رواية وريث آل نصران الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة عبدالمنعم
رواية وريث آل نصران الجزء السادس عشر
رواية وريث آل نصران البارت السادس عشر
رواية وريث آل نصران الحلقة السادسة عشر
16=الفصل السادس عشر ( أنا هُنا )
ببسم الله الرحمن الرحيم
بعض الكلمات تقتل، لا يشعر صاحبها كم أنها سامة ولكن أثرها يظهر جليا على المستمع… كذلك بعض الأفعال تؤدي إلى الموت، ولكنه موت على قيد الحياة .
كان “باسم” يقود سيارته ، ولكن عقله ذهب في جولة للقائه الذي تم منذ قليل مع “عيسى”… حين خرج ” عيسى” بتقاسيم مسترخية على عكس توقع “باسم” فقد انتظر غضبه ولهفته لمعرفة قاتل شقيقه ولكنه سمعه يقول:
نورت يا باسم، بس للأسف بقى ولا للأسف ليه،
أنا يفرحني إني أقولك إن مجيتك جت على الفاضي.
سأله “باسم” بدهشة مثلها جيدا أثناء حديثه:
فعلا؟…. كلامك ده معناه إنك عرفت قاتل أخوك وإن خدماتي في استغناء عنها.
أتت الخادمة بحامل معدني وُضِعت القهوة عليه فأشار لها “عيسى” طالبا:
“تيسير” هاتي …
قاطعته تخبره بطلبه قبل أن يكمله:
عارفة… بابل تي من التلاجة، هروح أجيبه وأجي.
_دول حافظينك بقى.
قالها “باسم” وقد زين جانب ثغره ابتسامة ساخرة، وأدها قول “عيسى”:
بلدي، و أهلي، و ناسي… هو أنت مش أهلك برضو عارفين بتحب إيه وبتكره إيه؟
أتت ” تيسير” بطلب “عيسى” مما جعل “باسم” يعود بالحديث إلى نقطة البداية سائلا:
مجاوبتش…أنت عرفت قاتل أخوك واستغنيت عن العرض؟
فتح “عيسى” الزجاجة، وجرع منها بعدها تحدث وقد كسا بدنه الانتعاش:
أنت عارف إني حقاني، بصراحة لولا مكالمتك ليا مكنتش هتنبهني إن في حاجات كتير قصادي كان لازم أربطها من بدري،
ظهر على وجه “باسم” عدم الفهم فتابع “عيسى”:
مقابلتك الصدفة مع ” شاكر” في البار خلتني ربطت خيوط كتير أوي.
أدرك “باسم” أنه يقصد ذلك اليوم وتلك المقابلة التي اعترف فيها “شاكر” تحت تأثير الشراب ولكن من أين عرف بها… سأله وقد احتدت نبرته:
وأنت عرفت منين بده؟
_تديني المعرض بتاعك وأقولك؟
قالها “عيسى” وتبعها بابتسامته الماكرة مما أدى إلى قيام “باسم” وهو يقول:
ماشي يا “عيسى” وصلت.
استقام “عيسى” واقفا وتحدث بنبرة ذات مغزى أدت دورها جيدا في جعل “باسم” يستشيط غضبا:
ابقى سلملي على “رزان”، وقبل ما تفهم غلط ده سلام عادي من أخ لأخته.
ترك ” باسم” المكان ولم ينطق بحرف بل رحل والصمت رفيقه الأول، والغضب صديقه الثاني أما “عيسى” فبمجرد رحيله تأفف بانزعاج، فكل شيء يضغط على أعصابه أكثر ، تحرك ليعود مجددا إلى مكتب والده و حين دخل وجد الشقيقتان جالستان أمام “نصران” واتخذ “طاهر” أحد المقاعد، أتى ليجلس ولكنه سمع “شهد” تقول:
عمو احنا بقالنا هنا كتير والوقت اتأخر كده….
قبل أن تتلقى إجابة استطردت باعتذار:
ياريت متزعلش مننا، حضرتك راجل كويس ومشوفناش منك غير خير بس فياريت تعرف إن ده كان غصب عننا.
حاوطهم “نصران” بنظراته قبل أن يحدثهم قائلا:
بحاول أشيل منكم، لكن أنا عارف إنك قولتي يا “ملك” حتى لو القول جه متأخر… وعارف شاكر وأبوه علشان كده مش زعلان منكم لحد ما يظهر “شاكر”.
كانت ” ملك” صامتة لا تتجاوب مع أي شيء فوجه لها “نصران” السؤال حين قال:
مبتتكلميش ليه يا “ملك”؟
حركت كتفيها للأعلى تسأل بعينين أوشك الحزن على قتلهما:
هقول إيه؟
اقتحمت ” سهام” جلستهم دون أن تدق على الباب بل جعلت الدواء حجتها وقالت وهي تضعه أمام “نصران”:
ميعاد الدوا.
تناول ” نصران” الدواء بنظرات منزعجة وفي أثناء ذلك استدارت هي إلى “ملك” و شقيقتها تسأل باتهام:
إيه يا “ملك” يا حبيبتي الوقت ده كله، هو مش أنتِ كنتي بتحبي فريد برضو يعني الرفض مش هياخد كل الوقت ده ولا أنتِ بقى بتفكري وماشية بمبدأ الحي أبقى من الميت.
أنزل “نصران” كوب المياه من على فمه بنظرات مشتعلة، أما عدم الفهم فحل على “شهد” و “ملك” التي سألت باستنكار:
ايه اللي بتقوليه ده؟
ضرب “نصران” على الطاولة ناطقا اسمها بنبرة محذرة فهي لا تعلم شيء عما يحدث، وفقط تتحدث عن ما سمعته من “عيسى” حين أتى يطلب من والده الزواج بملك…. اعترض ابنها هو الآخر وحاول منعها ولكنها استكملت ما بدأته مجيبة على السؤال:
ما هما جايبينك هنا يا حبيبتي علشان يعرضوا عليكي الجواز من “عيسى”.
تطلعت ” شهد” إلى “طاهر” وقد انكمش حاجبيها بريبة تطلب إجابة عن ما يحدث، ولكن تلك الرجفة التي أصابت بدن “ملك” كانت أسرع حيث فرضت “ملك” الصمت على الجميع حين استقامت واقفة تسأل بجسد يرتجف كل إنش به، وعينان دخلا في ملحمة عظيمة مع الدموع:
أنتوا عايزين مني إيه؟
هبت شقيقتها واقفة لتلحق بها ولكنها صاحت وهي تبتعد:
ابعدوا عني أنا مش عايزة حد يقرب ناحيتي…. تابعت بنحيب:
أنتوا حتى مستكترين عليا إني أكون لوحدي.
نطقت بقهر وهي تبتعد أكثر حتى صارت مجاورة للباب:
أنا عملت إيه في حياتي لكل ده… استدارت لعيسى وكأنها تحفر الملامح في ذهنها حين سألت بألم:
ليه أشوفه بيتقتل قدامي، وأنا محبتش في حياتي غيره.
نزلت دموع شقيقتها وحاولت الاقتراب مجددا ناطقة بتوسل:
“ملك” علشان خاطري…
قاطعتها تسرد معاناتها التي جعلت أغلب من في الغرفة مشفقا عليها:
ليه حياتي تدمر، و أحلامي تتمسح بأستيكة وأنا لسه حتى مخلصتش رسمها.
كان الباب مفتوح فأخذت تخرج ووجهها مقابل لهم، وهي توجه بقية الحديث للحضور:
فريد حرمني منه وارتاح… لكن أنا بتعذب كل يوم وأنا مقدرش على كده.
أنا ضعيفة، تابعت وهي تنظر لعيني “عيسى” تذكره بما قاله لها:
أنت مش كذاب أنا فعلا أغبى حد أنت شوفته، أنا ضعيفة وغبية، أنا كنت مفكرة الحياة هتخلص بفرح وفستان وأبقى مع “فريد”… لحد ما الحياة ادتني قلم مش قادرة أفوق منه.
ترك ” نصران” مقعده وحاول أن يطمئنها محاربا خوفها الذي وصل لذروته:
متخافيش يا “ملك”، متخافيش يا حبيبتي محدش هيعملك حاجة.
تطلعت لنصران وغزا دموعها ابتسامة ظهرت على فمها وهي تقول:
أبويا مات بس سابلي أحن أم في الدنيا، لو كان عاش كنت هتمنى أشوف في عينه نظرة إنه خايف عليا زي اللي بشوفها في عينك لما تيجي سيرة ” فريد” … جايز كنت هبقى أقوى لكن علشان ده مستحيل، وعلشان أنا كرهت خوفي هنا….
نطقت كلماتها الأخيرة بحسم:
فأنا مكاني مش هنا.
قالت أخر كلمات وانطلقت كالسهم نحو الخارج، كانت تهرول بأقصى سرعة تمتلكها، ناوية الرحيل إلى أين لا تعلم، ولكن الأهم أن تترك لهم جميعا العالم هنا بأكمله، أدركت أن أحدهم سيهرول خلفها لذا كانت خطواتها أسرع فأسرع وكأن أحدهم سيداهمها، تهرب من الماضي، من الأحلام المقتولة، والحياة التي انتهت قبل أن تبدأ، تهرب إلى حيث لا تعلم ولكنه بالتأكيد مكان لا يحمل ذكرى تضيف الضِعف لأوجاعها
فاقت “ملك” من شرودها حين توقفت سيارة “باسم”… تذكرت لحظتها أين هي، وهرولتها و رغبتها في الهرب من كل شيء، و خوفها من أقل شيء، حتى قابلت هذا الغريب وسيارة ” عيسى” تلاحقها من الخلف.
وجدت نفسها أمام ملهى ليلي… دققت النظر فتأكدت أنه ملهى بالفعل، شعرت كامل حواسها بالخطر لذا قالت:
خلاص لو سمحت نزلني هنا.
كانت قد قضت في السيارة أكثر من ساعة للانتقال من الاسكندرية إلى القاهرة، لم تتحدث فيهم أو حتى تفصح عن اسمها.
نزل “باسم” من السيارة وفتح لها الباب كي تنزل، استشفى حيرتها بسبب نظراتها المشتتة فعرض بلطف:
لو معندكيش مكان تباتي فيه، أعرف بنت بتشتغل جوا ممكن تقعدي في أوضة اللبس بتاعتها مؤقتا لحد الصبح.
ابتعدت وهي ترفض بخوف:
لا شكرا.
بدا لها أنه يبتسم بود ولكن الحقيقة أنها كانت ابتسامة ماكرة وهو يخبرها:
طب عموما لو ملقتيش مكان، أنا جوا، قوليلهم اسمي بس وهيدلوكي.
إنه يعرفها، فعند بحثه خلف “شاكر” عرف كل شيء تفصيليا عن هذه الفتاة وعائلتها… هذه هي الأرض التي تصارع عليها الطرفين “شاكر” و شقيق “عيسى” والآن حل محل “فريد” أخوه.
لا يعلم سبب هربها ولكنه استطاع رؤية ملاحقها… فأراد اللعب معهم في لعبة القط والفأر هذه.
هو يعلم أن “عيسى” يلحق به، ربما اختفت سيارته فجأة و هو يسير خلفه في الطريق من الاسكندرية إلى القاهرة، ولكنه بالتأكيد يراقب من بعيد لذا سيستغل الفرصة جيدا.
أخرج هاتفه يطلب أحدهم وبمجرد أن أتته الإجابة سأل ضاحكا بتسلية:
أنت في البار جوا؟
أتته الإجابة بنعم فتحدث برضا:
حلو أوي… عايزك في مصلحة كده.
صمت ثوان وتابع:
في بت واقفة برا قدام المكان، هتلاقيها عمالة تروح يمين وشمال ومش عارفة تروح فين… عايزك تخرج تغلس عليها، ضايقها، وخليها تخاف… هي أصلا خايفة بس أنا عايزك تخليها تخاف أكتر… افضل وراها ولو لاقيتها دخلت البار اخلع أنت .
أنهى المكالمة و دخل وهو يتكرر أمامه شريط طويل منذ معرفته بعيسى ولكن جميع اللقطات سوداء… ذلك المشهد في العشرينات من عمره حينما تقدم لحبيبته وابنة صاحب والده وعرض حبه عليها ليسمع رفضها فيسأل:
في حد تاني يا “ندى”؟
أجابته ولمعة عينيها عند الإجابة لا ينساها أبدا حيث قالت ما حطم قلبه:
” عيسى” اللي بيشتغل في معرض شرم مع بابا…
احنا بنحب بعض وهو هيتقدملي.
وفقدها بالفعل، لا يحب تذكر أي شيء عنها حتى بقية التفاصيل تخطاها إلى مشهد أخر حيث كبر أكثر وخصص معرضه الخاص به وبدأت صراعات العمل والتي يكون “عيسى” دائما طرف فيها، وأخيرا
“رزان” _فتاة البار_ التي تعرف عليها هنا ولم ينكر إعجابه الشديد بها، ليجدها تميل لأحد رواد الملهى وتحاول التقرب منه بكل طريقة ممكنة على الرغم من عدم حضوره الدائم للمكان، ألا وهو “عيسى نصران” أيضا… البغض نتج عن تراكمات، ونتيجة لذلك يستغل كلاهما ما سيزعج الآخر ولكن “باسم” يعرف جيدا أن البداية دائما تكون من عنده هو… بداية الإزعاج هو رائدها.
★***★***★***★***★***★***★***★
دخلت “تيسير” بكوب من الليمون البارد وضعته على حامل معدني واقتربت به من “هادية” التي أتت مع ابنتها “مريم” لأخذ “ملك” و “شهد” بعد أن تأخرا ولكنها اصطدمت بإخبار “شهد” لها أن “ملك” فرت، تلفت أعصابها كليا فقال “نصران” وهو يرى رفضها لما جلبته “تيسير”:
اهدي يا ” هادية” عيسى خرج وراها علطول متخافيش.
كانت حالة “شهد” لا تقل سوء عن والدتها… ولكن ما جعل غيظها يهدأ قليلا هو رؤيتها لنصران يعنف زوجته المتسببة في انهيار شقيقتها حيث قال بغضب:
اطلعي على فوق.
حاولت الحديث ولكن صياحه منعها حيث صرح بحدة:
مسمعش ولا كلمة منك…اطلعي و حسابنا بعدين.
فاقت “شهد” من شرودها على ذلك الصغير الذي اقتحم الغرفة مهرولا ناحية “نصران” ناطقا بمرح:
جدو أنتوا قاعدين هنا ليه؟
اتجه ناحية الجالسين وخاصة “مريم” ومد كفه الصغير لمصافحتها قائلا:
ازيك أنا شوفتك قبل كده مع عمو حسن لما كنا في المحل عندكم.
ابتسمت له و مسحت على خصلاته فتحرك ناحية والدتها قائلا بحماس:
و شوفتك أنتِ كمان يا طنط.
أتى إلى “شهد” وقال باستغراب:
أنا مشوفتكيش قبل كده.
صافحها ناطقا بابتسامة واسعة:
أنا “يزيد” .
ابتسمت ابتسامة صغيرة قبل أن تجيبه قائلة:
وأنا “شهد”.
لم تكن الأجواء تسمح بأي شيء لذا ترك ” طاهر” مقعده وأخذ “يزيد” قائلا:
تعالى “رفيدة” رجعت اطلع نام معاها النهاردة.
اعترض “يزيد” بشدة قائلا:
بس أنا مش عايز أنام.
أشار لوالده ليميل له وحين مال همس في أذنه طالبا:
أنا عايز بيتزا.
قطع حديثهم دقات على الباب تبعها دخول “حسن” والذي كان بيديه حامل معدني به أكواب الشاي الساخن…عيناه تبحث عن واحدة بعينها، فلقد ترك مرسمه بعد ساعات لا يعلم عددها، عمل بعضها ونام بعضها وحين دخل أخبرته “تيسير” بضيوفهم.
تطلع له والده بحدة فتلاشاها قائلا بضحكة واسعة:
أصل “تيسير” قالتلي إن عندنا ضيوف فقولت لازم أجيب الشاي بنفسي.
تأفف “طاهر” بانزعاج قطعه قول “حسن” أثناء حدقه في “مريم”:
ازيك يا ” مريم”.
استدارت “شهد” ووالدتها في نفس اللحظة يرمقاه باستغراب، و شعرت “مريم” بالحرج قبل أن تقول:
الحمد لله.
قال “نصران” مقاطعا حديث ابنه قبل أن يتابعه:
اخرج يا “حسن”… خد يزيد واتمشوا برا في الجنينة.
لم يرد الخروج ولكنه أمر والده، فاستدار لها سائلا:
تيجي تتمشي معانا في الجنينة.
_” حسن” .
قالها “طاهر” بحدة محذرا مما جعل “حسن” ييبرر متصنعا البراءة:
في إيه، أنا بس حسيتها مخنوقة قولت أخدها معانا.
جذبه “طاهر” من ذراعه وتحرك به نحو الخارج، أعطاه يزيد وألقى له قوله الحاد:
هات ليزيد بيتزا، ولما ياكل طلعه ينام مع “رفيدة”.
أغلق الباب في وجهه ولكنه سمعه يقول من الخارج بتذمر:
” طاهر” أنت غلطان، أنا مش الدادة.
لم يجبه، أفعاله الحمقاء بالنسبة له لا تتناسب مع الموقف تماما وخاصة أعصاب والده التالفة، بينما في نفس التوقيت كانت “رفيدة” تكمل محادثتها الالكترونية والتي استمرت ساعات طويلة… كتبت بابتسامة واسعة:
شكرا يا “سعد” على كل الوقت ده حقيقي فرق معايا،
وأنت طلعت شخص لطيف أوي.
_على إيه بس يا “روفي”، أنا من زمان على فكرة نفسي أتكلم معاكي ومبسوط أوي إن الفرصة جت.
فتح ” حسن” باب الغرفة فجأة فخرجت سريعا من المحادثة وقد بهت وجهها مما أثار دهشة “حسن” فسألها باستغراب:
مالك؟
عنفته بتوتر:
مفيش حاجة يا “حسن” اتخضيت بس، ابقى خبط بعد كده.
رفع حسن حاجبيه لأعلى وسأل ضاحكا باستنكار:
أخبط؟
علاقته بها لم تكن مثل شقيقيها الاخرين، فحسن أقربهم لها في السن…بل وفترات طيشهم كانت معا لذا نطق:
جديدة أخبط دي.
أشار ل “يزيد” قائلا بلطف:
ادخل يا “يزيد” نام جنب “رفيدة” ولما البيتزا تيجي هبقى أجبهالك.
ضحك بمزاح موجها حديثه لشقيقته:
وأخبط علشان “رفيدة” متزعلش.
أنهى حديثه و غادر الغرفة تاركا شقيقته مع الصغير، وعقله منشغل بشيء أخر وهو سبب ذلك التجمع الموجود في الأسفل، والصمت المخيم عليهم، لذا قرر الذهاب لوالدته وسؤالها عن سبب ما يراه في المنزل منذ دخل من أشياء غريبة .
★***★***★***★***★***★***★***★
لليل صمت مهيب ولكن هذا الصمت كان ضوضاء في منزل “مهدي” خاصة حين وقفت “كوثر” وابنتها “علا” أمام “مهدي” في مكتبه تصيح فيه بغضب:
أنت اللي عملت فينا كده يا “مهدي”… حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا شيخ.
واجهها مدافعا بغيظ كتمه سنين طويلة:
أنا اللي عملت كده، ولا تربيتك الماسخة… ودلعك اللي بوظه.
_لا أنت اللي عملت كده، قولتلك من زمان طلع ” هادية” وبناتها من البيت… قولتلك وأنا شايفة الواد بيكبر وعايز بنتها وهي بتصده مشيهم من هنا غورهم في أي داهية ، وأنت عملت ودن من طين والتانية من عجين وسبتهم لحد ما ابنك بقى مستعد يعمل أي حاجة علشان مقصوفة الرقبة.
لطمت بقهر متابعة سرد مخاوفها:
عرفوا إن ابنك اللي عملها خلاص، مفكر هيسيبوه؟
هيجيبوه و يموتوه زي ما موت ابنهم… واديك انت بلسانك قولت إن اللي عرفهم الحية وبناتها اللي قعدتهم في بيتك.
كررت وابنتها تحاول تهدئتها:
حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا “مهدي” أشوف فيك يوم يا شيخ.
نطقت “علا” وقد تلفت أعصابها كليا:
يا ماما كفاية بقى حرام عليكي.
ضرب “مهدي” على مكتبه وهو يصيح بانزعاج:
ليه ما تسيبيها تكمل…. احنا نقعد نعدد ونسيب المصيبة الكبيرة.
قطع حديثهم دقات على الباب تبعها دخول “محسن” والذي قد علم بالأمر كله بعد أن أصبح طرف فيه، بمجرد دخوله نطقت “علا” بعنف:
هو أنت حد قالك تدخل يا بني آدم أنت!
_حاج “مهدي” أنا عندي مكان تقدر تخبي “شاكر” فيه، ومحدش هيعرف يوصله.
عرض “محسن” عرضه فهرولت له “كوثر” تسأله بلهفة:
بجد يا “محسن”؟
كانت نظرات ” مهدي” لا تقل لهفة عنها فأجابهم بنعم واثقا مما جعل “كوثر” تقول:
لو طلعت صادق، و محدش هيوصله فعلا
تابعت بما جعل “علا” تشعر وكأنها تهوى من جبل عالي فوالدتها حدثته واعدة:
لو طلعت صادق… اعتبر “علا” عروستك.
نظراتها مستنكرة، مستنكرة أن تكون ثمن…. وأي ثمن إن أفعال شقيقها الحمقاء كبش فدائها….
هي.
★***★***★***★***★***★***★***★
الهواء المنعش لم يفد في إطفاء نوايا البعض الخبيثة، جلس “جابر” مع والده وأتت لهم الخادمة بأكواب الشاي الساخنة، صرفها “محسن” وهو يقول لابنه:
مالك يا “جابر” في إيه؟
جرع ابنه من كوب الشاي الخاص به ناطقا باهتمام:
في حاجة كده لو طلعت صح… خططنا كلها هتتغير.
نجح في لفت انتباه والده الذي قال مسرعا:
حاجة إيه؟
_”شاكر” هو اللي قتل ابن “نصران” أنا سامع بودني أبوه بيقوله في التليفون “نصران” عرف كل حاجة، بعدها اتلغبط وساب البيت وقالي إنه عنده مشوار.
أخبر “جابر” والده بشكوكه، تلك الشكوك التي لو كانت حقيقة:
ده لو بجد كل حاجة فعلا هتتغير…. بس هنتأكد منين؟ كان هذا السؤال الأهم ولكنه لم يشغل بال “جابر” حيث طمأن والده بقوله:
مفيش حاجة بتستخبى، ولو مظهرش خلال أسبوع أنا هتصرف.
أراح والده قوله، راحة جعلته يفكر فعليا في مخططات بديلة لعودة ملكهم الضائع، والذي يرى أنه أصبح مباح لغيرهم، و ما أُخِذ بالقوة لا يُسترد بالنسبة له إلا ب الخطط الماكرة، والنوايا التي أبعد ما تكون عن النوايا الطيبة… إنها ليست إلا نوايا خبيثة.
★***★***★***★***★***★***★***★
نجح مخططه كما رسم له، فلقد دخلت إلى الملهى وسألت عنه، وبعد أن عثرت عليه أخبرها بود مزيف:
للأسف يا أنسة… “رزان” صاحبة الأوضة مش موجودة.
ظهر اليأس على وجهها، أما هو فكان ينتظر “رزان” فعليا فما عرفه “عيسى” مؤكد لن يخرج عنها، ولكنه قال ما جعل الأمل يعود لوجه “ملك”:
هجبلك المفتاح من بنت صاحبتها هنا… بس تقوليلي اسمك إيه الأول.
ابتلعت ريقها بذعر، هذه الأجواء ليست مثلها الموسيقى الصاخبة والحشد الذي يتراقص هنا وهناك، نطقت وعيناها تدور في المكان:
ملك.
ابتسم مجيبا بإعجاب:
حلو ” ملك” .
لم تشكره، ولم تنظر له بل تجاهلته فنادى هو على مساعدة “رزان” وطلب منها بنبرة عالية لتسمعه من بين هذه الموسيقى الصاخبة:
خدي الأنسة قعديها في أوضة “رزان”.
وافقت الفتاة، واصطحبت هذه المتيبسة ناطقة بملل:
ما تمشي عدل… مالك كده.
انتبهت لها وهزت رأسها موافقة، كسا عينيها بريق نادم على فعلته، هي الآن في أشد الحاجة إلى والدتها… هنا أيضا تعاني الخوف ولكن زاد عليه الغربة، ولكنها لن تعود إلى العذاب مجددا.
أدت الفتاة مهمتها وأجلستها في الغرفة و أخبرتها أنها لن تغلق الباب بالمفتاح تحسبا لاحتياجها أي شيء، أما عن ” باسم” فأرسل رسالة إلى ذلك الذي أجره اتصاله به ليزعج “ملك”… وكان نصها كالآتي:
خليك عندك برا… لو لاقيت ” عيسى نصران” جه وداخل رن عليا.
هذه الغرفة لم تمنع عنها ذلك الصوت المزعج في الخارج ولكنها هنا تشعر بأمان زائف حيث حاصرها الترقب فصارت كقط خائف ينتظر هجوم أحدهم في أي ثانية… دفنت وجهها بين ذراعيها بحزن على ما آلت إليه أمور حياتها… لم تعلم كم من الوقت مر عليها، ولكن الدقائق هنا كانت ثقيلة كالساعات، وربما لم يمر سوى دقائق شعرت بعدها بباب الغرفة يُفتح، فهبت واقفة بذعر، وزاد ذعرها حين رأت “باسم” أمامها فاكتسبت شراسة لا تعلم من أين أتت لها وهي تسأله:
في حاجة؟
أغلق الباب خلفه وظل يقترب منها دون نطق كلمة واحدة، كانت هي تتراجع للخلف مهددة بكل ما تملكه من قوة:
إياك تقرب تاني.
لم يكن يسمعها بل لمعت عيناه وهو يتذكر هذا المشهد بالتحديد، حين دخل الغرفة فوجد عيسى مقتربا من “رزان” بخطورة ويده تتخلل خصلاتها، يتذكر نبرته الهامسة التي تصنع عدم سماعها حين دخل الغرفة واخترقت أذنه كلماته:
بموت فيكِ يا بيبي.
يريد أن يرد له هذه اللحظة الآن، لذا استمر في قربه من “ملك” المذعورة والتى لم يبق خلفها سوى الحائط فأسرع في خطواته ناحيتها ووضع يده على فمها فلم تستطع الصراخ… عيناها مستغيثة في جميع أنحاء الغرفة، إلا حين تلتقي بعينيه تصبح شرسة متوعدة…
انفتح الباب، كان ماهرا في إزالة كفه من على فمها بل تصنع أن سبابته تسير على شفتيها ببطء وهو يقول بنبرة مماثلة للتي سمعها من قبل:
You are so beautiful,
I will be very lucky, if I kiss you now.
(أنت جميلة للغاية ، سأكون محظوظًا جدًا ، إذا قبلتك الآن)
أفقدتها الصدمة النطق، هذا المعتوه ماذا يفعل، جذبت كفه لتنزله بقوة ، وقد حملت نظراتها غضب امتزج بذعرها… ولكنها توقفت في المنتصف حين لمحت “عيسى” في الخلف، عيناه تقابل عينيها ويتحرك ناحيتهما مسرعا وفي عينيه نظرة لا تنساها أبدا…. وهنا همست باسمه:
“عيسى”.
وقد غزت حصونها الدموع التي صارت أقرب رفيق لها … ولكنها رفيق إجباري.
كاذب من قال أنا لا أندم، إن الندم فطرتنا… نحن بشر ولن يكون هناك مبالغة إذا قيل أن حجر أساسي في حياتنا يُدعى بالندم.
كم تمنيت أن أطير، ولكن الزمان وأد حلمي قبل بدايته فأصبحت على الحافة وأنتظر السقوط….لكنه أتى،
أتى ليخبرني أن السقوط نعمة للمترفين، وأن حقي فيها معدوم…. أتى مجددا لتذكرني تقاسيمه المشابهة لفقيدي الغالي بليلة….لا أنساها أبدا.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)