رواية يناديها عائش الفصل الخامس والستون 65 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الجزء الخامس والستون
رواية يناديها عائش البارت الخامس والستون
رواية يناديها عائش الحلقة الخامسة والستون
” ضائع بيني وبيني، جزءٌ مِني يُريد شيئًا و الآخر يُحاربه .”
_______•
بعد أن هاتفتها روان و أخبرتها بحادثة خطف ابنة عمها هاجر، قررت ألا تتركهم في موقف عصيب كهذا.. رغم أنها تعرف جيدًا أن تواجدها معهم لا معنى له، و لكنها لا تبالي بذلك، كل ما يهمها ألا تتركهم؛ حتى تعود هاجر بسلام و تطمئن عليها.
ترددت ألف مرة و هي في الطريق ناحية حارتها التي نشأت بها، و أرادت الرجوع ثانيةً؛ خوفًا من خوض أي مواجهات مع بدر أو حدوث اشتباك بينهما، كانت قد أخذت عهدًا على نفسها أن تختفي من حياته تمامًا و ألا تراه ثانية، و لكن القدر يسوقها إليه في كل مرة تحاول الهروب منه.. اخرجت هاتفها و قامت بالاتصال بأم رحيم لتوصيها أن تبقى مع جدتها لحين عودتها من الحارة.
أوقفت “توك توك” لإقالتها لحارة السلام، و في الطريق رن هاتفها برقم روان.. تنفست بعمق و أجابت بصوتها الحزين
“ايوه يا روان..
على الطرف الآخر، كانت روان تجلس أمام جهاز
” اللاب توب “خاصتها تتابع الأخبار المتداولة عن حادثة الاختطاف التي أصبحت على مرأى و مسمع الجميع.. ردت روان متسائلة
” أنتِ فين دلوقتي يا عائشة ؟
” رايحة عندهم.. لازم ابقى معاهم.. هاجر عزيزة عليا و مش مستوعبه لسه إنها مخطوفه
“إن شاء الله ترجع بالسلامة.. المهم خلي بالك من نفسك.. أنا بتصل عشان اطمن عليكِ
سكتت عائشة لثوانِ، ثم تساءلت باستغراب
” متأكدة إنك متصلة عشان كده بس ؟
تنهدت روان ببطء قبل أن تقول..
” لما توصلي إن شاء الله طمنيني على سيف”
ابتسمت عائشة نصف ابتسامة مرحة قائلة
” عاوزه تطمني على سيف ! أحب أطمنك من دلوقتي و أقولك إن علاج سيف الحقيقي هو أنتِ يا روان.. سيف مش هيرجع يضحك من قلبه تاني غير بوجودك في حياته..
” عاوزاني أعمل ايه يعني يا عائشة و إحنا مفيش بينا حاجة.. قصدي.. قصدي علاقة رسمية !
صدرت من عائشة ضحكة خافتة لتقول
” أفهم من كده إن لو سيف اتقدملك هتوافقي عليه وهو بحالته دي ؟
” أنا عارفة سيف كويس يا عائشة.. بفهمه أكتر من نفسه.. عارفه ايه اللي جواه و بيفكر ازاي.. سيف ممكن يعمل أي حاجة في الدنيا غير إنه يظهر ضعفه قدامي.. سيف مستحيل يتقدملي وهو على كرسي متحرك.. و أنا خدت عهد قدام ربنا و نفسي إن مكلموش تاني، إلا في حالة واحدة بس.. الحلال.. ”
هزت عائشة رأسها بحزن مؤكدة على كلام روان
“سيف مش الراجل الوحيد اللي يخاف يظهر ضعفه قدام الشخص اللي بيحبه..
انتبهت لتوقف السائق أمام مدخل الحارة؛ فأغلقت المكالمة مع روان و نزلت بعد أن أعطت له الأجرة دون أن تتنظر الباقي، فقد غاب وعيها عما حولها وهي تتأمل كل شيء في الحارة كأنها تركتها منذ سنوات و ليس منذ أسابيع قليلة !
__________♡
” أن تقوم باختياري كملجأ ، يعني ذلك أنك في أمان مهما كلفني الأمر .”
______
ابتلعت رُميساء ريقها بخوف عندما حاولت نزع القلادة و فشلت.. اتضح بعد عدة محاولات فاشلة، أن تلك القلادة الغريبة أخذت شكل الجلد و بقي منها تلك الجُملة التي برزت بدقة و وضوح !
” حرم كريم الكُردي أبد الآبدين ”
اتخذت القلادة الشكل الهندسي للمعين، و بداخلها يوجد شيء أحمر سائل تشكل على هيئة حرف
الـ ” R” يبدو مثل الدماء تمامًا !..
ازدادت دقات قلب رُميساء و تلاعب الخوف بأعصابها، و هي تتأمل القلادة الغريبة في المرآة و تقول بتعجب شديد
” هو ده بجد .. ! ”
تابعت القول متعجبة من أغرب هدية حازت عليها
” أنا مش قادرة أصدق عينيا !.. ازاي.. ازاي قدرت تاخد شكل الجلد ! و ايه الدم اللي متشكل على حرفي ده !.. لأ.. لازم اكلم كريم.. أنا حاسه إني في حلم..
قامت على الفور بالاتصال بكريم، لكن جاءتها تلك الرسالة التي تقول بأن الهاتف مغلق.. زفرت بضيق و هي تلقي بهاتفها على الفراش بيأس، و تعاود النظر في المرآة بتأمل شديد وهي تتحسس بأناملها ببطء و رقة القلادة..
من ملمس القلادة اتضح أنها لينة مثل ملمس الجلد، لاحظت في المرآة تغير طفيف يقوم داخل القلادة بالمادة الحمراء السائلة و التي تشبه الدم، صوبت حدقتيها بتركيز على التغيير الذي يحدث؛ لتتفاجأ بإعادة تشكيل الحرف تلقائيًا ليأخذ شكل حرف الـ «K» و تتحول المادة الحمراء لزرقاء، ثم انطلق منه شعاع أزرق جعل رُميساء تشهق بفزع و تنتفض بخوف للوراء؛ حتى تعثرت و وقعت على الفراش وراءها..
تشكل الشعاع الأزرق على هيئة مربع متوسط الحجم، و أصبح يشبه شاشة عرض “البروجكتر ”
اتسعت عيناها بدهشة شديدة، و هي تشاهد “كريم” يظهر من خلف الشاشة بابتسامة عزباء جميلة، يتأملها بعين المُحب قائلًا بصوت وصل لمسامعها جيدًا
” و حشتيني يا فراشتي.. أنا عارف إن عندك أسئلة كتير عن اللي بيحصل.. هجاوبك على كل أسئلتك في الوقت المناسب، لكن دلوقت عاوزك تطمني و متفكريش في أي حاجة غير إن أنا جنبك و بس و أقدر أشوفك في كل وقت، حتى و أنتِ نايمة من غير ما تحسي.. نكمل كلامنا بعدين عشان أختك هتخبط على الباب و تدخل دلوقت ”
عاد الشعاع للقلادة و اختفى معه كريم، و عاد اللون الأزرق للمادة ذات اللون الأحمر ليتشكل حرف الـ «R» ثانيةً، لم تمر إلا ثوانِ و سمعت رُميساء صوت طرقات على باب غرفتها، لتدخل شقيقتها الصغرى تتسائل بقلق..
” في ايه ؟ أنتِ كويسة.. سمعتك بتصوتي!
كانت لا تزال في صدمتها مما رأته منذ لحظات، خرجت الأحرف منها بصعوبة لتقول
“مـ.. مفيش حاجة.. اتكعبلت وقعت..
هزت أختها رأسها بتفهم وهي تنظر بشك لرقبة رُميساء الحمراء كأنها ملتهبة، تساءلت
” رقبتك مالها ؟
تحسست رُميساء مكان القلادة، لتقول بتوتر
” دي قلادة كريم هداني بيها يوم خطوبتنا، بس اظاهر إن رقبتي بتتحسس لما البس حاجة فيها ”
” هي فين القلادة دي يا رُميساء ؟ ”
تساءلت شقيقتها و هي تنظر لها باستغراب و تعجب، فأشارت رُميساء ناحية القلادة بتأكيد
“اهي.. مش شايفاها ؟ دي حتى واضحة خالص”
هزت شقيقتها رأسها بنفي
“مفيش حاجة في رقبتك يا رُميساء !
عقدت رُميساء حاجبيها بدهشة، و نهضت لتتأكد بنفسها في المرآة فوجدت القلادة كما هي، أشارت ناحيتها بصوت واثق و عالي نسبيًا
” ايه يا بنتي.. أنتِ مبتشوفيش ! ما هي واضحة زي الشمس أهي.. !
جاءت على صوتهما شقيقتهما الثالثة لتقول وهي تتناول قطعة من البطيخ
” صوتكم عالي ليه ؟
شدتها رُميساء من ذراعها قائلة
” سلسبيل.. أنتِ شايفة القلادة اللي في رقبتي دي صح ؟
تغير وجه سلسبيل للتعجب وهي تقول و تنظر لأختها الأخرى
” قلادة ايه ؟ ”
” لا بقول لكم ايه.. أنتم ناويين تجننوني !! ”
هتفت بها رُميساء، و هي تتركهم و تتجه ناحية المطبخ، لتدخل على والدتها متسائلة بنرفزة
” ماما.. شايفة القلادة اللي في رقبتي دي ؟ ”
كانت تعابير وجه والدتها مثل ابنتيها تمامًا، فقالت بدهشة
” هي فين القلادة دي يا حبيبتي ؟! ”
كادت رُميساء أن تصرخ فيهن من الصدمة، ولكنها تمالكت نفسها في أخر لحظة، و هرعت ناحية غرفتها، ثم أغلقت الباب على نفسها و ظلت تستغفر؛ حتى هدأت قليلًا؛ لتنهض و تقف أمام المرآة ثانية و تضغط على القلادة برقة، فتحولت القلادة مثل المرة الأولى، و ظهر كريم خلف الشعاع الأزرق؛ لتتحدث رُميساء تلك المرة قبله قائلة بأعصاب منفلتة
” ممكن تفهمني ايه اللي بيحصل ؟! ”
رد كريم بهدوء وهو ما زال محافظًا على تلك الابتسامة الودودة
“نسيت أقولك إن محدش هيشوف القلادة غيرك.. و أنا..
تجاهلت رُميساء ما قاله لتقول بتوسل
” أنا مش فاهمه حاجة و مش عارفه استوعب اللي بيحصل.. ممكن تفهمني في ايه ؟ لو سمحت يا كريم !
” أنا آسف يا رُميساء.. مش هقدر دلوقت.. لما يجي الوقت المناسب هتعرفي كل حاجة لوحدك.. سلام”
” استنى..استنى ما تمشيش..
اختفى كريم ثانيةً، فحاولت رُميساء أكثر من مرة الضغط على القلادة، و لكن كل محاولاتها لظهوره باءت بالفشل.. !
____________♡
“إنّ يدًا واحدةً لا تُصفق، لكنها تصفعُ إن لَزم الأمر”
_________
بعد نصف ساعة من ضرب قُصي لضابط شرطي؛ بسبب تطاوله على شقيقه… يجلس خلف قضبان زنزانة الحبس الانفرادي، يبتسم باستهزاء و لا مبالاة لما فعله !
بينما يتحدث والده وعمه مع أحد الضباط بتوسل ليعفو عنه، و يرد الضابط عليه برفض قاطع
” يطلع فين ! ده متهم بالتعدي على ضابط شُرطة.. كسرله مناخيره وجابله نزيف و تقولي طلعه ! ”
كان يجلس بالداخل يضع قدم فوق الأخرى، كأن السجن ملكه أو ما شابه، لا يأبه لحبسه.. كل ما يجول بخاطره أن يستطيعوا العثور على ابنة عمه سالمة.. لقد شك أن ربما تكون كارمن لها علاقة بالأمر؛ حتى تنتقم منه أو من والده كما سمع منها، و لكن الأخبار التي تصله باستمرار تنفي ذلك.
تدخل أُبَيّ ليقول للضابط بأدب يصاحبه التوسل
” بعتذر بالنيابة عن أخويا.. هو تصرف باندفاع.. ياريت تسامحه و تخرجه أكون شاكر لحضرتك ”
رد الضابط بسخرية
“هو أنت فاكر نفسك في المدرسة هنا يا أستاذ و أخوك ضرب زميله !
قال مُجاهد بيأس
” طيب أنا مستعد أدفع اللي تطلبوه.. بس خرجه.. ده صغير و طايش و مش فاهم حاجة ”
“هو مين ده اللي طايش و مش فاهم حاجة يا بابا ؟!”
قالها قُصي بصوت عالي من داخل القفص الحديدي، فجاءه رد والده بتعصب
“اخرس ياقُصي..
” مش هخرس.. وأي حد أيًا كان مين هيجي جنب عيلتي هجلده في ميدان عام عريان..
” عريان ! ”
قالها الضابط بدهشة، بينما أُبَيّ قال سريعًا
” زي ما بابا قالك هو طايش و صغير حقكم عليا أنا
قالها أُبَيّ بدافع الخوف عن أخيه، رغم أنه مسرور من قلبه على ما فعله قُصي بالضابط و رد كرامته له.
أثناء ذلك الحوار القائم بين الضابط و أُبَيّ و والده، جاء اتصال من أكبر لواءات الجمهورية، جعل الضابط يقدم التحية بخوف عندما سماع صوته، ليقول بطاعة عمياء
” تحت أمر معاليك يا باشا ”
التفت الضابط للعسكري وهو يبتلع ريقه قائلًا
” خرجوه ”
فتح العسكري باب الزنزانة ليخرج قصي وهو يبتسم بغرور، ثم اقترب من الضابط و قال بتحدي
” عندما تعطي الشخص أكبر من حجمه يستكلب تلقائيًا ”
رد الضابط بغيظ
” لولا أنك متوصي عليك كان هيبقى ليا رد فعل تاني ”
ثم غير أسلوبه سريعًا ليقول باحترام مصطنع
” اتفضل يا قُصي يا باشا ”
ابتسم قُصي بسخرية، بينما والده نظر له بدهشة قائلًا
” قصي ابني بقى باشا ! ده أنا لسه شايل المشمع من على سريره أول امبارح !
كتم الضابط ضحكته، بينما اغتاظ قُصي من والده ليقول بخفوت مُحدثًا أُبَيّ
“والله العظيم أبوك ده لو مكنش أبويا كنت مسمرته ”
ضحك أُبَيّ بخفوت، ثم عانق شقيقه وهو يقول بلطف
“شكرًا على ردك لكرامتي.. بس بلاش أسلوب العنف تاني”
” في ناس مينفعش معاها الأدب ”
تساءل والده وهو يضربه بخفة على كتفه
” كنت فين امبارح و الكل مقلوب على خطف بنت عمك ! ”
“مشترك في الجيم بقالي ٣ سنين و مفيش نتيجة .. قلت لازم أروح بنفسي أشوف إيه الموضوع ”
استوعب مجاهد ما هتف به للتو، بينما أُبَيّ أخذ يضحك و هو يخفي قُصي عن أعين والده الغاضبة خلف ظهره
“بقالك تلت سنين مبتروحش الجيم و لسه فاكر دلوقت إنك مشترك فيه !! ”
تدخل أُبَيّ سريعًا
” يا بابا بيهزر معاك.. ده هلاس متاخدش على كلامه ”
زفر بضيق قائلًا
” اهدوا شوية.. الوضع اللي احنا فيه ميسمحش للهزار.. بنت عمكم متغيبة من امبارح الله و أعلم حصلها ايه.. ربنا يجيب العواقب سليمة..
“يارب.. قالها أُبَيّ، بينما رد قُصي بجدية
” احنا محتاجين نفكر بهدوء و بعقل بعيد عن جو الشرطة ده.. احنا نسيبهم يقوموا بشغلهم و احنا نقوم بشغلنا..
“قصدك ايه ؟..
تساءل والده، فأجاب
” أنا محتاج زياد دلوقت.. هو فين ؟
” قاعد في المسجد القريب من القسم ”
أومأ قُصي، ثم خرج متجهًا للمسجد برفقة شقيقه و والده..
كان زياد يجلس بحزن احتل ملامحه، يفكر بحبيبته و وردته كيف حالها الآن.. انتبه لوجود عمه و أبنائه يقتربون منه، سلم عليه عمه ثم اتخذ مكانًا ليصلي الفريضة، بينما انتهز قُصي فرصة انشغال والده و قال بصوت يسمعه ثلاثتهم فقط..
” أنا عملت تحرياتي الخاصة و أنا في الطريق.. فاكر الواد اللي أنت جبتله اعدام اللي كان من عيلة كبيرة في البلد !
أومأ زياد بانتباه.. تابع قُصي
“لا هو ولا عيلته ليهم علاقة بخطف هاجر.. الواد أصلا بقى في تعداد الموتى، و ابوه سافر برا و باقي أهله رموا طوبته خلاص.. اللي خطف هاجر حد يعرفنا كويس أوي.. حد يعرف عيلة الخياط واحد واحد.. يا إما عاوز ينتقم منك أو من بدر..
” بدر !!..”
قالها أُبَيّ و زياد بدهشة في صوت واحد.. أومأ قُصي بتأكيد
” لو كان خطف لمجرد الخطف كانوا الخاطفين على الأقل طلبوا فدية.. لكن ده خطف بغرض الانتقام.. اللي خطف عارف و متأكد إن هاجر نقطة ضعف اتنين في العيلة.. أنت و بدر.. لأن بدر مش مجرد أخوها ده أبوها في نفس الوقت.. لو كان عاوز ينتقم من حد تاني مننا مكنش ركز على هاجر.. هو خطفها هي بالذات عشان الصلة القوية اللي بينها و بينك أو بأخوها الكبير.. و بكده يبقى الخاطف حقق غايته وهي إنه يوصل حد فيكم للوجع النفسي اللي عاشه بسببك أو بسبب بدر.. يعني اللي خطف اتأذى نفسيًا أو جسديًا من حد فيكم.. بس الأكيد إنه نفسيًا عشان لو كان اتأذى جسديًا كان قتلها و اظهر جثتها في أقرب وقت، لكنه قرر يحتفظ بيها لحد ما يعذب المقصود نفسيًا ببعدها عنه و بعدين يقرر الانتقام الأكبر هيبقى ازاي.. يا يقتلها يا يعمل حاجة تانية المهم إنه يسيب انتقامه فيها جسديًا و بكده يبقى حقق غايته من الخطف.. ”
” أنت.. أنت جبت الكلام ده منين ؟! ”
قالها زياد متسائلًا بغرابة شديدة، لا تقل عن غرابة و تعجب أُبَيّ مما قاله شقيقه و الذي يبدو منطقيًا للغاية..
“أنا بعد ما فكرت كتير.. لقيت إن ده الغرض الحقيقي من الخاطف..”
هتف زياد بخوف شديد
” طب و العمل !.. الاقيها ازاي ؟ أنا مرعوب يا قُصي.. حاسس إن قلبي هيتخلع من مكانه من الخوف عليها.. أعمل ايه.. الاقيها ازاي ؟؟ ”
فكر قصي للحظات ثم قال
” الخاطف مريض نفسي.. مش شخص سوي.. ده واحد مرضه صور له إن مش هيتعالج نفسيًا إلا بالانتقام.. أنا عاوز كل سجلات المتهمين اللي حققت في قضاياهم.. و عاوز أقعد مع بدر ضروري..
هز زياد رأسه بموافقة وهو يقول بعينيه الدامعة
” حاضر.. اديني ربع ساعة و هيكونوا عندك..
قال أُبَيّ..
” بدر أنا سايبه قاعد على الأحجار اللي جنب القسم عند السور من الشمال..
” تمام.. أنا رايحله ”
اتجه قُصي ناحيته على عجلة من أمره، ثم جذب انتباه قائلًا
” ازيك يا بدر.. أنا عاوز منك خدمة دلوقت
تنهد بدر بحزن قائلا
” سيبني في حالي يا قُصي..
” بدر.. هنقدر نوصل للي خطف هاجر لو ساعدتني
رمقه بدر بانتباه ليقول بتعجب
” نقدر نوصلها ازاي !
أخبره قُصي بما أخبر به زياد، لتتسع عين بدر بدهشة هاتفًا بخوف يأكل قلبه
” أنت رعبتني أكتر.. قولي أعمل ايه عشان ارجع أختي.. ؟!
“عاوزك تهدى كده و تفتكر كل الناس اللي اتأذت منك جامد سواء نفسيًا أو جسديًا..
” أنت بتهزر ! يعني في الظروف اللي احنا فيها دي و جاي عاوز مني اقعد ارغي معاك عن الناس اللي اذتهم ؟
قالها بدر بتعصب، أخذ قُصي يهدئ من حدته قائلًا بهدوء
” اهدى و اسمعني للآخر.. اللي بطلبه منك ده هو اللي هيساعدني أوصل للي خطف هاجر بسرعة.. مع سجلات المتهمين اللي زياد اتعامل معاهم أقدر أحل اللغز المفقود.. مفيش وقت يا بدر.. الثانية بفورة.. افتكر كده آخر حد اذيته أو ضربته جامد و سببت ليه أذى كان مين ؟
أخذ بدر نفسًا عميق ثم أغمض عينيه يتذكر بهدوء.. ليقول بعد لحظات بألم
” أنا مبأذيش.. أنا بتأذى بس..
“لا مش وقته صعبانيات يا روح عمتي
رمقه بدر شزرًا، فابتسم قُصي ابتسامة بلهاء قائلا
” خلاص أنت المجني عليك مش الجاني متزعلش نفسك.. اخلص يا بدر أكيد أذيت حد جامد بسبب حاجة.. مهو مش معقول كلنا ضحايا يعني.. احنا مش ملائكة !
” قولتلك مأذتش حد.. مش فاكر.. أنا دماغي مشوشة دلوقت.. مش بفكر غير في أختي.. من كتر خوفي عليها مش عارف أفكر في حاجة تانية دلوقت..
” خوفك على هاجر نساك تفكيرك في عائش ؟ ”
قالها قُصي بغرض يرمي إليه، و هذا ما حدث..
انقض بدر على قُصي يخنقه لولا تدخل أُبَيّ السريع.. ليقول بدر بتعصب شديد
“غور من وشي بدل ما اقتلك يا قُصي.. اياك تنطق عائش تاني.. اسمها ده يخصني أنا بس.. أنا بس اللي اناديها عائش..
نهض قصي من الأرض، ليقول بابتسامة ماكرة
” هي فعلًا تخصك أنت بس.. بس يا ترى حد قبل كده فكر يناديها عائش ؟
تحول غضب بدر لانفعال شديد صارخًا
” ده أنا كنت ادفنه حي..
قصد قُصي استفزازه أكثر لاستجوابه
” ولا حتى فكر ياخدها منك ؟
قال بدر بتحفز وهو يرجع بذاكرته للوراء
“لما كنا مسافرين مطروح.. كان فيه شاب شغال هناك اسمه علي.. كان سكران يومها و حالته النفسية زي الزفت عشان خطيبته سابته.. افتكر عائشة خطيبته و كان هيقتلها لولا إن لحقتها في الوقت المناسب..
” وعملت ايه ؟
سأله قصي بلهفة.. رد بغيظ وهو يتذكر
“شوهت وشه من كتر الضرب
قال قُصي بسرعة
” أنا عاوز اسم الواد ده بالكامل و ساكن فين..
لم ينتبه له بدر و اكمل حديثه بغيرة تنضج من عينيه..
” كان ليها زميل في الجامعة.. كانت بتحبه و عاوزاه.. لكن طلع ابن ستين *** و كان عاوز يغتصبها.. و لحقناها أنا و زياد في الوقت المناسب برضو..
” و عملت ايه ؟
” كنت هقتله من الضرب و خليته عبرة قدام صحابه.. بس مسجون دلوقت..
“برضو عاوز كل حاجة عن الواد ده دلوقت..
أومأ بدر في استسلام.. أنا عارف بيوتهم..
جاء زياد ومع كل السجلات الخاصة بالمتهمين الذين تعامل معهم، أخذها منه قصي و أخذ يفحصها بدقة حتى جنّ الليل عليهم و أسدل ستائره السوداء على القسم و أمامه.. فاتجهوا جميعهم عائدين للحارة، بعد أن قرر قُصي أن يذهب مع بدر غدًا لمكان إقامة الشابين بعد أن ينتهي من فحص سجلات المتهمين اليوم..
__________♡
﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾
______
تقبع هاجر في تلك الغرفة المظلمة، تتلو آيات الله في جوفها و تحتضن المصحف خير أنيس لها، ليصل لمسامعها بعد لحظات صوت خطوات قادمة ناحية الباب…
يُفتح الباب ويظهر من خلفه ذاك الرجلان اللذان قاما بخطفها.. أحدهما يتلون وجهه بالخوف و الارتباك فور رؤيتها، بينما هي أخفتها وجهها بين كفيها لتقول بأنفاس متلاحقة من الخوف
” وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ”
قال المدعو عادل لزميله الخائف سعيد
” ايه يا جدع مال وشك اتخطف كده بعد المكالمة مع الريس ؟!
“أنت عارف هو طلب مني ايه ؟
” العب باليه.. ما تخلص يا عم خلينا ننجز في أم الحوار الحمضان ده..
ابتلع سعيد ريقه ليقول
” عاوزنا نغتصبها بالتناوب.. و نصورها فديو و ننشره على مواقع التواصل و بعدين نخدرها و نرميها في الشارع عريانه..
فور أن سمعت هاجر ذلك، نزلت منها الدموع بكثرة و أخذت ترتجف بهلع وهي تردد “يارب”
أما عادل قال بسخرية
“اومال أنت فاكرنا بتوع سِبح ! يا بني احنا مجرمين يعني ده أصلا شغلنا.. و بعدين أنت مالك بقيت جبان كده ليه ؟ هو احنا أول مرة نعمل كده !..
” أنا عمري ما كنت جبان زي دلوقت.. البت دي مختلفة.. كل اما اجي أقرب منها بحس إن فيه حاجة بتمنعني.. قوة خفية بتحميها..
” قوة خفية ! جِن يعني ؟
هز عادل كتفيه بحيرة
“معرفش..”
“بقولك ايه.. اطلع من جو نادر فودة اللي لابسك ده وخلينا في اللي يخصنا.. احنا هننفذ اللي الريس قال عليه..
” الريس ده صوته بيقول إنه شاب صغير.. و مختل عقليًا.. مش طبيعي.. ده بيقولي اعملوا اللي قولتلك عليه بالحرف الواحد وأنا هسفركم برا البلد عشان متنكشفوش..
“طب وايه المشكلة يا عم.. حد يرفس النعمة !
” المشكلة.. بيقول إنها حامل.. عاوزنا نعمل كل ده من غير ما نسقطها ! طب ازاي ؟؟! ”
انتبهت هاجر لما قاله، فأخذت ترتعد بشدة وهي تتساءل في حيرة..
” كيف علموا بأمر حملي ولا أحد يعلم سوا عائلتي فقط ! ”
________♡
لو أمطرت السماء نساءً، سأكتفي بكِ أنتِ فقط. “محمد البنا” ❤️.
_______
عندما وصل زياد و والده و مجاهد و أبنائه و بدر للحارة، أول بيت يتم المرور عليه أولًا هو بيت محمود الخياط والد عائشة.. أثناء المرور عليه؛ لاحظ الجميع أن أنوار البيت مضاءة و صوت قرآن يصدر من الداخل.. في البداية ظنوا أنها ربما تكون إحدى نساء العائلة من قامت بذلك حتى يظل البيت محفوظًا بذكر الله، ولكن حواس بدر انتبهت لطيف شخص يعرفه جيدًا، و ما كان ذلك الشخص سوا عائشة..
هتف في دهشة
“عائـش !..
نظروا جميعهم لها، بينما هي تخرج من البيت و ابتسامة صغيرة لاحت على شفتيها قائلة
” أنا عرفت باللي حصل لهاجر و جيت عشان ابقى معاكم و مش همشي غير اما هاجر ترجع بالسلامة إن شاء الله.. ”
أومأ عمها مصطفى بابتسامة ودودة ليقول مُرحبًا بها
” آهلًا بيكِ في أي وقت يا بنتي.. بيتك و مطرحك
ذهبوا جميعهم للجلوس في باحة بيت مصطفى آملين أن يتلقوا أي اتصال يخبرهم أنه تم العثور على هاجر سالمة، بينما بقي بدر معها ينظر لها نظرات كلها لوم و عتاب ليقول قبل أن يتركها و يذهب
” لو احتجتِ حاجة أنا في بيت عمي مصطفى.. ”
أومأت بتفهم، ثم دلفت للداخل..
لحق بدر بأبناء عمه، و جلس معهم يتابع قصي وهو يتفحص السجلات بتمعن و دقة، بينما زياد يضع كلتا يديه على رأسه و يرجعها للوراء يتأمل شكل النجوم المتناثرة في السماء، و سرب من الذكريات الجميلة مع وردته يلاحقه..
تذكر يوم زواجهما..
” آهلًا بأجمل حاجة حصلتلي في حياتي.. آهلًا بوردتي الجميلة في بيتي.. اللي هو بيتك ”
ابتسمت برقة و هي لا زالت تشيح بعينيها عنه، لم يتردد زياد لحظة و انحنى ليحملها، فأوقفته فجأة وهي على وشك البكاء كالأطفال
” لا بالله عليك.. ترضى حد يشيل اختك ؟.. بص أنا مبحبش اتشال.. أنا مرتاحة كده والله ”
***
ابتسم بعفوية وهو يدعو أن يجمعها الله بها في القريب العاجل..
انتقل بصر بدر على مجيء عائشة التي ملت من التواجد وحدها بالمنزل فقررت المكوث مع بنات عمها..
جاءها اتصال من روان ثانيةً، فوقفت تحت إحدى الأشجار التي يداعبها هواء الصيف الخفيف و ردت قائلة
” السلام عليكم..
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. طمنيني عليكِ.. أنتِ كويسه ؟..
” آه الحمدلله.. بس لسه مشوفتش سيف.. معرفش هو فين.. أنا وصلت من ساعتين كده سلمت عليهم و فتحت بيت أبويا الله يرحمه..
“المهم إنك بخير.. لو فيه جديد كلميني.. وخلي بالك على نفسك يا عائشة”
“إن شاء الله يا روان.. مع السلامة”
.. “حاولت أنساكِ مش عارف”
التفتت في الحال، لتجد بدر يقف أمامها و فيه عينيه نظرة انكسار مؤلمة.. ردت عائشة بحزن لامس قلبها من نظراته
“لازم تنساني عشان تعرف تعيش يا بدر”
“و إن قولتلك إن بُعدك عني مش هيخليني أنساكِ.. بالعكس هيعيشني في جحيم”
“يمكن الجحيم ده هو اللي هيفوقك بعدين”
صمت لوهلة يتأمل ملامحها المرهقة والتي احتفظت برقتها رغم ما حلّ بها، يتأملها بدقة شديدة كأنه يحفرها في قلبه لآخر مرة
“أنا آسف على اللي حصل مني امبارح.. سامحيني”
ردت بابتسامة خافتة
“مش زعلانه منك يا بدر”
“أنا سبيتك في غيابك”.. يقصد عندما قال لزياد أنها ابنة زنا و سيحرمها الميراث..
” اعفو عني يا عائشة..
“أنت سامحتني كتير يا بدر.. و عفوت عني كتير.. دلوقت جه دوري إن أعفو و أسامح..
” عائش.. أنا خايف.. ”
قالها بعيون دامعة و نظرات ضعيفة منكسرة.. ليتابع..
“عايز اتعالج بس خايف.. خايف من حاجات كتير.. مين هيراعي أمي و أخويا في غيابي و أنا بتعالج.. خايف من كلام الناس.. هيفتكروني مجنون يا عائشة.. خايف في بُعدك عني.. عاوزك معايا.. خايف من نفسي.. خايف عليكِ و أنتِ بعيدة عني.. خايف قلبك يدق لحد غير بدر.. خايف قصة بدر و عائشة تنتهي.. أنا خايف يا عائش..”
نزلت منها الدموع متأثرة بما باح به، بينما هو مع كل كلمة قالها كانت تزداد دموعه، فرفع يده ليمسحها.. سبقته هي و مسحتها بأناملها قائلة
“أنت أقوى من أي حاجة يا بدر.. أنا جنبك”
انتبهت لفعلتها، فأنزلت يدها سريعًا و قالت بتوتر
“متأسفة.. بدر.. أنت لازم تاخد خطوة العلاج و تفوق لنفسك.. أنت لازم ترجع بدر الشباب..
قاطعها متسائلًا بنظرات توسل
” ولو رجعت.. هلاقيكِ ؟
“هتلاقيني دايمًا مستنياك يا بدر”
قاطع حديثهما صوت رنات هاتفة للمرة الثانية، و لكن تلك المرة من رقم مجهول.. أجابت بعفوية ثم هتفت بدهشة
“تيته فاقت !.. أنا جايه حالًا”
“في ايه ؟”
“تيته فاقت في المستشفى و الشرطة عندها عشان ياخدوا أقوالها”
قال بدر بعدم فهم
” أنا مش فاهم حاجة.. اومال اللي معاكِ في البيت دي مين.. ؟
“هفهمك بعدين.. أنا لازم أمشي دلوقتي.. و هاجي تاني إن شاء الله.. لو في أي جديد طمني يا بدر..
” استني.. مش هتمشي لوحدك.. هاجي معاكِ”
لم تعترض عائشة، فالوقت لا يسمح بخروجها ليلًا وحدها..
****
في منزل محمد الخياط والد بدر.. يجلس سيف على كرسيه المتحرك، يعض على أصابعه من الندم لما فعله..!
لام نفسه بندم شديد قائلًا
” يا رتني ما قلت إنها حامل ” !!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)