رواية يناديها عائش الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الجزء الثاني والعشرون
رواية يناديها عائش البارت الثاني والعشرون
رواية يناديها عائش الحلقة الثانية والعشرون
لو أطعنـا رغبة القلب؛ لضعنا لكن الله وضع للقلب عقلٍ يردعه.
***
مرّت الأيـام سريعـًا ببعض الأحداث البسيطة على عائلة الخياط.
قرر بدر أن يبيت في ورشته لحين يكتب له الله الزواج من حُب مُراهقته وشبابه المشاغبة عائشة إبنة عمه الراحل “محمود الخياط”.
وقد اتخذ ذلك القرار بعد تفكير سليم حتى لا يقول الجميع أن بدر وعائشة تربطهم علاقة غير شرعية لذلك دعا عائشة للمكوث والمبيت في بيتهم حتى يحل له النظر لجسدها المثير والرائع في أيّ وقت، ولكن بدر يخاف الله كثيرًا ويخاف أن يقع فريسة لشهواته، فما كان منه إلا أن يتق الله حتى يجعل له مخرجـًا من مشاكله وهمومه.
بينما عائشة ازدادت عندها رغبة الإنتـقام من بدر، منذ أن رأت ذلك الفديو في هاتفها وهو يحملها وتضمه هيّ بذراعيها، لم تصدق أنها فعلت ذلك، أخذت تسُب نفسها كثيـرًا، بالطبع هي لم تكن في وعيها لتعانق هذا الوغد الذي تسبب في فضيحة لها أمام أهل الحارة، هذا ماتظنه عائشة.
لذا قررت من صميم قلبها أن تتزوج منه؛ لكي تنتقم لنفسها ولوالدها التي اعتقدت أنه يسعى للزواج منها ليحصل على الإرث الذي تركه من أرض تصلح للبناء ثمنُها فوق المليون ونصف وبيت يصل للمليون إلا قليل.
ظلت والدة بدر تقسم لها أنه لم ينوي ذلك بتاتـًا وأنه يعشقها بجنون ولكنها أبت أن تصدق ذلك ونجح الشيطان في التمكن من عقلها وإرغامها على كُره” بدر الشباب”.
أما الشيء الجيد الذي داومت عليه، أنها كانت تقرأ القرآن مع هاجر وتصلي الفروض كاملة، ولكن القلب مازال متمردًا يُود أن يؤدبه أحد.
منذ أن سمع زياد عن علاقة شقيقته نورا بالفديو وهو على مشارف أن يفقد عقله من عدم التصديق، لقد جن جنونه بالفعل وكاد أن يبرحهها ضربـًا ولكن في آخر لحظة تذكر مقولة بدر له ذات مرة “النساء لم يُخلقن للضرب، هنّ مسؤولون منا”
لم يكن أمامه سوى أن يتمالك نفسه ويهدئ لكي يفكر بسلاسة فيما سيفعله معها وكيف سيواجها ويجعلها تعترف بأنها ارتكبت خطأ شنيع وتسببت في هتك الأعراض وهذا أسوء ماقد يفعله المرء المسلم على الإطلاق وهو يعلم جيدًا أن دينه نهي عن ذلك.
والرسول صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوما فنادى بصوت رفيع، فقال يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله، و
يُعد التشهير الذي قامت به نورا انتهاكًا لما أمر الله بستره من التشهير بالناس، والتشهير لا يؤذى المخطئ فحسب، بل يؤذى اسرته واقربائه «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ»، وقال صلى الله عليه وسلم: من فضح مؤمنا فضحه الله ولو في قعر بيته، واتفق الفقهاء على أن ستر الجريمة أولى من الفضح، ونشر أخبار الجريمة اذا تم فإنما ليعتبر الناس، وقد قال الفقهاء إن من رأى جريمة فالستر أولى من الفضح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب ماعز: هلا سترت صاحبك ولو بطرف ثوبك. ونشر الفضائح لن يفيد المجتمع في شيء، بل سيزيد من تردي الأخلاق وسيعلم الناس تقليد مرتكبي تلك الفضائح.
لذا فكر زياد جيدًا وقرر ألا يسيئ الظن بها، لربما تحدثت عن فديو أخر، ولكن الشك كان يتخلل قلبه يومـًا عن يوم لحين سمعها تتحدث ثانية مع أحد أصدقاءها المقربين عن أمر الفديو، فرجحت ظنونه واتخذ قراره بأن يواجهها.
عزمت روان أن تفوز في ذلك التحدي الذي خاضته مع روميساء وهو أن تمنع قلبها عن حُب الاغاني وتردع عقلها عن دندنة أي أغنية كانت تحبها حتى تعلم نفسها الإستغناء عن الأشياء التي ليس لها فائدة، فبدأت بالأغاني التي عشقتها وأحبت كلماتها ثم حذفتها من جهاز الهاتف خاصتها وبدلته بأناشيد دينية بأصوات رائعة تحثها للإقبال على الدين والإلتزام بسنة النبي مُحمد أكثر “صل الله عليه وسلم”
أما عما حدث مع سيف فقد حكته لروميساء وصعقت روميساء مما حدث معها وبعد تفكير نصحتها بأن تنسى الأمر فهو يستحق ذلك وهذا جزائه، وبالفعل تظاهرت روان باللامبالاة أمام زوجة والدها التي أصبحت صديقة لها وأمام تلك الفتاة النقية المرحة “روميساء” ولكن في جوفها يعّم القلق نحوه، لن تكذب قلبها الذي أحب سيف بحق..
لم تعد تعرف مالذي تفعله،شعور الذنب مازال يطاردها وأحيـانـًا تؤكد لنفسها أنها على حق..
هل تجاوزت الأمر أم أنها تتظاهر بأنه لم يعد يهمها ؟
كان بدر يتابع الطبيب يوميـًا ويسأله عن حال شقيقه، فأخبره أنه مازال عاجز عن التكلم ويرفض التجاوب مع العلاج وإذا أراد شيء يكتبه في ورقة، ذات مرة تجسس الطبيب على مايكتبه في كراسته الخاصة فوجد هذه الجملة التي لم يفهما للآن ولم يستطيع بدر ولا زياد فهمها”
“ر.. س..”
وبعد مرور يومين من كتابة تلك الأحرف الغامضة وجد الطبيب تلك الكلمات الجميلة قد كُتبت بالدم على حائط الغرفة التي وُضع فيها سيف لمتابعة حالته، ووجده الطبيب فاقد الوعي بعد جرح يده والكتابة بدمه.
“لا تقلقي،
سينامُ رأسي في يديكِ
وتصبحُ الأيام أجمل”.
***
لم يستطيع كريم التقدم لخطبة روميساء ولا لمحادثة بدر؛ بسبب مداومة القضايا التي تتردد عليه بكثرة تلك الأيام وتحتاج منه التفرغ لمتابعتها.
**
أصبحت هاجر هشة جدًا وبدأ الجميع يلاحظ ذلك، ولكن هذا السُم اللعين لم يمنعها عن تأدية واجباتها تجاه حبيبها.
**
اليوم ستهبط الطائرة التي يسافر على متنها مجاهد وأولاده الأربعة وزوجته، لم يستطيع المجيئ في الموعد الذي أخبر مصطفى شقيقه به بسبب بعض الأعمال التي أخذت وقته كله الأيام السابقة.
**
اليـوم هو من أجمل أيام السنة، يوم ينتظره جميع المسلمين في العالم” عيد الأضحى المُبـارك”
علت أصوات التكبير في المساجد وشاشات التلفاز
وعمت البهجة في كل الشوارع، واستعد سكان المنصورة بضواحيها لصلاة العيد، والأطفال يمرحون ويصرخون متبادلون ألاعيبهم الجميلة، والفتيات يرتدين أجمل الثياب ويأخذنّ الصور مع بعضهن والشباب يضحكون ويتبادلون المصافحة والتحية، أما الباقية فتحوا أبوابهم إستعدادًا للترحيب بالضيوف والزوار.
ردد الجميع وراء الشيخ وهو يقول
“«الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله”
جاء العيد وجاءت معه لحظات السعادة مُوزعـًا بهجته على جميع العائلات،إلا عائلة واحدة في تلك الحارة التي لم تذق طعم السعادة في ذلك اليوم.
اصطنع كل فرد في عائلة الخياط أنه على مايرام ورسم البسمة الزائفة على شفاهُ وفي داخله تشن الحروب وتدور المعارك.
بعد أن أدى الجميع صلاة العيد وزار كل من زياد وبدر وعمه مصطفى مقابر العائلة توجهوا لتلك الإستراحة الكبيرة في بيت مصطفى والتي تتجمع فيها العائلة في المناسبات لتناول الطعام وتبادل أطراف الحديث، النساء وحدهن والرجال وحدهم.
بدأت نساء العائلة في تجهيز وإعداد ما لذ وطاب من الطعام وذهب زياد ووالده لإستقبال مجاهد وأسرته في المطار، بينما بدر إستئذن ليتمم عمل بسيط وفي الحقيقة ذهب لزيارة شقيقه ولا يعرف بتلك الزيارة من العائلة سوى زياد، وبحسب ما قاله بدر، فإن الجميع يعلمون برحلة سيف الطبية التي تشرف عليها جامعته.
جلست عائشة تقطم أظافرها في توتر بالغ حين وصلتها تلك الرسالة من أميـر.
“وحشتيني يا شوشو.. نفسي أشوفك.. لسه عارف من كام يوم بوفاة أبوكِ.. ربنا يرحمه.. بس أنا مش قادر على بُعدك أكتر من كده.. أنا كلمت أهلي وعاوز أخطبك أو نتجوز علطول.. إيه رأيك؟
إنتِ عارفه كويس إني حالتي المادية تمام واقدر اعيشك في المستوى اللي يليق بيكِ.. صدقيني أنا بحبك وعاوز أعيش معاكِ عمري كله.. وفي هدية هتعجبك أوي.. قابليني في المكان ده ** عشان تاخديها.. بحبك♥.”
غلفت الحيرة قلب عائشة فما عادت تدري هل يحبها كما قال أم يتلاعب بها ؟
لم تدرِ ماذا تفعل، لذا لم يكن أمامها سوى أن تخبر هاجر فهي الشخص الوحيد الذي أصبحت تثق به مؤخرًا.
أقبلت عليها نورا تتقول بسخرية وهي تتهيء لتقطيع السلطة
–وإنتِ إن شاء الله هتفضلي قاعدلنا كده.. ماتقومي ياختي تساعدينا في حاجه
زفرت عائشة بغضب هاتفة
–إسمعي يانورا.. إنتِ من صباحية ربنا وإنتِ عماله تضايقيني وتستفزيني وأنا عامله احترام إني في بيتكم ومبردش عليكِ.. لكن والله العظيم لو محطيتي لسانك جوا بوقك لأقطعلك شعرك زي ماكنت بعمل فيكِ وإحنا صغيرين.. فاكره ولا نسيتي ياحريقة؟!!
“حريقة!.. لأ ده انت اظاهر كده لسانك متبري منك وعاوز يتقطع”
وضعت نورا طبق السلطة بغضب لتتجه نحو عائشة وهي تنوي أن تدخل معها في عراكِ طويل لن ينتهي إلا بتأذي إحداهن كما كان يفعلان في الصِغر، ومازاد غضب نورا أن عائشة اختلقت لها هذا اللقب”حريقة” منذ طفولتهن واصبح جميع الأطفال ينادوها بـ”حريقة” كونها كانت تحب اشعال العرائك بين العائلات بالإدعاء والفتن وكبرت نورا ولم تكف عن ذلك، فأصبح طبعـًا فيها وكما يُقال”من شب على شيء شاب عليه” أو كما يقول التعبير الدارج”اللي فيه طبع مبيتغيرش”
قاطعتهم هاجر لتصيح فيهن
–والله عيب عليكم اللي بتعملوه ده.. إنتوا صغيرين للكلام ده !.. وبعدين إنتوا مش سمعتم آذان الضهر؟.. حضراتكم قاعدين مستنين إيه.. في قطر هيعدي ولا حاجه!.. قوموا اتوضوا ويلا نصلي.
تنهدت عائشة وهي ترمق نورا بغيظ والتي بادلتها هي الأخرى نفس النظرات.. قالت عائشة بمداعبة
–ياريت ياهاجر كل البنات زيك.. كانت الحياة بقى لونها بمبي. مش الأشكال اللي تسد النفس دي.
ضربت نورا كفـًا على كف لتقول بنفاذ صبر
–اللهم طولك ياروح.. مين فين اللي بيستفز التاني.. عشان إما زعلك بتزعلي
ردت عائشة بسخرية
“يعني إيه إما ازعلك بتزعلي ؟.. ماتكوني جملة مفيدة وبعدين اتكلمي”
ضحكت هاجر بخفة مقاطعة
_سيبتوا للأطفال إيه.. انجزوا خلونا نصلي عشان نحضر الاكل زمان عمي مجاهد وصل المطار.
توضئ الجميع وتهيئن للصلاة، وبعد تأدية الفرض استدعت والدة نورا ابنتها للحديث معها في الغرفة وحدهن.
قالت الأم بحكمة
–اللي إنت بتعمليه مع بنت عمك محمود الله يرحمه مينفعش.. إنتِ مش صغيره للهبل ده..
الرسول عليه الصلاة والسلام اتكلم عن الرفق باليتيم صلوات ربي عليه حبيبي قال:
(مَن مَسَحَ رَأسَ يَتيمٍ لم يَمسَحْه إلَّا للهِ، كان له بكلِّ شَعرةٍ مَرَّتْ عليها يدُه حَسناتٌ، ومَن أحسَنَ إلى يَتيمةٍ أو يَتيمٍ عندَه، كنتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتَينِ، وقَرَنَ بيْنَ إصبَعَيه: السَّبَّابةِ والوُسطى.
إحنا مش مسلمين بالإسم بانورا.. الإسلام يعني تطبيق لسنة رسول الله ورضا الخالق.. متزعليش مني يابنتي صلاتك وقراءتك للقرآن مش هتفيدك طول ماإنتِ مبتعمليش بيهم.. متعمليش زي اللي بيخاف من الإمتحان فبيزاكر عشان ينجح.. ليه متبقيش زي اللي بيزاكر عشان يطلع الأول عشان يتعلم مش ينجح وبس.
بدا الخجل على نورا وأردفت آسفة
–عندك حق ياماما.. أنا ببقى نفسي أوي أبطل اللي بعمله ده بس مش عارفه
أجابت الأم باسمة
“أُعبدي ربنا كأنك شيفاه وإنتِ تبطلي أي حاجه تغضبه”
أومأت نورا مبتسمة وخرجت لتكمل تقطيع السلطة وهي تفكر فيما فعلته بعائشة وبدر.
بينما هاجر اتجهت للمطبخ لتجهز باقي الطعام، وتبعتها عائشة لتقول بخفوت
–هاجر عاوزه أحكيلك على حاجه
ابتسمت هاجر مردفة
–أنا اللي عاوزه أعترفلك بحاجة وأتمنى تسامحيني على جهلي وسوء ظني.
صمتت عائشة تتأملها بتعجب وأومأت تحثها على الحديث، فقالت هاجر بصوت حزين نادم.
–أخر يوم روحت فيه للدكتوره.. شفت داخل عندكم وقبلها شوفته واقف معاكِ.. شكيت وسوء الظن عماني عن الحقيقة وظنيت إن بينكم حاجة وإنه سابني عشانك.. أنا آسفه ياعائشة سامحيني عشان ربنا يسامحني.. من كُتر حبي ليه عقلي كان مشوش وقلبي كان تايه.. أنا بلوم نفسي على سوء الظن ده.. لازم الواحد يتأكد من الحاجة كذا مرة قبل ما يظن غلط.. آسفة بجد.. أتمنى تسامحيني.
ابتسمت عائشة بوِد قائلة
–أنا لو مكانك وبحب حد بالشكل ده وشفته مع واحده أكيد دماغي هتروح في حته تانية.. عشان كده عذراكِ.. وأكيد مسمحاكِ.. بس عندك حق الواحد لازم يتأكد الأول قبل ما يتكلم و يسوء الظن في الغير.
بادلتها هاجر الإبتسامة مردفة بلُطف
–الموقف اللي حصل ده مش بيخليك تعيدي التفكير في أمورك مع بدر؟
–قصدك إيه؟
فهمت عائشة المغزى من تلميحات هاجر ولكن أرادت التأكيد، فقالت الأخيرة
–قصدي إنك لسه معتقده إن بدر عاوز يتجوزك عشان الورث ؟
جابت عائشة بعينيها المكان متمتمة بحيرة
–مش عارفه والله ياهاجر.. أنا محتاره أوي.. حاسه إني تايها.. مش عارفه
“عائشة.. إنتِ متخيله إن بدر ممكن يفكر كده؟”
ردت عائشة بحيرة
— الرسالة اللي اتبعتتلي دلوقت شتت تفكيري أكتر.. مبقتش عارفه أنا عايزه إيه
تساءلت هاجر بفضول
–رسالة إيه ؟
“دي..”
أخذت هاجر الهاتف منها لتقرأ المكتوب وبعد لحظات قالت بغضب ملحوظ
–الله يهديه.. البني آدم ده مش جاي من وراه خير
هتفت عائشة بدهشة
–ليه بتقولي كده.. مش يمكن صادق في كلامه وعاوز يتجوزني وبيحبني فعلًا !
رمقتها هاجر بإستخفاف قائلة
“عائـشة بالله عليكِ في واحد بيحب واحده وعاوز يتجوزها ويخليها تقابله عادي كده !
حبيبتي مفيش راجل عنده نخوه يقبل على نفسه يعيش مع واحده عقلها ساذج وتقبل تخرج معاه وتقابله عادي من غير علم أهلها.. الراجل بيدور على واحده يستأمنها على حياته وبيته مش واحده لا مؤاخذه هبله بتجري ورا قلبها وبتصدق أي واحد معندوش ضمير يقولها بحبك!.. البنت لازم تعزز من نفسها ويبقى لها كرام وتحط ربنا قدام أي خطوه بتخطيها.. بيحبك يجيلك لحد البيت يطلبك من أهلك.. شُغل يابت إنتِ مراتي وقابليني ومعرفش إيه.. ميعملوش غير واحد جبان مبيخافش ربنا ولا بيخاف على بنات الناس.. فهمتِ ياهانم ! ”
–طب والعمل ياهاجر ؟
قالتها عائشة بشيء من الريب، فقد أغراها أمير، فلطالما أرادت دومـًا أن تخرج من هذا المستنقع الذي تعيش فيه وتتزوج برجُـلًا متفتح يتركها ترتدي ماتشاء وتنعم بأمواله الطائلة دون حساب، ولكن في نفس الوقت صوت ما في قلبها يخبرها بأن هاجر على حق فيما قالته.
أجابت هاجر بتفكير
–إحنا نحكي لبدر الموضوع ده وهو هيلاقي الحل.. الواد ده لازم يتربى عشان يبقى عبرة لكل واحد بيفكر يلعب بمشاعر بنت تحت مُسمى
“الحُـب” فاهمين الحُب غلط الله يهديهم الحُب ده أجمل حاجه وأحسن رزق ممكن ربنا يرزقه للإنسان.. وعلى رأي اللي قال
“العيب فيكم يا في حبايبكم أما الحب ياروحي عليه”
ضحكت عائشة مداعبة بغمزة
–الله الله ده إحنا طلعنا رومانسيين أهو وبنسمع للست أم كلثوم
بادلتها هاجر الضحك لتقول
–لاء أنا مبسمعش أغاني.. بس بحب أقرأ القصائد والشعر ودي قصيدة بالعامية لـ “مرسي جميل عزيز” واللي غنتها فعلًا أم كلثوم لأن سمعتها في التلفزيون عند تيته والدة ماما الله يرحمها.. كانوا مشغلنها والجملة دي رنت في وداني لأني كنت عارفاها.
قاطعت حديثهم زوجة عمهم مصطفى وهي تدلف للمطبخ قائلة بخفة
–لاء أنا بقول نطفي على الأكل ونقعد نتكلم على سيدة الغناء العربي.. اخلصي ياحلوه إنتِ وهي عمكم زمانوا على وصول.. أنا رايحه أحط الرز في الفرن.
ضحكت الفتاتان وأخذت كل منهن تتابعن عملهن بإعداد الطعام، بينما نورا انتهت من عمل السلطة ودلفت للمطبخ لتأخذ البطاطس وتقطعها.. قالت لها هاجر بمشاكسة عندما وجدتها صامتة
–مش عادتك يعني يا نورا يعدي دقيقة من غير ما تكلمي.. القطة كلت لسانك ولا إيه
أخذت نورا السكين وبدأت تقطع البطاطس ببعنف وهي ترمقهم بغيظ
–ما إنتوا واقفين تحكوا مع بعض وسايبني
ردت عائشة مشيرة للبطاطس
–البطاطس لو كانت بتكلم كانت قالتلك إرحميني.. براحه شويه إنتِ مش داخله حرب
تنهدت هاجر رافعة بصرها للأعلى
” ابتدينـا”
***
-كيف نصبر؟
-مثلما نصوم تمامـًا، متأكدين أن أذان المغرب سيأتي.
**
وقف بدر متنهدًا عدة مرات قبل أن يدلف لغرفة سيف في المركز الذي تتابع فيه حالته، بعد أن تحدث مع الطبيب وعرف بتلك الأمور الغريبة التي يفعلها سيف سواء بالكتابة على جدران الحائط بقلم أو بدمه مثلما فعل منذ يومين.
دخل بـدر وتلك الإبتسامة الجميلة ترتسم على محياه، كان سيف جالسـًا على الكُرسي المتحرك وأمامه منضدة عليها دفتر رسم كبير وبعض أقلام التلوين، بينما هو مُنهك في الرسم جاء بدر من خلفه ووضع يديه برفق على كتفيه قائـلًا
— وحشتني ياقلب أخوك
التفت له سيف ليبادله الإبتسامة في صمت ثم استدار بكرسيه ثانية ليُنهي تلك الرسمة.
سحب بدر مقعد وجلس بجانبه يشاهد مايفعله وبقي صامتـًا هكذا يتأمل شقيقه بقلب حزين ثم يعود ليتأمل ابداعه في الرسم، فلطالما أحب سيف الرسم كثيـرًا مثل هاجر شقيقته، وكان يخرج كل مخاوفه على أوراق بيضاء لتصبح شخابيط أو ألوانـًا زاهية تشير لشيء ما.
انتهى سيف من الرسم والتلوين ثم قطع الورقة أكثر من مرة وألقى بها في سلة المهملات التي يبدو أنها ممتلئة بورق الرسم المتقطع لأكثر من قطع صغيرة.
دُهش بدر من ذلك التصرف وتساءل
— ليه عملت كده ؟
خرج سيف عن صمته ليكتب
“بحس بشعور أفضل لما بهزم نقاط ضعفي”
ترجم بدر ما رسمه سيف في مخيلته سريعـًا، فظهر أمامه أنه رسمه بهيئة ضخمة ورسم نفسه ضئيل الحجم بجانبه، رجحت مخيلته، يريد سيف التخلص من نقطة ضعفه وهو أنه يعتقد أن بدر شقيقه الأكبر له الأولوية في كل شيء وأن سيف ما هو إلا شخص منبوذ في العائلة ليس له أهمية كثيـرًا مثل بدر.
تساءل بدر في هدوء
–يعني إنت شايف أنا أن السبب في كل اللي بيحصلك ؟..
زفر سيف ثم كتب
“كنت فاكر كده.. بس بسببها ربنا نورلي بصيرتي”
عقد بدر حاجبيها في تعجب متسائـلًا
–هيّ ؟.. مين؟
تحولت ملامح سيف للإنشراح، فكتب مبتسمـًا
” لو رأيت كيف احكى للغرباء عنك لحاولت ان تقف فى طوابير الغرباء لتحب نفسك من حديثى .
هز بدر رأسه قائلًا
–مش فاهم.. أول مرة معرفش أفهمك يا سيف
” من إمتى وإنت بتفهمني يابدر .. مفيش حد في عيلتنا فاهمني غير هيّ”
كتبها سيف ثم ضغط على زر الإنذار بالغرفة، ليأتيه ممرض أشار له سيف بأن يساعده ليتسطح على الفراش.
قال بدر للمرض بأدب
–اتفضل حضرتك وأنا موجود معاه هساعده
ساعده بدر، ثم جلس بجانبه مردفـًا بحزن
–نفسي تعرف إنك مهم أوي عندي وعندنا كلنا.. أنا قلت لأمك إنك في رحلة مع صحابك وتليفونك ضايع.. أمك وهاجر لو عرفوا الحقيقة متتوقعش ممكن يحصلهم إيه.. أنا هعمل أي حاجه عشان أسفرك برا وتتعالج وترجع تمشي وهتبقى بخير ثق بالله وبيا.. هداين وهبيع الورشه وأسفرك عند أحسن دكتور.. متقلقش ولاتخاف من حاجه ياسيف.. أخوك جنبك ومش هيسيبك.
أشار سيف بإصبعه تجاه الورق الذي يكتب فيه، أعطاه له بدر ليكتب سيف
“متتعبش نفسك.. أنا مبسوط كده.. أنا حابب عقاب ربنا”
–عقاب ؟
تساءل بدر في دهشة، فكتب سيف
” كان لازم يحصل كده عشان أتعظ وأعرف قيمتها ”
هتف بدر في حيرة
–هي مين دي ؟.. سيف.. فهمني في إيه !
“أفهمك ليه.. قولتلك مش عاوز أتعالج.. أنا راضي بحالتي دي”
كتبها سيف ثم أغمض عينيه متصنعـًا النوم
“وقت الزيارة انتهى”
قالها الطبيب بإبتسامة لطيفه، فأومأ بدر ثم قبْل أخيه هامسـًا
— هاجي بكره أخدك عشان تنور بيتك من تاني
اثناء خروج بدر من الغرفة لمح ذلك الدفتر الذي يرسم فيه سيف، فأخذه معه وأخفاه بيده لعله يرشده لشيء مما يخفيه سيف.
___
وصل مصطفى وزياد ومعهم مجاهد واولاده وزوجته في نفس الوقت الذ وصل فيه بدر بعد أن اتجه لبيته أولـًا وأخفى الدفتر تحت فراشه حتى يعرضه على زياد ليساعده في الوصول لأي شيء يخص حادث سيف، فقد بات مقتنعـًا أن ذلك الحادث ليس صدفة وإنما مُدبر.
صافح بدر أبناء عمه الذي لم يراهم منذ أربعة عشر عامـًا، وعندما وقع بصره على تلك الصغيرة فائقة الجمال قال بتلقائية
–بسم الله ما شاء الله.. إنتِ بقى ملك اللي اتولدتي برا !
أختبئت ملك خلف شقيقها الأكبر “أُبـيّ” فضحك أُبي قائلًا
–ملك بتتكسف أوي ولسه متعرفش حد فيكم فقدامها سنه ولااتنين كده على ما تتعود عليكم على عكس شهد.. ثم صاح باحثـًا عن شقيقته الوسطى والمرحة شهد
–شهد.. شهد إنتِ فين !؟
جاءت شهد وفمها ممتلئ بالأكل لتتحدث والطعام يعوق مخارج الأحرف
–بتناديني تاني ليه.. إنت عاوز مني إيه
ضحك أُبي ليضربها بخفة على كتفها
–إحنا يدوب لسه واصلين تقومي داخله على المطبخ علطول
“أعمل ايه منا ميته من الجوع وعمك مصطفى مرضاش يخلينا ناكل في المطعم…. صمتت لتنظر لبدر من رأسه لأخمص قدميه صائحة
— إيش هاد..؟ شو هالجمال يازلمة؟ فوله وانقسمت نصين.. شبه الممثل الهندي رانبير كابور.. نفس الطول والشعر ونظرة العين.. استغفر الله العظيم هو الواحد هايجي مصر ينحرف ولا إيه”.. تابعت وهي تصفع نفسها بخفة
” أين غض البصر يا شهد.. أنا مني لله”
أشاح بدر بوجه خجـلًا من تحديقه فيه ليقول برزانة
–حمد الله على السلامة يا شهد ادخلي أقعدي مع البنات
أقبل عليهم شاب في مثل عُمر سيف ولا يقل وسامة عنه يقول بلهجة مرحة
–انت لسه زي ما إنت يابدر متغيرتش.. لسه بتتكسف تكلم البنات
“مش بتكسف يا قُصيّ بس لازم يبقى فيه حدود في التعامل”
قالها بدر مبتسمـًا ببساطة، فأجاب قُصيّ
–أكيد طبعـًا بس دي بنت عمك ؟
رد بدر بعقلانية
–بنت عمي أو غيرها الإسلام أمرني بغض البصر
قال أُبي والذي يكبر بدر بعامـًا واحد أي عمره ثلاثة وثلاثين ولكنه أقصر من بدر قليلًا ولديه نفس طول الشعر بخلاف البُنية الجسدية، فكان جسده ضئيـلًا مقارنة ببدر الذي من كثرة العمل الشاق أصبح جسده عبارة عن عضلات وأوردة بارزة، بخلاف لون العين، أكثر ما يميز أُبي تلك العينان الزرقاوتان التي تشبه أعين والدته الأكثر من رائعة، والتي تلائمت تمامـًا مع شعره الأسود الحالك وبشرته البيضاء، وشهد هي الأكثر شبهـًا بـ شقيقها الأكبر.
قال جملته قاصدًا المشاكسة
— إمتى يبقى مسموحلك تكلم وتهزر معاها.. لما تبقى اختك أو أمك أو زوجتك وهي مينفعش تبقى اختك أو أمك.. بس ينفع تبقى مراتك.. مبروك عليكِ هتاخد واحده عقلها ضارب ومعاها شهادة تعامل أطفال.
ضحك بدر، فهو يعلم أنه أُبيّ يمتلك روح الدعابة والفكاهة ويعشق المقالب والمزاح كثيـرًا، ولكنه لا يعلم الكثير عن شهد لأنها تصغره بأربعة عشر عامـًا وعندما سافرت مع عائلتها كانت بعمر الخامسة وتصغر عائشة بعام وهاجر بعامين، بينما قُصيّ فالجميع يشبه بـسيف في الشكل والهيئة والشخصية وكان سيف هو الصديق المقرب له، أما ملك فهي مازالت صغيرة بعمر الرابعة عشر، وتعتبر أكثر جمالًا من أشقاءها الثلاثة، فهي تشبه والدتها كثيـرًا.
في تلك اللحظة كانت عائشة تراقب مُزاح شهد السخيف في نظرها مع بدر من شرفة المطبخ التي تؤدي لإستراحة البيت، لا تعلم لماذا شعرت بالغيرة وودت لو أن تقبض على رقبة شهد وتخنقها حتى الموت.
***
”أنا أحبك
ولا شيء في هذا العالم يستطيع إيقاف الاندفاع الجنوني لهاتين الكلمتين”.
لم يجد الضابط كريم فرصة سانحة أكثر من اليوم، اليوم العيد وجميع العائلة مجتمعة، فقرر أن يصارحهم بالأمر.
قال متحمحمـًا بتوتر قليلًا
–أنا.. أنا قررت أتجوز
صمت الجميع ثم تعالت أصوات الضحك غير مصدقين، فإنزعج كريم وقال بغضب
–أنا مبهزرش.. المره دي جد.. أنا فعلًا قررت أتجوز
“ودي مين بقى إن شاء الله اللي قدرت تجيب كريم المتكبر المغرور على ملا وشه ؟”
قالها والده وهو يضع قدم فوق الأخرى ويمسك جهاز التحكم الخاص بالتلفاز بيده
تنهد كريم قبل أن يقول
–هي.. هي بنت محترمة جدًا وجميلة ومن عيلة خلوقة وكويسه..
قاطعته والدته في لهفة
–خدت منها ميعاد نروح نتقدملها.؟
رمقها زوجها بنظرة أخرستها ليقول
–مين دي ياكريم.؟.. من عيلة إيه ؟
يعرف كريم صرامة والده جيدًا فقال محاولًا الثبات
–الحقيقة معرفش عنها حاجة قد كده.. لكن اللي يسأل ميتوهش.. كفاية إنها محتشمة دي حتى لابسة النقاب ولسه صغيـ….
هبّ والده واقفـًا مقاطعـًا حديثه وهو يلقي بجهاز التحكم في الحائط وهتف بغضب
–نقــــاب !.. عاوز تدخل عيلتنا واحده منقبه ؟؟
رد كريم بتلقائية
–إيه المشكلة ؟
صاح والده
–إنت شايف إن دي مش مشكلة ؟ كريم.. إنت عارف رأي كويس في المنتقبين واللي مربيين دقونهم.. هما السبب في اللي حصل لمصر السنين اللي فاتت.. دول مابيجيش من وراهم غير الهم والغم.. احنا ناقصين.. عاوز تدخل واحده بتدعم الإرهـ. اب عيلتـنا.. انت اتجننـت ؟
غلي الدم في عروق كريم وصاح هو الآخر غاضبـًا من حديث والده
–بعد إذن حضرتك متكلمش عنها بالشكل ده.. مسمحلكش.. إنت متعرفهاش لا هي ولا عيلتها عشان تقول عنها كده.. مش كل الناس زي بعضها.. صوابعك مش زي بعضها..
“شيل البت دي من دماغك ياكريم”
قالها والده محذرًا، فهتف كريم بعناد وتصميم
— هتجوزها يا بابا.. أنا قولت أبلغ حضرتك بس.. لكن مش باخد رأيك.. أنا اللي هتجوز مش حضرتك.. ولو هيبقى وجودنا مضايقكم هاخدها ونعيش في شقة لوحدنا
كز والده على أسنانه حتى أصدرت صريرًا من شدة الإصتكاك والغيظ ليقول
— على جثتي ياكريم.. حياتها هي وعيلتها قصاد جوازك منها
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)