روايات

رواية وريث آل نصران الفصل الرابع عشر 14 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الفصل الرابع عشر 14 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الجزء الرابع عشر

رواية وريث آل نصران البارت الرابع عشر

وريث آل نصران
وريث آل نصران

رواية وريث آل نصران الحلقة الرابعة عشر

14=الفصل الرابع عشر ( ملك المفاجأة)
بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن اختياري، وُضِعت هنا قصرا … ولم يشفق أحدهم، كنت أريدها حياة وردية ولكنها تفننت في أن تريني كل الألوان عدا اللون الذي أردته، لم أكن يوما من أعدائها ….ولكنها الحياة وهذه أنا.

تلاحقت الأنفاس في صورة حاولت أن تكون منتظمة، جاهدت كثيرا كي تنام ولكن النوم هجرها… لذا بدت “رفيدة” ك النائمة في غرفتها المشتركة مع صديقتها “جيهان” وعقلها لا يتوقف عن التفكير بشقيقها الراحل… اليوم هو موعد عودتها لبيتها، كل شيء هناك يذكرها أنه رحل…تلاحقت الدموع ولم تمنعها هي ولكنها انتبهت جيدا حين لمحت “جيهان” تترك الفراش وتسير ببطيء شديد، ألقت “جيهان” نظرة على فراش “رفيدة” فتصنعت النوم كي تراقب ما ستفعله وبالفعل تحركت نحو حقيبة “رفيدة” المعلقة تبحث في داخلها عن شيء ما…. غزا الانزعاج حصون “رفيدة” فقامت من مكانها مباغتة صديقتها وتحدثت بانفعال:
بتعملي إيه يا “جيهان”؟

تركت ” جيهان” الحقيبة، وقد ساد الارتباك على الأجواء فلم تقل شيء سوى:
كنت بدور على تليفوني مش لاقياه… قولت يمكن نسيته معاكي في الشنطة.

بحثت “رفيدة” بعينيها عن الهاتف في الغرفة حتى وجدته في أحد الزوايا فجذبته واتجهت ناحية صديقتها تضع الهاتف بين يديها قائلة:
ابقي دوري في الأوضة كويس، قبل ما تروحي لشنطتي.

تصنعت “جيهان” الاستنكار وهي تسألها بغير تصديق مفتعل:
قصدك ايه اللي بتقوليه ده يا “رفيدة” ؟

_قصدي إن أنا مش هبلة يا “جيهان”، هو أنتِ مصاحباني ليه؟… طول الوقت عندك ظروف وعايزة فلوس وأنا طول الوقت بستلف من ماما علشانك لحد ما بقت تشك فيا
تابعت ” رفيدة” وقد بدأت الدموع تتجمع في مقلتيها:
أنا مليش أصحاب غيرك، أنتِ الوحيدة اللي سمحتلها تبقى في حياتي وقدرت اتعود على وجودها، الباقي يإما أنا اللي بخرجه، يإما هو اللي بيبعد… هو أنتِ فعلا بتحبيني علشان أنا “رفيدة” ولا بتحبي فلوس “رفيدة”؟….وختمت تواجهها بما يمزق فؤادها:
ده أنا لما بقولك مره مش معايا فلوس، أو مش هقدر أديكي المره دي مبشوفكيش… بلاقي إهمال وسيباني لوحدي وماشية مع الكل إلا أنا وكأنك عارفاني علشان ده بس.

حل الصمت ، فقط ” رفيدة” تنتظر رد أو توضيح ، نفي لكل هذه التهم ولكنها لم تسمع أي شيء سوى “جيهان” التي قالت معتذرة:
“رفيدة” أنا أسفه لكل حاجة، أنتِ بس فهمتي الموضوع غلط.
اتجهت ناحية فراشها متابعة:
اعتبري مفيش حاجة حصلت، ومش هطلب منك أي فلوس تاني، ولو طلبت متسمعيش كلامي.
لم تنكر شعورها بالذنب في هذه الدقائق القليلة التي تواجهت فيها مع “رفيدة”، دقائق لم تجن فيها إلا محاولات للهرب من صوت ضميرها الذي يستيقظ كل عام مره، وتحاول ” رفيدة” فيها استجماع ذاتها بعد أن تشتت في جدال لا فائدة منه.

★***★***★***★***★***★***★***★

لم يهمها شيء، ولم تعد تشعر بأي شيء ، لا ترى نفسها إلا ألة بشرية يحركوها هم، بعد اتصالها به وبعد ما أفصحت عنه لم تسمع منه إلا جملة واحدة فقط:
انزلي استنيني قصاد بيتكم.
ارتدت جاكيت ثقيل متمنية أن يقلل من حدة البرودة الخارجية حتى لا تجتمع ببرودتها الخاصة فيهلكاها.
أخذت مفتاح الدكان معها، إن فتحه و تشغيل النور داخله خاصة في توقيت الفجر هذا سيعطيها بعض الأمان، اتخذت مقعد أمام المحل تنتظر بقلب وجل، ولم يطل انتظارها كثيرا حيث حضر ، ها هو أمامها… شدت طرف كم ثوبها تضغط عليه بتوتر، وتركت المقعد واستقامت واقفة تنتظر ردة الفعل… برز في عينيه بريق مختلف، وكأنها إشارات معادية، كارهة وظهرت أكثر في صوته حين قال:
مقولتيش ليه من أول يوم جيتوا هنا؟

لم تجب كانت تحاول إعادة اتزانها الذي فقدته فلم تصبح قادرة على أي شيء ولكنها انتفضت حين صاح:
انطقي.

_كنت خايفة.
جملة امتزجت بالدموع، وصار الألم رفيقها المقرب وهي تتابع:
ودلوقتي كمان خايفة متصدقنيش، الخوف ده أسوء شعور في الدنيا بيسحب نفسك ويضيق الدنيا حواليك ويخليك حتى متبقاش قادر تقول أنت اسمك إيه… عذر وحش أوي إن أنا أقولك إني كنت خايفة … وعذر أقبح لما أخبي وأضيع حق أقرب الناس ليا علشان أقرب ناس ليا برضو….

هل ما تراه الآن منه هو نظرة استحقار؟… صدق ظنها حين قاطعها بابتسامة ساخرة تبعها قوله:
خوف!… طب خوف دلوقتي وعرفنا سببه، الخوف اللي خلاكي تخبي كان سببه إيه؟

يظن الإجابة بهذه السهولة، ولكن ظنه ليس صحيح فحين أتى الوقت لكي تقول الإجابة كانت لحظة من أصعب اللحظات التي مرت بها:
اليوم ده “فريد” طلب يشوفني، اتقابلنا….
نظرت للسوار في يدها وتابعت دامعة:
أنا اللي جبتله دي، علشان كان عنده واحدة شبهها و ضاعت… ملحقش يلبسها.
قالت جملتها الأخيرة بحسرة تبعها سردها:
اليوم ده حصلت خناقة بيني وبين “شهد”… أنا كنت خارجة أقابل ” فريد” ماما في الوقت ده مكانتش تعرف، كانت فاكراني عند صاحبتي، شهد كانت برا وشافتني وأنا رايحة من الطريق التاني فاستغربت ومشيت ورايا
ابتلعت غصة مريرة في حلقها وشعرت أن مع كل جملة يتحرر من روحها جزءا:
شافتني مع “فريد” و صورتنا علشان تقول لماما،
“شهد” غضبها بيعميها لكن لما بتفوق بتبتدي تستوعب اللي بتعمله وتتراجع… لما لقيت إني اتأخرت قومت أروح….
تابعت تقص له ما حدث من مقابلة “شاكر” وأخذها قصرا، وشقيقتها التي استغاثت ب “فريد” فهرولا معا قبل أن يفعل لها “شاكر” أي شيء.

لقطات مريرة تطعن عقلها الآن، ليست لحظات من العمر بل خناجر مسمومة وهي تنزعها الآن من عقلها لتريها للواقف أمامها ثم تغرزها مرة ثانية لتعود لمكانها من جديد، صورة “شاكر” شاهرا سلاحه يأمرها بنبرة لا تنساها أبدا:
اختاري.

صوت “فريد” المدافع وهو يخبره منفعلا:
السلاح ده يتحامي فيه اللي زيك،
لكن أنت لو كلب معدي من هنا مش هيختارك.

نظرات “فريد” التي تحثها على السير نحو شقيقتها الخائفة، وتلك الخطوات التي اتخذتها ناحية “شهد” ولكن يد “شاكر” تمنعها… تمنعها للمرة الثانية وهو يقول بحسم:
كده أنتِ اختارتي.

تلاحقت أنفاسها، ودقات قلبها… يا الله لا أستطيع، هل أستطيع إنقاذه الآن، ولكن لا اخترق صوت الأعيرة النارية أذنها… تلك الأعيرة التي أصابت جسد “فريد” فسقط على الأرضية وهرولت هي نحوه لتسمع نبرته الحانية للمرة الأخيرة:
هتفضلي أحلى حاجة في كل السنين.

لم يكن صراخ، كانت دموع تنزل في تتابع تدل على قهر هذه الراوية، حتى النفس صار استنشاقه صعبا عليها قبل أن تكمل:
بعدها “شاكر” هددنا، لو أنا أو “شهد” اتكلمنا هيقول إن “شهد” متفقة معاه، لأنه خد مننا التليفونات وشاف الصور اللي على موبايل “شهد”… قال إنه هيقولكم إن ” شهد” هي اللي صورتنا وراحتله، وهو راح على كلامها واتخانق مع “فريد” لحد القتل…. وبكده تبقى “شهد” شريكة بجزء في اللي حصل.

سمع ما عاناه نصفه الآخر، استطاع تصوير المشهد في رأسه، لم تخترق الأعيرة النارية جسد شقيقه فقط بل وكأنها اخترقت جسده الآن أيضا وهو يستمع لما حدث، كان سؤالها هو المشتت الوحيد لذكرياته حين سمعها تقول بألم:
مش مصدقني صح؟

_مبقتش فارقة أصدقك أو لا، أنا قولتلك أدعي ربنا لو تعرفي معرفش من برا قبل ما تقوليلي صح؟
كان سؤاله مثيرا للريبة لذا طالعته تقول بروح احترقت:
بس أنا قولتلك.

قطع الخطوات الفاصلة بينهم يصيح بانفعال جعلها تنكمش خوفا إثر الصدمة:
وأنا عرفت من برا قبلك… متخيلة كام ساعة بس كانوا هيفرقوا معاكِ قد إيه؟… ضحك بسخرية سائلا:
كنتِ مفكرة الوقت ملكك صح؟
أجاب على سؤاله أمام نظراتها المنهارة، القلب الذي استطاع سماع استغاثته الآن:
“فريد” مات في لحظة، الدقيقة دي بيقوم فيها حروب، وبتنهار فيها بلاد… الوقت مش ملك حد، والغبي هو اللي ميستغلش الفرصة… و أنتِ أغبى حد شوفته.

ألقى كلماته الأخيرة، وأعطاها ظهره راحلا…فهرولت خلفه تحاول اللحاق بخطواته السريعة وهي تناديه برجاء:
متسيبنيش كده، قول أي حاجة.

وصلت أخيرا ولكن بأنفاس متلاحقة بسبب هرولتها… اعترضت طريقه ووقفت أمامه وكان التجاهل نصيبها حيث وقف كالجماد لا روح فيه…. تمنت أي ردة فعل، قول واحد يطمئنها، ولكن هوت أمانيها أرضا حين قال:
كان ممكن أقول حاجات كتير أوي لو كان كلامك ده بدري شوية، كنت هدفع عمري زيه بالظبط علشان أحميكي لو كنت عرفت الحقيقة منك أول ما رجلك خطت هنا…

_أنا أسفة.
قالتها بانهيار، ودت لو صرخت بها ليسمعها الكون بأكمله ولكنه تجاهل ما قالته حين خرج من فمه جملة:
اشربي بقى اللي جاي سواء برضاكي أو غصب عنك.

لم يلق عليها نظرة واحدة بل تركها واتجه نحو سيارته، ورحل كأنها ليست متواجدة … استدارت تجر أذيال الخيبة متجهة نحو منزلها، ولم يكن لها رفيق في الطريق سوى الدموع…لقد رسمت الأحلام لأعوام طويلة ولكنها نست أن أرض الواقع قاسية… قاسية لأبعد حد ممكن.

★***★***★***★***★***★***★***★

إنه الصباح، حيث تستيقظ الطيور لتعلن بمرح أنها فازت واستيقظت أولا…وهنا في منزل مهدي كانت “كوثر” وابنتها وتلك السيدة التي تساعدهن في المطبخ من أوائل الذين استيقظوا في المنزل …جلست “علا” على مقعدها أمام الطاولة في المطبخ تتناول وجبة الإفطار بهدوء وهي تتابع والدتها قائلة بحماس:
حصل حتة حاجه في الكليه …بس أنا مش مصدقة الصراحه
لم تنتبه والدتها للحديث ولكنها انتبهت حين قالت:
الكلية كلها بتتكلم عن إن “شهد” كانت في حفلة واحده صاحبتنا كانت عاملاها …ومكانتش في وعيها وبقت مسخرتهم، هو أنا مشوفتش حاجه تأكد لكن أعتقد إن البت صاحبتنا اللي عملت الحفلة هي اللي ورا الموضوع ده …علشان شهد علطول بتعاملها بقلة أدب ومفكره نفسها بنت وزير …فلو فعلا صاحبتنا دي هي اللي عملت فيها كده فتستاهل .

سقط السكين من يد “كوثر” مما جعلها تقول بانفعال:
بت انتِ تعرفي متجيبيش سيرة المخفية دي لا هي ولا أهلها قدامي.

تدخلت المساعدة والتي لطالما كانت صديقة لهادية وتعلم كم عانت كثيرا هنا:
ليه بس كده يا ست كوثر حرام عليكي.

صاحت كوثر بغضب أفزع ابنتها، وجعلها تتوقف عن تناول الطعام وهي تسمع والدتها تقول للخادمة:
امشي اطلعي برا .

أطرقت السيدة رأسها بحزن وتحركت بالفعل نحو الخارج مما جعل “علا” تسأل بريبة:
في إيه يا ماما مالك ؟…واتعصبتي كده ليه ؟

جذبت “كوثر” مقعد لها وجلست تبكي بحزن فأسرعت “علا” تحتضن كفها وهي تعيد السؤال بقلق:
ماما مالك ؟

طالعتها “كوثر” وقد ضاق صدرها وتمنت لو استطاعت قول كل شئ لذا حسمت أمرها و سردت على ابنتها ما عرفته عن ابنها الذي لوثت الدماء يديه وأدخلهم في دائرة لا نهاية لها، لم تصدق “علا” ما تقول والدتها فحركت رأسها بإنكار ناطقة:
شاكر عمل كده !

تابعت “كوثر” بحسرة:
ياريتها جت على قد كده بس، أخوكي شكله اتجنن… أبوكي قاله إنه حلف قدامه مية يمين لو حد اتجوز البت دي غيره هيموتها ويموته.

اقشعر جسد “علا”… لم تستطع إدراك حقيقة مدى القبح الذي وصل له ” شاكر” لذا سألت وعلى وجهها تعبير مشمئز:
هو فين دلوقتي؟

ضربت “كوثر” على صدرها وقد أتت إلى النقطة التي جعلت النوم يجافيها فقالت:
في واحد كان بيدور وراه وعمال يسأل عليه وعلى هادية وعيالها… فقلق ونزل القاهرة علشان لو حصل حاجة يبقى بعيد…. أنا خايفة أوي يا “علا”، خايفة يكونوا عرفوا إن هو الل….
لم تكمل حديثها حيث سمعت هي وابنتها الضجيج القادم من الخارج فأسرعت في وضع حجابها وهي تهرول نحو الخارج مع والدتها فوجدا شاب تعترض الخادمة على دخوله بسبب عدم وجود رب المنزل ولكن ردعتها ” كوثر” حين قالت بقلق ينهش في أعصابها:
سيبيه يدخل.

أفسحت الخادمة الطريق أمامه، ودخل “عيسى” حيث أصبح في منتصف الردهة، رأى في عين السيدتين سؤال كانت إجابته قاتلة لهما:
“عيسى نصران”.

كانت ” كوثر” في طريقها للسقوط ولكن سندتها ابنتها وهي تقول بذعر، خوفا من أن يكون ابن هذه العائلة قد اكتشف أمر شقيقها:
بابا مش هنا.

ضحك “عيسى” واستدار ينظر إلى صورة “شاكر” المعلقة على الحائط وهو يسأل بتهكم:
وأنتوا متعودين بقى لما حد غريب بيجي زيارة،
تبقوا خايفين كده؟

ابتلعت “علا” ريقها وهي تحاول استعادة رابطة جأشها وهي تقول:
احنا مش خايفين ولا حاجة،
أنا بس بقول لحضرتك إن بابا مش هنا.

_وبالنسبة ل “شاكر”؟
باغتها بالسؤال فلم تسطتع الرد ولكن جاوبت والدتها بدلا عنها بسرعة:
شاكر مسافر… بيقضي مصلحة.

أمرها بحدة وقد كسا عينيه إشارات تحذيرية أثناء قوله:
اطلعي اندهيله.

قالت بانفعال واضح إثر فرط التوتر:
ما قولتلك مسافر، لو فوق هخبيه ليه؟

ابتسم قبل أن يجاوبها بما جعل قدميها تنذر بنفاذ طاقتها:
علشان خايفة مثلا؟

أردفت ” علا” بصدق حتى ينصرف هذا الغريب عنهم:
لو عايز تطلع تدور عليه اطلع… لكن “شاكر” مش هنا، شاكر بقاله كذا يوم مسافر.

هز رأسه موافقا وسمعنه أثناء حديثه:
ماشي، أنا همشي وجاي تاني لما…. و نطق كلماته الأخيرة بنظرة حاقدة:
لما صاحب البيت يرجع من برا.

طلبت “كوثر” من الخادمة توصيله، وخرجت بالفعل معه حتى وصلا إلى الخارج فأخرج حافظة نقوده وأخرج منها بعض الأوراق النقدية ودسها في يد السيدة قائلا:
خدي دول.

أعادتهم له قائلة برفض:
أنا مش عايزة فلوس…ولو حضرتك بتديني الفلوس علشان تعرف “شاكر” جوا ولا لا فهو فعلا مش جوا.
تابعت تطلب برجاء:
أنا عارفة إن الست هادية بقت قاعدة عندكم… السلام أمانة معاك توصله ليها، و تقولها تخلي بالها على “ملك”
والله أنا لو أعرف أروحلها كنت روحت.

كان يريد بالفعل سؤالها عن إذا ما كان “شاكر” بالداخل أم لا ولكنها أجابت قبل أن يسأل بل ويبدو عليها الصدق فسألها مستدرجا:
اشمعنا “ملك” اللي تخلي بالها منها؟

نظرت للأرضية بضيق امتزج بالشفقة على حالة هذه الفتاة المسكينة قبل أن تقول:
بص يا أستاذ أنا مش عارفة أنت عايز الأستاذ “شاكر” ليه، لكن هو بتاع مشاكل وكان عايز يتجوز “ملك” بالغصب، علشان كده طفشوا وراحوا عند الحاج “نصران” أبوك بس أنا سمعت”شاكر” من كام يوم قبل ما أدخله بالقهوة وهو بيحلف إنه لو متجوزهاش هيموتها ويموت اللي هتتجوزه… علشان كده أنا خايفة عليها، “ملك” دي أغلب من الغلب مش قد “شاكر” وعمايله
سمعت نداء “كوثر” من الداخل لذا أسرعت نحو الداخل وهي تكرر برجاء مذكرة:
أمانة عليك ما تنسى توصلها الرسالة يا أستاذ.

كانت تقوم بتوصيته في نفس التوقيت الذي دخلت فيه “هادية” إلى غرفة ابنتيها “ملك” و “شهد” حتى تقوم بإيقاظهما فوجدت “ملك” جالسة على الفراش تضم ركبتيها وتحاوطهما بذراعيها مستندة بذقنها على كفها، هرعت إليها “هادية” وهي ترى تقاسيمها التي تحاكي الموتى.
قامت بالقبض على كفها وهي تسأل بلهفة:
مالك يا حبيبتي قاعدة كده ليه؟… وإيدك مالها متلجة كده ليه؟

استيقظت “شهد” على صوتهما فقالت بانزعاج وعيونها ما زالت مغلقة:
الصوت.

هزت “هادية” ابنتها بعنف وهي تحثها بقلق:
قومي معايا نشوف اختك مالها.
انتفضت “شهد” وهي تسأل عما حدث فوجدت نفس المشهد الذي رأته والدتها، وقد أتت “مريم” من الخارج ودخلت الغرفة لهن لتسمع “شهد” تسأل باهتمام:
مالك يا “ملك”؟

كان السؤال الذي يدور في ذهنها هو ما السبب في بقائها على قيد الحياة حتى الآن؟، هل كل هذا الوجع لم يستطع أن يفتك بها… لم تجب على أسئلتها بل أجابت عليهم بما خل توازنهن:
” عيسى” عرف إن “شاكر” هو اللي قتل “فريد”.

بدأ عقل ” شهد” يرسم لها الأبشع، بالتأكيد “شاكر” سيقحمها في الأمر بطريقة ما كما توعد من قبل….لم يمنعها تفكيرها من سماع سؤال والدتها حيث سألت بذهول:
أنتِ اللي قولتيله؟

_عرف من برا…. قولتله كل حاجة وقولتله على تهديد “شاكر” إنه يدخل “شهد” معاه.
قالتها بدموع فسألت “مريم” بأمل:
وصدقك صح؟

ألقت قنبلتها الأخيرة والتي جعلت حالتهن تسوء:
اعتبرنا زينا زيه بالظبط، لأننا كنا عارفين وساكتين.

إن ما تم حياكته في الخفاء، يظهر بوضوح الآن للعيان، و لم يبق إلا ثمن الصمت والذي يدق بابهن الآن بقوة.

★***★***★***★***★***★***★***★

إنها غرفة الأحلام بالنسبة له… هنا حيث تتناثر الأقلام واللوحات الموضوعة على المسند الخشبي، هذا المرسم الصغير الملحق بمنزلهم والذي ساعدته والدته في إقامته بعد دخوله كلية الفنون والتي كانت هدف أمام عينيه بسبب هيامه الشديد بالرسم.
كان “حسن” يقوم بتلوين باقي اللوحة حيث لُطِخت ملابسه بالألوان وأجزاء من وجهه أيضا، هو هنا منذ أمس والآن حان وقت الظهيرة وهو لم يخرج بعد….استدار حين سمع صوت الباب يُفتح فوجده “طاهر” يحمل “يزيد” على رأسه قائلا بمرح:
شوف أنا أخوك بقالي قد إيه بس عمرك ما فكرت ترسمني.

أيد “يزيد” حديث والده وهو يقول:
أيوة أنا وبابا جايين هنا علشان ترسمنا
مال “يزيد” على رأس والده يسأله باستفسار:
بابا ينفع نرسم كمان “إياد” صاحبي معانا؟

ترك “حسن” الفرشة من يده متحدثا بغيظ:
يعني جاي أنت وابنك وعايزين تترسموا وقولت معلش عيلتي وهستحملها… إنما هرسم صحاب “يزيد” باشا كمان كده كتير.

اقترب “طاهر” من إحدى اللوحات متأملا وهو يحدثه:
يا بني هو أنت تطول ترسمني ولا ترسم ابني… أنا بدخلك التاريخ من أوسع أبوابه وأنت اللي بترفص النعمة.

_عمو “حسن” بيرسم بنات بس…
قالها “يزيد” مما جعل “حسن” يقاطعه قبل أن يتابع:
إيه يا “يزيد” ده أنا صاحبك ليه بتشردلي كده طيب؟

دفعه “طاهر” بضجر وهو يقول بغير رضا عن أفعاله:
يا شيخ اتلم بقى… حتى الواد الصغير بقى قافشك.

قطع حديثهم حين سمع “طاهر” رنين هاتفه فأجاب ليجد أحد رجالهم في القرية يخبره بأن شخص يُدعى “باسم عراقي” يسأل عن منزل “عيسى” ، بدر إلى ذهن “طاهر” أنه ربما صديق ل “عيسى” لذا قال للمتصل:
طب هاته وتعالى.

أنزل “يزيد” وقال ل “حسن” قبل أن يغادر المرسم:
“حسن” خلي “يزيد” معاك وأنا هروح أشوف “عيسى” جه ولا لسه علشان حد جايله.

وافق “حسن” على الفور، وغادر “طاهر”
إلى المنزل كي يسأل عن “عيسى” ولكنه وجد “نصران”، و ” سهام” يقفان في الردهة وقد سبقه “عيسى” حيث دخل قبله بلحظات… أراد أن يخبره بأمر هذا الضيف ولكن أشار له “عيسى” طالبا:
ثانية واحدة يا “طاهر”… في حاجة مهمة عرفتها لكن عايز أقول لبابا حاجة قبلها.

اقترب ” عيسى” ليصبح أمام والده تماما… لم يخف على “نصران” بركان ابنه الذي أوشك على الانفجار، هذه النظرة وجدها من قبل في عيني “عيسى” يوم وفاة والدته.
فربت “نصران” على كتف “عيسى” وسألت عيناه قبل فمه:
فيك إيه؟

كان الجميع ينتظر ما سيتفوه به على أمر من الجمر، هو كما عودهم منذ يوم مجيئه الأول ملك المفاجأة لذا سمعوه جميعا كانت نبرته حاسمة…حسم لو وقفت كل قريتهم معترضة أمامه لضاع الاعتراض أمام الإصرار خاصة وهو يصرح:
بابا أنا عايز أتجوز “ملك”.

إن الأقوال المفاجئة تقلب كياننا، تشتتنا وتجعل تفكيرنا عاجز عن فعل أي شيء… وكذلك كان قوله.
قول جعل بعضهم يشتعل ، ووضع بعضهم في دائرة الحيرة.
خطوة لم بحسب لها أحد كخطوة ” شاكر” قبل أن يصوب نحو “فريد”…. من المفترض أنها خطوة في حياته هو ولكنهم جميعا لن ينسوها أبدا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى