رواية بنى سليمان الفصل الخامس عشر 15 بقلم زينب سمير
رواية بنى سليمان الفصل الخامس عشر 15 بقلم زينب سمير |
رواية بنى سليمان الفصل الخامس عشر 15 بقلم زينب سمير
.. ! أعتراف ! ..
‘ إلي ما لا نهاية، إلي حتي الفناء، وحتي إختفاء البشر.. سأظل أحبك.. ‘
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فتحت باب المنزل ودخلت، فتفاجئت بسليمان جالس علي أول مقعد يقابل وجهها، كان يريح رأسه علي مقدمة المقعد، يغمض عينيه بأرهاق ظاهر جليًا عليه، من مظهره هذا شعرت وكأنه غافي في نوم عميق، فأقتربت منه قليلا وبقيت علي مقربة خطوتين منه، نظرت لملامحه بشرود متأملة أياه سليمان رجل وسيم لا يستطيع احدًا ان ينكر هذا، ملامحه جذاب.. منحوتة، عند التدقق في تفاصيله ستغرق فيها بلا شك، ما يزيد من وسامته ربما شخصيته التي تفرد نفسها دوما.. شخصية مسيطرة، حكيمة، قوية، رجل ثابت الخطوات مدرك لـ ألاعيب من حوله، يعرف كيف يتصرف ومتي، لا تشغله التفاهات ولا يحب ان يخسر امام احد..حتي هي، أصر ان يكسبها مهما كان الثمن..
فاقت علي صوته الذي خرج فجأة ومازال كما هو مغمض العينين:-
_اتأخرتي..
لم تكاد تستوعب الأمر حتي وجدته قد فتح عينيه ومـد يده نحوها، لفها حول خصرها وبحركة واحدة سحبها لتبقي جالسة علي قدميه، شهقت من ما حدث بتلك الثوانٍ القليلة لكنه لم يترك لها فرصة لـ الزهول، بل اقترب بوجهه نحوها واغرق وجهه في خصلات شعرها من الخلف، اخذ يستنشقها بقوة وحب، بينما هي ترتعش بين يديه من الخجل لهذا القرب الذي بينهم..
بوسط بحره الذي غرق فيه هذا، خرج صوته المتحجرش:-
_خرجتي من غير ما تقوليلي كمان..
توترت وهي ترد بينما تحاول ان تنزع نفسها من بين يديه:-
_انا..
ثبتها في احضانه اكثر و:-
_اشـش، متتحركيش، اياكٍ تفكري تسيبني وتمشي في يوم.. فاهمة؟
لم ترد، بينما مد هو يده ولفها مرة اخري حول خصرها، وبحركة سريعة قام بشد يده حولها بقوة حتي أنها شعرت وكأن المكان يضيق حولها الي حد الاختناق..
سليمان بنبرة لطيفة، عكس أفعاله تمامًا:-
_مش بحب حد مهما كان مين يكسر كلامي يابيسان، لان وقتها هيشوف مني أفعال مش متعود أوريها لحد بحبه
بيسان بعيون دامعة من الضغط الذي هي فيه:-
_كنت مضايقة وعايزة أتكلم مع حد، وانا متأخرتش اوي هما بس ساعتين
قاطعها بحدة:-
_انا قولت ستة تكوني في البيت
قالت بتألم:-
_مش هتتكرر
رد:-
_أتمني
خفف يده أخيرًا التي كانت تخنق خصرها، فتنهدت هي براحة إلي حد ما، أشار لها لـ تنهض فـ فعلت سريعا، نهض هو أيضًا ووقف في مواجهتها
_انا مضطر امشي دلوقتي، اقفلي ابواب الفيلا كويس وبكرة بعد صلاة الجمعة هاجي اخدك ونخرج نتمشي شوية
هتفت بضيق:-
_انا مش عايزة اقعد هنا، انا عايزة ارجع بيتي ياسليمان
لم يظهر لها ان قد سمعها، حيث تجاهلها وتوجه نحو باب المنزل ليخرج منه، ضربت علي الارض بغضب وهي تهتف بكلمات غير مفهومة بعصبية بالغة، كان يسمع حديثها هذا الغير مفهوم وهو يغادر فتبسم بمرح عليها..
كم يود ان يبقي أبد الدهر معها، لكن لا يستطيع ان يفعل ذلك، علي الأقل الأن..
تعامله الغاضب هذا سيحاول ان يشفع عنه بخروجه الغد، سيحاول ان يعوضها ويريها أنه سليمان القديم المحب لها، وأنه لم يتغير كما تشعر هي، وأنه لم يستخدم نفوذه إلا ليضمن ان تكون بين يديه ليس أكثر، سيحاول ان يفهمها أيضّا أنه أضطر ليخفيها عن الجميع ليحميها.. فقط ليحميها
علم جميع سكان القصر بأمر المخزن والشركة التي كان يملكها واجد، رمقته سوزان حينها بنظرة خيبة امل كبيرة إلا أنها لم تتحدث، عابد الذي كان يعلم بكل مخطوطاته وجد أن ما يفعلاه شئ ليس بالجيد، بالحقيقة هو يشعر بأن كل ما يحدث وحدث ليس بجيد.. هو الأن في مرحلة المواجهة مع نفسه حيث يقوم بمراجعة أفعاله وياليت يخرج من تلك المرحلة بنتيجة مرضية..
بالساعة الواحدة ظهرًا، هبط سليمان درجات القصر وهو يتغني بكلمات اغنية وعلي شفتيه قد أرتسمت بسمة سعادة، لمحتها سوزان الجالسة في بهو القصر فأبتسمت وهي تراه علي تلك الحالة التي ندر ما يظهر فيها، أقترب منها وقبل وجنتيها و:-
_صباح الخير علي أحلي تيتا في الدنيا
ضمت وجهه بين كفيها وهي تردف بحب:-
_صباح الخير علي عيونك ياحبيبي، مبسوط يعني.. في حب ولا أية؟
وعلي سيرة الحب جاءت بيسان أمام عينيه، فتحولت نظرات السعادة الي نظرات الهيام الكامل وهو يقول:-
_فيه عيون حلوة ياتيتا سرقت من عيوني انا النوم من وقت ما ظهرت في حياتي
أبتسمت لهذا الأعتراف الصريح بحب حفيدها لأحداهن، ربتت علي صدره خصوصا منطقة قلبه الذي كان يدق بعنف أثر ذكر صاحبه لمالكته، أردفت بنبرة خافتة:-
_ربنا يجعل قلب صاحبة العيون من نصيبك ياسليمان
قال بتمني جارف:-
_يارب.. ياتيتا.. يارب
أعتدل في جلسته وقال قبل أن يرحل:-
_هسيبك دلوقتي بقي علشان عندي مشوار مهم
. . . * . . .
بعد ساعات من الحيرة في اختيار الزي المناسب لـ الخروجة التي ستخرجها مع من يسمي زوجها، اخيرا وقع اختيارها علي بنطال من قماش الجينز رمادي اللون وكنزة صوفية باللون الوردي الباهت، تركت شعرها الطويل مفرودًا علي طول ظهرها فكان مظهرها بريئًا لـ الغاية وساحر رغم بساطة الهيئة، قبل ان تقول انتهيت.. قامت بوضع بعضًا من مرطب الشفاه علي شفتيها مما زاد من حمراهم الطبيعي، رمقت نفسها برضي تام ثم ارتدت حذاء رياضي رمادي به نقوش وردية علي السريع وخرجت من غرفتها، ومع خروجها كان الباب يُفتح ويدخل منه هو
تقابلت عيونهم سويًا فحدثت رجفة بدون شعور في قلب الأخري وكأنها تخبرها انتي تهويه فلا تكذبي
_يـلا؟
اقتربت منه وهي تقول:-
_يـلا
كادت تتعداه وتتجه إلي باب المنزل، لكن يده التي أمسكت بذراعيها أوقفتها، تطلعت له بأستفهام، فقال بنبرة متضايقة:-
_لمي شعرك وأمسحي اللي علي شفايفك دا
قالت بأعتراض ورفض:-
_بس انا بحب شعري مفرود
ظهر وكأن صبره قد بدأ ينفز، فضعظ علي ذراعيها الماثل بين يده وهو يقول من بين أسنانه المطبوقة:-
_وانا قولت لميه يابيسان ومن أنهاردة مفيش خروج وشعرك مفرود
حسنا.. لقد تحملت كثيرًا وهذا عكس طبيعتها الشرسة، نفضت يده الماسكة بيدها ورفعت لاصبعها لتضعه في وجهه ك حركة تحذير له
بيسان بنبرة صائحة بغضب:-
_انا قولت متدخلش في حياتي صح؟ ملكش دعوة بيها خالص ومش معني إني سكت يبقي تسوق فيها بقي، انا اعمل في شعري اللي عايزاه واحط علي شفايفي اللي عايزاه انت مش من حقك تقولي اعملي ومتعمليش..
سليمان بغضب مماثل:-
_لا من حقي يابيسان، الطلبات بتاعتك التافهة دي متهمنيش لأني مش هنفذها انتي مراتي ولازم تظهري بالشكل اللي يعجبني ويرضيني فاهمة.. يااما..
قالت بتحدي:-
_يااما اية؟ هتطلقني؟! ياريت
ضحك بغضب وهو يؤمي بلا..:-
_تـوء، مش هتطلق انسي كلمة طلاق دي وأحذفيها من قاموسك، بس همنعك تخرجي
بيسان:-
_متقدرش
اقترب منها خطوة، حتي أن أنفاسه لفحت بشرتها الناعمة و:-
_تحبي أمنعك ونشوف هقدر ولا لا؟!
نظرت له بدموع أوشكت علي السقوط لطريقته التي يستخدمها تلك لـ الضغط عليها، هو يحاول أن يثبت لها دوما أنه القوي، وأنه سيفعل فيها ما يريد وكما يريد ولن تستطيع الأعتراض، رمقته لـ لحظة بوجع قبل أن تتركه وتتجه لـ الداخل
حيث قامت بلم خصلات شعرها ومسح المرطب عن شفتيها، ثم عادت له وهي ترمقه بملامح جامدة..تنهد من ما حدث قبل أن يشير لها بأن تسبقه بالخروج
_تحبي نروح فين؟
قالها بعدما أستقلا السيارة، فقالت وهي تبعد عيناها عن مرمي بصره:-
_عايزة اروح كورنيش النيل.. ممكن؟
اؤما بنعم ببسمة وبدأ بقيادة السيارة حيث الوجه التي أختارتها حبيبته!
عندما يصل الأمر الي الغيرة والتملك، تذهب كل معلوماته عن الرقة ويبقي فقط وجه غاضب ك الذي كان يتلبسه منذ دقائق هذا، ما زال الرجل الحقيقي غيرته هي التي تميزه عن الأخرون، من يغار يثبت أنه رجل، من لا يغار.. أبتعدي عنه لانه لا يدري ما معنوي تلك الكلمة الاي تُدعي بالرجولة..
. . . * . . .
بمكتب القصر، كان يجلس واجد علي مقعد فيه وبيده ورقة وقلم، كان متخبط الافكار، محبط الأمال، به من الغضب ما يكفي لـ ان يجعله يقتل سليمان بدون تردد لـ لحظة، لـ المرة المئة يحاول ان يجد طريقة لـ يكسر سليمان نهائيا لكنه لا يجد، عمله لا غبار عليه، حتي انه علم أن حسان وسليمان عادت مياءهم لمجاريها أي ورق المشروع بات لا فائدة له، لا خسارة بعمله أبدًا، هو يتحكم به بيد من حديد، ضغط علي اسنانه بغل قبل ان يتذكر نص الوصية من جديد.. حيث ان سليمان عليه ان يكون المشرف علي أحوال المنزل والعائلة والمسئول عن ثباتها والتحكم فيها، اذن أذا كان لا يستطيع أن يضربه عن طريق الشركة فليثبت أنه غير جدير بأدارة امور العائلة، سينشب بذلك القصر حرائق لا نهاية لها حيث لا ماء ستعرف كيف تطفيها مهما بلغت محاولات ذلك المدعو بسليمان بأن يفعل ذلك ويطفيها، سينشب حربًا بذلك تلقصر عما قريب.. حربًا واحدة! لا بل حروبًا..
ابتسم عندما وصل تفكيره الي هذا الحد، وأتسعت بسمته عندما دخلت سلمي زوجته عليه ورمقته بضيق و:-
_واجد انت مش ملاحظ أنك بقيت دايما مشغول؟ وبتقعد لوحدك كتير وبتخرج كتير
لقد اعطته سلمي الحل، أعطته بداية فتيلة الاشتعال، سلمي السيدة الغيورة، التي لا تحب ان يلمس احدهم ما تملكه وما تحبه، ستكون مفتاح الفرج له بتلك المرة، لن يحدث شيئًا اذا بان في عيونها كونه خائن لها.. ستقيم فقط حربًا في القصر ونارًا لا يستطيع احد ان يطفيها وهذا هو المراد..
اظهر القلق وأغلق هاتفه فورًا بتوتر مصطنع و:-
_مفيش كنت بس بكلم حد علشان الشغل، هروح أنام علشان منمتش كويس امبارح بسبب اللي حصل
وغادر سريعا من المكتب تاركًا تلك التي أبتعلت الطعم ترمقه بعيون مفكرة مليئة بالشك..
علي كورنيش النيل..
حيث وقفت بيسان تنظر الي النهر بعيون متأملة بحب له، كانت من امتع لحظات حياتها ان تنظر الي جريان ماء النيل كما تفعل الان، نظرتها لتلك المياء الزرقاء تصيبها بأسترخاء لا تعلم سببًا له، كانت هي تراقب الماء وكان هو يراقبها هي، بحنان جلي.. بحب قوي، بعيون لامعة، بلحظة خاطفة التفتت لتنظر له فرأت عيناه تلك التي تنظر لها بحب، بدون شعور منها سرحت في عينيه، وغابت فيها كما فعل هو، غابت فيها لتبحث عن الدفئ الذي رأته معه في اول مقابلاتهم والذي تشعر أنه أختفي الأن، تبحث عن سليمان الذي أحبته وليس الذي ينضم إلي آل سليمان هذا، كان غارقة في النظر إليه حد الثمالة، إلا أنه قطع غرقانها هذا.. بصوته وهي ينظر لـ شيئًا ما خلفها:-
_انا دلوقتي شايف أحلي بنت في الدنيا
كادت تلتف لتراها لكنه أحكم يداه حولها واؤمي بالنفي و:-
_دقيقة..
بـ تلـك الدقيقة اشتعلت فيها النيران، نيران الغيرة التي أثبتت لها أنها ما زالت تحبه وأنها تكذب علي نفسها وهي تحاول ان تقنعها أنها باتت لا تحبه، فهي مغرمة به علي الرغم ما فعله، بل ما فعله يبعث فيها قليلا من الشعور بالسعادة.. لأنه فعل المستحيل ليجعلها ملكه.. مازالت هناك غصة لان الأمر حدث بالسر، لكنها لديها ثقة فيه وأنه بالفعل سيذيعه ذات يوم كما قال، حينما يذيعه ربما فعلًا تسامحه من كل قلبها وتعيش معه بحب..
قاطع افمكرها صوته:-
_تقدري تلفي وتشوفيها دلوقتي
قامت بلف عيونها التي عادت نيران الغيرة تنبعث فيها من جديد بعد ان تناستها وهي تفكر فيما حدث، فتفاجئت بأنعاكس ملامحها امامها، حيث كان هناك رجلا يسير وبيده لوح من المرآة خلفها منذ دقائق ولمحة سليمان، وعندما اقترب وباتت صورتها هي فقط التي تظهر في العاكس، سمح لها بالألتفات.. توسعت عيونها وهي تري أنعاكسها بالمرآة بينما قال هو بنبرة بها من الحب ما يجعل القلب يلين:-
_انتي احلي بنت شافتها عيوني يابيسان.. انا بحبك
لم تعرف بماذا ترد.. حقا لم تعرف، ظلت صامتة كثيرا حتي خرج صوتها معترفًا هو الأخر بدون شعور:-
_وانا كمان بحبك ياسليمان..
يتبع..
لقراءة الفصل السادس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية ابن الجيران للكاتبة سهيلة سعيد