روايات

رواية يوميات مراهقة الفصل الثامن 8 بقلم نورهان ناصر

موقع كتابك في سطور

رواية يوميات مراهقة الفصل الثامن 8 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة الجزء الثامن

رواية يوميات مراهقة البارت الثامن

يوميات مراهقة (1)
يوميات مراهقة (1)

رواية يوميات مراهقة الحلقة الثامنة

كلاهما أعطى ظهره للآخر والنظرات صامته والعيون هائله بالدموع ، والقلوب تطرق بعنفوان ، وضعت يدها أعلى موضع قلبها بألم وانسابت دموعها حزنًا، وعندما برزت عينيها أمام عينيه في لحظة ورأى بوضوح لمعة عيونها ، توقف منذر عن متابعة السير والتفت نحوها ثم ناداها بالنبرة المحببة إلى قلبها :
_” هاله “.
سماع اسمها من بين شفتيه لهو سحرٌ يجري في أوردتها ، سحرٌ لا تريد التعافي منه ، تريده أن يتغلغل حتى يسيطر على كيانها ، كم تعشقه وتعشق نبرة صوته تلك والطريقة التي يناديها بها ، ابتسامته المشاكسه عندما يحدثها وهو يرفع إحدى حاجبيه ، تكاد تجزم أنه يطالعها الآن بنفس هذه النظرة ، غص حلقها بالبكاء ، فهزت رأسها واتجهت صوب رفيقاتها هاربة ، نعم هاربة لأنها إن بقت لحظة أخرى ستنكث بوعدها لوالدها وما اعتادت على نكث الوعود.
بقى منذر مكانه يطالعها بعيون شغوفة بهما لمعة صافية يخصها بها وحدها ، عندما وصلت إلى رفيقاتها ، قبل أن يستدير ويتجه إلى رفاقه وبداخله يزداد خفقان قلبه ، كم أن هالتها مستحوذه على كيانه كُليًا مسًا من نوع آخر لا يريد الخلاص منه ، انتبه من أفكاره بها على صوت أحد زملائه :
_” طب يالا بينا يا شباب نلحق كراسي قدام قبل الزحمه “.
……………………………………
وقفت أمامهم وهي تخفض بصرها للأرض ، تضغط على شفتيها حتى لا تنهار ، شعرت بها جنات لتقف قربها وهي تربت على كتفها تقول بنبرة حانيه وبهمسٍ:
_” أنتِ صح يا هاله كملي “.
رفعت هاله رأسها وطالعتها لثواني بعيون دامعة قبل أن تجبر ذاتها على رسم بسمة صغيرة وهي تومأ برأسها ، ثم سألتها رحاب وهي تبتسم بحماس ما إن أبصرتها فقد كانت مشغولة بالحديث مع سهام :
_” ها يا هاله أهلك وافقوا ؟ أنا وسهام اخدنا الموافقه “.
ابتسمت هاله بخفوت وهي ترد على سؤالها :
_” وافقوا بس مش عايزين نتأخر يالا بينا “.
قالت جنات وهي تلف ذراعها حول كتف هاله ببسمة لطيفة:
_” أنا كمان كلمتهم وما اعترضوش”.
ابتسموا جميعًا ثم ساروا اثنين ، اثنين سبقتهن سهام و رحاب وهم يتحدثون عن الفيلم ، في حين كانت جنات تحاول أن تخفف عن هاله قليلاً:
_” معرفتيش كان عايز إيه؟”.
زفرت هاله الهواء بضيق وهي تقول بينما تحرك رأسها :
_” لا ما وقفتش أصلًا ، صعبان عليا يعني أبسط حاجه أوضح له الدنيا بس عارفه مقدرتش نظراته بتقولي ليه بتهربي مني؟ بس أنا كل الموضوع إني مش هقدر أبدًا أقوله “.
نظرت جنات لـ هاله تبتسم بوجهها وهي تقول :
_” خلاص هو هايفهم لوحده ، أو لو عايزاني أكلمه أنا ماعنديش مانع هاجبهاله من ناحيه إن الكلام كتر عليكم والافضل كل شخص يكون في حاله يعني “.
أمسكت هاله بيد جنات تقول ببسمة صغيرة :
_” لا مافيش داعي ، هو أصلا هيسافر عند خاله يقضي معاه الإجازة فمش هنشوف بعض في كلا الأحوال ، قفلي بقى على الحوار ده “.
أوقفت سهام إحدى عربات الأجرة ، ثم رفعت يدها تشير لهم بالتقدم ، استقروا في الخلف ثلاثتهم بينما تطوعت رحاب للجلوس مع السائق الذي كان بعمر والدها تقريبًا فهم لا يحبذون الركوب مع الشباب.
…………………………………………..
طوال الطريق وهو يراقبه يبدو مهمومًا يزفر أنفاسه من حينٍ لآخر وهو ينظر إلى الشوارع ، اقترب منه ثم همس له ما إن أضحوا قرب بوابة الدخول بينما سبقه زملائه ليقطعوا التذاكر :
_” منذر مالك كدا مش على بعضك ؟”.
تنهد منذر تنهيدة قوية قبل أن يردف بنبرة مقتضبة :
_” مفيش يا علاء أنا بس بفكر “.
صمت علاء لثواني ثم أردف مازحًا:
_” أنا من رأيي بقى بما إن موضوع إسلام ده صفحه وانتهت ومكنتش بتحبه ولا أي نيلة فليه ما تعترفلهاش؟”.
نظر له منذر بطرف عينه وهو يقول ساخرًا :
_” اعترفلها وأبوها بيقولي عايزك دايما أخ لبنته اسكت يا علاء ، أصلا أنا واجهتها بحكاية إسلام بس هي أنكرت اينعم مقولتلهاش إني شوفت الرساله أو إني كنت موجود وهي بتعترفله ، وغير ده كله هي بتتهرب مني ومش عارف اكلمها خالص لو اتصلت مبتردش حتى بطلت تستعير مني كتب أنا مش عارف هي مالها ؟”.
دعى له علاء ببسمة صغيرة:
_” ربنا يريح قلبك يا صاحبي ، يالا الواد محمد قطع التذاكر وبيشاورلنا “.
…………………………………..
_” هنقعد فين قدام ولا ورى “.
سألتهم سهام بنبرة هادئة وهي تطالع القاعه من حولها والممتلئة بالعديد من الناس ، ردت عليها جنات وهي تشير إلى إحدى الكراسي الشاغرة:
_”شايفه الكراسي دي فاضيه وفي النص تعالوا هنا “.
ذهبوا حيث أشارت وبعد استقرارهم في أماكنهم اطفئت الأنوار وركزت عيون الجميع على الشاشة الكبيرة .
في تلك الأثناء كان منذر ورفاقه قد وصلوا إلى نفس القاعة التي بها هاله ، وكانت القاعة مظلمة ليس هناك سوى ضوء خافت صادر من الشاشه التي بدأت بعرض مقدمة عن الفيلم ، دار منذر بعينيه في القاعه وهو يتحدث لهم بغيظ :
_” يعني لازم نحضر الفيلم ده اتفضلوا أهي القاعه مليانه هنقعد فين بقى ؟”.
أجابه صديقه وهو يشير إلى أحد الصفوف :
_” بص الصف اللي هناك ده بقيت الكراسي فاضيه “.
رفع منذر كشاف هاتفه وقال بغيظ :
_” دول بنات يا عم “.
تحدث زميل لهم يدعى شادي :
_” يا عم واحنا مالنا ومالهم كل واحد هيقعد في مكانه يالا بقى خلصنا “.
حرك منذر رأسه بقلة حيلة ثم سار حيث أشار شادي جلس منذر ثم أطفأ كشاف هاتفه واستقر رفاقه بجواره.
توقفت أنفاسها عندما اجتاح عطره أنفها ، كانت الإضاءة خافته جدًا وللصدمه لم تستطع أن تدير رأسها وتنظر إليه ، ولكن حركتها المتوترة أربكت صديقاتها لتهمس إحداهم :
_” هشش كفايه فرك بقى “.
صمتت هاله ولكن قلبها لم يصمت أحست بأن الهواء نفذ من القاعه ، في حين كان منذر يتابع مشاهدة الفيلم بملل شديد جسده هنا وعقله حيث هي ، تمنى لو كانت هنا بجواره ، لو كان بمقدوره أن يمسك بيدها ويشاهدان الفيلم سويًا ، بدون تهرب بدون عتاب فقط تكون معه وهذا يكفيه .
نظرت هاله له بطرف عينها مستغلة الإضاءة الخافته ، ليزداد خفقان قلبها ، مضت دقيقة اثنتان ولم تعد تتحمل ، لتنهض فجأة تحت استغراب الجميع و الهمسات الغاضبه من الحضور من حولها ، لتهتف بنبرة منخفضه تعبر عن أسفها ، حينها طالعتها جنات بنظرات متعجبة وقبل أن تتحدث ببنت شفة ، كانت هاله قد تركت القاعه ركضًا إلى الخارج .
وكانت الصدمه من نصيب منذر الذي اتسعت حدقة عينه عندما أبصرت عينيه عينيها في لحظة خافته قبل أن تعبر من أمامه مهرولة إلى الخارج ، ازدادت ضربات قلبه ، أكانت بقربه طوال الوقت لهذا كان قلبه هائجًا في صدره ، آفاقه من شروده جنات وهي تتنهد بحزن لأجل رفيقتها ، تزامن ذلك مع رؤيتها لـ منذر لتنظر له بدهشة تجاهلها ، وهو ينهض خارجًا خلفها تحت تعجب أصدقائه هو الآخر .
جذبت سهام يد جنات تهمس بصوت منخفض:
_” وضع هاله مش عاجبني ليه خرجت كدا؟”.
أطلقت جنات زفيرًا قويًا وهي تجيبها بينما تمسح على المنطقة ما بين عينيها :
_” ولا عاجبني ، بت منذر طلع هنا مش عارفه إزاي؟ إزاي عرف إننا هنا ولا دي صدفه ؟”.
تمتمت رحاب المندمجة في متابعة الفيلم بنبرة متهكمة تهمس لهم :
_” هشش أنتِ وهي إيه ده اسكتوا”.
صمتت لثواني قبل أن تسألهم باستغراب :
_” البت هاله فين ؟”.
نظرت لها جنات بتهكم وهي تعطيها الفشار الخاص بها :
_” كُلي يا رحاب واسكتي “.
ضيقت رحاب عينيها تحدق بهما بسخط وبكل استفزاز أخذت الفشار من يدها تقول :
_” تسلمي يا غاليه بس ماقولتيش هاله راحت فين ؟ معجبهاش الفيلم “.
وقبل أن ترد سهام ، جاء صوت من الخلف يهتف بانزعاج:
_” لو سمحتي يا آنسه ممنوع الكلام ، مش عارفين نسمع حضرتك بقى عايزه تسهري وترغي اتفضلي في كافيه برا أرغي فيه براحتك”.
نظرت له رحاب بقرف مردفة بصوت هامس :
_” سمعت الرعد في ودانك وأنت مالك أنت “.
بضيق هتفت جنات وهي تزجرها بعينيها :
_” رحاب خلاص اسكتي بقى واتفرجي “.
أخرجت سهام هاتفها وبدأت بمراسلة جنات عليه :
” جنات بما إن منذر هنا وخرج ورى هاله برأيك نطلع ولا نسيبهم يتكلموا شوي؟”.
قرأت جنات الرسالة وبدأت بكتابة الرد :
” مش عارفه بس تعالي نستنى عشر دقائق كدا ونطلع علشان رحاب ماتشكش في حاجه ومنه فرصه هاله توضح له الأمور “.
………………………………………..
وقفت أمام المرآة تطالع وجهها العابس والذي حفته علامات الحزن والانكسار ، فتحت صنبور المياة وأخذت تغسل وجهها مرات ومرات وامتزجت الدموع بالمياة وغطى صوت الصنبور على شهقات بكاءها .
حينها كان منذر يقف أمام باب المرحاض يجوب الطرقة ذهابًا وإيابًا ، من التوتر والقلق عليها فقط طال بقائها ، كانت الطرقة فارغة من عداه ، توقف منذر يطالع تلك اللوحة أعلى باب المرحاض والتي كتب عليها خاص بالفتيات فقط وهو يلعن تحت أنفاسه .
مضت دقائق وراها تفتح الباب أنفها محمرٌ وعينيها وما إن أبصرته أمامها حتى سارعت بالهروب ولكن ما إن حاولت تخطيه حتى وقف منذر بطريقها يمنعها وبنبرة حانية محملة بالعتاب قال :
_” ممكن أعرف سيادتك بتتهربي مني ليه؟”.
بصوت منخفض باكي قالت هاله :
_” منذر سيبني أمشي لو سمحت وقفتنا كدا غلط “.
عبس وجهه وهو يقول بضيق :
_” الغلط هو اللي أنتِ بتعمليه ليه بتهربي مني ؟”.
أعادت هاله حديثها بنبرة باكيه تحمل الرجاء :
_” منذر لو سمحت “.
شبك منذر ذراعيه أمام صدره قائلا بنبرة حانية:
_” هاله ارفعي رأسك وبصي لي “.
_” مستحيل مجرد ما اشوفك هانكث بوعدي لبابا اوعي ترفعي راسك يا هاله ” .
همست بهم داخلها وهي تضغط على شفتيها ، فسمعته يتنهد بصوت مرتفع وهو يشد على شعره من الخلف قبل أن يصلها صوته يهتف ببحه عذبه :
_” طيب أنا زعلتك في حاجه أو صدر مني تصرف ضايقك ؟”.
_” لا ما عملتش حاجه ممكن تخليني أمشي بقى “.
أنهت حديثها وهي تتحرك بعيدًا عنه ، وبتلقائية تتبعها منذر وأيضًا وقف أمامها ، وهو يقول بإصرار :
_” مش قبل ما تجاوبيني يا هاله ليه الهروب؟”.
بحزن شديد ونبرة مبطنه بالحب همست هاله :
_” لأنه مبقاش ينفع وبس”.
الصمت هو ما ساد بعد جملتها تلك ، قبل أن يتخلى منذر عن صمته ويتحدث وهو يقطب حاجبيه باستغراب يسألها :
_” هو إيه اللي مبقاش ينفع ؟”.
أجابته هاله بعد لحظة صمت وهي تنظر إلى الأرض أسفلها :
_” علاقتنا دي “.
بحيرة أردف منذر :
_” مالها علاقتنا ؟”.
_” غلط وبس يا منذر ودلوقت خليني امشي “.
ختمت هاله جملتها وعبرت من جانبه ثانية … ثانيتان ولحق بها منذر وبلا وعي أمسك بذراعها وقام بسحبها باتجاهه ، شهقت هاله بتفاجئ وهي تطالعه بنظرات منصدمه حينها أردف منذر بضحكة متألمة وعينيه كستها علامات الحزن:
_” غلط وبس ، طفولتنا وكل أحلامنا سوا بقت عندك غلط وبس يا هاله “.
حاولت هاله سحب يدها من قبضة يده فضغط منذر عليها أكثر وهو يتفرس ملامح وجهها باستنكار ، لتردف هاله بتوتر :
_”آه غلط يا منذر “.
قال منذر وهو يرفع حاجبه باستنكار :
_” ودلوقتي أدركتِ إنها غلط “.
تمتمت هاله بضيق شديد:
_” بسبب الصور والكلام اللي طالع عليا وعليك ، أنا لا يمكن أعمل حاجه تخلي أهلي ميعرفوش يرفعوا رأسهم ، الكلام كتر يا منذر آه احنا عارفين الحقيقه بس الناس مش شايفه ده أنا بعفيك من الدور اللي بابا سلمهولك من زمان “.
صمتت هاله لثواني ترى تعابير وجهه بعد حديثها فوجدته هادئ يطالعها بصمت، أخذت نفسًا عميقًا مكملة بوجع :
_” مفيش صداقه بين الجنسين وأنت عارف ده كويس”.
ضحك منذر بخفوت ضحكة متألمة وهو ينظر لعينيها الباكيتان:
_” خايفه تحبيني يعني ؟”.
_” أنا أصلا بعشقك يا متخلف مش لسه هاحبك”.
همست هاله بتلك الجملة من أعماق قلبها ، ثم بتصميم على إنهاء الأمر كما وعدت والدها قالت بحزن شديد:
_” بعدين لايمتى يعني هتفضل جنبي ؟ كل واحد مننا هياجيله يوم ويمشي في طريقه لوحده واهو اليوم ده جه كل واحد مننا من طريق بقى ، وده آخر كلام عندي أنا مش عايزه أي علاقه تربطني بيك لا من قريب ولا من بعيد ، كنت عايز تسافر صح سافر وامشي وانساني”.
أنهت حديثها وهي تحاول سحب يدها من يده ليصرخ منذر بوجهها بتهكم:
_” إيه هو ده شويه عايزاني وشويه لا هو أنا لعبه في إيدك ؟ قبل شهر كنتي بتتراجيني علشان ما امشيش ودلوقت بالبساطه دي بتقولي سافر “.
صمت منذر ثواني بذهول ليهتف بنبرة متألمة :
_” عايزاني أسافر يا هاله ؟ عايزاني أمشي واسيبك؟ “.
انهمرت دموعها بغزارة وهي تستمع لنبرة صوته الحزينه لتهتف عينيها بألم:
_” لأ مش عايزاك تمشي أبدًا أنت روحي يا منذر بس غصبًا عني وعدت بابا ولازم أنفذ الوعد بعدين أنت مابتحبنيش أساسًا فمتصعبهاش عليا أكتر ما هي صعبه “.
أجلت صوتها تهتف بنبرة جامدة وقلبها يتمزق في داخلها :
_” آه امشي وسافر ومترجعش كمل حياتك وابني مستقبلك بعيد عني بقى أنا مش عايزاك في حياتي خلاص ….”.
قاطعها منذر وهو ينظر لعينيها بصدمه :
_” هاله دي تاني مرة تطرديني فيها من حياتك أنتِ واعيه بتطلبي مني إيه؟ “.
بانتحاب ودموع شديدة أجابته هاله وهي تبتسم بألم :
_” واعيه جدا ، العلاقة دي اللي أنا مش لاقيالها اسم خلاص انتهت يا منذر ، وكان لازم تنتهي من زمان ، أصلا مش عارفه أنا إزاي ضيعت وقتي معاك طول السنين دي كانت غلطة من أهالينا لما اجبروك على الدور ده وأنا وافقت كان أكبر غلط و مكنش لازم اسمحلك تتدخل في حياتي بالطريقه دي ، بس كفايه خلاص مبقتش عايزه أكمل في الدور ده زهقت منك “.
مال منذر رأسه لليمين وهو يضغط على شفتيه يجبرها على رسم بسمة مصطنعه لم تصل حد عينيه حتى ، في حين كانت عينيه تطالعانها بنظرات مبهمة لا تعلم أهي عتاب أم حب أم كره ، برغم تلك اللمعه البارزة في عينيه الجميلتان والتي رغم غضبه لم يستطع إخفائها ليردف بغصه وصوت خرج من أعماقه متألمًا:
_” زهقتي ؟؟ من مين؟ مني أنا يا هاله ؟ “.
اخفضت هاله رأسها تستجمع ذاتها قبل أن ترفع رأسها مجددًا لتهتف بما جعل منذر على شفا من الهاوية :
_” أيوه زهقت مفيش في حياتي غيرك ولا إيه ؟ قفلتها عليا من كل النواحي مكنتش بتسمحلي اتنفس ، ممنوع اضحك مع غيرك ممنوع اتكلم مع غيرك ممنوع اقف مع غيرك بس خلاص فاض بيا أنت بتحلل لنفسك وتحرم على غيرك وقبل ما تقولي أختي ومش عارف إيه؟ أنا مش أختك ولا عمري كنت ولا هكون أنت فاهم ، ومن النهارده أنا حره وهحب براحتي أصلا أنا كنت معجبه بإسلام بس طلع شخص زبا** ، بس عادي كلنا بنغلط وبنتعلم وأنا هاعمل اللي أنا عايزاه وهصاحـ…… “.
منعها كف التحم بخدها بقوة لتترنح في وقفتها وتسقط على الأرض ، تضع يدها على خدها وعينيها تنظران نحوه بذهول قبل أن تسمعه يهتف بنبرة غاضبه وأنفاسه كانت عالية من شدة الغضب :
_” كفايه اخرسي مش عايز أسمع منك حاجه بتدمري كل اللي كان بيناتنا ، اتخنقتي دلوقتي اتخنقتي أنا مش عارف أنتِ سكرانه ولا شاربه إيه ؟ ولا إيه سر الكلام اللي بتقوليه ده ؟ بس حاضر يا هاله هامشي ومش هرجع والمرة دي مفيهاش سماح زي المرة اللي فاتت ، دوري على حل شعرك بقى ، أنا غلطان أصلا ومكنش لازم أقبل الدور ده ، أصلا البنت اللي كانت معايا في طفولتي واللي ربيتها ماتت من النهارده قتلتيها ” .
أنهى منذر حديثه وهو يعطيها ظهره مغادرًا وكأن الشياطين تلاحقه ، ضمت هاله يديها إلى صدرها وهي تبكي بشده وهي تهمس بوجع:
_” أنا أسفه يا منذر بس عطيت بابا وعد وكان لازم انفذه حتى لو على حساب روحي “.
………………………………………
كان يقبض على يده بقوة وهو يتنفس بعنف وصدى كلماتها تلاحقه ، لا يصدق ما تفوهت به هل كان مخدوعًا فيها أمن شدة حبه لها لم يعرف وجهها الحقيقي يالتناقض ترفض العلاقه معه لأنها خطأ ، وتريد أن تصادق غيره أهي جنت أم ماذا ؟.
ما كاد يعبر الممر حتى جذبته يد نظر منذر إلى من يسحبه فوجدها نرمين التي هتفت بقلق :
_” منذر مالك شكلك مضايق أوي ؟”.
أبعد منذر يدها عن يده وهو يقول بإيجاز:
_” مفيش ممكن تسيبيني لوحدي “.
طالعته نرمين بملامح قلقه أثناء قولها:
_” بس أنت ..”.
قاطعها منذر بنبرة جامدة :
_” قولت عايز أبقى لوحدي “.
أنهى حديثه وهو يغادر خارج القاعه ، وهو يمسح على وجهه بضيق شديد ، وهنا وقعت عينيه على هلاكه تجلس على الرصيف منهمرة في البكاء بقوة ، فكر منذر في الذهاب إليها ولكنه تراجع عن ذلك ليس كل مرة تسلم الجرة هكذا ردد لذاته قبل أن يوليها ظهره ويغادر .
كانت هاله منفطرة في البكاء بقوة ، اشفقت عليها إحدى السيدات المارة من أمامها لتجلس بقربها تردف بنبرة قلقه :
_” مالك يا بنتي بتعيطي ليه ؟”.
رفعت هاله عينيها لها وتحدثت بغصه:
_” خسرت أغلى الناس على قلبي “.
_” يا حبيبتي يا بنتي “.
أعقبت حديثها وهي تمد يدها بمنديل لها ، مسحت هاله دموعها وما كادت تأخذ المنديل من يدها ، عندما أتت جنات إليها راكضه تهتف بنبرة قلقه :
_” هاله أنتِ كويسه ؟ “.
نهضت هاله وارتمت بأحضانها تبكي بكل قوتها ، بادلتها جنات العناق وهي تهمس بحنان :
_” هاله تماسكي يا قلبي “.
نظرت إلى السيدة بشك قبل أن تقول:
_” شكرا يا طنط تقدري تمشي “.
أومأت السيدة برأسها وهي تبتسم بوجهها تقول بلطف :
_” ما تخافيش مني يا بنتي أنا مش هخطفكم ولا حاجه”.
بتوتر شديد ردت جنات :
_” خطف مين جاب سيرة الخطف دلوقت ؟”.
ابتسمت السيدة تهتف بنبرة ودودة :
_” نظراتك يا بنتي اطمني أنا موظفة في مدرسة هنا في المنطقة دي ، بدرس اللغة العربية وعندي بنات زيكم كدا “.
بحرجٍ ردت جنات وهي تبتسم بخفوت:
_” ها أهلا وسهلا بيك ، معلش كل يوم بنسمع عن طرق للخطف فبصراحه قلقت لما شوفتك بتقربي من صاحبتي أنا أسفه على إساءة ظني “.
رفعت السيدة عنها الحرج وهي تبتسم بلطف تبث كلماتها على مسامعهم :
_” أنتِ مغلطيش يا حبيبتي للأسف بقى ده الواقع بيختلط فيه أصحاب النوايا الحسنة مع السيئة لله الأمر من قبل ومن بعد ، محدش يابنتي في الزمن ده ومبقاش بيخاف ويشك في كل الوشوش اللي بيشوفها عمتا مش هأخركم أكتر من كدا ربنا يحفظ طريقكم ، شوفي صاحبتك لأنها تعبانه جدا “.
بادلتها جنات الابتسامه وظلت تتبعها بعينيها حتى غابت عن ناظريها ، تنهدت ثم نظرت إلى هاله المستمرة بالبكاء ، وحينها جعدت جبينها باستغراب وهي تنظر إلى جانب وجهها قبل أن تسألها بعيون متسعة من الصدمه:
_” هو ضربك ؟”.
بنبرة مثقلة أجابت هاله :
_” جنات روحيني مش قادره أقف ولا عايزه أتكلم ولا أنا قادره “.
أومأت جنات بهزة بسيطة من رأسها وهي تساندها مردفة بنبرة هادئة:
_” حاضر مش هاسألك بس هنقول إيه للبنات سهام ورحاب كانوا بيشتروا حاجه من السوبر ماركت ده وجايين الكف باين أوي أنا مش قادره أتخيل إنه مد أيده عليكِ “.
_” أنا استفذيته “.
بغضب شديد همست جنات :
_” ولو بردو ده مايديلهوش الحق إنه يرفع أيده عليك “.
_” خلاص يا جنات بقى البنات جايين أهم قفلي بقى على الموضوع ده”.
رفعت رحاب شنطة المشتريات وهي تخرج أحد الاكياس تهتف بنبرة متحمسه:
_” جبتلكم اندومي معايا وشيبسيهات وكمان كيت كات ، وجالاكسي مش خسارة فيكم “.
رمقتها جنات بنظرة تهكمية أثناء قولها:
_” تشكرات يا حبيبتي تعبتي نفسك “.
_” أنا نفسي أفهم أنتِ قارشه ملحتي ليه يا جنات؟”.
قالت سهام تقطع حديثهم :
_” طب يالا بقى علشان التلفونات مبطلتش رن وهنتنفخ في البيت كدا “.
مدت رحاب يدها بإحدى قطع الشوكولاتة إلى هاله وهي تردف ببسمة صغيرة:
_”خدي دي يا هاله عارفه إنك بتحبي النوع ده أوي “.
نظرت هاله إلى يدها الممدودة لتلتمع الدموع في عينيها مجددًا ، هذا نفس النوع الذي يقدمه منذر لها ، لتقول رحاب بحيرة عندما لاحظت دموعها :
_” هو أنا قولت حاجه غلط ؟”.
قالت جنات تداري الموقف :
_” لا يا حبيبتي بس هاله بقت بتكره النوع ده “.
رفعت رحاب حاجبها بتهكم وهي تقول بغير تصديق:
_” إزاي؟ دي مش عاتقه منذر وكل ما بيشتريها بتاخدها منه “.
_” لا ما هي نفسها زهقت منها بقى بصي هاتي كيس الاندومي ده ويالا نمشي”.
أعقبت جنات حديثها وهي تشير بعينيها إلى سهام التي فهمت إشارتها ثم أوقفت إحدى عربات الأجرة وبعد استقرارهم بداخلها هتفت رحاب وكأنها تذكرت :
_” بت يا هاله خرجتي في نص الفيلم ليه ؟ ده كان فيلم يجنن “.
كانت هاله تستند على زجاج نافذة السيارة بشرود ، تبادلت جنات وسهام النظرات لتردف سهام ضاحكة:
_” هاله بتزهق بسرعه وطلعت تتمشى شويه “.
هزت رحاب رأسها وصمتت ، مضى بعض الوقت ثم ترجلت من السيارة وهي تودعهم ابتسمن لها بصفاء حتى غادرت ، تنهدت سهام تهمس لجنات بصوت منخفض :
_” إيه اللي حصل ؟”.
بنفس الهمس أجابتها جنات :
_” معرفش إيه حصل بس شكلها خلصت يا سهام “.
……………………………………………
كان يتمشى على الكورنيش يركل الحجارة بغضب شديد ، توقف بعد وقت واستند بمرفقيه على السور ينظر إلى النيل بعيون شاردة ، رفع يده التي صفعتها وظل يحدق بها لثواني هو نفسه لا يدري كيف فعلها ، لكنها استفذته لفعلها .
آفاق من شروده على ارتفاع نغمة هاتفه ، ليمد يده إلى جيب بنطاله يخرجه ، طالع الاسم المتصدر أعلى شاشه هاتفه لثواني قبل أن يقرر الإجابه ، وما إن فتح الخط ووضع الهاتف على أذنه حتى وصلته حملة سباب ، اكتفى هو حينها بالصمت حتى انتهى محدثه ثم قال :
_” خلصت ؟”.
وصله صوت علاء يردف بضيق شديد من بروده:
_” آه خلصت يا خويا أنت فين كدا ؟ وليه طلعت تجري ؟ شوفت البنات هنا في السينما بس مشوفتش هاله معاهم “.
وكل ما وصل إلى علاء صوت تنهيدة منذر القوية قبل أن يجيبه بضيق :
_” شوفتها واتكلمنا وانتهينا كمان قتلتني ومشيت بدون ما تبص وراها ، سابتني بنزف ومشيت بكل بساطة “.
استمع له علاء بصمت حتى انتهى ثم قال :
_” أنت فين كدا ؟”.
_” أنا مروح يا علاء فاصل ومحتاج أنام سلام هابقى أكلمك بالليل “.
…………………………………………
_” بقولك يا اسطا نزلنا هنا “.
قالتها جنات للسائق ، لتحدق بها سهام بتعجب وهي تقول :
_” بس لسه بدري على عنواني”.
ببسمة صغيرة وهي تغمز لها ردت جنات :
_” عارفه بس إحنا خلاص اخدنا الاجازة وكل واحده هتروح في مكان ومش هانشوف بعض لفترة فعايزة اتمشى معاكم الشويتين دول يالا بينا “.
رحبت سهام بالفكرة وهي تبدي إعجابها بتفكير جنات ، وحينها رسمت بسمة لطيفه على وجهها ثم ترجلوا سويًا من السيارة ، ثم هتفت سهام بتساؤل:
_” إيه اللي حصل اتكلمتوا؟”.
نظرت هاله لسهام مردفة بنبرة مهمومه:
_” خلصت الحكاية خلاص وما اظنش هيوريني وشه بعد كدا “.
ربتت جنات على كتفها قائلة:
_” من ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه “.
سقطت دموع هاله وهي تردف ببحه باكيه:
_” ونعم بالله …كان نفسي يكون هو العوض ، بنات آه أنا أعجبت بشخصيات بعض الناس بس عمري ما تخطيت حدودي معاهم كنت باخدهم ك قدوة أو بعيش سني زي ما بيقولوا حاجه بيني وبين نفسي وبس دي مشاعر وفترة الكل بيمر بيها ، أنا مكنتش هاغضب ربنا عليا مهمها حصل ، ولما حبيت منذر حبيته بيني وبين نفسي ما روحتش وقولتله أو حاولت الفت نظره ليا ما عملتش أي حاجه غير إني بقيت بتجنبه ارضاءًا لوالدي اللي أدرك بعد 17 سنه إنه مكنش ينفع يجبر منذر إنه أخ ليا وإن كل ده غلط في غلط “.
صمتت هاله لثواني تبتلع تلك الغصه في حلقها قبل أن تكمل بعيون لامعه :
_” أنا ومنذر مكنش بيناتنا علاقة حب يعني وكل كلامنا حب مثلاً كان على يدكم كل حاجه أنا معملتش حاجه أشيل عليها ذنب ، كل ما في الموضوع إنه كان بيهتم لأنه مطلوب منه ده زي ما أهالينا عودونا من صغرنا ، وفرضوا علينا ، طول عمره جدع وشهم معايا ولا اتخطى حدوده ولو حصل فده كان خارج عن إرادتنا وأنا هنا بتكلم عن وقت تعبي لما رجلي كانت مكسورة “.
أخذت هاله نفسًا عميقًا ثم أخرجته على مهلٍ وهي تكمل بوجع بائن:
_” المهم إن كلام بابا صح وكان لازم نراعي حدود ربنا أكتر من كدا وأنا مش هاعمل شيء يوطي رأسه في الأرض ، هاركز على دراستي واحقف حلمي ولو ليا نصيب في منذر هاخده وبس ومن النهاردة مش عايزاكم تفتحوا الموضوع ده تاني إذا سمحتوا “.
………………………………………..
طرق على الباب وهو يضع رأسه عليه مرت دقائق حتى فتح الباب ، وظهر مروان أخيه الأكبر من خلف الباب يهتف بدهشه وهو يتثائب :
_” مالك شكلك عامل زي اللي طلع من معركه خسرانه “.
لا يدري مروان ماذا فعلت جملته هذه بأخيه هو بالفعل كان يحارب في معركة محسوم أمرها من البداية ، لذا بدون تعقيب على حديث أخيه دلف منذر بخطوات بسيطة ثم اتجه إلى غرفته يمشي والحزن رفيق ملامحه ، تحت استغراب والدته ، لتسرع بوضع ما في يدها وتتجه نحوه ، فتحت الباب ووجدته يرتمي على سريره يطالع سقف الغرفة بعيون شاردة .
تقدمت نحوه بعد أن أغلقت الباب خلفها ثم اعتلت الفراش ورفعت رأسه من على الوسادة وضمتها إلى حضنها وهي تهمس بحنان:
_” لايمتى يا منذر ؟”.
رفع منذر رأسه وطالع والدته باستغراب لسؤالها ، لتهمس هي بنبرة حانيه وهي تحرك أناملها على وجهه بلطف :
_” فاكرني مش عارفه اللي هنا وتاعبك من زمان “.
أعقبت حديثها وهي تشير إلى موضع قلبه ، أطلق منذر زفيرًا حارًا من جوفه وهو يقول بنبرة متألمة :
_” مش بأيدي يا أمي …هو أنا غلطت لما فكرت فيها كدا ؟ هل أنا خونت الأمانة اللي عمي سلمهاني لما حبيت بنته ؟”.
رفعت والدته وجهه بين يديها لتنظر إلى عينيه مباشرة :
_” الحب مش بأيدينا يا بني ده رزق من عند الله وأنت مغلطتش أبدًا الحب مش حرام ده أفضل الخلق كان بيعشق السيدة عائشة ، المشاعر سلطانها بيد الله مش بأيدينا إحنا احنا مطلوب مننا نهذبها وبس ما نخلاهاش تتحكم فينا وتوقعنا في المعاصي فقط أنت فاهمني مش كدا ؟”.
أومأ برأسه فتابعت والدته بنبرة هادئة :
_”ومش عايزاك تفكر كدا أنت ما خونتش حد يا حبيبي “.
غص حلقه وهو يردف بنبرة متعبه :
_” ما خونتش إزاي؟ وهو عطهاني أخت ليا وأنا في حياتي ما اعتبرتها أختي آه يمكن واحنا صغيرين كنت أحسها أختي بس مشاعري اتبدلت أو تقدري تقولي اتوضحت أكتر إني بحبها ، من حوالي شهر عمي قدامك قالي أنا بعتبرك ابن ليا وعايزك دايما أخ لهاله أنا موجوع يا أمي حاسس بالذنب لأني بحبها ، وإحساس بالخيانه ماليني “.
اعتدل منذر في جلسته وهو ينظر إلى عيني والدته :
_” قولي لي يا أمي أعمل إيه ؟ شوري عليا “.
احتضنت والدته وجهه بين كفيها وهي تردف ببسمة لطيفة:
_” اتمسك في حبك أنت مغلطتش يا حبيبي وبعدين هاله مش أختك ولا عمرها كانت أو هتكون مفيش حاجه اسمها زي أختي دي حدود ربنا مينفعش نتخطاها أو نعملكم أخوات بالغصب ، فأنت مغلطتش لما حبيتها ، حط ده في بالك لو حد غلط يابني فهو إحنا لما سبناكم تكبروا سوا كل يوم مع بعض بدون ما نراعي حساب ليوم زي ده آه انتوا مغلطوش ولا عملتوا شيء يخزي الرأس بس بردو اختلاطكم ببعض كان غلط رغم إن كل مرة بتتقابلوا بتكونوا تحت عيونا هنا ، على العموم اللي حصل حصل بقى ، أنا من تحت لتحت هفتح الموضوع مع نجات اجس نبضها وتقبلها للموضوع “.
وضع منذر كف يده على يد والدته التي بدورها تحتضن خده :
_” لا يا أمي ما تتكلميش معاهم خصوصًا في الظروف دي ، هاله انهارده جرحتني جرح عميق مش عارف أقوم منه طلبت مني اطلع من حياتها وامشي لأني وجودي غلط وهي رافضاه تخيلي بعد 17 سنه بتقولي أنت غلط وأنا مش عايزاك “.
توسعت حدقة عينها بصدمه مرددة:
_” لا يمكن أصدق إن هاله تقولك كدا …طب ده هاله روحها فيك يا منذر وبحس في عيونها مشاعر ليك “.
ابتسم منذر بحزن وهو يقول بسخرية :
_” هاله ومشاعر ليا ؟؟ آه يا أمي انهارده شوفت نبزة من المشاعر دي ، الحكاية انتهت أنا لا يمكن افاتح عمي في الموضوع ده ؛ لأنه رافضه وده واضح جدا من إصراره إني ما تعداش حدودي كوني اخ ليها زي ما بيقول ، سيبيها على المولى هو يحلها ودلوقت جهزي لي شنطة السفر هروح لخالي “.
_” ما تسافرش يا منذر “.
_” محتاج أبعد يا ست الكل وأفكر بهدوء وكمان خالي مُصر إني أقضي الصيفية معاهم ومش عايز اكسفه “.
ضمت وجهه إلى صدرها وهي تربت على كتفه :
_” ربنا يقدملك اللي فيه الخير والصلاح ليك يا حبيبي استنى أبوك يتعشى ونكلم خالك وهخلي مروان يوصلك “.
_” مفيش داعي نتعب مروان أنا مش أول مرة أروح عندهم وبعدين مصعب جاي ياخدني أصلا”.
…………………………………………..
ما إن أغلقت الباب خلفها حتى انزلقت بظهرها تجلس أرضًا منفجرة في بكاء حاد وهي تبكي بدون صوت تتذكر ما حدث وكيف كانت قاسيه عليه بكلماتها ، وضعت يدها على خدها الذي صفعها عليه وهي تهمس بوجع:
_” حقك على قلبي يا منذر “.
ختمت حديثها وهي تعتدل ثم اتجهت إلى رف الكتب مدت يدها إلى أحدهم وأخذته ثم أحضرت ورقة صغيرة وبدأت بالكتابة ، امتزج الحبر بالدموع والاهات :
” كنت أنا الجانية في ذلك اليوم حينما قتلت نفسي وقتلتك ، دفنت مشاعر نمت بداخلي لك بإعطائي وعدًا قيد أضلعي ، أنا لم أكرهك يومًا أنا أحببتك منذ ذلك اليوم الذي أتيت فيه للدرس متأخرًا وأنت تعبث بخصلات شعرك ، وتهتف بعبارات الإعتذار وقتها ابتسمت بسمة صافية بانت فيها غمازتك التي أضحت في قائمة ثاني أكثر شيء أحبه بك بعد عينيك ، كانت أول مرة لي أنظر إليك بتلك الطريقة “.
تنهدت بعمق وهي تمسح بعض الدموع التي حجبت الروية عن عينيها ثم أكملت الكتابة بعيون تفيض من المشاعر :
” مررت من جانبي وأنت تضحك ، حينها غمرتني مشاعر عديدة خفق فؤادي بدقات عاليه وشعرت بالحرارة تغزو وجنتاي ، لم أفهم ماهية هذا الشعور وقتها ، ووجدتني بتلقائية أخط تلك الجملة على ورقة وجدتها أسفل قدمي لم أهتم بأن الورقة تحوي رسمة لأحدهم بقدر اهتمامي بأن أكتب الجملة وشعور يزداد بداخلي • في كل مرة تقع عيني على خاصتك ، أشعر بحبك يملأ فؤادي • كتبتها باللغة التركية ولم أدرك حقيقة مشاعري إلا عندما بدأت أشعر بالغيرة عليك من نرمين في ذلك اليوم الذي كنا متخاصمين فيه ، حينها صُعقت عندما مررت من جانبي وتجاهلتني ، خرجت من القاعة أبكي وحدي وحينها استطعت نطقها لأول مرة واعترف بصوت مسموع بأني أحبك بل إني أعشقك منذر “.
أنهت هاله كتابة آخر كلماتها ثم مررت عينها على ما خطته يداها برضى ثم طوت الورقة ووضعتها على الكتاب آخر كتاب أهداه لها قبل شهر من بداية الإمتحانات وتذكرت عندما أحضره لها
**
_” هاله استني جبتلك حاجه “.
قالها منذر ببسمة لطيفة وهو ينظر نحوها قبل أن يدخل إلى منزلهم وهي تطالعه بنظرات حائرة ، نظرت إلى ساعة يدها حان وقت رجوع والدها عليها الدخول وما إن أعطته ظهرها حتى خرج منذر وهو يبتسم بينما يمد يده لها بالكتاب يهتف ببسمة :
_” أتمنى يعجبك الكاتب أدهم الشرقاوي عارف إنك بتحبي كتاباته جدًا “.
ابتسمت هاله بغير تصديق وهي تنقل بصرها ما بين عينيه ويده حيث الكتاب ،وهي تقول :
_” أكيد طبعًا هايعجبني أنت بتهزر عندما التقيت بعمر بن الخطاب ، أنت عارف إني بحب سيدنا عمر جدا وكنت هاشتريه أصلا بس أنت دايمًا بتسبقني” .
ضحك منذر بخفوت وهو يضع يده خلف عنقه:
_” عدي الجمايل بقى “.
ابتسمت هاله ، فتابع هو ببسمة متبادلة :
_” أنا مش عايزُ تقدري تحتفظيه بيه “.
اتسعت حدقة عينها مرددة بقلب تتسارع دقاته :
_” بجد؟ بس ده بتاعك أنت “.
_” وأنا ايمتى ما كنتش جد معاكِ خدي يا بنتي الكتاب أنا جايبه ليكِ “.
_” وإيه المناسبه بقى ؟”.
_” من غير مناسبه هاتخديه ولا اخده نرمين بتحب القراءة و …. “.
ما كاد يكمل جملته حتى انتشلت هاله الكتاب من يده مردفة بتهكم:
_” هاخده طبعًا “.
ابتسم منذر بسمة لطيفة وهو يقول :
_” أنا أصلا بهزر معاك الكتاب ليكِ أنتِ “.
نظرت هاله له بعينين لامعتان وهي تضم الكتاب إلى صدرها ،وقبل أن تغيب عن ناظريه باحت عينيها بتلك الجملة :
_” بحبك يا منذر والله إني بعشقك يا ابن الناس الطيبة ، لو لينا نصيب هاجيب المكتبة بدل النيش وأنت مش هتمانع لانك زيي بتعشق ريحة الورق والكتب ، آه بس لو بتحبني قد ما بحبك “.
**
عادت من ذكرياتها وهي تلمس الكتاب مغمضة عينيها بحزن ثم تسطحت على سريرها تنعي أحلامها وحبٌ حكم عليه بالوئد قبل أن يظهر للنور.
………………………………………
بذات الوقت عند منذر :
كان يتناول العشاء برفقة والديه وأخيه ثم أخبرهم عن رغبته في السفر إلى الاسكندرية ، وافق والده وقال مروان بهدوء :
_” هاتسافر ايمتى ؟”.
كان منذر يحرك الملعقة في يده بشرود لم ينتبه على سؤال أخيه إلا عندما لكزه بذراعه فنظر إليه باستغراب فأعاد مروان حديثه :
_” ياض مالك تنحت كدا بقولك ناوي تسافر ايمتى ؟”.
ترك منذر الملعقة من يده ووضعها على الطاولة مردفًا بهدوء:
_” إن شاء الله بكرا كلمت ابن خالي وهو هياجي ياخدني معاه …أنا الحمد لله أكلت “.
نظرت والدته للطبق أمامه والذي فقط أخذ منه بعض اللقيمات لتردف بحزن :
_” فين الأكل اللي أكلته يا منذر ؟ اقعد كُل يا بني “.
قبل منذر رأسها بلطف وهو يقول :
_” تسلم ايديك يا ست قلبي أنا شبعت الحمد لله هدخل أريح شوية لأني جعان نوم “.
وبهذه الكلمات أنهى منذر حديثه ثم توجه إلى غرفته جلس على فراشه يمسح على المنطقة ما بين عينيه بإرهاق واضح ، أحضر مدونته الصغيرة وفتحها على إحدى الصفحات الفارغة مد يده والتقط أحد الأقلام وبكل أسى بدأ يسجل تلك الكلمات في عينيه دمعة حائرة :
” أحببتكِ أكثر مما ينبغي بل إني عشقتك للحد الذي لا يمكنني العيش فيه بدونكِ وتلك حقيقه ليس مجرد كلام حبك يسكنني من أعمق نقطة في قلبي هناك حيث أنتِ ، لا أعلم ما الذي جرى بيننا اليوم ؟ ، أتراني أحلم لأن هذا لا يمكن أن يكون حقيقه ، تلك التي طعنتني لا يمكن أن تكون هالتي ، أشعر بالخذلان بأنني تُركت وحدي وخذلني العالم وأنا أعني بالعالم أنتِ ، أنتِ هي عالمي ، ما اعتقدت أن اتجرع ذاك الشعور يومًا، ألا يكفيكِ أنك لا تبادلينني نفس المشاعر ، ألا تشفقين على قلبي الذي ليس له سلوانٌ من دونكِ هاله”.
ترك منذر القلم يمسح على عينيه قبل أن يتنهد ويعاود إمساكه مكملاً كتابته :
_” بِتُّ لا افهمكِ تبكين عليّ بانفطارٍ وأنتِ تقتلينني ، تصرخين من داخلكِ وأنتِ تجرحينني ، قتلتِ قلبي والآن أقمت المراثي ، آهٍ كم يؤلمني فؤادي كثيرًا هاله ، يا ليتك تعلمين مقدار حبي لك ، يا ليتك تشعرين بي ، ما اعتدت الهرب منكِ يومًا ولكن سأنفذ رغبتك و استسمح الأيام عُذرًا أن تعلمك ذلك في يومٍ من الأيام أن هناك عاشق أحبكِ بكل صدق ولكن كل ما حصل عليه هو الخذلان فقط ، أنا سأرحل ولكن قلبي سيبقى حيث أنتِ فهو ملككِ على كل الأحوال ، إن كنت آسفًا بخصوص شيء فهو أني رفعت يدي عليكِ سامحيني “.
……………………………………………
بعد أن انتهت من صلاة الظهر جلست على الأريكة في الصالة تتابع التلفاز بعيون شاردة ، أتت وطن وجلست بقربها ثم قالت :
_” هاله تعرفي إن منذر مسافر النهاردة ودلوقت كمان”.
حاولت هاله ادعاء اللامبالاة وهي تردف بينما تتناول إحدى المكسرات :
_” أها “.
ضيقت أختها عينيها وهي تطالع لامبالاتها تلك بعدم تصديق:
_” أنتِ يا باردة بقولك منذر هايمشي مش هاتودعيه؟ “.
تركت هاله الطبق من يدها وبعينين باكيتان هتفت :
_” خلاص مبقاش في هاله ومنذر يا وطن كل حاجه انتهت “.
أنهت حديثها وهي تهرول إلى غرفتها تبكي بشده ، جرت قدميها لتقف في شرفتها تنظر إليه لآخر مرة .
وبالأسفل :
انتهى مروان من وضع حقيبة أخيه في السيارة وعاد له يهتف ببسمة صغيرة:
_” هتوحشني يا فصعون ابقى غفل وتعالى متخلناش نشتاقلك”.
ابتسم منذر بسمة خفيفه وهو يقول:
_” إن شاء الله “.
عانقته والدته وهي تدعو الله له بأن يريح قلب ابنها ثم تلقفه والده بين ذراعيه قائلا:
_” خلي بالك من نفسك يا منذر “.
أومأ منذر برأسه بصمت ، فقال ابن خاله بمرح :
_” يا جماعه ده رايح اسكندرية مش رايح يجاهد بطلوا دراما بقى “.
نظرت له عمته بذهول وهي تردف :
_” ولو بردو يا مصعب خلوا بالكم من بعض طول الطريق وأنت يا مصعب أمانه عليك تسوق براحه وبلاش تهور “.
قبل رحيله شيء تلقائي جعله ينظر نحو شرفتها لآخر مرة وحينها أبصرها ، تتوارى خلف ستار شرفتها منهارة في البكاء ، هز رأسه بأسف ثم وضع النظارة على عينيه وعادت ملامحه للوجوم.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يوميات مراهقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى