رواية يعقوب وسما الفصل الأول 1 بقلم أسماء أحمد
رواية يعقوب وسما الجزء الأول
رواية يعقوب وسما البارت الأول
رواية يعقوب وسما الحلقة الأولى
_ يعني يرضيك أتبهدل في المواصلات، وأخويا معاه عربية!
_اه يرضيني.
سحبت شنطتي فإيدي وأنا بقوم من على السفرة وبرد:
_طب أبقى خلي العربية تطبخلك الأكل إللى بتحبه بعد كدا.
قام بسرعة ورايا وهو مادد أيده ليا بالمفاتيح:
_لأ خلاص خديها.
ابتسامة نصر اترسمت على وشي وأنا باخد منه المفاتيح لكنّه بصلي برجاء:
_بس أبوس إيدك سوقي بالراحة ويارب تركنيها صح.
_متخافش دا السواقة لعبتي.
قال بتحذير ممزوج بأسى:
_سما مرتب الشهر دا خلص على تصليحها بسببك، يعني لو بوظتي فيها حاجة مفيش فلوس علشان تتصلح.
_قولتلك لعبتي.
وقفت العربية في الشارع ونزلت أجيب نعناع فريش، وبعدين رجعت تاني، فتحت التليفون وبعتله اللوكيشن بتاع المطعم، كملت سواقة وعقلي غاب في موقف مر عليه أربع سنين.
_كل دا تأخير؟
قعدت على الرصيف وأنا بتنهد وبمد أيدي ليه بكيس:
_طب وهو أنا أتاخرت لأجل أتقل عليك مثلًا! مش عملتلك السينابون إللى طلبته.
عيونه لمعت وابتسامته ظهرت على وشه بعد جملتي، وخطف مني الكيس بلهفة.
_بجد يا سما! أنا أفتكرتك نسيتي.
رديت بغرور وأنا بعدل الساعة بتاعتي:
_عيب سما مش بتنسى طلبات إللى يهمها.
_يابخت أي حد فأهتمامات سما واللهِ.
فتح الكيس وأخد أول واحدة من السينابون وهو بياكلها بنهم واستمتاع، روحت أتكلم شاورلي بمعنى أصبري، طفس زي أمه عمتي ما شاء الله.
_يابني إيه قلة الذوق دي! هو أنت جاي تقعد معايا ولا السينابون؟
_هموت وأعرف بتعمليه إزاي! أنا عمري ما هدوق حلويات أحلى من بتاعتك.
رديت وأنا بنكشه كعادتي:
_علشان تعرف بس أن مكاني في cbcسفرة، مش هنا عالرصيف جنب عبدو.
رد بتهكم:
_ومالو عبدو يا ست سما أن شاء الله!
_عبدو دا عندي أهم حاجة في الدنيا أهم حتى من الطبخ.
ابتسملي بحب، ولمعة عيونه لسه موجوده، وبدأ يتكلم وأنا بسمعه بقلبي مش ودني.
_وأنتِ أهم حاجة في حياة عبدالرحمن، بس أنا عايزك تخلى الطبخ إللى هو هدفك ومستقبلك فوق الكل، بجد أنتِ أشطر حد يطبخ، مادوقتش ولا هدوق أحلى من أكلك، مستني اليوم اللى يبقى عندك سلسلة مطاعم وأشهر شيف في الدنيا كلها وأنا معاكِ لحد ماتوصلي لكل دا أوعدك، وإن شاء الله قريب نفتح أول مطعم ليكِ، بس عايزك توعديني وعد.
_أوعدك بإيه!
_أن أول طبخة تتعمل في مطعمك تكون ليا ومن إيدك وتكون سينابون إللى بعشقه دا.
_أوعدك يا ابن عمتي.
_ابن عمتك!
رديت وأنا بقوم بسرعة وباخد العلبة الفاضية اللى كان فيها الأكل، وبجاهد فمدارية ابتسامتي:
_وأخويا اللى مفيش منه.
_ماشي ماشي، هانت كلها شهرين وأجي أخطبك ومش هسمع كلمة أخويا دي تاني.
الذكريات زي دوامة بتسحبك لو قربت منها، خرجني من الدوامة دي وصولي للمطعم إللى جهز من كل حاجة وافتتاحه بعد بكره، ركنت العربية بصعوبة برغم أن مفيش عربيات أصلًا راكنة.
دخلت المطعم وروحت المطبخ بدأت أعمل العجينة، مع كل أضافة مكون بذكر نفسي بميزة فيا علشان أزود ثقتي في نفسي وحبي ليها، ولأني مقتنعة بأن الحاجة اللى بتتعمل بحب بتكون حلوة وليها نكهة مختلفة، فحاولت أعمل السينابون بحب لأنه أول طبخة في مطبخ مطعمي، متناسيه إني بعملها لأكتر حد آذاني.
حطيت الصينية في الفرن لحد ما تستوي وتوصل لسوى مظبوط، زيها زي الإنسان لما يحب، لازم ياخد زي ما يدي، يبقى حبه مظبوط ومتوازن.
كانت أخر حاجة في الوصفة وهي الصوص على رولز السينابون، سمعت صوت عربية بتركن فاستنتجت أنه هو، فقلعت المريلة وأنا برتب شكلي، مشيت كام خطوة لأجل استقبله، دخل وفأيده طفل عنده حوالي تلت سنين، نفس رسمة عيونه ومناخيره فأكيد ابنه.
ابتسمت للولد وأنا بقرب عليه وبنزل على ركبي علشان أقرب لطوله، سلمت عليه وسألته على اسمه فرد بحروفه الضايعه وقال “ياسين”، طبعت بوسه على خده بعد ما قومت من مكاني واتجهت لشنطتي طلعت منها تشوكليت وأديتها ليه.
_شبط فيا وأنا جاي فمقدرتش أجي لوحدي.
وقفت تاني وأنا ببص له بمزيج من مشاعر مش قادرة أوصفها لكنها غريبة:
_مكنتش أعرف لما اقترحت عليك زمان اسم ياسين هيعجبك لدرجة تسمي ابنك بيه.
_زوقك دايمًا جميل يا سما في كل حاجه مش الأسامي بس.
_ما عدا الناس اللى أديتها قلبي.
صمت وسكون قطع الكلام، وشه إتقلب شوية بعد جملتي دي، لكنّي مهتمتش وأنحنيت شيلت ياسين من الأرض، وإتجهت لمكان فيه ألعاب للأطفال، بصيت للي ماشي ورايا.
_هات الصينية اللى على الرخامة جوه في المطبخ وتعالى.
قعدت ياسين على لعبة، وإتجهت ناحية الطرابيزة وشديت كرسي وقعدت عليه، جه وحط الصينية قدامنا قبل ما يشد كرسيه ويقعد.
_زي ما أنت عارف إني لما بوعد بوفي، فأول طبخة بأيدي في المطعم قبل افتتاحه ليك.
بص لكل ركن في المكان قبل ما يتكلم:
_المطعم كأنه طالع من خيالك بظبط، نفس الألوان والديكور إللى تخيلتيه معايا، حتى الكيدز إريا عملتيها زي ما وصفتي بجد أنا منبهر.
ابتسمت بتكلف، وزحت الصينية في إتجاهه.
_أتفضل كُل.
بدأ ياكل وهو مستمتع، برغم فوات أربع سنين إلا أن لسه تعبيرات وشه زي ما هي لما ياكل حاجه تعجبه، متغيرش كتير عن زمان في كل حاجة، أنا بس إللى كان من نصيبي التغيير.
_لسه أفضل حد يعمل سينابون هو أنتِ، متغيرش ولا حاجة في طعمه، رغم إنك اتغيرتي جدًا.
_فيه حاجات صعب تتغير يا عبدالرحمن زي النفس بتاع الطبخ، والوعود مش بتتغير، واكتشافك حقيقة الناس من حواليك من كذب وخيانة، دا كله مش بتغيره الأيام.
تعابير وشه كان عليها ندم وكسوف من نفسه، شرب ميه وكأنه بيبلع كلامي بيها، بدأ يتكلم بهدوء.
_أنتِ كرهتيني أوي.
_إطلاقًا، أصل الكرهه دا مشاعر زيها زي الحب بتاخد طاقة.
_سما أنا منستكيش أبدًا طول الفترة إللى فاتت، وندمت جدًا بعد ما سبتك، متتخيليش أنا ندمان قد إيه، ونفسي نرجع خصوصًا بعد ما طلقت أروى.
رديت ببرود ولا مبالاة:
_خمس دقايق وراجعه
سبته وقومت عملت شاي بالنعناع كنت بَبطئ في كل حركة وفعل لدرجة أخدت نص ساعة في عمل كوبايتين شاي، زي ما أخر مرة أتكلمنا وكنت بقوله قد إيه أنا بحبه وبوصفله مشاعري وأول ما شاف أروى جايه من بعيد هب واقف وراح لها ورجعلى بعد نص ساعة، أخدت الكوبيات ورجعت لعنده بكل راحة.
_اه كنت بتقول إيه قبل ما أقوم ثانية أفتكر… نرجع، هو أنت فاكر إني سما اللى سبتها وهي عندها ١٨ سنة؟ سما العبيطة إللى كانت مستعدة تضحى بأي حاجة علشانك، إللى بَنت معاك أحلام متتعدش وروحت أنت حققتها مع واحدة تانية، تخيل كدا معايا، واحد يختار حد من بين كل العالم ويحطله قلبه في راحة إيده، ويحبه بدون شروط أو أسباب، ويبني معاه أحلام ووعود ومشاعر وحاجات كتير، فالحد دا فجأة وبدون أسباب واضحة يخلف بوعوده ويسيب الطرف التاني قبل خطوبتهم بشهر بتبريرات خايبة ومتدخلش عقل طفل صغير، يمشي من غير ما يفكر في حجم الكارثة إللى سببها في حياة الطرف دا، يهدم أحلام ويكسر قلب وحياة تقف ووش يبهت بسبب قرار أتاخد في أسبوعين، قولي كدا الحد دا واطي وخاين وميستاهلش أي فرصة ولا لأ؟
وشه كان عليه علامات الصدمة، يمكن لأنه أول حوار بينا بعد أربع سنين وكان متوقعني هوافق، فاكر إني سما إللى سابها من أربع سنين بدون تغيير، وحبه القديم هيشفعله…كملت:
_إيه أتصدمت ليه! هو أنا قولتلك أنت واطي! أنا بحكي على إللى يعمل كدا.
حضنت كوباية الشاي وأنا برجع لورا بكل أريحية:
_أنا جبتك النهاردة علشان اوفي بوعدي، لا علشان نفتح في القديم ولا حتى أدي فرص، وبما أنه الشيء اللى جبتك علشانه خلص فتقدر تتفضل.
بعد ساعتين قعدت فيهم مع نفسي وبحاول أتلاشى كل المشاعر ما عدا شعور أني أتخطيته ومبقاش يفرقلي، بسوق العربية وفي طريقي إني أروح، لفت إنتباهي ورود بألوان مختلفة ورا إزار محل، فنفسي راحت لورد أحمر، فقربت منه بالعربية وروحت أركن ولأن كان فيه عربيات كتير راكنة ومفيش غير حته صغيرة تشيل عربيتين فكنت بعاني، وصوت عربية ورايا عماله تدي كلاكسات.
_ ياست إنجزي.
نفخت بضيق فكمل:
_لما مش عارفين تسوقوا بتركبوا عربيات ليه.
رديت بصوت عالي بنرفزة واضحة:
_وأنت مالك أنت، هركن براحتي واتأخر براحتي لو مش عاجبك روح أركن في حته تانيه.
ووسط محاولاتي الفاشلة، لاقيت صاحب صوت الكلاكسات نزل وواقف جنب العربية .
_ممكن لو مش عارفة تركنيها تنزلي وأنا أركنهالك!
كان باين عليه نفاذ الصبر والغضب، فقابلت غضبه ببرود ورديت بنبرة مستفزة:
_لأ عربيتي هركنها لوحدي تقدر تستنى أو تروح تركن على أول شارع لأن فيه مكان فاضي تقريبًا.
كان هيتكلم فقاطعته:
_وآه أنا مبعرفش أسوق من غير ماتقولي المعلومة العظيمة دي، وعلى مهلي هركن علشان أتعلم، بسلامة يا هندسة.
مشي بغيظ وبعد وقت مش قصير، ركنتها بكل فخر، سقفت لنفسي وأنا بنزل وبحاول أفتكر أنا أصلًا هنا ليه، لكني أفتكرت الورد، فقربت من المحل لكن لاقيته هو خارج وبيبصلي نظرة كلها سخرية إللى هو أنا وصلت قبلك واشتريت وأنتِ لسه رايحه تشتري، كان كلامنا نظرات، قطعه واحد راكب على موتوسيكل وشدني من شنطتي في محاولة لسرقتها مني، ولأن الشنطة باك ولابسة الكتفين، محستش بنفسي غير وأنا بتسحل لورا في الشارع وكنت هموت حرفيًا، مش عارفة مر قد إيه من الوقت ولا حصلي إيه، بس الأمر إنتهى بإني فتحت عيوني لاقتني في مستشفى والشخص اللى اتشاكلنا على الركنة قدامي، اتكلمت بخفوت شديد وألم:
_أنا إيه حصلي، وجيت هنا إزاي، وشنطتي فين.
_أخيرًا فوقتي أنتِ كنتِ في غيبوبة مش مُغمى عليكِ، وبعدين ياستي إللى حصلك أن واحد كان عايز يسرق شنطتك بس معرفش وأنا جبتك هنا، وشنطت أهي.
رجع الشنطة ورا ضهره بعد ما ورهاني، فكملت:
_وأنت مين؟
_أنتِ فقدتي الذاكرة ولا إيه؟
_يعني أسمك إيه!
_يعقوب.
بدون وعي وابتسامه بلهاء:
_يعقوب قمر الدين دبيازة.
_نعم!
إتجاهلت استغرابه، وحاولت أعتدل وأقعد، واتخضيت لما لاقيت إيدي عليها شاش وركبتي وفيه لزق طبي كتير على وشي.
_إيه دا؟
بدأت أعيط، فاتخض وجه قعد جنبي وهو بيستفهم:
_مالك بتعيطي ليه؟
_إيه الشاش واللزقات دي كلها، أنا موجوعة.
_متخافيش دي كلها خدوش بسيطة مفيش غير كام غرزه فأيدك لما يفك البنج هتوجعك.
بكايا زاد وأنا ببص على أيدي، وبكلم نفسي “كله دا حصلي”.
_يابنتي دا هو متر ولا متر ونص إللى اتسحلتيه، الحمدلله أنه سابك بسرعة كان زمانك ميتة.
رديت بصوت متقطع من البكى، وأنا بمسح دموعي بطرف كم الدريس إللى إتبهدل.
_هو أنت ليه دبش كدا، أنا لحد دلوقتي مش بستوعب الموقف.
رد بأسف بعد ما قام جاب بوكية الورد من على الكرسي وقدمه ليا:
_أنا آسف طيب، وأتفضلي أقبلي البوكية دا مني.
بعد حوالي ربع ساعة نزلت من المستشفى بمساعدته ليا، بعد ما رفضت إني أرن على محمد أخويا يجي ياخدني، لأنه في الشغل.
_يعقوب هي فين عربيتك؟
_عند محل الورد هناك، أنتِ عربيتك كانت أقرب ليا فجبتك بيها.
_مش عارفة أشكرك إزاي بجد.
رد بغرور وهو بيحط إيديه فجيوبه:
_لا داعي للشكر.
_ماشي يا هندسة.
_هو أنتِ عرفتي منين إني مهندس؟
_لأ أنا بقولها لأي حد عادي، إنما معرفش إنك بشمهندس.
_وهو لقب بشمهندس يتقال لأي حد عادي كدا؟
_لأ بقولك إيه أنت شكلك من الناس اللى شايفه نفسها أنها مش بشر، وأنا تعبانه وعايزه أروح، فهات المفاتيح علشان أمشي.
_وهتسوقي وأنتِ كدا؟
_السواقة دي لعبتي.
_هو بعد إللى شوفته ساعة الركنة باين أنها لعبتك، فمعلش خليني أوصلك.
_هتعبك معايا.
_وأنا موافق.
“بعد عِدة طُرق من الألم، وصلتُ إلى دَربي الآمن أنت”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يعقوب وسما)
