسكنها غيرك كأنك مهجة القلب التي أن غادرت أغادر الحياة، لا حياة ليّ بدونك، أنا أتنفسك يا خديجة، أصلحيني سأفعل ما تقولين وسأغير من نفسي لأجلك، ربما تظنيني غبيّ من يقع في حب فتاة من يأسره صوتها هذا أمرٌ محال لكن صوتك عبر إلى قلبي وتشعب فأصبح قلبي لا ينطق إلا به .
قد يظن المرء أن الكلمات قد تؤثر لكن مع خديجة فقد دخلت من إحدى الأذن وخرجت من الأخرى، حركت كتفيها وهي تقول دون أكتراث:
_ كلامٌ حسنٌ جميل لكن لا يغريني أفهم أنا من المحال أن ابادلك نفس المشاعر، محال أن أحبك، ومحال أن أسلمك قلبي، ومحال أنت أن تخترق بيبانه، لك مني كل الاحترام والود لكن إلا الحب.
ثمة كلمات تصبح أشد وقعًا من طعنة خنجر، أونحر سيفٌ، أو كُليب من نار، أوجعته كلماتها أشد وجع وهز رأسه بثقل ردًا عليها :
_ حسنٌ لا تحبيني يكفى حبي أنا ليغدقنا نحنُ الأثنين يا وضيئة.
تبسمت رغمًا عنها مع آخر عبارته.
غادر المعازيم الذين لم يدم بقاءهم من الأساس، وبقت أفراد العائلة، الفرحة التي كانت آنفًا والضحكات قلبت إلى بُكاء، فـ أصبح البيت يضجُ بالبواكي، أبدلت خديجة ملابسها و ودعت الجميع بنحيبٌ حارق، وذهب معها الشباب والفتيات ما عدا شيماء التي ذهبت برفقة عبد الله، لم يودعها خالد لم ينظر إليها حتى وهذا ما يقبض قلبها فيعتصر بالألم، في صالة الأنتظار بقى نظرها معلقًا على الباب، ربما يأتي، ربما يبرز أمامها الآن، فقط ليظهر لتطمئن ربما لن ترآه مجددًا، ونداء القلب قد لبى وها هو يقبل راكضًا من باب المطر ويقف يتلفت عنها حتى استقرت عيناه عليها فتبسم واستمطرت عينيها المشرقة برؤيته سارت نحوه فنهبت قدميه جريًا المسافة الفاصلة بينهما ليعتصرها داخل حضنه موسعًا وجهها لثمًا من فوق النقاب، فضحكت وسط بكاءها وضمت وجهه بكفيها، وهمست بصوت متحشرج :
_ أفتكرتك مش هتيجي يا خالد، كنت هموت لو مشفتكش، كنت هموت يا خالد من وجع قلبي.
ضم رأسها إلى صدره مرة أخرى، وند عنه صوت خَنين، وقال بصوت يغلفه الحزن :
– متقوليش كدا يا حبيبتي، حقك عليَّ.
قبل أعلى رأسها، وعلا صوت ينبئ بقرب أقلاع الطائرة، فـ أبتعدت عنه لتضم الفتيات واحدة تلو الآخرى بخافقٌ يتلظى بنار الحنين العزاءُ لقلبها المكلوم، الفراق كم مؤلم عن الأحبة!
حضر آراس يستعجلها، فمال خالد على رأسها وهمس :
– مش هغيب هتلاقيني ورآكِ أنا فاهم كل حاجة؟
ثم غمز لها متابعًا :
– بس مكنش في داعي يعني تخبي عليَّ، مش عاوزك تخافي من حاجة أيام وهكون معاكِ.
كادت تستفسر لكن آراس سحب يدها في تعجل فلوحت للفتيات وهي تسير معه ورأسها مستدير نحوهم :
_ كفاية عياط متوجعوش قلبي، لا إله إلا الله خلوا بالكم من نفسكم، هوصل واكلمكم سلمولي على إسلام!
ردوا عليها الفتيات، فطافت عيناها عليهم جميعًا بوداع ورحلت خديجة إلى عالم آخر، وحياة لم تكن لها ولن تكون، ربما تعود او لن تعود لكن حتمًا ستعود فاقدة شيئًا لن تداويه الأيام ولن يطمسه النسيان ربما الذكريات؟ من يدري؟!.
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
تأملت شيماء عبد الله المتهجم بغرابة، لا تبدو عليه السعادة!
يبدو متهجمًا، حزينًا، كئيبًا، كأنه يحمل بثقل الجبال همًا.
فتطلعت عبر النافذة الزجاجية للمظهر الخارجي لـ هنيهة، ثُم ألتفتت إليه برأسها، وسئلت فجأة :
_ أنت سرحان في إيه؟ مالك مش حساك فرحان..
فقاطعها قائلًا بضيق و وجه عابس :
– مفيش حاجة؟!
دمعت عينيها يدموعٌ حبيسة، لم تعتقد إنه في هذا اليوم بالتحديد سيعاملها بكل هذا الجفاء والبرود، أين معاملته الطيبة؟
أين كلماته التي كانت تذيبها عشقًا؟
أين غزله؟
أين هو من الأساس هذا الذي أمامها يبدو شخصًا أخر!
شخصٌ لم تعرفه، ولم تعهده يومًا قاسيًا!
نفضت الأفكار عن رأسها وهي تغتصب ابتسامة ومالت بجذعها للأمام ومدت كفيها تحل عقدة كفيه قسرًا فـ أبتسم لها بسمة مشمئزة لم تستفسرها، همست له برقة لتُذيب جليد بروده الذي أوشك على تجميدها :
_ بقيت مراتك وتجوزناا!
” جوازة الندامة ”
قالها عبد الله في نفسه وهو يحدجها بجانب عينه بإذدراء، وسحب كفيه بعنف راعها، واندهشت عندما قال بقسوة :
_ تزوجنا، بس يا ترى أروى اقنعت حمزة إزاي؟
وأعقب قوله متهكمًا :
_ يا مراتي؟
فردت عليه متنهدة وهي تعود بظهره مسترخية :
_ عادي قال إني حرة وإن دي حياتي أنا. وبعدين هو اصلًا ملهوش الحق يرفض ولا ليه دخل في حياتي.
عقد ذراعيه وهو يرمقها بنظرات مشتعلة مستحرقة وتجمدت ملامحه ولم ينبس لدقيقة، وفجأة قال :
-اشربي عصيرك عشان أروحك، عشان ألحق أوصل أهلي.
خرجا من الكافية و وقفا حتى وصول سيارة أجرة، فـ استبدت بها الحيرة وسئلته بهدوء :
– هو في إيه حساك متغير، هو في حاجة حصلت؟!
كفها الذي وضعَ على مرفقه كانت قبضته تعتصره بعنف مرددًا بلهجة لم تعتادها :
_ حلي عن نفوخي السعادي يا شيماء خليني أغورك.
تدلى فكها دهشة، وجحظت عينيها بآنينٌ خافت، وهي تحاول نزع كفها وهوى دمعها منسكبًا من شدة الصدمة التي لم تستعبها، وانفرجت شفتيها بكلامًا غاص بحنجرتها عندما أشارة لسيارة أجرة وفي لمح البصر كان يدفعها دفعًا لتصعد.
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
عاد الجميع للمنزل بعد وداع خديجة فكان الصمت يسودُ المكان، والحزن يغلفه، والبكاء يعمه؛ بدا موحشًا كئيبًا كأنه ينعي فراقها الثقيل، ويبكي رحيلها المفاجئ من بين جدرانه، ويحنو إلى صوتها و وجودها من الآن.
ما أن وطأت قدمين خالد للداخل حتى جال ببصره في الأنحاء، ودموع الشجن تلمع في حدقتيه فلم يستطع صبرًا وخرج مزمجرًا، حانقًا، من قال أن خديجة فقط أخته؟
وما أدرك من خديجة أنها اختٌ بنكهة أمٌ وفي لذة رفيقة لدربه القاسي، كانت نورًا يضيء له أشدُ الحُلكة وهكذا تصبح غير موجودة بينهما أميال، تبًا للفراق فإنه ليس بهين أبدًا.
خرج الشباب وراءه وجلسا على إحدى الموائد في الحديقة يغشاهم السكون التام، وبينما هُم جُلساء إذ أقبل إسلام و وقف سائلًا بضيق :
_ أين ديجا؟ هل سافرت؟!
قال بجزع حقيقي نابع من صميم قلبه، لقد جاء متلهفًا لرؤيتها ضاربًا بالخطة عرض الحائط لكن الأمور وشت بأن مجيئة كان متأخرٌ للغاية.
رد عليه معاذ بصمت وهو مطرق :
_ نعم سافرت.
_ أين كنت أنت؟ لم أراك منذُ سويعات؟
سئل حمزة مستفسرًا فتقدم إسلام جالسًا بجانبه، وأجاب وهو ينظر لما بين يديه :
_ كنت أنتقي هدية لخديجة، لكن قد فات الآوان!
ران الصمت مرة أخرى مشعب بالحزن، دفن خالد رأسه بين كفيه على الطاولة، فربت عليه إسلام وقال يطمئنة :
_ لا تحزن يا خالد، ستكون ديجا بخير، كلنا معك سنعوضك غيابها.
ثم ألتفت إلى حمزة وقال مشاكسًا وهو يرفع حاجبيه :
_ ما بك يا عريسنا جالس هكذا! ألا تجلس مع عروستك؟ أو تأخذها للتنزه
فأيده معاذ قائلًا وهو يضع كفه على كتف حمزة :
_معه كل الحق خذ أروى إلى احدى الأمكان لتروح عن نفسك وعنها، هيا قم.
نفى حمزة برأسها مردفًا :
_ لن تقبل أن تترك البنات أعلم هذا وكلي يقين.
_ إذن نخرج معًا جميعنا وتجلسان بمفردكما ما رأيك؟
سئل مالك مقترحًا، فوافقة خالد الذي شاركهما الحوار :
_ بالفعل، لنخرج معًا ولكن بعد صلاة المغرب.
فسئل إسلام قاطبًا :
_ وأنى نذهب؟
إلفتت له حمزة وسئله :
– أنت اين تحب أن تذهب، أي الأماكن تودُ رؤيتها!
_ نهرُ النيل.
_ أذن يبقى نهرَ النيل.
_ على ( الكورنيش ) جلس الشباب والفتيات على إحدى المقاعد يتسامرون، بينما سارا حمزة وأروى بمحازة السور، بصمت الناطق الوحيد بينما الأرتباك والحياء الذي يغلفانها، ارتكن حمزة على السور موليًا ظهره للنهر ثُم جلس فوقفه، فوقفت أروى بجانبه صامتة، تنحنح هو وقد أثقله الصمت والحروف انحسرت بداخله كأن لسانه قد عُقد ولا يدرِ ما يقول، فدار بصره هربًا وحانت منه ألتفاته إلى ملك فسئل :
_ حاسس أن مالك في حاجة جبراة على الجوازة دي!
هي محكتش لكم حاجة .
هزت أروى رأسها نفيًا، وقالت بصوتٍ مبهم ببصر مرتكزًا على ملك :
_ وأنا كمان حاسة بكدا وهعرف في أيه … أكيد؟!
تلاقت أعينهما فخفق قلبها، وتسارع فؤاده، مسك كفها برقة في راحته فـ أقشعر جلدها مرتبكًا، متوترًا، وسحبت كفها في أستحياء ، فتفهم حمزة ذلك باسمًا وأسند كفيه على السور بجانبيه، وعلى حين غرة منها وبينما هي مطرقة إذ أردف :
_ عايز اسئل سؤال، أنتِ كدبتي عليَّ فيه قبل كده!
شحب وجهها لا أردايًا وانتظرت ثوانٍ قبل أن ترفع رأسها إليه مغمغمة :
_ اسئل!
لقد علمت ماهية السؤال الذي يود معرفة إجابته ورغم ذلك استفسرت فقال بلهجة خرحت حادة :
_ كنتِ بتعملي أيه مع عبد الله لوحدك ؟
أسبلت جفنيها بعنف كأن السؤال كان صفعة على وجهها، فسئلته بنبرة ذات معنى :
_ نبرتك بتقول أنك شاكك فيا!
زفر حمزة بضيق وذاغ ببصره، مردفًا :
– مش حكاية شك، ليه كدبتي عليَّ لما سئلتك، كنتِ معاه ليه؟
تجمعت العبرات في مآقيها وقالت بصوت متحشرج :
– كدبت عشان شكك دلوقتي، كان متخاصم هو وشيماء وقابلته عشان أصالحهم على بعض.
إجابتها أججت نارًا في صدره، فضرب بقبضته السور فـ أنتفض جسدها للوراء وقفز أمامها بغته صائحًا فيها :
_ يولعوا هما الاتنين، تقابليه ليه، قولي لأي حد يكلمه، ملقيش علاقة بيه؟!
احتاجتها نوبة بكاء عارمة أوشكت على الحلول، فقالت بشهقة وصوت يوحي بذلك :
_ أنا عايزة اروح.
عبارتها رقت قلبه فتنهد بآسف بيَّن ثُم فجائها بأن ضمها دون كلام رابتًا على ظهرها بحنو فـ اتسعت مقلتيها وهمهمت فقال مبتسمًا :
_ لا ما هو أنا منستش حضن كتب الكتاب!
قبل جبهتها متابعًا:
_حقك عليَّ يا ستي متزعليش، أنا لو موثقتش فيكِ هثق في مين؟ أنا أكتر شخص ممكن يثق فيكِ يا أروى بس أضايقت لما سئلتك ومصارحتنيش.
ابتعد عنها ناظرًا لوجهها الذي كساه حمرة الخجل فغضت الطرف عنه، فاستأنف بوداعة :
_ مش عايز حياتنا تتبني غير على الصدق وبس يا أروى، بلاش تخبي عليَّ حاجة.
رفع ذقنها لينظر في عينيها، وقال :
_ هو أنا قولتلك أنك قمر لما بتتكسفي.
_ أنت يا عم العاشق الولهان متنساش أننا في الشارع، امسك!
قالها خالد متهكمًا وهو يرمقهما بسعادة وناولهما أكوزًا من الذرة، ثم سئل فجأة اروى:
_ هو ضايقك في حاجة، ولا مالك؟
فنفت برأسها، فضرب على كتف حمزة، قائلًا :
_أقسم بالله هتفكر بس مجرد تفكير تزعلها هجيب أجلك.
لوى حمزة فمه بأمتعاض ودفعه بخفة متمتمّا :
_ يلا من هنا يا بابا، عيب.
تابع ذهاب خالد إلى حيثُ الباقيين فضم كتف أروى بذراعه فـ ارتجف جسدها وكادت تنزع يده لكنه تشبث بكتفها وقال وهو يقطم حبيباتٌ من الذرة :
_ أنسي مش هشيلها.
فستكانت صاغرةٌ له، وفؤادها بات يحلق في صدرها من شدة الفرحة، لا تصدق انها بجانبه الآن، علاوة على أنها غدت زوجته، حانت من جانب عينها ألتفاتة إليه ثم تنهدت مرتاحة وهي تحمد الله في نفسها ثُم راحت تلوك بهدوء الذرة.
طرق إسلام بأصبعه على الطاولة وهو يختلس النظر إلى لمياء التي تتجنبه بكل جهدٌ منها، كانت رائعة هذا اليوم لتخلب قلبه، أوجد عاصم إبن خالته يختطف النظرات إلى ناردين التي اختمرت فمال عليه هامسًا بعبث :
_ تُعجبك!
رفع عاصم رأسه إليه وقد زوى ما بين حاجبيه متفاجئًا بالسؤال فغمز له إسلام قائلًا:
_ إنها جميلة، لكن لا تطيل النظر حتى لا أفقع عينيك.
انفرجت شفتيّ عاصم بكلام ابتلعه عندما ألتفت إسلام إلى مالك، سائلًا:
_ لم تخبرنا عن تلك الرائعة التي كانت برفقتك اليوم.
زم مالك شفتيه وقال مشوحًا بكفه :
_رائعة ام غير رائعة لا يعنيني، فقط جلبتها لربما هذا يثير في نفسها شيء وتُحل عقدة لسانها؛ إنها مريضة لدي ليس اكثر من هذا.
هل حقًا ليس اكثر من هذا ولم يكذب؟
أما أن تلك الفتاة آثارت فيه شيئًا لم يعرف كنهه بعد؟!
عندما عادوا إلى المنزل تفرقوا، لكن إسلام الذي غاب لدقائق دنا من لمياء يستوقفها، ومد لها بعلبة آيس كريم، مردفًا ببسمةٌ :
_هذه لكِ يا لمياء، علمت أنك تعشقين الآيس كريم فجلبته لكِ!
لكنها نظرت له بحدة، وهتفت بصوتٌ خافت :
_ ومن ذا الذي قال أني سأقبل بأخذها وبالذات منك؟!
_ هل ليّ أن أفهم لمَ تعاملينني بهذا الجفاء! لماذا تهربين مني؟ تتجنبيني؟
توترت لوهلة وارتبكت أثر عبارته التي كانت كالأعصار في قلبها فقلبته هي لا تهرب منه؛ إنما تهرب من نفسها المنصاعة إلى حبه كالبلهاء! وهي لا تود ذلك لن تسمح لقلبها أن يحب قبل آوانه.
فنفضت رأسها بعنف كأنما تطرده عن عقلها المنشغل به، وردت بحدة :
_ ولماذا قد أهرب منك؟! ولمَ قد أفعل؟ أنى لك بذلك التفكير!
فنظر لها بتمعن رافعًا حاجبيه، وقال وهو يخفضهما :
_ إذن تودين اخباري بأنك لا تهربين مني ولا تتجنبيني!
هزت رأسها تؤكد قوله، فتبسم غامزًا لها بمشاكسة :
_ أظن ستقبلين أخذ الآيس كريم بمبادرة صلح بيننا!.
اذدردت لمياء لعابها وهي تركز بصرها على علبة الآيس كريم فـ أنتشلته منه في سرعة ادهشته وغمغمت :
_ حسنًا شكرًا لك مقبولة منك وبالهناء والشفاء ليّ، تصبح على خير.
همت بالفرار من أمامه لكن ألجمها قوله وخاصةً حين همس بصوتٌ حنون لامس وترًا مرهفًا بداخلها :
_ تأخذين العلبة وقلبي، فلما تأخذين قلبي معك؟ لمَ تسحرين روحي ببساطتك! وتأسرين هذا الخافق بداخلي!
تسمرت ساقيها ولم تقو حتى على النظر إليه، بين جنبيها خافقٌ مضطربًا، مرتبكًا، أصابته الدهشة فراح يضرب قفصها الصدري ليخرج ملقيًا نفسه في أحضانه.
بزغت بسمة مشرقة على شفتي لمياء فلحت في كبحها وهي تفر من أمامه في لمح البصر تسطتير فرحًا.
هل جاءها السعدُ مرفرفًا بأجنحته الزمردية فوق ظلال أحزانها لينتشلها من قاعه؟ هل يطرق الحب الحلال بيبان قلبها؟
ولمَ لا؟
لكن ماذا وذاك القلق يستبد بها؟
إنه شاب يجاهد لينصلح حاله بعد ضياع كان منذُ نعومة اظافره فهل يستكمل المسير في دربه الجديد؟
أما ترآه يتزحزح وينحرفُ عن الطريق ويعود لما سبق؟
ماذا عن نزواته السابقة! هل يرجع إليها!
الحيرة حفرة عميقة للغاية صعب الخروج منها إلا بالتسلق فأما السقوط او النجاة منها.
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
مؤلم أن يجد المرء نفسه بغتة في الغربة، لا أهل ولا صديق ولا حبيب ولا قريب، وحيدٌ تمامًا في أرضًا لا يعرف فيها أحد، تصبح الحياة موحشة ثقيلة ثقل الصمّ الصلاب على الصدر، معتمة حالكة السواد كأنها ليالي الدادي لا بصيص نور فيها. ويكون عذاب تلك الأيام أشد ألمًا، وعسرًا.
عندما وصلت برفقة آراس إلى البيت تعرفت إلى منة واختلطت مع الفتياتين اللتين خففتا من شعور الوحدة في قلبها، وعوضتا غياب أحبتها قليلًا.
لم يوجه لها آراس إلا كلمات قلائل حين يتطلب الأمر مما جعل شعور الراحة يتغمدها، وحين رأت آجار ودت لو تخبره بشكوكها لكنها آثرت الصمت حتى تصل لما أتت لأجله.
في اليوم الثاني كانت تهجز نفسها متهيئة للخروج، فسئلها آراس عن وجهتها فردت بهدوء :
_ سأذهب للمستشفى لم أتوان في عملي كما كنت في مصر.
_ حسنًا، لم أرفض ولن ارفض لكن اليوم خذي راحتك!
فنفت قائلة :
_ لا، هذا سيريحني كثيرًا.
_ كما تريدين، سأصحطبك وأطمئن على أبي.
ذهبا لزيارة جومالي معًا، وهُنالك ألتقيا بـ ماهر الذي كانت خديجة تمعن النظر فيه بغموض وعرفها آراس عليه بكلمات مقتضبة، ورمي إليه بكلمات تنبئ عن كرهه له.
ودخلا لغرفة والده، فـ تقدم آراس ملثمًا جبهته، ونظر لها سائلًا بنبرة توحي بحزنٌ سحيقٌ بقلبه :
_ هل سيصبح بخير يا خديجة؟ أنا لا أصدق هؤلاء الأطباء، ربما أصدقك أنتِ، هذا الذي بين جنبايّ ينتمي إليكِ يخبرني بأنك لن تكذبين، وأن قُلتِ بأنه سيكون بخير فسيكون!
فـ ابتسمت تدنو منه تربط على كفه لتصيبه بالزهول وهو يرمق كفها بدهشة ممزوجة بالصدمة حين تابعت بصوتٍ رقيق :
_سيكون بخير كُن متفائلًا.
ثُم خرجا من غرفة العناية، وسئلته وهي تسير بجانبه في الممر:
_ بدا ليّ أنك تكره ماهر!
أومأ آراس برأسه، مردفًا:
_ هذا صحيح لا اطيقه ولا اطيق وجوده ألبتًا!
_ إذن لماذا خبئه والدك عن جدتي حين كانت تبحث عنه؟
وقف لوهلة مندهشًا من هجومها، وحرك كتفيه قائلًا :
_ خديجة، لماذا في نبرتك اتهام يمسني؟ ما كان بين ابي وماهر لا يعنيني، ولا أعرف شيء عما تقولين ولا لماذا فعل أبي هذا.
قال جملته طارقًا بخفوت على باب حجرة الطبيب وادار مقبضه ليدفع الباب لتدخل هي اولًا واتبعها هو.
استتر ماهر متلصصًا عليهم ثُم اخرج هاتفه مُرسلًا برسالة كان محتواها :
” آراكِ أرسلتِ حفيدتك لجحر داري ألا تخافين عليها؟ أما إنكِ تذهدين فيها؟! إلى ماذا ترمين يا ترى؟! رباه أم إنه مخطط؟!
لكنه لن يجدي نفعًا يا ابنت الشرقاوي، ها قد نسيت أخبارك؛ سأرسل لكِ قريبًا … قريبًا جدًا هدية ستعحبك كثيرًا جدًا او بالأحرى ستوجعك يا لمار، أنتظري هديتي انها قادمة إليكِ”
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
_متى بالله تكفين عن اقحام أنفك في المصائب، ما يعنيك من ذاك الحادث، وبكل بساطة تسيئين إلى المفوض، كيف تفكرين أنتِ بالله يا فتاة!
صاح بها آجار في وجه منة التي كانت تأقلم اظافرها متربعةً فوق الفراش، فـ ألقت عن يدها وهي تقف على ركبتيه هاتفة بغضبٍ:
_ أنت كيف تعتقد إني قد أسكت عن فعل كهذا؟ طالما كل الحق معيّ لن أسكت.
كلماتها ذادته ثوران، جأر مزمجرًا :
_ لا، لا، لا تسكتين أن سكتِ بالأساس تموتين، يا فتاة بالله كيف تفكرين هذا المفوض لن يتركك.
أغمضت منة عينيها بعنف وفي هدوء غمغمت :
– ها أنت ذا تقول، مفوض.
وتابعت وهي تتحرك عن الفراش تضم وجهه بين كفيها :
_ إي إنه لن يؤذيني.
فنزع كفيها وقال متهكمًا:
_ صوابع اليد لا تتساوى يا حبيبتي، إذ إنه هدد أهل الطفل وربما هو من ارسل تلك العصابة لهم،، ليس كل من ارتدى الزي فهو شريفٌ عادل جمهم اوغاد يفعصوكِ تحت اقدامهم كأنهم لا يروكِ ويمروا.
فتنهدت بيأس، وأردفت بحنق وهي تضيق عينيها :
_ معك حق يا آجار لكن لو تخلينا عن أهل الطفل فمن يقف معهم، هذا الرجل عديم الرحمة لم يبالي ودهس طفلًا صغير مزق جسده دون ذرة رحمة، وبكل بساطة يقول إنه حادث ويهدد اهله، هل اشاهد بصمت، هل اسكت عن الحق بربك!
زفر آجار وقال باستسلام :
_أنتِ ميوؤس من أقناعك، لا تزعمين أن الأمور ستمر مرور الكرام هكذا، يعزُ عليَّ إنك لا تفهميني.
_ آجار.
نادته منة بحزن، فـ أستطرد هو :
_ لا ضير أن كنتِ تودين المتابعة حسنًا، لكن رجاءً.
أمسك كتفيها بكفيه وصوب بصره في عينيها متابعًا بنبرة عميقة، اهتز لها قلبها :
_ انتبهي لنفسك وفكري فيّ قليلًا، وإنه إذ حدث لكِ شيء أموت يا منة، هذه الحياة تضيق عليّ حتى اختنق إذ لم تكوني فيها! إذ أصابك أذى ولو مثقال ذرة هذا القلب يتلظى، ويدميه الحزن، كوني بخير فأكون أنا بخير، رجاءً.
ضمنته منة بقوة هامسة بأسمة فحاوطها بحنان داعيًا أن يحفظها الله له.
توقع نفسها في المشاكل غير آبهة لكن ماذا لو أصابت هذه المشاكل من حولها؟
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
ضاق بها قلبها لوهلة، واستشعرت كم هي بحاجة إلى مكان تجلس فيه بعيدًا عن كل شيء، تستنشق بعض الهواء ربما يطيب خاطرها، فـ أزمعت الذهاب إلى البحر ومن فورها غادرت المستشفى مستقلة سيارة أجرة جلست فيها شاردة، مشتاقة إلى وطنها ومن فيه.
وصلت بعد وقت على الشاطئ فغادرت السيارة ومضت تسير على الرمال التي بدت كحبيباتٌ ذهبية أثر توهج الشمس فوقها، وقفت قليلًا عاقدة ذراعيها تتأمل تلاطم الأمواج بدموعٍ أبيه وفجأة سال دمعها فبكت بحرقها وهي تستقر فوق إحدى الصخور ثانية ساقيها إلى صدرها تطوقهما بذراعيها وعلا نحيبها بكسرة، تكالبت عليها الهموم حتى شعرت بثقل قلبها كأنما غير قادرة على حمله.
لا احد يمكنه أن يجزم كم مر من الوقت على جلوسها.
وعلى قرب منها كان شاب فارع الطول، عريض المتكبين، مرتديًا بدلةً سوداء، داسًا كفيه في جيبيّ بنطاله، مرتكنًا بظهره على جانب السيارة، يتآملها من خلف نظارته بنظرات غامضة، ثم حل كفيه وسار بتمهل نحوها وهو يخرج من جيبه منديلًا ورقيًا، مد يده به لها فتفاجئت به ونظرت لليد الممدودة ثم رفعت رأسها إليه، لم تتبين ملامحه التي أختفت وراء لحيته السمراء المنمقة ونظارته التي تخفي عينيه فبدا غريبًا، بقت يده طويلًا ممدودة دون ان يتلق اي ردة فعل، فوصلها صوته يأتي من مكنٍ سحيق أثر خفوته، ممزوجًا بمسحة من الرقة رغم حدته القليلة :
_ أمسحي عينيكِ لا تليق بسوداوتيكِ الدموع، ولا تجعلي احد يرى دموعك أبقي قوية وتحلي بالمثابرة كل شيء سيمر، وتتذكرين هذه الأيام بحلوها ومرها وتضحكين، افعلي شيئًا تحبيه وألقي الحزن وراء ظهرك؛ فإنه لا يرغب فينا حين لا نرغب فيه.
أرتبكت خديجة وهي ترفرف باهدابها لثوانٍ مترددة، بالأخير اخذته منه ونظرت أمامها تمسح عينيها من اسفل النقاب وما كادت تلتفت له لتشكره إذ تبخر ولم تجد له أثر، وثبت خديجة بفزع تبحث بعينيها عنه وهي تدور حول نفسها، ولولا المنديل لظنت إنه وهمًا.
ثم تنهدت وراحت تعدل من نقابها تخفي عينيها وعادت جالسة تفكر عن ماهية هذا الشخص؟!
وبعد دقائق قلائل كانت تخطر لها فكرة اسرعت بتنفيذها وأخرجت هاتفها من حقيبتها لتسجل نفسها، وهي تتنحنح قائلة :
_ ربما لا يمكنني المجيء للمسجد، لكن لا شيء يمنع من جلستنا المحببة، وقد كُنا نتحدث عن اهوال يومُ القيامة واليوم سنسترسل فيه.
قولنا آنفًا أننا نُبعث من القبور ثم نحشر جميعًا وقد أخبرتكن أن الناس تحشر يوم القيامة حفاة عراة وغير مستورين والحشر يأتي بعد النفخ قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {إبراهيم:48}
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفة هذه الأرض الجديدة التي يكون عليها الحشر، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ” قال سهل أو غيره: ” ليس فيها معلم لأحد.
وفي تفسير القرطبي الصحيح إزالة هذه الأرض حسب ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك، وذكر الحديث، وفيه، فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر، وذكر الحديث، وخرج عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: على الصراط، خرجه ابن ماجه بإسناد مسلم سواء، وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي السائلة.
سكتت خديجة قليلًا تستردُ أنفاسها، وتابعت بصوتٌ رخيم يملؤه الراحة :
_ فمن الناس من يكرمون يوم الحشر ويعافون، ومنهم من يهانون ويعذبون، كما قال تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا {مريم: 85ـ 86}.
وفي هذا اليوم تتجلى رحمة الله تعالى حين تدنو الشمس من الروؤس، ويتمكن العطش من الناس، ويشتد الكرب بهم حتى يطلبوا بدء الحساب، تتنزل رحمة الله يومئذٍ، إذ لم يتركهم عشطى يعانوا الظمأ، بل اكرمهم بحياض يشربون منها، ولقد جعل لكل نبي حوض يشرب منه هو واتباعه، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ( إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
سكتت مليًا متقكرة، متخيلة، متحيرة، تدنو الشمس من الروؤس!
الشمس المحرقة يصبح الناس اسفلها حفاة عراة وهي فوق روؤسهم تمامًا ولكن الله رحيم إذ ثمة أحواض تشربُ الناس منها.
أخذت نفسًا عميقًا زفرته بتمهل وهي تدخر التخيل عنها، وأستتبعت تقول :
_ ثُم نجد حوض حبيبنا محمدٌ وهو واقفًا بجانبه ( الكوثر) ربما اسمه لوحده يجعلك تبتسم والكوثر هو النهر الذي وعد الله به نبيه ﷺ في الجنة، والحوض هو مجمع الماء في أرض المحشر وماؤه مستمد من الكوثر، فالكوثر والحوض ماؤهما واحد، إلا أن احداهما في الجنة والآخر في أرض المحشر، قال – صلى الله عليه وسلم – في وصف الحوض: ( يَغُت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق ).
يغت: أي يدفق دفقا شديدا متتابعاً، فتبين بهذا أن ماء الحوض مستمد من نهر الكوثر في الجنة، وفي وصف الكوثر ذكر ﷺ
أوصافًا متعددة فمنها إن ماءه أشد بياضًا من البن، وأحلى من العسل، وأن طوله وعرضه سواء، وأن سعته كما بين أيلة وصنعاء، وأن عدد كؤوسه كعدد نجوم السماء، وأن من شرب منه لا يظمأ أبدا، وهذه الأوصاف ذكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث، منها:
حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن قدر حوضي كما بين أيله وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق بعدد نجوم السماء ) متفق عليه .
سكتت لهنيهة كأنما تتأمل حوض الرسول مسبلةً جفنيها على مقلتين فاض فيهما الشوق ممزوجًا بالحنين، واستأنفت بصوتٌ رخيم وهي تسند ذقنها على راحتها المرتاحة فوق ركبتها :
_ وعن ثوبان – رضي الله عنه – أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – سئل عن شراب حوضه، فقال: ( أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما: من ذهب، والآخر من ورق ) رواه مسلم .
حديث حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل … ) رواه مسلم .
