روايات

رواية يوميات مراهقة الفصل الرابع 4 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة الفصل الرابع 4 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة الجزء الرابع

رواية يوميات مراهقة البارت الرابع

يوميات مراهقة (1)
يوميات مراهقة (1)

رواية يوميات مراهقة الحلقة الرابعة

يا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حلّ عشقٌ بالفتى
كيف يصنع يُداري هواه ثم يكتم سره
ويصبر في كل الأمور ويخضع
كيف يُداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يومٍ قلبه يتقطع
____________________
نظرات عينيه وضحت ما يدور بداخله من نيران ستحرقهم ، كز منذر على أسنانه وانقبض فكه بغضب شديد ، وهو يشاهد هذا المشهد على مقربة ومسمع منه .
أما عند هاله :
رفعت رأسها مصعوقة تنظر إلى إسلام بفزع ، لتنهض وقبل أن تتحدث بكلمه توضح له سوء الفهم ، وجدته يخرج علبة صغيرة مخملية اللون يتضح ما بداخلها للعيان وهو يتشدق بفرحه :
_” أنا مش عارف أبدأ منين بس أنا حقيقي مبسوط جدا ، في الأول فكرت اهتمامي بيك ، لأنك طالبه ممتازه بس بعدين بقيتِ مش مجرد طالبه عندي في حاجات ليكِ اتكونت في قلبي “.
ومن بعيد أغمض منذر عينيه بوجع وانسابت دمعه من عينيه ، سرعان ما مسحها ثم أولاهما ظهره ، وركض خارج المبنى وهو لا يرى أمامه ، قلبه يحترق بداخله واعترافها يتردد على مسامعه ، ليغمض عينيه بعنف ويسمح لذاته بالانهيار ، سنين يرافقها ولم تشعر به ، شعر أنه استهلك مشاعره لشخص لا يستحق لذا فضل الإنسحاب من حياتها .
أصوات عاليه وأناس يلتفون حوله ، بينما كانت عينيه ضبابيه ينسدل عليهما ستار من الدموع وهناك خطوط حمراء تسيل على جبينه ، ورغم دعس السيارة لجسده إلا أنه لم يشعر بأي ألم يضاهي كسرة قلبه للمرة الثانية .
……………………………………….
ابتعدت هاله عنه خطوه للخلف وهي تهز رأسها بالنفي ، تحاول إجلاء حلقها لو كانت كما كانت تظن أنها معجبه به ، لكانت أسعد انسانه الآن ، ولكن كل ذلك تغير بإدراكها لحقيقة أن لا أحد خفق فؤادها لأجله سوى المشاكس منذر رفيق الطفولة ، لتهتف بملامح جامدة :
_” أنت إزاي تسمح لنفسك تقولي الكلام ده يا أستاذ يا محترم أنا هنا طالبه وبس ومن النهارده مش هحضر أي كورسات ليك أنا مش بحبك ….”.
قاطعها إسلام بعيون غاضبه وهو يردف بانزعاج واضح :
_” أنتِ بتقولي إيه؟ مفيش داعي تنكري ، أنا عارف إنك معجبه بيا ، ولاحظت نظراتك أكتر من مرة وبعدين أنا هاستناكِ لما تدخلي الجامعه متقلقيش مفيش حاجه هتم دلوقت لو مقلقه من الموضوع ، هتكلم مع والدك بس ونحط النقط على الحروف وبإذن الله بعد سنه نعمل حفلة الخطوبة “.
مسحت هاله على المنطقة ما بين عينيها وهي تقول بضيق:
_” يا مستر خطوبة إيه أنت فهمتني غلط أنا كنت بفضفض مع نفسي بفكر بصوت عالي ومشوفتش حضرتك أصلا ، وآه صح كان في إعجاب بس خلاص تخطيته كنت معجبه بالطالب الممتاز العبقري زي ما بيسموك في جامعتك وإنك بتشتغل بجانب كليتك ومتغرب عن بلدك بس مش أكتر ، حضرتك كنت محفز ليا بتشجيعك دايما ، وهو ده اللي خلاني أعجب بيك ك مدرس ليا مس أكتر غير كدا أسفه مفيش في قلبي حاجه ليك ولا ليك عندي غير الاحترام وبس “.
قبض إسلام على يده بقوة مُردفًا بنبرة متهكمه:
_” أنتِ في حد في حياتك ، منذر مش كدا كان لازم أصدق الشائعات اللي مطلعينها عليكم “.
دق قلبها بقوة عندما أتى على ذكر منذر وتلقائيًا انفرجت شفتيها معربة عن ابتسامه عذبه وهي تردف بسلاسه لم تعتاد عليها :
_” آه عليك نور أنا بحبه سلام يا سيادة الطالب “.
وبهذه الكلمات ختمت حديثها وانحنت تضع حقيبتها على كتف واحد بينما ترتكز على عكازها ، وهي تسير خارج المبنى ، تنزع عنها قناع القوة ، لتنفجر بالبكاء فقد خسرت منذر للأبد ، وأضحى له حبيبه غيرها.
وأثناء سيرها عند البوابة لاحظت تجمهر عدد من الناس يلتفون حول شخص ما ، دق قلبها بقوة كلما تقدمت خطوه ، وللعجب أفسح الناس لها الطريق ، لتقع عيناها على منذر الغارق بدمائه أفلتت عكازها وارتمت عليه تبكي بشده وهي تصرخ به :
_” منذر ..قوم ..منذر فتح عيونك أنت عملت كدا علشان أحس بالذنب أنا أسفه أرجوك قوم ورد عليا أنا مقدرش أعيش من غيرك أبوس إيدك فتح عيونك “.
انحنت سيدة في منتصف الثلاثينات وهي تجذبها من فوقه تهتف بحزن :
_” أهدي يا ابنتي الإسعاف على الطريق هو عايش متقلقيش ، شكلك عارفاه ؟”.
رفعت هاله عينيها تنظر للسيدة بدموع وهي تردف بوجع:
_” أنا دعيت عليه ..أنا اللي قتلته .. قولتله هرتاح منك لو جرالك حاجه …قولي له إني أسفه إني مكنش قصدي “.
ضمتها السيدة إلى حضنها وهي تربت على ظهرها ، عندما وصل إلى مسامعهم أصوات صافرة سيارة الإسعاف ، لتمسكها السيدة وتعتدل واقفه تسمح للمسعفين بأخذه ، رأتهم يدخلونه السيارة ، فركضت نحوه وخانتها قدميها ، لتسقط على الأرض وهي تصرخ بهم :
_ ” استنوا خدوني معاه ..منذر “.
ناولتها السيدة العكاز الخاص بها وهي تساعدها على النهوض وأخذت يدها وتحدثت مع المسعف :
_” دي زميلته وهي عارفه أهله خدوها معاكم “.
أومأ المسعف برأسه وساعدتها السيدة على الصعود بينما كان الرجل الذي صدم منذر يهتف بحزن شديد:
_” والله ما شوفته ولا عارف قطع عليا الطريق إزاي؟ فجأة لقيته على إزاز العربية قدامي ملحقتش حتى أعمل أي حاجه”.
ربت رجل يقف بقربه على كتفه وهو يقول :
_” إن شاء الله خير ربنا يتولاه برحمته”.
نظر الرجل إلى سيارة الإسعاف واتجه إلى سيارته وهو يقول :
_” هطلع وراهم أما اطمن عليه وأشوف إيه اللي هيحصل شاب زي الورد يارب الطف بيه وبيا أنا ورايا كوم لحم بربيه”.
……………………………………
بداخل سيارة الإسعاف:
كانت شهقات هاله عاليه وهي تمسك بيد منذر بين يديها وتتحدث بخفوت :
_” منذر أنت هتعيش صح ؟ أنت هترجع لي مش هاتسيبني لوحدي مش كدا ، أنا أسفه ، أسفه كتير على كلامي مش هزعلك تاني بس أبوس إيدك ما تسبنيش لوحدي أنت عارف إني مبكرهش قد الفراق بالله عليك يا منذر متخلنيش أجربه”.
همست الممرضه وهي تطالع مؤشراته الحيوية وزميلتها تمسح الدماء عن رأسه :
_” إن شاء الله هيكون كويس ادعي له “.
هزت هاله رأسها وهي تضم يده إلى صدرها تقبلها بدموع وهي تقول وأعينها عليه :
_” هتعيش أنا عارفه ، يارب يا رحيم اشفيه يا عظيم “.
فتح منذر عينيه بتشوش وهو يطالع صورتها أمامه ليبتسم بسمة صغيرة وهو يهمس بنفس متثاقل:
_” أنا بحـ ـبك “.
بينما هاله كانت تغمض عينيها وهي لازالت تضم يده إلى قلبها وهي تدعو بداخلها .
………………………………………….
وصلت السيارة أخيرًا إلى المستشفى وهرع المسعفين يتجهون به إلى غرفة العمليات ومعهم الطبيب ، حينها كانت هاله تلعن تحت أنفاسها وهي تنظر لقدمها بعجز ، إلا أنها تحاملت على ذاتها وأخذت تسير خلفهم ببطء وهي تتنفس بعنف وعيونها لم تنضب دموعها .
أوقفتها إحدى الممرضات تسألها :
_” أنتِ شكلك تعبانه أوي جايه مع مين ؟”.
أجابتها هاله ببكاء شديد :
_” أنا جايه مع زميل ليا هنا في حادثة هما لسه واخدينه “.
أومأت برأسها ثم سألتها هاله بعيون باكيه:
_” هو دلوقت في العمليات عايزه اطمن عليه “.
قالت الممرضه وهي تمسك بكتفها:
_” حاضر هاطمنك عليه تعالي الأول استريحي هنا ولو تعرفي حد من أهله كلميهم “.
سارت معها حتى جلست على المقعد ووضعت عكازها بجوارها ، بينما ذهبت الممرضه تجاه غرفة العمليات ، أخرجت هاله هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين ورأت اسم صديقتها يتصدر أعلى شاشة هاتفها،ضغطت على زر القبول ووضعت الهاتف على أذنها تبكي بانتحاب:
_” جنات منذر عمل حادثه “.
وصلها صوت جنات المتوتر :
_” آه ما أنا سمعت انتوا فين وهو عامل إيه دلوقت ؟”.
بكت هاله وهي تجاوبها:
_” معرفش ..معرفش يا جنات أنا السبب أنا دعيت عليه … أنا هموت يا جنات إن حصله حاجه “.
حاولت جنات أن تطمئنها بكلماتها :
_” إن شاء الله هايبقى كويس متقلقيش أنا جايه عندكم قولي لي انتوا في أنهي مستشفى ؟”.
أعطتها هاله العنوان ثم أغلقت معها وبحثت عن رقم أختها وطن لتخبرها ، وضعت الهاتف بأذنها وانتظرت حتى سمعت صوتها فردت هاله بصوت باكي:
_” وطن …وطن منذر هايسيبني “.
خرجت وطن من المدرج حيث أصوات زملائها الصاخبه وهي تردف بقلق :
_” أهدي كدا وفهميني بتقولي إيه ؟ “.
ردت هاله عليها بدموع شديدة:
_” هو عمل حادثة دعى على نفسه انبارح إن تخبطه عربيه وأنا روحت قولتله هتبقى أكبر راحه أنا هموت لو جراله حاجه تعالي يا وطن وبلغي حد من عيلته أنا ممعيش رقم حد منهم “.
_” لا حول ولا قوة إلا بالله …طيب تمام أنا هاكلم طنط نوال وجايالك على طول كمان مروان هنا في الجامعه هبلغه قولي لي العنوان “.
……………………………………..
|• بعد مرور بعض الوقت•|
كانت عينيها معلقة بباب الغرفة وهي تنتحب ببكاء مفزع ، بينما تضم يديها إلى صدرها ، رقت عيني وطن وهي تطالع انتحاب أختها لتدرك أن هاله واقعه بحب منذر وليس مجرد صداقة بينهم ، اقتربت منها وضمتها إلى حضنها وهي تهمس بجوار أذنها:
_” هايبقى كويس يا هاله “.
تعلقت هاله بعيني وطن تردف بصوت مختنق :
_” بجد يا وطن ؟ هو هيرجع لي ، عارفه أنا اكتشفت إني من دونه ولا حاجه يا وطن انهارده كنت مفتقده صوته مفتقده إني أشوفه ، ضحكته هزاره معايا ، كان واحشني أوي مع إنه قدامي ، عارفه تجاهله ليا كسر لي قلبي كنت بموت لما عدى من جنبي كأني غريبه عنه “.
قبلت وطن أعلى رأسها وهي تردف بخبث :
_” امممم ده حب ولا إيه ؟”.
انتفضت هاله وهي تجاوبها ببكاء :
_” أنا معرفش يعني إيه حب يا وطن؟ كل اللي أعرفه إن الحب منذر وبس”.
ملست وطن على وجنتيها بطرف أصابعها وهي تبتسم بخفوت:
_” وكل المراهقات الفاضيه دي ….”.
قاطعتها هاله سريعًا:
_” خلاص مفيش مراهقه وهرتله أنا مش عايزه غير منذر وبس “.
فُتح الباب أخيرًا ، فنهض الجميع مهرولين تجاهه وتحدثت والدة منذر السيدة نوال :
_” طمني ابني ، ابني عامل إيه؟ والعملية خلصت “.
نزع الطبيب كمامته الطبيه وابتسم بوجهها قائلا بنبرة هادئة:
_” الحمد لله العمليه خلصت وكمان أوضاعه مستقره كان فيه نزيف داخلي وسيطرنا عليه الحمدلله ، وجبسنا دراعه الشمال لأنه مكسور ورجله الشمال بردو ، أول ما تمر أربعه وعشرين ساعه هنعرف أثر الخبطه على عقله ربنا يعافيه عن إذنكم”.
تنهد والد منذر يشكر ربه وهو يضم زوجته :
_” الحمد لله يا أم مروان قدر ولطف ابننا قوي هايقوم منها “.
ردت منال بدموع :
_” ونعم بالله …الحمد لله يا رب على كل حال “.
هتفت والدة هاله بمؤازرة:
_” إن شاء الله هايبقى كويس منذر بنيته قوية “.
وعلى مقربة منهم كانت وطن تقف بجوار أختها مع زملائهم الذين أتوا مع جنات ، وتحدثت نيرمين وهي تطالع هاله الباكية:
_” هو إيه اللي حصل يا هاله وعمل الحادثه دي إزاي ؟”.
لم ترد هاله عليها وبقت صامته تبكي بخفوت ، لم تنهض من مكانها إلا عندما وقعت عينيها على انفتاح بوابة العمليات ، وخروج الممرضين برفقة سرير متحرك ، يستقر على سطحه روحها في هذه الدنيا ، لتنهض سريعًا وكادت تقع فأعطتها وطن العكاز وساعدتها.
سارت هاله ببطء تطالع جسده الساكن أمامها والجروح التي خلفت آثارها على وجهه الضاحك ، لتشهق ببكاء مفزع و بلا وعي ارتمت على صدره بعد أن اختل توازنها وسقط عكازها من يدها ، تجهش في البكاء على كتفه بينما تهمس بوجع بائن :
_” منذر أنا هاله فتح عيونك وطمني عنك “.
مالت وطن سريعًا تجذب أختها تداري ما حدث بقولها :
_” معلش عكازها وقع منها ، تعالي يا هاله منذر هايبقى بخير إن شاء الله “.
………………………………………..
|• الساعه الثامنة صباحًا •|
كانت تلف حجابها بسرعة وهي تطالع ذاتها في المرأة تبتسم بحزن ، وهي تمسك بنهاية أطراف حجابها لتمر على خاطرتها ذكرى .
**
كانت تجلس أسفل درج العمارة ، وهي تستند بمرفقيها على ركبتيها، وتنفخ بملل ؛ لأن الجميع تناسى يوم ميلادها ، عندما قفز منذر أمامها فجأة بطريقة افزعتها لتصرخ هاله وهي تحدقه بنظرات ساخطة:
_” مش هتبطل العادة المهببة دي بقى ؟”.
حك منذر ذقنه قائلاً ببسمة وهو يغمز لها بعينيه:
_” تؤتؤ الله لا يحرمك من عاداتي ولا طلتي عليكِ المهم مالك شايله طاجن ستك كدا وقاعده زي المطلقة “.
نفخت هاله بضجر وهي تتنهد بحزن شديد تخبره :
_” أنت متعرفش انهارده كام يا منذر “.
أخفى منذر بسمة كادت تنفلت منه ؛ لأنه يدرك سر حزنها ليقول بلامبالاة وهو يدعي البرود :
_” أهو يوم زي أي يوم عادي يعني الأيام شبه بعضها يا لوله بتسألي ليه بقى؟”.
غمغمت هاله بحزن :
_” لا عادي شوف أنت رايح فين ؟”.
جلس منذر على ركبتيه أمامها وأخرج يده من خلف ظهره ثم مد يده لها بحقيبة هدايا وهو يقول ببسمة سعيدة:
_” كل سنة وأنتِ هالـتـي الحلوه “.
انفرجت شفتيها معربة عن ابتسامه واسعه وهي تنظر لعينيه بسعادة :
_” أنت مش ناسي ؟”.
ابتسم منذر بسمة خفيفه وهو يقول :
_” لا طبعًا أنسى إزاي؟ أنا معنديش غيرك يا هاله أصلا “.
صمت لثواني ثم تابع :
_” المهم شوفي جبتلك إيه ؟”.
أخذت هاله الحقيبة منه وهي تضمها إلى صدرها بفرحة :
_” مش مهم جايب إيه المهم إنك فكرت فيا قيمة الهدية من قيمة صاحبها وبس وأنت قيمتك عندي كبيرة برغم إنك بتعمل فيا بلاوي”.
ضحك منذر وهو يشاكسها:
_” الله وبقينا بنقول حكم أهو وكلام حلو أين جعفروتش اللي جواكِ ؟ “.
ضحكت هاله تقول بخجل :
_” بس بقى بتحرجني كدا “.
طالع منذر عينيها الواسعه بوله وهو يقول :
_” يالا شوفي أنا عايز أعرف ردة فعلك “.
أومأت هاله برأسها مبتسمة ثم فتحت الحقيبه وأخرجت الكتاب وهي تطالع عنوانه ببسمة سعيدة لتقول بعدم تصديق :
_” كوني صحابية ، ده أجمل هدية يا منذر ذوقك حلو أوي أنا بعشق دكتورة حنان لاشين وكنت بفكر اشتريه عرفت منين إني عايزه اجيبه ! ” .
وضع منذر يده خلف عنقه وهو يهتف بحرج :
_ ” مش مهم عرفت إزاي ؟ المهم إنه عجبك ، فيه حاجه كمان شوفيها “.
ابتسمت هاله بسعادة وهي تمد يدها للحقيبه مرة أخرى ، لتستشعر يدها ملمس ناعم جدا ، لتتوسع ابتسامتها أكثر :
_” الله جميل جدا بس كبير أوي يا منذر الطرحه دي مترين ولا إيه ؟”.
همس منذر بحب :
_” هي نظامها كدا بس لما تجربيها هتعجبك ولفها سهل جدا في بنات بيلفوها زي الخمار كدا و ..”.
قاطعته هاله وهي تضيق عينيها بشك أثناء قولها:
_” وأنت شوفت البنات دي فين أنت ماشي عيونك في الأرض ولا في مكان تاني ولا إيه ؟”.
ضحك منذر بشدة وهو يقول :
_” أنا أعرف حد غيرك يا ظالمه ولا أنتِ تعرفي عني كدا ابصبص أنا يا بنتي ؟”.
_” اعمل نفسك بريء أوي “.
بحب شديد لمعت عيني منذر وهو يهتف بعفوية :
“حواء بتمثلها أنثى واحدة بس في دنيتي ، من أربع حروف ومطلعه عيني “.
ادعت هاله الغباء وهي تقول :
_” مين أوعى تكون البت منار ؟”.
رمقها منذر بقرف وهو يضرب يديه ببعضهما أثناء استغفاره :
_” يا بجره منار مين دي اللي عندها خمس سنين “.
_”خلاص ما تشتمش كدا بهزر معاك ، بجد تسلم على الهدايا دي قلبي بيرقص يا منذر هروح أوريهم لوطن واغيظها “.
اعتدل منذر في وقفته يردف بنبرة هادئة:
_” السنه الجاية هتدخلي إيه علمي ولا أدبي ؟”.
ضمت الحقيبه إلى صدرها وهي ترد عليه:
_” مكان ما هتكون أنت هكون أنا يالا سلام “.
أفاقت من شرودها على صوت والدتها تستعجلها ، ردت هاله بهدوء وهي تمسح دموعها:
_” خلاص خلصت أهو “.
…………………………………….
كانت تعدل له الوسائد خلف ظهره وهي تبتسم باتساع قائلة بهدوء:
_” كدا مرتاح يا قلبي ؟”.
أمسك منذر يد والدته بيده السليمة يقبلها بحب قائلاً:
_” الحمد لله يا أمي يالا اقعدي بقى أنا كويس يا جماعه “.
قال مروان ببسمة وهو ينظر له من أعلى لأسفل بمشاكسه:
_” كويس فين وانت مدشدش كدا ورجلك في جبس وايدك في جبس وراسك ملفوفه ، هاله حقها رجع صح يا ماما وسبحان الله مفيش وقت الشهر اللي فات كنا بنزور هاله ودلوقت منذر “.
تجهم وجه منذر عندما أتى أخيه على ذكر هـالـتـه بل هـلاكـه ليقول بغضب مكتوم :
_” آه عملتوا إيه في الراجل اللي خبطني يا بابا ؟”.
رد والده على سؤاله بهدوء :
_” والله يا ابني الراجل غلبان وشغال على تاكسي وحلف أنه مشافكش وأنت طالع من العمارة بتاع السنتر وأنا ما اشتكتش عليه سيبته يروح لحال سبيله خصوصا أنه مهربش وجالك هنا “.
هتف منذر بهدوء :
_” خير ما عملت هو أصلا مش غلطان أنا اللي قطعت عليه الطريق ….”.
قاطعه مروان وهو يردف بتساؤل:
_” طب وأنت كنت طالع متسربع على إيه؟ وليه قطعت الطريق بالشكل ده ؟”.
جالت أمام عينيه صورتها وهي تعترف لـ إسلام ليغمض منذر عينيه بغضب، صحيح أنه علم مكنون مشاعرها في تلك الورقة وليس أمس ولكن ظنها مجرد مشاعر مراهقه فقط ولكن أن تعترف بها وأمام عينيه هذا ما أحرق فؤاده ليهتف مغيرًا الموضوع :
_” أهو اللي حصل يا مروان بقى ..المهم يا بابا خالي كان عايزني أسافر الإسكندرية عنده بعد تانيه “.
تحدث والده بهدوء :
_” أها ايوه هتقضي معاه الإجازة غيرت رأيك ولا إيه ؟”.
هتف منذر بوجع بائن حاول إخفائه وهو يبتسم بمرح :
_” لا أغير رأيي إيه بس ؟ ده أنا بعد الأيام علشان أروح ، مين المجنون اللي يرفض رحله للاسكندرية ، مصعب قالي أقضي سنة تالته هناك عنده واحول من المدرسـ… “.
توقف الكلام على طرف لسانه عندما رآها أمام عينيه بالحجاب الذي كان قد أهداه لها منذ سنتان ولم ترتديه ولا مرة ، بينما هاله كل ما يدور أمامها هو حديثه الأخير لتهتف بحزن عميق:
_” الحمد لله على سلامتك ، عامل إيه دلوقت ؟”.
أخفض منذر عينيه إلى قدمه التي تتوارى في الجبس الأبيض وهو يرد عليها بإيجاز:
_” كويس “.
لمعت عيني هاله من رده المختصر ونبرته الغريبه عليها ، بينما هتف والد منذر وهو يشير لها بالدخول :
_” تعالي يا هاله متخلكيش واقفه كدا بقيتوا زي بعض تماما ، تعالي استريحي هنا “.
ناولته باقة الورود وهي تعض على وجنتها من الداخل حتى لا تنهار أمامهم ، بينما تغتصب ابتسامه لترسمها على ثغرها وهي تجلس على الأريكة بجوار والده ، الذي سألها :
_” أنتِ جيتي لوحدك ولا إيه؟”.
بصوت منخفض من أثر كتمانها لدموعها قالت هاله :
_” ها لا ماما معايا ووطن بس ماما بتقيس ضغطها وجايه “.
_” جايتكم فوق رأسي يا هاله شكرا على وقفتك جنب ابني انبارح “.
خرجت تلك الجملة من فم نوال والدة منذر ، لتبتسم هاله بحرج :
_” معملتش حاجه يا طنط ، علشان تتشكريني منذر مبيتأخرش عني “.
كان مروان يراقب ما يحدث بغير تصديق حديث أخيه المقتضب وهاله التي على وشك البكاء كما لم يغب عن ذهنه انهيارها أمس ليقول بعفوية وهو ينظر إلى أخيه :
_” إنما هاله طلعت بتعزك أوي يا منذر انبارح كانت هتموت من العياط عليك حتى بعد ما طلعت من العمليات “.
تصاعدت الدماء إلى بشرتها من الخجل فالتوى ثغر منذر بسخرية وهو يحدث ذاته :
_” واضح أوي المعزة يا مروان “.
انتبه لأخيه الذي يحدق به ينتظر رده على حديثه ليبتسم منذر بسمة لم تصل لعينيه:
_” آه طبعا ما أنا عارف المعزة واضحه مش شايف “.
فركت هاله أصابعها بقوة ولم تستطع السيطرة على دموعها ، لتنفلت منها شهقة ، تنبه لها منذر من بينهم وهو يتسائل بداخله لما كل هذا البكاء من أجله أم لأنها فقط تشعر بالذنب تجاهه ، رق قلبه لحالها فهتف ببسمة صغيرة:
_” هاله أنا كويس “.
طالعته هاله بعينين حمراوتان من البكاء وهي تبتسم باتساع بعد أن حدثها بنبرته المحببه لقلبها :
_” بجد يا منذر أنت كويس “.
تداركت لهفتها تلك لتتنحنح بحرج وتصمت مع وصول والدتها وأختها وهم يطمئنون عن حالته .
كانت هاله تسترق النظرات لـ منذر خفية تود سؤاله عن ما سمعته منه هل صحيح سينتقل لمحافظة أخرى يقضي بها سنته الأخيرة في المدرسه ، ولكن مع وجود كل أولئك لم تقدر على الحديث ومن بعد ما أخبرها بنبرته أنه بخير عادت ملامحه لا تفسر مرة أخرى .
بينما منذر بداخله يقاوم شعوره الذي يدفعه للنظر لها وهو يقول لذاته بأن ينساها فسلطان القلوب ليس بأيدينا وهي لا دخل لها بمشاعره التي يكنها لها ومع ذلك هو لا يتصور أن يبقى ويحضر حفل خطوبتها بنفسه ذلك كثير عليه لن يتحمل لذا يجب عليه الرحيل حتى ينساها ولكن السؤال أيمكن لفؤاده أن ينساها ؟.
…………………………………………………
|• بعد مرور أسبوعين •|
ألقت عليه الكتاب بغضب شديد وهي تنظر لعبوس ملامحه بغير رضى ليردف منذر بغيظ منها:
_” أنا نفسي أفهم أنتِ مالك ومالي ما اتكلم معاها فيها إيه يعني ؟”.
أغلقت هاله القلم وهي تضعه على الدفتر حيث كانت تشرح له ما فاته طوال الأسبوعين الماضيين ، ثم عادت ببصرها نحوه تتحدث بغيظ :
_” من ايمتى وأنت بتصاحب مع بنات ؟”.
كان منذر يمسك هاتفه بيده السليمه وهو يعبث به بينما يتجاهلها تمامًا ولولا علمه بحبها لذاك المعتوه لقال بأنها تغار عليه ، صرخ فجأة عندما ركلت هاله ساقه المكسورة وهي تهتف بغضب :
_” سيب الزفت ده وركز معايا “.
قطب منذر حاجبيها بضيق وهو ينظر إليها بغيظ :
_” هاله مش فايقلك “.
لوت هاله شفتيها بتهكم وهي تقول بغضب :
_” طالما هتصاحب يبقى أنا كمان هصاحب زيـ…”.
قاطعها منذر بعيون متسعة من الغضب وهو يردف بنبرة تحذير :
_” طب اعمليها يا هاله وأنا أكون طالع بروحك قال تصاحب قال قسما بالله اقتلك”.
جعدت هاله جبينها وهي تبادله النظرات بأخرى ساخطه :
_” وأنت مالك أنت لتكون فاكر نفسك أخويا بجد “.
_” بت متعصبنيش أي حد هيقرب خطوه يبقى هو الجاني على نفسه وبراحتك يا هاله صاحبي وشوفي هعمل فيكِ إيه يا متخلفه أنتِ “.
هتفت هاله باندفاع :
_” أنا إيه بالنسبالك يا منذر ؟”.
_” أنتِ روحي ” .
قالها منذر بعينيه فكررت هاله بغيظ :
_” رد عليا أنا إيه بالنسبالك “.
تهرب منذر من عينيها ليهتف بغيظ :
_” هاله أنتِ عارفه ، المهم مش خلصتي يالا غوري بقى من وشي “.
احمرت وجنتيها لتركل ساقه مرة أخرى:
_” والله إنك ما عندك دم يا حمـ.ار هي دي شكرا بتاعتك “.
ختمت هاله حديثها وهي تبتسم بتهكم وهناك غشاء رقيق ينسدل على بؤبؤي عينيها ، أطلق منذر زفيرًا حارًا من جوفه وهو يقول :
_” لو أنتِ مستنيه شكرا دي هقولها بس أعتقد مكنش فيه بيناتنا شكرا دي يا هاله “.
صمت لثواني ثم تابع بغيظ:
_”أنتِ عايزه إيه دلوقت بتتخانقي معايا ليه؟”.
نهضت هاله تلملم أشيائها وهي تقول بتهكم :
_” مش عايزه حاجه خليك مع ست نرمين بتاعتك “.
سارت هاله خطوة ثم وجدت نفسها تستدير له ، حيث كانوا يجلسون في الصالة ، يضجع هو على الأريكة وهو يفرد قدمه المكسورة على طاولة صغيرة من القطن وهناك وسادة أسفل ذراعه المكسور ، لتهتف باندفاع :
_” هي دي يا منذر مش كدا ؟”.
ضيق منذر عينيه وهو يرفع حاجبه الأيمن بتساؤل :
_” هي مين ؟”.
تمتمت هاله بعيون مشتعله :
_” اللي بتحبها صح ؟”.
تفاجئ منذر بسؤالها وكل ما استطاع فعله أن غاصت عينيه بها وتشكلت حروف اسمها على طرف لسانه يحثه أن يخبرها ، ولكن بدلا من ذلك وجد نفسه يومأ برأسه تأكيدًا وهو يقول :
_” نرمين بنت جميلة مش عارف مش بطقيها ليه مع إن دمها خفيف أوي “.
لم ترد هاله عليه لا زالت عالقه عند هزة رأسه التي أكدت هواجسها ، لتنفلت دمعه من عينيها ثم أولته ظهرها وغادرت مسرعه .
…………………………………….
فتحت الباب وارتمت على فراشها تبكي بكل قوتها وهي تردد بقهر :
_” ليه يا منذر بتعذبني كدا ؟ “.
دلفت وطن بعد أن طرقت الباب ولم ترد هاله عليه ، لتقع عيناها على صورتها وهي تدفن رأسها في وسادتها تبكي بشده ، اعتلت الفراش وهي تربت على ظهرها بحنان:
_” مالك اتخانقتوا تاني ؟”.
رفعت هاله رأسها من الوسادة وهي تقول بضيق ودموعها تهبط بصمت:
_” الحمـ.ار بيحب نرمين المتخلف حرق دمي “.
لمعت عيني وطن بمكر لتهتف بخبث :
_” مالها البنوته دي حتى دمها خفيف وكيوته في ….”.
منعتها وسادة هاله التي اصطدمت بوجهها وهاله تهتف بشر :
_” دمها مش خفيف ونرمين دي أصلا بنت مـ ….”.
وضعت أختها يدها على فم هاله تردف بتحذير :
_” هشش متنطقيش بحرف وتسربي مخزون حسناتك فاهمه ولا لا مش هنتكلم عن حد ماشي دي حياته وهو حر فيها “.
صمتت هاله تستغفر ربها ثم هتفت بغصه :
_” لا مش حُر لأني بحبه وهو جحـ.ش يا وطن حرفيا “.
_________________
بذات الوقت في شقة منذر :
كان ينظر لصديقه علاء بغيظ وهو يقول :
_” لا مش حره هي لأني بحبها البجرة الحلوب دي ومش عارف أعمل إيه؟ ”
ضحك علاء بشدة وهو يقول بينما يمسح على شعره :
_” طب وهتعمل إيه في إسلام ده ؟”.
اسودت عيني منذر وهو يهتف بضيق:
_” مش هخليه ياخدها مني أبدا هاله دي ليا وبس “.
_” طب ولو هي بقى عايزاه ؟ أنت قولت أنها اعترفتله “.
مسح منذر على المنطقة ما بين عينيه وهو يقول بتهكم :
_” مش قادر أتخيل هي إزاي عملت كدا وقالتله …بص يا منذر هاله في سن مراهقه وممكن تكون اتصرفت بطيش علشان كدا مش لازم تغيب عن عيني بعدين هي قالت إنها حاسه بإعجاب ما اكدتش مش عارف بقى “.
فكر علاء قليلا ثم قال :
_” طب أنت فعلا هتكمل الثانوية عند خالك في الإسكندرية ؟”.
استرخى منذر في جلسته وقال وهو ينظر إلى كتابتها الحمقاء على جبس يده وتلك الرسومات التي رسمتها :
_” خالي مُصر أروح الإجازة عندهم وأنا كنت ههرب منها هناك لأني مقدرش أشوفها مع حد غيري “.
قال علاء بمغزى :
_” يا عم الحب تضحيه لو شايف سعادتها مع حد تاني متقفش في طريقها ” .
أخفض منذر بصره لرسوماتها على يده ثم أردف بعد لحظة صمت:
_” عندك حق وبما إن فيه تضحيه فمش أنا اللي هضحي ، إسلام ده أحسن حاجه يغور على بلده لازم اشوفله حاجه تتسبب بطرده وكدا أخلص منه “.
طالعه علاء بعيون متسعة وهو يقول :
_” ده بجد ده ؟؟ انت كدا هاتبقى الشرير في روايتهم ؟”.
ابتسم منذر بسمة مختلة وهو يقول :
_” والشرير دلوقت هو اللي بيكسب”.
تمتم علاء وهو يجاريه :
_” وناوي تعمل إيه بقى يا ….مش المفروض تختار اسم كدا ؟”.
حك منذر ذقنه وهو يردف :
_” آه عندك حق إيه رأيك في السفاح أو الجزار أو الدموي منذر الدموي حلو ده “.
……………………………………..
كانت هاله تقف في شرفة غرفتها و هي تعقد ذراعيها أمام صدرها بينما تتحدث لأختها:
_” والله ما أكون هاله إذا ما طفشتها …” .
صمتت فجأة عندما وقعت عينها على غريمتها تعدو الشارع وواضح أين وجهتها ، لتبتسم هاله بغيظ وهي تردف بضيق :
_” جبنا في سيرة القط قام ينط “.
قالت وطن بعد أن تركت هاتفها حيث كانت ترد على رساله من خطيبها :
_” في إيه متقوليش نرمين جايه تزوره ؟”.
دخلت هاله وأغلقت الشرفة ثم وضعت الحجاب حول رأسها ونظرت إلى الكتاب الذي أحضره منذر قبل أسبوعين لتقول :
_” الرواية دي جابتلي اكتئاب يا وطن هروح اهزقه عليها واخد كتاب جديد من مجموعته وبالمره اشوف السنيورة “.
_” روحي ، الله معك يا شابه “.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يوميات مراهقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى