رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل العشرون 20 بقلم سارة أسامة
رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الجزء العشرون
رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء البارت العشرون
رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الحلقة العشرون
ابتسم الطبيب بوِدّ وقال بتقدير:-
– حقيقي يا بختها بيك يا يعقوب باشا، بس الموضوع مش مستاهل ومش هنضطر للتبرع بالقرنية، العملية نسبة نجاحها كبير إن شاء الله بس كل الموضوع إنها بس تكلفتها عالية..
تنهد يعقوب براحة فكما توقع تلك لُعبة قذرة من زوجة خالها عفاف، وما خفي كان أعظم من ألاعيب تلك المرأة القبيحة..
حرك يعقوب رأسه وأردف:-
– مفيش مشكلة يا دكتورة، بس اكتبلي كل التكلفة والمطلوب وأيه الإجراءات إللي هنعملها علشان تدخل العمليات، ياريت ميبقاش في تأخير، لأن مفيش داعي للتأجيل، ابدأ بتجهيزها يا دكتور لو سمحت..
ابتسم الطبيب على عشقه الجليّ وسحب بعض الأوراق وأخذ يُسجل بعض الأشياء ثم هتف:-
– تمام .. إن شاء الله هنعمل بعض الفحوصات والأشعة قبل العملية وأول ما تنتهي هنحدد وهتدخل العمليات فورًا .. متقلقش كل حاجة تمام..
سلّم ليعقوب الذي انتصب بوقفته بعض الأوراق، والذي قال بهدوء:-
– تمام يا دكتور صلاح هنبقى موجودين في الميعاد وهطبق كل التعليمات..
– ألف سلامة عليها يا يعقوب باشا، وإن شاء الله معافاه..
خرج يعقوب يبحث عن رِفقة كالملهوف وقد أرشدته ممرضة على موقعها..
ولج للغرفة بعد أن طرق بخفة ليفزع قلبه منتفضًا فور أن رأى وجهها المذعور وأعينها الدامعة، التهمت أقدام الخطوات التي تفصلهم بتلهف وجلس على أعقابه أمامها يُمسك يديها بحنان مستفهمًا بتلهف وقلق:-
– رِفقة مالك يا جميل زعلانه ليه .. حد كلمك ولا حد أذاكِ..
تشبثت بيده بشدة وكأنه طوق نجاتها ثم أخذت تقول وهي تجذبه نحوها تتدثر وتحتمي به قائلة بفزع:-
– يعقوب هما عايزين ياخدوا مني دم كتير وأنا بخاف أوي من كدا .. دي حاجة بتخوفني، أنا مش بدلع والله بس أنا بخاف حقيقي .. هما بيقولولي بلاش دلع بس والله أنا بخاف..
جلس بجانبها مطوقًا كتفيها باحتواء رامقًا الثلاث ممرضات بغضب ناري وأعين مشتعلة بينما رِفقة تختبأ بكتفه، هدر يعقوب بحِدة:-
– متخافيش أنا هنا .. ولو بتدلعي..ادلعي طولك وعرضك يا ست البنات محدش ليه عندك حاجة..
وقبل رأسها بحنان هامسًا بجدية ممزوجة باللين:-
– بصي يا أرنوبي أنا موجود أهو مش هسمح لأي مخلوق يمس شعره منك، سيبي نفسك وامسكي فيا وفكري في حاجة مهمة أو لحظة حلوة مريتي بيها وهتلاقي في ثواني خلصنا ومحستيش بحاجة..
جاءت تتكلم باعتراض فقاطعها وقد أخذ يكشف ذراعها بحنان:-
– رِفقة .. حبيبة ونور عين يعقوب لازم الخطوة دي علشان العملية …علشان خاطري أنا استحملي واسمعي كلامي..
حركت رأسها بإيجاب على مضض وهي تغمس وجهها في كتف يعقوب الذي يُمسك ذراعها بحنان ورِفق ثم أشار للممرضة بحِدة، بينما رِفقة فأخذت تذكر الله ثم تتلو آية الكرسي وعملت بنصيحة يعقوب لتتذكر وتشرد في أكثر اللحظات سعادةً لها .. بعد عقد قرآنها على يعقوب وتلك اللحظات التي جمعتهم..
صدر عنها صوت متألم فور أن سحبت الممرضة الإبرة من ذراعها فدلّك يعقوب موضعها هامسًا بحنان:-
– خلاص خلصنا كل حاجة انتهت .. حسيتي بقا بحاجة..
ابتعدت قليلًا عن يعقوب التي تتشبث به وقد أفل ذعرها لتقول:-
– بس شوية صغيرين..
ضحك يعقوب وقرص وجنتها مردفًا بمشاكسة وهو يسحب ذراع فستانها للأسفل يحكم ستر ذراعها:-
– بردوه يا شقية …طب يلا بينا علشان نتغدى برا ونروح علشان ترتاحي..
جعلها تستقيم فتُمسك بذراعه بينما يخرجان تحت أنظار الممرضات الحانقات..
كانت رِفقة تسير بجانب يعقوب تحتضن ذراعه فنظر هو لتشبثها به بقلب منتفخ بالعشق ليتسائل بنبرة سعيدة:-
– قوليلي عايزه تتغدى فين النهاردة..
قالت بدون تردد بصوت حماسي:-
– مطعم البوب أكيد…
ضحك وقال بتعجب:-
– طب خلينا نغير طيب، مزهقتيش منه بقالك سنة بتاكلي فيه..
تسائلت هي بتعجب:-
– وإنت عرفت منين إن بقالي سنة باكل فيه، كمان في حاجات وتفاصيل كتيره أوي إنت تعرفها عني مش عارفه تعرفها منين … غير موضوع الصورة إللي ماما فاتن قالت عنه…!!
ردد يعقوب وهو يفتح لها باب السيارة ويجلسها وقال بمرح:-
– الأرنوب عنده فضول غير عادي .. المهم هي قصة بسيطة تبان بس هي أحسن حاجة وأهم حاجة حصلتلي في حياتي، وأكيد من حقك تعرفيها وهحكيلك بس استني نوصل المطعم..
رددت بإصرار ممزوج بالدلال الفطري:-
– أوب .. يلا قولي دلوقتي على ما نوصل..
ضحك وهو ينطلق بالسيارة:-
– خلاص بقاا لما نوصل هحكيلك على كل حاجة…
المهم كنت عايز أقولك على حاجة..
جعدت جبينها وهمهمت باستماع ليُكمل يعقوب:-
– بالنسبة لفلوسك إللي كانت سرقتها عفاف رجعت … فتحتلك حساب جديد برقم سري جديد وأمنته كمان..
غرقت رِفقة في صمتٍ براق ثم ابتسمت هاتفة بخجل:-
– طب تقدر تسحب المبلغ كله علشان تكاليف العملية..
التفت لها يعقوب وهدر بصوت متأجج:-
– أيه يا رِفقة للدرجة دي مش شيفاني ولا أيه..
ليه أنا معدتش موجود علشان تقولي كدا..
هتفت مسرعة بلهفة:-
– لأ مش أقصد بعيد الشر عنك بس….
قاطعها يعقوب بصرامة:-
– مفيش بس يا رِفقة الموضوع ده منتهي، وكمان في حاجة تانية لازم أقولك عليها بس لما نوصل المطعم..
انتعش قلبها ومكانته تتفاقم بداخلها أكثر وأكثر من رجولته وشدته اللينة التي تأسرها فإن اللين في القوة الرائعة أقوى من القوة نفسها، لأنه يُظهر لك موضع الرحمة فيها..
التفتت برأسها تجاهه وللمرة الأولى تتمنى من كل قلبها أن لو كانت تستطيع الرؤية لتراه، لتتشرب ملامحه الحنون … لكن كالعادة الظلام فقط من يُقابلها…
ورغم هذا تشعر أن عالمها مُضيء بل زاهي مُزين بالورود ساطعًا شمسه…
انبلجت ابتسامتها فيلتفت يعقوب ليراها على تلك الحالة لتُدثره بتلك النظرة التي أخبرته بالكثير وأَربت العشق بداخل قلبه فقد أصبح مُقرن بأصفادها للأبد وأصبح ضيُها يبزغ وسط ظلمات قيوده..
أوقف السيارة أمام المطعم والتفت إليها يتدبر ملامحها النقية بتروي، نعم هي جميلة، جميلة لا مِراء، ليست أجمل من رأى يعقوب في حياته؛ ولكنها جميلة جمالًا لا يختلط بغيره في ملامح النساء..
أردف يعقوب بهدوء:-
– يلا وصلنا يا رِفقة..
تنحنحت تُبعد أنظارها في إبتسامة متوترة، فهبط يعقوب ودار أمامها يفتح الباب ثم يأخذ بكفيها برِفق لتسير بجانبه والسعادة تتدفق من عينيها..
في كل مرة كانت تلج لمطعم “البوب” تكون بمفردها مُثقلة بالهم لكن الآن لقد اختلف الأمر كُليًا، تلج بصحبة يعقوب مُفعمة بالسعادة..
وفور أن وطأت أقدامهم المطعم التفّت جميع الفتيات من حول رِفقة بينما قابل يعقوب عبد الرحمن الذي سلّم عليه بحفاوه قائلًا بمكرهُ الدائم:-
– يا أهلًا وسهلًا بيعقوب بدران باشا، نورتنا يا باشا والله مطعمنا المتواضع زاده الشرف ونور..
لكزه يعقوب بكتفه وسحب رِفقة نحو المنضدة المفضلة لديها ثم أجلسها وجلس مقابلها براحة قائلًا:-
– إحنا النهاردة ضيوف مش أصحاب المكان فيلا وروني أحسن ما عندكم يا أستاذ عبد الرحمن..
فرقع عبد الرحمن باصبعيه مشيرًا لِألآء وهو يقول بجدية:-
– يلا يا آنسة آلاء انزلي بالمنيو على ترابيزة يعقوب باشا..
اقتربت آلاء ثم قبلت رِفقة قائلة بطيبة وحُب صادق:-
– رِفقة أيه المفاجأة الحلوة دي .. وحشاني أووي بجد..
قالت رِفقة باشتياق:-
– وإنتِ أكتر والله يا لول …رغم إنهم كام يوم بس أنا كنت متعودة أقابلك كل يوم..
تنحنحت آلاء ورددت بحماس وجدية وهي تضع قائمة الطعام أمام يعقوب:-
– شرفتونا .. مطعم البوب في خدمتكم .. تقدروا تختاروا الأكل إللي تحبوه .. المنيو مزود بكل حاجة..
ثم انصرفت ليعود يعقوب بظهره للخلف مبتسمًا بوقار وهو يتناول القائمة بين يديه يقرأ محتواها وكأنه لا يعرفه..
بينما رِفقة فأغمضت أعينها تستنشق الهواء العليل المُحمل برائحة الزهور بنهم وخرير الماء قد أضاف للأجواء لمسة ساحرة…
همست باشتياق:-
– المكان هما وحشني أووي بجد، حقيقي لو قعدت هنا اليوم من أوله لأخره مش بشبع..
إنت إللي أخترت تصميم المكان بالطريقة دي..
وإزاي كان حلمك إنك يبقى عندك سلسلة مطاعم بالرغم من إنك خريج هندسة!!
تنفس يعقوب بعمق وأردف والذكريات مازال عودها طريّا تمر بعقله كأنها حدثت بالأمس ثم أردف بأعين غائمة:-
– من وأنا طفل كنت بتمنى في الأجازات لبيبة تاخدني ونروح أي مطعم نتعشى فيه كتغيير زي كل الأطفال مع أهلهم..
بس دي كمان كانت حاجة ممنوعة عند لبيبة بدران، فكتفكير طفولي قولت لما أكبر هعمل مطاعم كتيره وهخلي وجبات كتيره للأطفال مجانية، وفضلت أحلم وأتخيل ومتوقعتش إن الحلم يكبر معايا ويعشش جوايا…
وأول ما بدأت أخرج من ثوب لبيبة وأتمرد عليها كنت في الجامعة وبدأت أشتغل من الصفر بعيد عنها، وطبعًا دي حاجة معجبتهاش بس أنا مرجعتش أبدًا بعد ما اتحررت من سجنها وقيودها وبدأت أنفذ فكرة المطعم وأثبت أول حجر في حلمي بمالي الخاص، كل تصميم المكان والأفكار إللي فيه من دماغي أنا وأفكاري الخاصة، واخترت البساطة والرِقة، غير جودة الأكل والأسعار المناسبة للجميع…
وأفكار الطفولة فادتني أكيد، وجبات الأطفال مجانية تمامًا .. وبما إن كان عندي أفكار متشددة على موضوع الإختلاط، فخصصت مكان للبنات ومكان للشباب، ومكان للثنائيات سواء أزواج أو أُسر وهكذا…
رفع رأسه ينظر لكل ركن في المكان بأعين لامعة وأكمل تحت أسماع رِفقة التي تستمع بإصغاء شديد بقلبها لا بأذنها:-
– المكان هنا مش حلمي بس …دا حلم كل واحد هنا، أحلام شباب وبنات كانوا منتظرين فرصة علشان يثبتوا نفسهم بس مكانتش بتيجي..
كلنا هنا كبرنا ونجحنا مع بعض…
الشيفات إللي هنا لما بدأوا كانوا لسه عند الصفر، رفضت أختار ناس متمرسة أو شيفات كبيرة، كنت حريص أختار الناس إللي كان نفسها في فرصة، وكل واحد اتوظف في المكان إللي كان حلمه، والحمد لله كلهم أثبتوا جدارتهم ونجحوا، كل واحد كان بيجتهد علشان حلمه، كنا كلنا بنجتهد علشان نبني اسم..
وفعلًا لمع اسم “البوب” وفتحنا بدل الفرع تلاته..
بس هنا كان أول فرع … دا كان بداية الحلم..
وعلى الرغم إن بحب المكان هنا جدًا بس مكونتش باجي هنا وكنت بباشر الشغل عن طريق عبد الرحمن إللي مستلم كل حاجة في الفرع ده..
وقبل أن يُكمل حديثه تسائلت رِفقة بفضول ولهفة:-
– طب ليه!!
قال دون مراوغة:-
– لأن الفرع ده قريب من لبيبة كنت عايز أبقى بعيد عنها على قد ما أقدر، استقريت في مدينة تانيه وبقيت أباشر شغلي من هناك..
لغاية ما كلمني عبد الرحمن علشان شوية شغل وبصراحة حنيت للمكان هنا وقولت أجي، والواضح إنها كانت إرادة ربنا علشان أجي هنا وأقابلك كانت تدابير ربنا وجابني من هناك لهنا بأسباب مش مفهومة…..
ربنا ساقني من هناك لهنا لأجل رِفقة وبس…
أومض الحُب بأعين رِفقة مبتسمة بشغف وهي تتذكر تمسكها الدائم بهذا المكان وتشبثها به واستمرارها على المجيء هنا رغم كل شيء…
رددت بهمس بوجه متورد:-
– ورِفقة كانت بتيجي هنا كل يوم لأجل تدبير الله عزّ وجل، رِفقة كانت بتيجي هنا كل يوم منتظره قدرها .. منتظره يعقوب…
مدّ يده يحتضن كفها بحنان ثم قال بنبرة تزلزل الجبال الراسخات:-
– أنتِ مُعجزتي بأوآنٍ انتهت به المُعجزات، أنتِ الربيع الذي ظلل قحط قلب يعقوب.
همست له رِفقة أيضًا بقلب ينهمر منه العشق الصادق وقد أصبح قلبها مِلكًا خالصًا ليعقوب، رِهن له فقط، تقرّ هي دون تلجلج بأن يعقوب قد نال قلبها وعشقها وكيانها..
– لقد مكثتُ في الظلام طويلًا لكن حين حللتْ أُضِيء عالمي..
كانت تتحدث وهي مثبته أعينها باتجاه عيناه، لم ترفق بحالته المستعصية، فحتى حروف اسمها قادرة أن تتحكم بملامحه فكيف بعينيها؟!
فماذا عساه أن يفعل بعد هذا!!
وقبل أن يهتف تسائلت رِفقة بحماس:-
– يلا بقى قولي على إللي قولتلي هتقولي عليه، وأيه موضوع الصور ده..
ابتسم يعقوب على حماسها وبدأ يسرد لها القصة منذ أن رأها وسوء الظن الذي اعتقده بها، وكل ما مرّ به وكيف أنه أخذ يتتبع سجلات الكاميرات التي توجد هي بها…
كان حديثه تحت دهشة رِفقة وصدمتها وحزنها على سوء ظنه تجاهها، ليختم حديثه بقوله المُزين بالحزن والألم والصدق:-
– رِفقة أنا مكونتش أعرف والله، دا علشان أنا مليش اختلاط بالناس وأنا راجل صريح ومش بيعجبني الحال المايل، حقك عليا وعلى عيني وقلبي … أنا مكانش واجعني ألا قعدتك في الشمس ولغاية دلوقتي مش مسامح نفسي عليها، تعرفي إن بعدها خرجت وفضلت قاعد في نفس مكانك ساعتين تحت الشمس…
الكوابيس مكانتش بتسيبني، وكنت بلف وراكِ زي المجنون، أنا من بعد ما شوفتك ومبقيتش يعقوب إللي أنا أعرفه…
رفع كفها يُقبل باطنه بحنان وأكمل بندم مختلط بالحُب:-
– سامحيني على الغلطة دي، سامحيني على تكبري وقتها، غيرتي يعقوب وغيرتي نظرتي لحاجات كتيره أوي يا رِفقة، وعلمتيني أكتر، اتعلمت منك أقدر النِعم إللي ماليه حياتي..
رغم الدموع التي نمت بمقلتيها لكنها تبسمت ثم أردفت بهدوء:-
– تعرف يا يعقوب لما الإنسان بيرتكب ذنب حرام ومش بيبقى عارف إنه حرام، ربنا بيسامحه ولا كأنه عمل حاجة، بس بعدها بيتعلم إن الذنب ده حرام وبيتجنبه…
إنت مكونتش تعرف إني كفيفة وحكمت عليا حكم جائر، بس دا يعلمك إن ده سوء ظن…
مش من حقك ولا من حق أي حدّ يحكم على غيره من مجرد موقف، التمس لأخيك مئة عذر..
إنت مش عارف ظروفه أيه…
وإنت مش حِمل تحمل ذنب سوء الظن يا يعقوب..
كان المفروض تستفسر أو تسمع على الأقل…
صمتت برهة تحت نظرات يعقوب المتوترة المترقبة، ابتلع ريقه بصعوبة وتسائل بصوت خافت مُجعد:-
– ما أنا قولتلك إني غلطت…وإني وحِش يا رِفقة..
هاا إنتِ ساكتة ليه، سامحتي يعقوب..
ابتسمت باتساع وأردفت برِفق يُشبهها ونبرة الحزن والندم بصوته جلية لها:-
– أوب … لقد سامحتك على ما كان منك..
رفرف قلبه سعادةً وقال بفرحة:-
– هو دا قلب رِفقة إللي أعرفه..
وأخرج ورقة من جيبه ثم بسطها أمامها وقال:-
– يلا بقاا امضي هنا..
تسائلت بعدم فهم:-
– أيه ده!!
وضع القلم بين أصابعها ووقف يجلس بجانبها وهو يرشدها لموضع الإمضاء يخبرها:-
– دا عقد تمليك لشقتنا، الشقة خلاص بقت باسمك، دا تقدري تقولي تنازل مني لكِ يعني عقد بيع وشراء..
سحبت رِفقة يدها وتوسعت أعينها بصدمة قائلة باعتراض:-
– لأ يا يعقوب مينفعش وبعدين ما إحنا مع بعض أهو أيه لازمتها ملهوش داعي…
أمسك كفها مرةً أخرى ووضع القلم بين أصابعها ثم أردف:-
– ريحيني يا رِفقة، أنا عايز أطمن عليكِ علشان مهما حصل يكون عندك بيتك ومعاكِ فلوسك وإن شاء الله هزودهالك، لما تكون باسمك أحسن ما تكون باسمي..
انتفض قلبها من هذا الحديث المخيف وشعرت بألم حاد يغزوها والخوف يعتريها من مجرد التفكير بعدم وجود يعقوب يومًا ما..
رددت مسرعة بغصة وهي تقبض على يده بقوة وقد ملأ أعينها الذعر والرعب:-
– قصدك أيه بالكلام ده يا يعقوب، إنت ليه بتخوفني بكلامك ده..!!
همس لها وهو يُخلل أصابعه بأصابعها:-
– رِفقة …أرنوبي حبيبي متقلقيش مفيش حاجة هتحصل اطمني … بس لو عملتي كدا هتريحيني، علشان خاطر يعقوب..
فتحت فمها لتعترض لكنه قاطعها بقوله الحاسم:-
– اسمعي الكلام يا رِفقة وريحي قلب يعقوب..
حركت رأسها على مضض ليأخذ بيدها الممسكة بالقلم ثم ساعدها لتنقش اسمها بهدوء…
تنفس براحة وأثنى الورقة وأعادها لجيبه، ثم سحب شيئًا ما أخر ووضعه بين يدي رِفقة فأخذت تتحسسه بهدوء فابتسمت بسعادة فور أن عرفت ماهية هذا الشيء…
قلادة يتدلى من زهرة الأقحوان المزيجة باللونين الأبيض والأصفر..
أخذها يعقوب من يدها ثم اقترب يمد يده من أسفل حجابها يضعها حوله عنقها بهدوء ثم طبع قبلة خفيفة فوق جبينها…
وقال بمرح:-
– أحسن حاجة إن إحنا في مكان بعيد مش وسط الناس..
وأخذ يشتم عبقها الطاهر مُقبلًا يدها وواصل بمرح:-
– علشان أتصرف براحة..
سحبت يدها وابتعدت عنه بخجل قائلة بإمتنان:-
– شكرًا جدًا على السلسلة يا أوب ….حقيقي النهاردة من أجمل الأيام…
– لو شوفتك خلعاها من رقبتك هعرف إنك زعلانة من أوب، أتمنى متتخلعش يا أرنوب..
– أكيد مش هخلعها حتى لو زعلانه منك، لأن هعاقبك بطُرق تانيه كتيره…
ضحك يعقوب بصخب لتُكمل هي بتحذير:-
– جرب بس وإنت هتشوف…
ردد من بين ضحكه:-
– مقدرش على زعلك يا أرنوب مع إني مشتاق أعرف أيه طُرق العقاب بتاعتك..
– لا متقلقش الأيام جايه كتير وهتشبع منها مش بس هتعرفها يا أوب..
أجلت صوتها ثم قالت بجدية:-
– بقولك يا يعقوب .. أنا كنت عايزه أروح لأي دار رعاية تكون كويسة..
انتفض قلب يعقوب وتسائل بصدمة ووجه شاحب:-
– ليه … أيه جاب السيرة دي يا رِفقة..
شعرت بصدمته ومخاوفه فابتسمت تطمئنه وأردفت موضحة:-
– لأ ..بس كنت عايزه اتبرع بجزء من الفلوس إللي معايا وعايزه أوديها لمكان أمين يستحق..
في ناس بتتبرع كتير للمستشفيات ودار الأيتام، بس دور الرعاية محدش واخد باله منهم مع العلم إنهم يستحقوا جدًا..
تأملها بفخر وقال بتفهم:-
– أنا عارف دار رعاية كويسة جدًا بتبرع ليهم شهريًا، متقلقيش الدنيا لسه فيها خير وفي ناس بتتبرعلهم، وعندك حق فعلًا هما يستاهلوا..
إن شاء الله بكرا أخدك ونروح..
– إن شاء الله..
ومرّ الوقت وهم من بين مرح وهي تسرد له الكثير عنها وهو يبادلها الذكريات التي لم يجد منها سوى السيء الموجع، إن كانت هي ذكرياتها خليط ما بين السعادة والوجع، فذكرياته هو يملأها الألم المصائب والوجع فقط…
_________بقلم/ سارة نيل_________
بعد أن أوصلها المنزل هبط يقود سيارته وهو يُفكر بأن هذا هو القرار الصحيح..
ماله الخاص لا يُغطي تكاليف العملية الجراحية لأعينها وليس أمامه سوى هذا الحلّ..
منذ فترة كانت قد اقترحت لبيبة بدران عليه بيع مطعمه لها .. ويبدو أن الآن هو الوقت المناسب لتنفيذ هذا الإقتراح..
وصل أمام قصر آل بدران لكنه تفاجئ بكم هائل من الصحافة أمام القصر وفور رؤيتهم له تجمعوا من حوله ووميض الكاميرات تلمع على وجهه، والكثير من التساؤلات تتطاير في الوسط..
“يعقوب باشا، هل خبر زواجك صحيح فعلًا..؟”
“يعقوب بدران ليه زواجك في السرّ ومقدرناش نشوف صورة زوجتك على مواقع التواصل الإجتماعي؟”
“هل هي من الوسط المخملي، وليه مسمعناش عن أي حفل زفاف.؟”
“يا ترى من هي إللي قدرت تكسر انعزال وريث آل بدران يعقوب باشا وتوقعه في شباكها.؟”
زفر يعقوب بسخط بينما رجال الأمن يحاولون تخليصه من بينهم لكنه توقف باستياء ثم هدر بصوت قوي مُحتد خشن:-
– أظن دا شيء شخصي وحياتي متخصكوش، بس علشان أريحكم، أيوا كتبت كتابي على إللي اخترها قلبي وعقلي .. وبعد فترة هيبقى زفاف يليق بيها..
أما بالنسبة لصورتها فأنا مراتي مش بنزلها صور على مواقع التواصل لأن مقبلش بحاجة زي دي ولا هي تقبل، ولأني مش ديوث وبغير على مراتي، وأكيد تشوفها أو لأ دي حاجة مش هتفيدكم …ويلا كلكم اتفضلوا..
وانسلّ من بينهم للداخل وصعد مباشرةً تجاه غرفة جدته متجاهلًا نداء شقيقه يامن…
لكنه توقف بتعجب وهو يرى خروج الطبيبة من غرفة جدته بصحبة المساعدة الشخصية لجدته..
سألها بوجه جامد:-
– في أيه..
أجابته باحترام:-
– يعقوب باشا …لبيبة هانم ضغطها وطى شوية وأغمى عليها …بس مفيش أي قلق يا باشا هي بقت بخير..
دلف يعقوب للداخل ليجد جدته تتمدد مستنده على ظهر الفراش ويبدو على ملامحها الجامدة التعب والإرهاق..
اقترب حتى وقف على مقربة منها فشعرت بأحد فوق رأسها لتلتفت فوجدته لتهمس بلين وهي تمد إليه ذراعها فمهما حدث يبقى العالم أجمع بجهة ويعقوب بمفرده على جهة خاصة جدًا، حتى وإن كان تعبيرها بالحُب خاطئ..
اقترب يعقوب وهو يتذكر كلمات رِفقة ونصائحها وجلس بجانبها على طرف الفراش، رفعت كفها المجعد تضعه على يده ذات العروق المنتفخة، وهمست بإجهاد:-
– يعقوب … ابني وحفيدي … وسندي وضهري وشرفي وعِزي وكبريائي..
دمدم بإرهاق وهو يتذكرها عندما كان يمرض ماذا كانت تفعل:-
– مش كفاية كدا يا لبيبة هانم …كفايانا كدا…
سعلت بخفة وقالت بجمود رغم وهنها:-
– إنت عارف إن مينفعش يا يعقوب باشا..
زفر بإحباط وانتصب واقفًا وقال ببرود:-
– عمومًا أنا مش جاي علشان أتكلم في الموضوع ده…
استدار ووقف يعقوب أمامها بشموخ ثم أردف بجمود بما جعل لبيبة تتصنم:-
– أنا مستعد أبيع فرعين من مطعمي لكِ بالسعر إللي تحدديه .. وهحتفظ بالفرع التالت..
أخيرًا خرج صوتها المصدوم:-
– يآآآه .. في حاجة أهم من حلمك إللي ضحيت علشانه بكل حاجة وحاربتني لأجله، غريبة تتنازل عنه بالسهولة دي.!!
بس بغض النظر عن كل حاجة أنا موافقة…
همس يعقوب وهو يخرج بإصرار:-
– في الأهم … نـور عــيــون رِفـقــة..
بعد أن فاقت من صدمتها رفعت هاتفها وقالت بحزم وصرامة شديدة:-
– بكرا تنفذ إللي اتفقنا عليه، وتاني حاجة يعقوب واضح إن محتاج مبلغ كبير، تعرفلي هو عايزه في أيه…
__________بقلم/سارة نيل_________
وقفت أمام الضابط تصرخ وهي تلطم وجهها وصاحت برجاء:-
– طب أخر طلب … أنا عايزه رِفقة تجيلي…ممكن أشوفها واتكلم معاها قولها إن أنا عيزاها ضروري..
أشار براء للعسكري بنفور:-
– خدها يا ابني الحبس .. إنتِ بكرا هتتعرضي على النيابة يا ست إنتِ وابقي قولي إللي إنتِ عيزاه…
جذبها العسكري من الأصفاد وصراخها المعترض يملأ أركان المكان … تشعر وكأن مسّ من جنون أصابها…
__________بقلم/سارة نيل__________
في وسط الظلام كانا يجلسان أسفل الشجرة أعينهما سابحة في شرود بعيد جدًا وكأنهم ليسوا بالواقع .. وهم بالفعل ليسوا بالواقع..
التيهة مرتسمة على وجههم وأيامهم عنوانها المجهول كما كانت منذ عشر سنوات إلى الآن..
ما يدل أنهم مازالوا على قيد الحياة، أنفاسهم المنتظمة وأعينهم التي ترجف بين الحين والآخر..
بالداخل أمام أحد النوافذ قالت إحدى العاملات لصديقتها:-
– روحي يا بنتي جبيهم من البرد علشان يناموا، دول لو فضلوا الليل كله كدا مش هيتحركوا
قالت صديقتها باشفاق:-
– الله يكون في عونهم، شوفي بقالهم كام سنة على نفس الحال من وقت ما وصلوا دار الرعاية لا فاكرين هما مين ولا ظهر لهم حد .. يا ترى أيه إللي حصلهم وصلهم لكدا..!!
سؤال بنسأله من عشر سنين وحالتهم لسه زي ما هيّا مش بتتحسن..
أيدتها الأخرى بعطف:-
– لولا السلسلة إللي في رقبة الست مكوناش حتى عرفنا اسماءهم..
يــحـيــى ونــــــــرجــس..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء)