روايات

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الخامس عشر 15 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الخامس عشر 15 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء الخامس عشر

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت الخامس عشر

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الخامسة عشر

ظل الشباب جواره لأكثر من ساعتين، وبعد إصرار “عدي”، اتجهوا للمغادرة وأخبروه بأنهم سيعودون بعد وقت راحة قصير، ولم يتبقى بصحبته سوى عمر بعد أن فشل عدي بالسيطرة على عناده، اتجهوا معًا لمرآب المشفى، فتفاجئ”أحمد” بصندوق سيارته المفتوح على مصرعيه، فأتاه صوت مازن المستنكر:
_حازم فطس ولا أيه؟
بسخريةٍ أجابه أحمد:
_ولا يفرق معانا.. الفارق دلوقتي شنطة عربيتي اللي سابها الحيوان بالشكل ده!
كبت ياسين ضحكة كادت بالانفلات منه، وسأله بجدية:
_هو راح فين طيب؟
مقاطعة معتز لحديثهم كانت بمثابة اجابة صريحة، اتجهوا اليه فوجدوه يشير لنهاية المرآب، وحينما اقتربوا وجدوه يجلس جوار أفراد الآمن وأخبرهما وهو يرتشف كوب الشاي الساخن:

 

_بس يا سيدي ومن وقتها وهما بيعاملوني أسوء معاملة، وكانوا عايزين يتخلصوا مني عشان الورث اللي سابهولي أبويا اللي يرحمه فحبسوني بشنطة العربية عشان الاكسجين ينقص ونفسي ينجلط وأموت بعد عنكم وعن السامعين.
بدت علامات الشفقة والتأثر على الشابين، فارتشف حازم من الشاي بتلذذ وهو يستمع لاحداهما يخبره بضيقٍ:
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، معقولة الفلوس تعمل كده بين الاخوة.
رد عليه حازم بتأكيدٍ:
_وأكتر من كده كمان.. بس أنا عشان ربنا بيحبني بعتكم ليا في الوقت ده بالذات عشان تنجدوني!
أجابه الاخر بدهشةٍ:
_ده مطرحنا يا بيه هنرحوا فين يعني!!
ورسم ابتسامة صغيرة وهو يسترسل:
_المهم انك بخير يا واد عمي.. وربنا يرحمك من خواتك الظالمة دول.
رفع “حازم” كلتا يديه وهو يؤمن :
_آميـــــــــن يا رب.
شُلت أطرافه حينما كمشه أحدٌ من تلباب قميصه، وكأنه يتنشله من وسط مياه البحر التي تغرق جسده، حانت منه نظرة جانبية لمن يقف جواره، فابتلع ريقه بصعوبةٍ بالغة، ثم رفع يده وهو يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه:
_هما اللي فهموا غلط!
وقف رجال الأمن من جواره، فتساءل احدهم بدهشةٍ:
_مين دول؟

 

لف جاسم ذراعه حول رقبته وهو يجيبه بحدةٍ:
_احنا اخواته اللي بنحاول نتخلص منه ليك شوق في سؤال تاني!
ارتعب الشاب وهو يوزع نظراته بينهم بخوفٍ لحق حديثه المرتجف:
_لا تأذونا ولا نأذيكم يا باشا.. خدوا أخوكم وتوكلوا على الله.
أجابه رائد ساخرًا:
_يا عم احنا لا عايزينه ولا طايقين نشوف خلقته أساسًا.. ده كارثة منتقلة لو اتساب على العالم هينقرض!!
أضاف ياسين بمزحٍ وهو يلف كتف الشاب:
_سيبك منهم يا أخينا وقولي أنت تحب تأخد كام وتتبنى المرحوم!
اتسعت حدقتيه رعبًا، فدفع حازم بسخطٍ:
_هو ده يندفع فيه كُمان!!!
رفع أحمد يده بتسليةٍ وهو يشير لاخيه:
_شوفت جبنا حاجة من عندنا؟
جذبه معتز بالقوة ليدفعه تجاه سيارة أخيه وهو يشدد بسخرية:
_يلا يا حلوة خشي بيتك البحري اللي اتعودتي عليه بدل ما نخلص هنا قدام اصحابك.
ازدرد ريقه بتوترٍ، فاندفع تجاه صندوق السيارة ثم اشار للشابين قبل أن يغلق الصندوق؛
_سلام يا رجالة نتقابل مرة تانية لو لينا عمر.
جز أحمد على بغيظٍ، فأغلق باب الصندوق بقوة طرحت الاخير أرضًا..
*******

 

حرك يده المكبلة بالأغلال بصعوبةٍ بالغة، وهو يحاول التماسك أمام سيل الضربات القاتلة التي يتلاقاها على يد “عثمان” مسؤول حرس “ياسين الجارحي”، ارتجف جسده رعبًا حينما نهض من يرمقه بعينيه الثاقبة، فاقترب منه وصوت حذائه الثابت يجلده كالسوط الغليظ، ذاك الرجل بالرغم من كونه حسن الوجه الا أن لثباته واتزانه رهبة تزلزل من يجابهه، ابتلع”مصطفى” ريقه بتوترٍ حينما وجده يرفع وجهه اليه، ومن ثم تحرر صوته وهو يخبره بخشونةٍ:
_هتتكلم يعني هتتكلم حتى لو اضطرينا نقطع لحمك لكلاب السكك.
حرك لسانه بصعوبة، ليجبره على تردد تلك الكلمات الملقنة:
_ما انا قولتلك يا باشا، مفيش حد ورايا أنا اللي كنت راجع انتقم من عدي بعد ما رماني بالسجن كل السنين دي!
هز ياسين رأسه بثقلٍ، وفجأة هوى على وجهه بصفعةٍ أطاحت الدماء على شفتيه، فلف شعره حول يده وهو يردد بهدوءٍ لا يتطابق مع عنفه الشديد معه:
_متفكرش انك ذكي وهتخدعني.. أنت سبق واتعاملت مع ابني المفروض بعد اللي عمله فيك تفكر مرتين وأنت بتتعامل مع اللي رباه!
تذكرة مقبضة صرح بها اليه، فإن ذاق ما فعله به عدي ماذا سيفعل به ياسين الجارحي؟، تركه ياسين ثم انتصب بوقفته واضعًا كلتا يده في جيوب جاكيته الرمادي، فمر من أمامه ذهابًا وإيابًا متعمدًا ازعاجه بصوت حذائه، ومن ثم وقف قبالته وهو يخبره بغموضٍ:
_علاقتك أيه بمهاب أبو العزم!

 

جحظت عينيه رهبةٍ، بعدما تسلل إليه أول الخيوط، فأنكر بجنونٍ:
_معرفوووش.. مسمعتش عنه قبل كده!
الربكة التي تسيطر عليه جعلت ياسين يتأكد من حدثه، فأشار بعينه لعثمان الذي أومأ برأسه وأشار لرجاله فهاجموه بركلاتٍ حادة جعلته يردد بألمٍ قاتل:
_خلاص.. خلاص هتكلم.
رفع ياسين أصبعه لرجاله فابتعدوا عنه، بينما اتجه لمقعده، فجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى وهو يردد بعزةٍ:
_سامعك!
هز رأسه باستسلامٍ وهو يباشر اعترافه:
_أعرفه.. انا من رجالته.
سأله بشكلٍ مباشر:
_اتعرفت عليه فين!
نال منه خوفه بالدرجة التي تثاقلت انفاسه، فرجل خطيرًا مثله ربما يكون على دراية بأمجد السلاموني، إن أخبره بأمر السجن ربما سيشك بأمره، لذا قال:
_بعد ما خرجت من السجن ومن يومها وأنا شغال معاه.

 

بسمة ساخرة لاحت على وجه ياسين، فتعمد التحلي بالصمت قليلًا ليلعب على أعصاب فريسته ومن ثم ردد بخبث:
_يعني أنت ومهاب اتحالفتوا على ابني.. طب أنت عدواتك معاه معروفة، عداوة مهاب أبو العزم أيه سببها؟!
راقبه بارتباكٍ وهو يشير له بعدم علمه، فرفع رأسه تجاهه ليواجهه بنظرة مقبضة قبل أن يردد بثباتٍ:
_مين اللي وراك أنت وهو؟
رفع أحد حاجبيه بذهول، فاستطرد بمكرٍ:
_خليني أجاوب أنا على السؤال اللي وترك ده.. أمجد السلاموني اللي نهايته مش فاضلها غير القليل!
اتسعت حدقتيه صدمةٍ، فإن كان قريبًا لتلك الدرجة من المؤكد بأنه قريب لكشف سر مهاب أبو العزم، ان علم بأنه نفس الشخص سيقتلهما معًا، جاهد للتحلي بالقوة الزائفة وهو يخبره:
_أنت متعرفش هو يقدر يعمل أيه.. خرجني من هنا قبل ما يبدأ حربه عليك وعلى عدي.. زمانه عرف باللي حصلي.
رسم ياسين ملامح الخوف بنجاحٍ وهو يردد بصدمةٍ:
_هيعرف منين باللي حصلك..
تمردت قوته الخاضعة من خلف رهبته حينما نجح ياسين بإيصاله لتلك المرحلة، فقال:
_رجالته في كل حتة وأكيد هيوصلولي في أي وقت.
ارتسمت على معالمه بسمة مستهزئة، فدنا حتى أصبح قريبًا منه ثم قال:

 

_تقصد ده؟
اتبع اشارة يده، فوجد عثمان يدلف للمخزن وهو يدفع احدًا معصوب العين، ومن ثم ازاح عنه العصبة وألقاها اسفل اقدامهما، تهاوت كل ذرة شجاعة امتلاكها حينما وجد الحارس المخلص لهم مكبل بالاغلال، ينازع للحياة بعد ما تعرض له من ضرباتٍ قاتلة، احتدت نبرة ياسين وهو يصيح به:
_ودلوقتي مفيش قدامك اي اختيارات تانية غير انك تتكلم وتقولي مكان أمجد ده فين؟
******
وصلت السيارات للقصر، فتوجهوا جميعًا لغرفهم بإرهاقٍ شديد، بعدما قضوا الليل مستيقظين للاطمئنان على عدي، كان أحمد بطريقه لغرفته حينما وجد “نور” تهبط للاسفل بتعبٍ شديد، تحمل “حور” على يدها وتمسك باليد الاخرى رحمة، اسرع اليها وهو يلتقط الصغيرة عنها، فسألها باستغرابٍ:
_راحة فين وانتي بالحالة دي يا نور؟
اتكأت على درابزين الدرج بتعبٍ يبدو عليها، وأجابته:
_راحة اطمن على رحمة.. وكمان روما مش راضية تبطل عياط من غير ما تطمن على عدي هخدها معايا.
ربت على الصغيرة الباكية بين ذراعيه، ومن ثم قال بضيقٍ:
_مينفعش تخرجي وانتي بالحالة دي.. رحمة كويسة وبخير.. كلميها على الموبيل وهي أكيد هتتفهم حالتك!
لمع الدمع بحدقتيها، فامتزج بصوتها الحزين:

 

_مش ههدأ غير لما أشوفها بنفسي.
اتاه ردًا بصوت رقيق يخبره:
_وفر طاقتك يا أحمد.. انا من الصبح بحاول معاها أنا ونسرين ومفيش فايدة.
تلقائيًا رسمت ابتسامة ساحرة على وجهه حينما وجد زوجته تقترب منه، منحته أسيل ابتسامة صغيرة قبل أن تلتقط عنه الصغيرة، فحاولت أن تهدهدها وهي تشير له:
_روح أنت ارتاح يا حبيبي وأنا هحاول معاها محاولة فاشلة قدام عناد نور اللي مبينتهيش.
ذمت الاخيرة شفتيها وقد بترت كل ذرة حزن بداخلها، لتجيبها بشراسةٍ:
_مالها نور يا أسيل هانم؟ يلا أنا بقالي يومين مستفرضتش بحد وشكلي هستفتح بيكِ!
تهدلت معالم آسيل بيأس، فربتت على ظهرها وهي تشير لها بابتسامةٍ واسعة:
_أنا أقدر يا حبيبتي.. روحي انتي ورحمة المستشفى وأنا هخلي بالي من حور لحد ما ترجعي.
ببسمة رضا رددت:
_كده تعجبيني.. خدي بالك من البت لحد ما نرجع.
وأشارت للصغيرة المتعلقة بيدها:
_يلا يا حبيبتي..

 

هبطوا معًا للأسفل، فاوقفتهما مليكة وهي تكاد تسرع للدرج:
_استني يا نور أنا جاية معاكِ.
عدلت من عقد حجابها جيدًا ثم هبطت للاسفل، فوجدت ياسين يتجه للدرج وما أن رآها حتى اتجه اليها فقال وهو يتفحص ثوبها الواسع الرقيق:
_رايحة المستشفى؟
أكدت له ذلك، وأخبرته:
_مجاليش نوم ومصدقت الصبح طلع عشان اطمن عليه.
تورم عينيها كان كفيل بنقل ما اختبرته هنا بدونه، ضم رأسها لرقبته وهو يطبع قبلة على جبينها محاولًا ليطمنها:
_عدي كويس وفاق.. وأنتِ بنفسك هتشوفيه.
ودت لو تمكنت من ضمه ولكن بوجود الفتيات تراجعت للخلف وهي تمنحه ابتسامة صغيرة، عاد ليجذب مفتاح سيارته عن الطاولة واشار لهما:
_هوصلكم بعربيتي.

 

اعترضت مليكة بتشددٍ:
_لا طبعًا مش هسمحلك أنت راجع تعبان ومحتاج تنام.
أخبرها ببسمة تنجح بالتسلل لقلبها دومًا:
_هوصلكم وهرجع أنام.
تلك المرة قاطعته نور حينما قالت:
_مفيش داعي يا ياسين أنت سهران طول الليل أطلع ريح شوية واحنا هنركب مع السواق.
أصرت مليكة عليه، ومنحته عذر ليلهي ذاته حينما قالت:
_خليك عشان تقدر ترجع لعدي بعد ساعة او اتنين.. وخد بالك من يحيى لحد ما أرجع.
أومأ برأسه باستسلامٍ فغادروا بينما استكمل هو طريقه للأعلى، ولكنه اتجه لغرفة ابنه، فوجده مازال يغفو بنومٍ عميق، فمازالت الساعة لم تقارب على الثامنة صباحًا بعد، حرر ياسين الستارة عن مرقدها ليضمن عدم انزعاجه بالضوء، ثم خلع عنه قميصه وتمدد جوار ابنه، فجذبه لاحضانه وغفى سريعًا بإرهاقٍ!

 

******
جفاها النوم ومازالت تنتظر عودته، مضت ساعة كاملة منذ ان حدثها عبر، الهاتف، وأخبرها بأن عدي استعاد واعيه وحالته استقرت بشكلٍ كبيرًا، حتى أنه سيعود برفقة الشباب بعد قليل، فظلت “مروج” بانتظاره، فُتح باب غرفتها، فنهضت عن فراشها وأسرعت للباب، عينيها تتمنى أن يكون هو، فحينما كانت تسكن بشقة صغيرة كان قلبها يتغرد بالسعادة فور سماع نغمة مفتاحه الخاص، ولكن الآن باتت بوكر الحبايب بأكملهم، ترى من سيكون أبيها أم والدتها، أو ربما معتز أخيها الذي لا ينفك عن تركها بمفردها بعد ما تعرضت له، تهللت أساريرها حينما وجدته هو، ركضت اليه فضمها حتى رفع جسدها عن الأرض، شدد من ضمها وأنفه تستنشق عبير خصلات شعرها التي اعتاد على رائحة الياسمين التي تضعها باستمرارٍ، ظلوا هكذا لمدة احتاج بها التأكد بأنها جواره وبين يديه، تحتاج هي للتأكد بأن كابوسها مضى والآن عادت لمقرها الآمن، فهمست بصوتٍ مختنق بالدموع:
_كنت خايفة مرجعش ومعرفش أشوفك تاني!
مال على أذنيها فطبع قبلة وهو يخبرها:
_اللي فات جزء مش مهم.. المهم انك هنا ومعايا!
بعدت عنه لتمنحه نظرة حبسته خلف وجعها وهواجس هاجمتها بمفردها، فقالت:

 

_بعتلك على موبيلك وانا جوه الاسانسير.. اتمنيت انك ترد عليا وأسمع صوتك قبل ما يجرالي حاجة.. حتى لما كنت بالمكان ده كنت محتاجة احس انك مستحيل تتخلى عني.
ضم وجهها بين يديه ويدها تحاط باصابعه التي تضم خاتم زواجهما المميز، فقال بوجعٍ اخترقها دون معافرة:
_أتخلى عنك ازاي وانت جوايا!! أنا كنت بعد كل لحظة عشان أرجع اشوفك قدامي.. والحمد لله ربنا مأردش يفرقنا بالنهاية البشعة دي.. ربنا كتبالنا نعيش مع بعض الباقي من حياتنا.
ابتسمت وهي تقبل يده، فجذبها اليه ومن ثم حملها ليضعها برفق على الفراش، تمدد مازن لجوارها وضمها إليه بحنانٍ يود به تعويضها عما خاضته، فاستقبلته بشوقٍ وعاطفة أججت مشاعرهما الصادقة!
*******
اتجه للخروج من المخزن، بعدما تأكد من صدق حدثه، وبقى لغز وجود “أمجد السلاموني” مجهولًا بالرغم من محاولاتٍ رجاله المستمية معه لمعرفة أي دليل قد يساعده، اتجه ياسين لسيارته القابعة على بعد من المخزن، فوجد يحيى يتكأ بمرفقيه على مقدمتها، وما أن رآه حتى هم إليه وهو يتساءل باهتمامٍ:
_ها يا ياسين قدرت تعرف منه حاجة؟
منحه نظرة عميقة تطل على صداقة عريقة، دامت لأكثر من أربعون عامًا، لم يتخلى يومًا عنه حتى بعد أن واجهه يحيى بعد عودته للقاهرة بتغيره الصريح، فقدم له نصائح بالا يفتعل تحديات قد تجعله يخسر ابنه من جديدٍ، فتفاجئ بما يخفيه ياسين، حتى وإن ازم الأمر وقتًا ولكنه بالنهاية لم يتمكن من حجب سرًا عنه قط، دنا منه ياسين وبضيقٍ قال:

 

_بيقول ميعرفش مكانه.
حانت منه نظرة شك لما يدور برأسه، فسأله:
_وأنت مصدق أيه؟
مال بجسده للسيارة، ثم وضع يده بجيب جاكيته وهو يجيبه:
_الواد ده عارف كل حاجة.. بس زي ما أنت شايف ضاغطنا عليه بكل السبل، أكتر من كده هيموت وساعتها مش هنوصل لحاجة.
بتعصب شديد قال:
_يعني أيه هنفضل ساكتين لحد ما يتعرض لعدي مرة تانية؟
اجابه بهدوءٍ وبنظرة تحمل المحبة لعصبيته تلك:
_مش هيحصل يا يحيى.. انا قادر أحمي ابني لأخر يوم في عمري… ولو حكمت يومي هيكون قبله!
نكس رأسه بحزنٍ، فعبست معالمه وهو يحاول التودد له بما يود قوله، ابتسم ياسين على طريقة صديق الطفولة التي لن تتخلى عنه، حينما يود التحدث عن أمرٍ قد يثير غضبه يبدو كالطفل الصغير الذي يهاب أبيه وقت غضبه، فقال بشكٍ:
_عايز تقول أيه؟

 

رفع عينيه إليه، ثم قال بضجرٍ:
_أنا مش قادر أسامح نفسي اني رفعت ايدي على رائد، بس صدقني انا كنت عاجز وأنا الوحيد اللي في وسطهم عارف الحرب اللي أنت فيها عشان تحمي عدي، مقدرتش اقف واشوف خطة الكلب ده بتنجح انه يفرق بينهم ويستهدف عدي.
انتصب بوقفته وهو يتساءل بجدية:
_قصدك أيه؟
نفث هواء عميق عالق بداخله قبل أن يخرج هاتفه ويطرح احد الفيديوهات من أمامه، للحاوية (التريلا) التي تحاول بكل السبل اصابة سيارة رائد حتى تدخل عدي وقلب سباق الموتى لصالحه هو، ابعد يحيى الهاتف عنه ثم قال:
_واحد من الرجالة قد يمسح الكاميرات من البنزيمة اللي على الطريق.. لو ركزنا في الكلام اللي قاله رائد وفي المقطع ده هتعرف انه مكنش مستهدف عدي.. كان عايز يخلق فتنة بينا واللي اخرها ان عدي اللي اتسبب في الحادث لرائد.. من البداية هو عارف بالخناقة اللي جوه القصر وعارف بكل اللي بيحصل والحمد لله انك وصلت للحارس اللي كان بيوصله كل حاجة.
واسترسل بعصبية بالغة:
_من البداية ونيته واضحة، لما خطف مروج وحط مازن في مواجهة عدي، كان قاصد انه يفرق بينهم… الشخص ده مش سهل يا ياسين وعارف هو بيعمل أيه كويس، بيفصل عدي عن كل اللي بيحبوه وبيسانده.. وهيجي اليوم اللي لو شك انك بتحميه منه مش بعيد يحاول يتخلص منك شخصيًا!!

 

تمرد غضبه عن مجال سكونه وهدوئه، ففتح باب سيارته وأشار ليحيى بشراسةٍ:
_خليه يهاجمني على الأقل يكون قادر يخرج من جحره عشان يواجهني.
ثم تابع وهو يغلق الباب من خلفه؛
_خليك مع عثمان يمكن تقدر تعرف منه حاجة.
تقوس حاجبيه بتعجبٍ:
_طب وأنت رايح فين!
قال وهو يلف يستعد للقيادة:
_هاخد ياسين لعدي زي ما وعدته.
وتحرك بالسيارة للقصر ليجد الاخير بانتظاره بصحبة آية، فتحرك بهن للمشفى ليحقق وعده الذي منحه اليه فور عودته للمنزل.
*******

 

مضى على غفلته ما يقرب الساعة، ففتح عينيه بتعبٍ وألمًا يسري لقدميه، حاول عدي التملص برقدته ولكنه لم يستطيع فقدميه تعيقه عن الحركة، تطلع لنهاية الفراش فوجد “عمر” يغفو فوق قدميه بإرهاقٍ اكتسبه بعدما قضى ليله وجزء من النهارٍ برعايته وتقديم الادوية إليه بالموعد المحدد قبل أن تدخل إحدى الممرضات للقيام بمهامها، حتى الأبر الطبية كان هو من يحقنها بنفسه، تسللت بسمة صغيرة على شفتيه وهو يراقبه، فمرر يده على ظهر أخيه بحنانٍ، ود لو تمكن من الوقوف على قدمه ليعاونه على التمدد محله ولكنه يجاهد للاعتدال بجلسته بتعبٍ يغزو أضلاعه!
لذا تمدد على ظهره وتركه يغفو بهدوءٍ، حتى بعد أن مرت نصف ساعة يشعر بها عدي بالملل لبقائه على الفراش هكذا، ولكنه احتمل حتى لا يوقظه، دق هاتف عمر عدة مرات فخشى عدي بايقاظه، لذا سحبه ببراعةٍ من جيب جاكيته، فأدمعت عينيه تأثرًا حينما وجده المنبه ومدون على شاشته (أدوية عدي)، يخشى أن تطول غفوته فينسى علاجه بالرغم من وجود الكثير من الممرضات الاتي تشرفن عليه بأنفسهن!
رمش بعينيه بتكاسلٍ، فكاد بالسقوط عن المقعدٍ، استيقظ عمر وفور فتحه لعينيه اتجه للفراش، فتفاجئ به مستيقظًا، عبث بعينيه وهو يردد بنومٍ:
_مصحتنيش ليه؟

 

منحه نظرة ساكنة، فجذب عمر الدواء عن الكومود الطبي، ومن ثم رفع رقبته ليعاونه على ارتشاف بعض المياه بعد تناول الحبوب الطبية، وساعده ليستلقى من جديدٍ، جذب عمر مقعده لجوار الفراش، وبحماسٍ قال:
_شايفك أحسن من امبارح، الحمدلله.
مال عدي برأسه إليه ثم قال ببسمة يحوم بها الخبث:
_ياسين قالي على اللي عملته في معتز ورائد عشاني!
حل الوجوم على وجهه لدقيقةٍ، ثم قال بضيقٍ:
_مكنوش عايزين غير كده.. اتمادوا بكلامهم وكانوا عايزين اللي يحطلهم حد، مكنوش احترام لأعمامي عشان كده كان لازم أتدخل..
واسترسل بغضبٍ:
_رائد متهور ومعتز مندفع، لا ده قادر يهدى ويفهم ولا التاني قادر يسمع ويستوعب.
واستكمل حديثه باندفاعٍ يخفيه داخله:
_اتمادوا بكلامهم عنك وناسين ان البيت ده فيه مراتك واولادك والاهم أنا وياسين الجارحي..
وبمزحٍ حاول به يخفف حدة انفعالاته قال:
_وما بالك من أنا بقى.. أطيق العمى ومطقش اللي يجيب سيرة حد من عيلتي مش تؤامي!
ابتسم عدي وهو يشير له باحد حاجبيه، حركته الشهيرة التي ورثها عن أبيه:
_فاجئتني حقيقي يا عمر.
ووضع يده على كتفه وهو يخبره بحزنٍ:

 

_خليك زي ما أنت اوعى تتغير، أنت أحسن واحد جوه قصر الجارحي.
ضحك وهو يمازحه:
_مش للدرجادي يا وحش.. هنيجي فين جنبك أنت وياسين الجارحي!
تعمد الضغط على كتفيه وهو يشدد على حديثه بجديةٍ:
_أنت أحسن مننا يا عمر.
وضمه اليه، فادمعت عين عمر وهو يتعلق به، ورغمًا عنه انسابت دمعاته على كتفي عدي العاري، واتبعه صوته الباكي:
_قلبي كان هيقف أكتر من مرة وانت جوه باوضة العمليات.. أنت مش اخويا وبس انت مشاركني في كل حاجة حتى وجعك بحس بيه من قبل ما تتكلم..
وابتعد عنه ليزيح باصابعه الدمعات العالقة باهدابه وهو يتابع:
_الفرق ممكن يكون بينا دقايق بس بحسك أكبر مني بسنين، بشكيلك وجعي وأنا واثق انك هتساعدني وهتحل كل مشاكلي بعقلك وحكمتك اللي اخدتها من بابا.. حتى لو عملت غلطة بتحامى فيك من غضب ياسين الجارحي، وأنت طول عمرك بتنسب الغلط ليك وبتتحمل عقابه بدل مني!!
ضحك بصوته الرجولي المسموع، وترك بقوةٍ على كتفيه وهو يخبره بضحكٍ:
_أنت جاي تقلب عليا مواجع الطفولة ليه يا دكتور.. عيون ياسين الجارحي في كل مكان وزي ما أنت شايف أنا لا قادر لا لمناقشة ولا لمواجهة!
شاركه الضحك، فعدل من جاكيته وهو يتصنع ثبات اباه القاتل:
_متقلقش أنا جنبك هحميك لحد ما ربنا ياخد بيدك.. وبعد كده معرفكش.
هز رأسه بسخطٍ:
_أخرك دقيقتين قدام ياسين الجارحي لو صمدت أكتر من كده تبقى بطل!
همس بصوتٍ مضحك:

 

_مش لو صمدت الدقيقتين طموحاتك مدمرة سقف الاحلام!
قاطع حديثهما المرح صوت تأويهات خافتة من خلف الستار العازل لسرير رحمة، فتحته وهي تحتضن مقدمة رأسها في محاولةٍ للتغلب على تأثير الادوية التي تجبرها على النومٍ بشكلٍ مبالغ به، رددت بخفوتٍ وهي تجاهد ذاك الدوار الحاد:
_عدي!
امسك عمر معصمها حتى وصلت لمقعده المجاور لسريره، راقبته بنظرةٍ متفحصة ثم سألته بلهفة:
_بقيت أحسن؟
تأمل وجهها الشاحب بنغزة تصيبه ألمًا فوق ألمه، فقال بصوت رخيم جذاب:
_أنا كويس يا رحمة.. اهتمي انتي بنفسك!
وجذب العصير المغلف من أعلى الكومود ثم ناوله لها وهو يصر على أن تتناوله، فقال عمر وهو يراقبهما ببعض الصمت:
_عدي معاه حق.. حالتك مش سهلة يا رحمة كلي وخدي ادويتك بانتظام.
اعترضت على الدواء الذي يناوله لها معللة بضيقٍ:
_لا مش عايزة بمجرد ما بخده بنام ومش بحس باللي حواليا.
اشار لها قائلًا:

 

_معلشي هي أغلب المهدئات كده.. وبعدين ده لفترة قصيرة لحد ما تتابعي مع دكتور نفسي كويس.
هزت رأسها باستسلامٍ، فتناولت قطعة صغيرة من المعجبات ومن ثم التقطت منه الدواء، حمل عمر حقيبة الدواء جانبًا ثم أشار لعدي قائلًا:
_هنزل أغسل وأصلي وراجع لو احتاجت حاجه رنلي.
أشار له فغادر عمر متعمدًا تركهما بمفردهما لقليلٍ من الوقت، فمن المؤكد بأنها تحتاج للاطمئنان على زوجها، انعكاس حزنها الحائل بحدقتيها دفعه لسؤالها بقلقٍ:
_مالك يا رحمة؟
رفعت عينيها اليه ببطءٍ، ومن ثم تهاوت بانكسارها وهي تردد:
_كنت نسيت قلقي وخوفي عليك من بعد ما سبت شغلك.. مخاوفي كلها رجعت تطاردني تاني يا عدي!
اعتدل بجلسته بصعوبة ليكون قبالتها، فقال بتريثٍ:
_ده قدر ومكتوب يا حبيبتي… هشوفه حتى لو كنت جوه بيتي.. والحمد لله أنا قدامك كويس ومفيش فيا حاجة.
منحته نظرة حزينة، فداعب ذقنها بإبهامه بعدما احتضن جانب وجهها بيده:
_كل ازمة اتعرضنا ليها بتعدي مع كل الصعاب طول ما احنا جنب بعض يا عمري!
ابتسمت فخفق قلبه تأثرًا بابتسامتها، يا الله مصير قلبه البائس قابع بين طرفي أصابعها، ان ابتسمت ابتسم للعالم حبًا وعشقًا لها وللحياة، وإن تهاوت دمعاتها غمرته غمامة كحيلة تهاجمه بظلامٍ يكسر أجنحته وتحرره من حريته ليصبح أسيرًا لا يشوبه سوى حلم التحرر!
على طرق الباب الذي تغاضى عن مسمعهما، سمح عدي للطارق بالدخول، فدخلت نور بصحبة ابنته التي ما أن رأته حتى هرعت اليه باكية بطفوليةٍ، ضمها عدي اليه وبدى متفاجئًا من وجودها، والاخيرة تتعلق برقبته وتردد ببكاء مرير:
_بابــي.

 

ربت على ظهرها بحزنٍ شديد لسماعه بكائها المتعصب، فتطلع لنور وقال بانزعاجٍ:
_جبتيها هنا ليه يا نور؟
علمت بأنه لا يود أن تراه بتلك الحالة، فبررت له:
_رفضت انها تقعد.
حاولت رحمة حملها عنه، ولكنه رفض وأصر على خروجهما، فاستغلت نور ذلك واتجهت برفقة رحمة للحمام حتى تساعدها على الاغتسال وتغير ملابسها..
مالت الصغيرة برأسها على كتف عدي الأيسر، واخبرته ببكاء:
_أول ما شوفت الاخبار مصدقتش حاولت اكلم حضرتك على الموبيل ولما مجاوبتنيش عرفت انها مش أشاعة!
مرر يده على خصلات شعرها الطويل بحنانٍ، والابتسامة لا تفارق ثغره:
_هما الصحافة كده.. دي لعبتهم اللي بتأكلهم عيش حتى لو على حساب الغير!
استكانت بين يده وهي تستمع اليه، حديثه يطمئنها بأنه على ما يرام، ابعدها عنه عدي ثم ازاح دمعاتها وهو يخبرها بمشاكسة:
_كل ده عشاني.. مش كنتي مش طايقاني عشان الرحلة.. فجأة سبتيها وجيتي!
ابتسمت وهي تزيح دموعها وتخبره:

 

_رحلة أيه بس يا بابي أهم حاجة صحتك!
قبلها عدي وضمها اليه مجددًا، فسألته بصوتٍ خافت:
_هي مامي مالها، هي تعبانه هي كمان؟
مال على رأسها وهو يمرر يده على خصلاتها الطويلة:
_لا يا حبيبتي.. هي بس مبتحبش تسبني لوحدي!
*****
بالأسفل..
صعدت مليكة خلف نور برغبة منها، وقبل أن تتجه للمصعد وجدت عمر يخرج من أحد الغرف، فأشار لها بانتظاره، صعدوا معًا للمصعد فعاتبها بضيق:
_أيه اللي، جابك يا مليكة وانتي بالحال ده، ما انتي كلمتيني أكتر من مرة وطمنتك؟
احتضنت بطنها المنتفخ ببعض الألم، ثم قالت:
_مكنش ينفع يا عمر.. انا قلقانه عليه ومحتاجة اتطمن بنفسي.
هز رأسه بتفهمٍ، فاخرج هاتفه ليتفحص اخر رسائله فتفاجئ بانغلاقه، تساءلت باستغراب حينما وجدت معالمه قد تبددت تماما:

 

_في أيه؟
اشار لها بمرح:
_التليفون فصل شحن!
ضحكت وهي تسأله:
_وعايزه في ايه طيب.
اجابها وهو يضغط على زر الطابق العلوي:
_كنت حابب اطمن على نور كان باين عليها امبارح انها تعبانه.
ضحكت وهي تخبره بمشاكسة:
_متقلقش هتلاقيها فوق مع رحمة.
_بجد!
أكدت له وهي تجاهد شعورها بالألم:
_أنا جاية معاها بس قولتلها تطلع الاول عما اريح تحت شوية وآآه.
أمسك يدها التي تشدد على جاكيته، فقال بقلق:
_مالك يا مليكة؟

 

جحظت عينيها وهي تشير له، فانكمشت معالمه وهو يشير بصدمة:
_لا أبوس ايدك لا أنا اتبهدلت مع مراتي واخوكي مش جاهز لولادة تانية أنا!
صرخت بصوتها كله وهي تصيح به:
_ده وقته… بقولك بولد الحقني يا عمر!!
وختمت حديثها بصرخة مداوية، جعلته يعود بالمصعد للاسفل، فحملها واسرع لقسم الجراحة، تراجعت به للخلف وهي تشير له بانفعال:
_لااااا.. مش هولد هنا وديني لدكتوري!
رمقها بنظرة ساخطة، ومن ثم قال:
_انتي بتتآمري وانتي بالحالة دي!
صرخت بالم وهي تشير له:
_خدني لدكتوري يا عمر مش برتاح غير عنده هموت!
حملها مجددًا وأسرع تجاه باب الخروج، ومن ثم اتجه لسيارته ليتحرك للمشفى المتخصص للنساء والتوليد.
******
جن جنونه حينما لم يجدها بغرفتها، لم يترك “رائد” شبرًا بالقصر الا وبحث عنها به، مازالت اللهفة تعتريه ليقدم الف اعتذار لها، كان يود ضمها ليطمئن على جرح ذراعها، اتجه لغرفة آسر ومريم، فما أن ولج للداخل حتى تجاهله الاولاد تمامًا، وكأنه شفافًا، حاول رائد أن يقترب من ابنه ولكنه رفض الحديث معه، فلم يستسلم وحاول مع ابنته، وسألها بلهفة:
_مامي فين يا مريم؟

 

منحته نظرة حملت عتاب قاسٍ ومن ثم قالت:
_أخدت حاجتها وسابت البيت.
صعق لما استمع اليه، فاسرع للاسفل ومن ثم صعد لسيارته ليتجه لمنزل شقيقها، لا يعلم كيف وصل هناك بذلك الزمن القياسي من القيادة، طرق رائد على شقة اخيها، وبعد دقائق فتح الباب وهو يردد بذهولٍ:
_رائد؟
وضمه بترحابٍ لحق بسخرية نبرته:
_عاش من شافك يابو نسب… ايه غيرت معادك من العيد للعيد ولا أيه؟
ملامحه لم يتنسى لها التأقلم على مزحه، فقال بجدية:
_رانيا فين يا مجدي؟
ضيق عينيه بدهشةٍ:
_انت بتهزر.. مهي بالبيت يا ابني لسه قافلة معايا من شوية وقايلالي انك مع عدي بالمستشفى!
صمت مطولًا مما جعل الاخير يزداد قلقًا، فقال :
_في أيه يا رائد، قلقتني؟
رد عليه وهو يرسم ابتسامة مخادعة:

 

_مفيش أنا لسه راجع من المستشفى وافتكرت انها هتعدي عليك فقولت افوق اخدها.. يلا هكلمك تاني.
وتركه وغادر قبل أن يعود لاسئلته التي لا يحمل جوابها، عاد رائد للقصر، فاتجه للصالون بالاسفل حيث يجلس رعد يتابع جريدته وهو يرتشف كوب قهوته بتلذذ، وفجأة وجده يقتحم مجلسه وهو يسأله:
_مراتي فين؟
******
ضحكت الصغيرة وهي تراه يزم شفتيه تأففًا من الدواء اللازع المذاق، فما أن خرجت الممرضة، حتى عنفها بمزحٍ:
_بتضحكي على أيه؟
قالت من وسط ضحكاتها:
_عشان لما أخد الدوا بعد كده ما تبقاش تتريق عليا يا بابي!
رمقها بنظرة حادة ومن ثم انفجر ضاحكًا هو الأخر، فردد بمكر:
_انتي جاية تشمتي فيا يا رحمة لا الافضل ترجعي القصر.. أنا كده كده راجع بليل.
وضعت قدمًا فوق الاخرى وهي تعدل من فستانها الازرق الطويل، قائلة بغرور:
_خلاص هضطر اقعد وارجع معاك.
رفع حاجبيه باستنكارٍ:
_هضطر!

 

أومأت برأسها وهي تخبره باقتناع:
_امال مين هياخد باله منك غيري!
ضحك وهو يسألها بفضول:
_أمال أخوكِ فين!
كادت باجابته فقاطعها دخوله، فاتجه اليه بخطوات مرتبكة، وقف ياسين لجوار الفراش وهو يتلاشى التطلع لابيه، من يراه يظن بأنه مجبورًا على القدوم الى هنا، وفجأة رفع عينيه المحتقنة بالدموع وهو يتأمل كل خدش بوجه وجسد عدي، فانهمرت دمعاته وهو يردد بصوته الباكي اللاجئ للثبات بأقصى ما فيه:
_حمدلله على سلامة حضرتك
استنساخه الصغير، نجح بنقل معاناته له، ما قد يفعله إن مر بنفس ما يمر به، اشار له عدي بالاقتراب، وحينما دنى منه ازاح دمعاته بيده وهو يخبره بصوتٍ يشوبه الحزن والتأثر:
_مش عايز أشوف دموعك تاني يا ياسين.
رفع عينيه العسلية اليه، ثم رددت ببكاء:

 

_غصب عني.
ولف يده حول رقبة عدي وهو يحتضنه بقوةٍ، فضمه عدي اليه هو الأخر، وفجأة تسلل صوتًا رجولي اليه:
_مكنتش متوقع يكون شايلك كل الحب ده؟
اندهش حينما وجد أبيه يستند على باب غرفته ويتابع ما يحدث بينهما، فترك محله ودنى منه وهو يسترسل بغموضٍ:
_يمكن لانك أب! فهتقدر تقيم أحساس ابنك كويس زي ما أنا قادر افهمك وأفهم كل حاجة بتدور جواك، بس يا ترى أنت كمان فاهمني زي ما ياسين فاهمك!
ومنحه ابتسامة ثابتة قبل أن يستدير ليتجه لسرير رحمة، ولكن سرعان ما توقفت خطاه حينما قال عدي:
_أيه الخطر اللي مقدرتش تحميني منه وخلى ياسين الجارحي بنفسه يعتذر لابنه وهو بيصارع الموت!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!