رواية حبه عنيف الفصل التاسع عشر 19 بقلم ضي القمر
رواية حبه عنيف الفصل التاسع عشر 19 بقلم ضي القمر |
رواية حبه عنيف الفصل التاسع عشر 19 بقلم ضي القمر
– إنتي بتعملي إية؟
قالها ضرغام بذهول و هو يرى ياسمين تأكل تلك المقرمشات الحارة جدًا بشراهة.
– باكل.
قالتها ببساطة ليجبها بتعجب:
– بتاكي؟!…كدا بالبساطة دي؟!…البتاع دا هيوجعلك معدتك.
ابتسمت قائلة و هي مستمرة بالأكل:
– لا بالعكس دا حلو أوي.
عقد حاجبيه قائلًا:
– سيبي البتاع دا يا ياسمين…دا حامي جامد و هيوجعلك معدتك.
دفعت بواحدة بفمه قائلة:
– إية رأيك؟…حلو صح؟
– حامي جدًا…سيبي البتاع دا..إنتي معدتك مش ناقصة.
لم تجبه بسبب فمها الممتلئ بالمقرمشات حتى فرغ فمها فقالت:
– حرام عليك بقى…أنا كان نفسي فيه أوي.
عقد حاجبيه مجددًا قائلًا:
– وحم دا ولا إية؟
رفعت كتفيها قليلًا قائلة:
– معرفش…المهم إني عايزة أكله.
هم بأخذ الصحن الممتلئ بالمقرمشات منها قائلًا:
– هاتي البتاع دا.
ركضت سريعًا بعيدًا عنه قائلة:
– لأ مش هديهولك.
كان أن يذهب خلفها و لكن صوت زئير الأسد أوقفه…خاصة أن هذا الزئير مميز…إنه نداء.
عادة ما يستخدم الأسد هذا الزئير بالنداء على الأسود الأخرى أو تحذيرهم…لكن لا يوجد أسود أخرى بالجوار.
دلف إلى الإسطبل…لا شئ غير طبيعي إلى أن دلف إلى مكان الأسد و وقعت عيناه على حسان الملقى أرضًا و جرحه ينزف.
اقترب منه سريعًا يحاول إفاقته.
– حسان…حسان.
و لكن لا رد فقد كان غائبًا عن الوعي كليًا.
رفع ضرغام رأسه قليلًا كي يستطيع التنفس بينما جذب صوت زئير الأسد حارسان قد قلقا من زئيره المتواصل و تضاعف قلقهما عند رؤية حسان الغائب عن الوعي.
– حد يتصل بالدكتور بسرعة.
سارع أحدهما بطلب الطبيب بينما ساعد الآخر ضرغام في نقل حسان إلى أقرب أريكة بالحديقة حتى لا يتأذى أكثر.
ما إن جاء الطبيب حتى بدأ بعمله على الفور.
– إنهيار عصبي.
– إية؟!
كان هذا صوت ضرغام مصحوبًا بصوت رجال حسان و هم يحاولون استيعاب ما نطق به الطبيب توًا.
– يا رجالة…كل واحد في مكانه و أنا هطمنكم عليه.
تحرك الرجال سريعًا ليلزم كل منهم مكانه بينما بقى ضرغام إلى جوار الطبيب.
– في جرح في صدره.
أومأ الطبيب الذي كان يخرج بعض الأدوات من حقيبته قائلًا بعد أن تفقد الجرح:
– هو نزف من الوقعة بس الحمد لله متفتحش…بس أنا متأكد…الجرح ملوش علاقة بإغماءه.
بدأ الطبيب بتعقيم الجرح بينما قال ضرغام:
– متأكد إنه إنهيار عصبي؟…إللي قدامك دا صخرة مبيتأثرش بحاجة.
– عرفت منين يا ضرغام بيه؟
عقد حاجبيه قائلًا باستنكار:
– يعني إية عرفت منين؟…قصدك إية؟
أجابه الطبيب و هو يتابع عمله:
– يعني مش لازم يكون هو زي ما حضرتك فاكر…ممكن أوي يكون بيتماسك قدام الناس بس…و ممكن يكون من كتر إللى إتحمله إنهار.
جمع الطبيب أغراضه بعد أن أنهى عمله و حمل حقبيته قائلًا و هو ينظر إلى ضرغام:
– ممكن يكون زي ما حضرتك بتقول كدا مبيتأثرش بحاجة…بس الكتمان دا بيخليه عُرضه للإنهيار المفاجئ.
أكمل قبل أن يرحل:
– أنا إديته حقنة مهدأة…هيفوق الصبح إن شاء الله و ياريت يكون بعيد عن الضغوط النفسية الفترة دي و طبعًا هو محتاح راحة علشان الجرح.
أشار ضرغام لأحد الحراس ليساعده في نقل حسان بحذر إلى الداخل.
أراحا جسده بحذر على الفراش ثم خرج الحارس مُحَملًا بالأخبار لزملائه القلقين.
أوصد ضرغام الغرفة صاعدًا لغرفته بعد أن أعطى أمر لأحمد ليقود الحراسة بدلًا من حسان.
ما إن دلف إلى الداخل حتى صاحت ياسمين بملامح مرتعبة:
– هو الأسد عمله حاجة؟
رفع أحد حاجبيه بتعجب قائلًا:
– و هو الأسد عارف يتحرك من مكانه؟!
– أيوة قادر…إمبارح كنت في الإستطبل لقيته واقف و بيبصلي جامد كدا.
ضحك منها قائلًا:
– و إنتي إية إللي وداكي عنده؟
ارتبكت قليلًا قائلة:
– فضول.
نكست رأسها و هي تقول باستسلام:
– بصراحة…كنت عايزة أطمن عليه..الحيوانات المريضة دايمًا بيصعبوا عليا أوي.
ضمها إليه متحسسًا بطنها موضع طفليه قائلًا:
– يقوم بس هو بالسلامة و أنا هدلعه.
– إزاي يعني؟
نظر إليها بعبث قائلًا:
– هجيبله لبؤة.
قالت بذهول:
– هتجوزه؟
ضحك منها قائلًا:
– اه هجوزه…هجوزه لبؤة من فصيلة الأسود البيضاء.
قالت بدهشة:
– هتجوزه لبؤة لونها أبيض…طب كدا هما ممكن يخلفوا أسود بيضا؟
أجابها قائلًا:
– في إحتمالات كتير…بما إن ضرغام أسد إفريقي أصفر ممكن يخلفوا الأسود كلها صفرا و ممكن يخلفوا المعظم أصفر و الباقي أبيض و ممكن يخلفوا نص النسل أصفر و النص التاني أبيض و ممكن يخلفوا النسل كله أبيض…بس الإحتمال دا ضعيف شوية.
– طب هتوديهم فين دول بقى؟
أجابها قائلًا:
– هبنيلهم مبنى في الحديقة بس لما الأشبال تكبر هبيعها…أنا مش هفتح بيتي مزرعة للأسود.
نفت بخوف قائلة:
– لا متعملش كدا…مامتهم مش هترضى و هتهاجمك زي ما الأسد كدا هاجم حامد.
رفع أحد حاجبيه قائلًا بسخرية:
– و الله؟
نظرت إليه بغضب صامت فأردف موضحًا:
– بصي يا ياسمين الأسود أساسًا بتعيش في مجموعات و الأشبال لما بتبلغ بتسيب المجموعة و تروح تكون هي مجموعة لنفسها أو تستولى على مجموعة تانية يعني كدا كدا هم بيفارقوا أمهم في سن معين.
أكمل قائلًا:
– لازم أبيعهم يا ياسمين…دول لو خلفوا كل سنة كحد أدنى أسدين بس البيت هيتملى أسود.
كادت أن تتحدث عندما تلقى هاتفه اتصال من المشفى لإبلاغه أن حامد قد استيقظ أخيرًا.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
في صباح اليوم التالي.
فتح عينيه بنعاس ليغمضهما ثانية بسبب أشعة الشمس قبل أن يفتحهما فجأة و هو ينظر حوله بتوجس.
نهض بحذر بسبب جرحه الذي يعد حديثًا قبل أن ينظر عبر النافذة خُفية لألا يره أحد فقد اعتاد أن يكون شديد الحذر دومًا و لكنه أدرك سريعًا أنه تم نقله إلى داخل الفيلا.
لقد حدث ما كان يخشاه.
حادثة الأسد ذكرته بماضٍ جاهد عبثًا لينساه.
لطالاما عمل كمدرب للحيوانات المفترسة لصالح سيرك ما حتى تلك الحادثة و قد أتى أخاه ليشاهد تدريبه للأسود في مرة ليمت على يد أحدهم.
كان مشغول بتدريب أحد النمور عندما أتى أسد راكضًا من خلفه ففزع أخوه ليقف بطريق الأسد محاولًا منعه عن مهاجمته.
و الأسد لا عقل له.
يعلم أنه يجب عليه ألا يؤذي من حوله و لكن توقف أخ حسان المفاجئ أمامه لم يعطه الفرصة لمحاولة التوقف.
و كان أخوه يفتقد الخبرة كثيرًا فشجاعته أرهبت الأسد و لكنه لم يعطه الفرصة ليتوقف.
و كيف يتوقف فجأة و قد كانت المسافة بينهما مترًا على الأكثر؟…مما سبب له كسر بالضلوع و اختراقها للقلب فتهاوى صريعًا على الأرض.
أراد أن يحمي أخاه من مباغدة الأسد له و هو لا يعلم أن الأسد كان يرحب به ليس إلا!
و تلك هي طريقة ترحيب الأسود!
قفزة على مدربه مع أخذ الحذر لألا يؤذيه أو احتضان بسيط…و ربما لعقة لإزالة الشوق قليلًا في بعض الأحيان إن سمح المدرب بذلك.
و كان هذا ما أودى بحياة أخيه حسن الذي لم يتردد لحظة لحماية أخيه ما إن ظن أن الأسد يهاجمه.
لم يستطع حسان بعدها الإستمرار بذلك العمل أكثر…ترك كل شئ و قرر أن يعمل بالحراسة و لكن كان للأمر أبعاد أخرى.
لم يعد حسان ذلك الشاب البسوم بل أصبح وجهه قطعة من صفوان.
لم يعد يتأثر بشئ…و ما الذي سيؤثر به بعد موت أخيه الوحيد؟…كل شئ خلا أخاه غير مهم.
تميزه في عمله رفع من مرتبته…مراعاته لرجاله رغم صلابته جعله يستعبد قلوبهم دون قصد منه…و لعله استعبد قلوب بعض الفتيات الاتي أحببن صلابته و ضخامة جسده المغلظ بعضلات قوية بالأضافة إلى ملامح خشنة بها بعض من الوسامة أفاضت من رجولته…لكنه لم يكترث فبعد موت أخاه أصبح يكترث لعمله و رجاله فقط.
– عايز حد يكون بيعرف يتعامل مع الأسود علشان ياخد باله من الأسد.
كانت ملامحه جامدة لكنها لم تعد كذلك فقد نمَّت عن دهشة حقيقية…الأسود تلاحقه أينما ذهب!
لقد ترك العمل بالمنزل السابق بسبب حديث الأطفال و إعجابهم بتلك الحيوانات المتوحشة التي يرونها بالسيرك كل أسبوع.
كانوا دائمًا يلعبون في الحديقة و هذا الطفل يمسك بدمية نمر كبيرة كحجمه بينما الآخر يصارعه بدمية الأسد بينما تأتي فتاة صغيرة لتسخر من عنفهم و هي تعتني بدميتها الأميرة التي هي بحجمعا تقريبًا.
لم يستطع التحمل أكثر فترك العمل لينتقل إلى فيلا ضرغام التي بُنيت حديثًا.
كان يشعر براحة إلى أن استمع إلى جملة ضرغام…يريد من يعتني بالأسد!
احتقن وجهه عندما سمع صوت زئير الأسد المقبل عليهما ليرحب بضرغام باشتياق.
أسد بربري تمامًا كالذي قتل أخاه بنفس حجمه تقريبًا و نفس عنفوانه.
أدرك أن الأسود قدره ولا مفر منها فلم يحاول الفرار مجددًا و لكونه يعتني بالأسد دائمًا جعل منه معشوقًا لحيوان مفترس مجددًا.
لم ينسَ أخاه يومًا و لكنه كان أمام الناس صخرة صلدة و كان هو بالفعل تقبل الأمر.
رؤيته للأسد يفتك بحامد جعلت جروحه طازجة من جديد…ربما إصابة الأسد حطمت بشاعة الموقف قليلًا و لكن وجه أخيه لم يغب عنه لحظة منذ أن استفاق بعد العملية الجراحية التي أجراها لإخراج الرصاصة.
لم يكن ليطيق المكوث بالمشفى أكثر ففضل الخروج و هو يخشى الإنهيار.
فر من أمام ضرغام لينفرد بنفسه و كان اتخاذ الأسد كحجة أمر سهل و مقنع فهو أيضًا مصاب و لكن لم يكن هذا إلا ليزيد الطين بلة و حدث ما كان يخشاه و انهار تماسكه المزيف أمام الجميع.
– حمد لله على السلامة.
كان هذا صوت ضرغام الذي دلف إلى الغرفة توًا بعد أن طرق الباب بخفة.
– عامل أية دلوقتي؟
– من حيث أية بالظبط؟
قالها ساخرًا قبل أن يكمل:
– مين عرف إني عندي إنهيار عصبي؟
ضاقت عينا ضرغام و هو يسأله بتعجب:
– و إنت عرفت منين إنك عندك إنهيار عصبي؟!…أنا لسة إتكلمت؟
لم يجبه حسان بينما أجابه ضرغام:
– رجالتك كلهم…كانوا قلقنين عليك.
تجاهل فجأة الموضوع قائلًا:
– حامد لسة مفاقش؟
– فاق إمبارح…بس جاله شلل نصفي.
جعد جبينه قليلًا قائلًا:
– و البوليس عمل إية؟
أجابه قائلًا باستنكار:
– حقق معاه و هو مأنكرش حاجة بس قال إن ماهيتاب كانت بتحرضه على كدا…و طبعًا هو مش هيتحبس و هيطلع من القضية بس بمبلغ محترم و ماهيتاب هي إللي هترجع للسجن تاني.
– ترجع للسجن؟
تنهد قائلًا:
– ماهيتاب دي كانت بتشتغل في شركة الأدوية أللي أنا اشترتها…سرقت ملف مراتي و نسبته ليها…طبعًا الكلام دا مخلش عليا و سلمتها للشرطة بس حامد دفعلها مبلغ و قدر يطلعها بنفوذه…اتعرفت عليه في نايت كلاب بعد ما خطبها إللي بتعشقه سبها…كانت قاعدة لوحدها و بتشرب و مش حاسة بحاجة فلفتت نظره و من هنا عرفها.
تجعد جبينه مقلصًا المسافة بين حاجبيه و هو يكمل:
– ليها عداوة مع ياسمين و دا إللي خلاها تسرق الملف بتاعها من الأول و هي بردو كانت بتحرض حامد عليها و تقنعه إنه يوجع قلبي عليها…كنت بفكر بصراحة أوقعها في فخ و أخليها تعترف و أوديها في داهية بس حامد سبقني و غدر بيها.
– تفتكر حامد هيسكت؟
أجابه ضرغام بحيرة:
– مش عارف…بس أنا عملتله محضر عدم تعرض علشان أول ما يفكر يعمل حاجة أشتكيه للشرطة على طول و أخلي تاريخه حلو كدا علشان رجال الأعمال هيقرفوا يتعاملوا معاه بعد كدا…هيكون التعامل معاه لوحده شبهة…دا غير إن الشرطة ممكن تركز معاه بعد ما عرفوا إن هو واحد لبط.
صمت حسان بينما قال ضرغام:
– قوم بقى عشان تاكل و تروح تريح و إبقى تعالى بكرة.
أومأ إليه حسان بصمت بينما تأمل ضرغام ملامحه الصخرية قائلًا بسره:
– يا ترى أية إللي وقعك الواقعة دي يا حسان؟
خرج من الغرفة و هو شارد قليلًا.
علاقته بحسان تشبه علاقة أباه بمحمد إلى حد كبير.
رغمًا عنه تخيل ابنه يختطف ابنة حسان ليتزوجها رغمًا عنها و عن الجميع…بدا الأمر مروعًا لكنه ليس نادمًا و لو عاد به الزمن لذلك الوقت لأعاد ما فعل دون تردد.
صحيح أن ما فعل جعلها تخشاه و تنفر منه إلا أن ذلك قد زال الآن فهي لم تعد تخشاه أبدًا أو تنفر منه لكنه غير متأكدًا بالمرة من مشاعرها تجاهه.
و لكن ذلك غير مهم الآن فالحب ليس كل شئ فالإحترام المتبادل إلى جانب الود يغني عن ذلك و لكنها مؤكد تحبه و لو بقد بسيط على عكسه فهو حبه إليها جارف مما دفعه ليقرر أخيرًا أن يمحي الوشم الذي يتوسد صدره و إن كان سيترك أثرًا غير محبب.