اختلفت الروايات في تحديد سعة الحوض ومساحته، فبعض الروايات ذكرت أن حوضه – صلى الله عليه وسلم- أبعد ( من أيلة إلى عدن ) وعدن معروفة، أما “أيلة” فهي مدينة بالشام على ساحل البحر، وتطلق أيضا: على جبل ينبع بين مكة والمدينة . والحديث رواه ابن ماجة عن حذيفة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وذكرت بعض الروايات أن سعة الحوض، ( كما بين المدينة وصنعاء ) وهذا في رواية البخاري عن حارثة بن وهب – رضي الله عنه.
إذن فـ حوض الرسول الحبيبُ صلوات الله عليه حوضٌ كبير متسع الجوانب والزوايا ربما والله واعلم.
وثمة صنفين من الناس سيكونون اول الشاربين من حوضه ﷺ الصنف الأول هُم فقراء المهاجرين ويدل على ذلك ما رواه ثوبان – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد ) رواه الترمذي.
وأما الصنف الثاني هُم أهل اليمن فعن ثوبان – رضي الله عنه – أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إني لبعقر حوضي، أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم – يسيل عليهم – … ) رواه مسلم ، قال الإمام النووي في شرحه: ” معناه: أطرد الناس عنه غير أهل اليمن، .. وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه، مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام، .. فيدفع غيرهم حتى يشربوا، كما دفعوا في الدنيا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أعداءه والمكروهات ” .
فمن منا مشتاق إلى شربةٌ من كوثر الحبيب لا يظمأ بعدها أبدًا؟
من تلك التي تتلهف إلى شربةً من يد الرسول؟
من هذه التي ستأثر الفردوس على الدنيا فتذهد فيها بكل حلوها وملاذاتها؟
من ستصوم كثيرًا لتشرب كثيرًا يوم القيامة من كف الرسول وحوضه.
تخيلي أن تأتي يوم القيامة عاريةٌ حافيةٌ والشمس دانيةٌ ذلفى من رأسك وأرهقكك العطش ثُم تجدي الرسول بجانب حوضه يروي ظمأك، اللهم اجعلنا ممن يشربون من حوض الحبيب.
وكما أن هناك من يشرب من حوض الرسول فليس الجميع بشارب ثمة مطرودين فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم -، يقول: ( أنا فَرطُكُم – أي أتقدمكم – على الحوض فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا . ليردنَّ علي أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي ) .
قال الإمام القرطبي في “التذكرة” : ” قال علماؤنا – رحمة الله عليهم أجمعين -: فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، .. والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستحفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، ثم البعد قد يكون في حال، ويقربون بعد المغفرة، إن كان التبديل في الأعمال، ولم يكن في العقائد ”
أخذت نفسًا عميقًا أعبقته بقولها :
_ أما موضع الحوض فلا يكون على هذه الأرض وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة، كما قال تعالى: { يوم تبدل الأرض غير الأرض }(إبراهيم:48) .
ومن أسباب نيل شرف ورود الحوض عدم الدخول على أئمة الجور ممالأةً ونفاقاً لهم، فعن كعب بن عجرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ( أنه ستكون بعدي أمراء، من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس يرد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض ) رواه الترمذي والنسائي.
أنهت خديجة درسها إذ قالت دامعة العينين :
_ هذا هو حوضُ الرسول بأوصافه واهله، والمطرودين منه، لتعلم يا آبن آدم أن دخول الجنة ليس بهين، والشرب من كوثر الرسول ليس ببسير فأعلم السبيل إليه وسر نحوه بكل جهدك، وأعمل ليومٍ عظيم حره شديد.
فيا آبن آدم لا تغرنك الدنيا فتشقى، ولا تنغمس في ملاذاتها فتضل، شمر ساعد الجد وسر في درب الرحمن راجيًا رضا الرحيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وهداه.
أرسلت المقطع المسجل أتبعته بريكورد في الجروب بينها وبين الفتيات :
” بنات يوم الجمعة شغلوه في المصلى، عاملين إيه وحشتوني كلكم ”
توافدت الرسائل من الفتيات فراحت تحادثهم وقد تلاشى كل ضيقها، حتى لملمت نفسها وعادت إلى المستشفى.
*خرجت خديجة من المستشفى بعد أنتهاء دوامها، وبينما هي تخرجُ من بوابتها إذ أبصرت آراس واقفًا بجوار دراجة ناردية ما أن لمحها حتى انتصب في وقفته وتبسم لها وبريق عينيه يضوي بالسعادة، فأقبلت عليه فسار نحوها و وقف قبالتها، مردفًا بنعومة :
_ أتيت لأخذك….
وتابع مشيرًا برأسه صوب الدراجة :
_ علمت إنك تتمنى أن تركبي على أحداها، لذلك فـ هل تأتين معيّ.
اتسعت حدقتا خديجة دهشة واستطارت فرحًا، وهي تصفق بحماس صقفةً لم يكن لها صوت بسبب الجونت المُغطى كفيها، وتألقت عينيها وهي تهمس في حماس :
_ الله دا وانا وصغيرة وانا نفسي اركب متوسكل.
قطب حاجبيه بعدم فهم، فصححت قائلة :
_ بالفعل كنت اودُ دائمًا ركوب دراجة نارية.
بسط آراس كفه لها، فتقدمت واقفة حتى صعد عليها وأردفت خلفه في جزع، ثبت الخوذة على رأسه وهو ينبها :
_ تمسكِ جيدًا حتى لا تتقلبين على وجهك بجلوسك هكذا.
فلوت شفتيها وهي تضع كفيها على منكبيه وما ان انطلق مطلقًا صيحة حماس حتى شهقت في فزع تضم جذعه بكفيها وتدفن رأسها في ظهره.
بعد وقتٌ ليس بطويل توقف بالدراجة أمام الشاطئ وخلع الخوذة وهو ينفض رأسه، وقال ممشطًا خصلاته بأصابعه :
_ أوه، وأعلم ايضًا أنك تحبين البحر؛ لذا جلبتك إليه.
تطلعت فيه خديجة لحظة قبل أن تهبط بقدميها وتستدير ناظرةً إليه بمشاعر متخبطة.
يفعل كل شيء لينال أرضاءها!
فهل ترضى؟ هل يلين قلبها!
ترجل عن دراجته آخذًا بكفها بين راحته وسار بها على الشاطئ الذي راحت أمواجه تتلاطم والنسامات تهلُ عليهما فأسدلت خديجة أهدابها مستمتعة بالهواء وصوتُ الأمواج المتلاحم.
فستانها راح يرفرف من حولها، إنها الآن تبدو كفراشة تطيرُ وتطيرُ وتطيرُ فوق أمواجُ البحر الذي بات له سحرٌ خاص يجذب الناظرين، ويريح الموجعين، ويسكن اضطراب المضطربين، ويروح عن المهمومين.
_ لم أكن أعلم إنك تحبين البحر، لتلك الدرجة.. اكاد أغار منه ومن النسيم الذي يضربك فتستمتعين به.. هلا فتحتي عينيكِ يا حورية البحر!
برفق فتحت خديجة عينيها لتشهق متسعت العينين ما ان وقع بصرها على الأرض أمامها التي تلونت باللون الأبيض وفوقها كُتب I love you, Khadija ” الاحروف تضيء كأنها نجومٌ تتلألأ وسط قلوبٌ حمراءُ براقة فرفرفت باهدابها حابسة دموعها ونزعت كفها عن كفه وتقدمت من القلب المرسوم فوق الأرضية وجثت بجانبه وأصابعها برقة سرت فوق الحروف بدهشة يخامرها اللهفة.
_أُحبك يا خديجة، قد لا تحبيني يومًا ولم ازرع في قلبك ليّ إلا الكره لكني حقًا أشغُفك حبًا، وأذوب فيكِ عشقًا.
همس آراس جاثيًا امامها ممعنًا النظر في عينيها التي تلألأت بالدمع أثر كلماته، فضم كفيها بين راحتيه وتابع همسه الرقيق وهو ينظر إلى مقلتيها :
_ لا تتخلين عني يومًا حتى لو لم تحبيني، أنا لم ارد ان اصبح ما انا عليه مجرمًا، مهربًا، لم اولد هكذا يا خديجة، ولم اكتب ما انا عليه، ليس ليّ يد بكل ذلك لكن.. لكن منذُ أن رأيتك وهذا القلب.
أخذ كفها على قلبه وتابع بنبرة تقطر حبًا :
_ هذا ما أن رآكِ رق، ودق ولم ينتمي إلا لكِ فلا تذريني رجاءً كوني ليّ دومًا كل شيء ولا تطردي ابنك عن موطنة.
رأيتك فدق القلب بالحياة.
رأيتك وعلمت إنكِ قلبي الذي قد يُقلع من صدري لو رحلتِ.
رؤيتك أحيت قلبي المهجور فجعلته روضةً من رياض الجنة.
ولا تسألين كيف أحببتك فقد أحببت بساطتك، أخلاقك، تدينك، قد لا تكونين فائقة الجمال لكن والله أحببتك حبًا لو وزع على سكان الأرض جميعًا لكفى وفاض.
وضع رأسه على قدميها فإذا بها لا إراديًا تضمه وتميل برأسها فوق رأسه، كلماته سرت في قلبها كسريان النسيم في سرعةٍ، وخفةً، وهدوءٍ فداوته، وانعشته.
🍃 سبحان الله وبحمده 🍃
جالسٌ وراء مكتبه واضعًا نظرات طبية فوق عينيه يتصفح كتابًا في علم النفس، عندما دق باب المكتب وبرزت الممرضة تعلمه بوجود من يريده فسمح لها أن تدخله، وما هي إلا دقائق وكانت تلج أروى، نهض هيثم من مقعده، ورحب بها مهللًا، ثم دعاها للجلوس، واستقرّ على مقعده، وأخذ يتأملها لثوان قبل أن يسئل بهدوء :
_ زيارة غريبة يا رورو، واكيد في حاجة جابتك انهاردة، وقبل ما أعرفها تشربي إيه؟
ابتسمت أروى بهدوء، وقالت نافية :
_لا، لا مش عاوزة أشرب حاجة جاية اخد رأيك في كم حاجة كدا.
_ كلي آذان صاغية، بس هطلب لك عصير الأول.
قالها هيثم ملتقطًا سماعة هاتفه يطلب لها عصير ولنفسه قهوة، ثم عقد كفيه على المكتب أمامه، وقال :
_ قولي يا ست البنات.
ترددت أروى لحظة قبل أن تحسم أمرها، وتردف بنبرة متوترة:
_ سمعت كلامك صدفة أنت ولمياء وشوفت إزاي تعصبت وتوترت بس أنت هدتها، هو انت تعرف حاجة عنها؟ تفاجئت انها تعاصبت مع ان مفيش سبب معين لذلك فـ ده ليه؟
أطرق هيثم لوهلة ينتقي كلماته ثم نهض ودار حول المكتب حتى استقر أمامها وسئل بترقب :
_ عايزة الصراحة؟
_ أكيد.
عاد هيثم بظهره، وهو يقول:
_ملك على الأرجح بتعاني من كليبتومانيا او ما يُسمى بهوس السرقة.
شهقت أروى بارتياع وردت في رهبة:
_ أنت بتقول ايه؟ مش ممكن، لا، لا مستحيل، مستحيل لا إزاي.
_ اهدي عشان تفهمي كلامي وبلاش تقاطعيني.
شحب وجهها وتجمعت العبرات في عينيها وهي تنظر له بترقب وتنصت باهتمام، في آن تابع هو بعدما تنهد بآسى :
_ أنا لازم أقعد معاها، انا شاكك من الأعراض اللي عندها راقبتها اكتر من مرة وبقي عندي شبه يقين إنها بتعاني من هوس السرقة.
والكلمة مرة أخرى جعلتها تشهق ولم تستطع كبح دمعها فـ استمطرت مآقيها، أخذ هيثم نفسًا وهو يميل بجذعه هامسًا :
_ انا عارف أن الأمر صعب بس مش أكيد يا أروى، ليه العياط بس ده!
كفكفت أروى أدمُعها وجلجلت بنهنة :
_ مفيش مش بعيط، طب، طب كمل.
أمسك هيثم جبينه لوهلة، واعتدل في مقعده، واستطرد:
_ من اعراض مرض الـ كليبتومانيا شعور بتوتر زايد عن المعتاد والقلق والأثارة إللي بتأدي للسرقة، بيكون الشخص مرتاح وهو بيسرق بل وبتكون ليه متعة ومستمتع بذلك، وبعد السرقة بيحس بالندم والخوف أو بالعار وبيكره نفسه، لا يقدر المريض أن يتمالك نفسه وهو ببسرق بمعنى انها بتكون رغم عنه كدا أو مش حاسس بنفسه ولا يقاوم، وممكن ياخذ حاجات تافهة جدًا ليس لها قيمة… المرض بيكون سببه في بعض الأحيان إلى نشأة المريض.
سكت لهنيهة سامحًا لـ أروى أن تستعب الكلام، وتابع :
_ هوس السرقة يُعرف بأنه نوع من أمراض الهوس الخطيرة، وبالتحديد هو عجز الإنسان باستمرار علي أن يقاوم رغبته في سرقة الأشياء. تلك الأشياء أحياناً لا يحتاج إليها، وعادة قد تكون ضئيلة القيمة والمنفعة.
وبالتالي فإن هوس السرقة عبارة عن اضطراب لصحة الإنسان العقلية، إلا أنه في نفس الوقت يمثل مرضاً خطيراً، لأنه يؤدي لإصابة المريض بالعديد من الآلام العاطفية لما قام به من سرقة، وبالتالي يؤثر على أحبائه وأصدقائه. ويكون الأمر في غاية الخطورة في حالة لم يتم علاج المصاب، وهوس السرقة يُعد واحدٌ من أنواع اضطراب السيطرة على الاندفاع
ومن مضاعفات هذا المرض يا اروى:
اضطرابات في الشخصية.
اضطرابات في الأكل والنظام الغذائي.
الشعور بالاكتئاب والقلق.
اضطراب ثنائي القطب.
الأفكار المؤدية لمحاولات الانتحار..
ذادت الدموع في مقلتيها غير مستوعبة ما تستمع إليه، ففسر هيثم أكثر قائلًا :
_ لا أعني يا أروى السوء إلى ملك فهوس السرقة مرض، ومرضٌ خطير، هي لا تسترق بإرادتها وربما كل الذي تأخذه تلقيه فيمَ بعد لانها ليست بحاجة إليه…
قاطعته اروى تقول بقهر :
_ وإيه سبب المرض ده؟
رقت ملامح هيثم ولانت وقال بهدوء :
_ ملك لم تجتاز ما مرت به في طفولتها، الجميع ظن انها تخطت ذلك لكنها ما زالت حبيسة ماضيها، صدمة الأختطاف تلاه الجرح في عنقها الذي ادى لفقدها النطق، مشاكل حذيفة وأسماء تفرقهما كل هذه أسباب لم تتخطاها ملك، ملك ما زالت آسرة روحها الطفولية هُنالك.
طالعته أروى بنظراتٌ تائهة، كأن كل ما يقوله ضربًا من الخيال، هزت رأسها نفيًا بعدم تصديق لما يتفوه به، وغمغمت بنبرة مختلطة بالبكاء:
_ مش قادرة اصدق، لا، ملك بتعاني من كل ده؟! إزاي محدش فينا أنتبه!
الآن كأن عقلها استوعب بعض الذكريات فيمَ مضى، فتارة في بعض الأحيان كانت ملك تتوتر كأنها ارتكبت جرمًا لكن أحد منهم لم يبالي لقد ظنُ الأمر عاديًا، هجوم ذكريات حسبنها غير هامة تهاجمنا فجأة لشيءٌ مؤلم، تأنب الضمير، وتأجج نيران الصدر، ويظل بين الحنايا نارًا لا نستطع أخمادها بشتى الطرق فنستسلم بحرقها لنا كما تشاء.
لم يقاطع هيثم شرودها الذي طال بل كان متفهمًا جدًا تاركًا لها فرصة الأستيعاب، وبغتة سئلت بنبرة شاردة :
_ طب العلاج! في علاج مش كدا!
مال هيثم متنهدًا، وقال :
_ الأهم من العلاج حاليًا إن ملك تعترف بمرضها وبعد كدا العلاج سهل بإذن الله.
أومأت أروى بسرحان، واستأذنت لتغادر وما همت بالقيام إذ أوقفها سؤال هيثم فعادت جالسة :
_ أنتِ ليه مروحتيش لـ مالك؟
تبسمت أروى وأردفت بنبرة ثقيلة :
_ مكنتش عارفة هفتح معاه الموضوع إزاي خاصةً إنه خاص بملك، ثُم إن مالك مش ملاحظ إي حاجة عنها، والحاجة التانية إنه ما زال تحت التدريب يا دكتور.
ضحك هيثم بهدوء وأوصلها إلى الباب، و ودعها، تلقت أتصال من شيماء تطلب منها الذهاب لشراء بعض الثياب التي تحتاجها وطلبت منها أن يتقابلوا هُنالك في المحل فوافقت أروى واستقلت سيارة أجرة للذهاب، وصلت بعد وقت وراحت تنتظر شيماء أمام باب المكان حتى تأففت بملل وقررت أن تدخل تتفحص الثياب ربما يعجبها شيء، وقفت أمام واجهة زُجاجية تتفحص الفستان المعروض الذي راق لها وفجأة جحظت عينيها، وانفرجت شفتيها، مع مرآها لحمزة يقف بجانب فتاة داخل المحل تضاحكه، قريبين من بعضهما، فأججت نار الغيرة فؤادها وقطبت حاجبيها وهي تلج ملقية السلام فـ ابتعدت الفتاة، وانصدم حمزة من رؤيتها.
نظراتها العاتبة جعلته يجز على أسنانه غضبًا، بينما اقتربت منها الفتاة تسئل إذ أعجبها شيء تود أقتناءه فسئلت عن الفستان.
وبينما كانت الفتاة تأتي لها بألوان أخرى، اقترب حمزة بخطوات حثيثة وهمس بحدة :
_ امشي من هنا يا أروى بسرعة، إيه جايبك!
فردت بعناد وبصوتٍ خفيض :
_ هو دا اللي في مهمة!
_ امشي وهفهمك كل حاجة!
_ حمزة تعال محتاج لك.
قالها رجل يقف امام عتبة المحل فهز حمزة رأسه له وشحب وجهه فجأة وهو يشير لها بالرحيل في الخفاء لكنها لم تبال واخذت الأمر تحد، وقدمت لها الفتاة الفساتين حتى استقر اختيارها على احدها، اجرت أتصال على شيماء ولم تجيب الأخرى، فنفخت بضيق وأخذت الفستان لتقيسه في البروفا التي أخذتها إليها الفتاة، فدخلت اروى للداخل وهي تستدل الستار جيدًا وبدون أكتراث تركت الفستان من يدها وهي تهتف مغضبة :
_ ماشي يا حمزة والله ما امشي غير لما اعرف مين دي؟، قال في مهمة قال مهمة إيه في محل بيع دي، آه…
صرخت أروى حين انفتحت خشبة البروفا التي كانت تقف فوقها ويسقط جسدها بصورة مخيفة ولم تستمع إلى صوت ارتطام مدويّ ثُم أظلمت الدنيا في عينيها و فقدت الوعي…..
تُرى أين سقطت أروى؟
لماذا أعترى حمزة الخوف؟
هل ينقذها أما إنه سيكون قد فات الآوان؟
كيف يتم اقناع ملك بمرضها؟
والأحرى من كل ذلك من ذاك الغريب الذي راقب خديجة وحادثها؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صيام الأثنين يا أحباب الله غدًا.
فهل من صائم؟ فللصائم دعوة لا ترد، وحسناتٌ لا تُحصى، بل ويدخل من باب الريان إلى الجنة … فهل من مغتم؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية  كاملة اضغط على : (رواية جحر الشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى