روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الجزء الثامن والخمسون

رواية يناديها عائش البارت الثامن والخمسون

يناديها عائش
يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثامنة والخمسون

رافق من يُشعرك بسُكر الأيام رغم مَرارتها.♥
*********
انتشر خبر حمل هاجر أسرع من الفيروس في العائلة، بل في الحارة بأكملها؛ و ذلك بسبب لهفة نورا في أنها ستصبح عمة إذا كانت هاجر حامل بالفعل؛ فأخبرت أُبَيّ الذي بدوره و بعفويته الشديدة أخبر قُصي، و لم ينتظر قُصي بضع ثوانِ على بعضها لفهم الأمر، فنقل الخبر لسيف، ثم علم الجميع بالأمر.
بعد دقائق من معرفتهم للخبر، توجهوا جميعهم لمشاركة الثنائي اللطيف فرحتهم بأول طفل..
****
كان زياد ما يزال يجلس بجانب وردته؛ يخفف عنها بالكلام المعسول، و طمأنة فؤادها أنها ستكون بخير.. بينما والدته نزلت للأسفل لتخبر زوجها بما حدث، فقال مُصطفى بسعادة
” أنتِ بتتكلمي بجد ! هاجر حامل ! ”
أومأت سارة زوجته تلك المرأة بشوشة الوجه طيبة القلب لتقول بسعادة مماثلة
“إن شاء الله حامل.. علامات الحمل باينه عليها خالص.. ما شاء الله حملت بعد أسبوعين من جوازها.. زي ما أنا حملت في زياد بعد أسبوعين برضو”
تذكر مُصطفى تلك اللحظات الجميلة عندما علم بحمل زوجته و هما في شهر العسل، و كان ذلك أسعد خبر في حياته، فُرزق بأول إبن له و أول فرحته ليُصبح هذا الطفل فيما بعد هو وكيل النيابة المشهور” زياد”.
قال باسمًا وهو يربت على يد زوجته
” بالسرعة دي الأيام جريت و هنبقى أجداد !.. ياه يا سارة.. أنتِ أجمل زوجة و أحسن أُم و هتبقي أطيب جِدة بإذن الله.. بحبك يا أم عيالي ”
ضحكت سارة برّقة، فبرغم أنها إمرأة في الواحد و الخمسون من عمرها؛ إلا أنها تشعر بكونها طفلة و تظل تضحك بفرحة و سعادة عندما يغازلها زوجها، و يذكر لها أنها إمرأته الجميلة و ستظل دائمًا كذلك.
” فاكر يا مُصطفى لما كُنت حامل في زياد كنت بتوحم على إيه ؟ ”
رد ضاحكًا

 

 

” فاكر يا قلب مصطفى.. كنتِ بتتوحي على ريحة البنزين ”
ظلت تضحك بشدة و يشاركها هو الضحك بحُب، حتى صمتا فجأة عندما سمعا صوت ضجة و هرولة و همسات تأتي بالقرب من باب بيتهما.. نظر مُصطفى لزوجته متسائلًا باستغراب
” هو في إيه ؟! ”
قبل أن ترد سارة، اقتحمت عائلة الخياط البيت ليقول كل واحد منهم جملة تنم عن سعادته الشديدة..
الأول هو مُجاهد و الذي أقبل يحتضن أخيه قائلا
” والله العجز بان عليك و هتبقى جِد.. مبروك الحفيد يا غالي ”
و يصيح قُصي بمرح
” أنا اللي هسميه.. يا تخلوني أسميه يا أخطفه و اكتبه بإسمي ”
فيرد أُبَيّ ببراءة الأطفال
” أنا فرحان أوي إن زياد هيبقى أب ”
و يتدخل بدر الشباب بحماس و فرحة أنسته همومه، فأم الطفل هي شقيقته و ابنته التي رباها و رعاها بعد موت والدهم
” هيبقى حبيب خالو بدر و محدش هيلمسه غيري”
و تقول أم قُصي و أُبَيّ لوالدة زياد بابتسامة صافية
” مبارك يا سارة أول حفيد في العيلة.. يتربى في عز أبوه و أمه و عزكم يارب ”
أما بنات مجاهد كانوا في غاية السعادة، فقالت الكبيرة
” هاخده ينام معايا كل يوم “

 

 

و ترد أختها بغيظ منها
” هو أنتِ فاكراه العروسة اللعبة بتاعتك !.. هو أصلًا هيحبني أنا و مش هيروح لحد غيري ”
قالت نورا بصوت عالي أسكتهم
” يا جماعة.. أنتم بتتكلموا على البيبي بصيغة المذكر ليه؟.. أنا موقعي هذا بقولكم هتبقى بنوتة و هتبقى سُكرة العيلة ”
كان أُبَيّ يقف بجانبها يراقبها عندما تتحدث، فمال عليها هامسًا بحُب
” أنتِ سُكرة العيلة ”
قالها بسرعة فلم يتعثر في الكلام، مما نظرت له نورا باسمة برقة، فبادلها النظرات بأكثر رقة و عذوبة، ولم يستطع منع نفسه بالتأمل في عيناها المميزة.. قال بهمس لطيف وهو تائه في ملامحها الجميلة بالنسبة له
” دُ.. دُول أ.. أجمل عيون.. شَـ.. شَافتها عنيا ”
لولا إنشغال البقية في خبر حمل هاجر و الحديث مع بعضهم، كان سيفتتضح أمر وقوع أُبَيّ في حُب عين نورا التي لم يراها أحد مميزة غيره.. لاحظهما قُصي و انتبه إلى أخيه الذي لم يتمالك نفسه ولم يستطع ابعاد عينيه عن نورا، و التي ظلت تفرك يدها بتوتر و خجل وسعادة وحُب، تلك المشاعر المضطربة، التي زارتها فجأة و ابتعدت عنه قليلًا؛ عندما أحست أن صوت دقات قلبها يكاد يكون مسموع..
اتجه قُصي ليقف حائلًا بين نورا و أُبَيّ، ثم مال على أخيه هامسًا
” اتقل يا بني.. البنت كمان شوية هتغني أنا البندورة الحمرا من كُتر ما خدودها احمرت ”
” أنا حبيتها أوي يا قُصي.. مش عاوز أتجوز غيرها.. أعمل إيه ؟ ”
” اصبر.. هيجي اليوم اللي الكل هيعرف فيه إنك بتحب نورا..بس دلوقت تعالى نبارك لزياد زمانه طاير من الفرحة هو وهاجر ”
****
بالأعلى، في شقة زياد.. وصل له أصوات الضحك و الحديث الدائر بين الجميع في الأسفل، و الذي يوضح كم السعادة التي يشعرون بها.. قال لهاجر التي أخذت تنصت بتفسير لما يحدث
” هو في إيه تحت !. أنتِ سامعة اللي أنا سامعه ؟ ”
أومأت قائلة
” ايوه زي ما يكون العيلة كلها تحت ! ”
” أنا هنزل أشوف إيه بسرعة و جاي.. مش هتأخر عليكِ “

 

 

قالها بعد أن ترك قُبلة حانية في كفها، ثم فتح الباب و اتضح الصوت أكثر، فأسرع بالنزول للأسفل لتتسع عينيه بدهشة من تجمع أفراد العائلة في البيت.
قال وهو يوزع بصره عليهم بدهشة شديدة
” هو في إيـه !! ”
تحدثوا جميعهم و علت الأصوات فلم يفهم شيء
” أسد العيلة اللي مجبهاش البر و هيبدأ يشتري في بامبرز و ببرونة ”
قالها قُصي بصوت عالي، وهو يصفق بكلتا يديه و يغمز له غمزة ذات مغزى لا يفهما إلا الرجال مع بعضهم.
عقد زياد حاجبه في دهشة و قال
” أنا أول مرة أحس إن أنا غبي كده.. أنا مش فاهم أي حاجة ليـه !! ”
ربت بدر على كتفه ضاحكًا
” معلش هو الاستيعاب عندك بطيء.. عشان أول مرة تبقى أب.. ”
قالت مفيدة متلهفة لرؤية ابنتها
” بعد إذنك يا زياد.. هطلع لهاجر ”
رد وهو يحاول استيعاب الأمر
” استني يا عمتى.. هو أنتم مين اللي قالكم إن هاجر حامل ؟! ”
بدأوا جميعهم يتبادلون النظرات، و كل واحد منهم ينظر لمن أخبره نظرة تدل على التعجب من مجرى الأمر .. حتى استقرت النظرات على نورا التي اتهمها الجميع بنظراتهم أنها هي من تعجلت في نشر الخبر.. رمقها زياد بضيق، فرجعت بضع خطوات للوراء لتقف خلف أُبَيّ تحتمي به و من وراءه أشارت لهم أنه الفاعل، فانتقلت الأبصار حول أُبَيّ الذي قام بالتراجع بضع خطوات للوراء هو أيضًا ليحتمي في نورا، ثم أشار من وراءها أنها الفاعلة، فبدا الإثنان كأنهما طفلان مشاغبين يحاولان تبرئة أنفسهما؛ بإلقاء التهم على بعضهما البعض.
تدخل قُصي ليقول بلهجة مرحة

 

 

” سامحيني يا نورا أنتِ بنت عمي آه، بس الأخ ميتعوضش.. نورا يا جماعة هي اللي قالتلنا إن هاجر حامل ”
“هاجر حامل ازاي !! ده إذا كان أنا اللي جوزها معرفش.. هي نفسها متعرفش !”
قالها زياد بشيء من الدهشة والتعجب منهم، فبلعت نورا ريقها بتوتر من الموقف المحرج الذي وضعتهم جميعًا فيه بالأخص زياد.
عندما رآها أُبَيّ تخفض رأسها باحراج.. قال مُدافعًا عنها
” نورا مغلطتش.. محدش يحملها الذنب.. الصراحة.. الصراحة.. يعني بصراحة كده.. أنا.. أنا شفتها بتشتري.. الإختبار.. ففسرت في دماغي إن هاجر حامل.. و قُلت لقُصي و قُصي قال لسيف.. يعني.. يعني سوء تفاهم”
تدخلت سارة والدة زياد لتخفف من حدة الموقف
” لا سوء تفاهم ولا حاجة.. هاجر فعلًا حامل.. أنا بس بعت نورا تجيب الإختبار زيادة تأكيد.. إنما هي فعلًا حامل.. ”
تساءلت مفيدة بفرحة
” هي أعراض الحمل جاتلها يا سارة ؟ ”
” اطلعي ياختي شوفي بنتك.. بتتوحم على قشر سفندي ”
قالتها سارة ضاحكة، فشاركتها مفيدة الضحك الضحك وعمت السعادة قلبها لتقول وهي تصعد للأعلى، و من خلفها تتبعها سِلْفَاتها و بناتهن
” والله لو اتوحمت على إيه حتى يجيلها.. أنا عندي كام هاجر ”
أخيرًا استوعب زياد الأمر.. وردته ستنجب له طفلًا !… سيصبح أب قريبًا !
قال مُحدثًا نفسه بصوت مسموع و الفرحة تملأ كيانه
” هاجر حامل ! وردتي حامل ! يعني هبقى أب !
” و أنا هبقى خال “

 

 

قالها بدر يشاركه الفرحة، فتركه زياد و تجاهل الجميع ليصعد لحبيبته يشاركها أول فرحتهما، و لكن قبل أن تطأ قدميه الدرج المؤدي لشقته، استوقفه قُصي قائلًا بنبرة استياء
” استنى يا زياد..
ثُم نظر للجميع و تساءل
” هو أنتم مش ملاحظين حاجة ؟ ”
رد والده مستفسرًا عن سؤاله
” حاجة إيه ؟ ”
قال بغيظ منهم لعدم انتباههم أن هناك هذا التجمع العائلي ينقصه فرد، و هو أغلى الأفراد على قلبه و أقربهم إليه
” أنتم ازاي يجيلكوا نفس تفرحوا و سيف مش موجود معانا ! هو سيف فين يا بدر ؟ مجبتوش معاك ليه ؟! ”
بحث بدر سريعًا بين الحضور عن سيف فلم يجده.. استوعب أنه جاء بدونه !
تذكر أنه عندما علم بالأمر تناسى نفسه و كُل شيء؛ بسبب تلك الفرحة التي داهمت قلبه مُفكرًا في شيء واحد فقط، أنه سيهتم بهذا الطفل كما لو أنه ابنه و يشغل نفسه مع؛ حتى لا يترك نفسه للتفكير في فراقه لعائشة و يهلك أكثر من ذلك.
تنهّد بحزن و قال
” من الفرحة محستش بنفسي غير و أنا هنا.. أنا رايح أجيبه.. زمانه زعل مني ”
” استنى.. أنا اللي هجيبه.. و أنت يا زياد الحق هاجر قبل ما تعمل الاختبار و خليها تستنى شوية لحد ما أخوها يبقى موجود معانا عشان يشاركنا الفرحة..متنسوش إن هاجر و سيف قريبين من بعض جدًا و حاجة زي دي هتفرح سيف أوي..خصوصًا إن هو محتاج يفرح أكتر مننا كلنا ”
بعد أن قال كلامه النقي و الطيب هذا، و الذي يدل على حُبه الشديد لابن عمه.. نظروا جميعًا له بابتسامة راضية عن أخلاقه النبيلة التي ظهرت في الاهتمام بوجود سيف، و الإصرار على مشاركته تلك اللحظة الجميلة معهم، و أحس بدر بالانزعاج و الخجل من نفسه، بينما أُبَيّ نظر لأخيه بفخر و قال له
” أنا فخور إنك أخويا ”
رد قُصي وهو يعود لمرحه المعتاد
” أنا أي حد يفتخر بيا “

 

 

ثم اتجه للخارج، لبيت عمه مُحمد يحضر صديقه..
على الرغم من أن قُصي معروف عنه اللامبالاة، و عيش الحياة كما يُحب، إلا أن هذا الشاب في الحقيقة يهتم لأمر الجميع، و يُحب أن يكونوا جميعهم سُعداء و بخير.
لم تلوث الحياة نقاء قلبه، هو و شقيقه أُبَيّ يتسمون بطيبة و لين القلب، و هذه اعظم صفة ينبغي أن تكون في الإنسان.
_____________♡
الصديق الحقيقي من يؤمن بكَ حين يتخلى عنك كل شيء حتى نفسك، هو من يستطيع أن يُذكرك أن هناك طريقًا للرجوع دائمًا.
********
بعد أن تحولت تعابير وجهه للسعادة بمعرفة حمل هاجر، و أنه سيصبح خال.. انطفأت ملامحه، و لم تدم سعادته طويلًا.. فمن شدة فرحة أمه و أخيه أسرعوا بالذهاب لبيت عمه و نسوا أخذه معهم.. كان يدفع بعجلات الكُرسي بسعادة طفولية وراء أخيه و والدته؛ ظنًا أنهما سيأخذوه معهم، و لكنه عندما رآهم يخرجان دون الالتفات له.. أدار كرسيه المتحرك ليدخل لغرفته ثانيةً قاصدًا الشُرفة، فجلس فيها يتأمل شقة أخته مُرسلًا دموعًا على خديه في صمت.
ظل شاردًا في نفسه حزينًا عليها، ثم يتطلع للسماء بخيبة و انكسار و عينيه تقول
” يا الله.. إلى متى سأظل هكذا ؟ ”
و لشروده الشديد لم ينتبه لخروج قُصي من بيت عمه مُصطفى، و لأن الليل قد غطى على الحارة لم يلاحظ قُصي جلوس سيف في شُرفة غرفته.. كانت بوابة البيت مفتوحة فدخل قُصي قافزًا على درجات السلم، يتخطى الدرجتين ويقفز على الثالثة، ثم دخل شقة عمه ببساطة؛ لأن الباب كان مفتوحًا نصف فتحة.. دخل غرفة سيف ببطء ينوي فزعه، فلم يجده.. انتبه لنافذة الشُرفة مفتوحة فتقدم بضع خطوات ليلاحظ وجود سيف يجلس بها و ينظر أمامه بشرود عميق قد بين الحزن على معالمه.

 

 

تأمله قُصي بشفقة للحظات و بحبه الشديد لسيف، أدمعت عيناه عندما وجد صديقه يجلس وحيدًا منكسرًا.. فمسح دموعه قبل أن تنزل على خده بسرعة، ثم اتجه ناحية سيف يخطو خطوات متباطئة، و احتضنه من الخلف فجأة وهو يقول بصوت أفزع سيف
” مكبر دماغك أنت من الدوشة اللي بتحصل و قاعدلي هنا عمال تشم في الهوا النقي ”
هتف سيف بفزع
” خضتني يا حيـوان ”
” أنا برضو اللي حيوان ! قاعد لوحدك و مكبر دماغك مننا أنت ”
قالها قُصي بمشاكسة، و في نيته أن يصلح الأمر؛ لئلا يشعر أنه منبوذ من الجميع لإهمالهم له بالأخص أخيه بدر.
عاد سيف لشروده قائلًا بحزن
” مخنوق شوية.. سيبني يا قُصي لو سمحت دلوقت ”
أراد قُصي أن يفعل أي شيء يسترد به سعادة صديقه فقال بلوم مصطنع
” أنت إيه البرود اللي فيك ده ! بقى كلهم مستنينك هناك وعمالين يقولوا هو سيف ماله مجاش ليه.. وأختك مش راضية تعمل اختبار الحمل و مصممة أنك تكون موجود و بدر عمال يزعقلي يقولي سيف زمانه زعل مني وفكر إن أنا نسيت أخده معايا.. أصل بصراحة أنا قولتله يسيبك عشان أجي أخدك أنا.. أصل في موضوع عاوزك تعرفه عشان تساعدني فيه و بصراحة انتهزت الفرصة إننا نبقى لوحدنا عشان أحكيلك على رواقة.. أصل الموضوع ده مش لازم أي حد يعرفه من العيلة.. أنا و أنت و أُبَيّ بس ”
نظر له سيف بعدم فهم و تساءل
” موضوع ايه ؟ ”
صمت قُصي لثوانِ يفكر في أي موضوع يؤكد كذبته.. فلم يجد سوى كارمن التي ستكون محور حديثهما الليلة
” اسكت.. مش كارمن جات الصبح عندنا و أبويا كان هيقفشني و كنت هاكل علقة موت ”
” ينهار أبيض.. و ايه اللي حصل ؟ “

 

 

تساءل سيف بفضول، مما أسعد ذلك قُصي فأخذ يقص عليه ما حدث عندما جاءت كارمن و الذي اتضح فيما بعد أنها قامت بتزوير هويتها، و ظل سيف يستمع له بانصات شديد حتى قال بدهشة مما حدث
” و دول عايزين ينتقموا من أبوك بالذات ليه.. هو عمي عمل ايه ؟! ”
” ده بقى اللي لسه هعرفه.. المهم يلا بينا دلوقت.. بقولك أختك مصممة على وجودك عشان تعمل الاختبار و نشاركهم فرحتهم ”
هدأ غضب سيف و ذهب حزنه، ليقول بابتسامة صافية
” يعني هما مستنيني كلهم ؟ ”
بإيماء شديد و تأكيد هتف قُصي
” هو أنا بقول إيه من الصبح ”
” طب أنا مش فاهم حاجة.. هي هاجر ازاي هتعمل الاختبار وهي حامل أصلًا.. يعني هتعمله تاني ولا إيه مش فاهم ؟ ”
شرح له قُصي سوء التفاهم الذي حدث، فقال سيف باستيعاب
” آه.. كده فهمت.. يارب تطلع حامل و فرحتنا تكمل ”
” يارب.. ده النونو اللي هيجي ده هيبقى فخور إنك خاله ”
قالها قُصي بمرح مما أسعد سيف كثيرًا و رد عليه بنفس لهجته المرحة
” ربنا يتمملها على خير قلب أخوها.. يلا وديني عندها بسرعة ”
ساعده قُصي ليجلس على الفراش في حين يقوم هو بإنزال كرسيه للمتحرك، ثم عاد و قال بنبرة صوت مُجنح
” تيجي أشيلك على ضهري زي زمان ! ”
رد سيف بمداعبة و غرور مزيف
” بس زمان كنت أنا اللي بشيلك عشان كنت أقوى منك”
” و ما زلت أقوى مني يا صاحبي.. عشان كده ربنا بيختبر قوتك و صبرك وحطك في الاختبار ده.. و أنا واثق أنك هتنجح فيه و قريب هتقف على رجليك ”
نظر له سيف بامتنان و ابتسامة الشُكر تزين ثغره ليقول بنبرة دافئة
” أنا بشكرك على وجودك جنبي دايمًا “

 

 

” و هتعرف منين الصاحب الحقيقي إن مكانش جنبك في أصعب مواقفك ”
اتسعت ابتسامة سيف و قال
” بجد شكرًا ليك.. أنا بدعي ربنا يدخلنا الجنة سوا.. عشان زي ما أنا حبيت وجودك في الحياة مش هيهون عليا فراقك في الآخرة ”
كان رد قُصي عليه بأن انحنى ليعانقه بقوة و بحُب أخوي قال
” بس أنت مش مجرد صاحب.. أنت ضوء عمري”
قطع تلك اللحظة العاطفية، صوت رنين هاتف قُصي.. شهق متذكرًا أمر العائلة
” أُبَيّ بيرن.. احنا شكلنا اتأخرنا عليهم.. يلا بينا يا عم ”
حمله قُصي على ظهره، مما ظل الاثنان يضحكان على شكلهما الطفولي، ثم أجلسه على كرسيه، ليتجها سويًا لبيت عمهما مُصطفى.
******
لم يستطيع زياد الصمود أكثر من ذلك، و أسرع بالصعود لزوجته.. بينما هاجر تفاجأت بدخول والدتها و زوجة عمها مجاهد و بناتها، فنظرت لهن باستغراب من وجودهن بالشقة..
احتضنتها أمها بسعادة شديدة وهي تقول بدموع الفرحة
” ألف مبروك يا نور عيني.. هتبقي أجمل ماما ”
و قالت زوجة عمها بسعادة مماثلة
” مبروك يا وردتنا.. ربنا يتمملك على خير يا حبيبتي ”
” يلا يا هاجر.. قومي اعملي الاختبار ده ”
قالت ذلك حماتها سارة بلهفة و هي تدعو الله ألا يخيب ظنها، و قبل أن تهم هاجر بالسؤال عن غرابة ما يحدث، وجدت زياد قد جاء فتنهدت بارتياح شديد كأنها وجدت منقذها.. ركضت إليه و اختبأت في حضنه قائلة بهمس و تعجب
” هو في ايه.. أنا مش فاهمة حاجة.. أنا أول مرة ابقى خايفة من أمي و عماتي ! ”
ضحك زياد على فعلتها، لقد كان مثلها هو الآخر لم يفهم شيء، حتى استوعب أن ما تمر به زوجته هي الأعراض الأولى للحمل.. ضمها إليه بسعادة كبيرة و قال بسعادة وهو ينظر في عينيها و يحتوي وجهها بحنان
” هتبقي أجمل أم يا وردتي ”
رمشت بأهدابها للحظات، ثم نظرت لهن و أعادت النظر لزوجها متسائلة بغباء
” هو أنا حامل ؟ “

 

 

أجاب ضاحكًا
” هذا ما سنعرفه بعد قليل ”
” يلا يا هاجر بقى.. ادخلي اعملي الاختبار ”
قالتها والدتها باستعجال و لهفة، فاعترض زياد عندما تذكر ما أخبره به قُصي
” لأ.. استنوا إما سيف يجي عشان يشارك أخته فرحتها ”
******
بالأسفل كان قد و صل قُصي و سيف، و عندما دخل استقبله الجميع بابتسامة عذبة كما أخبرهم قُصي.. فقال بدر متأسفًا
” حقك عليا.. أنا من فرحتي نسـ…
قاطعه قُصي سريعًا بحمحمة؛ حتى لا تنكشف كذبته
” احم.. منا قولتله إن أنا اللي خليتك تسيبه و تيجي.. وهو مش زعلان خلاص ”
تفهم بدر الأمر، و نظر لقُصي بامتنان يشكره عن لطفه معه، و انقاذه من الموقف المحرج.. بينما أعمامه ظلوا يمزحون معه.. فقال عمه مجاهد
” ايه يا عم التأخير ده.. الكل مستنيك إما تيجي
و قال عمه مصطفى
” ليه حق يتأخر و يدلع براحته.. مهو هيبقى خال قريب .. حد قده ”
أحس سيف باهتمامهم، و ذلك أسعده كثيرًا.. و الحقيقة الفضل كله يرجع لصاحب القلب الطيب و الصديق الوفي قُصي.
******
بعد استيعاب هاجر لما يحدث لها، و أن تلك الأعراض المتعبة هي أعراض الحمل وتختلف من إمرأة لأخرى، لكنها أكثر الأعراض انتشارًا عند معظم النساء.. تمسكت بيد زياد الذي أخبرها أنه سينزل ليرى إن كان سيف قد آتى أم لا.. فقالت معترضة على تركها وحدها.. لتقول تترجاه بشدة
” زياد.. متنزلش.. خليك بالله عليك.. أنا خايفة أوي.. متسبنيش معاهم ”
نظروا لها بدهشة ثم ضحكوا جميعهن، لتقول أمها بمزاح

 

 

 

” اخص عليكِ يا هاجر.. بقى خايفة من ماما.. هو في حد غريب هنا ! ”
قالت هاجر بخفوت وهي تحتضن ذراع زياد؛ حتى لا يتركها
“أنا عايزه زياد.. أنا عايزه جوزي معايا”
قبْلها زياد من رأسها ضاحكًا ليقول
” زياد دايمًا موجود لأجل عيون وردته.. خلاص مش هنزل.. هرن على أُبَيّ اشوف سيف جه ولا لأ”
بعد الاتصال بـ أُبَيّ و معرفة وجود سيف بالأسفل.. أخذ اختبار الحمل من والدته، ثم أعطاه لهاجر برِقّة و قال لها بلهجة مطمئنة
” مستنيكِ.. و لا تحبي أدخل معاكِ ؟ ”
ابتعدت عنه بضع خطوات وهي تأخذ الاختبار و تقول بنفي شديد
” لأ طبعًا.. خليك هنا ”
أومأ ضاحكًا بخفة، و ذهبت باتجاه المرحاض.. ثوانِ و عادت ثانيةً توزع النظرات بخوف مضحك على نساء عائلتها، لتسأل زياد بهمس
” هما عاوزين إيه ؟ ”
ضحك زياد ضحكة عالية رغمًا عنه و قال
” عاوزين يزرغطوا و مستنينك تعملي الاختبار ”
” طيب أنت مش هتنزل و تسيبني صح؟ ”
تساءلت بعفوية شديدة، فهز رأسه بإيماء وهو يقوم بإرجاع خصلات شعرها الأحمر لخلف أذنيها قائلًا بُحب
” اطمني..الإنسان بيدور على راحته، و أنا راحتي في القُرب منك ”
هدأ خوفها و اطمأن قلبها؛ بسبب تلك الكلمات التي تركت أثرها على ملامحها، فتبسمت في الحال، ثم اتجهت للمرحاض لتقوم بعمل إختبار الحمل.

 

 

كثرت الهمسات و تعالت، وهن يدعون لها أن يكون الاختبار إيجابي.. أما بالأسفل أخذ بدر “قُصي” ليقف معه جانبًا و تساءل بفضول
” هو أنت قلت ايه لسيف ؟ ”
رد قُصي بغرور مزيف
” اطمن.. حورت عليه و قولتله إن أنا متفق معاك تسيبه عشان عاوزه في موضوع يخصني ”
” وهو اقتنع ! ”
” طبعًا..اللي مبيجيش بالعُنف يجي بالمياصة”
” يجي بالمياصة ! يجي بالمياصة ازاي !! ”
قالها بدر بدهشة، فهز قُصي أكتافه ببراءة
” معرفش.. هي طلعت كده ”
” عالعموم.. ده موقف شهامة منك مش هنسهولك
قالها بدر، وهو يربت على كتفه بـ عُرفان و شُكر.. ليقول الآخر بحركة مضحكة وهو يشير باصبعيه “السبابة و الوسطى” لكلتا عينيه ثم يشير لعينين بدر التي تطالعه بدهشة لما يفعله..
” بعمل عبيط بس trust me i know everything ”
رد بدر متعجبًا
” ايوه يعني أنت عايز ايه دلوقت ! ”
” أنا عارف مين اللي مديك البشلة دي في دماغك
” بِشـلة !! ”
” قولي بس مين اللي علم عليك و أنا اساوي وشه بالأسفلت ”
” اتكل على الله يا قُصي.. أنا غلطان إني بتكلم معاك أصلًا ”
جاء أُبَيّ ليقف معهما متسائلًا هو الآخر بفضول
” عملت ايه مع سيف ؟ “

 

 

عدل قُصي من ياقة قميصه بعد أن أحس بأنه محور اهتمام الكون، أو ربما يكون هو قناة المحور نفسها.. قال مفتخرًا بنفسه
” أنا عملت اللى عليا من الألف للباء ”
“هي مش كانت من الألف للياء !”
” منا اللي عليا مكنش كتير ”
تبادل بدر و أُبَيّ النظرات بنفاذ صبر منه، ليقول الأخير..
” معلش استحمل.. منا مستحمله من يوم ما اتولد.. أنت الكبير برضو يا بدر.. معقول هتعمل عقلك بعقله ”
ضحك بدر بقلة حيلة ليقول
” أخوك ده مشكلة والله ”
_______________♡
قال عاشق.. ‏يا امرأةً سيطرت على كياني، بماذا أقسمُ لكِ الآن أن لا امرأةً تعني لي غيركِّ ؟.
******
تحولت نظرات” نِداء ” من النظر لكريم، للنظر لتلك التي تُقبل عليهما تمشي بخفة الفراشة، رغم لباسها الفضفاض، إلا أن بدت و كأنها فراشة “هيرستريك توج” النادرة و الجميلة بطريقة تريح النظر.. استدار كريم لينظر إلى ما يخطف أبصار نِداء لتلك الدرجة، فوجدها فراشته رُميساء.. التي ما إن رآها تبسم بحُب تلقائيًا و قال بعفوية و عاطفية طغت على نبرة صوته
” فراشتي.. ”
استطاعت رُميساء بمهارة، التحكم في غضبها و غيرتها و ألقت عليهما التحية وهي تنظر لملابس نداء الشبه عارية ثم إلى كريم؛ ظنًا أنه يتأمل جسدها، و لكن هذا الضابط العاشق كان منشغلًا بالتأمل في عين رُميساء التي بدت الغيرة واضحة بها.
” السلام عليكم.. كريم ممكن أخد دقيقة من وقتك؟ ”
رد كريم التحية مبتسمًا بحُب و قال متناسيًا وقوف نداء معهما تنظر لهما بحقد شديد
” و عليكِ السلام و الرحمة من ربًا كريم، و العشق و المحبة من قلب كريم ”
أنزلت بصرها عنه بخجل من مغازلتها أمام تلك الغريبة، التي تقف تنظر لهما بكل ضغينة و كُره.. قالت نِداء بنعومة و هي تقوم بعدل ملابسها بحركة مقصودة لتجذب انتباه كريم في محاولة منها لإشعال غيرة رُميساء
” معرفتنيش يا كيمو بالحلوة ! ”
أشار كريم بفخر لـ رُميساء دون أن يلتفت لـ نداء
” رُميساء.. حُلوة قلبي “

 

 

صمتت نِداء و شعرت بالإحراج و التقليل منها، فقالت باستياء و هي تذهب للداخل
” مبروك الخطوبة.. ربنا يتمم بخير ”
تجاهلها كريم، بينما رُميساء انتظرت اختفاء الأخرى عن الأعين.. ثم هتفت بغضب و بنبرة مهزوزة على وشك البكاء
ممكن أعرف مين دي ؟”
كادت أن تبكي بالفعل، فهي لم توضع مع أي إمرأة في هذا الموقف من قبل، هي ما تزال صغيرة على كل تلك الفوضى التي تحدث حولها، مجرد ثمانية عشر عامًا لا يعني شيئًا في تلك الحياة القاسية، ليس لديها خبرة في التعامل مع مثل تلك المواقف، كانت تذهب من البيت لمدرستها و من مدرستها لدروسها ثم تعود للبيت، و ثاني يوم يتكرر الأمر.. لم تقع في حُب أحدهم من قبل، و كريم هو أول رجل تشعر معه بمشاعر الحُب و الجنون و الغيرة.
رد كريم بهدوء متفهمًا غضبها
” ميهمكيش تعرفي مين دي.. لأنها متهمنيش ”
قالت بنبرة منكسرة
” بس.. بس أنت كنت واقف معاها ”
قال سريعًا بتوسل
” لأ لأ.. بلاش نبرة الإنكسار دي.. حبيبة كريم مينفعش واحدة أيًا كانت مين تهزها و تقلل ثقتها بنفسها.. أنا اخترتك من بين بنات الدنيا كلها عشان تبقي حبيبتي..فمينفعش تغيري من أي واحدة خلقها ربنا.. فهمتِ ؟ ”
صمتت للحظات، ثم اندفعت تقول بغضب منه
“أنت قولتلي مش هخبي عنك حاجة.. و فضلت ابعتلك رسايل كتير و أنت طنشتني.. و في الآخر أطلع اشوفك عشان قلقت عليك.. الاقيك واقف مع واحدة و عمال تتكلم و مركز معاها ! ”
لم يكن يستمع لما قالته بالأساس، كان تركيزه كله منصب على عينيها التي امتلأت بالدموع، فازدادت جمالًا و جاذبية.
قال بشرود في عيناها
” عيونك..

 

 

توقفت عن التحدث بغضب و غيرة، و تساءلت بتعجب
” مالها ! ”
” ثُلث جمال العالم فيها ”
تنفست ببطء و قالت بهدوء
” مش هتقولي مين دي ؟ ”
تجاهل سؤالها، ليكمل الحديث عن عيناها وهو لا يزال تائهًا فيهما
“في نقاب مش بيبين العين.. أنا عاوزك تلبسيه.. عشان كده مش نافع”
تساءلت بعدم فهم
” هو ايه اللي مش نافع ؟! ”
” أنا بشر و بضعف.. و عيونك قتلوا ثباتي.. مش هقدر أمنع نفسي من ضعفها قدامهم.. أرجوك أنقذيني و داري عيونك عني ”
أنزلت عيناها عنه، ثم قالت بنبرة خجولة مما أردف به.
” حاضر.. هداريهم ”
قال مسترجعًا وعيه
” عندك مانع لو قدمنا كتب الكتاب شوية ؟ ”
عادت لغضبها لتقول
” مش هتجوزني غير إما تقولي مين دي ”
تبسم ضاحكًا ثم قال بكل ثقة
” حتى لو مقولتلكيش.. أنتِ خلاص بقيتي تخصي قلبي.. يعني هتجوزك هتجوزك ”
….
خرج رياض لمقابلة ابنة أخيه التي اتفق معها على فض هذا الزواج، و لكن نداء عندما رأت كريم عادت لها مشاعرها القديمة تجاهه، و شعرت بأنه تحبه حقًا..
أخبرته نِداء بما حدث، فتوعد رياض قائلًا بصرامة
” مش باقي غير حل واحد.. متأكد إن ده اللي هينفع معاه ” !
_____________

 

 

لم يكف زياد عن الدعاء لهاجر، فخرجت عليهم بعد دقائق، وهي تقبض على الاختبار بقوة في يدها و عيناها تشكل سحابة من الدموع.. نظروا لها جميعهم باستفسار عن النتيجة، بينما زياد تقدم نحوها يتأمل الاختبار بفضول.. فقالت وهي تظهر النتيجة لهم
” أنا حـامل ”
فور أن سمعت آذانهم تلك الكلمة، أطلقت النساء الزغاريد و ظلت الفتيات يقفزن بمرح وهن يصرخن أنهن سيصبحن عمات.. أما زياد أخذ الاختبار منها و ظل يدقق النظر فيه باستيعاب بطيء، ثم نظر لهاجر و عينيه تتساءل
” هل هذا صحيح؟ هل سنصبح ثلاثة ! ”
بادلته هاجر الإجابة بعيناها الدامعة
” نعم..سنصبح ثلاثة قريبًا ”
هبط زياد على ركبتيه يضع أذنيه على بطن هاجر، التي لم يظهر عليها أي شيء بعد.. ليقول بنبرة سعادة جنونية
” هو دلوقت لسه بيتكون صح !!.. ”
وضعت هاجر يدها على شعر زياد، وهو يضع أذنيه عند بطنها.. لتجيب بحُب
” هو دلوقت بيتكون وهو في منتهى السعادة إنك أبوه ”
وقف ليضمها إليه بشدة و بحنان احتواها بين ذراعيه غير مباليًا بوجود عماته ولا والدته ولا الفتيات.. قال بهمس دافئ كأنما الشمس تبث أشعتها في صوته
” هتبقي أحن أم يا هاجر.. هتبقي أجمل أم يا وردة زياد ”
كانوا ينظرن لهما بسعادة داعيين الله أن يكمل فرحتهم على خير، ثم أسرعت نورا تسبقها ملك في إخبار باقي العائلة..
قالت الفتاتان بصوت واحد عندما صوب الرجال أنظارهم عليهن
” هـــاجر حــــامـل ”
ما إن سمعوا تلك الجملة، قفزت قلوبهم بين أضلعهم تتراقص من شدة الفرح، و راح مجاهد يحتضن شقيقه و يبارك له أنه سيصبح جد، بينما بدر و سيف كانا في لهفة شديدة لرؤية أختهما الصغرى التي ستصبح أم قريبًا.

 

 

 

في الأعلى.. تساءلت هاجر متعجبة من عدم وجود عائشة بينهن
” هي عائشة فين.. من ساعة ما روحنا العمرة كل اما اتصل عليها يا إما تليفونها مقفول يإما ما بتردش.. هي مجاتش معاكم ليه ؟؟ ”
كادت أن تخترع مفيدة أي كذبة تخبرها بها، حتى لا تفسد فرحتهم، و لكن ببراءة الأطفال أسرعت شهد و قالت
” أبيه بدر و عائشة اطلقوا من زمان ”
هتف هاجر و زياد بعدم تصديق في صوت واحد
” اطلقـوا !!! ”
_______________♡
” وتَبقى الجدة عكاز ونُور كل بيت وروح العائلة ”
*****
تأملت عائشة الطبيبة شمس بدهشة من هيئتها التي تبدو طفولية للغاية، بشعرها الذي رُبط كذيل الحصان، و تلك الغرة التي كست جبهتها، بالإضافة لقامتها القصيرة و جسدها الضعيف المقرون بملامحها الطفولية الصغيرة.. سؤال واحد دار في رأس عائشة
” كيف لتلك الطفلة أن تجري العملية لجدتي ؟! ”
بينما شمس أقبلت على رحيم تقول مندهشة من وجوده، فهو لم يزورها منذ فترة طويلة
” رحيم !!.. هي الست اللي دخلت العمليات تبقى قريبتك ؟ ”
رد رحيم بإيماء
” آيوه.. جارتنا و زي والدتي.. اعملي اللازم يا شمس و فوقيها بأي طريقة.. حفيدتها هتجنن عليها ”
نظرت شمس بشفقة لتلك التي تهاوت على أحد المقاعد بالطُرقة تبكي بشدة و تتوسل الله أن ينقذ جدتها..
قالت شمس وهي تسرع لغرفة العمليات

 

 

 

” اطمنوا هتبقى كويسة إن شاء الله.. و قبل أن تدخل، ربتت على كتف عائشة بابتسامة حنونة ثم قالت
” ادعيلها و هتبقى بخير.. ”
أومأت عائشة وعادت تبكي بحزن على كل ما يحدث لها، فكل شخص تتعلق به و تحبه، يفارقها و تبعدهم الحياة عن بعضهم.
اتجه رحيم ليجلس بجانبها يطمأنها بالكلام قائلًا
” بصي.. أنا مبعرفش أهدي حد بالكلام.. أو أواسيه وقت حزنه.. بس أقدر أكون معاكِ و أقولك متخافيش.. أنا جنبك ”
هزت رأسها بنفي وهي تبكي
” بس أنا مش عايزه حد معايا..
أنا عايزه تيته بس.. أرجوك اعمل أي حاجة ”
شعر رحيم بالعجز لأول مرة، لا يعلم لماذا رق قلبه لها، و شعر بالأسف تجاهها.. أراد أن يفعل أي شيء ليجعلها تكف عن البكاء، فتوقف عقله عن العمل ولم يدرِ مالذي يتوجب عليه فعله.
كاد أن يمد يده ليربت على ظهرها كي تكف عن النحيب، فقد بدا وجهها و عينيها الغزالية بالتورم، و لكنه تذكر في آخر لحظة كوب العصير الذي سكبته في وجهه من كلمة قالها.. ماذا لو لمسها ! حتمًا ستقطع يده.
ذهب ليحضر لها كوب ماء، ثم عاد و قدمه لها قائلا بلُطف
” عائش.. اتفضلي.. ميه ”
توقفت عن البكاء فور أن سمعته يُناديها عائش.. ذلك الإسم الذي يخص بدر الشباب فقط !
رفعت رأسها لتطالعه بدهشة من مناداته لها بهذا الإسم الخاص بحبيبها.. رفعت رأسها لتزداد دهشتها التي تحولت لصدمة، لم يكن ذلك سوى بدر.. بدر الذي ناداها “عائش” منذ ثوانِ !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى