روايات

رواية يناديها عائش الفصل الستون 60 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الستون 60 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الجزء الستون

رواية يناديها عائش البارت الستون

يناديها عائش
يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الستون

عند الشدة و وقت المصاعب ينسحب الجميع، وتبقى العائلة وحدها من تطبطب على وجعك.
*********
الشعور بالحزن و الأسى، و الصدمة.. كان ردّ فعل انفعالي طبيعي منهم جميعًا، إزاء ما أُصيب بدرهم و رجل العائلة الشَهْم.
رأى بدر انطفاء بريق أعينهم بعد أن كانوا في غاية السعادة بحمل هاجر، و لاحظ نظرات الشفقة تنصب عليه، فقال بصوت خافت و بنبرة خجل من موقفه، و هو يتخفى وراء زياد
” مش قولتلك شكلي هيبقى وحش قدامهم ”
رد زياد بتحفيز و هو يسحبه من يده كأنه ابنه المدلل، ليجعله يقف بشموخ أمامهم
“أنت مش مذنب عشان توطي راسك.. كلنا في نفس الدايرة”
ما يزالوا يقفون مُنْدَهِشين مما سمعوه، هل حقًا بدر الشباب يُعاني من مرض نفسي ! هل طوال كل تلك المدة لم يكن على طبيعته ؟
” يعني ايه ؟ مريض نفسي ازاي ؟! ”
تساءلت والدته بتعجب شديد و ملامح وجهها مَبْهُوتة.. رد زياد بتفهم لصدمتهم خاصةً أم بدر.
” يعني حالته النفسية مش مستقرة يا عمتي.. و واجبنا كعيلته نقف جنبه و ندعمه لحد ما يرجع بدر الشباب اللي عارفينه كلنا.
من بين الواقفين مندهشين، كان أُبَيّ الذي تأثر أكثر منهم جميعًا بما أصاب ابن عمه، فهو مثله ولكنه يختلف في نوع المرض، بدر مُصاب باضطرابات الشخصية الحدية، أما هو مُصاب بالشخصية الضعيفة الخجولة، بالإضافة لعدم قدرته على تكوين جملة كاملة إذا وضع في موقف محرج، أو شعر بالتوتر أو التعصب.
خرجت مُفيدة أم بدر عن صمتها، بعد صدمتها بمعرفة أن أكبر أبنائها مريض نفسي، و أحست بالحسرة و الحُزن، و انهمرت الدموع مدرارا فغسلت وجهها لتقول
” ازاي مريض نفسي.. ! ده أعقل واحد فينا.. ازاي تقول كده على بدر ؟! ”
” أنا مقولتش إن بدر مجنون يا عمتي.. المرض النفسي اللي بدر مُصاب بيه ملوش علاقة بالجنون خالص.. بدر لسه بعقله لكن غصب عنه بيفقد أعصابه في مواقف معينة.. مش كل الوقت بيبقى كده.. اهدوا بس كلكم و أنا هفهمكم يعني ايه واحد عنده اضطرابات الشخصية الحدية ”
اقتربت والدته منه ثم احتوت وجهه بكفيها و قالت بدموع
” قولي إن الولا الغلس زياد ده بيضحك علينا و إنك كويس.. أنتم من صغركم مبتبطلوش تعملوا فينا مقالب.. ده مقلب صح ؟ ”
نظر بدر لوالدته بعجز و ضعف غير قادر على محاورتها أو الرد عليها، ثم نظر لهم جميعًا فوجدهم ينظرون له بتعجب منتظرين منه أن يفسر الأمر لهم، فلم يجد ملجأ يفر إليه من هذا الموقف الحرج غير ظهر زياد، الذي التجأ إليه يقف خلفه يحتمي من أعينهم، بعد أن أنزل كفي والدته عن وجهه.
همس من خلف زياد يتوسله
” مشيني من هنا.. مش هقدر أواجه نظراتهم..”
رد زياد بصوت عالي وهو يوزع نظره عليهم جميعًا
” لازم يعرفوا الحقيقة و يقفوا جنبك.. أصل كلهم معيوبين.. فمحدش هيقدر يقلل منك ”
قاطعته هاجر لتوجه حديثها لزوجها بنبرة منزعجة
” ليه خبيت عننا يا زياد ؟؟ ”
تفاجئ زياد من حدتها في الحديث و ملامحها التي تحولت للحزن الشديد مختلطة بالغضب، لا يعلم لماذا الغضب وهو لم يفعل لها شيء.. ذهب إليها ليحادثها بهدوء، فتلاشت النظر لعينيه و نظرت في مكان آخر قائلة بصوت مُتهدج
” ازاي بدر أخويا يمُر بكل ده و أنت عارف و ساكت ! ازاي سمحت لنفسك تخبي تعبه علينا ؟
..
ثم نظرت لعينيه و أكملت بدموع قاهرة
” ليه يا زياد ؟.. أنت عمرك ما خبيت عني حاجة.. ”
تجاهل وجود عائلته معهم، و بدأ يمسح دموعها برّقة وهو يقول بحنان
” أنا آسف يا وردتي.. مكنش بإيدي صدقيني.. اهدي و هحكيلك كل حاجة بس لما نبقى لوحدنا”
” طب ما إحنا عاوزين نعرف كلنا.. اشمعنا وردتك يعني ؟؟ ”
كان ذلك صوت قُصي الذي جاء من العدم ليقطع تلك اللحظة العاطفية، كعادته هادم للملذات.. أسكته زياد بنظرة جعلته يلتصق في أُبَيّ شقيقه بخوف مصطنع.
بعد ما كُشف حقيقة بدر، و أصبح الأمر جليًا للجميع، صَارَ في متناول زياد أن يخبرهم بكل شيء يخص ذلك المرض؛ لكي يكونوا على أهبة الاستعداد في كيفية التعامل مع صاحب المرض دون جرحه سواء بالكلمات أو الأفعال.. فبعد انكشاف بدر أمامهم، أصبح الأمر بالنسبة له أكثر تعقيدًا من ذي قبل، و التعامل معه يجب أن يكون بحذر و بتفهم لاضطراباته.
اتجه زياد إلى بدر، الذي كان يقف بينهم حائرًا تائهًا مضطربًا لا يعرف للشفاء طريق، ثُم أجلسه من يده على الكرسي بجانبه، و أحاط كتفيه بحنو قائلًا للجميع
” كم مرة حصلت مع كل واحد فينا مُشكلة و كان أول واحد يقف معاكم هو بدر.. كم مرة احتاجتم مساعدة منه و متأخرش عليكم !.. ده بدر الشباب اللي عاهدناه كُلنا رجُل العيلة الأصيل اللي بيجي على نفسه عشان خاطر أي حد من عيلة الخياط يبقى مبسوط.. بدر المحبوب من الصغير و الكبير.. بدر اللي كُل أهل الحارة بيشهدوا بأخلاقه.. بدر اللي كان إمامنا في كل فرض.. بدر اللي كُنا بنستمتع بخطبة الجمعة و إحنا بنسمعها منه.. بدر اللي مكملش تعليمه عشان خاطر اخواته و أمه يعيشوا كويسين و ميحتاجوش لأي حد.. بدر اللي شال هم من صغره ميستحقش إن يشيله.. بدر دلوقت محتاجلكم كلكم.. هتعرفوا تردوا جزء من الخير اللي عملوا معاكم ؟ ”
بعد لحظات من الصمت و الحزن الذي خيم على وجوههم أجمع، قال مصطفى والده بتأكيد
” إن مكناش نقف جنبه و ندعمه مين هيعمل كده ! إحنا كلنا مترابطين زي الأعضاء في الجسم لو عضو واحد أصيب، الجسم كله يتعب..
أومأ مُجاهد مؤكدًا على كلام أخيه
” ده يبقى عيب في حقنا لو سيبناه من غير علاج.. ده ابن الغالي مينفعش نشوفه تعبان و نقف نتفرج عليه..
بينما كان مُجاهد يتحدث، نظر له أُبَيّ خلسة نظرة ساخرة لم يلاحظها أحد؛ لأنه عندما بدأت لديه أعراض التلعثم أو التأتأة، و هو نوع من الاضطراب في الكلام.. تجاهل والده ذلك و لم يفكر أن يعرضه على طبيب، مما تفاقم التلعثم عنده و سبب له ذلك مشاكل في الثقة بالنفس، فجعله شخصية هشة ضعيفة.
كانوا جميعهم يستمعون لما يقوله زياد بانتباه شديد.. تابع زياد حديثه ليقول قبل أن يعرفهم على هذا المرض.
” مهم جدًا قبل ما تعرفوا يعني ايه شخص مريض باضطرابات الشخصية الحدية، تعرفوا إننا كلنا مرضى نفسيين باختلاف نوع المرض و درجته طبعًا.. كل واحد فينا من الموجودين دلوقت بيعاني من مرض شكل.. و أنا أول واحد هتكلم عن عيوبي.. أنا مريض باضطراب الوسواس القهري.. ايوه بالضبط كده زي ما سمعتم.. و محدش عارف غير هاجر.. عشان معظمكم شايف إنه حاجة طبيعية إن الواحد يبقى نضيف في نفسه و مُنظم.. بس الحقيقة دي مش نضافة.. ده وسواس.. إن مثلًا لو مسكت قلم أروح أغسل ايدي أو سلمت على حد أغسل ايدي كذا مرة أو ممكن اتعصب لو لقيت مثلًا ملاية السرير متنية حتة بسيطة أو قميصي فيه ثنية مكرمشة أو مثلًا الشوذ بتاعي جه عليه تراب.. كل ده طبيعي بالنسبالكم إن الواحد يبقى نضيف زيادة عن اللزوم.. لكن أنا موسوس و هاجر بس اللي فاهمة إن ده مرض الوسواس القهري.. و عادي أنا متعايش معاه و متقبلة جدًا لكنه مُتعب للي حواليا.. و هاجر كتر خيرها إن مستحملة تعيش معايا على الشكل ده..
قاطعته هاجر لتقول بحُب
” عيبك ده ميزة بالنسبة لي.. عمري ما شفته عيب أصلًا ”
رد متبسمًا من قولها
” لولا وجودك جنبي مكنتش هقدر أتعايش مع مرضي ده لفترة طويلة.. أنتِ اللي خلتيني أحبه و اعتبره ميزة ”
قال قُصي وهو يوزع بصره عليهما بتأثر مزيف
” أنا طول عمري أسمع عن عصافير الحُب.. لكن أول مرة أشوفهم قدامي.. محدش معاه منديل أمسح دمعتي ؟ ”
” اخرس يالاه ”
قالها زياد وهو يرمقه بغيظ.. تدخل أُبَيّ ليقول بنبرة منكسرة
” طبعًا أنا.. أنا مش محتاج أعرفكم أنا مريض.. بإيه.. من.. من طريقة كلامي.. أنتم.. أنتم عارفين
رد قُصي عليه وهو يربت على كتفه مُمازحًا
” التأتأة اللي عندك دي مخلية نص البنات واقعة في حبك.. ياعم يا بختك يا رتني مكانك ”
قال والدهما بخجل من نفسه
” و أنا عيبي كبير أوي.. أنا شخصية متحكمة بطريقة وحشة.. بحب اتحكم في اللي حواليا لحد ما أخنقهم.. و مش عارف أبطل ادخل في حياتهم
قاطعه زياد بتفهم
” حضرتك شخصيتك متسلطة يا عمي.. و دي حاجة مش كويسة خالص لازم تتخلص منها عشان ممكن توصل اللي حواليك إنهم يكرهوك ”
” هحاول أغير من نفسي ”
رد قُصي على والده بتأثر
” أتمنى ذلك والدي العزيز ”
أردف سيف وهو يتذكر سلوكياته السيئة قبل الحادثة
” و أنا كنت أناني جدًا و الأنانية دي مرض ممكن يودي صاحبه في داهية.. كنت بغير من أخويا و أختي و كل اللي حواليا و كنت عاوز أبقى أنا محور اهتمام الكل.. بس الحمدلله قدرت أغير من نفسي.. و يارب ثبتني ”
رد قُصي بتحفيز
” عاش حبيب أخوك.. عقبال ما تغير التي شيرت اللي بقالك يومين لابسه ده ”
” و أنا كنت شخصية حقودة و بستكتر الفرحة لغيري.. بس الحمدلله غيرت من نفسي.. كره الخير للغير ده مرض وحش جدًا ربنا يعافينا منه ”
صفق قُصي لها بحرارة قائلًا وهو ينظر لشقيقه نظرة ذات مغزى
” هايل يا فنانة.. هبقى عم و خال قريب.. العروسة المنتظرة نورا الخياط ”
وكزه أُبَيّ في كتفه وهو ينظر له بغضب، بينما نورا اصطنعت أنها لا تفهم عما يتحدث و تجاهلت كلامه، كما تجاهله باقي أفراد العائلة.
و أنت بقى مش هتقولنا يا قُصي عيبك إيه ؟
تساءل زياد وهو يضحك على أفعاله الشقية رغمًا عنه، فقال قُصي وهو يشير لنفسه بغرور
” أنت عاوزني أقارن نفسي بيكم ! ده أنا عيوبي أحلى من مُميزاتكم.
” و كلامك ده مش بيحسسك بحاجة ؟ ”
” حُط الفرخة في التلاجة ”
صاح به والده غاضبًا
” قُصي.. مدخلش الهزار في الجد.. ابن عمك بيكلم معاك يبقى ترد عليه كويس ”
قاطعتهم ملك شقيقته لتقول بنبرة مرحة
” أنا عارفة عيب قصي.. قصي بيحب البنات.. بيحب يكلمهم كتيــر ”
رد قُصي عليها بانفعال مصطنع
” بنات مين يا بت اللي اكلمهم.. ده أنا البنت الوحيدة اللي كلمتها في حياتي كانت موظفة خدمة العملاء.. وهي اللي رنت عليا عشان تسألني مبشحنش ليه.. ”
صاحت أخته بدهشة
” أنت بتكذب يا قُصي.. و اللي بيكذب بيدخل النار.. أنا سمعتك في مرة و أنت بتكلم بنت و بتقولها ” يابت أنتِ مراتي ”
كاد أن يركض وراءها بغيظ منها، فمسك به أُبَيّ وهو يقول له بصوت خافت
” اعقل ”
هتف قُصي ببراءة
” محدش يصدقها.. ده أنا بتكسف من التاء المربوطة.. هكلم بنات ازاي !! ”
تحول الجميع من حالة الحزن للضحك على ترهات و أفعال ذلك المجنون ذو الحس الفكاهي.. تابع زياد حديثه الجاد ليقول
” عيبك يا قُصي أنك عنيد.. العِند حاجة وحشة.. بس أنت عشان ذكي بتعرف تستخدمه لصالحك.. و كمان أنت عندك حب الذات عالي شوية..
أشار قصي لنفسه بعيون بريئة
” قصدك إني أناني ؟ ”
” لأ خالص.. مش معنى أنك بتحب نفسك تبقى أناني.. أنت من النوع اللي شايف نفسه مبيغلطش و أحسن واحد ومهما عملت شايف نفسك دايمًا الصح ”
تدخل سيف بمدافعة عنه
” آسف يا زياد.. مش متفق معاك في النقطة دي.. قُصي ده أهطل.. ده أغلب من الغُلب.. هو يبان تقيل من الخارج لكنه سونيا الحقيني من الداخل
” أنا حاسس إن أنا بتهزق ! ”
قالها قُصي وهو ينظر لهم بطريقة مضحكة جعلتهم يضحكون عليه.. قاطعت ضحكاتهم تلك المرة شهد شقيقته لتقول بصوت لفت انتباههم
“قُصي عنده سر مخبيه محدش يعرفه غيري.. و كان واعدني يركبني خيل مقابل إني احتفظ بالسر.. بس هو موفاش بوعده و أنا كمان مش هوفي بوعدي..
نظر لها قُصي بتحذير ألا تخبرهم بسره الصغير، فتجاهلت نظرته و قالت
” عارفين بقى مين نجلاء اللي قُصي قارفنا بيها ليل نهار دي..
هز الجميع رأسهم باهتمام و فضول يريدون جميعهم معرفة حقيقة ” نجلاء “.. فقالت شهد
” ده يبقى جونغكوك من فرقة Bts الكورية
” ايه فرقة بطاطس الكورية دي ؟ ”
تساءلت عمتها مفيدة بعفوية، فضحكت شهد قائلة
” بطاطس ايه بس يا عمتو.. اسمها بتس اختصار لجملة (فتيان الكشافة المضادة للرصاص) دول فرقة مطربين و راقصين كوريين.. و قُصي بيحب اللي اسمه جونغكوك ده أوي و منزل كل اغانيه على موبايله.. و بيحضر أي لايف ليه أو للفرقة.. حتى حاطط صورته في محفظته.. بس هو مسميه نجلاء و بيقول إن نجلاء دي بنت أصلا وهو معجب بيها عشان لو حد عرف إنه قصده على راجل هيبقى شكله وحش قدامنا.. ”
صاح قصي يدافع عن مطربه المفضل
” علفكرة بقى كوكي ده مفيش أطيب منه.. ده كفاية إن دمه خفيف زيي.. ولو حد قال في حقه كلمة وحشه هبلغ الأرمي وهما يتصرفوا معاكم ”
” مُعجب براجل ؟ هو ده نجلاء ! راجل ؟! ”
قالها والده وهو يرمقه بتقزز ليتابع
” تحب أغنيلك ألوان ألوان ولا حافظها ! ”
رد قُصي وهو يخرج صورة ” جونغكوك ” من محفظته
” والله يا ميجو أنت فاهم غلط.. هو عشان الواد حلو بزيادة يعني يبقى أنا ألوان !.. أنا بس عاجبني صوته و ليقاته البدنية و خفة دمه و رقصه.. بصراحة هو كله على بعضه كده كوكيز يتاكل أكل ”
” ما تبطل قلة أدب بقى ياض أنت ”
” طب استنى كده و اتفرج على الفديو ده و قولي رأيك بس بصراحة.. ”
قام قصي بتشغيل فديو لأغنية خاصة بفرقة Bts و أشار على ” جونغكوك ” وهو يغني و يرقص ليقول بفخر
” شايف.. تعرف أنت تعمل الحركة دي.. Smooth like butter, like a criminal undercover.. بدأ بالغناء معهم حتى تفاجئ بكف خفيف يهبط على رقبته من والده، وهو يقول بغيظ منه
” هو ده اللي أنت مخلص النت عليه ! ده أنت قليل الأدب يابني والله ”
” أنا هسكت أحسن عشان أنتم مش فاهمين يعني فن.. بس برضو كوكي هو البايس كيبوب بتاعي ”
” لباس كلبوب ازاي !! ”
رغمًا عنه ضحك ليقول
” لباس كلبوب ايه يا بابا بس.. بايس كيبوب يعني شخصي المفضل بالكوري.. عمرك ما هتفهم اللي بقوله طول ما أنت مش ساسانغ ”
نظر والده له بعدم فهم، ثم نظر لـ أُبَيّ الذي كان يضحك في صمت ليقول
” الولاه اخوك ده باين عليه اتلبس ”
ضحك أُبَيّ بخفة، و أثناء ضحكاته القمرية لفت انتباهه تلك المميزة بالنسبة له ” نورا” كانت تقف بالقُرب من هاجر تواسيها بالكلمات.. ظل يتأملها حتى شرد في تفاصيل وجهها، مُتذكرًا قربها الشديد منه منذ لحظات.. لاحظت عينيه الزرقاء تخترقها من كثرة التأمل، فأدارت وجهها باتجاه آخر؛ لئلا يلاحظهما أحد.
استطرد زياد حديثه، بعد ذلك الحديث الهزلي الذي دار بين قُصي و والده.. ليقول بهدوء
” المرض اللي عند بدر يختلف عننا كلنا.. إحنا أمراضنا تعتبر خفيفة نقدر نسيطر عليها.. أما مرض بدر بقى خارج عن إرادته.. مبقاش عارف يسيطر عليه.. ”
” قصدك يعني في مرحلته الأخيرة من المرض ؟
تساءل والده، فأجاب
” مش بالضبط كده.. ممكن تقول أنه المرض بتاعه بالذات تقيل شوية.. خليني اشرحلكم يعني ايه اضطرابات الشخصية الحدية.. في الأول كده المرض ده مجاش لبدر من فراغ.. سبب حدوثه إن فيه حدث حصل كان صادم بالنسبة لبدر.. و الصدمة دي كانت قوية عليه مقدرش أنه يتحملها فسببتله صرع وده كان بواشر مرض نفسي.. طبعًا كلكم فاكرين يوم ما عمي محمد توفي، بدر كان عامل ازاي.. دي الصدمة اللي المخ مقدرش يستحملها فتشكلت على هيئة اضطرابات أثرت على سلوكياته بعد كده.. الصدمة التانية رفض عائشة لحبه أكتر من مرة.. و صدمته إنه مش هيحقق حلمه و يبقى مهندس ميكانيكي و مش هيكمل تعليمه.. الصدمات كانت بتيجي واحدة ورا التانية لحد ما هدت حيله فمبقاش قادر يسيطر على مرضه.. المُصاب بقى بالمرض ده بيعاني من نوبات حادة من الغضب والاكتئاب والقلق، ممكن أنها توصل مدتها إلى ساعات و حتى أيام، المصابين بالاضطرابات الحدية بيبقوا غير مستقرين عاطفيًا.. تلاقيه فاشل في علاقاته العاطفية و دايرة علاقاته بتبدأ تقل.. و بيبقى صعب التعامل معاه وقت الغضب لأن العُنف بيسيطر عليه..
قاطعته والدة بدر متسائلة في لهفة
” طيب نعمل ايه عشان يخف ؟ ”
” لازم يتابع مع دكتور نفسي ”
“أنت ليه خبيت علينا يا زياد من الأول ؟ ”
” مكنش في نيتي أخبي عليكم يا عمتى.. بس أنا وعدت بدر إن مرضه ده هيفضل سر بينا على أمل إنه هيتعالج.. بس لما لاقيت الوضع بيسوء قلت لازم كلكم تعرفوا عشان حرام أوي نحمله فوق طاقته بعد كده ”
بكت الأم في صمت، و راحت هاجر تمسد على ظهرها بحنان لتجعلها تهدأ، فبكت هي الأخرى في صمت… قالت مفيدة بأسف
” أنا قسيت عليه كتير أوي و حملته فوق طاقته كتير.. وهو يا حبة عيني كل ده ساكت و مستحمل عشان خاطرنا.. ”
أحس بدر بقلبه يؤلمه لبكاء والدته، فاتجه إليها وهو يقول بتأثر قبل أن يحتضنها
” أنا مشفتش منك غير كل حنية.. متعيطيش يا أم بدر ”
عانقته بشدة و هي تقول
” والله لو الدنيا كلها قالتلي ابنك فيه العبر مش هصدق أبدًا.. عشان أنا شايفه ابني بقلبي.. و قلب الأم ما بيشوفش عياله وحشين.. أنا شيفاك أحسن واحد في الدنيا و مفيش عيب واحد بس فيك..
” بس أنا فعلًا مريض نفسي يا أمي.. دي حقيقة لازم تتقبليها.. زي منا تقبلتها دلوقت.. بعد ما كلكم عرفتم ”
قالها بشيء من الانكسار، فتدخلت هاجر بابتسامة عريضة لتقول
” إحنا ميهمناش مريض ولا مش مريض.. أنت هتفضل بدر الشباب فخر عيلتنا.. أنا بفتخر إني عندي أخ زيك أنت وسيف.. أنا شيفاكم أحسن أخوات في الدنيا يا بدر.. مهما حصل هتفضلوا في عيني أحسن الناس ”
بينما الجميع منشغلون بمواساة بدر و التخفيف عنه، قال أُبَيّ بصوت عالي موجهًا حديثه لـنورا
” نورا.. بتسمعي كرتون؟ ”
صمت عمّ عليهم جميعًا وهم ينظرون له بدهشة، و أعينهم تفيض منها جملة واحدة اتفقوا عليها جميعًا
” تبًا لعالمك الموازي أُبَيّ، هذا ليس وقتك ”
أما نورا تملك منها الخجل و اصطنعت أنه لا يوجه لها أي حديث، بينما أُبَيُ تجاهل نظراتهم له، و أكمل ببساطة
” في فيلم ديزني جديد نازل في السينما.. حاسس إنه هيبقى حلو أوي ”
هزه قُصي برفق من كتفه وهو يضحك بسماجة قائلًا بخفوت
” ايه يا عم.. هي السلوك لمست عندك ولا ايه.. ده وقته .. ! ”
” قــــــــولــــو.. قــولـــــــــو ”
صدرت تلك الأغنية من هاتف قُصي، وهي أغنية شهيرة في مشهد كوميدي من فيلم مصري شهير..
انتقلت الأعين من على أُبَيّ نحو قُصي في دهشة و ضحك ليقول والدهما بغضب
” أنا مش فاهم أنتم الاتنين بتفكروا ازاي.. و أنت يا عم كركر.. إيه النغمة اللي أنت حاططها دي ؟
هز قُصي كتفيه ببراءة كأن هذا الهاتف ليس هاتفه، بينما بدر راح يحضن شقيقته و أمه بعد أن تفهموا حالته و أوحوا له أنهم سيبقوا فخورين به مهما حدث.. انتشل زياد وردته من بين أحضان بدر ليقول بغيرة مصطنعة يشاكسه
” عندك أمك أهي احضنها براحتك.. أما دي بقت ملكي خلاص.. محدش يحضنها غيري ”
وكزته هاجر في صدره لتقول بغيظ منه
” اسكت عشان أنا متغاظة منك ”
” ليه بس يا عيون زياد ”
قالها ببراءة طفولية، فهمست بتحذير
” علفكرة إحنا مش لوحدنا.. لينا شقة تلمنا.. اصبر عليا بس.. مش هعديلك اللي حصل ده بالساهل ”
رد بمرح
” مش مشكلة.. المهم إن إحنا لينا شقة تلمنا.. يا أم العيال ”
بعد أن شرح زياد لهم جميعًا ما يعاني منه بدر، و أفصح كل منهم عن العيب و المرض الذي يعاني منه، ليظهروا تضامنهم مع بدر، و ليبدوا له أنه ليس الوحيد الذي يعاني من مرض نفسي.. اتفقوا جميعهم على أن يقدموا كل الدعم الذي يحتاجه بدر و أن يتعاونوا ليأخذوا بيده نحو طريق الشفاء، و كل ذلك بفضل زياد و بفضل خطته التي رسمها فور علمه بطلاق بدر و عائشة، انتهز فرصة تجمع العائلة ليخبرهم بالطريقة، أنه يوجد فرع من شجرة العائلة أصيب و يجب التكاتف لانقاذه، و هنا ظهرت دور العائلة في إصلاح و ترميم شجرتها.
لم يذهب أحدًا منهم للبيت الليلة، بقيوا جميعهم لتناول العشاء سويًا.. أما زياد أخذ بدر ليجلس معه في الغرفة وحدهما يحدثه في أمر طلاقه لعائشة.
جلس زياد في قبالة بدر و قال باسمًا
” خلاص مبقاش فيه خوف.. راح الخوف و القلق.. دلوقت كلهم عرفوا إنك عندك اضطرابات..
قاطعه بدر بنبرة تحمل الذنب
” بس مكنتش عاوزهم يعرفوا.. مكنتش عاوز أقل من نظرهم..
” متقولش كده تاني ممكن؟.. دول مش ناس غريبة يا بدر.. دول عيلتك.. كلهم بيحبوك و هيقفوا جنبك لحد ما تخف.. من غير معرفتهم أنت مكنتش هتتقدم خطوة واحدة لقدام و تكمل علاج.. كان لازم يعرفوا عشان تفوق لنفسك بقى..
أومأ بدر في صمت، فتأمله زياد للحظات ثم تساءل بذكاء يريد أن يحرك مشاعره المدفونة تجاه عائشة
” وحشتك ؟ ”
رفع بدر رأسه لينظر لزياد بعدم فهم
” هي مين ! ”
” أنت عارف ”
صمت للحظات ثم أخذ نفسًا عميق و تنهد ليقول بنبرة تملؤها الشوق
” أوي.. وحشتني أوي يا زياد ”
” مش كفايا بُعد بقى ؟..
” قصدك ايه ؟
” رجع عائشة يا بدر.. أنت مش هتخف غير بوجودها جنبك.. أنت محتاجلها يا بدر.. رجع عائشة لحضنك عشان تقدر تتنفس و أنت مطمن ”
فكر بدر للحظات فيما قاله زياد، و تعابير وجهه تبدأ بالتغيير تدريجيًا للاستياء و الغضب.. ليقول
” عائشة هي السبب في اللي أنا فيه.. هي واحد من الأسباب اللي خلتني مريض نفسي.. أنا حبيتها بجنون و هي استخسرت فيا الحُب..
قاطعه زياد بهدوء
” بس هي حبيتك فعلًا يا بدر..
رد بنفي شديد
” لأ.. متقولش حبتني.. لأ.. عائشة.. عائشة حبت اهتمام بدر بيها و حنيته اللي هي مفتقداها.. إنما بدر الميكانيكي اللي معهوش شهادة.. لأ محبتهوش يا زياد ”
” أنا مش فاهم أنت بتقلل من نفسك ليه ؟.. الكلام ده كان في الأول.. فعلًا في الأول مكنتش بتحبك لشخصك.. إنما بعد كده ظهر عليها تعلُقها و حُبها ليك.. هي ملهاش غيرك يا بدر.. سيبتها ليه؟
” سيبتها عشان أفوق لنفسي.. و عشان هي كمان محتاجة ده.. عشان أنا بحبها طلقتها.. مينفعش أحب حد و أبقى مبسوط وهو بيتأذى قدامي.. عائشة كانت هتتأذي مني جامد بسبب مرضي الغبي.. هي متستاهلش تعيش حياة تعيسة بسببي.. طلقتها عشان أرحمها من حُبي المُرهق.. أنا وجودي في حياة أي حد إرهاق يا زياد.. ”
” صدقني يا بدر.. لما تتعالج و تبقى كويس.. أول حد قلبك هيدور عليه.. هي عائشة يا بدر.. و ساعتها هتندم أنك سيبتها ”
قالها زياد ليؤنب ضميره، ثم ولى له ظهره و تركه يراجع نفسه قليلًا ليشعره بالذنب تجاهها.. فكلامه هذا يقول أنه يرى الصواب في فراقه عنها.. و زياد يفهمه جيدًا.. يعلم جيدًا أن تصرفه لم يكن نابعًا من قلبه، و أنه كان مضطرب التفكير عندما طلقها؛ ظنًا بذلك أنه يصلح الأمر، و لا يعلم أنه يزيده تعقيدًا..
قال بدر بنبرة مهزوزة وهو على وشك البكاء، لكنه جاهد ألا يبكي
“زياد.. أنا عايز عائشة.. من ساعة ما فارقتها و أنا تايه.. مبقتش أشوف النوم و لا حتى عارف أرتاح.. في بُعدها ماتت الراحة.. أنا عايزها يا زياد.. أبوس إيدك رجعلي عائشة.. رجع لي قلبي.. خليني أرجع أتنفس”
قال جُمله الأخيرة بانكسار و ضعف شهده زياد، ثم انفجر باكيًا بحسرة، لم يكُن يودّ البُكاء، لكِن عيناه لم تغفِر له هذه المرّة..أحس بدر و لأول مرة من فراقه لعائشة، أنه أفتقد ما لا يمكنُ إستردادهُ أبدًا، بغبائه و تهوره و جنون اضطراباته أبعدها عن عينه و قلبه، و الآن لقد أدرك ذلك.. أدرك حجم الكارثة و الجريمة التي فعلها في حق الحُب و في حق نفسه، كيف للمُحب أن يختار بُعد محبوبه بمحض إرادته !
هتف من بين بكائه العنيف
” أنا اللي دمرت نفسي بنفسي.. أنا المجرم و أنا الضحية.. أنا القاتل و المقتول..هي الوحيدة اللي سكنت قلبي و الوحيدة اللي قدرت تبكيني.. أنا من غيرها الموت أهون عليا يا زياد ”
لم يحرك زياد ساكنًا، و ظل واقف يتأمله بحزن فقط بينما الآخر يهذي بالكلمات و يبكي بكاء تتقطع له القلوب، و تلك المرة فضل زياد الصمت بدلًا من المواساة، أراد بذلك أن يجعله يستعيد وعيه في فراقه لزوجته، فتاته و إمرأته التي سلبت منه عقله و قلبه.. تقدم زياد منه و أعطاه كوب ماء و مناديل ثم قال بهدوء
” لو لسه فاكر إن فراقها عنك هيحل حاجة.. تبقى غلطان..بُعدها هيزيدك تعب و عذاب يا بدر.. الحل الوحيد في إنك تتعالج و تخف بسرعة، إن عائشة تكون جنبك”
توقف بدر عن البكاء و أخذ يمسح عينيه بغِلظة، و تساءل حائرًا
“يعني.. يعني أنت شايف إن رجوعها هو الحل ؟
تأمله زياد للحظات، و بادله السؤال
” الحُب بالنسبة لك إيه يا بدر ؟ ”
“الحُب يعني عائش، بالنسبالي عويش هي الجواب المنطقي الوحيد للرد على سؤالك.”
قالها بتنهيدة حُب، بعد صمت دام للحظات و شرود في ذكرياته معها.
ابتسم زياد بخفة، ثم قال
” عندك استعداد تشوفها بُكره ؟ ”
نظر له بدر بصدمة تحولت للسعادة ثم القلق.. قائلًا
” بُكره !.. ”
أومأ زياد منتظرًا اجابته، فقال بدر بعدم تصديق
” أنا هشوف عائشة بُكره !.. مُهجة الفؤاد !.. ”
اتسعت ابتسامة زياد، و أردف بمرح
” و تجيبوا زيزو صغير ”
تخيل بدر ذلك وهو يشعر بسعادة بالغة انتابته، من مجرد التفكير في كونها ستصبح معه ثانية تحت جناحه.. لحظات، و استحالت الابتسامة إلى زفرة عقبها متنهدًا
” بس أنا خذلتها.. أنا كنت أمانها الوحيد و أذتها.. استحالة تسامحني ”
رد زياد بتشجيع له
” لأ هتسامحك.. سيب أنت الطلعة دي عليا.. أنا هخليها تسامحك.. بس أنت لازم تروح تعتذرلها و ترجعها..
قاطعه متسائلًا بقلق
” و هتعرف إني مريض نفسي ؟ ”
” لازم تعرف يا بدر.. عشان ده اللي هيخليها تقف جنبك و تسامحك.. لو هي فعلًا بتحبك.. و عائشة بتحبك يا بدر صدقني ”
فكر للحظات، ثم قال معترضًا
” لأ.. مش هتعرف يا زياد.. عائشة مش لازم تعرف بمرضي.. أنا مستعد أتحمل أي حاجة في الدنيا إلا نظرتها ليا لما تعرف وقتها.. مش هقدر أتحمل إنها بعد ما كانت بتشوفني سندها و أمانها.. تشوفني مريض ! لأ يا زياد.. عائشة مش هتعرف بمرضي أبدًا.. أوعدك إني هتعالج بس اوعى تقولها حاجة”
أومأ زياد بموافقة، بشرط أن يراضيه فقط.. لكنه حتمًا سيخبرها؛ لكي تعلم السبب الحقيقي وراء طلاقه لها.
قال زياد باسمًا
” خلاص مستعد نروحلها بُكره إن شاء الله ؟ ”
تذكر كلام الشيخ عمار عندما أكل نار الشوق قلبه، فذهب إليه ليساعده في رجوع عائشة له..
***
” يعني ايه ؟ يعني عائشة مينفعش تبقى مراتي تاني ! ”
رد الشيخ بتوضيح
” إذا كنت قد خليت بها الخلوة الصحيحة بعد كتب الكتاب، و لكنك لم تدخل بها فوجبت العدة عليها، أما إذا تم الطلاق قبل أن تخلو بها فليس عليها عدة”
***
قال بدر بملامح انطفأت من الحزن بعد أن زاره الفرح لثوانِ
” مش هينفع أردها زي أي واحد طلق مراته وحب يردها قبل ما يقع اليمين التالت
” يعني ايه ؟ ”
تنهد بأسى وقال
” يعني هي دلوقت لو راحت اتجوزت غيري مش هقدر أمنعها أو ألومها..
” يعني إيه برضو.. مش فاهم ؟! ”
تساءل زياد بعدم فهم.. رد بقلة حيلة
“أنا و عائشة جوازنا كان على ورق بس..
قاطعه زياد بدهشة
” جواز على ورق ! يعني هي مكنتش مراتك شرعًا !! مراتك على الورق بس ؟؟!.
هز رأسه في صمت وهو ينظر للأرض يلوم نفسه، هتف زياد بتعصب
” أومال أنت بتحبها على ايـــه !! لما رايح متجوزها على الورق و ملمستهـاش كان لازمتها ايه جواز من الأول أصلًا.. ! أنت متأكد إنك حبيتها ؟ أنا مش مصدق.. ازاي قعدتم شهرين بتمثلوا أنكم متجوزين و أنتم أصلًا عايشين زي الأخوات !! ازاي !؟؟
رد بدر بعجز
“هي مكنتش عاوزه.. سيبتها براحتها.. كُنت عاوزني أجبرها تبقى مراتي بالعافية ؟!
تابع زياد متعصبًا منهما
” ده مكنش جـــواز.. ده كان لعب عيـــال.. يعني دلوقت يا بيه هي ملهاش عدة.. يعني لو راحت اتجوزت أنت متقدرش تقولها تلت التلاته كـــام
قال بدر بسرعة و بمدافعة
” لأ.. ليها عدة.. أنا خليت بيها.. قعدت معاها شهرين في بيت أبوها.. ايوه ملمستهاش بس خليت بيها.. الشيخ عمار قالي إنها ليها عِدة.. بس مش هقدر أرجعها غير إما أكتب عليها عند مأذون تاني.. مش هقدر أرجعها لعصمتي غير برضاها..
” فالح.. و يارب توافق يا خويا.. عشان اللي بيحصل ده والله العظيم لعب عيال..
أخفض بدر رأسى بحزن، لا يدرِ بماذا يجيب وهو المُخطئ.. قال زياد وهو ما يزال متعصبًا
” إحنا هنروح بكره بيت جدتها و كل التفاهة دي لازم تتحل.. تمام ! و برضاكم غصب عنكم هترجعوا لبعض.. عشان أنا تعبت منكم..
_______________♡
‏”لكِنكَ في النهايةِ مؤمن،
والإيمانُ وسيلتُك الوحيدة في جعلِ كُل الأشياء
هيّنةً عليك..”
******
تسير سيارة “حافظ” والد روان مسرعة باتجاه المكان الذي أخبرتهم به ” ثرية ” طليقته، و قبل أن يقتربوا من الواجهة، أوقف حافظ السيارة على بُعد مقربة من “ثرية” التي كانت جالسة على الرصيف تبكي.. التفت والد روان لها و قال بهدوء
” يلا يا روان.. أنزلي لأمك.. و اتكلمي معاها براحة.. دي مهما كان أمك برضو ”
رمشت روان بأهدابها لثوانِ، فقد كانت تستند برأسها على النافذة و تشرد بشدة في أمر ما، أو يبدو أنها ضاعت لدقائق في عالم آخر..
هزت رأسها بخفة و أخذ تُدلك جبهتها، ثم مدت بصرها ناحية والدتها و عادت تنظر لوالدها بعدم فهم، و أعادت الكرّة عدة مرات حتى استوعب الأمر.. تحولت ملامحها من العدم فهم للدهشة، بل الدهشة الشديدة التي جعلت عينيها تتسع غير مُصدقة وهي تعيد النظر لوالدتها من السيارة، ثم لوالدها الذي أخذ يبادلها النظرات بتعجب من أفعالها..
تساءل حافظ متعجبًا منها
” مالك يا روان ! في حاجة يا بنتي ؟ ”
” ازاي !!!! ”
“ازاي إيـه ؟.. مالِك ! في إيه ؟ ”
قالت وهي تعقد حاجبيها بدهشة
” هو.. هو ايه اللي حصل !. أقصد.. أقصد.. يعني أنت كويس.. أنت كويس يا بابا ؟!
تساءلت وهي تتفحص مكان الطعنة بعينيها الغير مستوعبة بالمرة هذا الأمر العجيب.. رد والدها بنفس ذات دهشتها
“أنا زي الفل قدامك أهو الحمدلله.. أنتِ اللي كويسة ؟! ”
أعادت النظر لوالدتها التي تجلس على حافة الطريق بالقرب من السيارة تبكي
” هي مش اللي قاعدة بتعيط هناك دي ماما !.. دي ماما ! طب ازاي ! و.. والدم.. !.. ده.. ده دبحها ! دبحها قدام عيني ! و.. و الشُرطة جات خدته..
” خدت مين ؟ و مين دبح مين ! مالك يا روان!
تساءل والدها بقلق، و كاد أن يفقد أعصابه من أفعالها الجنونية…استطردت حديثها المُندهش
” أنا مكنتش بحلم.. أنا متأكدة.. أنا منمتش.. والله ما نمت !.. بابا أنا نمت في الطريق ؟!
“أنتِ من ساعة ما ركبنا العربية و أنتِ مبطلتيش تذكري الله.. حتى أنا انبسط منك أوي و قولتلك أنا مش ناسي الهدية اللي وعدتك هجبهالك لما تنجحي.. و أنتِ رديتي قولتيلي كتر خيرك يا بابا ربنا ما يحرمني منك.. لكن ما نمتيش..
” مهو مش معقول أكون اللي شفته ده أحلام يقظة ! مستحيل.. أنا شفت ماما وهي قاعدة القعدة دي و بتعيط و كانت لابسة نفس اللبس ده!
أنا لا كنت بحلم و لا أنا مجنونة عشان أقول كده.. أنا.. أنا شفت حادثة كاملة كأنها حقيقية.. !
لم تنتظر رد والدها، و هبطت سريعًا من السيارة باتجاه والدتها، التي ما إن رأتها تبسمت من بين دموعها و قالت
” أنتِ جيتي يا روان !؟ ”
وقفت روان للحظات تطالعها بصمت و ذهول، لقد تكرر ما رأته ! عندما رأت الواقعة.. قالت والدتها تلك الجملة بالضبط.. !
تابعت الأم باكية
” منها لله.. هي السبب
قاطعتها روان مكملة عنها
” أخته مش كده !.. و هو بيشرب مخدرات و أنتِ بيعتِ دهبك و أخدتِ الفلوس عشان تعملي بيها مشروع لولادك.. وهو كان عاوزهم.. و أنتِ عشان موافقتيش طردك و ضربك ! صح ؟!
تمنت روان أن يكون ما قالته خاطئ، و أن ذلك مجرد حلم أو كابوس لا أكثر، و لكن الحقيقة أن كل ما قالته حدث بالفعل !
أومأت والدتها وهي تنظر لها بدهشة شديدة
” أنتِ عرفتي الكلام ده منين ؟ مين اللي قالك !
” هو بجد ده اللي حصل !
” ايوه والله ده اللي حصل.. أنتِ عرفتي منين؟
تدخل والدها ليتساءل بعدم فهم لما يحدث
“هو في ايه ؟ أنا مش فاهم أي حاجة !
تبسمت روان ضاحكة لتقول وهي لا زالت غير مصدقة
” ايه ! مكشوف عني الحجاب مثلًا ! مهو أنا مش من أولياء الله الصالحين عشان أشوف اللي هيحصل بالضبط قبل ما يحصل بثوانِ.. !!
تركتهم ينظرون لها بدهشة، ثم ذهبت لتبحث عن أي عصا غليظة، وجاءت بعد دقائق معدودة لتقول بثقة
” ماما.. أشرف جوزك هيجي دلوقت.. و معاه سكينة
صاحت الأم بخوف
” سكينة !!
أومأت روان
” عاوز يقتلك..
لم تكمل كلامها، و بالفعل التفتوا ثلاثتهم له وهو يقبل عليهم يصيح بغضب و غيظ، دون أن يظهر السكين..
تقدم حافظ موجهًا له الحديث بغضب عندما وجده يَسُب بألفاظ مكروهة
” أنت تحترم نفسك و تقف معايا تتكلم بأدب..
أخرج ” أشرف السكين ” و قبل أن يوجهها نحو “حافظ” خرّ ساقطًا في بركة دماء تنفجر من رأسه؛ بسبب تلك الضربة القاسية التي ضربتها له روان بكل قوة..
اجتمع الناس ينظرون بدهشة، و تعالت الهمسات.. بينما روان تبسمت وهي تلقي العصا من يدها و تنظر لذاك الذي غرق في دمائه
” معاش و لا كان اللي يجي على حد من أهلي ”
______________♡
‏فقط معك
‏وبطريقة ما
‏أشعر إني بصحبة الجميع
‏وإن كنتُ وحيدًا . “لرجل عاشق” ♥
*****
” تفتكر هيفرحوا لما يعرفوا إني جبت ٩١ ٪ ؟ ”
تساءلت رُميساء بقلق، و هي تتجه برفقة كريم للداخل.. رد غامزًا وهو يشير بفخر لنفسه
“و هو حد يقدر يبصلك بصة وحشة حتى و أنتِ معايا ! أنتِ حبيبة ضابط مخابرات.. يعني كسري و أنا أجبس”
ضحكت بخفوت، ثم قالت بمرح مماثل
” ده ملوش علاقة بمهنتك.. أنا بيك من غيرك أكسر و ميهمنيش اللحام خالص ”
قام بالتصفير ثم صفق عاليًا وهو يبدي إعجابًا بما قالته
” ايوه يا رورو.. لا.. ده إحنا اتطورنا خالص.. كبرتي و بقيتي تقلدي كلامي أهو.. تنحسدي ”
لم تستطيع تمالك نفسها من الضحك على خفة ظله في الحديث، و روح الدعابة الذي اكتشفته فيه مؤخرًا..
تساءلت في تعجب
” ممكن أسألك سؤال بس متزعلش ؟
” أنا مقدرش أزعل منك غير في حالة واحدة.. و ساعتها زعلي هيبقى وحش.. وحش لدرجة متتخيلهوش..
قال جملته الأخيرة، بعد أن أظلمت عينيه الكهرمانية، و تحولت ملامحه للجمود و القسوة، مما جعلها تنظر له في ريبة و قشعريرة انتابت جسدها.. ظلت تراقب تحول ملامحه في صمت، فقال بهدوء
” ساكتة ليه ! إيه هو السؤال اللي عاوزه تسأليه؟
اخذت نفسًا عميق، و قالت
” أنت ليه يبان شكلك يخوف بس من جواك مرِح ! يعني ازاي بتقدر تغير ملامحك في ثانية كده؟ بتكون بتهزر و مبسوط وفجأة نظرة عينيك ترعب أي حد ! هو أنا عارفة إن عندك حضور قوي و شخصيتك قوية.. بس.. بس مش لدرجة تخلي اللي قدامك واقف متوتر و حاسس إنه عامل مصيبة مع إنه بريء !
تبسم من كلامها، ثم تنهد بيُسر قائلًا
” كل اللي بيتعامل معايا بيقولي كده.. بس أنا مش بيبقى قصدي والله.. أنا غصب عني لما بفكر في حاجة تضايقني أو يحصل موقف يزعلني ببقى مش شايف قدامي..
” بس أنت كده بتخوفني منك !
” اطمني.. أنتِ الوحيدة اللي بضعف قدامك.. ”
حاولت تغيير مجرى الحديث، عندما لاحظت تأمله الشديد بها.. فتساءلت
” هو أنت ضابط عادي ولا ضابط مخابرات ؟ ولا هو مفيش فرق بينهم ؟ ”
تبسم قائلًا
” لأ طبعًا فيه فرق.. ضباط المباحث اللي هما الشُرطة المعروفين يعني.. بيبقوا تابعين لوزارة الداخلية مختصين بجرائم المواطنين و حفظ عامة الشعب.. أما ضابط المخابرات بيبقى تابع للرئيس.. جهاز المخابرات العامة بيبقوا مختصين بجرائم التجسس و مكافحة الإرهاب.. يعني يقدروا يوصلوا لواحد بيخون بلده أو شغال عميل وجاسوس.. كده يعني.. بس ضابط المخابرات يقدر يبقى ضابط جيش أو شُرطة أو صاحب مهنة.. زي مثلًا دكتور.. مُدرس..مهندس.. رجل أعمال.. بخلاف بقى إنه يفضل في المخابرات المصرية يشتغل بسرية.. فهمتِ.. يعني أنا في الأصل تابع للرئيس.. شغال ضابط في المخابرات.. أما مهنتي التانية هي ضابط مباحث ”
انبهرت رُميساء به و هتفت بدهشة
” ايه ده !! ده أنت طلعت غامض بجد..
ضحك من قولها، و قال
” ده أنا أعجبك علفكرة.. أنا حتة تقيله في البلد
في تلك الأثناء، و بينهما يتبادلان الحديث و الضحك، كان يراقبهما من بعيد بحقد و غل “رياض الكُردي” والده و عدوه في آنٍ واحد..
اتجه كلاهما للداخل، فتخفى “رياض” خلف إحدى الأعمدة الجيرية؛ حتى لا يروه.. و لكن هذا الداهية “كريم” كان يعرف بوقوفه منذ مجيء “نِداء” ابنة عمه.. فترك رُميساء تدخل، و استدار وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة خبيثة ثم اتجه ناحية العمود ليقف بالقُرب من أبيه قائلًا
“متحاولش تلعب معايا أنا بالذات.. عشان أنا ألعب على قارة.. مش دولة واحدة”
ثم تركه وذهب يلحق بفراشته.. ترددت رُميساء في اخبارهم بالنتيجة، فأسرع هو بالقول وهو يقف خلفها كالحصن المنيع، كأنه بوقوفه خلفها يوحي لهم، أن تلك الفتاة تخصه ولا أحد يجرؤ على التسبب لها بالحزن، أيًا يكن من هو.
” رُميساء نجحت.. جابت ٩١ ٪”
هتف والدها بسعادة غير مصدق
” هي النتيجة بانت ! بجد جبتي ٩١ ٪ ! ”
أومأت في توتر، فنهض والدها و تقدم نحوها ليحتضنها أمامهم بشدة قائلًا بابتسامة صافية
” مليون مبارك يا نور عين بابا ”
أخفض كريم رأسه في الحال، يخفي ملامحه التي تحولت للغيرة الشديدة و الغضب من ذِكر والدها
” أنها نور عينه” بالرغم من تفهم كريم لذلك، لكنه شعر بأن الدم يغلي في عروقه عندما احتضنها والدها و قبْلها من جبينها..
حاول كريم تشتيت انتباهه؛ ليبتعد عن أملاكه الخاصة كما أطلق عليها منذ أن رآها وجهًا لوجه في المشفى.. فقال بمرح مصطنع
” بالمناسبة السعيدة دي بقى.. هنخرج كلنا سوا للمصيف.. وده مش اقتراح ده أمر واجب تنفيذه
( نُقطة).
تبسمت رُميساء و مسكت يد والدها بحنو قائلة
” يعني يا بابا بجد أنت مبسوط ؟ ”
جز كريم على أسنانه بغيظ، و فضل اعطائهم ظهره؛ حتى لا ينفجر كالبركان يصيبهم بحُمَمه.
رد والدها بعقلانية
” الأهم من إن أكون مبسوط.. أنك تكوني راضية بقضاء ربنا.. المجموع اللي بيجيبه الطالب ممكن يكون مظلوم فيه و ممكن يكون ميستحقهوش و ممكن يبقى هو ده مجهوده.. لكنه في النهاية قضاء و قدر ولازم نرضى بيه.. لأن ربك بيكتب الخير و الأفضل دايمًا لينا.. فتقولي الحمدلله و تفرحي بنتيجتك أيًا كانت إيه.. أنتِ مش عارفة ربنا كاتبلك بعد كده إيه.. فنفرح و نرضى بنصيبنا و نقول الحمدلله ”
اطمأن قلبها من كلام والدها الذي أطفئ الخوف و الحزن بداخلها، لقد كانت تعلم أن والدها عقلاني و سيتفهم الأمر و لن يغضب أبدًا حتى لو لم تنجح، أما أمها فالخوف كله منها.. اتجهت لمجلس النساء وقبل أن تنطق كلمة باركوا لها جميعًا فقد وصلتهم الأخبار من الصوت العالي.. نظرت لوالدتها فوجدتها تبادلها النظرات برّضا مبتسمة.. لتقول
” مبارك يا قلب ماما.. فخورة بيكِ يا رُميساء ”
” يعني أنتِ مش زعلانة يا ماما ؟ ”
” هو صحيح أنتِ عاوزه تنضربي عشان مذاكرتيش من أول السنة و كركبتِ كله عليكِ في آخر شهرين.. بس مش مشكلة المهم أنك نجحتِ و السنة عدت على خير..
تدخلت جدة كريم لتقول بملاطفة
“دفعة التابلت المفروض محدش يعلقلهم على أي مجموع يجيبوه.. كتر خيرهم إنهم بينجحوا.. التعليم الأول كان مُريح.. ٩١ ٪ اللي جابتهم رُميساء يعادل ٩٩ ٪ في النظام القديم.. ألف مبروك يا حبيبتي.. عقبال ما نفرح بيكِ أنتِ و كيمو قريب”
دخل كريم بعد أن حمحم لتغطي والدة رُميساء وجهها، ثم قال بنبرة طفولية ضحكوا عليها جميعًا
” قُريب إيه.. إحنا هنكتب الكتاب الأسبوع ده.. و ليه الأسبوع ده.. إحنا هنكتبه حالًا.. مليش دعوة ”
التفتت له رُميساء ضاحكة لتقول
” بس أنا مش مستعجلة ”
“محدش طلب رأيك..
” اومال أنت هتتجوز مين ؟ هتاخد رأي مين!
“هتجوزك أنتِ طبعًا.. بس رأيك احتفظي بيه لنفسك.. أنا كلمتي هي اللي هتمشي”
ظلوا يضحكون عليهما، ثم جاءه اتصال هاتفي.. فخرج مستأذنًا منهم.. ليجيب
” ألو !
” ايوه يا باشا.. قدرنا نوصل لمكانهم ”
” مسافة السكة و أكون عندك ”
_________________♡
لمْ يعُد الأمرُ شَوقًا فَحسبْ ، أنتَ تَنقُصنيْ.
*****
جاء “رحيم” بملابس جديدة لـ “عائشة” التي كانت تنعكف على نفسها تحت الغطاء، ترتجف بشدة و وجهها بدا عليه الإرهاق و الانتفاخ من كثرة البُكاء..
بدل رحيم ملابسه، ثم دلف عِند عائشة ليلقي نظرة عليها قبل أن يُعطي للممرضة الملابس، و قال بخوف حقيقي
” هي بترتعش كده ليه ! هي كويسة ؟ ”
ردت الممرضة وهي تتجه لتقوم بتبديل ملابس عائشة المبللة
” ده من الخضة بس.. متقلقش شوية و هتبقى كويسة ”
ثم التفتت له، لتقول عندما وجدته يقف كالصنم يتأمل عائشة بحزن
” مش حضرتك تبقى جوزها !
صمت لثوانِ قبل أن يهز رأسه بـ “نعم”
” تحب تساعدها أنت تغير ولا أساعدها أنا ! متهيألي هي محتجالك أكتر مني ”
تركت الممرضة الملابس على حافة الفراش، ثم خرجت و أغلقت الباب وراءها.
استوعبت عائشة الأمر، ووصل لآذانها ما تفوهت به الممرضة من خزعبلات في نظرها.. صاحت في وجه كالإعصار، وهي تهبط من الفراش
” أنت مفهمهم إنك جوزي !!! ”
أومأ خوفًا منها، فلأول مرة يشعر أنه خائف من فتاة بحجم الدُمية بالنسبة له..
” ايوه ”
” جـاك أوه يا بعيـد.. امشي اطلع بـرا.. اطلـع بـرا
تجاهل صراخها عليه، ثم قال وهو يدير وجهه عن النظر لملابسها الملتصقة بجسدها بفعل الماء
” غيري هدومك الأول طيب ”
نظرت لنفسها، فاستوعبت الوضع الذي هي عليه، صعدت سريعًا للفراش و لفت نفسها بالغطاء لتقول وهي تجز على أسنانها بغيظ
” أنت لسه واقف عندك بتعمل إيـه ؟ أنا مش طايقة أشوفك اطلع بــرا ”
لم يرد عليها، و استدار ليخرج، لكنها أوقفته هاتفة بغضب
” خد اللبس اللي أنت جايبه ده في ايدك.. مش عاوزه حاجة من خلقتك ”
رد بتلقائية
” هتلبسي الهوا ! أنتِ مش معاكِ لبس !
رمقته بغيظ، و أشاحت ببصرها عنه، فتركها وخرج وهو يقول ضاحكًا يسخر من نفسه
” أنت ازاي تسكت على كل التهزيق ده ! ده أنت مفيش واحدة خلقها ربنا و كلمتك بالأسلوب ده قبل كده ! يا خيبتك يا رحيم.. بقى حتة عيلة زي دي تخليك واقف مش عارف ترد عليها.. لأ أنا مش هسكت على الكلام ده.. اصبري عليا بس لما ستك تخف و أنا هوريكِ مين رحيم عساف ”
اتجه رحيم يسأل عن جدة عائشة، فأخبرته إحدى الممرضات أنها بخير، لكنها دخلت في غيبوبة لقوة الضربة، و إمرأة عجوز مثلها لم تتحمل ضربة مثل هذه، غير أنها مريضة سُكر.
عاد رحيم للغرفة التي بها عائشة، ليخبرها بما حدث لجدتها، فوجدها تخرج بالملابس التي اشتراها لها، و كانت فستانًا أبيض به ورود صغيرة بلون السماء وحذاء أبيض، و وشاح بنفس لون الورود.. لا أحد ينكر كم كانت في غاية الرقة و الجمال..
طالعها للحظات بعيون تلمع من الإعجاب، أما هي قالت بتحذير
” تحب أخزقلك عينك !
رد باعجاب متجاهلًا تحذيرها
” أول مرة أعرف إني ذوقي حلو في اللبس أوي كده ”
في ثوانِ كان وجهه مغرق بالماء، لقد أحضرت كوب ما كان موضوع بالقرب منها ثم في لمح البصر سكبته كله في وجهه..
مسح رحيم الماء عن وجهه وهو يهتف بغيظ منها
” أنتِ ايه حكايتك مع المايه ! حد قالك إني مبغسلش وشي !
” بقولك ايه.. ما تاخد بعضك و تروح عشان بصراحة أنا مش طيقاك و أنت مش نازلي من زوري ”
” ده بدل ما تشكريني إني عملتلك تنفس صناعي و أنقذتك.. لولايا كان زمانك غرقتِ.. عِدي الجمايل
تجاهلت كل ما قاله، و ركزت على جملة واحدة
” عملتلك تنفس صناعي ! ”
قالت بصدمة
” عملتلي تنفس صناعي ازاي ؟؟
رد بعفوية قاصدًا المزاح
” بالبُق ”
” يعني…. !
تفهمت الأمر، فأخذت تتنفس بغضب شديد و هي تتخيل المشهد و تهتف بصوت عالي جذب انتباه الموجودين
” ده بدر معملهاش.. ده أنا هقتلك
أخذت تبحث عن أي شيء تضربه به، بينما هو يصطنع البراءة و يحاول الفرار منها.. قائلًا
” أنا نفسي أعرف مين بدر ده اللي أنتِ قرفانة بيه من الصبح ؟
في تلك الأثناء.. جاءت سيارة الاسعاف لتنزل المُصاب، و الذي كان ” أشرف” و وراءه زوجته تبكي، و روان و والدها..
تم اسعافه على الترولي، و كانت “ثرية” تبكي عليه و تذهب خلفه، و لكن روان أمسكتها من يدها و قالت بتعصب
” أنتِ رايحة فين.. ده كان عاوز يقتلك !
ردت أمها باكية
” ده مهما كان جوزي و أبو عيالي يا روان.. معلش سامحيني.. لازم ابقى معاه.. عيالي هيتيتموا وهما لسه صغيرين
زادت كلماتها من عصبية روان فهبت بانفعال
” طب ايه رأيك بقى إني مش هرتاح غير إما ادخله السجن..
كانت عائشة تقف بالقرب منهم تشاهد ما يحدث، حنّ قلبها على روان، فأخذت كوب ماء و اقتربت منها قائلة بلُطف
” اتفضلي..
نظرت لها روان للحظات ثم قالت بهدوء
” شكرًا.. مش عاوزه
اعادت النظر لعائشة، كأنها تعرفها أو رأتها في مكان ما.. اتسعت عينيها بدهشة لتقول
” عائشـة الخياط !! ”
***

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى