Uncategorized

رواية البوص الفصل الثالث عشر 13 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل الثالث عشر 13 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثالث عشر 13 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثالث عشر 13 بقلم يمنى عبد المنعم

الحقيقة
شاهدت آخر شيء توقعته فقد كان ابراهيم شاهراً سلاحه باتجاه البوص… الغارق في دماءه مستلقياً على الأرض.
اتسعت مقلتيها بقوة شديدة…. مهرولةً صوبه بلهفة، تدنو منه بعدم تصديق لما حدث للتو قائلة بتلقائية: سللليم……!!!!
لم يجيبها البوص بأي شيء فزاغ بصرها بتوتر رهيب، رفعت بصرها إلى ابراهيم مستطرده بحدة: قتلته ليه يا مجرم… إنت مش المفروض بتشتغل عنده…. ودراعه اليمين.
لم يرد عليها إنما ظل صامتاً وغموض كبير يلفه، جعلها تنتبه لما  أقدمت عليه وفعلته من كشف حقيقتها بهذه السرعة.
مما أدى إلى ذُعرها من جديد حاولت تناسيه لكن يد البوص وهي تتحرك ببطء جعلتها تشك في الأمر… امعنت نظرها في ملامح وجهه كثيراً حتى ساورها الشك أكثر.
ابتعدت خطوة إلى الوراء لكن صوت إطلاق رصاصةً بالهواء من ابراهيم أفزعتها جعلتها تتيبس في مكانها دون حراك.
قائلاً بهدوء مميت: عندك إوعي تتحركي، هزت رأسها باضطراب مصحوب برعب… جف حلقها على الفور من هذا التهديد بالسلاح، وما هو إلا أقل من دقيقة حتى كان البوص يقف شامخاً أمامها على قدميه.
لا يوجد به خدش واحد… مدققاً في محيا وجهها الشاحب، تمنت ملك أن تسقط مغشياً عليها من هذا الفخ الذي نُصب لها من  قِبل هؤلاء…. المجرمين حتى يكتشفوا حقيقتها الكاذبة.
هرب الدم من وجنتيها تريد الفرار والأحتماء من نظرات عيونه القاسية التي تريد الفتك بها حالاً.
قائلاً ببرود ساخر: عنك إنت يا إبراهيم…. ثم أخرج من تحت سترته سلاحاً آخر من غمده، موجهاً إياه إلى ملك…. في حين انصرف ابراهيم مغادراً المكان.
مدت فريدة يدها نحو الدرج ببطء وحرص شديد تريد فتحه أكثر، لكن قبضةٍ قوية امتدت فوق يدها، كادت أن تسحقها بقوة…. نزعت عنها الأمل الأخير في معرفة ذلك السر المخبأ به.
واجه عاصي نظراتها القلقة بمزيد من النظرات المشتعلة لتجرأها على ما فعلته الآن من فتح درج خاص به يوجد به سر دفين.
لا يريدها أن تعرفه، ايقنت أنه غاضب ووصل إلى مرحلة خطيرة عليها، حاولت سحب كفها من قبضته لكنه لم يسمح لها بذلك، قائلاً بانفعال: نفسي أعرف جبتي الجرأة دي منين إنك تسمحي لنفسك تفتحي درج خاص بمكتبي ها.
لم تقوى على التحديق به، إنما أشاحت ببصرها بعيداً عنه بالرغم من ألمها مكان قبضته إلا أنها تتحامل على نفسها.
استطرد بحدة غليظة: ما تردي ما بترديش ليه ولا تكون القطة أكلت لسانك ولا حاجه، اومأت برأسها رافضة قائلة بخفوت: أنا … أنا آسفه بســــــ
قاطعها بتشديد قبضته حول كفها، تأوهت واضحاً على محياها الألم قائلاً بغضب: بس إيه إنطقي أنا كذا مرة منبه محدش يقرب من حاجتي الخاصة … حتى لو كنتِ إنتِ.
شعرت بغصة بحلقها هامسة بحزن: طب من فضلك سيب إيدي خليني أروح أذاكر…. تركها ببطء وضيق قائلاً بحنق: إنتِ اللي بتضطريني لكده…. اقعدي يالا خليني أذاكرلك.
تراخت أهدابها قائلة بخفوت: خلاص أنا هذاكر لنفسي… عن إذنك، قبل أن تخطو ناحية الباب، أسرع قائلاً بعصبية: شكلك عايزة تضربي علشان تسمعي الكلام.
تطلعت إليه بخوف من تهديده الصريح … فتراجعت بجلوسها مكان ما أشار إليها بيده.
قائلاً بغلظة: دايماً كده بتجبيه لنفسك وانتِ عارفه اني مش بهزر في حاجه زي دي.
تنهدت باستسلام ثم ناولته كتاب كان بيدها قائلة بهدوء مفتعل: اتفضل الكتاب أهوه…. أخذه منها بضيق قائلاً: هاتي وسيبك من السرحان اللي كل ما أذاكرلك يجيلك ده.
اومأت برأسها بالموافقة قائلة بارتباك: حاضر هاخد بالي من كل حاجه بتقولها.
تثبتت قدمي ملك في الأرض فلم تعد تقوى على الحراك فا هي قد وقعت في فخ وشباك عظيم قد نُصب لها واندفعت وراء عفويتها وانكشفت الحقيقة أمامه.
فلم يعد لديها السبيل بالفرار لقد انتهت كل محاولاتها بالفشل الذريع، فقد ألجمت الصدمة قواها العقلية والنفسية.
اتسعت عيونها تحملق به فقط دون أن تنبس ببنت شفه…. ضحك البوص من ردة فعلها الحمقاء، مشيراً برأسه لابراهيم بالانصراف ومغادرة المكان في الحال، ركض الأخير بتلبية طلبه على الفور.
قائلاً بغلظة: إيه مالك متفاجئة مش كده…. 
جف حلقها وهو يقترب منها بخطواته المهددة ومن نبرة صوته الغاضبة…. تراجعت خطوة للوراء رغماً عنها، فابتسم ساخراً هذه المرة.
هز رأسه بتهكم شديد للبلاهة التي بدت واضحة عليها…. مصوباً سلاحه ناحية وجهها مباشرةً…. هرب الدم أكثر من وجنتيها مصحوباً بنبضات قلبها السريعة التي ترجف بخوف زائد.
طال صمتها الممل هذا… فأشار لها بسرعة التحدث، مستكملاً حديثه إليها بنبرةً عالية: ما تردي يا قطة وتنطقي ولا صوتك وحش ومش عايزاني اسمعه.
قفزت من مكانها بتلقائية وذعر شديد انتابها بعد صوته المخيف هذا، ترمق السلاح برعب.
قائلة بتلعثم:لا….لا… أنا… أنا…. قاطعها البوص بجذبها من شعرها بقسوة حتى شعرت بأنه سيقضي عليه في الحال…. شهقت بريبة وألم بعفوية.
قائلاً بصوتٍ هادر: ما تتكلمي وتقولي الحقيقة ولا تحبي تاخدي رصاصة في لسانك وتبقي خرسا بجد… 
لم تعد تقوى على كبح دموعها أكثر من ذلك قائلة بألم وضعف: حاضر…. حاضر هتكلم.
شدد قبضته حول شعرها وعينيه المشتعلة تكاد تقتلها وتشعلها بنيرانه المستعره بداخله… قائلاً بثورة: وفري دموعك دي لبعدين واتكلمي وقوليلي حقيقتك يا كدابة يا نصابة….. ومين اللي بعتك علشان تتجسسي عليا.
ثم ألقى بها على الأرض بعنف بغتةً، واقفاً أمامها كالمارد… صرخت ملك بفزع ووجع من قسوته الغاضبة تلك.
قائلة بنحيب: صدقني أنا مش جاسوسة زي ما بتقول متظلمنيش بالشكل ده…. زادت كلماتها انفعاله فدنى منها مقرباً سلاحه من فمهما مهدداً إياها بقوله الجهوري: شكلي كده هقلع لسانك برصاصة.
هزت رأسها سريعاً بالنفي، ترتعد من الهلع والخوف من تهديداته المتواليه قائلة باضطراب خائف: هقولك كل الحقيقة بس ابعد المسدس عني.
زفر بنفاذ صبر قائلاً بخشونة: مش هبعده ومش واحدة نصابة زيك هتضحك على البوص سليم الأنصاري.
اومأت برأسها بالايجاب سريعاً… تحاول إجبار نفسها على التحدث بكل ما بداخلها من حقيقة…. على الرغم من نظراته المخيفة لها.
قائلة بتوتر: أنا… أنا اسمي… اسمي ملك خريجة كلية آداب قسم علم نفس…. هربت من بيت أهلي في نفس اليوم اللي شفتني فيه وأخدتني على المخزن بعدها وحبستني بعد ما وقعت في طريقك صدفة…. مش زي ما انت ما بتقول… جاسوسة.
صمت طويلاً يرمقها بنظراتٍ قاتمة ذات تفكير شارد غريب، مقترباً من وجهها هامساً بصوتٍ مخيف: وانتِ بقى مفكرة اني هصدق كلامك الساذج ده….
هبطت عبراتها غزيرة هذه المرة تمتلىء بمزيد من الذعر…. تدافع عن نفسها بلهفة قائلة بتردد مرتبك:أنا مظلومة صدقني وطول عُمري في حالي، ولا أعرف مين هوه أدهم الصاوي.
جحظت عيناه فجأة بطريقةً أرسلت القشعريرة إلى جسدها…. جاذباً إياها من ذراعها ضاغطاً عليه بقوة قائلاً بخشونة: ولما ما تعرفيش حاجه عنه عرفتي اسمه إزاي ها انطقي…
ابتلعت ريقها بصعوبة وصوت دقات قلبها تقرع كالطبل، قائلة بارتباك: سمعت…. سمعت اسمه منك مرة في البدروم وانت بتتكلم في التليفون، فاضطريت اكدب علشان أنجي نفسي من تعذيبك ليا وقتها.
ابتسم ساخراً منها بشدة مشدداً قبضته المحكمة حول ذراعها الأيسر قائلاً بغضب: وانتِ بقى متخيلة كده اني هرحمك دلوقتي بعد اللي عملتيه ده.
هزت رأسها بضعف نافية ما يقوله ولا تقوى على التحدث إليه، جثى سليم على ركبتيه بجوارها بعد أن ترك  ذراعها، قائلاً بنبرة غامضة مفاجئة: وكمان اللي يكدب مرة يكدب عشرة، زي ما كنتي بتقولي انك خرسا مش كده.
اتسعت مقلتيها بعذاب جديد بعد فهم مقصده قائلة بلهفة: بس صدقني انا كدبت لما لقيتك بتتهمني بحاجات كتير أوي، ومنها اني جاسوسة فاضطريت أكدب واقول اني ما بعرفش اتكلم….. يمكن تسيبني أمشي.
ضحك بشكل شرس جعلها تزحف للوراء قائلاً باستهزاء: شكل كده الكدب هيشتغل تاني يا حلوه…. ثم صرخ منادياً بنبرة عالية: ابراهيم…. أتى إبراهيم في الحال على أثر صوته.
قائلاً بدهشة: نعم يا بوص… رد عليه قائلاً بلهجة مخيفة: هات الحبل أوام بسرعة أحسن أنا صبرت كتير أوي عليها.
 تناولت سهر غدائها في الخامسة مساءً بعد تناولها للعلاج من يد فتحي الذي أتعبها كثيراً بنظراته المرعبة.
أجبرت نفسها على طاعته فهي قد أصبحت وحيدة هذه الأيام أكثر من ذي قبل…. ولابد لها من تحمل وجوده…. رغماً عنها.
تحدث إليها بهدوء مفتعل: بكرة إن شاء الله هنخرج سوا لمكان معين.
عقدت حاجبيها بدهشة عارمة قائلة بذهول: هنخرج أنا وأنت بس…. تأفف بحنق قائلاً بلهجة صارمة: وأنتِ منتظرة مين ييجي معانا يا ست هانم.
اصفر وجهها بشدة… تحاول استيعاب ما يقوله قائلة بخفوت حزين: مش منتظرة حد… ثم صمتت تحاول أن تكون طبيعية…. حدجها فتحي بحدة قائلاً بضيق: إنتِ السبب في وحدتك دي…. محدش قالك تبقي مدمنة وتشربي حاجات مخدرة تخليكِ توصلي للي إنتِ فيه دلوقتي…
شعرت بأنها بالفعل أنها أخطأت في حق نفسها قبل الآخرين…. فهو بالرغم من قسوته عليها إلا أن كلماته محقه.
رمقها بلوم مردفاً بحدة: وبعد كل ده كملتي قذارتك واتجوزتي واحد غصب عن أبوكِ والبوص… بعد ما كنت أنا خلاص بدأت أتعلق بيكِ.
رفعت نظرها إليه بصدمة غير مصدقة أنه مازال يتذكر كل هذا للآن… قائلة بصوتٍ خفيض: فتحي أنا…. قاطعها بثورة هذه المرة كأنه يخرج كل ما بداخله من غضب خلال تلك السنوات الماضية…
هدر بصوته الغاضب: كفايه بقى حرام عليكِ عايزة تألفي إيه تاني…. إنتِ إيه مش بتزهقي من كدبك ده….
هزت سهر رأسها سريعاً باعتراض قائلة بلهفة: صدقني يا فتحي عُمري ما هكدب عليك….. تاني انا خلاص حرمت أعملها من ساعة ما أطلقت… واختفيت من حياتي.
تطلع إليها بثورة تعتريه بداخله قائلاً بصوتٍ غاضب: ولما الأمر بقى كده راجعة محتفظه بصورك معاه ليه….
جحظت مقلتيها بصدمة كبيرة عندما انتبهت لذلك…. إذن فقد كان يعلم بأنها تحتفظ بكل ذكرياتها السيئة مع طليقها….
تطلعت إليه بهلع وابتعدت عنه لكنه كان أسرع بإمساكها من كتفيها بقوة هادرا بها: ما تتكلمي وتقولي حاجه ولا لسه تكوني بتحبيه ومستنيه تخسري كل حاجه علشانه من تاني…. على العموم انا حرقت كل ذكرياتك القذرة دي.
جف حلقها وتوترت أعصابها أكثر قائلة بنبرة مرتجفة: علشان كده كسرت الدرج من كام يوم.
اكفهر وجهه بشدة قائلاً بتحدي غاضب: أيوه وحرقتهالك كلها وكل ما هلاقي أي تخصك هدمرها لك يمكن تفوقي من الغيبوبة اللي أنتِ فيها.
لم تستطع الرد عليه من شدة صدمتها بكلامه لها…. فأزاحها بقسوة على الفراش.
قائلاً بجمود صارم: بكرة الصبح تجهزي نفسك بسرعة وإلا هتشوفي وش عمرك ما شوفته…
حدقت به ملك بفزع غير مصدقة أنه سيفعل بها ذلك ثانيةً…. بعدما تذكرت كل ما مر بها من عذاب في تلك الأيام.
قائلة بريبة: لا أرجوك حبل تاني لأ انا مش بكدب عليك في أي حاجه من اللي قولتها.
تنهد سليم بقوة قائلاً باستخفاف: آه وأنتِ مفكرة نفسك هتصعبي عليا ولا إيه…. لا فوقي يا جميل الفيلم الهندي ده تعمليه على أدهم الصاوي مش عليا أنا.
هتفت به برجاء باكي: أرجوك صدقني انا مش بكدب عليك في أي حاجه… انا فعلاً هربت من بيت أهلي… ولا أي حد بعتني ليك ولا أعرف حاجه عنك…
لم يجيب توسلها له متطلعاً إلى ابراهيم قائلاً بلهجة حاسمة: هات اللي قولتلك عليه بسرعة.
اومأ برأسه بالإيجاب وأسرع يركض من أمامه… ينفذ تعليماته.
فكرت ملك بسرعة كبيرة بأي شيء يخرجها من هذه الورطة الكبيرة التي وجدت نفسها بها قائلة برجاء مرتبك مرة أخرى: طب سيبني أمشي من هنا وانا أوعدك عمري ما هجيب سيرتك بأي حاجه ولا هبلغ عنك الشرطة….ولا كإني شفتك بعيني في يوم من الأيام.
صفق لها البوص على هذا الكلام الجديد منحنياً أماكن وجهها شاعرة بأنفاسه الغاضبة تلفحها قائلاً بسخرية: للدرجادي  بتكرهيني يا ملوكه وعايزه تسبيني بسرعة كده…. ولا مفكراني إني واحد أهبل أسيبك تفلتي من إيدي… بسهولة كده.
فهمت بعد عبارته الأخيرة أنه لن يتركها تفلت بفعلتها أبدا وأنها بالفعل دخلت وكره دون الأمل في الخروج منه مرة أخرى، فلن يكون بسهولة كما تخيلت أبداً.
في اليوم التالي انتظر فتحي بالقرب من غرفة سهر ارتداء ثيابها كما أمرها.
طرق عليها الباب لأول مرة قائلاً بضيق: خلاص لبستي ولا لسه… نادته بتوتر من الداخل قائلة: قربت أخلص أهوه.
بالفعل بعد قليل فتحت باب الحجرة متأملة افتحي الذي رمقها بنظراته المبهمة…. دون تعليق واحد من جانبه.
استقلت سهر السيارة بجواره غير مصدقة أنها خرجت أخيراً من سجنها ورأت الشارع الذي يعج بالعديد من البشر مثلها.
فتحت النافذة التي بجوارها تستنشق الهواء الطلق… عقد جبينه وهو يراقب أفعالها كأنها طفلة ترى العالم من حولها لأول مرة.
تمنت أن يطول بها الطريق أكثر من ذلك… فقد صمت الإثنان صمت مبهم.
طوال الطريق كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة… حتى توقف فتحي بعربته بالقرب من أحد البنايات.
تأملت المكان حولها فوجدت البناية في حي هادىء لم تعتاد على ذلك من قبل…
سألته سهر بريبة: انت وقفت هنا ليه…؟
زفر بقوة ناظرا إليها بوجه عابس وهو يهبط منها قائلاً بجمود مختصر: إنزلي من سكات.
ترجلت منها بناء على أوامره… وبعد أن أتم إغلاق باب السيارة خلفها جيداً.
جذبها من يدها قابضاً عليها بقبضته القوية…. يجرها معه كأنها طفلة صغيرة بجانب والدها.
فتح أمامها باب إحدى الشقق في الطابق الثالث قائلاً بلهجة ساخرة: إدخلي يا عروسة برجلك اليمين…..!!!
جلست فريدة بعد الغداء تستذكر دروسها… داخل حجرتها فجأة شردت بذهنها برهةً من الوقت تتذكر ملامح وجهه وهو ينظر إليها.
وهو يشرح لها بسهولة ويسر كأنه أحد دكاترة الكلية عندها…. ابتسمت لنفسها بهيام وهي تتذكر حينما شردت بحديثه إليها قائلاً لها بضيق: فريدة مش هتبطلي تسرحي كده وانا بشرحلك.
انتبهت لعيونه التي تتفرس في عيونها فأخفضت أهدابها قائلة بخجل: أنا آسفه مقصدش.
تأفف من تصرفها هذا… متابعاً شرحه لها… عادت مبتسمة لنفسها بهيام مرة ثانية قائلة لنفسها: آه يا أبيه لو تحس بحبي ليك…. زي ساعة ما نجحت في الثانوية.
تنهدت ببطء متذكرة ذلك اليوم الذي لن يُمحى من ذاكرتها أبداً إلى الآن، عندما كانت بانتظار عاصي هنا في حجرتها….
 تنتظره بقلق طيلة الوقت، تحدق بالنافذة بتوتر من  حينٍ إلى آخر…. إلى أن لمحت عربته تقترب من المنزل.
حاولت أن تتمالك أعصابها…. قبل أن تهبط باستقباله، فتحت باب غرفتها ببطء… متسللة إلى الخارج بهدوء متردد.
استمعت إلى صوته ينادي عليها من الأسفل فهرعت إلى الأسفل تهبط الدرج بقلب يقرع كالطبل من الخوف.
قائلة بارتباك:- جبت النتيجة يا أبيه… زفر عاصي بوجه متجهم وهو يتأملها بغموض قائلاً بهدوء مفتعل:- آه جبتها…!!
جف حلقها من الذعر والقلق قائلة بنبرة متحشرجه:- طب وإيه النتيجة ….. ممكن أعرف.
تفحص وجهها للحظات ثم اقترب منها ونظراتها تتعلق بعيونه الواسعة قائلاً لها بجمود:- مش عجباني نتيجتك يا فريدة…. وهتتعاقبي عليها.
جحظت عينيها بهلع شديد… ولمعت عيونها بالدموع قائلة بعدم استيعاب:- يعني… يعني إيه… هوه أنا جبت مجموع مش حلو.
تمعن بعينيها التي تحبس بداخلهما عبراتها… قائلاً بضيق:- مش قلتلك مية مرة مش عايز أشوف دموعك دي أبداً.
فرت دمعة هاربه رغماً عنها… فمسحتها سريعاً بظهر يدها قائلة باضطراب وذعر:- مفيش… مفيش دموع يا أبيه انا …. أنا… وهنا لم تستطع أن تتوقف عن البكاء بالفعل.
وانسالت غزيرة من حدقتيها… وكادت أن تركض نحو غرفتها عائدة من جديد.
لكن عاصي لم يتحمل دموعها أكثر من ذلك، إذ وجد نفسه يتناولها بين ذراعيه…. يضمها إليه بكل ما يشعر به نحوها من مشاعر مدفونة بداخل قلبه.
قائلاً بحنان:- إوعى أشوف دموعك دي تاني أبداً طول ما أنا موجود… وأنا محذرك كذا مرة قبل كده.
ارتجف جسد فريدة الضئيل بين هاتين الذراعين القويين التي كانت تحملانها كثيراً وهي صغيرة…. شاعرة بخليط من مشاعرها نحوه.
هامسة:- أنا آسفه مقصدش أنا بس زعلانه إني خذلتك ومجبتش المجموع اللي كنت عايزني أجيبه.
أبعدها عنه قليلاً متمعناً في محياها الرقيق هامساً بصوتٍ خبيث:- ومين قال إنك مجبتيش المجموع اللي أنا عايزه.
تطلعت إليه بأمل هذه المرة قائلة بتردد:- بجد يعني جبت مجموع يدخلني هندسة…
ابتسم بمكر قائلاً لها بعبث:- لا جبتي مجموع يدخلك كلية تانية خالص غيرها…
رمقته بانزعاج وحيرة قائلة له بقلق:- بس أنا مش عايزة كلية تانية أنا عايزة هندسة.
صمت برهة قائلاً بلهجة غامضة:- واشمعنى يعني كلية هندسة اللي مصممة عليها أوي كده… ليه مش كلية تانية.
هزت رأسها سريعاً باعتراض قائلة بعفوية:- أنا بحبها علشانك يا أبيه وأبقى نفس تخصصك… وعارفه أد إيه إنك متعلق بيها.
احمر وجهها من خطأوها وتسرعها بالتعبير عما يجيش به داخل قلبها…. فأطرقت أهدابها إلى الأسفل بخجل… ولم تستطع أن تتفوه ببنت شفه…
دقق عاصي النظر إلى محياها بهيام دون أن تنتبه إلى المعنى الحقيقي لنظراته إليها.
رافعاً وجهها إليه برقة بأنامله قائلاً بخفوت:- مبروك يا فريدة هتدخلي كلية هندسة.
ابتسمت له إبتسامة جذابة سحرته… شاعراً بدقات قلبه التي توترت بغتةً ثم ألقت بنفسها على صدره بتلقائية قائلة بعفوية:- بحبك أوي يا أبيه.
وقف سليم أمام ملك يتأملها بازدراء وهي مقيدة في المقعد بحبل متين كأنه يلقنها درساً لن تنساه…. في حياتها قط.
امتقع وجهها الباهت محدقة إليه بخوف شديد من نظراته لها.
تحدث ببطء قائلاً بتهكم: ده عقاب اللي يدخل حياتي بالكدب….ولسه يا قطة ياما هتشوفي مني….!!!!
رجته بعيونها الواسعة قبل أن تجيبه قائلة بخفوت: أنا آسفه على اللي عملته بس فكني وسيبني أمشي من هنا.
ارتفع جانب شفتيه ينم عن سخريته الشديدة منها قائلاً بهدوء مستفذ: معقوله أسيب واحده بجمالك….  تفلت من إيدي… ليه ناسيه الاتفاق اللي لسه مكملنهوش.
شعرت بغصه في حلقها عندما فهمت مقصده… ونبض قلبها بين أضلعتها بقوة قائلة بتوتر وفزع: انا…. أنا استحالة أبيع نفسي ليك أبداً.
دنا منها أمام محياها الرقيق متأملاً لشفتيها التي كأنها تدعوه بالإقتراب منها أكثر من ذلك.
قائلاً بخفوت خبيث: عشت وشفت القطط الضالة بقى ليها لسان… ثم زاد خبثه أكثر متابعاً بعبث: بس تصدقي كده أفضل من الأول وشكل اللعب هيحلو أوي معاكِ يا ملوكة قلبي.
اتسعت عيونها أكثر عندما تفوه بكلمته الأخيرة… غير مستوعبه لماذا قال ذلك.
أردف مرة ثالثة دون أن يمهلها الوقت للتفكير قائلاً بتساؤل: ها هتبيعي نفسك ليا بكام…؟ وبشيك على بياض كمان…!!!
هزت رأسها سريعاً باعتراض قوي على ما يقوله…. قائلة بذعر: انت مفكرني من البنات إياهم… استحالة ده يحصل.
قبض على شعرها بقوة مفاجئة مقترباً من وجهها أكثر قائلاً بغضب غامض: لسه متخلقتش اللي ترفض البوص…. انطقي هتاخدي كام.
انهمرت دموع الخوف والألم من عيونها غزيرة هذه المرة…. لا تعرف بأي شيء تجيبه.
قائلة بمرارة: حرام عليك سيبني انا عمري ما عملت حاجه حرام في حياتي.
لم يرد عليها كأنه لم يسمعها قط انما زاد من قسوة قبضته حتى صرخت باستسلام قائلة بوجع: خلاص هبيع….. هبيع بس  بالحلال ومش عايزه فلوس منك خالص.
اتسعت عيونه الواسعة ناظرا لها بدقة… متمعناً في عيونها المذعورة قائلاً بشك ساخر: بالحلال إزاي يا حلوه…. قولي متخافيش… أنا سامعك.
أغمضت أهدابها بحزن شديد رغماً عنها غير قادرة على إجابة سؤاله بسهولة…. وهي تواجه بصره الذي يتفقد ويتمعن بعيونها بقوة غير آبه لمشاعرها.
 غير مستوعبة أيضاً أنها ستفكر بهذه الطريقة في يومٍ من الأيام قائلة بخفوت مرير: نتجوز…..!!! 
يتبع..
لقراءة الفصل الرابع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!