رواية وريث آل نصران الفصل الخامس 5 بقلم فاطمة عبدالمنعم
رواية وريث آل نصران الجزء الخامس
رواية وريث آل نصران البارت الخامس
رواية وريث آل نصران الحلقة الخامسة
الفصل الخامس (يُقال زوجته)
#رواية_وريث_آل_نصران
بسم الله الرحمن الرحيم
ذنب من؟
من جنى علينا وتسبب في سحب أنفاسنا!
من وجد لذته في انهيار قلوبنا؟ ، ومن أسعده شقاؤنا وأحزنه فرحنا؟
الأسئلة كثيرة ولكن الجواب الأكيد أنه هنا بجوارنا
إنه ما زال يتلذذ وإما المقاومة أو الموت.
كانت حالة “ملك” يُرثى لها… هي أمام هذا الذي يستجوبها، نسخة من فقيدها ولكن تخيفها.
بعد صمتها الذي طال رمقته بعيون زائغة ولجأت لقول:
أنا عايزة أروح.
قالتها وتحركت لترحل ولكنه لحق بها يقطع الطريق أمامها وقد حسم أمره حين نطق:
مش قبل ما تقولي اللي تعرفيه، وأظن أنتِ جيتي هنا بإرادتك، محدش كتفك وجابك بالغصب.
_أنا عايزة أمشي.
كررتها بإصرار وهي تنظر حولها في هذا الظلام علها تجد ملجأ، لم تفارقها نظراته ثانية حتى آتاه اتصال هاتفي فاستغلت هي الفرصة مهرولة من هنا، هرول خلفها ولم يترك لها الفرصة ولكن سرعتها كانت كبيرة… وكأن الموت يهرول خلفها.
خرجت صرختها حين وجدت من يجذبها عنوة، حاولت التملص من قبضته ولكنه أحكمها حين آتاه الاتصال ثانيا وبمجرد سماعه لقول من يحدثه قال:
دخلهم وهاتهم على ال location اللي هبعتهولك ده.
ألقت ألمها وأملها في بئر عميق وتركت نفسها هكذا جسد بلا روح…استكانت أخيرا ولم تعارضه حين تحرك بها عائدا نحو منزل الصياد الذي دقت أبوابه منذ قليل.
في نفس التوقيت
كان ثلاثتهن يقفن ينتظرن قرار سماح الدخول… طال الانتظار مما جعل “مريم” تنطق بتعب:
هو احنا داخلين نفجر المكان… حضرتك احنا اختنا جوا هندخل ناخدها ونخرج.
قطع حديثها ظهور ذلك الشاب الذي التفتت له “شهد” إنه هو ذلك الذي ظنته عريس ابنة عمها، وكزت والدتها تنبهها والتفتت “مريم” هي الاخرى لترى هذا الشاب ونظراته متوجهة نحو “شهد” فهي ليست غريبة عنه… أي مصيبة جديدة قدمت لهم بها؟
قال مشيرا للداخل:
اتفضلوا.
دخلن خلفه، فوجدته والدتهن يتجه نحو سيارته فنطقت “هادية” بقلق:
خير احنا رايحين فين يا أستاذ؟
قال هو يفتح باب سيارته لهم:
حضرتك بتقولي إن بنتك دخلت هنا، هوديكم ليها.
هزت “هادية” رأسها موافقة وجلست في المقعد المجاور له، وفتياتها في الخلف، بدأ قيادة سيارته مبادرا بسؤال:
هي دخلت ليه؟… وإيه اللي حصل؟
كان الارتباك قد غزا الأجواء بالفعل ولكن الآن توغله قد زاد… تبادلن النظرات في قلق حتى قالت “هادية”:
هي تعبانة شوية احنا آسفين على الإزعاج ده.
_هو بيت الحاج ” نصران” فين؟
قالتها “شهد” من الخلف فرمقتها والدتها بحدة ، علم أن الأمر ليس مجرد فتاة هاربة بل هو أكبر ولكنه التزم الصمت حين نطقت “هادية”:
لما نشوف أختك الأول.
نامت على كتف مريم متأففة بانزعاج وتابع هو طريقه وداخله مملوء بالاستفسارات المُهلِكة.
★***★***★***★***★***★***★
وقف الطبيب بجوار ” شاكر” بعد أن رأى جرح قدمه، وجاورته والدة “شاكر” و “علا” شقيقته التي نطقت بغيظ:
حسبي الله ونعم الوكيل فيهم.
سألها “شاكر” بعد أن انصرف الطبيب بهدوء:
أبويا فين ؟
قالت والدته “كوثر” وقد ظهر على ملامحها الإرهاق:
كان معاه ناس في البيت اللي جنب الأراضي وقال هيبات هناك.
صمتت تمسح على خصلات ابنها متابعة:
بس بعد اللي حصل اتصلت بيه وهو بعت الدكتور وقال جاي.
قالت “علا” ببغض موجهة حديثها لوالدتها:
اسمعي يا ماما بابا لازم يتصرف معاهم المره دي، دول يستاهلوا يترموا في الشارع… شوفتيهم مفيش واحدة منهم كلفت نفسها تشوف شاكر جراله حاجة ولا لا
تابعت بغل:
جريت الحلوة “شهد” وراها، وأمها والسنيورة الصغيرة جابوا طرحهم وطلعوا يلحقوهم.
أرادت كوثر سؤال ابنها فهي لا تعلم أي شيء، فقط ترى اجتماعات يعقدها زوجها مع هادية وابنتها و”شاكر” ويأمر بعدم دخول أحد، وغموض حل على الأجواء في البيت.
تحمست وسألته:
هي البت “ملك” عملت كده ليه يا شاكر؟
مش معقول كده دبت السكينة في رجلك من الباب للطق
تابعت بغيظ من ابنها وقد زادت الحدة في لهجتها:
و بعدين هو أنا مش قولتلك تشيل اللي متتسماش دي من دماغك، عايز ايه تاني منها يا “شاكر” على جثتي تتجوز بنت حسن.
نطق بضجر وقد طفح كيله فوالدته لا تدري بمصيبته:
قولي لجوزك يشوف ملك وأخواتها فين علشان منبقاش جثث بجد.
تسارعت أنفاسه هو يعلم أن “شهد” لن تقول شيء، ولكن “ملك” إذا لم يلحقن بها هناك احتمال شبه مؤكد أن تقول كل ما لديها.
في نفس التوقيت
توقفت السيارة أمام المنزل الصغير التابع للصياد، كان “عيسى” ينتظرهم في الخارج، انقبض قلب “شهد” ووالدتها فكلاهما رأى فريد من قبل… شهد في تلك الليلة المظلمة، ووالدتها رأت صورته على هاتف “ملك”.
شعور رؤية شخص مات وكأنه حي أمامك مع تيقنك من موته شعور مقبض.
هرولت ” ملك” من الداخل وأسرعت إلى والدتها التي احتضنتها وقد وصلها ذعرها أما “عيسى” فخرج سؤاله صريحا موجها لهن:
تعرف فريد منين؟
زفرت “شهد” بارتياح حين تيقنت من أن شقيقتها لم تقل شيء ، لم تدر “هادية” أي شيء تقول، وكذلك “مريم” فهي لا تعلم إلا القليل فقطعت “شهد” الصمت أخيرا تردد ما رتبته جيدا:
“ملك” و “فريد” كانوا بيحبوا بعض.
لم تستطع والدتها ردعها ولا حتى نظرات “طاهر” و “فريد” التي صوبت نحوها بل تابعت حتى لا يغلبها التردد في أي ثانية:
أنا عرفت الصبح بخبر وفاة “فريد” وأنا بشتري حاجات من السوق، وقولت لملك حصلها انهيار ومكانتش مصدقاني وفضلت حابسة نفسها في الأوضة، ولما خرجت وكانت بتجري وقابلتك على الباب افتكرتك هو.
داهمها بسؤاله الذي لم يفت عليه:
وبالنسبة لكلام عمك عن إنها خطيبها ميت بقاله فترة والفيلم الهندي اللي عمله عليا ده.
تابعت بعينين اتخذا من تمثيل الصدق وشاحا، وحقا لقد برع تمثيلهما وهي تتحدث بحزن:
عمي ميعرفش حاجة عن موضوع “ملك” و “فريد” الله يرحمه، واضطر يقولك كده أكيد علشان يبان موقف عادي لأنه اتصدم زيه زيك بحالتها دي.
تقدم “عيسى” بخطوات ثابتة كانت نتيجتها أنه أصبح أمام “هادية”، كانت ” ملك” قد اختبأت بها، رفعت عينيها ناحيته فسمعت سؤاله الذي يحمل الشك، وعيونه التي لمعت ببريق غامض:
إيه رأيك في الكلام ده يا “ملك” هانم.
استجمعت ذاتها المشتتة وحاولت أن تخرج الكلمات منها صحيحة غير متقطعة وهي تقول بدموع قد فرت من عينيها:
ده اللي حصل.
رمق “عيسى” “طاهر” الذي لم يبد على وجهه أي تعبير، بدا الكلام منطقي إلى حد كبير ولكن تبقى نقطة سبب سؤال “شهد” عن “نصران”.
قالت ” هادية” هذه المرة تقطع حروب العيون التي نشبت هنا أو ربما تخمدها قليلا:
أنا عايزة أقابل الحاج “نصران”.
أولاها ” عيسى” و “طاهر” كامل اهتمامهما بينما تابعت هي بابتسامة صغيرة أخرجتها قصرا:
قوله “هادية” مرات حسن عبد الباسط.
نظر “طاهر” في ساعته ليجد أنها قاربت من السادسة صباحا، لم يعرف ماذا يقول ولكن أنقذ الموقف “عيسى” الذي قال:
تقدري تقابليه الصبح… ده غير إن في كام سؤال كده هنسألهم لبنت حضرتك
أشار على حالة “ملك” التي يرثى لها متابعا:
واعتقد أفضل برضو الصبح.
أسرعت “شهد” تنظر لوالدتها خوفا من أن تقرر العودة لبيت عمهم ولكن آتى قول “طاهر” ككوب شاي ساخن في ليلة شتوية قارصة:
خليكوا في المضيفة للصبح، ولما تقابلوه امشوا.
كان هذا بالفعل أنسب حل، ودت “شهد” لو اتسعت ابتسامتها الآن فلقد حدث ما أرادت، التقطت هادية كف “مريم” وكانت “ملك” متشبثة بيدها الاخرى، أشارت لشهد كي تسير أمامها وهن يتجهن خلف طاهر إلى سيارته.
لم يبق سواه “عيسى”… ذلك الذئب المترقب، نفث دخان سيجارته متتبعا أثرهم بعينيه يفكر في الحديث الذي قيل ، وما بين شك ويقين تأرجح هو ليختم الموقف بهمسته الغامضة:
هنشوف.
★***★***★***★***★***★***★
في منزل ” مهدي”
دخل غرفة ابنته واجما وقام بصفع الباب خلفه صائحا بضجر:
مشيوا يا ابن أمك، قابل وقعد اللي جاي بقى.
هز “شاكر” رأسه بلامبالاة يحاول أن يجعلها ثابتة الآن حتى لا يتزعزع ثباته ونطق بهدوء:
ماشين من الفجر ودلوقتي فاضل تلات ساعات على الضهر… فكرك لو قالوا حاجة كنت هفضل في سريري كده.
مد يده يتناول كوب المياه من جانبه متابعا:
شهد دي حية ومش هتورط نفسها وهي عارفة إني ماسك عليها حاجة، روح اسأل عليهم في قرية نصران بكرا لو مرجعوش النهاردة… لو هناك هاتهم وتعالى، مش هناك سيبهم هما هيرجعوا من نفسهم لما تضيق عليهم.
استنكر “مهدي” حدوث كل هذا ولكنه أصبح أمر واقع… نطق إثر غضبه:
لو بإيدي كنت قطعت جتتك حتت.
_يوه
صرح بها “شاكر” ملقيا بالكوب الزجاجي على الأرضية فزاد صوت التهشم من حدة الأجواء، هو يحاول البحث عن حل، يحاول البقاء صلبا ولكن والده يتفنن في زعزعة ثباته.
نطق بتبجح وقد قست تقاسيمه فبدا مخيفا:
أنا مش ناقص وجع دماغ، بدل ما تقطم فيا فكر هتنفذ الحل اللي يخرجنا من كل ده ازاي.
رفع “مهدي” حاجبيه وهو يسأله بسخرية لاذعة:
وإيه هو بقى الحل ده يا سي “شاكر”؟
_أتجوز ملك.
قالها وبرزت بسمته وتوجهت عيناه ناحية والده يتبادلا النظرات، لا حل سوى ذلك زواجه منها ضمان لصمتها بل و فوز عظيم لن يتهاون في تحقيقه.
★***★***★***★***★***★***★***★
كان الوقت قبل الظهيرة ربما بساعة… جلس ” عيسى” على أحد المقاعد هنا في غرفة المكتب الخاصة بوالده، وأمامه يجلس “نصران”… طال الصمت الذي قطعه ” عيسى” بسؤاله:
قولتلي امبارح أجيلك لوحدي يا بابا في إيه؟
آتى “نصران” ليتناول قدح القهوة فردعه عيسى:
مش كويسة ليك دي.
ابتسم “نصران” وترك قدحه ليبدأ في حديثه الهام:
اسمع يا “عيسى” أنت طول عمرك شارد وبعيد، قولتلك على الكلية اللي نفسي تدخلها وعملت اللي في دماغك وروحت درست هندسة، قولت مش مهم بعد الدراسة هيرجع ويبقى دراع أبوه اليمين… لقيتك مبتعملش حاجة بشهادتك وروحت اشتغلت في العربيات
تنهد “عيسى” في حين تابع “نصران” يعدد ما في ابنه من أشياء حسنة:
أنا عارف من زمان إنك شاطر، و مخك مفيش أنضف منه، وعارف إن معرض العربيات بتاعك ده أنت اشتغلت عليه سنين لحد ما بقيت صاحب معرض عربيات مفيش منه بس أنا عارف إن حبك للعربيات والسبق مش كل اللي عندك… أنت عملت اللي نفسك فيه وجه الوقت تعمل اللي أبوك نفسه فيه.
أشار “نصران” بعينيه على البراد الصغير في الزاوية طالبا:
قوم افتح التلاجة اللي هناك دي هتلاقي فيها حاجة بتحبها.
انكمش حاجبي “عيسى” ولكن نفذ أمر والده واتجه نحو البراد يفتحه ليجد زجاجات متراصة من مشروبه المفضل، استدار لوالده ينطق بغير تصديق وقد لاحت ابتسامة على وجهه:
“بابل تي”
نطق “نصران” بألم ينهش في قلبه:
فريد قال إنك بتحبه، وبقى يشربه هو كمان وخلى “تيسير” تحطه في التلاجات كلها حتى التلاجة اللي في المكتب هنا.
تجمد “عيسى” مكانه، عادت نظراته للمشروب الذي تم رصه بعناية استطاع أن يسمع جيدا صوت شقيقه وهو يقول مازحا:
“بابل تي” يا بن “نصران” أبوك لو عرف إنك مبتتكيفش غير لما بتشرب البتاع اللي بفراقيع ده هيتحسر على خلفته.
أغلق “عيسى” البراد دون جلب أي شيء، عاد لمقعده في صمت حزين أطبق على المكان، وتناول كوب الماء يرتشف منه بروح افتقدت نفسها.
نظر إلى والده نظرات ثابتة فبدأ “نصران” الحديث مجددا يسرد له مقتطفات من الماضي:
جدك زمان لما حب يعرف مين هيبقى أد مسئولية إنه يبقى الكبير من بعده جبني أنا وعمك وعمل معانا نفس اللي عملته معاك أنت وطاهر امبارح ، أنا عملت زي طاهر ثورت وقولت لا وإن أبويا اتخبل، وعمك الله يرحمه عمل زيك لكن هو مات وأنا بقيت الكبير وأنا مش عايز.
اقترب من ابنه وسهام عينيه مصوبة جيدا نحوه:
قرية “نصران” دي ثابتة زي الجبل من أيام جدك نصران الكبير، كتير حاولوا يهزوها بس محدش عرف… هنا دارك والقاعدة هنا إنه مهما حصل مينفعش البوليس يدخل دارك، وإلا متبقاش كبير ولا يبقى ليك كلمة على حد…. الشرطة تبقى تحت عينك مش أنت اللي تحت عينها، القرية هنا كلها مفيهاش غير مركز واحد وبيهشوا فيه الدبان… عارف ليه يا “عيسى”؟
سأله بعينيه فأجابه ” نصران” بكلمات تمنى لو نُقِشت في رأس “عيسى” :
علشان احنا والحكومة اصحاب، و صاحبك لا تناسبه ولا تشاركه وطالما احنا اللي كلمتنا ماشية هنا زي الساعة يبقى احنا الأصل…. لو حد عاز يشتكي هنا بيجي لنصران مبيروحش المركز، حتى الشرطة عارفة إننا أهل في بعض مبنحبش الحكومة تدخل بيننا.
ارتشف القليل من الماء وتابع يوضح الأمر:
فريد راح عند اللي خلقه وحقه في رقبتنا ومش هنرتاح غير برجوع حقه، مفيش غيرك إنت و”طاهر” و”حسن”…. طاهر طاير بطايرته وشايف الدنيا من فوق بس راجل ووقت الوقفة هتلاقيه وتد، أما “حسن” بقى فده أمه هتفسده… أنت من النهاردة هتقعد هنا وتنسى الزيارات دي، أنت وطاهر دراعي وضهري ولما أموت هيبقى الورث إنكوا الكبار ودي حاجة تقيلة أوي علشان فيه مية تعبان بيحاربوا علشان يثبتوا إن ليهم شبر هنا، جدك الكبير ساب المال والأرض ودول كنز كبير أوي بس في كتير بيقولوا إن ليهم في الكنز ده ودي حكاية طويلة هحكيهالك لما ربك يأذن.
قبض على كف ابنه مختتما:
مفتاح الكنز ده في إيدك، “طاهر” عينه مليانة مش هيتخانق إنه يبقى في إيده هو، أنتوا هتبقوا سوا ولما “حسن” يتعدل هيبقى معاكم، وأنا طول ما فيا نفس معاكم.
هز “عيسى” رأسه موافقا يحاول تجميع كل ما قيل، شعر بأن الأمر ثقيل إلى حد لا يطاق… هل سيترك حياته الأساسية ويبقى هنا!
هل سيتحول شغفه وأحلامه إلى أشياء ثانوية أم سترتفع مكانته ويحافظ على الأحلام أيضا.
فاق على صوت “نصران” يقول:
قوم يلا علشان فاضل شوية على الصلاة.
قام من مكانه وسند والده فهو ما زال مريض لم يتم شفائه بعد، فتح الباب ليجد “سهام” فقال “نصران” ماسحا على رأس “سهام” التي قتلت الدموع عينيها:
هتوضى يا “سهام” وأجيلك.
هزت رأسها موافقة، رمقها عيسى بنظرة جانبية وهو يسير مع والده ، ترك والده يده متحركا تجاه المرحاض، فسألت “سهام” عيسى بدموع:
ينفع أروح لفريد دلوقتي؟
تجاهلها وكأنها ليس لها تواجد على الإطلاق وتحرك جوارها بنظرات حادة متعمدا دفعها بكتفه أثناء رحيله.
_أي
لم يخرج منها سوى هذا التأوه أما عن ملامحها فكان انكماشها دليلا كافيا على ضيقها مما حدث بل وما سيحدث أيضا!
★***★***★***★***★***★***★
_كلي يا “ملك”
قالتها “شهد” وهي تضع أمام شقيقتها شرائح الجبن المفضلة لديها، وقد وُضِع البيض المقلي جوارها، وشرائح البطاطس المقلية…. فمن استضافهن سخي حتى في إرسال الإفطار كان هذا ما دار في خاطر “مريم” حين أحضروا لهم في الصباح الحقائب بالطعام.
هزت ملك رأسها نافية بمعنى لا تريد فترجتها “مريم”:
علشان خاطري يا ” ملك” … كلي لقمتين بس.
لم تجب عليها فهنا قالت “شهد” وقد طفح كيلها:
اسمعي يا “ملك” عدم أكلك ده يا حبيبتي مش هيموتك لوحدك هيموتنا كلنا، لو موقفتيش وصلبتي طولك كده وفضلتي مفرفرة أخو فريد هيتأكد إننا مخبيين عليه.
هنا احتدت نظرات “ملك” وهي تنطق بغضب:
وأنتِ كدبتي عليه ليه… أنا هقوله، محدش هيجيب حق “فريد” غيرهم.
هزت “شهد” رأسها نافية تحاول جاهدة جعلها تعرض عن تفكيرها هذا:
تقوليله ايه، إحنا مش قد “شاكر” دلوقتي… شاكر معاه تليفوني وعليه صورك مع فريد، لو أي حد عرف حاجة هيلبسهالي معاه، احنا هنتصرف ونجيب التليفون منه وبعدها أنا بنفسي هبلغ عنه.
استقامت ملك واقفة متحدثة بنبرة عدوانية مرتفعة:
وأنا إيه اللي جاب صوري مع فريد على تليفونك، وأنتِ جيتي منين يومها أصلا، كنتي بتعملي إيه يا شهد.
صرخت فيها “شهد” وقد اشتعل فتيل غضبها:
متزعقيش كده… أنا لولا وجودي كان شاكر زمانه قاتلك ولا عامل فيكِ أي مصيبة.
حاولت “مريم” الفض بينهما فدفعتها “شهد” متابعة:
احنا حاطين في بوقنا مية جزمة، بس لو في حد المفروض يتحاسب يبقى أنتِ، لو مكنتيش خرجتي معاه مكانش مات.
تابعت بعيون شابهت شراستها شراسة عيني ذئب:
أنتِ مش بريئة ايدك عليها دمه زي ما إيد شاكر عليها دمه، و إيدي طالت دمه.
خرجت والدتهن على صوتهن المرتفع بل و الكارثة الأكبر على “ملك” تصفع شقيقتها مما جعل “مريم” تشهق عاليا، وتهرول ناحية والدتها التي رمقت “ملك” بسهام حادة ، بينما ارتفعت شهد بدموع تجمعت في عينيها:
عاجبك كده يا ماما؟… أنا مش هرد عليها بس علشان عارفة اللي هي فيه.
سمعن دقات الباب وصوت “عيسى” ووالده في الخارج بالتأكيد آتوا لاستجواب “ملك” تلك التي تحول ذعرها إلى عدوانية.
اقتربت منها “مريم” تقول برجاء وكأن دقات الباب تدق على جسدها:
بالله يا ملك تسكتي، شهد هتتداس في الرجلين لو قولتي حاجة، هي لحقتك كانت خايفة عليكي.
تحركت والدتهم لتفتح الباب في الخارج بينما قالت شهد بسخرية:
مش هخاف أنا يا “ملك” من البصات دي، عايزة تقوليلهم يا حبيبتي قوليلهم، و متبقيش تزعلي بقى لما يرموكي لعمك وتتجوزي شاكر علشان يشغلك خدامة لأمه.
_مفيش واحدة متجوزة بتتجوز تاني يا “شهد”
قالتها “ملك” فجحظت عين “شهد”، وانكمش حاجبي مريم مصدومة بينما في نفس الثانية سمعن صوت والدتهن مختلط بصوت ضيوفهن من الخارج تنادي على ابنتها الكبرى… ابنتها
” ملك” .
من منا يعلم حقيقة الآخر، ليست كل الحقائق واضحة
هناك حقائق تُبنى عليها حيوات، وحقائق اخرى تقود أصحابها للقبر.
لسنا أبرياء، ربما كنا ولكن إذا أقسمت الآن أن لا شيء لطخ البراءة لديك
فاعلم أنك كاذب.
ربما تحتاج لليلة لا تنساها أبدا لنعلم هل أنت حقا برئ أم تُخفي حياة اخرى.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)