روايات

رواية فطنة القلب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء الثالث والثلاثون

رواية فطنة القلب البارت الثالث والثلاثون

فطنة القلب
فطنة القلب

رواية فطنة القلب الحلقة الثالثة والثلاثون

(كَتَبَ كِتَابٌ وَاعْتِرَافٌ)
حالة من الجمود تملكت جسدها، تنظر لفاه المسدس المصوبة نحوها برجفةٍ، في حين ابتسم جمال بحزنٍ ثم قال بنبرة مبحوحة:
_ هو أنتِ ليه محبتنيش؟
لم تستطع الاجابة عليه، بل ظلت ترتجف من ملامحه التي تحولت إلى غضب شديد غير مبرر له، يصرخ بها في جنون:
_ ليــــــه! أنا خوفتك مني صح.. خلاص مش هخوفك تاني صدقيني وهبقى هادي معاكي بس أنتِ متسبنيش.
جف حلقها من حديثه، ونبرته الحنونة بعد هجمة الصراخ المجنونة، في حين أنزل جمال مسدسه يحدق بها في لهفة منتظرًا اجابتها، تراجعت ياسمين عدة خطوات تحاول الحديث بنبرة مهزوزة:
_ أنا.. أنا مش هقدر صدقني أكون معاك.
تلقى حديثه بصعقة قوية، يشعر ببرودةٍ تسير بجسده بالكامل، بدأ يشيح بيده مرة أخرى الحاملة للمسدس قائلًا وهو يقترب منها:
_ ليه يا ياسمين.. أنا هتغير عشانك صدقيني.. خليكي معايا متعمليش زيها وتسبيني.
تراجعت ياسمين بذعرٍ حتى تعثرت بالأرض لتقع عليها وهي لا تزال تتراجع، تذرف الدموع بخوفٍ شديد منه، توقف جمال فجأة عن التقدم بعدما لاحظ حالة الذعر التي بها ياسمين، ثم قال بحزنٍ:
_ أنا كان نفسي نكمل سوا.. كنت بعمل كده عشان متسبنيش زيها.. أنا لما كنت حنين وبهتم بيها سبتني ووجعتني وخلتني عايش في مصحات نفسية بتعالج.. وهربت عشان اسألها ليه عملتي فيا كده! بس وقتها قبلتك.. كنت شبها أوي.. بس أنتِ معملتيش زيها وعشمتني بالحب زي ما هي عملت.. أنتِ أحسن منها.. أنا اللي كنت غلطان في حبي ليها.. أنا مستحقش حد ولا استحق اعيش تاني.. أكتر حاجة وجعتني هي إنك خايفة مني بالشكل دا..
توقف قليلًا ليأخذ أنفاسه، ثم أكمل يرفع مسدس بجهة رأسه:
_ أنا مش وحش.. الناس هي اللي خلتني وحش وصدقوا إني الوحش مش هما اللي وحشيين.. سامحيني على كل حاجة.
انهى حديثه ضاغطًا على زناد المسدس لتصرخ ياسمين تخفي وجهها بين راحتي يدها قبل أن ترى ما فعله، يرتجف جسدها بشدة، في حين وقع جسد جمال بلا روح بعدما ضاع ضحية لجنونه.
انطلق كل من بالمنزل سريعًا ليروا ما سر هذا الصوت، وتفاجأ جميعهم بوجود جمال جثة هامدة، ركض زين نحو ياسمين التي تجلس تضم قدمها لصدرها تبكي بصوتٍ عالي، تردد بخوف:
_ مات بسببي.. مكنتش اقصد بس..بس معرفتش اقوله حاجة.. أنا خايفة.
أخذ زين أنفاسه، ثم قال بهدوءٍ دافئ:
_ ياسمين.. ركزي معايا.. خدي نفسك يلا خدي نفسك تعالي نعمل تمارين التنفس هاه.
بدأ زين بأخذ أنفاسه ثم أخرجها ببطء، محاولًا سحب تركيز ياسمين له، وبالفعل استجابة ياسمين وبدأت بأخذ انفاسها معها حتى بدأت تسيطر على ذاتها، وقف زين أمام الجثة كي لا تراها ياسمين مجددًا وأشار لها بالنهوض قائلًا برفقٍ:
_ يلا تعالي نطلع سوا..
كادت أن تحرك رأسها نحو جمال لتسير عليه، ولكن سريعًا وقف زين أمامها فلم تستطع رؤيته ليستطرد زين قائلًا بحنوٍ:
_ أنا هتصرف معه.. يلا بينا متقلقيش من حاجة طول ما أنا معاكي.. إحنا خدنا عهد انك قوية وأنا واثق إنك كده مش صح!
حركت رأسها بإيجابية، تسير نحو شقيقته ملك التي تلقتها سريعًا تساعدها على الدلوف، في حين اتصل زين على الاسعاف كي يزيل جثة جمال من المنزل.
***********
أتت الاسعاف أخذه جثة جمال، وانطلق معهم ياسين ليرى الأمر، في حين دلفت زينة مع حفيدتها لتمنعها من رؤية منظر مخيف كهذا، بينما دلف زين مع مهران ومحمد إلى الداخل بالردهة، ولم ير أحدهم قطوف ومازن.
:_ ها ياسمين عاملة ايه؟!
قالها زين بقلقٍ شديد، في حين تأملته ملك بضحكٍ عليه فهي لم تهبط من الدرج وتجلس معهم كي يسألها:
_ متقلقش نامت دلوقتي.
تنهد زين براحةٍ، في حين استرسلت ملك بمكرٍ:
_ يا عيني على الحب اللي ولع في الدرة.
قذفها زين بوسادة على وجهها، ثم قال بنبرة مغتاظة:
_ ما تتلمي يا بت.
ضحكت ملك تمسك بالوسادة قبل أن تصيبها بوجهها، ثم قالت بحيرة متذكرة قطوف ومازن:
_ بس قطوف ومازن مصحيوش بعد صوت ضرب النار دا ليه؟!
أجاب زين بجدية:
_ اعتقد لأن الأوضة بتاعتها بعيدة عن صوت ضرب النار وكمان ممكن يكونوا قافلين الشباك ومش حاسين بيها.
حركت رأسها بفهمٍ، ثم عادت تتحدث بمكرٍ:
_ زي صاحبنا هنا بيلعب بالدرة.
نهض زين راكضًا خلفها، ولكن ركضت ملك نحو المطبخ تضحك بشدة عليه قبل أن يمسك بها، ابتسم زين لها، ثم قال وهو ينظر نحو محمد بحرجٍ:
_ هو احتمال نأجل كل حاجة لحد ما ياسمين تصحى ونطمن إنها هتقدر تقوم عادي بعد اللي حصل.
حرك محمد رأسه بإيجابية، في حين ابتسم مهران برضا يردف بهدوءٍ:
_ عين العقل يا ولدي.
*************
داخل غرفة قطوف..
فتحت عينيها بصعوبةٍ، لا تعلم كيف غرقت بالنوم هكذا؟ لم تشعر بشيء وكأن كانت بعالم أخر مليء بالراحة، نظرت على الثُقل الموجود على صدرها فوجدت مازن لا يزال نائمًا بعمق، مدت اناملها تداعب خصلات شعره بحنونٍ، تزحف ابتسامة صغيرة إلى شفتيها بعد رؤية ملامحه التي لانت أكثر من فعلتها، ولكن تحول جزء من تلك البسمة إلى حزن ما أن تذكرت ميرڤت وافعالها مع مازن، تنهدت بحزنٍ وشعرت بأن هناك ظُلم كبير وقع على مازن منها.
شعرت قطوف بحركة مازن، لتغمض عينيها سريعًا، قبل أن يراها، في حين فتح مازن حدقتيه وسرعان ما تذكر ما حدث وأنه غفى داخل احضان قطوف، نهض سريعًا يتطلع لها بقلقٍ، ثم قال بصوتٍ متحشرج:
_ قطوف.. قطوف قومي.
فتحت عينيها بخجلٍ منه، حاولت أن تخفيه ولكن لم تستطع، في حين أكمل مازن بذات القلق:
_ أنتِ كويسة؟ أنا مش عارف نمت إزاي كده.. أنا أكيد..
قاطعته قطوف متعجبة من قلقه الزائد قائلة:
_ اهدى يا مازن محصلش حاجة.. أنا كويسة وأنت نمت غصب عنك.
تنهد بقليلٍ من الراحة، ثم قال بهدوءٍ به بعض التعجب:
_ طب ليه مسبتنيش أنام وقومتي؟!
اخفضت قطوف بصرها، يتلون وجهها بالخجل، ثم قالت بصوتٍ هامس:
_ أنت نمت ولما جيت اقوم مسكت فيا.. ومرضتش اسيبك.
وضع مازن يده على مؤخرة رأسه ثم قال بحرجٍ:
_ أنا محستش فعلًا بحاجة.. لأن دي أول مرة أنام مرتاح ومن غير تعب.
زحفت بسمة صغيرة على شفتيها، ثم نهضت من الفراش كي تغادر الغرفة ولكن اوقفها مازن مرددًا :
_ قطوف.
توقفت عن التحرك، ليسترسل مازن بتنهيدة يقف خلفها مباشرةً:
_ لسه مش قادرة تسامحيني؟!
امسكت قطوف بمقبض الباب، تجيب بصوتٍ هادئ:
_ صدقني أنا عايزة اتخطى اللي حصل.. بس مش قادرة اتخطاه.. اللي حصل مش قليل على واحدة بنفس شخصيتي.
أغمض مازن عينيه بحزنٍ، يشعر بأن طريقه سيصل للنهاية غير مرجوة، ولكن أكملت قطوف ببسمة صغيرة وكأنها تعيد زرع نبته كادت أن تقطع:
_ دي أول مرة أنام مرتاحة ومش خايفة من حاجة.
غادرت الغرفة سريعًا، في حين نظر مازن لظلها وابتسم ضاحكًا أن الأمل سيظل موجود.. عاد يجلس على الفراش ولكن تلك المرة كي يُعد ذاته وافكاره لإعادة قطوف حياته مجددًا.
************
انتهى ياسين من جميع الإجراءات اللازمة، وعاد مجددًا إلى المنزل، في حين استيقظت ياسمين وأصبحت بحالة أفضل ولكن تبدل شعورها وأن كابوس جمال قد انتهى للأبد، في حين جلست قطوف مع ملك وزينة وعلمت منهم ما حدث، وزفرت براحة أن شقيقتها بخير.
***********
بالمساء..
انتهى الجميع من تناول العشاء، وجلسوا سويًا، أتت قطوف وملك وياسمين ومعهم ورد الصغيرة يحملن أطباق للمقرمشات والتسالي الليلية، ووضعها بالردهة وبدأوا باللعب بأوراق الكوتشينة، في حين جلس مهران ومحمد سويًا يروي مهران لشقيقه بعض الأمور عن والده وغيرها..
صاح ياسين وسط الجميع بغيظٍ:
_ لا كده ظُلم بجد.. مش كل ما ألعب يتحكم عليا.
ضحك زين على شقيقه، في حين ابتسمت قطوف بمكرٍ وهي تراه مغتاظ بشدة، رفعت هاتفها قائلة بنبرة ماكرة:
_ أنا قررت ادي الحُكم لمريم هي اللي تقوله.
وضع ياسين يده أسفل ذقنه، يردد بهيامٍ:
_ بومتي.. لا براحتها تحكم زي ما هي عايزة.
ضحكت قطوف واضعة يدها على فمها، في حين اجابت مريم على الاتصال لتسرع قطوف بقول:
_ مريم أنا فاتحة مكبر الصوت والعيلة كلها سمعاكي.
قطبت مريم جبينها بتعجب، تردد بحيرة:
_ ليه! أنتِ عايزة تفضحي صحبتك يا قطوف!
وضعت قطوف يدها على وجهها من دهاء صديقتها، في حين تحدث ياسين بسخرية:
_ بومة وكمان غبية.. لا بجد فخور بيكي.
اشتعلت عين مريم بغيظٍ، تردف باندفاع:
_ بقولك إيه ابعد عني ياض هي مش ناقصة.. مش كفاية ظابط نص كم ومستحملينك.
حمحم ياسين بعد حديثها، يردد بحرجٍ مزيف:
_ أنا بقول ندخل في الموضوع.
ضحكت ملك عليها، ثم قالت بمكرٍ:
_ اصل احنا بنلعب وياسين خسر والمفروض يتحكم عليه من قطوف.. وقطوف قررت تديكي الحُكم.
ابتسمت مريم بسعادة، ثم قالت ببلاهة:
_ خليه يشرب كوباية مايه كبيرة على بوق واحد.
تنهد ياسين براحة وهو يتطلع للهاتف مرددًا بحبٍ:
_ بومة وغبية بس حنينة.
ضحك جميع من يجلس، في حين رددت مريم قبل أن تغلق الهاتف:
_ اتصدق أنتِ تستاهل تاكل نص كيلو فلفل حراق عشان لسانك يتلم.. سلام.
علت ضحكت الجميع وعادوا مجددًا للعلب ولكن توقف زين عندما قال بنبرة أخجلت ياسمين:
_ بكرة نجيب الدهب ونجهز نفسنا لكتب الكتاب.. والفرح بقى ممكن..
قاطعته ياسمين تردد بخجلٍ:
_ خلي كتب الكتاب مع الفرح في قاعة كده حلوة وبسيطة.
اتسعت ابتسامة زين ما أن رأى موافقتها، في حين نهضت ورد تصفق وهي تدور حول ذاتها قائلة بسعادة:
_ بابا هيتجوز.. بابا هيتجوز.
ضحك ياسين على ورد، وابتسم بمكرٍ على خططته التي ستنفذ بالغد، في حين وافق الجميع على حديثهما، ثم عادوا يكمل تلك السهرة العائلية الدافئة من جديد.
************
قررت قطوف أن تقضي ليلها مع نباتها، فجلست على مقعد قريب منه أسفل ضوء القمر الخافت، تتلقى نسمات الهواء بهدوءٍ، أغمضت عينيها تستمتع بهذا الجو حتى غفت دون أن تشعر، ولكن لم تغفو بشكل كلي فشعرت بصوت اقدام قريبة منها كادت أن تنهض لترى من ولكن لا تعلم سر جمودها فجأة وانتظر القادم، ربما شعر قلبها به.
جلس مازن جوارها يتأمل ملامحها بحبٍ ثم همس بنبرة ماكرة بعدما شعر بعدم انتظام انفاسها:
_ من النهاردة لزمًا تنامي في أمان.
استمعت قطوف للجملة وما كادت أن تفهمها حتى وجدت نفسها في الهواء يحملها مازن بحنوٍ، شهقت بخوفٍ ممزوج بخجلٍ، في حين علت ضحكت مازن عليها، ليكمل همسه قائلًا:
_ مش كنت نايمة؟!
حدقت بعينيه أسفل ضوء القمر، كادت أن تعنفه بالكلام ولكن صمتت، فهناك لحظات لابد من أن يخضع اللسان للصمت، ابتسم مازن بحبٍ متأملًا حدقتيها ثم قال بهمس:
_ أسمك قطوف.. وأنتِ قطفتي حياتي.. بس قطفتيها من الوجع عشان تتزرع في بستان حُبك.
التمعت عينيها من جديد، تعلم أنها تريد المجازفة من جديد وأن تعود له ولكن فاقت من شرودها على صوت ياسين القادم، هتفت سريعًا وهي تسمع صوته يقترب:
_ نزلني يلا بسرعة.. ياسين جاي.
حرك مازن رأسه نافيًا، يجيبها ببرودٍ:
_ لاء.. أنا مرتاح كده.
لم تجد وقت فقد اقترب ياسين ولن تستطيع أن تجادله، لتغمض حدقتيها تضع رأسها على صدره تمثل النوم، كتم مازن ضحكته على طريقتها، في حين أتي ياسين مرددًا بجدية:
_ مازن أنت عامل حسابك على مفاجأ.. ايه دا قطوف أنت شايلها كده ليه؟!
ابتسم مازن بهدوءٍ، يردد وهو يتطلع لوجهها الذي اخفته بصدره:
_ مفيش نامت على الكرسي هنا وقولت اطلعها فوق عشان متتعبش.
حرك ياسين رأسه، ثم قال دون وعي:
_ ربنا يهديها يا أخي.. دي دماغها انشف من الحجر.. أنا مش عارف البت دي طالعة لمين.. دا حتى عمي محمد طيب.
شعر مازن بتشنجات قطوف، وعلم أنها تريد أن تنقض على ياسين ولكنها تملكت نفسها، في حين كتم مازن ضحكه يردد بتحذير:
_ عيب يا ياسين متقولش كده.. دي مراتي.
أشاح ياسين بيده يردف بسخرية:
_ مراتك ايه يا عم اسكت.. دي عايزة ديل جاموسة ينزل على وشها يمكن ترجعوا لبعض ونخلص.
لم يستطع مازن أن يمسك ضحكته في حين رفعت قطوف وجهها تراه بعدما اختفى، لتردف بغضب محدقة بمازن:
_ عيب يا ياسين.. دي مراتي.. ما تقوم تديله الراضعة بالمرة.
ابتسم مازن بمكرٍ يردد بخبث:
_ ما بلاش تيجي عليا.. شوفي مين متحكم في مين.
رمقته بنظرة غاضبة ثم اشاحت بوجهها بعيدًا، في حين تحرك مازن نحو الداخل لتهمس قطوف بغضب:
_ نزلني أنت استحلتها.
رفع حاجبه ببرودٍ يردد:
_ لاء.
ثم اضاف بمكر:
_ ميصحش برضو ابعدك عن الأمان اللي في حضني.
تلون وجهها بحمرة، تردد بغيظٍ محاولة اخفاؤه:
_ اتصدق إني غلطانة إني بعالج الجفاف العاطفي اللي عندك.. أنت متستهلش غير قحط عاطفي أصلًا.
هز مازن يديه قليلًا لتتشبث به قطوف خوفًا من أن تقع، ليهمس مازن سريعًا بمكر لم يتخلص منه:
_ كنت بتأكد أن كنت بتعالجيني.. ولا حضني اللي بيعالجك.
عضت على شفتيها بحنقٍ، ثم غمغمت بضيق:
_ بقولك ايه شيل وأنت ساكت.. خليني أخلص من الليلة دي.
وبالفعل لم يرغب مازن بأن يضغط عليها بعدما رأها تهرب من رؤية حدقتيه، حملها إلى الأعلى ولم يعقب أحد ثم تركها على الفراش وانطلق يبدل ملابسه لأخرى مريحة، وعاد مجددًا لسرير ولكن تلك المرة لم يطالب قطوف بشيء، في حين وقفت قطوف تتطلع له بحيرة، فظنت أنه سيخبرها أن تنام الليلة معه ولكن لم يفعل، تنهدت بحيرة ما الذي ستفعله، ولكن حسمت أمرها في أن تنام معه الليلة، وبالفعل نزعت حجابها ثم نامت على الفراش بهدوءٍ شعر بها مازن لتزحف بسمة صغيرة على شفتيه، وما هي إلا دقائق حتى ألتفت لها ووضع رأسه بين احضانها لينعم كلًا منهما بهذا الدفء مجددًا.
*************
صباحًا..
وقفت ياسمين داخل محل الذهب مع عمها مهران وزين وقطوف ومازن، وباقي افراد العائلة، تختار ما يناسبها من خاتم، ظلت بحيرة شديدة بين نوعين من الخاتم فسألت شقيقتها مرددة:
_ قطوف اختار انهي واحد.. المنقوش ولا السادة؟!
ابتسم قطوف لها بحب، ثم اجابة:
_ أنتِ عينك لما بتروح عليهم بتروح على مين الأول!
نظرت ياسمين على المنقوش وقالت وهي ترفع يدها بالخاتم:
_ دا.
حركت قطوف رأسها بإيجابية مرددة بحنوٍ:
_ خلاص يبقى هو دا.
ابتسمت ياسمين بسعادة، ثم عادت إلى الرجل كي تخبره بما اختارت، في حين نظرت قطوف لبعض الخواتم فوق بصرها على خاتم هادئ مثل دبلة الخطوبة ومعه خاتم أخر ذو جوهر من المنتصف ما يطلق عليهما ( تونز) ابتسمت قطوف له فأخرجها مساعد البائع لها كي تجربها، ابتسمت قطوف بحرجٍ وكادت أن تحرك رأسها بنفي، ولكن أمسك مازن الخاتم من الرجل يردد بدفء:
_ هاته أنا هلبسهولها.
امسك مازن بالخاتم ثم بيد قطوف وقام بوضع الخاتم بأصبعها فكان على مقاسها بضبط، ابتسم قطوف للخاتم بحب، في حين نظر مازن للرجل وردد بهدوء:
_ خلاص شوف حسابه كام وهشتريه.
نظرت قطوف نحو مازن بصمت، في حين غمز مازن لها قائلًا بحب:
_ لو مفهمتش العيون دول عايزين إيه يبقى مستهلش ابصلهم.
ابتسمت بخجلٍ ولكن وجهها يشع بسعادةٍ غريبة، في حين لاحظ مهران ما حدث وحرك رأسه برضا عما به أولاد شقيقه.
انتهوا من شراء الذهب، وانطلق ياسين نحو عيادة مريم كي ينفذ خطته التي اتفق بها مع العائلتين، يصعد إلى الداخل وما أن دلف حتى اشارت له المساعدة بأنها تجلس بداخل المكتب، دلف ياسين فجأة عليها يردد بسرعة:
_ بقولك ايه هتتجوزيني ولا لاء!
انتفضت مريم من مقعدها، تضع يدها على صدرها تحاول ضبط انفاسها، تردد بغيظٍ:
_ في حد يعمل في حد كده.
تقدم ياسين حتى وقف أمام المكتب، يردد بعجلةٍ:
_ هاه انجزي هتتجوزيني ولا لاء!
قطبت جبينها بتعجب من طريقته، ثم قالت بغيظ:
_ لاء هاه.
ابتسم ياسين ببرودٍ، ثم قال:
_ كنت متوقع كده.. اتفضل يا مولانا العروسة جاهزة.
دلف المأذون إلى العيادة ومعه مهران ومحمد وعم مريم ووالدتها وباقي أفراد عائلة العطار، اتسعت عين مريم بصدمة مما تراه، في حين عاد ياسين للحديث قائلًا بحماس:
_ يلا ابوس ايدك لحسن أنا استويت انتظار.
ضحك المأذون عليه، وبدأ بالفعل في كتب الكتاب، ضيقت مريم عينيها بشكٍ ثم نظرت لوالدتها التي حركت رأسها قائلة:
_ ايوة أنا اخدتك عشان تعملي تحاليل كتب الكتاب مش انيميا زي ما أنتِ فاكرة.
رفعت مريم حاجبها بغضبٍ تردد بحنقٍ:
_ طلعتوا متفقين عليا بقى!
ابتسم عم مريم، ثم قال بحبٍ:
_ لو لفيتي الدنيا بحلها مش هتلاقي واحد يحبك قد ياسين.. فضل كتير معايا بيحاول بس إني اوافق على كتب الكتاب بشكل دا.. ولولا عارف إنك بتكبري انك تعترفي بأنك عايزاه مكنتش وافقت.
تلون وجه مريم بخجل، في حين ردد المأذون بجدية:
_ موافقة يا بنتي؟!
ازداد خجل مريم أكثر ولم تستطع النطق، في حين ردد ياسين برجاء:
_ لا أبوس ايدك اخلصي بقى أنا بقالي شهر بلف حولين نفسي مع البيت كله عشان يوافق.
ضحكت مريم بخفة عليه، ثم حركت رأسها بإيجابية، تجيب:
_ موافقة.
أكمل المأذون مراسم الزواج واختتم بجملته الشهيرة( بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير)
علت الزغاريد في العيادة، وتنطلق ياسين نحو مريم يحتضنها بشغف مرددًا بسعادة ظاهرة:
_ أخيرًا بقى ههيص بالحلال.
لم تعلم مريم ماذا تفعل! فتجمد جسدها، في حين ضرب عم مريم كتف ياسين قائلًا بغيظ:
_ ما تتلم يا ولد.
عبست ملامح ياسين له، ثم قال مبتعدًا عنها:
_ يا عمي أنا كان هيجيلي شلل منها عشان توافق.. واهوه سمعت بنفسك لما جيت قولتلها هتتجوزيني ولا لاء قالت لاء!
ضحك عم مريم على طريقته، ثم بادله الحديث بمكر:
_ هو في حد يدخل العيادة زي الهجامين كده ويقولها هتتجوزيني.
مط شفتيه بحنقٍ، ثم قال بضيق:
_ هو أنا كنت اتجوزت قبل كده عشان أعرف!
هنا ظهر صوت مريم المغتاظ تردد:
_ مشوفتش فيديوهات قبل كده عن الكابل.
حرك ياسين رأسه بنفيٍ، يجيبها بصوتٍ ساخر:
_ العيال التوتو دي اللي ينزل على ركبه ويجلي رباط صليبي عشان اقولك اتجوزك.. لا يا بومتي مليش في التوتو موتو دا.. ثم أنا أهوه دخلت من بابا عادي و قولتلك هتجوزك قولتي لاء واتجوزنا والدنيا زي العسل.
حاولت مريم استيعاب ما يقوله، لتردف وهي تدفعه عن وجهها قائلة:
_ لاء هاتوا المأذون تاني.. أنا مش هستحمل البني آدم دا.
سارت خارج العيادة، في حين ركض خلفها ياسين والباقيين يضحكون على طريقتهما، فهي أغرب زواج حدث للجميع.
***************
بدأ الجميع يستعد لزفاف مريم وياسين الذي أعد كل شيء… وأيضًا زين وياسمين، فأصبح الجميع مشغول بإعداد شقتهم بالقاهرة، فقد قام زين بشراء شقة له، وقام ياسين بإعداد الشقة التي كان يسكن بها، في حين كانت الفتيات يخرجن بكل يوم كي يكملوا ما تبقى لهم من تجهيزات للشقة ولأشيائهن.
********
وبيوم بعدما تجمع الشباب والفتيات على طاولة الطعام، أخبرهم مهران بأنه يريدهم بعد الغداء كي يتناولون الشاي، وبالفعل جلسوا سويًا يحتسون الشاي ليبدأ مهران بالحديث بنبرة هادئة دافئة تلفت انتباه الجميع:
_ اليوم يا أولادي سأخبركم بقصة.. لا أعلم أهي قصة الأخيرة التي سأرويها لكم أم لدي حكايات أخرى.. ولكن قصة اليوم سمعتها من الشيخ الشعراوي رحمه الله.. قال أن هناك شخصين متخاصمان.. فقال أحدهما: ( أن هذا ظلمني يارب فخذ من حسناته وأعطني منها) فأجابه الله ( ليس له حسنات) فعاد هذا الشخص يقول( إذًا خذ من سيئاتي واعطه يارب) فأجابه الله( أَوَ يرضيك أن يكون لك سيئة!) احتار الرجل بهذا الوقت ولم يعلم كيف يأخذ حقه من هذا الرجل، فقال( كيف اقتص منه؟) فقال الله( أنظر يمينك) نظر الرجل يمينه فوجد الجنة بها أنهار ونخيل وما لا عين رأت كما ذُكر بالقرآن، فشعر الرجل بسعادة من رؤيتها فعاد وقال لله( إنها جميل يارب كيف أحصل عليها) اجابه الله( أن تأخذ بيد أخيك إلى الجنة)
الحكمة هنا يا أولدي أن تحاولوا أن تعفوا بقدر المستطاع.. فالعفو عند المقدرة هذه العبارة نستمع لها كثيرًا ولكن لا ينفذ معناها سوى القوي.. فحاولوا أن تسامحوا وتصفحوا فإن الله عادل فوق سبع سموات وسيعطيك بدلًا عن هذا الظلم خير لم تحلم بيه من قبل فقط الصبر يا أحبابي وتأملوا رحمة الله عز وجل كم هي جميلة وأنتم ستجودون بحياتكم أمور رأيتم بها رحمة الله عز وجل، في نهاية حاولوا أن تأخذوا بيد بعض إلى الجنة.
ابتسموا جميعًا لتلك القصة الجميلة والعبارة منها، ولكن جميعهم نظر إلى مازن الذي نهض يقف أمام قطوف مرددًا بنبرة دافئة:
_ موافقة تاخدي بإيدي للجنة وتسامحيني!
نظرت قطوف ليد مازن ولعينيه اللتان تلتمعان بالحب لها، فكم هي دافئ تنعم قلبها بالدفء، نهضت من مكانها ولم تمد يدها ثم فجأة قفزت بأحضان مازن قائلة بنبرة خجولة بعدما علا صفير ياسين وضحك الفتيات:
_ كان بيننا حرب حتى سُلبت الراء.. فاكر قولتها ليا قبل كده وجه الدور عليا..
أغمضت عينيها بعدما لفت ذراعيها حول عنقه، تهمس بحبٍ:
_ بحبك يا مازن أوي.
لم يصدق مازن ما سمعه، فقط كان يريد أن تخبره بالمسامحة ولكن منحه الله اعتراف منها بحبها له، أنار وجه مازن بالسعادة حتى أصبح لابتسامته صوت يعلو، في حين ضحك مهران وهو يتطلع لقطوف التي اصطبغ وجهها بحُمرة الخجل، تمسك بيد مازن الذي حاوطها بذراعه، ينظر لخاله بشكرٍ، فقد فطن كلاهما معنى الحب، فهم القلب أخيرًا ما يريد دون أن يقع عليهما عائق اضطرابات نفسية مروا بها، فطنة القلب هي فهم القلب للمشاعر التي يمر بها وأن يعلم ما هو الحب الحقيقي فما كان مستحيلًا بيد الله يصبح ممكن.
*************
حل المساء عاد جميعهم لغرفته، في حين دلف مازن مع قطوف لغرفتهما، ولكن تلك المرة كلاهما يحمل بسمة هادئة على وجههما، هتف مازن بصوتٍ جاد:
_ كنت عايز اكلمك في موضوع مهم يا قطوف.
نظرت له باهتمام، مجيبة:
_ قول أنا سمعاك.
تنهد مازن جالسًا على الفراش بهدوء، ثم قال بصوتٍ هادئ:
_ فكرت أننا نعيش في البلد مع خالي مهران ونشتري أرض هناك بالفلوس الأجانس والشغل بتاعي ونبدأ هناك.. عشان هنا كل حاجة باظت وحتى لو حاولت اعمل مشروع هخسر بسبب اللي حصل.
مدت قطوف يدها نحو يد مازن ثم امسكتها بقوةٍ، تردد بنبرة تحمل العشق بطياته:
_ لو هتروح فين أنا معاك يا مازن.. وعلى فكرة البلد هناك جميلة وفعلا القاعدة هناك هتبقى مختلفة وحياتنا تبدأ في مكان أنا شوفت فيه حُبك.
ابتسم مازن لها بحبٍ، ثم قال بنبرة تحمل السعادة:
_ أنا النهاردة بس حاسس إني وصلت لأكبر وأهم حلم ليا.. أنتِ يا قطوف كنت أهم حلم ليا وربنا ساعدني احققه.. مش هطلب دلوقتي منك غير نصلي سوا ركعتين شكر ليه.
ابتسمت قطوف محركة رأسها بإيجابية، وبالفعل بدأ كلاهما بالوضوء، و الصلاة حامدين الله على ما حصلوا عليه من نعم، وما أن أنهوا الصلاة حتى اختتموا تلك الليلة برحيق خاص من العشق خاص بهما.
**************
مر شهر قد انتهوا جميعًا من اعداد مراسم الزفاف والشقة الخاصة بياسين ومريم وياسمين وزين، اللذان علما بقرار مازن في العودة إلى البلد فقرروا أيضًا أن يقيموا بالبلدة وأن يأتوا بالصيف إلى القاهرة مجددًا… كما عملت قطوف بخبر حملها من مازن والذي أسعد الجميع بشدة.
***********
بيوم الزفاف..
:_ نهارك مش فايت.. العربية موصلتش وأنا روحت الكوافير بأوبر يا مفتري.
قالها ياسين عبر الهاتف لصديقه الذي أخبره أنه سيزيفه بسيارته، هتف صديقه بحنقٍ:
_ اعملك ايه اللوكشن تاه مني.. استنى ساعتين بس واكون وصلت.
جحظت عين ياسين بصدمة، يردف بغيظٍ:
_ ساعتين ايه ياللي اشوف فيك يوم.. دا البت خللت في الكوافير وخايف ادخل اقولها إني جيت بأوبر ليها.. اخويا وصل اقفل اقفل.
أغلق ياسين هاتفه، ونظر حوله بحسرةٍ، فقد أتى شقيقه بسيارة التي ترجل منها، يتقدم نحوه بملامحه الجادة الهادئة، قاطبًا جبينه بتعجب، يعلو صوته بتساؤل:
_ فين عربيتك؟!
منحه نظرة متحسرة ثم اجاب:
_ الواد تاه مني واضطريت اجي بأوبر هنا.. وقدامه ساعتين عشان يجي على هنا.
اتسعت عين زين بصدمة، في حين وجد ياسين شيء خلف زين نظر له وابتسم ببلاهة، في حين تحدث زين بغيظ:
_ قعدت تقول صحبي دا ممتاز.. صحبي هيعمل الواجب ومرضتش تحجز معايا.. اهو صحبك عمل الواجب ولبسك في الحيط.
عبست ملامح ياسين من حديثه، يردد بتذمر:
_ بقولك ايه ياعم أنا فرحي النهاردة متنكدش عليا.
عوج زين فمه بسخرية، ثم قال:
_ وهتتصرف إزاي؟!
نظر ياسين نحو جهة معينة جعل زين يلتفت لها وسرعان ما جحظت عينيه متمتمًا بصدمة:
_ أنت بتفكر في إيه يا مجنون!!
************
:_ يابنتي ما تبصيلي شوية بقى!
قالها زين بتذمر من فتح ياسمين للنافذة السيارة المتجهة نحو قاعة الزفاف، في حين اشارت ياسمين لزين بأن يصبر، تجيبه بحماس:
_ استنى يا زين وبص على شكلهم وهما بيسوقوا السكوتر.. وجايين ورانا.. طب اتصدق مريم شكلها يهبل بالفستان والسكوتر كده وهي بتسوقه يوم فرحها.
ضحك زين متذكرًا ردة فعل مريم بعدما علمت أنها ستأتي بالسكوتر وبصعوبة اقنعها ياسين بهذا الأمر، وبدأت بقيادته ولحسن الحظ أن الفستان ليس ضخم بالشكل المزعج.
هتف زين بضحك ساخر:
_ دي كانت هتقتله لما عرفت.
عادت ياسمين تجلس جواره مرددة بفرحةٍ:
_ بس شكلهم يخطف القلب.
:_ أنتِ اللي خطفة قلبي بشكلك دا.
قالها زين غامزًا إلى ياسمين التي خجلت ونظرت بعيدًا عنه، علت ضحكت زين وأمسك بيدها يشعر بسعادة أنها أصبحت ملكه ويحق له أن يتأملها كما تمنى.
***********
:_ بت يا مريم إيه رأيك؟!
قالها ياسين وهو يقود السكوتر الخاص به، ردت مريم بصوتٍ عالي قائلة بسعادة:
_ حلوة يا ياسين.. الموضوع طلع حماسي أوي.
علت أصوات السيارة مازن وقطوف التي تجلس جواره بالمقعد الأمامي تضحك بشدة على صديقتها، تردد بصوتٍ تحاول ضاحك:
_ لا بجد شكلهم خرافي.
بادلها مازن الضحك، يجيبه وهو يضغط على بوق السيارة:
_ معاكي حق.. بس الواد ياسين دا طلع مش سهل.. هو حلف ليكمل الجوازة يعني هيكملها.
بدأت باقي السيارات العائلة برفع صوت بوق السيارة لهم تلك العادة المصرية التي تدلف الفرحة بقلوب الجميع، ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا بل دلف اشخاص بالطريق يساعدهم بتلك الزفة الصغيرة يشعلون الحماس معهم ويعم الجو بالسعادة.
عزيزي القارئ ربما تكون هذه النهاية غير مرضية لك ولكن أردت أن أخبرك أن تلك هي النهاية قصة هادئة علمنا منها الكثير والكثير.. ولكن اليوم سأكتب تمت بحمدالله

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى