رواية وما ادراك بالعشق الفصل السادس والعشرون 26 بقلم مريم محمد غريب
رواية وما ادراك بالعشق الجزء السادس والعشرون
رواية وما ادراك بالعشق البارت السادس والعشرون
رواية وما ادراك بالعشق الحلقة السادسة والعشرون
خاتمة _ هذه نهاية _ :
المكان : الإسكندرية / مقابر آل”البحيري”
الزمان : 13 مارس 2018 / نهار الجنازة
الجميع يتّشح بالسواد.. و غالبًا لا يوجد هنا نساءٌ غيرها.. و إذا حرى بها تعداد صغيرتها معها ..
لا شيء يشغل رأسها الآن سواه.. بينما تقف على مقربة من الحشد الغفير.. ترى أجساد الرجال تتدافع بالنعش المصقول من السيارة الخاصّة بتشيّيع الجثمان.. مرورًا بقسم من المقابر.. وصولًا إلى النُزُل الموعود ..
لم تتمالك نفسها حين بدأ يتلاشى عن ناظريها.. هرولت في إثره متوقّفة على أعتاب بوابة المقبرة العائلية.. تسترق النظر من وراء أكتاف الرجال ..
الآن النعش و قد استقر فوق الأرض الخرسانية.. بينما عامل المقبرة و مساعده يبقرا الحفرة على وسعها.. وسط هدوء المشيعين.. لمحت إبنه الكبير و وريثه.. يمضي ببذلةٍ سوداء و قد خلع سترته و شمر عن ساعديه ..
مظهره المنمق يناقض حالته الفوضوية.. نظراته الغائرة.. إدعائه القوة و التماسك و هو يزيح غطاء النعش.. لينتفض قلبها بعنفٍ ما إن يكشف عنه.. فتراه.. أو ترى جسده المغلّف بالكفن ..
لا تعرف أنّى لها بكل هذه الدموع التي انهمرت من عينيها لحظة رؤيته هكذا.. تكاد لا تصدق.. لم تمر ساعات قليلة منذ أخر مكالمة أجرتها معه.. صوته ما زال يرنّ بأذنيها :”سامحيني.. سامحيني على.. على كل حاجة.. أنا حبيتك بجد.. قولي لشمس تسامحني!” …
غصّت “رحمة” بالبكاء و هي ترى جسده الميت يُحمل على سواعِد كلًا من إبنه.. شقيقه.. و شابًا آخر تبيّن لها من طريقة الثقة و الأريحية المتبادلة بأنه صديقًا مقرّبًا للعائلة ..
أخذوه مباشرةً إلى أسفل.. هبطوا عبر درجٍ و غابوا لبضع دقائق.. و عندما صعدوا من جديد كان “عثمان البحيري” من الوهن و الإعياء ما أجبره على التأنّي بخطواته.. و قد بدا رافضًا كليّةً للمساعدة من أيّ شخص.. عمه أو صديقه ردّهم بحزمٍ ..
كان تعبيره يبث صدمته و ذهوله للعيّان.. و من ذا يلومه ؟
لقد أورد والده مسعاه الأخير للتو ..
و بيديه وضعه بمقبرته مودّعًا إيّاه إلى الأبد ..
***
حتى لو لم يسمح لها بالعودة.. حتى لو لم يخابرها قبيل وفاته و يدعوها للمجيئ إلى هنا و أخذ إبنتهما برفقتها.. كانت لتأتي رغم كل شيء ..
إنها المرة الأخيرة ..
الوداع ..
نهاية قصتهما ..
نهايتهما …
-رحمة !
انتبهت “رحمة” لصوتٍ مألوف يناديها.. لولا الظروف لكانت ميّزته جيدًا في الحال ..
لكنها استدارت قليلًا لتستطلع.. و كان “رفعت البحيري”.. قاطع طريقها في العودة إلى إبنتها التي تقف بانتظارها على الجهة الأخرى متخفّية عن الأنظار ..
تطلّعت “رحمة” نحو “رفعت”.. ملامحه لا تقلّ صدمةً عن الجميع.. و الحزن يبدون عميقًا بنظرته و نبرة صوته :
-انتي جيتي إزاي ؟ قصدي الخبر لحق يوصل عندك ؟
كان يقف على بُعد خطوتين منها الآن.. سحبت “رحمة” منديلًا جديدًا من حقيبتها و كفكفت دموعها المنداحة و هي ترد عليه بصوتٍ أبح :
-الخبر انتشر على الانترنت من بدري.. بس أنا ماعرفتش كده !
-أومال عرفتي إزاي !؟
-يحيى كلّمني.. و هو بيموت يا رفعت !!
قالت ذلك و انخرطت في نوبة أخرى من البكاء المرير.. بينما تضرب الصدمة “رفعت”.. صدمة من نوع آخر ..
أجلى حنجرته و هو يقول محاولًا ألا يبدو مرتبكًا :
-كلّمك و هو بيموت.. قال حاجة ؟
بدا عليها الحذر الآن.. كفّت عن البكاء تدريجيًا و هي ترفع إليه نظراتٍ دامعة.. و قالت بشيء من الصلابة :
-آه قال.. قال لي آخد شمس و أرجع على مصر.. قال لي آخدها لعثمان أخوها.. إيه يا رفعت !
انت مش مصدقني !؟؟
عبس “رفعت” مجفلًا و قال على الفور :
-لأ طبعًا مصدقك.. مصدقك يا رحمة
مش هاصدقك ليه ؟ انتي مراته و شمس بنته.. أكيد كانت رغبته الأخيرة إنه يطّمن عليها
عشان كده طلب منك ترجعي و توديها عند أخوها ..
و أردف بريبةٍ مشككة :
-بس الغريب إنه وصّاكي تروحي لعثمان.. ماجبش سيرتي ؟
ده أنا حتى عارف القصة كلها !
بدأ عقلها يعمل في الأثناء.. شردت “رحمة” فجأةً و تذكرت عبارته المحفورة بذهنها بوضوح.. لم تفتأ حقيقة كلماته أن تجلّت أمامها الآن ..
هذا بالتحديد ما أراده “يحيى” إذن.. لم يذكر أخاه قط.. بل و أوصاها بأن تذهب مباشرةً إلى “عثمان” و ألا تضع ثقتها إلا به هو فقط.. لقد شدد على هذا فعليًا ..
عاودت “رحمة” التحديق بـ”رفعت” مرةً أخرى.. و بلحظةٍ قررت ألا تثق به.. بل و قررت أن تنأى بنفسها و صغيرتها عن كل هذا.. فقد رحل “يحيى”.. رحل لكنه ترك لهم ما يكفي لعيش حياة رغيدة و هذا ما يهم.. لم تعد تريد أيّ شيء آخر …
-أكيد لو كان عنده وقت كان هايوصّيني أروح لك يا رفعت !
لم تتردد أو تهتز للحظة و هي تقول ذلك.. ليومئ لها “رفعت” دون التخلّي عن نظرة خبيثة بعينيه :
-طيب الوضع زي ما انتي شايفة لسا مش سامح عشان نكشف عن مفاجأة زي دي.. ممكن نستنى لـ آ ..
-أنا مش جاية عشان كده ! .. قاطعته بصرامةٍ :
-مش هانفذ وصية يحيى يا رفعت.. و مش هاخد بنتي و أروح القصر بتاعكوا
هانفضل زي ما كنا.. و محدش هايعرف عننا حاجة.
رفعت حائرًا : بس دي كانت رغبته زي ما قولتي.. أنا متأكد زي ما هو أكيد كان واثق إن عثمان لما يعرف بأخته مش هايسيبها.. و هايرحب بيها كمان
و بعدين انتي خايفة من إيه ؟ أنا هاقف جنبك و شمس دي بنت أخويا يعني بنتي !
رحمة بحزم : الموضوع ده أنا قررته خلاص يا رفعت
شمس مكانها جنبي.. يحيى خلاص مات و احنا عمرنا ما عرفنا غيره.. مافيش داعي ندمر حياة أقرب الناس له بخبر زي ده.. احنا مش محتاجين حاجة أصلًا عشان نعمل كده يا رفعت.. أنا مصممة إن كل حاجة تفضل زي ما هي.
صمت “رفعت” متفكرًا بكلماتها.. و بطريقةٍ ما أيّدها و قال في الأخير :
-جايز معاكي حق.. و أنا في جميع الحالات لازم أقف جنبك.. مايكونش عندك شك في كده يا رحمة !
أومأت له شاكرةً.. فسألها :
-طيب انتي قررتي هاتعملي إيه دلوقتي ؟ هاترجعي لندن ؟
تنهدت “رحمة” بحرارةٍ و قالت :
-شمس طول عمرها بتحلم باليوم إللي هانرجع فيه.. هانقعد هنا شوية
ممكن شهر أو أقل.. و بعدين هاخدها و نرجع لندن تاني.. شغلي هناك و دراستها هناك.. حياتنا كلها بقت هناك !
***
صطف سيارته و هو يطلق سبابًا لنفسه.. فقد تأخر كثيرًا و بإمكانه رؤية المشيعين يغادرون ..
و لكن ماذا كان بإمكانه أن يفعل ؟
فلم يعرف بالخبر إلا قبل ساعتان و نصف من صديقه المقرّب “مراد”.. و لأن “عثمان” يُعد صدبقه المقرّب أيضًا فهو قد تجهّز و قطع المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية في سرعةٍ قياسية ..
رغم كل هذا فها هو هنا ..
صفق “رامز الأمير” باب سيارته بعنفٍ متأهبًا للحاق بصديقيه.. لولا ان استوقفه صوت بكاء أقرب للطفولي في الجوار ..
ألقى نظرة نحو مصدر الصوت.. ليرى فتاة مراهقة.. تجلس بسيارة “جيب” وحدها ..
تبكي بشكلٍ مزري و جذّاب في آنٍ.. ربما صوتها يشي بالطفولة.. و لكن هيئتها و خاصةً شعرها الذي ينتشر من حولها بنعومةٍ كثّة ..
لم يسعه إلا أن يتساءل عن هويتها !
ترى من هي ؟ .. لم يرى أثرًا للنساء هنا ..
و قد أخبره “مراد” بأن “عثمان” قرر ألا تحضر النسوة جنازة أبيه ..
فمن تكون تلك ؟
هل يمكن أن جاءت في جنازة أخرى ؟
هذا إحتمالٌ وارد جدًا …
قلبه امتلأ بالتعاطف فجأة نحوها.. و دفعته مشاعر خفيّة لأن يقترب منها ليراها عن كثب.. ربما يواسيها.. أو يسأل عن حاجتها ..
لكنه و قبل أن يهمّ بذلك.. شاهد سيدة لا تقل جاذبية و أنوثة.. تفتح باب السائق لتستقلّ إلى جوار الفتاة ..
بقى واقفًا بمكانه يحدق.. على أمل أن تلتفت قليلًا فيرى وجهها كله على الأقل ..
ثم و كأنها سمعت أفكاره.. أدارت الفتاة رأسها و تواصلت معه بالعين تمامًا.. لمدة دقيقة كاملة كلاهما يرنو للآخر.. ثم انحرفت السيارة مبتعدة عن مرمى نظره.. خارجة عن طريق المقابر بأكمله …
-رامز !
أفاق “رامز” من شروده على صوت “مراد” ..
إلتفت ورائه ليراه ماثلًا أمامه و في عينه نظرة عتاب.. أقبل “رامز” عليه مبررًا من فوره :
-و الله لسا واصل.. أنا كنت هاعمل عشرين حادثة بسبب السرعة إللي كنت سايق بيها.. بذمتك في حد يوصل من القاهرة للاسكندرية في المدة دي ؟ ده أنا عملت معجزة يا راجل.
مراد بضجرٍ : خلاص.. المهم إنك جيت.. حمدلله على السلامة.
و تعانقا بأخوّة ..
تباعدا بسرعة ليتساءل “رامز” باهتمامٍ :
-فين عثمان ؟
-جاتله مكالمة من القصر.. فريال هانم تعبت تاني و نقلوها المستشفى ف ساب كل حاجة و جري على هناك.
-طيب مستني إيه يلا بينا وراه.
-يلا !
و عادا معًا إلى سيارة “رامز” …
***
الوقت الحاضر …
-شمس !!!
ردد “رامز” اسمها من بين شفاهه المطبقة.. بينما يحدق غاضبًا من حيث يجلس بسيارته أمام قصر آل “البحيري” ..
علمه إنها بالداخل.. و أنها تظن بأن أخيها بقادرٍ على حمايتها منه.. هي حتمًا مخطئة ..
إن كانت والدتها قد نجحت بأخذها منه مرة.. فلا هي و لا أمها و لا حتى “عثمان” صديق عمره.. لا أحد سيحول بينه و بينها مرةً أخرى ..
و هو يقسم على ذلك.. حتى لو أضطر لإقتراف الشنائع !
“نهاية الجزء الثالث”.
غدًا الجمعة بأمر أولى فصول الجزء الرابع ❤️
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)