روايات

رواية يناديها عائش الفصل العاشر 10 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل العاشر 10 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الجزء العاشر

رواية يناديها عائش البارت العاشر

يناديها عائش
يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة العاشرة

إن ضاقت بك النفس عما بك، ومزق الشك قلبك واستبد بك، فكن موقناً بأن هنالك باب يفيض رحمة ونوراً وهدى ورحاب باب إليه قلوب الخلق تنطلق فعند ربك باب ليس ينغلق.💚
…………….

أخذت روان تتأمل معالم وجه روميساء التي تشع براءه وصدقاً للحظات، لم تكن تعتقد أنها بكل تلك الطيبه، هي فقط أرادت أن تظهر جمالها وحريتها أمام روميساء في بادئ الأمر، ولم تضع في الحُسبان أنها هي من ستنجذب لجمالها الآخاذ، جمالاً طبيعياً خالياً من الزيف بخلافها.
ساورت قلبها الظنون نحو ماكانت تعتقده عن حرية الفتاه، وراودتها المشاعر المضطربه من الخوف والتوتر والسعاده والتفاؤل، كانت في إنجرافٍ تام في اللهو والمعاصي، ظنت أنها بذلك تكسب حُريتها ولم تكن تعلم أن تلك الحُريه هي مفتاح لباب الجحيم.
قالت روان باسمه وهي تتطلع لوجه روميساء ببصيصٍ من الأمل
— بجد هتساعديني!.. يعني هتخليني معملش ذنوب زيك !؟
ابتسمت لها روميساء ابتسامه بشوشه، فلطالما حلمت بأن يجعلها الله سبباً في توبة روان، خاصةً وأنها تعلم جيداً أن روان فتاه طيبة القلب، ولكن فترة الطيش هذه “المراهقه” أثرت على تصرفاتها وأفكارها تصرفاً سلبياً، تدرك روميساء جيداً أن الإنسان كائن ليس معصوم من الخطأ ولكنها تحاول جاهده أن تعمل بحديث رسول الله:
“أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ”
أردفت روميساء قائله

— محدش فينا مبيعملش ذنوب ياروان… كلنا بنغلط.. بس إحنا محاطين بستر ربنا سبحانه وتعالى، ربك اسمه الستار..واسمه الغفور برضو ياروان.. يعني مهما عملتي من ذنوب واستغفرتيه غفر لك كل ذنوب حتى لو كانت زي زبد البحر
عقدت روان حاجبيها بتعجب ثم قالت متعجبه
–يعني إيه زبد البحر !؟
أجابت روميساء باسمه
— زبد البحر دي اللي هي الرغوه اللي بتتكون في البحر بسبب الإمتزاج اللي بيحصل من النباتات الميته والشوائب وممكن الرغوه دي توصل لخمسين كيلو متر
أومأت روان بتفهم ثم سحبت شهيقاً عميقاً وقالت بصوتٍ منخفض نسبياً
— هو ممكن تحكيلي مواقف بتدل على رحمة ربنا؟.. بصي.. أنا.. أنا عارفه إن ربنا رحيم بينا، بس عاوزه أطمن قلبي.. أنا عاوزه أتوب واثبت على التوبه، عاوز أبطل الحيره اللي تعباني دي… ساعديني ياروميساء والنبي
شعرت روميساء بالحزن يغزو قلبها، فروان على مايبدو أنها تجهل في دينها الصواب من الخطأ، ولكن الآن سنحت لها الفرصه لتوجهها نحو تعاليم الإسلام الصحيحه، ستُبذل قصارى جهدها لتجعلها تخطو بقدماها أولى خطواتها نحو باب التوبه والإيمان، ستكون في عونها متى شاءت، من الآن فصاعداً قررت روميساء أن تكون خير الرفيق لتلك المسكينه التي لاتعرف أي شيء ٍ البته.

ربتت روميساء على كتفها بحنو ثم قالت
— اهدي ياروان واطمني، أنا معاكي إن شاء الله وكل اللي بابا علموني هعلمهولك وهنحفظ قرآن سوا وهنبقى إخوات كمان مش صحاب بس
ارتسمت سيماء الإرتياح وأمارات الإنشراح على صفحة وجهها،فهي على الرغم من تعدد أصدقائها،إلا أنها لم تحظى بعد بالخليل الذي تشعر معه بالإطمئان وبرغم كُرهها وإنتقادها لروميساء في بادئ الأمر،لكنها لم تشعر بالإرتياح في الحديث إلا معها.
هتفت روان بلهفه فرِحه
— بجد!.. يعني من انهارده إحنا صحاب!
أومأت روميساء باسمه ثم قالت بهدوء
— بس الأول وقبل أي حاجه استغفري ربنا ومتحلفيش بالنبي تاني.. متقوليش والنبي تاني لما تيجي تترجي حد أو تحلفي لأن الحلفان بغير الله يعتبر شرك.. سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام بشر زينا، ايوه هو أعظم خلق الله لكن في الأول والآخر من عباد الله، فلا يجوز إننا نحلف بيه، لأنك كده بتلغي عظمة الله سبحانه وتعالى حتى لو من غير ماتقصدي.. يعني مثلاً بدل ماتقولي والنبي ياروميساء، قولي بالله عليكِ ياروميساء.. احلفي بالله بس
قاطعتها روان قائله بصوت نادم
— صدقي أول مره اعرف المعلومه دي.. بجد ربنا يخليكي.. ده أنا مكنتش بقول غير والنبي
اتسعت ابتسامة روميساء ثم أردفت قائله
–وكمان متقوليش لحد ربنا يخليك

رمقتها روان بنظرات متعجبه، فما تقوله روميساء وتصححه لها من أخطاء، تسمعه هي لأول مره، كأنها كانت تعيش في جهلٍ مسبقاً
علمت روميساء من نظرات روان المتعجبه أنها لاتعرف الصواب وتحتاج لشرح وتوضيح أكثر، فتنهدت روميساء مطولاً ثم قالت
— معنى يخليك يعني يتركك.. الخلا جاي من الترك.. فمش مستحب نقول لحد ربنا يخليك، الأفضل نقول ربنا يبارك فيك أو ربنا يحفظك.. مفيش أحسن من إنك تدعي لحد والدعوه تتردلك أضعاف
ابتسمت روان وأخذت تصتنت وتستمع بصدر رحب منشرح لكل ما تقوله روميساء من نصائح ودروس لم تسمع بها هي من قبل
فأكملت روميساء حديثها قائله في تهيب
— بصي بقا ياستي إنهارده هحكيلك قصه عن رحمة ربنا بعباده وهتكلم عن الموسيقي..جاهزه ياروني!
ابتسمت روان ابتسامه عريضه لتهتف بسرور
— جاهزه ياميس روميساء

ضحكت روميساء وشاركتها روان الضحك في جو يسوده الألفه والموده، فعلى مايبدو أن الفتاتان ستنشأ بينهم رابط صداقه قوي يُبنى على جهاد النفس للبعد عن كل مايغضب الله؛ لأن الله بعظمته ورحمته لايستحق أن نعصيه.
ارتشفت روميساء القليل من الماء ثم تحمحمت بطريقه مضحكه كأنها تصطنع تنظيف حنجرتها،والغرض من فعلتها المضحكه هذه، أن تهيء لروان جو مرح خالياً من مشاعر الحيره والإضطراب كي تستطيع أن تستوعب وتفهم ماتلقيه هي عليها من قصص عن رحمة الله بعباده.
تنهّدت روميساء بإرتياح قائله
— هحكيلك عن قصه كان قالها الإمام ابن أبي الدنيا في كتابه “مستجابي الدعوه” والقصه دي من الإسرائليات من أيام سيدنا موسى يعني
أومأت روان بتفهم، فتابعت روميساء لتسردها عليها

— في عصر سيدنا موسى عليه السلام كان فيه واحد فاسق ودايماً يعمل شر ويوم عن يوم يذداد سوء وشر وسبدنا موسى كان بينصحه بس الراجل مكنش بيتقبل النصيحه وبقا يشتم سيدنا موسى في الرايحه والجايه لحد ماسيدنا موسى زهق منه واشتكاه لربنا، قاله يارب خلصني منه، فأوحى الله لموسى قاله ياموسى قد جعلت عقابه إليك، يعني إنت عاوزه يتعاقب عقوبه معينه قولها وانا هستجيب لك، المهم جه سيدنا موسى قابل الراجل ده في مره والراجل برضو شتمه وسبه، سيدنا موسى عليه السلام غضب منه جامد فدعا عليه، قال ياأرض خذيه فاانشقت الأرض وابتلعت الراجل لحد ركبته، الراجل صرخ وقاله أغثني ياموسى ياموسى تُب، فسيدنا موسى قال تاني ياأرض خذيه، فاانشقت الأرض وابتلعته لحد وسطه والراجل فضل يستغيث وموسى عليه السلام يدعي عليه لحد ماالأرض ابتلعته كله..
عبث وجه روان ثم قالت
– فين رحمة ربنا؟!
ضحكت روميساء قائله
— اصبري على رزقك أنا لسه مكملتش.. ربنا سبحانه وتعالى أوحى لسيدنا موسى قاله ياموسى ماأقسى قلبك، وعزتي وجلالي لو إستغاث بي لأغثته.

يعني ربنا بعزته وعظمته بيقول لموسى ماأقسى قلبك! الراجل ده لو كان قال يارب أغثني كنت رحمته وأغثته… يعني شوفي ياروان.. ربنا رحمته وسعت كل شيء ازاي… واحد من أنبيائه اتشتم ومع ذلك ربنا قاله كُن رحيم.. الرحمه هي اسم من أسماء الله عز وجل وصفه من صفات الله، ربنا رحيم بعباده ياروان وباب توبته مفتوح لينا طول ماإحنا بنتنفس ومع ذلك بنعصيه.
اشتعلت نظرات أعين روان بفرحه ناطقه وشعرت بفيض من السعاده حينما قصت عليها روميساء تلك القصه التي رسخت رحمة الله وغفرانه في قلبها،الذي بات مطمئناً الآن عن ذي قبل،ومرّت أمام عينيها شريط من مواقف لرحمة الله معها،بدايةً مما حدث معها في غرفتها مروراً بما سمعته في الحافله عن دنؤية الموسيقى والأغاني وسلبياتها،وصولاً للطفل الذي أرسله الله ليبتاع لها المصحف كي تفتحه وتقرّ عينيها بما يريح قلبها.
ولم يكن كل هذا مجرد صدف،وإنما رحمةً من الله وإرشاد تدريجي للصواب.
تنهدت روان بإرتياح فيبدو أن قلبها قد إطمأن ويريد سماع المزيد عن عظمة الله ورحمته بعباده.
فقالت متسائله في لهفه

— طيب بالنسبه للأغاني،هي كلها فعلاً حرام؟والموسيقى نفسها حرام ؟
أجابت روميساء باسمه
— تعالي ناخدها واحده واحده كده ياروان…لو الاغاني مفيده..إيه وجه الإستفاده منها ؟
سكتت روان للحظات تُفكر في إجابه فلم تجد،نظرت لروميساء بحيره فتبسمت روميساء قائله
— طيب سؤال تاني سهل شويه.. عمرك شوفتي أو سمعتي عن واحد متدين وحافظ القرآن وفي نفس الوقت بيسمع أغاني؟
هزت روان رأسها بنفي،فقالت روميساء بتوضيح
— طيب هو ربنا بيحب الأغاني!؟…طيب لو ربنا بيحب الأغاني،ليه نزل القرآن وقال إن القرآن يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامه وبينور قبر اللي بيحفظه أو بيقرأه ومحافظ على ورد يومي ليه!؟
طيب إنتي شايفه من وجهة نظرك لو جبنا واحد بيقرأ قرآن وواحد بيسمع اغاني،مين اللي يستاهل فيهم يدخل الجنه!؟
تنهّدت روان ببطء ثم قالت بصوت منخفض نسبياً
— طيب أنا عاوزه أقرأ قرآن دايماً عاوزه أكره الأغاني عاوزه يبقى ليا وِرد قرآني يومي زيك أقرأه.. أعمل إيه؟
ربتت روميساء على كتف روان ثم هتفت في حماس
— متقلقيش..ركزي في اللي هقوله ده…بصي..أنا هعمل معاكي صفقه لمدة إسبوع..يعني اعتبري نفسك مضيتي على عقد معايا لمدة إسبوع..وهقولك خطوات تعمليها وتواظبي عليها..وبعد الإسبوع ده لو الخطوات دي مجبتش نتيجه،اقطعي العقد ده ولوميني براحتك

أومأت روان برضا وهي تبتسم بصفاء،فيبدو أن ماأخبرتها به روميساء للتو قد راق لها.
استردت روميساء حديثها قائله
— هتبعدي لمدة إسبوع عن الأغاني..إسبوع واحد بس..وهتبدليها بسماع القرآن بصوت شيوخ انتي بتحبيهم وهتيجي معايا درس الدين بتاعي كل يوم وهنقرأ أنا وإنتي قرآن سوا…هتعملي الكلام ده لمدة إسبوع…وقدام كل سوره بتقرأيها تمسحي أكتر أغنيه بتحبيها عندك وبتسمعيها بإستمرار.. وبعد الإسبوع قولي حسيتي بإيه..إعتبريه تحدي ياستي..هاا قولتي إيه!؟
هتفت روان بموافقه وفرح
— موافقه طبعاً..أنا أصلاً بعشق التحديات..بس عارفه ياستنا الشيخه لو ماارتحتش بعد الإسبوع ده وكرهت الاغاني هعمل فيكي إيه!
أجابت روميساء ضاحكه
— هتعملي إيه
قالت روان وهي تضحك
— ههههه ولا حاجه..اللي معاه ربنا مبيخفش وإنتي علاقتك بربنا كويسه فهتخافي من إيه؟
تأملتها روميساء مبتسمه بحنان ثم قالت
— حاسه إن في ناس كتير هتتوب على إيدك ياروان..وأنا إحساسي مبيخيبش
رفعت روان حاجبيها بدهشه لتهتف
–يتوبواا على إيدي أنااا !!
———————————–

حتى لو أخذتك الأيام بعيداً، وكان ما بيني وبينك فراق بحجم مجرة، ستبقى حاضراً في قلبي وذاكرتي
…….

نظراً لضخامة جسد بدر مقارنةً بأمير،لم يلقى أي إعتراض منه حينما جذبه من قميصه وجرّه لداخل بيت عائشه كما تُسحب البعير لحظيرتها،مما صعقت عائشه مما فعله بدر ممن تظنه قد جاء ليفوز بقلبها دوناً عن بقية الفتيات اللواتي تلهثن وراء وسامته وأموال أبيه.
هتفت عائشه بإستياء وغضب
— هوو إنت شاايف نفسسك ايييه ياجربووع انت…انت بتشده كده لييه..كان شغاال عندك ولاإييه ياللي عاامل زي الباب انت
رمقها بدر بنظره غاضبه جعلتها تبتلع ريقها من الخوف الذي أصاب قلبها من نظراته التي تُشبه نظرات الفهد الغاضب
هتف بدر بصوتٍ يشوبه الإستياء،فقد ضاق صدره من أفعالها التي اذدادت حماقه وطيش،فمن تظن نفسها
تلك الطفله الساذجه كي تبتعد عنه بكل بساطه دون أن تعبئ حتى لجراح قلبه كلما رآها بصحبة هذا الأبله “أمير”هو فقط يريد أن يجعلها تتعلم الدرس تتدريجياً ولكن ماذا عن أنين قلبه كلما ذكرت له معشوقته أنها تُحب آخر؟!
— حسني ملاافظك ياعاائشه وادخلي جوا واياكي تطلعي غير لما أقولك
–وإنت مالك تدخل ولا متدخلش..انت ماالك بيها أصلاً

قالها أمير وهو يحاول التحرر من قبضة يد بدر القويه الممسكه بذراعهه،ولكن بدر شدّ على يده ليلتفت له مزمجراً بغيره
–انت تسكت خالص..مفكر إنك هتيجي تقول عاوز أخطب عائشه وأنا هديهالك بالساهل كده!
رمقته عائشه بحيره، كلما ذكر تلك الجمله وكأنما يتهيء لها أنه يقصد من تكرارها إثبات شيئًا ما لم تستطيع هي إدراكه بعد، فقط ما لامس قلبها وجعله في ريبٍ وحيرةٍ من أمره هو أنه من الممكن أن يكون مغرمٍ بها،ولكن كيف وهي تناديه عمي وتعتقد أنه من المستحيل أن يتطلع قلبه لما تصغره بعقدٍ ويعاملها كما أنها إبنته وليست فتاه يعشقها!
انسحبت عائشه من أمام نظرات بدر المحذره لها بهدوء وخوف ثم دلفت لغرفتها وأخذت تعيد التفكير في خطبتها من أمير وهل حقاً يحبها أم يريد التلاعب بجسدها الفاتن هذا !
ترك بدر ذراع أمير ليقول له بصرامه
–اسمع ياض انت..انت لا بتاع جواز ولاحب..انت واحد فرحان بفلوسك وشوية الجمال اللي عندك دول وبتستغلهم في الضحك على بنات الناس…خاف من ربنا..لما تموت ويسألك عن البنات اللي ضحكت عليهم وعلقتهم بيك دول هتقوله ايه !؟ بسلي وقتي !؟

اتق الله…بنات الناس مش للتسليه…مسيرك تتجوز ويتعمل في مراتك زي ماعملت في البنات المسكينه دي
زم أمير شفتيه هاتفاً بحنق
— ميخصكش…أنا مجبرتش بنت عمك على حاجه..هي اللي موافقه ارتبط بيها..هي اللي بتجري ورايا..وأنا عشان راجل دخلت البيت من بابه …ماانت جيت الشقه وشفتها معايا..حد كان ضربها على ايدها ويقولها تيجي !؟
أطبق بدر عينيه يسترد أنفاسه بعمق يحاول التهدئه من روعه ثم استغفر عدة مرات سراً حتى لاينفجر به من شدة الغيره ويمزقه إرباً..استطاع كبح غيظه كالعاده ليردف بهدوء قائلاً
— أنا هخلي عمي محمود يوافق على خطبتك من عائش عشان خاطر بس أثبتلها إنك كداب وعاوز تتسلى وخلاص…لازم عائشه تتعلم الدرس بنفسها
ماإن سمع أمير هذا القول من بدر،ابتسم سريعاً بإنتصار،ولكن سرعان ماتلاشت تلك الإبتسامه وحل محلها الإرتباك عندما صوب بدر حدقتيه على ملامحه كأن عينيه تحذره بوعيد مما هو مقدم عليه
مال بدر على ناحية أذنه ليهمس بفحيح
— بس خد بالك..أنا هبقى مراقب كل تحركاتك..عشان لو فكرت تجرها للأذي زي المره اللي فاتت..ساعتها هيبقى ليا كلام مع أبوك وهدخل الشُرطه في الموضوع
ابتلع أمير ريقه بخوف وتوتر ثم استجمع شتاته بعد لحظات ليردف قائلاً بشجاعه
— أنا هاجي بكره عشان أخطب عائشه قدام الناس كلها..وعشان تصدق أنا هجيب مامي معايا عشان بابا في سفريه ومش هينزل دلوقت

هتف بدر مستنكراً
— مامي !
لم يستطيع بدر تمالك نفسه فقهقه بصوت رجولي أطرب أذن عائشه التي وضعتها خلف الباب تسترق السمع، بينما أمير ظل ينظر له بغيظ دون أن ينطق بشيء مثله كمثل رجلاً شُد بقماشٍ على فمه فعجز عن النطق، وإن دل ذلك على شيء دل على رهبة وخوف أمير من هذا المصارع بالنسبةً له أن يفتك به كما يفتك القرش بصغار المائيات.
توقف بدر عن القهقه وهو يمسح قطرات الدمع التي انسابت رغماً عنه من كثرة الضحك، أشار لأمير بالخروج من البيت قائلاً بحزم
— ماشي ياروح مامي… اتكل على الله يلا وماشوفش وشك في المنطقه دي غير بكره
امتثل أمير لأوامره خيفةً منه ليتجه يركب سيارته وهو يتمتم بغضب وحنق
— بقا حتت ميكانيكي زي ده لا راح ولاجه يخليني واقف مرعوب منه كده! لااا..أنا لازم أندمه على كل كلمه قالها..شكله لسه ميعرفش مين أمير المليطي..ماشي يابدر..قريب اووي هخليك عبره للمنطقه الجعانه بتاعتك اللي انت فرحان بيها دي..والزفته عائشه بنت عمك اللي انت خايف عليها دي هخليها توطي راس عيلتكم كلها في الطين..اصبروا عليا بس ياعيلة الخياط

دلف بدر لغرفة عمه وهو يضحك بهدوء،بادله عمه الضحك باإبتسامه عريضه قائلاً
— أنا مش عارف من غيرك كنت هعمل إيه..ربنا يكرمك ويحفظك يازينة الشباب
ربت بدر على يده ثم جلس بجانبه ليردف قائلاً
— بتشكرني على إيه بس ياعمي…صلة الارحام واجب..زيارتي ليك واجبه وفرض عليا.وفي الاول والاخر إنت في مقام أبويا الله يرحمه
أومأ محمود بنصف ابتسامه
— الله يرحمه..بس أنا بشكرك على اللي انت عملته مع أمير…أنا سمعت كل حاجه…أنا اه تعبان والمرض مبهدلني الحمدلله على كل شيء بس سمعي لسه زي ماهو عشره على عشره
ضحك بدر بخفه قائلاً
— ربنا يشفيك ويديم نعمته عليك ياعمي..المهم دلوقت الواد ده هيجي بكره يقرأ فتحه مع إن مبقتنعش بالكلام ده وعندي الجواز هو كتب الكتاب علطول بس الواد ده لعبي ومش بتاع جواز..فخلينا مع عائشه للآخر…لحد ماتكتشف بنفسها انه بيتسلى ساعتها هتعرف غلطها

تأمله عمه للحظات بتعجب من قوة تحمل قلبه وصبر ورزانة عقله رغم حبه الشديد لعائشه،يعلم جيداً مدى حب بدر الشديد لإبنته،يدرك أنه كان ينتظر لحين إستكمال دراستها ثم سيعترف لها بحبه ويتزوجها على سنة الله ورسوله،ولكن ماخالف ظنهم هو أن تصبح عائشه بكل هذا التمرد،فما أقبح طيش الشباب في تلك المرحله!
قال عمه بهدوء يشوبه الحزن
— مفيش حد يستحمل يشوف واحده بيحبها مع واحد تاني…ربنا يرحم قلبك ويداويه يابدر
ابتسم ملء شدقيه ثم قال
— أخرة الصبر فرج ياعم محمود…عائشه قلبها ابيض وطيبه بس في السن اللي هي فيه ده الشباب بيبقوا مقتنعين انهم حرين في أي حاجه يعملوها تحت مصطلح عيش سنك أو دي حريتك أو براحتك في أي حاجه تعملها…وللأسف عائشه المظاهر واكله دماغها ومخليه عقلها مغيب عن الحقيقه..كلنا بنغلط ياعم محمود المهم منكررش الغلط…وأنا عاوز عائشه تعمل اللي هي عايزاه عشان تكتشف بنفسها بعد كده إنه غلط ومتكررهوش تاني
أومأ محمود بموافقه على كلامه ثم أردف متسائلاً
— كنت عاوز أسألك على حاجه يابدر
أومأ بدر يحثه على التحدث فقال عمه في خجل

— كل سنه وإنت طيب إنت عارف إن إحنا في العشره الآواخر من ذي الحجه ودي أيام مفترجه وأنا بصراحه كنت ناوي أصوم بس إنت عارف التعب مش مخليني قادر حد أتحرك
تفهم بدر المغزى من حديثه،فقال باسماً
— بص ياعم محمود..الأيام دي صيامها والأعمال الصالحه فيها بتتحسب الضعف..الأيام دي يابخت اللي صامها وجاهد نفسه إنه يبتعد عن الذنوب والمعاصي فيها..بس ربنا رحيم بعباده ربنا حلل الإفطار للمريض. أيوه الأيام دي مش فرض زي رمضان بس كلنا بنصومها قيام واحتساب زي ما بنصوم رمضان..وربنا عالم بحالك ياعم محمود..هون على نفسك..كفايه إن نيتك صيام وربنا بيؤجر على النيه يعني لو في نيتك تصومهم وانت مش قادر بتاخد حسنات لمجرد إنك نويت
محمود بإيماء واستيعاب
— ربنا يرحمنا برحمته يابني… بس يوم عرفه ده اللي لازم اجي على نفسي وأصومه… اليوم ده من أحسن الأيام عند ربنا وأفضلها

رد بدر يجاريه في الحديث بصدر رحب قائلاً
— طبعاً..ده سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام قال «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة» وفي حديث كمان بيذكر فيه فايدة صيام يوم عرفه بيقول علية الصلاة والسلام” صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده». ومعنى الحديث أن صيام يوم عرفة يكفر الذنوب بتاعت السنه اللي عدت للصايم والسنه الجايه
في تلك اللحظه دلفت عائشه بعد أن إرتدت ملابس بيتيه محتشمه ووشاح غطى رأسها بأكمله خوفاً من بدر وقالت بنبرة غيظ تحاول أن تجعل بدر يستشيط غضباً،فيبدو أنها أحبت العناد معه
— عشرة أياام اييه ذو الحجه اللي تصومهم..ده انت تلاقيك بتتسحر بعد صلاة الفجر
رمقها والدها بغضب بينما بدر نظر لها نظره باتت مضحكه بعض الشيء مما جعلتها تلك النظرات بأن تنخرط في الضحك بشده وتقول من بين ضحكاتها
–اللي يشوف بصتك دلوقت مايشوفكش وانت بتتحول من شويه لكائن فطري شديده الغرابه هربان من ناشونال جغرافيك
تبسم بدر ضاحكاً من قولها، ثم تلاشت تلك الإبتسامه بعد لحظات، وارتسمت مكانها معالم الحزن على محياه، كلما تذكر أنه سيسلم بنفسه قطعه من قلبه للمدعو “أمير” ؛ ولكن رغماً عنه سيضطر أن يكتب أحزانه وآلامه وجروحه بيده على جدار قلبه ويجعلها كالسر المدفون بنبضه لا يراها سوى عينيه ولايحفظ سره سوى روحه
تهيء بدر للذهاب فقام يصافح عمه قائلاً

— طيب ياعمي..هستأذنك أنا بقى أروح اقيم صلاة المغرب وأفطر
بادله عمه السلام واتجه بدر ليخرج من الغرفه ولكن عائشه قامت بجرأه بإعاقة طريقه ببسط ذراعيها كما لو أنها تأخذ وضع الطائره،فتعجب بدر من فعلتها الطفوليه التي ذكرته بالماضي
هتفت عائشه بمرح وخفه
— مش هتمشي من هنا غير لما توعدني إنك تجبلي عروسة العيد زي كل سنه
أراد بدر مسايرتها فقال بمشاكسه
— خلي اللي هيبقى قرة عينك يجبهالك..عديني خليني ألحق الصلاه
أنزلت عائشه يدها بغضب وظلت ترمقه بنظرات مستشاطه بضيق وغيظ ثم قالت بإمتعاض
— اصلااً كنت بهزر معااك ومش عاوزه منك حااجه..وكل العرايس اللي كنت بتجبهالي هـ…
قاطعها بدر ضاحكاً بعد أن ولاها ظهره ليخرج
— جوزيهم…هاتلهم عرسان وستريهم ياعائش
يخربيت البرود..مستفز…جوزيهم..نينيني
قالتها عائشه وهي تعقد يدها على صدرها وتزفر بضيق من إستفزازه لها.
استدعاها والدها قائلاً بهدوء
— عاائشه…تعالي ياحبيبة بابا عايزك

اتجهت عائشه لتجلس بجانب أبيها قائله بمرح
–الشاي خلص…عارفاك طالما فيه دلع وحبيبة بابا وإسح اندح امبو ادو الواد لاابوه يبقا عاوزني في مصلحه
ضحك والدها بقوه حتى أدمعت عيناه،فنادراً مايجدها بهذا المرح والنشاط،جذبها والدها رغم تألمه ليضمها بحنان أبوي وهو يربت على ظهرها مردفاً في نفسه بأمل
— ربنا يفرحني بيكي إنتي وبدر يارب..يارب أشوفهم مجمعين سوا في حلالك قبل ماأموت
ابتعدت عائشه عنه قليلاً لتردف متسائله
— هو أبـيه بدر قالك إيه على أمير ؟
تنهّد محمود ببطء ثم أردف قائلاً
— أمير هيجي ويجيب أمه بكره عشان يخطبك ياعائشه
انتفضت عائشه من الفراش لتهتف بدهشه
— بكره الخطووبه !!! وابيه بدر وافق ! وانت وافقت!! دي إيه السرعه دي! ده أنا بحسب ابن اخوك اللي عامل زي ذا روك ده هيخليك متوافقش!
ابتسم محمود نصف ابتسامه مردفاً
— مش ده اختيارك ياعائشه..خلاص يابنتي..محدش هيجبرك تختاري شريك حياتك..اللي انتي عاوزاه
برغم أن عائشه شعرت بالحزن قليلاً من عدم معارضة بدر أبيها في الموافقه على أمير، دون معرفة ماسبب هذا الشعور ولكنها صفقت بحيويه هاتفه
— استعد أنا بقا أروح أجهز الميك أب والفستان علشان أكل عقل أمير كده أول مايشوفني
———————

ما أجمل اسم الله التواب، يعطي المذنب أملاً ليبدأ من جديد ويخرجه من دائرة الإحباط
……..

عاد زياد لبيته بعد أن قام بتوصيل هاجر لبيتها ودار بينهم هذا الحوار الذي جعله يراجع نفسه مراراً وقد انتاب قلبه مشاعر الإضطراب والحيره وتآكل الندم وتينه آسفاً على ترك حبيبة عمره وحب طفولته.
دلف لغرفته دون أن يلقى التحيه على عائلته الجالسه يتحاورون فيما بينهم عن كيفية الإيقاع ببدر الشباب في براثن نورا شقيقته كي يقول جميع الحي أن إبنة تاجر المواشي الشهير بالمنصوره مصطفى الخياط قد استطاع أن يزوج إبنته لمن يتمنونه الآباء زوجاً لبناته “بدر الشباب”
ابتسم زياد بسخريه من تفكير والده وتشجيع شقيقته له، التي تدعي أنها طالما تصلي الفروض كامله وترتدي الزي الصحيح في الإسلام فهي إذاً لا غبار عليها ولاتندرج تحت فئة المخطئون والمرتكبون للذنوب.
دلف زياد للمطبخ ثم أتى بقداحه ليدخل لغرفته ويوصد الباب جيداً،ثم تهاوى بتعب ويأس من نفسه على فراشه ليقوم بإشعال القداحه وتقريب النار من يديه وهو يردد بإنفطار وندم
— يااارب..ساامحني ياارب..دي الإيد اللي عصيتك وأذنبت ياارب…سامحها يارب..ارحم ضعفي وقلة حيلتي يارب..وسامح عبدك الضعيف يارب

أدمع زياد تألماً كلما قرب النار من يده وهو يهتف موبخاً نفسه
— تستااهل..تستااهل اكتر من كده كمان يازياااد…كان عقلك فين وإنت بتعمل القرف ده…تستاهل عشان تبقى تمشي ورا شهواتك وشيطانك تااني..ونسيت إن ربنا شايف الصغيره والكبيره..ونسيت ملك الموت اللي مستني إشاره بس عشان يقبض روحك في أي ثانيه…طب افرض وانت غرقان في قرفك ده وروحك اتقبضت..هتطلع لربنا تقوله إييه !!
جز زياد على أسنانه ليكتم صرخة الألم المنبعثه منه كلما زاد تطبيع النار على يده،فقد فعل ذلك عمداً حتى يذكر نفسه بنار الآخره،فهي بالطبع لاتقارن بنار القداحه البسيطه،هو فقط أراد تجريب العذاب،إذاً كيف ستكون نار الآخره وعذابها !؟
هتف زياد بتصميم بعد أن حرق نصف كفه وألقى بالقداحه بعيداً
— عشرين يوووم…هما عشرين يووم تتحدى فيهم نفسك يازيااد.. وتتوب من القرف ده..وياصاابت..ياخاابت!
———————

في قسم الشرطه
….

زج العساكر بـسيف وأصدقاءه والراقصه أمام الضابط،ثم تركوهم وأغلقوا الباب وراءهم.
كان الضابط حينها منكباً على الاوراق المبعثره أمامه يتفحصها بتمعن ودقه،رفعه بصره ليصوبه نحوهم ببرود وإستحقار،متلاعباً بنظراته على أربعتهم من رأسهم لأخمص قدميهم،ثم ترك الورق من يده وأخذ يحك ذقنه في برودٍ غير عابئ بهم،لحظات وثبت حدقتيه بتفحص نحو سيف الذي ظل يفرك يديه في توتر وخوف،فلأول مره في حياته يدخل قسم الشرطه ويقف أمام ضابط.
وجه الضابط حديثه لسيف قائلاً
— شكلك كده بهيئتك النضيفه دي مش وش شبهات
هتف سيف سريعاً
— والله ياباشا العساكر لاقوني واقف برا بتكلم في التليفون…يعني أنا مليش دعوه بأي حاجه
زم الضابط شفتيه بملل ثم قال

— وإنت بقا ياابو عيون خضرا ياحليوه انت..ايه اللي لمك على شوية الشمامين دول
أخذ سيف يحول بصره يميناً ويساراً بإرتباك دون أن يجيب
هب الضابط واقفاً ليتقدم نحو سيف ثم مد يده بثقه لجيبه وأخرج بطاقة الإثبات الشخصي خاصته وهاتفه،تأمل البطاقه للحظات ثم قال متعجباً
— هو إنت تبقى أخو الأوسطا بدر محمد الخياط !
أومأ سيف مندهشاً من معرفة الضابط لشقيقه،تابع الضابط في تعجب شديد
— بقا بدر اللي نص المنصوره بتحكي بأدبه وتعامله مع الناس تطلع انت أخووه !! إنت عاارف إن بسبب بدر أخوك ده أنا بقيت ظابط
عقد سيف حاجبيه متسائلاً
— وهو بدر يعرفك منين أصلاً وماله ومال شغلانتك!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى