رواية وجوه الحب الفصل الثاني عشر 12 بقلم نور بشير
رواية وجوه الحب الجزء الثاني عشر
رواية وجوه الحب البارت الثاني عشر
رواية وجوه الحب الحلقة الثانية عشر
( ١٢ ) – شـرار الـحـب –
عادت إلى منزلهم وهي هائمه في بحر أفكارها تتساءل آلاف الأسئلة عن هوية تلك المرأة الجامحة التي أقتحمت مجلسهم فجأة وأخذت ذلك الوغد دون إكتراث لوجودها حتى أنها لم تنتبه لوجود ” سـلـمـىٰ ” الجالسة تتصفح حاسوبها الخاص أعلى الأريكة بإريحيه شديدة وأنطلقت صوب غرفتها مباشرةٍ. فهي تشعر بعدم التقدير حقًا ولكن في الوقت نفسه قد علمت بمكانتها الحقيقية وعلاقتها التي تربطها به وكأنها كانت في غفوة لبعضًا من الوقت ثم عادت منها سريعًا؛ ففي الواقع حديثهم هذا كان حديث شخصي بعيدًا كل البعد عن مهنيتها ولذلك إنجرفت معه بالحديث متناسيه وضعها وعلاقتهم المهنية التي ربطتهم منذ شهرًا بالتمام.
وبمجرد ما أن دلفت إلى غرفتها حتى رمت بحقيبتها أعلى فراشها بإهمالًا كبيرًا ومن ثم جلست على طرف الفراش من الجانب الآخر وهي تمسح بيديها على وجهها بغضبًا شديدًا متذكره لهيئة تلك المرأة وأنوثتها الطاغية وكيف تقرب ذلك الوغد منها بحميمية واضحة عند هذه النقطة فقدت سيطرتها على حالها وأسرعت بخلع سترتها وقذفها إلى جوارها بعنفًا واضح. فسمعت طرقات عديدة على باب غرفتها ومن ثم سمحت للطارق بالدلوف فما كان إلا صديقتها وإبنه عمتها ” سـلـمـىٰ ” التي هتفت بها بغرابة.
– إيه يا بنتي مالك أخده في وشك كده ليه وطلعتي من غير ما تكلميني كلمة واحدة حتى..؟!
” مـريـم ” بتشتت وضياع.
– مفيش يا سـلـمـىٰ مفيش أرجوكي سبيني لوحدي شوية..
ممكن..؟!
” سـلـمـىٰ ” بإصرار وهي تُلح عليها للحديث والإفصاح عما يُزعجها.
– مش هسيبك ومش هتحرك من هنا غير لما تقوليلي مالك..؟! وإيه اللي حصل خلاكي مش طايقه نفسك ولا طايقه حد بالشكل ده..؟!
” مـريـم ” بإنفعال.
– أرجوكي يا سـلـمـىٰ متتغطيش عليا بليز..!
” سـلـمـىٰ ” وهي تستشف وتُخمن ما بها.
– أوعي تقولي أن الغراب لأبيض اللي إسمه سـلـيـم ده عملك حاجة تانية ولا قالك حاجة ضايقتك..؟!
” مـريـم ” بصدمة.
– وأنتي عرفتي منين أنه عملي حاجة ولا كلمني أصلًا..؟!
” سـلـمـىٰ ” بثقة.
– وهو في غراب أبيض في حياتك جايبلك الهم غيره..؟!
ثم أضافت بهدوء.
– هبب إيه تاني معاكي سي زفت ده أحكيلي يلااااا..؟!
فجلست ” مـريـم ” أعلى فراشها ومن ثم فعلت ” سـلـمـىٰ ” مثلها وبدءت في راوي ما حدث على مسامعها بدايةٍ من دلوفه وحديثه معها حتى مجئ تلك المرأة الشقراء وسلامهم الحار دون أدنىٰ إكتراث أو مراعاه لوجودها؛ وتابعت بغضب والشرر يتطاير من عيناها.
– أول ما شافها أنتفض في مكانه وجرىٰ عليها ونزل أحضان وبوس فيها وكأنها مراته ولا خطيبته..؟!
أنتي عارفة ده كمان مسمي إسم السلسلة صـولا على إسمها..!
ثم أضافت بتفكير وضياع والصدمة تبدو مرتسمه بوضوح على تقاسيم وجهها وهي تنظر إلى إبنه عمتها نظرات تائهه لعلها تُرشدها وتُنير بصيرتها.
– أكيد دي مراته مش كده يا سـلـمىٰ..؟!
فهتفت بها بغضب.
– أنتي مبترديش عليا ليه ما تنطقي أنتي كمان..؟!
” سـلـمـىٰ ” بهدوء وهي تتابع كل أنش بها بإهتمام وتركيز كبيران.
– أنطق أقول إيه أنتي فكراني المأذون اللي جوزهم ولا عايشة معاهم وعارفة خبياهم..!
ثم استطردت بنبرة ذات مغزىٰ.
– وبعدين تعالي هنا أنتي الموضوع ده فارقلك في إيه ولا يهمك في إيه من الأساس متجوز، مخطوب، أرمل، أن شاء اللّٰه حتى يكون عنده دستة عيال يهمك في إيه بقا كل ده إن شاء اللّٰه..؟!
أنتي كل اللي بيربطك بيه هو شغلك بس يا مـريـم ولا أنتي في جواكي حاجة كده ولا كده ليّ..؟!
” مـريـم ” وهي تهب واقفه مسرعه بإتجاه الشرفة مردده بإنفعال طفيف وإرتباك واضح.
– هااااا وأنا يهمني في إيه يا ست سـلـمـىٰ وهو أنا أساسًا أعرفه ولا اتقابلت معاه غير مرتين وأول مرة فيهم مكانش لطيفة إطلاقًا وأنتي عارفة كده كويس..
” سـلـمـىٰ ” وهي على نفس نبرتها السابقة.
– أنا يهمني أنتي اللي تكوني عارفة ده كويس ومش مستنيه حد يعرفهولك..
ثم أضافت بنبرة هادئة على إعتبار أن هذا ما هو إلا هدوء ما قبل العاصفة المُحكىٰ عنه.
– أنتي بدءتي تعجبي بيه يا مـريـم مش كده..؟!
” مـريـم ” بصدمة وهي تلتفت لها بذهول.
– أنتي بتقولي إيه يا سـلـمـىٰ أنتي مستوعبه يعني أعُجب بالشخص ده..؟!
فصمتت تفكر في الأمر قليلًا بشرود وحيرة حقيقية واضحة على وجهها وتلك الأخيرة تتابع كل حركة ونفس يصدران عنها بتركيز شديد.
ومن ثم أضافت ” مـريـم ” بعد تفكير دام لحظات وهي تشعر بالخجل يُسيطر على نبرتها وكل أنش بها بنبرة صادقة لكنها مهزوزه بعض الشئ.
– مش هكدب عليكي يا سـلـمـىٰ أنا النهارده كنت مبسوطة أوي وأنا بتكلم معاه وكنت حاسه أني مرتاحه في الكلام أوي ودي مش بتحصل كتير وأنتي عرفاني كويس..
كنت حاسة بمشاعر كتير متلغبطة بس كنت مبسوطة أوي لدرجة متتخيلهاش سميه إعجاب، سميه إنبهار بيه وبكلامه، سميه اللي تسميه بس إحساسي النهارده كان مُختلف ومحستهوش مع حد قبل كده..
أنا مش غبية يا سـلـمـىٰ ولا هبلة بس أنا أول مرة أشوف التركيبة دي..
أول مرة أشوف حد برغم صغر سنة فاهم أوي الدُنيا والناس..
أول مرة أشوف حد إنبهر بيه بالطريقة دي ومش عارفة الاقي مُبرر لكل اللي بيحصل ده..!
” سـلـمـىٰ ” بحكمة دومًا ما تتحلىٰ بها.
– سـلـيـم ده شخص غامض يا مـريـم وأديكي شوفتي بنفسك من مرتين بس اتكلمتوا سوا عمل فيكي إيه وبقيتي في حيرة إزاي منه..!
فتسرسلت في حديثها على نفس نبرتها من جديد.
– سـلـيـم ده بحره غويط ولو اتكلم معاكي بحنية النهارده يا عالم هيعمل معاكي إيه بكرا لأنه شخصية متقلبة ودماغه مش مفهوم فيها إيه خصوصًا أن نيته مش واضحة ولا حتى موقفه تجاههك واضح حبه حنين وكلامه معسول وحبه جلياط وقليل الذوق وأكبر مثال على كلامي اللي حصل النهارده أول ما جت الست اللي أنتي قولتي عليها سابك وجرا عليها وولا كأنه كان قاعد معاكي وبيكلمك واللّٰه أعلم بقا إيه هي العلاقة اللي بتربطهم ببعض حب بقاااا ولا جواز ولا شوفي إيه حكايتهم..؟!
” مـريـم ” بإحباط وحزن جلىٰ على معالمها بوضوح.
– طب أعمل إيه يا سـلـمـىٰ قوليلي..؟!
” سـلـمـىٰ ” بتعقل.
– أنا من رائي أنك تسيبي الأمور كده ماشية لوحدها لحد ما نشوف إيه اللي في دماغه ومع الأيام علاقته بالست دي هتتحدد إذا كان في شئ بينهم ولا قرايب ولا معرفة عادية في حياته وخلاص..
بس أنا كل اللي طلباه منك أنك تظهري عكس اللي أنتي حاسه بيه يعني لو في إعجاب اتعاملي عادي متخليش مشاعرك هي اللي تسوقك؛ لو متعصبة ومتغاظه اتعاملي ببرود ولامبالاه؛ لو عندك فضول وهتموتي وتعرفي حاجة سبيها لحد ما تيجي تحت إيدك بالطريقة لكن متسعيش ليها أبدًا ولو هو حاسس أنك تهميه هتلاقيه هو لوحده بيصارحك وبيقولك أي حاجة من قبل ما تسألي عشان يطمنك ويحسسك بالأمان ولو ده حصل يبقا أنتي وقتها مع الشخص الصح يا مـريـم؛ لأن أهم حاجة في العلاقة بين أي أتنين هي الأمان..
” مـريـم ” بخوف وقلق.
– ولو محصلش ده هعمل إيه ساعتها..؟!
” سـلـمـىٰ ” بتفكير.
– اممممم..
وقتها برضو هتتعاملي عادي وهتحاولي تحكمي عقلك قبل قلبك لأن في جميع الأحوال لازم يكون قرارك صادر عن تفكير وإقتناع من جواكي يا مـريـم..
” مـريـم ” بحيرة.
– أنا تايهة يا سـلـمـىٰ..
تايهة ومش عارفة الدُنيا هتوديني على فين..؟!
” سـلـمـىٰ ” وهي تحتضنها بحنان أخوي نابع من أعماق قلبها بحب.
– سيبي الدُنيا هي اللي توديكي يا مـريـم أنتي مش ملزومه تعملي أي حاجة دلوقتي؛ كل اللي أنتي مُطالبه بيه أنك توازني مشاعرك وتعملي اللي عقلك وقلبك يقولوا عليه ومتسمعيش كلام واحد فيهم بس حاولي تخليهم يتقابلوا عند نقطة هما الأتنين عشان ترتاحي وتوفري على نفسك حاجات كتير..
فإحتضانتها ” مـريـم ” بحب وهي تداعبها بحديثها قائلة.
– شوفي عيلة صغيرة وهبلة بس معرفش أعمل حاجة من غيرك..
ربنا يخليكي ليا يارب..
” سـلـمـىٰ ” وهي تضربها بيديها بخفة على مؤخرة رأسها.
– ولزمته إيه الغلط ده يا أم لسانين ما كنا ماشيين كويسين..؟!
وما أن همت ” مـريـم ” بالحديث حتى إستمع كلاهما إلى صوت طرقات الباب ومن ثم أنفتح الباب وأطلت منه ” شـهـيـرة ” وهي تبتسم لهم بحب ودفء.
– حبايب قلبي عاملين إيه..؟!
” سـلـمـىٰ ” بإبتسامة هادئة.
– أنطي شـهـيـرة تعالي أقعدي معانا..
” شـهـيـرة ” بحب.
– لا تعالوا أنتم أقعدوا معايا أنا وسـهـام تحت في الليڤنج..
ده أنا طلبت من دادة ثـريـا تعمل ليكم الكيك اللي بتحبوها مخصوص وقولت أطلع أقولكم عشان نأكلها سوا مع شوية شاي باللبن لأن بقالنا كتير مقعدناش كلنا مع بعض بسبب تعب جدو الفترة اللي فاتت..
” مـريـم ” بسعادة وهي تقف إلى جوار والدتها محتضنه لها بحب.
– واااااااو أوعي تقولي عملتيلي كيك الفراولة اللي بحبه..
” شـهـيـرة ” وهي تحيط بيديها يدي صغيرتها المحتضنه لها من الخلف.
– ايووووه كيك الفراولة اللي بتحبيها وطلبت منهم كمان يعملوا كيك الشوكليت اللي سـلـمـىٰ بتحبه وقولت نحضر فيلم كلنا سوا زيّ زمان..
” سـلـمـىٰ ” وهي تحتضن ” شـهـيـرة ” بدورها بسعادة.
– أحلى أنطي شـهـيـرة في الدُنيا..
ربنا يخليكي لينا..
” شـهـيـرة ” وهي تشدَّد من إحتضانهم بحب، رابته على ظُهُرهم بحماس.
– طب يلااااا بسرعة قبل ما الكيك يبرد..
الفتيات بحماس طفولي وهم يركضون في سباق إلى الخارج.
– يلاااااا بيناااااا..!
وبالفعل انطلقوا جميعهم إلى الخارج تحت ضحكات ” شـهـيـرة ” على حركاتهم وأنقضىٰ الوقت سريعًا بين الضحك والتنكيت ومشاهدة التليفاز وأنضم إليهم ” عـابـد ” مؤخرًا بمساعده ” شـهـيـرة ” و ” سـهـام ” له حتى يجلس بوضعيه أكثر أريحيه له وبعد مرور ساعتان كان الجميع يُشاهد الفيلم بإندماج شديد والأضواء خافته من حولهم لا تخلوُ إلا من ضوء الشاشة الخافته وصحون الكيك والذرة من حولهم تشغل حيزًا من الطاولة والأرائك بجوارهم إلى أن قطع عليهم سير إندماجهم هذا رؤية ” مُـراد ” الذي عاد من الخارج للتو والتعب والإرهاق يبدوان بوضوح على خطواته وتقاسيم وجهه الذي شاب من الصباح إلى المساء ما يُعادل عشرة سنوات بأكملها.
فهتفت بإسمه ” شـهـيـرة ” بقلق وهي تقترب منه مسرعه بلهفة بعد أن وضعت الصحن بيديها أعلى الطاولة وهي تركض باتجاهه.
– مُـراد أنت كويس..؟!
” مُـراد ” بوجوم.
– مفيش حاجة يا شـهـيـرة أنا تمام متقلقيش..
” عـابـد ” وهو يستدير إليه بنبرة منهكه.
– مُـراد فيك إيه يا إبني قولي أوعىٰ يكون معاك مشاكل في الشغل ومش عايز تقولي..؟!
” مُـراد ” وهو يقترب من والده بخطوات مسرعه واضعًا قبلة حانية على كف يديه مرددًا بنبرة حاول من خلالها تطمينه وبثه بالراحة والأمان.
– متقلقش يا بابا كل حاجة تمام والشغل ماشي زيّ الفل مفيش حاجة ناقصة فيه غير وجود حضرتك..
” عـابـد ” بقلق ينهش صدره وهو يعلم جيدًا بأن هناك خطبًا ما في الأمر.
– أوماااال فيك إيه يا حبيبي كده..؟! ورجعت متأخر كده ليه..؟!
” مُـراد ” بإبتسامة حاول رسمها بإتقان خوفًا من تأثير الخبر على وضع والده الصحي في حال أن علم بأي مما حدث معه خلال اليوم من مصائب ونكبات.
– اللي حصل يا حبيبي أن كان عندي عشا عمل مهم مع عملا ألمان وكنت ناسي خالص عشان كده معملتش حسابي واتأخرت من غير ما أقولكم بس الحمداللّٰه العشا عدىٰ على خير والناس مشت مبسوطة والصفقة تمت بنجاح..
” عـابـد ” بإبتسامة يملؤها الفخر بصغيره.
– الحمداللّٰه يا حبيبي ألف مبروك..
ثم أضاف بحزن.
– أنا عارف يا إبني أن الحمل عليك تقيل أوي بس أنت سندي الوحيد في الدُنيا دي بعد ربنا ومحدش هينفع يشيل الشيلة دي غيرك يمكن لو كان ربك أراد وخلفت حتة عيل كان زمانه شال الحمل معاك بس دي حكمه ربنا وإحنا راضيين بيها يا حبيبي..
” مُـراد ” وكأن أحدهم قد طعن قلبه طعنًا بسكين بارد.
– الحمداللّٰه على كل حال يا بابا بكرا عـامـر إبن سـهـام يكبر ويدخل الجامعة ووقتها هيجي يشيل معايا الحمل ويحافظ على حالنا ومالنا اللي جده تعب وشقىٰ عشان يبنيه عمره كله..
” عـابـد ” وهو يربت على يديه الممسكه بيدي الأخير بدفء بعدما إستشعر مراراة صغيره جيدًا وأدرك للتو ثُقل ما تفوه به منذ لحظات.
– كل شئ بآوانه يا مُـراد..
كل شئ بآوانه يا حبيبي..
” مُـراد ” بإبتسامة مهزوزه وهو يهم بالصعود إلى غرفته.
– أنا هطلع أناااام عشااان هلكااااان..
تصبحوا على خير..
الجميع في نفس الصوت.
– وأنت من أهله..
” شـهـيـرة ” مسرعه بلهفة وقلق ينهش صدرها نهشًا.
– مش هتتعشا يا مُـراد..؟!
” مُـراد ” بهدوء وهو يصعد درجات السلم بوهن.
– شكرًا يا شـهـيـرة أنا أكلت بره..
” شـهـيـرة ” للجميع بعد رحيل ” مُـراد ” من أمام أعينهم والقلق يتأكلها على حالته التي هو عليها منذ أن عاد.
– طب عن إذنكم أنا كمان هطلع لـمُـراد أشوفه..
” عـابـد ” بتفهم.
– إذنك معاكي يا بنتي أطلعي لجوزك يلااااا..
” شـهـيـرة ” بإبتسامة مُحبة.
-تصبحوا على خير..
الجميع في نفس الصوت.
– وأنتي من أهله..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وجوه الحب)