رواية يناديها عائش الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الجزء الرابع والخمسون
رواية يناديها عائش البارت الرابع والخمسون
رواية يناديها عائش الحلقة الرابعة والخمسون
لا شيء يمكنه إيذائك أكثر من تفكيرك المفرط.
********
تنهيدة طويلة خرجت منه متشبعة بالألم يتبعها قوله الملئ بالتعاسة
” ليه ما نعرفش نعيش من غير ما نحب ! إحنا ليه بنتعلق بناس وجودهم في حياتنا هما سبب التعب اللي إحنا فيه !
آه لو الواحد كان هو المسيطر على قلبه.. مكنش وجعه بالشكل ده.. بس معلش.. مفيش حد ليه على قلبه سُلطان.. لأول مرة أعرف إن قلبي اللي ملكي ساعة ما يدق لحد تاني يبقى مش بتاعي.. لأول مرة أعرف إن العضو الصغير ده هو السبب في كل الوجع اللي بنحسه.. يارتني ما حبيت.. ياريتك ما حبيتها يا بدر ”
كان يجلس وحيدًا أمام بيته على مقعد من الحجر، شارد النظرات أمامه يبدو من هيئته أنه منشغل التفكير و البال جدًا، و لكن في الحقيقة ذهنه متوقف من التفكير تمامًا في أي شيء، جلّ ما في الأمر أنه يعاتب نفسه بصمت على شيء خارج إرادته، يشعر بتأنيب الضمير تجاه ذاته و لومها على كل ما وصل إليه.
بدر كشخص مُصاب بالشخصية ذو الإضطرابات الحدية، يجد صعوبة بالغة في ترويض نفسه و التأقلم مع الفراق و الوِحدة..
عندما يشعر هؤلاء الأشخاص المصابون بهذا المرض بضغط شديد، قد يكون لديهم نوبات قصيرة من الزَّوَر (البارانويا) أو أعراض تشبه الذهان (مثل الهلوسات) أو التفكُّك، تنجم الشدَّة عادةً عن الشعور بعدم اهتمام أحدٍ بهم (أي الشعور بالتخلّي عنهم أو الوحدة)، أو الشعور بالانكسار وعدم القيمة.ينطوي التفارُق Dissociation على عدم الشعور بالواقع (يسمّى الغربة أو الانفصال عن الواقع derealization) أو الشعور بالانفصال عن الجسم أو الأفكار، (يُسمَّى تبدُّد الشخصية depersonalization).
تكون هذه العوارضُ مؤقتة، ولا تكون شديدة بما يكفي لاعتبارها اضطرابًا منفصلًا.
ولكنها اجتمعت جميعها كجيش العدو الذي حدد نقطة الهجوم لبدء معركة يكون الإنتصار فيها من أَوْلَوِيَّاتٌهم، حاول بدر السيطرة على مشاعره المضطربة و التماسك؛ حتى لا ينهار و يفعل في نفسه شيء مؤذي، فشعر بالتشويش في رأسه و حبطت محاولاته في التماسك.. ظل لدقائق يحاول تذكر كلام الشيخ الذي يستمد القوة و الثبات منه، و لكنه فشل بسبب ذلك التشويش الذي تغلغل في عقله فجعله يهذي بجنون و هو يضع كلتا يديه على رأسه، يعبث في شعره بهيستيرية، و يضغط بكفيه على جانبي الرأس،
يهزها يمينًا و يسارًا محاولًا التحكم في أعصابه، التي انفلتت منه لتجعله يدخل في دوامة من الهذيان مرددًا تلك الكلمات
“مفيش حد جنبي.. محدش معايا.. أنا لوحدي.. لوحدي.. هعيش و أموت لوحدي.. أنا خايف.. مش عايز أبقى لوحدي.. أنا عايز عائشة.. عايز عائش.. أنا عايز أبويا.. أبويا فين.. ليه كله بعد عني.. أنا معملتش حاجة… أو.. أو عملت.. أنا كل حاجة وحشة حصلت لأهلي.. حصلت بسببي..أنا السبب في كل حاجة.. أنا السبب..”
” عمو بدر.. بتعيط ليه ؟ ”
كان ذلك صوت طفل بريء الملامح، لا يتعدى الأربعة أعوام.. رفع بدر رأسه ليطالعه بعيون محمرة من البكاء و ظل ينظر له في صمت، بينما الطفل الذي أخد المال من أمه ليشتري بعض الحلوى، عند عودته لمنزله لمح بدر في حالة يرثي لها، و برغم أنه يعرف بدر لكنه لم يعهد عليه ذلك الضعف و الإنهيار، و بفطرة الأطفال النقية تقدم الطفل منه و مسح له دموعه وهو يربت على ظهره بكفيه الصغيران و يقول بنبرة بريئة حنونة
” متعيطش يا عمو بدر.. قولي مين مزعلك و أنا أخلي مشمش “يقصد الكلب صديقه الخاص به” ياخدلك حقك منه ”
تبسم بدر من وسط دموعه و انهياره، فقبْله الطفل ثانية ثم قسم الحلوى التي اشتراها لنفسه بينه و بين بدر، رفض بدر في البداية ولكن إصرار الطفل جعله يأخذ منه الحلوى ليجبر بخاطره ثم ضمه إليه ليحتضنه بشدة، و تركه ليذهب وهو يلوح له بيده الصغيرة حتى اختفى عن أنظار بدر.. نظر بدر للحلوى في يده و تبسم بعفوية دون أن يبدي أي ردة فعل أخرى.. ظل صامتًا قرابة العشر دقائق ثم نهض ووضع الحلوى في جيبه بعد أن قرر الذهاب للتمشي قليلًا، عله يسترجع نفسه الهادئة قبل أن يعود للبيت و يفجر غضبه في أهل بيته.
ظل يمشي ولم يشعر بمرور الوقت فقد كان التفكير يداهمه و شعوره بالذنب حيال عائشة يطارده.. قرر أخيرًا في نفسه أن يذهب و يردها إليه و يعترف لها بمرضه، ولو كانت تحبه حقًا ستكمل معه وتقف بجانبه حتى يستكمل علاجه على النحو الصحيح.
بعد أن خطى الكثير من الكيلو مترات، وجد نفسه يقف أمام بحر المنصورة و نسيم الهواء النظيف يضرب خصلات شعره الطويل، استنشق الهواء وهو يغمض عينيه ثم أخرج زفيرًا قويًا كأنه يخرج معه كل الطاقة السلبية بداخله.. أخرج هاتفه فأضاءة شاشة الهاتف بصورته مع عائشة وهما على شاطئ مرسى مطروح.. قرب الهاتف من فمه ثم قبْل رأس عائشة قائلا
” وحشتيني يا مهجة فؤادي.. يا نور القلب.. وحشتيني أوي.. كفاية بُعد يا نور عيني.. مش هسمحلك تبعدي عني أكتر من كده.. أنا جايلك و هرجعك لحضن بدر حبيبك من تاني.. هترجعي لحضني و مش هتطلعي منه أبدًا يا عائش ”
أثناء حديثه مع صورة عائشة في الهاتف، جاءت سيارة بسرعة فائقة .. يبدو أن السائق فقد القدرة على التحكم بعجلة القيادة، فظلت السيارة تتراقص يمينا و يسارا، مما انتبه بدر على صراخ السائق وهو يخرج رأسه من النافذة ويصرخ على بدر بأن يبتعد.. اقتربت السيارة جدًا من حافة البحر التي يقف بدر بالقرب منها، ثم قفز السائق من السيارة قبل أن تصطدم ببدر الذي تصلب جسده ووقف كالصنم مكانه، لتأخذه وتسقط معه في عمق البحر !
*****
متفرقان ..
وشوقنا بالقلبِ أوقدَ جمرتان ..
ولا طريق إن أردنا السيرَ يُشعر بالأمان
أنا هنا ..
وهناك أنت!
وليت يجمعنا المكان ..
فمتى بربّ المشرقين ..
يحين يا قلبي الأوان؟ ” لقائلـها”
…..
كانت ليلة أمس من أصعب الليالي التي مرت على عائشة، حتى أصعب من ليلة طلاقها و فراقها عن بدر، عندما وقع الطلاق آنذاك لم تشعر بذلك الشعور المشابه لوخز الإبر في القلب كما شعرت به أمس، كونها كانت معتادة على الحديث مع بدر في أيما وقت شاءت، أما أمس كان متصل على تطبيق الواتساب و كاد أن يراسلها وهمت أيضًا بمراسلته، وفي آخر لحظة تراجع الاثنان ليضع ألم الفراق بصمته، و من هنا أيقنت أنه لم يعد ملكًا لها، لم يعد بدر الشباب زوجها، لم تعد عائشة مهجة فؤاده، بل أصبحت إمرأة غريبة عنه، و أصبح هو بعيدًا عنها، لكن القلب فله رأي آخر !
دست وجهها في الوسادة كلما بكت و ارتفع شهيقها في محاولة بائسة منها لإخفاء صوت بكائها؛ حتى لا يصل لمسامع جدتها فتدخل في دوامة من الأسئلة التي لا نهاية لها.
نست أمر القميص الذي يخص بدر والذي يتكوم بين أحضان عائشة ويبدو شبه مبتل من كثرة دموعها، بعد دقائق عادت الجدة لتطمئن على حفيدتها فقد انتابها القلق عندما مرت من أمام الغرفة باتجاه المرحاض لتتوضأ و سمعت صوت بكاء ضعيف، ففتحت الباب في الحال ودخلت بلهفة وخوف قائلة بنبرة قلقة أفزعت عائشة
” أنتِ بتعيطي يا عائشة ؟! ”
مسحت عائشة دموعها في الحال وقالت بصوت مهزوز وهي تحاول اخفاء القميص
” لأ.. مـا.. ما فيش حاجة يا تيته.. متقلقيش.. أنا كويسة ”
مدت الجدة أصابعها الحانية لتمسح قطرات الدمع التي تعلقت بين جفون حفيدتها المسكينة و هي تقول بابتسامة مطمئنة
” بصي يا عائشة.. أنا عارفة أنك لسه متعودتيش عليا.. بس لو حبيتي تحكي كل اللي جواكِ و مضايقك هتلاقيني بسمعك.. أنا بقالي عشرين سنة ما شوفتكيش بس سبحانه من يوم وليلة حبيتك و اعتبرتك بنتي مش مجرد حفيدتي.. فأنا لو ربنا مطول في عمري لحد الآن فده عشان أعوضك عن أمك و أبوكِ.. و أكون ليكِ كل حاجة”
تأملتها عائشة للحظات بعيون ممتلئة بالدموع، ثم ألقت بنفسها بين ذراعيّ جدتها وكأنها تخبرها أنها بالفعل لم يعد لديها أحد تلجأ إليه غيرها بعد الله.. ظلت الجدة تمسد على شعر عائشة و ظهرها بحنو و هي تتلو بعض قصار السور، حتى لمحت عيناها قميص رجالي يتدلى كمه من تحت الوسادة !
“القميص ده رجالي ! ده بتاع مين ده يا عائشة؟
تساءلت الجدة بعفوية، فظهر الارتباك على وجه عائشة ورسمت ابتسامة مزيفة لتدعي الكذب قائلة
” ده بتاع بابا.. ريحته لسه موجودة فيه.. لما بيوحشني بحضنه.. فبحس أنه معايا ”
قبْلتها الجدة من رأسها وهي تعاود ضمها اليها لتقول بتأثر
“الله يرحمه و يرحمنا جميعًا.. يلا يا حبيبتي امسحي دموعك دي و قومي نصلي ركعتين لله و نحضر الفطار قبل ما العيال يجوا”
“عيال مين ؟”
“أنتِ نسيتي ولا ايه ! انهارده عندهم درس تجويد.. منا غيرت المواعيد بقى”
“آه افتكرت.. معلش أنا دماغي مكركبة”
قالتها وهي تعود للنوم على فخذ جدتها ثم تابعت بلهجة مرحة قليلًا
” ها.. هتفطرينا ايه حلو يا ست الكل.. بقولك.. أنا نفسي في فطير من بتاع الفلاحين ده.. وجبنة قديمة و عسل ”
ضحكت الجدة قائلة
” صدقي و أنا كمان.. أنا بقالي كتير معملتهوش.. بس كده هضطر أطلع اجيب من أم رحيم قشطة و سمنة بلدي عشان اللي عندي مش هيكفي ”
“دي مين أم رحيم دي ؟ ”
تساءلت عائشة بعفوية فأجابت الجدة
” دي جارتنا في الشارع اللي ورانا.. سمنتها حلوة الناس كلها بتشكر فيها.. وهي ست كويس.. عندها بنت من دورك كده بس بنتها في تالتة ثانوي السنة دي و مستنية نتيجتها على نار.. يلا ربنا ينجحكم كلكم.. قومي يلا افتحي شباك اوضتك خلي الشمس تنور البيت ”
كانت جدتها حنونة للغاية، أرادت أن تدخل السرور على قلب عائشة بفعل أي شيء، وعندما طلبت منها عائشة الفطير لم تتأخر دقيقة واحدة وبدون تفكير وافقت برغم أنها ممنوعة من أكل الطعام الدسم و منه الفطير؛ بسبب ارتفاع نسبة الكولسترول فى الدم لديها..
حاولت عائشة الانتصار على مشاعر الشوق و الحنين لبدر، فقررت اشغال وقت فراغها بفعل أي شيء؛ لذا نهضت على الفور وفتحت النافذة لترسل الشمس أشعتها الذهبية في الغرفة تبث فيها الدفء و الطمأنينة، ثم رتبت الغرفة و أخذت قميص بدر لتخفيه في جيب من جيوب حقيبة السفر خاصتها، ثم حملت الحقيبة و ألقت بها فوق خزانة الملابس؛ لتمنع نفسها من احضاره ثانية كلما دق الاشتياق باب قلبها.. بعد ذلك اتجهت للمرحاض لتأخذ دش بارد لإستقبال اليوم بنشاط مفرط من أوله.. انتهت و مشطت شعرها وهي تدندن ببعض كلمات الأغاني من تأليفها، فتقوم بالغناء ثم تضحك على ما قامت بتأليفه من كلمات غير متناسقة السجع ولا القافية تمامًا، وهي تفكر ماذا لو كان بدر معها و يشاهدها و هي تفعل ذلك الجنان ! حتمًا سيتحول لشاعر عريق رومانسي يتغزل بها بأجمل كلمات الغزل، فكل فعل يصدر منها حتى لو كان مجنونًا يراه هو جميل.
” عـائشة.. يا شوشو ! ”
قطع صوت جدتها تخيلاتها التي لا تنتهي، لتستدعيها لتناول الإفطار.. ردت عائشة وهي ترتدي اسدال الصلاة و تستقبل القبلة
” هصلي و أجي يا تيته ”
وضعت الجدة صحون الطعام على المنضدة وكانت عائشة قد انتهت، ثم اتجهت لتُقبل يد جدتها فربتت الأخيرة على رأسها بحنان و جلستا تتناولان الإفطار سويًا في جو من الدفء الأسري لأول مرة تشعر به عائشة.. بعد الإنتهاء من الطعام، حملت عائشة الصحون نحو حوض المطبخ لتغسلهم بسعادة انتابتها فجأة جعلتها تشعر بالإنتماء لهذا المكان وذلك البيت الذي يسوده طاقة من الأمان و الحُب تصدر من قلب جدتها النقي و المخلص لله.
انتهت من تنظيف المطبخ بينما الجدة بجانبها تصنع الشاي و تتبادلان أطراف الحديث حول أهل القرية، و من هُم الناس الذي يجب على عائشة الابتعاد عنهم و لا تدع مجال للحديث معهم لأنهم أصحاب سوء، و هُنا الجدة تنصحها و ترشدها للصواب ولا تقوم بالنميمة عليهم كما يعتقد البعض.
أثناء احتساء عائشة كوب الشاي و مشاهدة أحد المسلسلات الدرامية القديمة التي تحبها الجدة.. قالت بحماس
” ما تخليني أنا أروح لأم رحيم دي أجيب منها السمنة وبالمرة أتعرف على بنتها وكده.. عشان يبقى ليا صحاب ”
فكرت الجدة للحظات قبل أن تقول
” و ماله مفيش مشكلة.. بس هاجي معاكِ عشان أنتِ لسه متعرفيش الشوارع و البيوت هنا”
” تيته.. أقولك سر ؟ ”
قالتها عائشة وهي تتنهد بارتياح فتبسمت الجدة و أردفت
” قولي يا نور عين تيته ”
” أنا حاسة إني مرتاحة أوي هنا.. مع أني لسه جايه القرية مكملتش شهر ومعرفش حد فيها بس كفاية وجودك عندي بالدنيا.. أنتِ مكافأة ليا عن سنيني اللي فاتت وقضتها من غير أم.. أنتِ بقيتي أمي و عيلتي و بحمد ربنا على وجودك.. ربنا ميحرمنيش منك يا أطيب و أحن و أجمل تيته ”
قالتها عائشة بدموع سعادة حقيقية و هي تحتضن جدتها وتحمد الله على وجودها، والأخرى تبادلها الحُضن بعاطفية قائلة
“ولا يحرمني منك يا أجمل هدية من ربنا.. أنا كنت عايشة لوحدي و ربنا بعتك ليا عشان تنوري حياتي.. ربنا يطول في عمري لحد ما أجوزك و أشيل عيالك”
ابتعدت عائشة قليلًا وهي تضحك ساخرة
” لا مش عاوزه أجوز.. بقيت بشمئز إما تيجي سيرة الجواز.. أنا كده مرتاحة.. عايزه أفضل معاكي علطول ”
“أنا مش عيشالك يا عائشة..
قاطعتها عائشة بغضب
” لا هتعيشيلي.. متقوليش كده تاني.. ربنا يباركلي في عمرك ”
” بس الجواز سُنة الحياة.. لازم يبقالك ونس.. راجل يبقى ضلك وسندك و يبقالك خلفة صالحة تعيشي عشان تشوفيهم أحسن الناس ”
ابتسمت بحسرة معترضة
” مفيش راجل بيسند ست في الزمن ده.. الست لازم تبقى قوية ومتحتاجش لراجل ولا لأي حد ”
تنهدت الجدة بطول بال وقالت
” أنتِ لسه صغيرة و مش فاهمة قيمة الجواز.. ربنا سبحانه و تعالى خلق الست و الراجل عشان يكملوا بعض و عشان مفيش حد فيهم يعرف يعيش من غير التاني.. الإنسان ميعرفش يعيش حياته من غير ونس يا بنتي ”
زفرت عائشة بضيق
” طب افرضي اتجوزت و طلع لا ونس ولا نيلة.. اعمل ايه أنا بقى ساعتها ؟؟ ”
” اختاري صح و أنتِ مش هتندمي “
نظرت عائشة لجدتها باستفهام متسائلة
” طيب ما فيه كتير اختاروا صح و مكملوش في الآخر.. أعرف منين إن ده الاختيار الصح ؟ ”
” مفيش حاجة يا عائشة اسمها اختاروا صح و مكملوش.. لو اختاروا صح كانوا كملوا.. لكن أنتم البنات في فترة الخطوبة بتركنوا عقلكم في جنبكم و تفكروا بقلبكم و بمشاعركم.. بيكون كل همكم هو فاتح دلوقت و مبيكلمنيش ليه.. هو هيرجع من شغله امتى.. مين اللي عاملها لايك دي.. هيجبلي هدية و يعملي مفأجأة رومانسية زي الأفلام ولا لأ.. هو بيحبني بجد ولا عاوز زوجة وخلاص.. أنتم بتفكروا في حجات مش منطقية.. و بتركنوا الحجات الأساسية في جنب و بعد الجواز تتفاجأوا انكم مش مناسبين لبعض ؟ طيب ما كان من الأول !
” ازاي يعني يا تيته ؟ ”
“يعني يا حبيبة تيته.. الإسلام شرع الخطبة عشان تتعرفوا على طباع بعض و تقرروا هتصلحوا تكونوا زوجين و تقدروا تخلفوا ذرية صالحة ولا لأ.. و الزوج الصالح بتختاريه بناء على معايير حطها الدين الإسلامي لكن للأسف كتير غفلوا عنها و مشوا ورا قلبهم بس.. و النتيجة محاكم الأسرة بقت مليانة قضايا طلاق و نسبة الطلاق بتزيد كل سنة عن اللي قبلها ”
” طيب اختاره صالح ازاي.. اختار شريك حياتي يكون كويس و يتقي الله فيا ازاي ؟ ”
“اختبريه.. حطيه في كذا موقف و ركزي كويس جدا على أسلوبه و ازاي هيتصرف في الموقف ده.. يعني عندك حُسن الخلق يعتبر من أهم الصفات اللي لازم تتوفر في الزوج الصالح، و مش معنى أنه يكون على خُلق حسن أنه يبقى شديد التدين، يعني مثلا الزوج سريع الغضب، وكثير العناد، وغير الرؤوف، مينفعش اتخاذه زوجًا و شريك حياة حتى لو كان متدينًا، و عشان كده قال النبي صلّ الله عليه وسلم: (إذا جاءكم مَن تَرضَون دينَه وخُلُقَه فأنكِحوه) [حسن]
” طيب ما هو فيه نماذج من دي بس برضو مش بيبقى حكايتهم مبتكملش و بيطلعوا مش مناسبين لبعض في الآخر !
” تقصد أن بدر كان على خُلق و دين ولم تنجح علاقتهما ”
ردت الجدة بتفهم
” في بعض الأحيان يا عائشة بيكون الرجل متدين وحسن الخلق، لكن فيه بعض الصفات اللي الست متقدرش تتحملها.. يعني يكون زوج مناسب لغيرها مش ليها..يعني مثلًا ممكن يكون أسلوبه جاد جدًا و الست اللي معاه اجتماعية و تحب الضحك ، بس مش معنى كده إن الصفات دي تعيبه، لكنها مش مناسبة ليها و مناسبة لواحدة تانية.. بمعنى أصح لو محستيش نفسك هتتقبلي الأسلوب ده تقدري تسيبيه في الخطوبة..
قاطعتها عائشة بانبهار
” يعني مش هيبقى حرام عليا عشان سيبته لسبب تافه زي ده ! ”
ردت الجدة بنفي
” لا مش حرام عليكِ.. حرام عليكِ لما تكملي معاه و أنتِ من جواكِ مش قادرة تتقبليه و مستنية أنه يتغير.. الطبع غلاب يا بنتي وصعب يتغير.. مش حرام انكم متكملوش في الخطوبة لأي سبب كان حتى ولو تافه.. الحرام انكم تكملوا تحت غصب وضغط وتيجوا تطلقوا بعد ما يبقى بينكم عيال و تشيلوا ذنبهم لما تحرموهم أنهم يعيشوا في جو أسري سليم ”
أومأت عائشة باستيعاب، فتابعت الجدة
” مش بس يبقى محترم و أسلوبه كويس و بيصلي.. في حجات تانية مهمة برضو.. زي القدرة المالية…سيبك من اللي يقولك الفلوس مش أهم حاجة.. لأ الفلوس مهمة يا بنتي.. ايوه ربك اللي بيرزق بس مينفعش اروح اتجوز واحد مش قادر يصرف على نفسه.. طب هيصرف عليكِ ازاي ؟ هيفتح بيت ازاي و يبقى رب أسرة ازاي ؟؟
في حديث للرسول صل الله عليه وسلم بيوضح حاجة مهمة: (يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وِجاءٌ) [صحيح]،
بس مش معنى كده أنه لازم يبقى غني..الغني هو الله..المهم أنه يقدر يوفر البيت اللي هتسكنوا فيه ولقمة العيش اللي هتعيشوا عليها.. من الآخر يبقى قادر ماليًا، و الأفضل يبقى فيه تقارب مادي بين الزوج والزوجة، عشان ميحصلش مشاكل بسبب وجود فروقات مادية..بس برضو هرجع أقولك الزوجة العاقلة بتتحمل وترضى باللي عند زوجها طالما كان خلوقًا و مُحبًا و مخلصًا لها”
“عندك حق يا تيته.. احنا فعلًا بنركن عقلنا في جنب و مبنفكرش في الحجات دي خالص غير بعد الجواز.. بنبقى فاكرين إن فترة الخطوبة دي بنقضيها عشان نحب في بعض و خلاص.. تابعت بهمس ساخرة ” بس أنا حتى متخطبتش ولا لحقت أعيش مشاعر الخطوبة دي.. أنا وقعت ومحدش سمى عليا ”
” بتقولي حاجة ؟ ”
“ها ! لأ مفيش.. كملي يا تيته.. و ايه كمان لازم يبقى موجود في شريك حياتي عشان نقدر نعيش سوا ؟ ”
شربت الجدة أخر رشفة من كوب الشاي، ثم وضعت الكوب لتكمل حديثها الجِدي
” عندك برضو نقطة مهمة جدًا لازم الآباء بالذات وهما بيجوزوا بناتهم ياخدوا بالهم منها..و هي تحديد الفارق العمر المناسب بين الزوجين، فيه اللي بيفضل إن الزوجين يكونوا متقاربين في العمر عشان يبقى فيه هناك تقارب في التفكير والآراء، و فيه اللي بيفضل وجود فارق عمري لا يقل عن 6 سنوات بين الزوجين لضمان نجاح العلاقة، بس الموضوع ده في النهاية بيعتمد على مدى التوافق والتفاهم الموجود بين الرجل والمرأة، فالنبي صل الله عليه وسلم، تزوج بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي بعمر صغير جدًا، إلا أنّه كان متمكنًا من مراعاة هذا الاختلاف و تفهمها”
بينما تتحدث الجدة، شردت عائشة بذهنها للوراء وهي تتذكر اهانتها لبدر باستمرار بالنسبة للفارق العمري بينهما قبل أن تقع في حبه
ارتسمت ابتسامة جذابة على ملامحها لتقول بهمس وصل لمسامع جدتها
“مهما كان فرق السن ايه.. الحُب اللي بينتصر في الآخر.. مكنتش أتوقع إن أحبه بالشكل ده.. أنا عشقته مش بس حبيته.. و قلبي طول ما فيه النبض مش هيدق لراجل غيره…
تابعت بتهيدة عاشقة ” وحشني شعره الطويل و وحشتني ملامحه السمرا الجميلة.. وحشني كله على بعضه ”
نظرت جدتها للفراغ الذي تنظر له عائشة بهيام ثم تساءلت ضاحكة
” ده مين سعيد الحظ ده !! ”
اعتدلت عائشة في جلستها لتقول بخجل
“هه ! دا.. دا.. دا.. ده بطل مسلسل تركي مجوزاه في خيالي”
قالت جملتها الأخيرة بضحك مما شاركتها الجدة الضحك مردفة
” أهي المسلسلات التركي دي هي اللي خاربه الدنيا.. كل واحدة بتتمنى تتجوز زي أبطال المسلسلات.. ناسيين إن كل ده تمثيل في تمثيل و إن الحياة مش دايمًا بمبي ”
” طيب يلا بقى عشان نلحق نعمل الفطير.. أنا جوعت.. أنا بجوع و أنا باكل ”
” ايدك شديني يلا ”
” يلا بينا ”
نهضت الجدة بمساعدة عائشة للذهاب لبيت أم رحيم لشراء السمن البلدي و القشطة.
_______________♡
كل الرِجوع ، رجوع.. إلا الرجوع لله ، تقدم.
*****
رفع كفيه ليدعو بيقين أن الله سيجيب دعائه
“ربي لا أعلم ما تحمله لي الأيام .. و لكن ثقتي بأنك معي تكفيني.. ياربّ ما عجز عنهُ الأطباء فأنت رب الأطباء لا يعجزك شيء ، اللهم اشف كل نفس ذاقت طعم الألم، وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين”
بعد أن انتهى من حديثه مع ربه و دعواته التي يرسلها للسماء دائمًا، تحرك بكرسيه ناحية النافذة ليفتحها و يجلس في الشرفة المطلة على الشارع و التي يستطيع من خلالها رؤية شقة شقيقته و ابن عمه.. تبسم سيف وهو يحدث نفسه
” يـاه.. الأيام بتجري بسرعة أوي.. لسه فاكر المقالب اللي كنا بنعملها في بعض و أحنا صغيرين كأنها امبارح يا هاجر.. بالسرعة دي كبرتي و اتجوزتي و بقى ليكِ بيت ! معقول معدناش هنقعد نفضفض لبعض زي الأول و لا نرخم على بعض و أقرفك بمشاكلي مع صحابي و تقعدي تحكيلي عن معاناتك مع محاضرات الرسم !.. المهم يا حبيبة أخوكِ إنك تكوني بخير و مبسوطة.. و يارب قريب أسمع خبر إني هبقى خال.. أهو حد يجي يونسني بدل منا قاعد ليل نهار زي قرد قطع كده ”
” واد يا سيف.. يلا عشان هنفطر ”
كانت والدته تعد الفطور بينما هو حرك كرسيه ليعود للداخل قائلا
” هو مش زياد وهاجر وصلوا من بدري.. اومال بدر مجاش ليه ! “
” تلاقيه قاعد مع زياد شوية.. رن عليه يلا عشان يجي يفطر و ينامله شوية قبل ما يروح الورشة ”
“برن بيديني مغلق !”
قالها سيف وهو يعاود الاتصال بأخيه فيجده غير متاح أو مغلق.. قال بعفوية
” أرن على زياد ! ”
نهرته مفيدة قائلة
” أختشي يا ولا.. الراجل لسه جاي من سفر و عاوز يريح ”
ضحك سيف وهو يتناول الفلافل الساخنة التي وضعتها أمه على سفرة الطعام توًا
” طب أرن على هاجر ! وحشتني.. هشوف بس جابتلي ايه معاها ”
نظرت له والدته بغضب مصطنع لتقول
” شكلك عايز تتشد من ودانك.. هنبقى نروح نزورهم بس بالليل كده يكونوا ارتاحوا شوية من السفر
“يا ماما أنتِ محسساني انهم واخدنها زحف من السعودية لمصر ! دول راكبين طيارة ! يعني الطيارة اللي المفروض ترتاح مش هما.. هما هيرتاحوا من ايه إن شاء الله ! و الله أروح اجيب زلط و أحدفه في البلكونة بتاعتهم.. عشان اعرفها ازاي تيجي و متسلمش عليا.. يلا هي ”
ردت والدته وهي تضحك على أسلوبه الطفولي
“قعدتك مع الواد قُصي عديتك باين.. بقيت أهبل شكله”
رد سيف ضاحكًا
” والله هو اللي مصبرني على اللي أنا فيه.. يعني أنا راضي بقضاء ربنا الحمدلله.. بس أحيانًا بقول إن ربنا بعت قصي ليا عشان يخفف عني تعبي ”
“قُصي كويس و طيب بس ربنا يهديه ويبعده عن سكة البنات.. لحسن الواد ده أول ما عينه بتيجي على بت حلوة دماغه بتتلحس”
ضحك سيف بشدة قائلا
” الله يكون في عون اللي هيجوزها والله ”
___________♡
توقَّفوا عن التصفيق لِلوحدة، إن الإنسانَ يحتاجُ إلى الإنسان.
*****
” براحة.. براحة قولتلك.. بتوجعني الله.. ايوه.. فوق شوية بقى.. حط براحة عشان بيحرقني ”
” بطل تتحرك كتير طيب عشان أنا ايدي وجعتني والله ”
” أبوك ده لو مكنش أبويا كنت مسكته عجنته بس سامحني يارب.. أبويا بقى أعمل ايه ”
” هو مكنش في وعيه لما ضربك بالحزام.. معلش امسحها فيا أنا ”
” مكنش في وعيه ! ليه كان ضارب اتنين بانجو !! وايه امسحها فيا دي ! هي جلة همسحها فيك ! ده ضربني بالحزام يا جدع ”
” يا أخي بطل قرف بقى و انتقي ألفاظك.. أهو لسانك ده اللي موديك في داهية ”
“خلصت ؟ ”
” آه خلصت.. استنى شوية إما الجلد يشربه و ابقى البس”
” طب ما تعملي مساج بالمرة و هديك بوسة مشبك ”
” أبوك عنده حق.. أنت مشوفتش ساعة رباية.. أنا هنام شوية.. مش عاوز أسمع صوتك ”
” و أنا كمان هنام.. بصراحة مش قادر أفتح عيني”
دار هذا الحوار الهزلي بين الأخوان صاحبا العينان الزرقاوتان، فقد ترك الحزام الذي ناله قصي على جسده من والده علامات زرقاء و تورم مما جعله يشعر بالألم الشديد، فأخذه أُبي لغرفته ليدهن له مرهم يزيل آثار الضرب.. غفى أُبَيّ رغمًا عنه وهو يقول بصوته الناعس..
” روح نام في أوضتك و أقفل الباب وراك ”
” أنت بتطردني يا فوزي ! مكنش العشم يا أبو العيال”
” ولاه.. فكك مني أنا عاوز أنام بجد ”
” و أنا والله منا طالع و هنام في حضنك و هتحكيلي حدوته.. يلا هي ”
قالها قصي بأسلوب طفولي عنيد وهو يلتصق بأخيه لينام بجانبه، مما أدار أُبَيّ رأسه في الجهة الأخرى وهو يتأفف بضيق ثم راحت عينيه لعالم الأحلام، و نام الآخر.
في الغرفة المقابلة يتسطح مُجاهد بجانب زوجته، ينظر للسقف بشرود في طريقته القاسية في التعامل مع أولاده، هو لم يقصد أن يقسو عليهم، هو فقط خائف عليهم من أنياب الزمان أن تمزقهم و تغدر بهم، يحبهم حُبًا جمًا؛ لذلك يخاف عليهم من أبسط الأشياء فيسعى للتدخل في كل أمور حياتهم.. قرر أخيرًا بعد تفكير طويل أن يتركهم و شأنهم ليفعلوا ما يريدون في حياتهم و يأخذوا قراراتهم بنفسهم، و لكنه سيبقى يراقبهم من بعيد ليكون على استعداد للتدخل إذا لزم الأمر.
___________♡
سأحبك ڪما يشاء قلبي ، لايهمني عقلي .
****
تأمل زياد حالة وردته المذرية إثر تناولها للمربى بتلك الطريقة، فضحك على آثار المربى المتناثرة حول فمها و على طريقة أكلها.. لأول مرة تأكل هاجر بنهم و بتلك الشراسة، و لكن الجديد في الأمر.. أنها لا تحب السكريات من الأساس !
تقدم زياد نحوها ثم شدها عليه برقة وهو يحيط خصرها و يقوم بإزالة بقايا المربي حول فمها بأصابعه بمنتهى اللطف، ممازحًا
” غريبة.. أنتِ مبتحبيش الحاجة المسكرة ! ”
” بس حبيتك “
قالتها وهي تغمز له بجراءة، مما اتسعت عين زياد بدهشة وصاح بانفعال مضحك
” الله أكبــر.. الله أكبــــر.. الدعو استجابت.. دعيت تبقي قليلة الأدب و الدعوة استجابت.. الحمدلله.. كُنت مستنيكِ تنحرفي من زمان.. اغمزي تاني كده ! ”
رمقته هاجر بغيظ، ثم وضعت برطمان المربى بغضب على المنضدة و صاحت
” يعني أنا قليلة الأدب يا زياد !.. أصلا أنا مكنتش بغمزلك أنت ”
” أصلًا !!! ”
” ايوه.. وأنا مش قليلة الأدب ولا عمري هبقى قليلة الأدب عشان تبقى عارف يعني.. و اتفضل ابعد عن طريقي لو سمحت عشان عاوزه أنام ”
شدها من ذراعها بلطف قبل أن تذهب من أمامه، ثم حملها رغمًا عنها على كتفه وهو يقول بعناد
” مفيش نوم انهارده.. يلا بقى ”
“نزلني يا زيـــــاد.. نزلني بقولك”
” ولو منزلتكيش ؟ ”
“هصوت وأقول للناس أنك بتتهجم عليا”
“طب مش منزلك يا هاجر و يلا بقى وريني هتعملي ايه”
حاولت أن تحرر نفسها من ذراعيه الصلبة المحيطة بجسدها، فلم تستطيع لذا قامت بعضه من كتفه مما تأوه زياد و أنزلها في الحال قائلا
“يا بنت اللذين.. يا عضاضة.. والله ما هسيبك انهارده”
ركضت من أمامه محاولة الهروب، فأمسك بها ورفعها ليضمها لصدره بخفة بينما تعالت أصوات الضحك الصادرة منها وهي تحاول الهروب من سجن ذراعيه.. هتف زياد وهو يلعب بها كالدمية فيرفعها للأعلى قليلا ثم يلتقطها بين ذراعيه لخفة وزنها فبدت كالفراشة
” بقى بتهربي مني ! إن ما وريتك ”
“خلاص عشان خاطري.. أنا دوخت والله”
قالتها وهي تتعلق في رقبته بقوة كيلا يرفعها مجددًا، فقد أصابها الدوار بالفعل و أحست بأنها تريد التقيؤ.. جلس بها على الأريكة و أجلسها على فخذه ليتفحصها بخوف بينما لا زالت تتعلق برقبته وتقول بصوت يبدو عليه التعب
” الدوخة بتزيد.. حاسة إن عايزه استفرغ.. بطني حاسه إنها مش تمام ”
ابعدها زياد عنه قليلا ليستطيع فحص وجهها.. قال وعلامات الخوف تملأ وجهه
” نروح المستشفى ؟ ”
هزت رأسها بتعب وهي تميل على كتفه
” لأ.. ده آثار السفر و الإرهاق وقلة النوم بس.. متقلقش يا حبـ….
لم تكمل الكلمة ووضعت يدها على فمها، ثم هبطت من على فخذه سريعا لتركض نحو المرحاض و تستفرغ.. لم يتركها زياد لحظة و لم يشعر بتَقَزَّزَ منها، بل وقف خلفها يمسد على ظهرها بحنان وهي تستفرغ ليقول بخوف
” خدي راحتك يا حبيبتي.. أنا معاكِ ”
انتهت وظلت تأخذ أنفاسها بصعوبة، بينما فتح زياد الصنبور لينظف لها فمها ويمسح وجهها بالماء ثم حملها واتجه بها نحو الفراش ليمسك يديها بنظرات هلع متسائلا
” حاسة بإيه دلوقتي يا وردتي ؟ ”
هزت رأسها مبتسمة بخفة
” أحسن شوية.. الحمدلله ”
” الحمدلله.. قالها وهو يطبع قُبلة حنونة على رأسها ثم تسطح بجانبها وجعل رأسها على صدره ليمسد على شعرها بُلطف قائلا
” أنا آسف ياحبيبتي.. حقك عليا.. تقلت عليكِ في الهزار ”
أدارت وجهها له لتقول باسمة
” أنا اللي آسفة إني خليتك تشوفني بالمنظر ده.. أنا مكنتش عايزاك تدخل معايا الحمام أصلًا ”
رد بنظرات حُب و حنان
” إحنا الاتنين واحد.. مفيش فرق بينا.. أنا مستحيل أقرف منك.. أنتِ بنتي و حبيبتي و مراتي.. أنتِ دنيتي و عمري.. ازاي أقرف منك ! الحُب أسمى من كده.. مش كلمة بحبك بتتقال بين اتنين عشاق وخلاص.. الحُب يعني قبل ما تقع أسندك.. وقت ما تحتاجيني تلاقيني…الحُب لازم يبقى مرهون بالرحمة والمودة عشان يستمر.. و إحنا حُبنا مش حب كام شهر ويروح.. إحنا حُبنا أبدي يا هاجر.. يعني النفس اللي بتتنفسيه هو بالنسبالي زي الأكسجين.. من غيره مقدرش أعيش ”
اتسعت ابتسامتها و ضمت نفسها اليه لتقول بعد لحظات
” نفسي هفاني على قشر سفندي مخلل ”
“قشر سفندي مخلل !! ”
قالها زياد بدهشة، فأومأت هاجر باصرار
” و دلوقت.. حالًا ” !
_____________
الساعة قاربت على الحادية عشر ظهرًا، و جرس بيت مجاهد لم يتوقف عن الرن منذ دقائق.. كان الجميع نيام حينها بسبب ما حدث ليلة البارحة معهم.. انزعج قصي من الرنات المتتالية ولأنه الوحيد في أسرته الذي يستيقظ من أقل صوت، فنهض على الفور وهو يتأفف بضجر ويسب بهمس المتسبب في ايقاظه..
فتح باب الشقة وهو يحك شعره و يتثاءب مرارًا بملل و نعاس.. خرج ليفتح بوابة المنزل الخارجية وهو يرتدي فانيلة بحمالات عليها رسومات فرقة بتس الكورية و شورت قصير يصل لركبته كأنه سينزل البُحيرة لنقع الغلة.
هتف بغضب وهو يفتح الباب
” بــــراحة.. الجرس هيتـحرق يا بهيم ياللي بترن
فتح الباب لينفتح فمه الصغير معه و ترمش أهدابه تلقائيًا وهو في صدمة شديدة من أمره، فالطارق فتاة في العشرينات ذات شعر أسود قصير و بشرة بيضاء ترتدي هوت شورت قصير جدًا و تي تيشرت يكشف عن أكتافها البيضاء ونصف صدرها، بالكاد يصل لخصرها، وكاب على شعرها يحميها من أشعة الشمس.. لم تكن تلك الفتاة سوى ” كارمن ”
” كـ.. كارمن !!! ”
قالها قصي بصدمة ودهشة شديدة، ثم انتبه لوقوف صبية الحارة خلف كارمن يقومون بالتصفير لها و التغزل بجسدها بطريقة ساخرة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)