روايات

رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الفصل الثامن عشر 18 بقلم روان الحاكم

موقع كتابك في سطور

رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الفصل الثامن عشر 18 بقلم روان الحاكم

رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الجزء الثامن عشر

رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني البارت الثامن عشر

وسولت لي نفسي الجزء الثاني
وسولت لي نفسي الجزء الثاني

رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني الحلقة الثامنة عشر

*”لا يزال المرء يعاني الطاعة حتى يألفها ويحبها، فيُقيِّضُ الله له ملائكة تدفعه إليها دفعًا، توقظه من نومه وتنهضه من مجلسه إليها “*
” زين.. انا عايزة أقولك على حاجه”
تفوهت ياسمين بتردد شديد وهي تنظر إليه بخوف غير متوقعة ردة فعله عندما يعلم ما تضمره داخلها ولكن ما تعلمه أن ردة فعله لن تكن هينة أبداً.
رفع زين رأسه لها وقد لاحظ إرتباكها ونظراتها الخائفة فعلم أنها تخفي شيء عنه وأنه ليس خير بتاتاً..
“خير يا ياسمين فيه اى!؟”
تنهدت وقد تراجعت عما كانت تريد قوله وهي ترى ملامح وجهه الحزينه وأن ما ستقوله لن يفيد بشيء سوى أن يذيد الأمور تعقيداً لذا قررت أنها ستؤجل الأمر حتى تعود الأمور كما كانت..
أبتلعت ريقها وهي تحيد بنظرها عنه قائلة:
“انا بس كنت.. كنت عايزة أقولك إن روان من وقت ما مشيت وهي متغيرة ومش على طبيعتها حتى قبل ما مرات عمي يتوفاها الله..”
“واى كمان!؟”
وقف زين ثم أقترب منها وقد تيقن بأنها تخفي عنه شيء بينما هي أخفضت رأسها أرضاً وهي تقول بتوتر وتفرك يدها:
“وكانت بتحلم بكوابيس وحشة”
نعم وهو تذكر هذا ولكن أيضاً هي مازالت تخفي شيء آخر وقد تراجعت عن قوله لذا هتف بنفاذ صبر وهو يقول:
“أخلصي يا ياسمين وقولي كنتي هتقولي اى!؟”
أبتلعت ريقها وهي ترى صبره بدا ينفذ أغمضت عيناها وهي تدرك بأنها تسرعت.. لا تعلم أكان يجب عليها القول في هذا الوقت ام لا..
“هقولك… بس والله العظيم يا زين انا مخبيت عنك غير علشان وقتها كنت مسافر ولما جيت نسيت أقولك بسبب الظروف اللي حصلت”
طالعها زين بقلق وأدرك أن الأمر بالفعل ليس بهين
لذا هتف وهو يحاول تمالك أعصابه قائلاً:
“اى بقى اللي حصل في غيابي!؟”
سقطت دموع ياسمين وهي لا تعلم من أين تبدأ أو كيف تقص عليه ما حدث في غيابه ولكنها أستجمعت شجاعتها وهي تقول بصوت مختنق:
“بع.. بعد ما مشيت طلعت علشان أبات معاها ونمت جنبها وصحيت قبل الفجر علشان أصلي ملقتهاش جنبي فضلت أدور عليها في الشقة كلها ملقتهاش ونزلت لما أتاكدت إنها مش موجودة في الشقة ولا في العمارة كلها..”
كان زين يستمع إليها وهو يصب كامل تركيزه وتسارعت دقات قلبه حين أخبرته بأنها لم تكن موجودة في العمارة بأكملها في هذا الوقت المتأخر من الليل!.
سألها بترقب وهو ينظر لها ويخشى النتيجة قائلاً:
“كانت فين!؟”
سقطت دموعها أكثر وذاد بكائها حتى تماسكت ثم تابعت:
“نزلت أدور عليها تحت وكنت هتجنن ومعرفش راحت فين لدرجة فكرت أكلمك بس قولت هقلقك وبرضو مش هتعرف تعمل حاجه وانت هناك ف أستنيت حوالي نص ساعة بدور عليها وبرضو مكنش ليها أى أثر ف قولت أكيد كدا حصلها حاجه جيت أطلع علشان أعرف بابا وماما وقبل ما أطلع لقيت.. لقيت بواب العمارة شايلها وجاى وكان مغمي عليها”
أنتفض جسده بتحفز وهو ينظر إلى ياسمين بصدمة حتى أقترب منها بهلع وهو يمسك أكتافها بشدة قائلاً:
“كانت فين واى اللي حصلها”
شهقت ياسمين وهي تضع يدها على وجهها وقد تألمت من ضغطه على أكتافها ولم تقوى على الرد ليهزها زين بعنف أكبر وهو يصرخ بها قائلاً بعدما فقد آخر ذرة تعقل به:
“أنطقي يا ياسمين اى اللي حصلها”
“كانت في المقابر”
أبعد يده عنها ببطء وهو يتراجع للوراء قليلا ويردد جملتها بصدمة… هل ذهبت إلى المقابر وحدها وبهذا الوقت المتأخر! بل وعادت مغشى عليها! كل هذا حدث بغيابه وهو لا يعلم شيء! فاق من صدمته على صوت ياسمين الباكي وهي تتابع حديثها قائلة:
” بواب العمارة أخوه شغال في المقابر شافها واقفة في نص المقابر وعماله تصرخ وتنادي على حد ولما قرب منها عرفها علشان كان بييجي العمارة وهي اول ما شافته أغمى عليها فشالها وجابها على هنا”
صمتت قليلاً تأخذ أنفاسها ثم مسحت وجهها وهي تكمل موضحه ما حدث:
“هو لما قالي كدا انا أفتكرتها بتمشي وهي نايمة ف خدتها فوق وغيرتلها هدومها ولما صحيت قولتها إنها كانت بتحلم علشان لو عرفت إن اللي حصل دا حقيقة كانت هتخاف أكتر ونفسيتها هتتعب”
أغمض زين عينيه وهو يضغط على يده بعنف وقد شعر بثقل شديد داخل قلبه والدنيا تضيق به.. يالله حدث معها كل هذا وهو حتى لم يكن معها ليواسيها..
وهنا أدرك شيئاً واحداً.. بأن روان ليس السحر هو فقط من جعلها هكذا.. بل أيضاً ما مرت به وحدها ساهم في سوء حالتها وجعل مفعول السحر أسرع.. هذا إن صح القول بأنها مصيبة به بالفعل.
نظر إلى ياسمين بعتاب وبغضب مكتوم وهو يقول:
“ازاى تخبي عليا حاجه زي دي يا ياسمين!؟”
“والله يا زين ما كنت أعرف إن الأمور هتوصل للدرجة دي.. انا.. انا أفتكرتها بتمشي وهي نايمة وبقيت أخلى بالي منها ومحبتش أقلقلك وحتى عرفت مرات عمي الله يرحمها وبقت تقفل الباب وتسهر جنبها طول الليل ومعرفنهاش حاجه”
“كل اللي بتقوليه دا مش مبررر إني تخبي عليا يا ياسمين كان لازم تعرفيني”
أبتلعت ريقها وهي تقول موضحة:
“ما انت كان عندك شغل ومكنتش هتع…”
قطعت حديثها عندما صرخ بها وهو يقول بغضب شديد ولا يتحمل فكرة أنها كانت في هذا المكان وحدها ليلاً:
“في داهيه الشغل وفي داهيه كل حاجه.. هي كانت محتجاني جنبها ومرت بكل اللي هي مرت بيه لوحدها”
“انا آسفه يا زين والله انا آسفه”
بكت ياسمين بحرقه وقد شعرت بأنها بالفعل أخطأت على الأقل لو كانت أخبرته وأتى ربما لم تكن لتسوء الأمور بهذا الشكل..
حاول زين التحكم بأعصابه وهو يدرك بأن أخته ليس لها ذنب بما حدث وهذا كان مقدر ولكن من صدمته أخرج بها غضبه.. سألها وهو يضغط على يده وينتظر إجابتها بتحفز:
“كانت لابسه اى لما خرجت!؟”
أطرقت ياسمين رأسها أرضاً دون أن تجيبه وهذا جعله يعلم الإجابه جيداً ورغم ذلك كرر سؤاله لعلها تنفى ما وصل إلى تفكيره فتحدثت وهي تقول بصوت خفيض دون أن تنظر له:
“كانت بلبس البيت و.. وبشعرها”
تلقى صفعة أخرى للتو.. يتسآل كم شخص رأى زوجته دون حجاب وبتلك الثياب! بل وأحدهم حملها حتى المنزل! يالله يشعر بنيران شديدة داخل صدره حتى أن نفسه أصبح عالِ وبشدة.
كور يده بشدة ثم وفجأة ضرب العمود المجاور له بقوة كي يخرج ما بداخله من غضب بينما ياسمين صرخت به وهي تراه هكذا فاقتربت منه مسرعة وهي تحاول تهدئته قائلة:
“أهدى يا زين علشان خاطرى وحّد الله”
أخذ أنفاسه بصعوبة وهو يتنهد ثم جلس على المقعد وهو يتحدث بهدوء غريب قائلاً:
“أخرجي يا ياسمين علشان عايز أقعد لوحدي شوية بعد أذنك”
تعلم جيداً أنه لا يحب أن يظهر ضعفه لأحد حتى ولو كان هذا الأحد هي.. أخته! هزت رأسها بالنفي وهي تقول بدموع:
“لأ يا زين مش هسيبك وانت كدا”
زفر بحنق وهو يشعر بالغضب ولا يود أن يخرج غضبه عليها لذا كان يريد الاختلاء بنفسه حتى يهدأ فكرر عليها الأمر وهو يقول:
“قولت أخرجي يا ياسمين مش عايز أتعصب عليكي”
أقتربت منه حتى جلست جواره ملتصقة به وهي تقول بحنو:
“لو عصبيتك عليا هتخليك ترتاح ف انا موافقة”
تنهد زين وهو يرجع رأسه إلى الوراء ثم هتف بنبرة متعبة:
“مفيش حاجه هتريحني يا ياسمين”
نظرت له بحزن ولملامحه المهمومة على غير عادته وهو من كان دوماً بشوش ولا تدري اى حديث قد يريح قلبه الآن ورغم ذلك أمسكت يده برفق ثم هتفت بحنان وهي تقول:
“انت دايما تقولي كل حاجه بتحصل في حياتنا خير لينا لكن احنا منعرفش.. انا عارفه انت بفتكر في اى دلوقتي بتقول اى الخير ف إن حد يشوف مراتي كدا او الخير أصلاً ف أنها هتخرج لوحدها بليل في مكان زي دا لكن كل اللي حصل فعلا خير ولسه معرفناش الحكمة منه اي..
أصحاب السفينة لما أتخرقت مكنوش يعرفوا إن خرقها دا خير لهم بالعكس كانوا شايفين إنه دمار وخراب ليهم حتى سيدنا موسى ذات نفسه مقدرش يتوقع إن دا خير
ورغم كدا طلع فعلا خرق السفينة دا خير ولولا خرقها وأنها أصبحت معيبة لكانت أتاخدت منهم بس هم وقتها مكنوش يعرفوا كدا..”
{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل الله تعالى المسلمين بل المؤمنين وهذا لإن الإنسان مهما بلغ علمه وإيمانه يأتي عليه أوقات يكون بحاجه لمن يذكره بالله ويقوى إيمانه وهذا ما فعلته معه ياسمين ولم تفكر بأن زين أبلغ منها وهو بالفعل يعلم كل ما تفوهت به ولكنه يظل بشر بحاجه لمن يذكره.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
كانت جالسه أمام قبرها تنظر إليه بحزن شديد.. يالله تُرى ما حالتها الآن! هل تُعذب! ام تنام بسلام ولا تشعر بشيء حولها!.
هل.. هل تابت قبل أن تموت ولو بدقائق ام قبض الله روحها على ما عاشت عمرها كله عليه! نعم من شب على شيء شاب عليه لقد توفت على ما عاشت عمرها عليه وهذا يجعلها حزينة لأجلها.
تذكر نفسها دايما بأنها كان من الممكن أن تكون مكانها ويقبض الله روحها قبل أن تتوب إليه! أخذت سهير تحمد الله على رزقه لها بالهدايه وأنه أطال بعمرها حتى تتوب
ثم أخذت تدعو لصديقها كثيراً.
تذكرت تلك الآيه التي قرأتها والتي عندما علمت معناها بكت كثيراً ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ ﴾
كل صُحبة صالحة وكل جماعة مؤمنة يدخلون الجنة سويا.. بينما هي لم تكن خير الصحبة لها لذا فإنها تعوضها بعد وفاتها وتخرج الكثير من الصدقات لروحها وتدعو لها يوما.
ربما لم تكن خير الصحبة في حياتها… ولكنها أصبحت بعد وفاتها لعلى الله يرحمها ويخفف عنها.
“مين حضرتك وبتعملي اى هنا!”
أنتفضت سهير من مكانها وفاقت من شرودها وقد شعرت بالخوف وهي تنظر لمن خلفها ولكنها سرعان ما هدأت قليلاً عندما وجدته يوسف أخ علياء والذي تعلمه جيداً لقرب صدقاتها من علياء.
بينما هو يقف على بعد منها وينظر إليها بتعجب وهو يرى فتاة لا يعرفها متشحة بالسواد لا يظهر منها شيء عند قبر أخته المتوفاه بل ما ذاد تعجبه هو أن أخته ماكانت تعرف أحد هكذا بل كانوا رفقتها جميعهن صحبة سيئة.
“انا سهير صاحبة علياء”
شعر بأن هذا الصوت ليس بغريب عليه وكيف ينساه وهي من كانت دوماً رفقة أخته! ولكن الشخص الذي أتي على باله لا يتناسب تماما مع من تقف أمامه الآن ليردد أسمها بصدمة وهو يقول:
“سهير!!”
كان يطالعها بصدمة وهو مشدوها ورغم أنه سعد لأجل تغيرها هذا التغير الكلي إلا إنه نظر نحو قبر أخته بحزن وتمنى لو أن الله كان أطال بعمرها حتى تتوب ولكن أجلها كان قد حان والموت لا ينتظر أحد.
بينما هي أبتسمت بوجع تدرك جيداً ما يشعر به وأنه يفكر بأخته وبحياتها التي كانت تعيشها.. لقد كان يوسف دوما فتى صالح وقد حاول معها كثيراً كي تتغير وأيضا كلما رأى سهير يحدثها كأخ وينصحها ولكنها لم تكن تسمع له.
“فيكي الخير يا سهير إنك لسه فاكرها وبتزوريها”
“يمكن مكنتش خير ليها في الدنيا وكنت صحبة سيئة بس على الأقل مش هكون كدا دنيا وآخرة”
أومأ لها بإمتنان رغم أنه يعلم أن أخته هي من كانت السيئة بالنسبه لها وتؤثر عليها بالسلب.. نظر حوله فوجدها فلم يجد أحد وكانت وحدها وليس معها أحد ليهتف وهو يقول بجدية وحدود:
“ياريت متجيش هنا وحدك تاني علشان المكان هنا مش أمان”
نظرت له بتعجب فهي فالمقابر عند الأموات وأكثر مكان تظنه آمن فمن سيأتي هنا كي يرتكب معصية وهذا أكثر مكان يذكرنا بآخرتنا!.
“هنا مش آمن! أكيد مفيش حد هييجي هنا غير علشان يفتكر آخرته بس المقابر أكتر مكان أمان ومحدش يقدر يعصى ربنا فيه”
نظر إليها بسخرية شديدة لسذاجتها… ولو أنه بمكان آخر غير هذا لكن إنفجر ضاحكا ولكانت هذه أكثر نكتة مضحكة..، هتف وهو يقول:
“ومين قالك إن الناس كلها بتفكر كدا! الناس عمتها شهواتها وكل اللي عايز يعمل مصيبة بييجي هنا.. هنا أكتر مكان بيحصل فيه قتل وشرب خمور ومخدرات وأغتصاب وكل حاجه تخطر على بالك”
توسعت عيناها بصدمة من هول ما تسمع.. يالله هل هناك من يعصى الله هنا دون خوف وهو يجلس بين القبور! فهي عندما كان يموت أحدهما او تسمع عن المقابر تخاف كثيراً رغم أنها لم تكن بالملتزمة!
ورغم ذلك أجابته على اى حال وهي تقول:
“ربنا يهدي الجميع وعموما انا معايا كدا كدا العربية يعني لو حصل حاجه همشي على طول”
نظر نحو ما تشير فوجد سيارتها الفاخرة هناك فأعاد بصره نحوها بذهول.. يالله ما هذا الغباء تأتي هنا وحدها بتلك السيارة لتكون فريسة لمن نُزعت من قلوبهم الرحمة!
“انتِ لو قاصدة تموتي نفسك بالسهولة دي مش هتعملي كدا.. ازاي تيجي مكان زي دا لوحدك وكمان بعربية زي دي هنا! قولتلك أكبر المجرمين واللي أغلبهم بيكونوا شاربين اصلا بيكونوا هنا ياريت متجيش تاني هنا ولا حتى معاكي حد بالعربية دي”
كان يتحدث بجدية وعصبية قليلة من تهورها وأستهتارها الشديد والذي كانت تعيش به دوما دون تفكير في العواقب لذا تابع حديثه وهو يقول:
“ياريت يا سهي…”
بتر باقى كلمته عندما ناداهت بأسمها دون القاب للمرة الثانية فهي لم تعد صغيرة كما كانت بل أصبحت كبيرة لذا أكمل معدلا كلمته متداركاً الوضع وهو يقول:
“ياريت يا آنسه سهير تنتبهي لتصرفاتك أكتر من كدا وتخلى بالك من نفسك علشان الدنيا مبقتش أمان.. ودلوقتي أتفضلي أركبي عربيتك وأمشي وانا همشي وراكي أطمن إنك خرجتي من هنا بخير”
أومأت له بهدوء وهي تهز رأسها بالموافقة ورأته محق بالفعل ولا تعلم لمَ ولكن وجدت نفسها تبتسم لا إرادياً وهي ترى خوفه الأخوى عليها.. لطالما تمنت أن يكون لها أخوه يخافون عليها…
صعدت سيارتها ثم تحركت بها وبالفعل وجدته ورائها حتى خرجت من منطقة المقابر بأكملها وأصبحت على الطريق العام وما إن أطمن من أنها خرجت بسلام حتى تنهد براحة ثم عاد إلى قبر أخته مجدداً يفترش الأرض جوارها وأخرج مصحفه يقرأ قرآن بصوتِ عالِ.
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
كانت روان جالسه ومعها عمر وخالتها ومازالت على الحالة التي عليها منذ أن جاءت حتى تحدثت خالتها بحزن وهي تربت عليها قائلة:
وبعدين بقى يا روان هتفضلي كدا كتير! انتِ كدا هتتعبي”
وافقها عمر الأمر وهو يقول بتأييد:
“قوليلها ياماما لو حتى مش علشانها ف علشان اللي في بطنها وكمان سايبه بيتها وجوزها بدون سبب”
رفعت نريمان والدته رأسها بغضب ثم تحدثت بعصيبة وهي تقول:
“اهو بيت جوزها دا آخر مكان عايزاها ترجعله مش كفاية إنهم هم اللي عقدوها ووصلوها للي هي فيه!”
لم يتفآجأ عمر من حديثها فهو يعلم والدته تمام العلم وأنها تحمل اللوم علي من لا يعجبها وقف أمامها وهو يتحدث بغضب مكتوم:
“وجوزها ماله ومال اللي حصل يا ماما!؟ دا قضاء ربنا وبعدين مفيش حد هيحبها ويخلي باله منها أد زين”
أردفت بغضب عارم وهي تقول بصوت مرتفع:
“طبعاً ما انت لازم تحاميله علشان السنيورة أخته”
تنهد عمر وهو يمسح على وجهه ولم يجب عليها فليس هذا وقت للخلافات وأخته بتلك الحاله بل أكتفى ينظر إليها بضيق ثم عاد إلى روان التي لم تكن معهما بل شاردة كعادتها منذ أن جاءت وتتساقط دموعها كالشلال بلا توقف وهذا ذاد من غضبه وقد تألم وهو يراها هكذا لذا أقترب منها وهو يقول بغضب ممسكاً بها:
“ممكن أفهم هتفضلي كدا لحد أمتى!؟ عياطك دا مش هيرجع حاجه.. ياشيخة لو مش علشان يبقى حتى علشان أبنك اللي ملوش ذنب”
لم تجيبه بل ظلت على نفس الوضع ليهزها عمر قليلا وهو يشعر بألم في قلبه ولا يستطيع رؤيتها مستسلمة هكذا فهتف وهو يقول:
“فوقي يا روان وقاومي وبلاش تستسلمي انتِ لسه قدامك العمر طويل بلاش تخسري كل حاجه ولعلمك زين مش هيستحمل إنك ترفضيه كدا كتير شوية وهيزهق وبكرة إيثار تلف عليه وتخليه يتجوزها ويسيبك”
تعمد قول هذا لعلها تستفيق مما هي فيه وقد حدث فنظرت له تردد كلماته داخل عقلها هل بالفعل زين من الممكن أن يتركها!؟ توسعت عيناها بصدمة من تلك الفكرة لا ليس مجدداً بل لن تسمح له بأن يفعل هذا
ولكنها أيضاً لا تود رؤيته ولا تود العودة له
جزء منها يريده وجزء يرفض بشدة وكأنها شخصان متناقضان في آن واحد وهذا جعلها تضع يدها على رأسها تصمت هذا الصوت وهي تقول بهلع:
“لا لا زين مستحيل يعمل كدا.. هو مش ممكن يسيبني هو اللي قالي”
وأخيراً لمس عمر الوتر الحساس وهو زين لعلمه بتعلقها به لذا جلس جوارها وهو يقول:
“مهو انتِ لو فضلتي منشفه دماغك كدا هو هيسيبك لازم تفوقي وتكلميه حتى ولو مرتاحى هنا أقعدي هنا زي ما انتِ عايزة بس خليه ييجي يشوفك ويطمن عليكي”
وإن ظن أنه بحديثه هذا ينتشلها مما هي فيه فهو مخطأ فما ذادها حديثه إلا إنهياراً فهي لا تستطيع فعل ما يقول.. تقسم بأن الأمر خارج عن إرادتها فرغم حبها له إلا إنها غير قادرة على رؤيته.. شيء ما بداخلها يفعل هذا.
هزت رأسها برعب وهي تقول بتصميم:
“لا لا ياعمر علشان خاطرى مش عايزة أشوفه متخلهوش ياجي”
“انا مبقتش فاهم انتِ عايزة اى..انا جبتك هنا وبعدتك عنه علشان ترتاحي وبرضو حالتك مبتتحسنش قوليلي اى اللي يريحك ويخليكي تبطلي عياط وانا أعمله!”
صمتت تفكر في كلامه.. ما الذي سيريحها بحق! هي لا تجد إجابه لهذا السؤال كل ما تعلمه بأنها متعبة ولا تود رؤية أحد وبالتحديد زين الذي كلما رأته تشعر بالنفور والكره منه و.. والخوف!.
بكت وهي تنظر له قائلة بدموع:
“مش عارفه يا عمر والله مش عارفه كل اللي أعرفه إني تعبانة ومش قادرة أشوف حد ولا قادرة أتكلم مع حد”
شهقت بعنف وهي تضع يدها تخفى وجهها ثم إنفجرت في البكاء وهي تقول بإنهيار:
“انا مش ببالغ ولا بدلع والله زي ما الكل شايف انا.. انا مش عارفه حتى مالي ولا انا عايزة اى.. حتى شوف شكلي بقى وحش ازاى! الكل هيزهق مني انا مش قادرة حتى أبطل عياط ياعمر..”
رق قلب عمر وتأوه بألم وهو يرى بكائها الذي قطع أنياط قلبه ونريمان التي كانت تتابعها بحزن وهي تربت عليها بينما روان تابعت وهي تقول:
“انا عايزة ماما ياعمر هي اللي كانت بتريحني وكانت بتفهمني بس هي أختارت تروح لبابا وتسيبني هنا لوحدي”
أقترب منها عمر ثم أحتضنها بقوة دون أن يتحدث.. لقد قسى عليها بالحديث دون أن يدرى بدلاً من أن يحتويها وقد ظن أنه هكذا سيجعلها تخرج من حالتها تلك ولكن لا شيء يجدى معها نفعاً.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
كانت عايدة جالسه ومازالت مقيدة بتلك السلاسل الحديدية التي تعركل تحركها وأيضاً مازال الظلام يعم المكان وقد شعرت بالملل لمكوثها هنا فترة طويلة دون جديد فهي لا تعلم كم من الوقت بل كم يوم مر عليها وهي هنا دون أن ترى أحد.
ثم فجأة وجدت صرير الباب يُفتح ويدخل هو منه بطوله الذي حجب عنها الضوء من الخارج..، ثم تقدم منها ببطء حتى جلس على المقعد أمامها ينظر إليها بهدوء بينما تحدثت هي بسخرية وهي تقول بقوة:
“وأخيراً الباشا شرف وأفتكر إنه خاطف واحده هنا! ”
تعاتبه كما لو كان زوجها وعاد متأخر إليها! لاحت منه بسمة وهو يقول بإستمتاع:
“الظاهر المكان هنا معجبكيش!”
نظرت حولها بسخرية وللظلام الذي يحجب عنها رؤية اى شيء ثم هتفت وهي تقول:
“للاسف مشوفتش حاجه علشان أحكم لسه”
قام من مكانه ثم فتح جميع الانوار حتى أنتشر الضوء في المكان وقد اغمضت عينيها قليلاً بسبب الضوء لأن عيناها قد أعتادت الظلام..
نظرت حولها جيداً تتفصح المكان فكان أشبه بكوخ صغير ولم يكن حاله بالسيء ولا بالجيد أيضاً وهناك مطبخ على بعد صغير منها يجواره من الجانب الآخر مكان صغير يبدو أنه دورة المياة ثم نظرت له فكان لايزال يرتدي هذا القناع الذي يخفي وجهه.
“ها مقولتليش اى رأيك في المكان!؟”
تجاهلت سؤاله ثم بادرت بسؤال آخر وهي تقول:
“خطفتني ليه!”
رفع حاجبه ثم أردف وهو يقول بتهكم:
” ودي محتاجة سؤال! مش يمكن علشان أخدك رهينة وأقدر أهرب من الفخ اللي أتعملي فجأة!”
نظرت له وهي تمثل الصدمة بمعنى حقاً! ثم أردفت وهي تقول بهتكم:
“مش يمكن هو مكنش فخ من الأساس وانت بنفسك اللي جبتنا لحد عندك وأدتنا المعلومات! مهو أصل واحد زيك تاريخه مشرف في الإجرام أكيد مش هيقع وقعة زي دي يعني”
هز رأسه بتأييد وهو يرى هذا سبب مقنع ثم أردف مؤكداً وهو يقول:
“فعلا دا يبان سبب مقنع أكتر.. بس تفتكرى اى الدافع اللي يخليني أعمل كدا!”
“المفروض انا اللي أسالك السؤال دا!”
أخرج السيجارة من فمه وهو ينفث دخانها بعيداً ثم أستقام في وقفته وهو يهمس لها قائلاً:
“وليه منقولش إنك انتِ اللي كنتي عايزة تيجي بإرداتك وكان ممكن تقاوميني وتهربي!؟”
نظرت له بتفاجأ من معرفته بالأمر فنعم عندما سحبها نحو الطائرة كان بإمكانها إخلاص نفسها منه ولكنها لم تفعل..وهي لا تجد إجابة لسؤالها بل أردات المخاطرة فهي لا تملك شيء بالأساس كي تخسره وتخشى عليه..،وربما بسبب تلك الجملة التي ألقاها على هذا المقدم والتي فهمت منها بأنه جاء خصيصاً إليها!.
وما إن رأى صمتها حتى أخذ يقترب منها بتمهل شديد يبث الرعب بداخل من أمامه ولكن ليس هي.. فإن كانت فتاة أخرى غيرها لكانت ماتت رعباً بتلك الحالة ولكنها لم تتأثر بل ظلت تنظر إليه بهدوء تريده ينتهي مما يفعله.
“شايفك مش خايفة مني يعني!؟”
أبتسمت ساخرة وهي تنظر له قائلة بصدق:
“انا نسيت من زمان اوى شعور الخوف كان بيتحس ازاى”
وقف أمامها حتى ما عاد يفصل بينهما سوى سنتيمرات ثم وعلى حين غرة أطفأ سيجارته برقبتها وهو يهمس بشر:
“لما تكوني قدامي غصب عنك لازم تخافي”
تأوهت قليلاً وليس بسبب ألم تلك السيجارة ولكنها من هول المفآجأة ورغم ذلك أبتسمت وهي تقول ناظرة إليه:
“أقولك على حاجه ومتزعلش!؟”
نظر إليها بتعجب قليلاً فتابعت هي حديثها قائلة:
“انت حرامي خِرع”
وكأنه للتو طُعن بسكين ولم يكن بجسده.. بل بسمعته كمجرم والذي صعنها طوال حياته ويخشاه الجميع وأسمه يبث الرهبة في النفوس لتأتي هي وتقول عليه هذا! بينما هي أكملت كلامها موضحة:
“يعني بدل ما تغزني سكنتين في بطني تسيح دمي ولا تمسكني تكسر عضمي في لحمي خاطفني وجايبني هنا مخصوص علشان تطفي السيجارة في قفايا!؟”
بينما هو ينظر إليها بصدمة فهي حتى لم تتألم عندما فعل هذا! بل ظن أنها ستهابه وكانت هذه البداية فقط
فاق على صوتها الساخر وهي تهتف مجدداً:
“الله يسامحك شوهت سمعة المجرمين وعمالين يقولوا القناص راح والقناص جه! فين حرامية زمان اللي كنت بتهبد من كل واحد مطوتين ولا حاجه على الماشي”
صمت ينظر إليها قليلاً وللغريب أنه لم يغضب بل ظل ينظر إليها وقد أدرك جيداً اى شخصية أمامه لذا عاد مكانه بعدما علم بأن العنف لن يجدى معها بل قرر إستخدام لسانه كما فعلت وهو يقول بهدوء:
“يمكن علشان مقدر إنك بنت في النهاية ومن حسن حظك إنك مش راجل وإلا.. هسيب لعقلك يتوقع القناص كان ممكن يعمل فيكي اى”
شعرت بالغضب من حديثه.. لم تغضب عندما أطفأ سيجارته بها بل غضبت لإنه يتساهل معها فقط لإنها فتاة وليست رجل!..
“فُكني الأول وأتعامل معايا راجل لراجل ووقتها نحكم”
نظر لها بهدوء ومازال على نفس جلسته ثم هتف وهو يقول رافعا حاجبه:
“بنت جميلة زيك وذكية اى اللي مخليها تشتغل شغل زي دا!؟ بدل ما تقعد معززة مكرمة في بيتها!”
نظرت له عايدة بصدمة فلو كانت والدتها مازالت على قيد الحياة لظنت بأن هي من أرسلته لها كي يخبرها هذا الحديث..، هل هذا نفسه هو المجرم الذي يتحاكى الجميع عن خطورته!
أبتسمت ساخرة ثم أردفت تسأله وهي تقول:
“انت متأكد إنك القناص!”
لاحت منه بسمة لم تظهر على وجهه من القناع بل ظهرت على عيناه وهو يهتف قائلاً:
“ومين اللي صورلك إن المجرم بيشتغل بأيده وبس علشان يقتل! الدماغ بتشتغل أكتر من الأيد ف أعتقد مش لازم أقوم أقتلك بطريقة متخطرش على بالك دلوقتي علشان أثبتلك إني القناص”
وما إن أنهى جملته حتى نظر في ساعته وهو يقول بتذكر:
“رغم إن المفروض بالفعل تكوني دلوقتي مقتوله”
توسعت عيناها بصدمة تداركتها سريعاً سرعان ما هتفت:
“واى اللي مانعك!”
أقترب منها مرة أخرى حتى أصبح يقف أمامها وهو يقول بنبرة خبيثة غامزاً من أسفل القناع:
“يمكن علشان عجبتيني يا جميلة!”
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
وعند زين وبعدما خرج من المنزل كان يسير وهو مازال يشعر بأن هموم الدنيا بأجمعها داخل صدره ولم يذهب إليها بل سيفكر الاول فيما سيفعله كي لا يأخذ اى خطوة متهورة وقد وجد أقدامه تقوده إلى المسجد وهل له مكان آخر يلجأ غيره! لطالما تعلق قلبه بالمسجد منذ أن كان صغيراً.
فكلما وقع بشيء قادته أقدامه إلى هنا ولا يوجد مكان أحب إليه من هنا.. عاملاً بحديث الرسول. «مَن نزلتْ به فاقةٌ فأنزلَها بالناسِ ؛ لم تُسَدَّ فاقتُه ، ومَن نزلتْ به فاقةٌ فأنزلَها باللهِ ؛ فيُوشِكُ اللهُ له بِرزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ .»
نعم عندما يصيبه شيء لا يلجأ إلى الناس بل يلجأ إلى رب الناس فهو الوحيد القادر على فك كربه.
دخل المسجد محملاً بالهموم والكرب ويشعر بثقل جسده
حتى جلس وراء العمود وهو يستند عليه ويرجع برأسه إلى الوراء عسى هذا الوجع الذي يشعر به داخل قلبه يهدأ ولو قليلاً!
فجأة وجد من يقترب يجلس جواره وهو يقول بنبرة سعيدة:
“الشيخ زين!”
رفع زين رأسه فوجد شاب في مقتبل العمر ملامحه ليست غريبة عليه ولكنه لا يتذكره فهتف الشاب وهو يقول:
“حضرتك مش فاكرني ياشيخ!”
دقق به زين النظر أكثر ولكنه لم يستطع تحديد ملامحه جيداً فقد كان باله منشغلاً بما يمر فيه من ظروف عصيبة لذا أردف وهو يقول معتذراً:
“مش واخد بالي للاسف”
جلس الشاب أمامه بإحترام ثم تحدث وهو يقول ببسمة:
“من حوالي 80 يوم بالظبط يعني ياجي شهرين ونص كدا قابلتك وكنت انا وقتها شايل هموم الدنيا والآخرة وحزين حُزن لا لعلمه إلا الله ومن حسن حظي إني قابلتك بالصدفة في مسجد ووقتها انت جيت تسألني مالك حكتلك إني خسرت كل ما أملك ومشاريعي كلها خسرت ومبقاش معايا حتى أتجوز ولا أجيب شقة ولا عارف أعمل اى والدنيا كلها أسودت في وشي وقتها أنت قولتيلي حاجه واحدة بس.. قولتلي روح نام وقوم في نص الليل قبل الفجر كدا وصلي وأدعي ربنا وقول (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) ووالله يا شيخنا ما قادر أوصفلك من وقتها وكل أمورى أتحسنت وفضلت أدور على رقمك او اى حاجه توصلني ليك علشان أعزمك على فرحي الأسبوع الجاي وحابب أبشرك إن كل أمورى أتحلت وبقى عندي بدل المحل اتنين وخطبت بنت مكنتش أحلم بيها ومبقتش أضيع ولا يوم واحد قيام الليل وكله بفضل الله ثم بفضل انت”
بينما زين كان يستمع له بتأثر شديد وهو يرى سعادة ولهفة هذا الشاب وقد تناسى حزنه لثوانِ.. يالله كلما ضاقت به الدنيا أرسل الله إليه يطمئنه ويجدد إيمانه وثقته بالله وكأن الخير الذي يفعله مع الناس يأتي إليه وقت حاجته.. تارة هذا العجوز الذي قابله ومرة أخرى هذا الشاب!..
نعم تذكره جيداً بل وتذكر حالته وقتها وكأن على رأسه جبال من الهموم كحالة زين الآن.
“اللهم بارك ماشاء الله.. مبارك ليك أولاً على زواجك وإن شاء الله لو كان بإمكاني الحضور والفرح مفهوش مخالفة شرعية إن شاء الله هحضر”
صمت قليلا يفكر في قصة هذا الشاب وما رواه حتى أبتسم وهو يقول:
“البلاء مهما طال بيأتي الفرج وإن بعد العسر يسر
كل اللي احنا مطالبين به إننا نلجأ لربنا وقت الكرب
لإنه سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء وقادر يغير الأحوال في غمضة عين.. علشان كدا انا بحب جدا الدعاء اللي قولتلك عليه دا (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لى شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) بستغرب لما الاقي حد في كرب ويلجأ للناس ورب الناس موجود لما جتلي قولتلك تلجأ لربنا سبحانه وتعالى لإن هو اللي بيده الفرج وقد أنعم عليك بيه الحمد لله”
لم يكن هذا الحديث موجه للشاب فقط بل وله أيضا ويُحدث به نفسه أيضاً… تحدث معه الشاب قليلاً بينما هو شارد وهو يبتسم.. الله أرسل إليه هذا الشاب بالتحديد الآن كي يكون عوناً له.. ربما شخص آخر غير زين ما كان ليفكر بتلك الطريقة ولكنه يربط كل شيء بالله دوماً.
أخذ يردد تلك العبارة والتي غابت عن باله ليأتي له هذا الشاب كي يذكره به فالحمد لله دائماً وأبداً
(بالمناسبة قصة الشاب اللي فوق دي حصلت بنفس التفاصيل)
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
وقف أحمد يطرق على باب حجرة أخته فقامت تفتح له الباب وهي تقول ببسمة:
“تعالى يا أحمد أدخل”
دخل غرفتها وهو يطمئن عليها ويسألها عن يومها كعادته بعد آخر اليوم وما إن قصت له يومها حتى وقف يحق ذقنه قليلا فطالعته وهي تقول:
“عايز تقول حاجه يا أحمد!”
نظر إليها بتردد قليلاً ثم هتف قائلاً:
“كنت عايز منك رقم سهير”
عقدت حاجبيها بتعجب وقبل أن تستفسر عن السبب بادر هو بالقول وهو يقول:
“والدة صاحبتها توفت وهي كانت بتسألني عنها ومتعرفش عنها حاجه ف قولت أكلمها أعرفها لإني مش هينفع أروح البيت وانا كنت عندهم من قريب ومش معايا رقمها”
هزت رأسها بالمواقفة ولكنها سرعان ما نظرت له قائلة:
“طب ما ممكن أكملها انا وأقولها”
هز رأسه بالنفي فهو بالأساس يتشوق لسماع صوتها ويتحجج بأي شيء لذا هتف وهو يقول موضحاً:
“لأ هكلمها انا علشان أعرفها اللي حصل بالظبط”
تحدثت بنفس طريقته وهي تقول بسماجة بالنسبة له:
“طب ما تقولي اللي حصل بالظبط وانا هقولهولها برضو بالظبط”
زفر أحمد بحنق وهو يقول بضجر:
“ما تخلصي يا أسماء بقى وتبطلي غلاسة”
“بتقول عليا غلسة! أخص عليك ياعم طب مفيش أرقام”
أقترب منها ساحباً هاتفها عنوة وهو يقول:
“انا غلطان إني أستأذنت منك من الأول أصلاً ناس مبتجيش غير بالعين الحمرة”
أمسك الهاتف يخرج منه رقم سهير خطيبته تحت تذمرها ثم كتب الرقم على هاتفه وما إن رأت ذلك حتى أردفت بتهكم:
“كان ممكن ترن عليها من تليفوني على فكرة وبعدين هي مأمناني على رقمها”
رفع رأسه ينظر إليها يفكر في حديثها هل هو أخطأ! ولكنها خطيبته بالنهاية وبالتأكيد سيحتاجها في بعض الأشياء لذا من الأفضل أن يحتفظ برقمها معه فأردف:
“كان ممكن اخد الرقم منها عادي بس بنسى وبعدين هكلمها قدامك علشان ميكنش في خلوة ف متبالغيش يا سمسم”
وبالفعل ما إن أنهى معها حتى قام بالإتصال على هاتفها فلم تجب من أول مرة فنظر إلى أخته ثم أردف بفخر:
“مبتردش على الإرقام الغريبة.. بنت محافظة أتعلمي منها”
نظرت له بتشنج ثم لوت فمها وهي تقول بحنق زائف:
“ولو كانت ردت كنت هتقول قلبها حس بيا”
قهقه أحمد بخفة ثم أردف وهو يقول:
“المهم إن اى حاجه تعملها انا راضي عنها”
نظرت له قليلاً وقد وجدت أن أخاها قد وقع صريعاً لتلك الفتاة وما ذاد الأمر أنه طوال حياته يعصم نفسه عن الفتن وهذه أول مرة يسبق له التعامل مع فتاة فأنجرف بمشاعره كلها نحوها وهذا ليس بالجيد أبداً.
فاقت من شرودها على صوته وهو يمسك هاتف أخته قائلاً:
“هاتي موبايلك أرن منه”
أمسك هاتفها وبالفعل قام بالإتصال عليها فأجابت من اول مرة وعلم أنها لا تجيب على الأرقام الغريبة وهذا الأمر أراحه قليلاً وقد تسرع عندما أتصل بها من هاتفه دون أن يستأذن منها أن يأخذ رقمها.
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أزيك يا أسماء عاملة اى”
وقبل أن تجيب أسماء وضع يده على فمها ثم أسرع بالحديث وهو يجيب عليها السلام قائلاً:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. انا أحمد مش أسماء”
شعرت قليلاً بالتوتر وهي تسمع صوته بالهاتف لأول مرة وأجابت بحرج:
“أزيك يا أحمد أخبارك اى”
توسعت بسمته بشدة وتسارعت دقات قلبه بسعادة وقد شرد بجملتها وكل هذا أمام أخته التي تتابع تلك السعادة تضخم من وجهه بمجرد أن سمع صوتها.
“الحمد لله بخير.. آسف لو كلمتك بدون ميعاد بس قولت أكلمك بخصوص صاحبتك مرات زين”
تهللت أساور وجهها وهي تجيبه مسرعة بلهفة قائلة:
“بجد طب وهي أخبارها اى والدكتور قالك اى عليها”
صمت أحمد وقد تنهد بحزن وهو يتذكر شكل صديقه وحزنه فأجابها وهو يقول:
“والدتها توفت من ياجي أكتر من أسبوع وهي تعبانة”
شهقت سهير صدمة وهي تشعر بالحزن شديد فهي تعلم جيداً مدى تعلق روان صديقتها بوالدتها ومن تبقى لها.
“إنا لله وإنا إليه راجعون.. الله يرحمها ويغفر إليها يارب”
صمتت قليلاً وهي تفكر كيف حال صديقتها الآن فهي تود زيارتها لذا أردفت وهي تقول:
“انا لازم أروحلها أشوفها وأطمن عليها”
“بس هي مش موجودة حاليا في البيت هي عند خالتها”
عقدت سهير حاجبها بتعجب هل حدث شيء بينها وبين زين كي تتركه وتجلس عند خالتها!؟ يبدو أن ظروف صديقتها ليست على ما يرام..، سألته وهي تقول بتوجس:
“قاعدة هناك ليه!؟”
هز أحمد رأسه بجهل وهو يقول:
“مش عارف الحقيقة كل اللي أعرفه أنها قاعدة هناك يمكن بتريح نفسيتها.. أستني لما ترجع البيت وابقي روحيلها”
أومأت بالموافقة رغم حاجتها الشديدة للذهاب الآن ورغم ذلك تماسكت وإنتظرت حتى تعود منزلها ثم بعدها سوف تزورها.
حدثها أحمد قليلاً ثم أنهى معها المكالمة وهو مبتسم بشدة بينما نظرت له أسماء قائلة:
“دا الحب طلع حلو بقى”
أنتبه لوجودها فحمحم وهو يعدل وقفته ثم أعطاها الهاتف وقبل أن يغادر أردفت أسماء بهدوء وهي تقول مذكرة إياها:
“متنساش يا شيخ أحمد إن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج”
نظر إليها أحمد بتعجب فهو لم يخطأ بشيء في الحديث مع سهير بل حادثها بقدر الحاجة وأيضاً بحدود وفي وجودها.
“ايوة منا عارف.. اى المناسبة إنك تفكريني!؟”
“لأ انا قولت أفكرك بس إن دي لسه خطوبة يعني علشان تخلي بالك وتتحكم بمشاعرك علشان متتعبش بعدين”
فهم ما ترنو إليه بعدما لاحظت إعجابه الشديد بسهير والذي بالمناسبة تخطى مرحلة الإعجاب ورغم ذلك أبتسم وهو يقول بلطف قبل أن يرحل:
“متقلقيش عليا إن شاء الله كل حاجه هتكون بخير أدعيلي بس ربنا يجمعني بيها على خير”
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
ظل زين مستقلى على الفراش وقد هاجره النوم بعدما قد تأخر الوقت وحل الليل.. يفكر بها وما مرت به وكل ما حدث في غيابه بقلب متألم.
لو على الأقل أستمع لكلامها ولم يذهب ما كانت لتسوء الأمور هكذا.. تُرى ما شعورها عندما كانت بالمقابر وحدها في هذا الوقت من الليل! وهي من كانت تخشى الجلوس بمفردها!.
تُرى كم شخص رآها بدون نقابها وحجابها بل وبتلك الثياب! وكلما تذكر هذا الأمر يشعر بالغيرة الشديدة رغم أنه ليس وقت هذا..
كيف كان شعورها عندما أستيقظت وأخبرتها ياسمين بأن هذا كان حلماً وهي على يقين بأنه لم يكن كذلك! بل هي عايشته بالتفصيل!.
كيف كان شعورها عندما جاءت تيقظ والدتها فوجدت روحها قد فارقت الحياة دون سابق إنذار!..
كيف كان شعورها وهناك روح أخرى تلبست جسدها وأنتهكته وتتصرف فيه كيفما تشاء وتتحكم بتصرفاتها وهي غير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها!..
كيف كان شعورها وهي بعيدة عنه وتمر بكل هذا وحدها!؟ يالله لقد عانت كثيراً دونه ولم يتخيل بأن هذا الأسبوع الذي غادر فيه كان كفيل لأن يفقده روحه بهذا الشكل.
لقد أوشك الأمر على الإنتهاء وغداً سوف يذهب إليها وينهي كل هذا ويعود بها وهي معه سوف يعالجها هو بنفسه ويريحها من كل ما تشعر به وتعود إليه من جديد.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن..
فعندما أستقام من مكانه كي يصلي لله ويتضرع له وجد هاتفه يرن وكان المتصل عمر.
قضب جبينه بتعجب من أتصال عمر بهذا الوقت لذا أسرع يجيب على أتصاله وقبل أن يلقي عليه السلام وصله صوت عمر الصارخ وهو يقول بهلع:
“ألحق روان يا زين بسرعة عايزين ياخدوهااا”
وقبل أن يجيب زين أو يستفسر عن ما يتحدث عنه عمر أنقطع الخط.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسولت لي نفسي الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى