رواية ورطة مع السعادة الفصل الخامس 5 بقلم رضوى جاويش
رواية ورطة مع السعادة البارت الخامس
رواية ورطة مع السعادة الجزء الخامس
رواية ورطة مع السعادة الحلقة الخامسة
طرقت على باب شقة الحاج حسن .. وابتسمت عندما تناهى لمسامعها صوته يؤكد مجيئه ليفتح الباب و خطواته الثقيلة تقترب بالفعل و اتسعت ابتسامتها عندما انفرج الباب عن محياه الطيب و ابتسامته المحببة ..
هتفت في سعادة :- صباح الخير يا حاج حسن ..
ودفعت إليه بصينية عليها طبق كبير مغطى .. تناولها العجوز في فضول ليرفع الغطاء هاتفاً في سعادة :- أرز باللبن !!؟.. يبدو شهيا .. انا أغبط الدكتور ياسين فهو غارق بالفعل في
ما لذ و طاب من صنع يديكِ الجميلتين..
قهقهت هاتفة :- من ناحية غارق .. فهو غارق بالفعل ..
و تذكرت كيف انها وضعت بعض المسهلات في طعام قد أعدته بعد ان تناولت منه ما يكفيها و تركته لعلمها بضعفه امام رائحة الطعام الشهية .. و بالفعل اكل منه بشهية كبيرة ليظل غارق حتى أذنيه في نوبات الذهاب للحمام حتى اليوم التالى ..
ثم غيرت الموضوع متسائلة :- لا اعرف يا حاج حسن ما الذى يحدث!؟.. مر اكثرمن شهر على افتتاحى للعيادة و لم يأتِ و لا مريض واحد .. !!؟..
ضحك الحاج حسن هاتفاً :- و كيف يأتي المرضى .. هل عليهم التنجيم حتى يصلوا لعيادتكِ ..!؟..
سألت متعجبة :- ماذا تقصد !؟؟..
أجاب في هدوء :- يا ابنتى لا توجد اى إشارة تدل على وجود عيادتكِ من الأساس .. أين تلك اليافطة الكبيرة التي أبلغتنى انك ستضعينها على سور شرفتك المطلة على الشارع حتى يراها الجميع والتي تحمل اسمك و تخصصكِ!؟..
هتفت في تأكيد :- لقد علقتها بالفعل كما أخبرتك.
أكد في رزانة :- لقد عدت اليوم من مشوارى لأتقاضى معاشى الشهرى من البنك و لم أر أى يافطات ..
هتفت متعجبة :- كيف ذلك .. انها .. و قطعت كلامها و قد طرأ على ذهنها خاطر ما .. فأستأذنت الحاج حسن في عجالة و دخلت مندفعة كالصاروخ إلى الشرفة لترى يافطتها التي تحمل أسمها و تخصصها ملقاة بإهمال على احد جوانب الشرفة ..وكادت تنفجر غضبا و قهرا و هي ترى يافطته تنير مكان يافطتها ..
-الاحمق .. هتفت بغيظ و هي تدخل الى الشقة مندفعة تبحث عن من فعل ذلك .. تبحث عن عدوها اللدود .. ياسين نور الدين ..
كانت غرفته مفتوحة خالية منه .. يبدو انه في الحمام .. لن تبحث عنه مطولا فليكن حيثما يكون عندما يظهر أمامها ستتصرف معه بما يجب .. الان طبق من الأرز باللبن الذى تعشق سيهدأ من أعصابها قليلا .. دخلت المطبخ و فتحت الثلاجة في شوق لطعم الأرز باللبن لتفاجأ بها خالية تماما .. نظرت في جميع جوانبها غير مصدقة ما ترى. أين الاطباق الثلاثة الذين تركتهم هاهنا قبل ان تتوجه للحاج حسن بطبقه..!؟.. و كانت الإجابة تنهيدة راحة و إستمتاع أتتها من خلف طاولة المطبخ جعلتها تنتفض في ذعر قبل ان تتقدم عدة خطوات في حذرلتجده .. نعم .. تجد ياسين يجلس القرفصاء مستندا على الحائط خلفه مغمض العينين منتشياً و حوله أطباق الأرز باللبن خاصتها و لكن فارغة ..
هتفت ساخطة :- ماذا فعلت بأطباقى العزيزة .!؟
تنبه لوجودها ففتح عينيه في تثاقل :- لم أفعل شيء .. تذوقتها ..
هتفت وسخطها يتزايد :-تذوقتهااا..!!..
هل التّذوق عِندك بالأطباق ..!؟..
انفجر في احدى نوبات ضحكه الصاخبة لملاحظتها و لم يعقب .. فأستطردت و هي تجز على أسنانها غيظا :- انك حتى لم تترك لى طبق واحد فقط لأتذوقه مثلك ..
نهض ليشرّف عليها بفانلته الداخلية التي اصطبغت باللون الوردى مما كاد يدفعها للضحك فهى احدى معاركها الناجحة معه ليقول في اسف :- في هذه .. انتِ محقة .. لقد تناولت الاطباق الثلاثة و انا مغيب تماما من روعة الطعم ..
تبدلت حالتها المزاجية بشكل عجيب لتسأله باهتمام :- هل أعجبك حقا ..!؟..
هتف مؤكدا : – جدااا .. اعجبنى جدااا .. انه يشبه ذاك الذى كانت تصنعه امى منذ زمن بعيد و منذ رحلت لم اتذوق مثله .. الان و انا اتذوق .. و ابتسم مستطرداً .. اقصد أتناول .. أطباقك المذهلة تذكرت أمى مع كل قضمة ..
همست و دمع ما يتراقص في مأقيها .. لا تعرف لما !!.. لكن كلماته لمست وترا حساسا داخلها جعلها تتذكر أمها التي تشتاقها و ما ان يزيد الاشتياق الحد حتى تهم بصنع الأرز باللبن الذى علمتها كيفية صنعه على طريقتها قبل ان تسافر مبتعدة حتى اذا ما اشتاقت لجو العائلة و لرائحة أمها صنعته متوهمة ان أمها هي الصانعة و انها لازالت هناك حيث أحضان أبويها الدافئة و جدران بيتهم العتيقة تضمهم جميعا …
انه وصل بشكل عفوى لمكنون قلبها و تفوه به بشكل تلقائى جعل الدمع يترقرق في المقل دون جهد يذكر ..
همست بشجن :- ما أروع ما تصنعه الأمهات ..!!.. انه دوما يحمل نكهة المحبة الخالصة .. سعيدة ان اطباقى ذكرتك بأمك رحمها الله ..
همس بدوره ممتنا :- وانا أشكركِ .. فلقد اعدتى لى ذكراها و أنفاسها العطرة بمذاق اطباقكِ ..
ثم استطرد مازحاً وهو يربت على معدته البارزة قليلا :- كما ان معدتى تشكرك من صميم أعماقها .. فأنا اسمعها تزغرد الان .
انفجرت ضاحكة لتعليقه الساخر .. تعالت ضحكاتها في أركان هذا المنزل ربما للمرة الأولى منذ مجيئه اليه .. استرعت ضحكاتها الرقيقة انتباهه فتفرس فيها باهتمام لا أرادى ..
سكتت ضحكاتها على نحو مفاجئ عندما ادركت تفرسه فيها .. و اصطبغت وجنتاها بلون وردى
خجلاً .. و اندفعت من أمامه متعثرة تحتمى بجدران غرفتها كالعادة تتبعها نظراته المتعجبة .. و قد نسيت تماما حقدها عليه و نسيت امر يافطتها الملقاة في الشرفة ..
*****************************
نهضت منتفضة من فراشها عندما تناهى الى مسامعها بعض الضوضاء و صوت احدى الاَلات التي تثقب الجدران .. ارتدت مئزرها و غطاء رأسها و اندفعت للخارج تستفهم عما يحدث ..
وجدته يقف و معه احد العمال و عدة صناديق كرتونية مبعثرة هنا و هناك ..
هتفت في تساؤل حانق :- ماذا يحدث هنا ..!؟..
كاد العامل ان يتوقف عما يفعل .. لكن ياسين أشار اليه بالاستمرار في عمله و تنحى بها جانبا وهو يقول :- أضع شاشة تلفاز في الردهة الخارجية ..
هتفت في حنق :- لكنك لم تستأذننى أولا ..
سأل مدعيا التعجب :- و هل على ذلك!؟.. انها شقتى بالمناسبة ..
هتفت في حنق :- و شقتى انا أيضا .. رجاءً لا تنسى ذلك .. و عليك الاستئذان قبل ان تدق مسمار في احد حوائطها ..
ابتسم ساخراً :- لن افعل .. و المسمار سأدقه متى يحلو لى .. و نظر لرأسها من عليائه نظرة ذات مغزى ليستطرد جزلاً :- و حيث يحلو لى ..
تركته و اندفعت لحجرتها تغلق الباب بعنف كعادتها لينفجر ضاحكاً كعادته ..
دارت حتى اُنهكت داخل غرفتها محاولة تفريغ شحنة غضبها و حنقها تجاه ذاك الوقح بالخارج .. و فكرت .. لابد لها من عمل شيء .. اى شيء تجاه وقاحته و تجرؤه عليها ..
تنبهت أخيرا ان الضوضاء قد اختفت منذ فترة فاستنتجت ان العامل قد رحل .. عليها مواجهته الان ..
اندفعت خارج حجرتها حيث وجدته يجلس القرفصاء امام شاشة التلفاز و بيده احدى أذرع جهاز الألعاب الذى يحبه ..و قد فقد اى انتباه لسواه حتى انه لم يتنبه لدخولها الردهة ووقوفها تشاهد عينيه المعلقة بالجهاز بهذا الشكل الطفولى ..
ادعت الجهل و سألت :- ما هذا ..!!؟..
انتفض متنبها أخيرا لوجودها ليجيب و هو يدفع نظراته اليها :- انه جهاز للألعاب الالكترونية .. و تناول الذراع الأخرى للعب و مد يده بها اليها متسائلا :- هل تحبى تجربته ..!؟..
كانت بإنتظار عرضه الذى كانت على يقين انه سيسعى لتقديمه ..جلست القرفصاء جاعلة مسافة أمنة بينهما و هي تتناول الذراع ..
اخذ هو في عرض الألعاب الذى يحتويها الجهاز و التي تحفظها عن ظهر قلب و لكنها ادعت الجهل بها و هتفت :- ما الذى تفضله انت من ألعاب؟..
أجاب بعفوية :- كرة القدم بالتأكيد ..
أكدت في ثقة :- فلتكن إذن كرة القدم ..
هتف :- لست مجبرة على لعب كرة القدم لأجلى.. يمكنك اختيار ألعاب اسهل .. لكِ مطلق الاختيار ..
أكدت من جديد :- وها انا قد اخترت .. ام انك تخاف الخسارة .. !!؟..
قهقه ملء فيه حتى كاد يسقط على ظهره و تركته هي يقهقه كيفما شاء و نظرت اليه نظرات واثقة من انتصارها و ما ان هدأت نوبة ضحكه حتى سألها لامباليا :- أي فريق تختارين ..!؟..
أصرت على تأكيد جهلها ولم تذكر اسم الفريق المشهور عالميا لتهتف :- الفريق الأبيض ..
ليضحك من جديد مؤكدا :- هو لكِ .. و انا سألعب بالفريق الاخر ..
و أبتدأ اللعب .. و ما هي الا لحظات حتى كان هدفها الأول يمزق شباك مرمى فريقه ..
ابتسمت في براءة عندما وضع ذراع اللعب من يده محملقا فيها لتهتف مبتسمة في وداعة :- حظ المبتدئين على ما اظن ..!!؟..
أقر بإيماءة من رأسه :- نعم ..هو حظ المبتدئين .. صدقتى ..
و استمر اللعب .. و صرخاتهما تتعالى كلما احرز احدهما هدفا … و أخيرا .. انتهت المباراة بهدف أحرزته هي في الثوانى الأخيرة لتقفز من مكانها منتشية تهلل في فرحة فها هي تنتصر عليه و في احب الألعاب لقلبه ..
ظلت هي تتقافز في سعادة و هو يتفرس سعادتها بعيون خبيرة جعلتها أخيرا تتوقف عن نشوة انتصارها ليهتف هو في تساؤل مريب :- ليست المرة الأولى التي تلعبين فيها .. أليس كذلك ..!؟..
هتفت متعجبة :- وهل سيشكل ذلك فرقا مع سيادتك ..!!؟..
نهض هاتفاً في سخط :- بالطبع ..فقد كنت ألعب اسوء مبارياتى لأجلك بينما انت تدعين الجهل باللعبة و قواعدها ..
هتفت تكايده :- انت تعلق فشلك على شماعة الاعذار ..
هتف في سخط متزايد :- انا لست فاشل .. بل انتِ المخادعة …
هتفت هي في غضب :- انا لست مخادعة .. يا فاااشل ..
اندفعت مبتعدة عنه و ما ان وصلت لغرفتها حتى هتفت بأعلى صوت :- فاااشل ..
ليرد عليها هو ساخطا :- مخاااادعة ..
ليذهب صراخه ادراج الرياح وهى تصفق باب غرفتها المسكين في عنف كالعادة ..
********************
أخيرا خرج من الشقة و كم كانت تنتظر تلك الفرصة بفارغ الصبر ..
ما ان تأكدت انه ابتعد بعربته التي اشتراها حديثا حتى تنهدت و ألتقطت جوالها و اتصلت بتلك النمرة التي حفظتها من اجل تلك الفرصة ..
دقائق و كان النجار امام باب الشقة يغير كالون الباب و يسلمها المفتاح الجديد ..
تسلمته من النجار و كأنها تسلمت مفتاح باب الجنة و أخذت ترقص و تقفز فرحا على رنات المفتاحين المعلقين معا في سلسلة مفاتيحها …
ألقت المفاتيح على طاولة بالقرب من الباب و اندفعت في كل ارجاء الشقة و كأنها تتنفس أخيرا بحرية في غير وجوده الذى يعكر صفو حياتها و يقضى على حريتها التي اعتادت عليها خاصة مع الوحدة التي عاشتها في غربتها ..
اندفعت لحجرتها تلقى بإسدال صلاتها الذى اصبح الزى الرسمي الذى ترتديه في وجوده او حتى في غير وجوده خوفا من ظهوره المفاجئ…
أصبحت بحق لا تطيق حبسها الانفرادي في حجرتها و عدم قدرتها على التجول في شقتها كيفما يحلو لها ..فتحت خزانة ملابسها و أخذت تنتقى منها ماتشاء .. وقع اختيارها على فستان رقيق بلون الأبنوس يعكس لون بشرتها المشرب بالحمرة و يظهرها بأنوثة طاغية .. عندما اشترته لم تعرف انها يوما ما ستُجن و ترتديه .. فهو خليط من الشيفون و الساتان مع بعض الزهور الملونة على جانبي صدره المفتوح بسخاء و أطرافه القصيرة التي بالكاد تصل لركبتيها .. ارتدته و لم تصدق انها هي من تقف امام المرأة .. فقد اختلفت الصورة تماما عن صاحبة الإسدال و كأنهما توأمتين .. احداهما نقية طاهرة و الأخرى ماجنة متحررة .
ابتسمت لصورتها في المرأة و هي تهمس لنفسها :- ما المانع من بعض الجنون .. دقائق من استعادة الحرية المفتقدة لن يضر احد.
تركت شعرها القصير الذى يتموج حتى يلامس كتفيها بالكاد حرا دون اى زينة و وضعت بعض من احمر شفاه قان جعل شفتاها كحبتى كرز و ارتدت حذاء ذو كعب عال ليضيف بعض من السنتيمترات على قامَتَها فيزيدها ثقة ورغبة في التحدى ..
ظلت كثيرا تؤجل التفكير في ردة فعله عندما يأتي و يعرف بما حدث و يجد نفسه بالخارج و هي بالداخل و معها مفاتيح الشقة و ان عودته لهذه الشقة اصبح امر من الماضى .. فليلجأ للقضاء .. و يبقى الحال على ما هو عليه .. هي بالداخل و هو بالخارج ..
لكنها تساءلت .. هل يمكن له ان يكسر الباب!!؟. هل يمكن ان يتصل بالشرطة لتمكنه من الدخول!!؟.. الكثير من هل قفز لذهنها لكن حاولت هي قدر استطاعتها طرد كل تلك التساؤلات بعيدا و الإستمتاع بلحظات الحرية الوليدة .. خرجت بكامل اناقتها للردهة الواسعة وفتحت جهاز التسجيل تختار اكثر الاغانى صخبا لعل ذلك يجعلها تخرج شحنة التوتر التي تعتريها في انتظار رد فعله ..
ظلت تتقافز على أنغام الموسيقى و انتفضت ساكنة فجأة عندما تناهى لمسامعها طرقات قوية على الباب .. انه هو .. هي تعرف ذلك .. حسنا
حان وقت المواجهة .. اتجهت لجهاز التسجيل لترفع من صوت الموسيقى المنبعثة منه حتى تطغى على ارتفاع طرقاته على الباب ..
تمايلت في سعادة و رقة و هي تؤكد لنفسها .. انسيه يا مى .. انسيه و انسى طرقاته الصاخبة و ركزى مع صخب الموسيقى و نغماتها ..
تمايلت و تمايلت و نسيته تماما .. نسيت كل شيء واى شيء الا تلك الموسيقى التي تعشقها و التي تسللت الى مسامها وأنستها حتى نفسها
عاشت لحظات من رقة و مجون و هي تتمايل .. لحظات لم تحظ بها ابدا في حياتها و ادركت فجأة انها أنثى ..امرأة نسيت كيف تكون نفسها و كيف تعيش كامرأة حقيقية .. و انها بحق دفنت نفسها و سنوات عمرها في دور فُرض عليها ..و عليها الان ان تصبح انانية ولو قليلا ..بعض الانانية لن يضر احد .. بعض الانانية هو كل ما انا بحاجة اليه .. توقفت الموسيقى .. فتوقف تمايل جسدها تلقائيا و تنهدت و هي تلتقط أنفاسها و تفتح جفونها المسدلة منذ بدأت الموسيقى تسيطر على كيانها و تشعرها انها انتقلت لعالم اخر .. لتصرخ شاهقة و هي تراه يقف أمامها بغطرسة مقيتة يستند بجسده على الطاولة بجوار الباب و يضع احدى قدميه الممتدة بأريحية على الأخرى و قد بدأ يصفق في استحسان و كإنها كانت تقدم عرضا خاصا لأجله ..
ملابسه تقطر مياه .. كان بالفعل مبتل تماما .. حتى شعره قد اصبح سبطا بفعل المياه و تناثرت خصلاته بشكل عشوائى ..
تمالكت نفسها صارخة :- انت .. انت .. كيف دخلت الى هنا ..!!؟..
هتف ساخراً مغيظا أياها :- انا لى أساليبى الخاصة .. و أساليبك البلهاء تلك لن تُفلح معى .
تذكرت هيئتها و ما ترتديه فصرخت في صدمة و اندفعت للداخل تكاد تسقط على وجهها من شدة اندفاعها و هي ترتدى ذاك الحذاء ذو الكعب العال ..
أغلقت باب غرفتها كالعادة بعنف و سقطت على فراشها تبكى قهرا و غيظا فمحاولاتها للاستئثار بالشقة قد باءت بالفشل.. و اى فشل .. انه فشل ذريع .. فهى لم تخسر مجرد فرصة سانحة لإستعادة شقتها و حريتها المفتقدة .. لكن الادهى هو انه رأها و هي على هذه الحالة المجنونة.. و بهذا الشكل المتحرر..
و زاد نحيبها و هي تتساءل :- منذ متى يا ترى كان هناك يشاهدنى و انا اتمايل بهذا الشكل الماجن .!!…
***************************
كالعادة سمع صوت صفق باب حجرتها و كالعادة ابتسم بسخرية و نهض يتناول تلك المفاتيح الملقاة على الطاولة التي كان يستند عليها جذب واحدة من نسختى المفاتيح الجديدة للشقة و اخرجها من جوار اختها ووضعها في سلسلة مفاتيحه الخاصة و دخل لغرفته يخلع عنه ملابسه المبتلة … لقد خرج مضطرا عندما استدعاه احد زملاءه من اجل حالة حرجة في غرفة العمليات لم يستطع التعامل معها و لن يستطع احد التعامل معها سوى الدكتور ياسين نور الدين فاندفع مهرولا و لم يضع ابدا في حسبانه انها ستقوم بمثل تلك الخدع الحمقاء ..
أنجز مهمته بنجاح و عاد ليجد ان لا موضع لسيارته امام البناية فأضطر لوضعها في مكان ابعد و عاد مترجلا في ذاك الجو الماطر ..
كان قد ابتل تماما عندما وصل الى مدخل البناية حتى ان الماء تسرب الى سترته الثقيلة و اصبح الماء يقطر حرفيا من ملابسه و شعره ..اندفع مسرعا للمصعد و ما ان وصل للطابق الذى يقطنه حتى تناهى لمسامعه ذاك الصوت المرتفع للموسيقى و القادم و للعجب من شقته ..
اخرج مفتاحه يحاول فتح الباب و لا فائدة .. حاول معالجة الباب اكثر من مرة بمفتاحه لكن الباب لا يستجيب .. و أخيرا ادرك سر الفرحة و الاحتفال الدائر بالداخل ..لقد فطن انها غيرت كالون الباب و اصبح بالفعل خارج الشقة و لها الحق في الاحتفال بإنتصارها المزعوم ..
لكن يضحك كثيرا من يضحك أخيرا ..
ترك الباب بعد عدة طرقات قوية لم تستجب لها بطبيعة الحال و طرق باب الحاج حسن ليستعير منه أداة حادة يستطيع بها معالجة الباب لفتحه متحججا ان مى لا تسمع طرقاته من صوت الموسيقى العالى ..
عالج الباب بالفعل و ابتسم من سهولة فعله ذلك و الفضل يعود لها .. فقد نسيت في غمرة فرحتها ان تغلق الباب بالمفتاح الجديد مما سهل مهمته في معالجة قفل الباب ليفتح له بسهولة و لا تنتبه هي بسبب صخب الموسيقى ..
لا ينكر مطلقا انه ذُهل عندما رأها على حالها .. فلقد ظن انها ليست مى .. لقد تبدلت كليا .. أين ذهبن تلك المتجهمة صاحبة الاسدال والتي تتعرقل دوما فيه لقصرها..!!؟.. ..انه يرى الان نقيضتها تماما .. فتاة متحررة بفستان أبنوسى و طلاء شفاه صارخ و حذاء ذو كعب عال أضاف لطولها طولا فجعلها ممشوقة القد ..
تمايلت أمامه برشاقة و خفة رائعة و تذكر كيف انه شهق مصدوما عندما طالعه صدر فستانها ..
ان هذه المرأة استثنائية بالتأكيد .. كيف يمكن لها ان تجمع كل تلك الصفات المتناقضة في كيان واحد .. !!؟..
كيف يمكن لها ان تكون بتلك البراءة التي تكون عنوان لها و هي ترتدى إسدال صلاتها الذى لا ترتدى غيره تقريبا و يشع وجهها طهرا و عفة..!!؟؟
و فجأة تنقلب لامرأة أخرى تماما قادرة على إغراء أعتى الرجال بإشارة من إبهامها و بدون مجهود يذكر .. !!؟..
دس نفسه في فراشه و تدثر بالأغطية جيدا و قد شعر ان البرد ينخر عظامه
و عاوده التفكير فيها من جديد و هو يعطس بقوة محاولا طرد البرد الذى يدق بابه .. أغمض عينيه و هو يعلم علم اليقين ان طرد البرد اسهل كثيرا من طرد صورتها بردائها الابنوسى و قدها المتمايل من مخيلته ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ورطة مع السعادة)