رواية وجلا الليل الفصل العشرون 20 بقلم زكية محمد
رواية وجلا الليل الجزء العشرون
رواية وجلا الليل البارت العشرون
رواية وجلا الليل الحلقة العشرون
شعر بتوقف الزمان من حوله، وجملة والدته ترن في أذنيه تجلده دون رحمة، أقالت غادرت وتركته ؟ وما كنت تنتظر بعد الذي اقترفته بحقها ؟
ابتلع تلك الغصة التي تشكلت في حلقه، واكتسح الحزن وجهه، أومأ لها بموافقة فهي على تمام الحق، أردف بصوت خافت :- عندك حق يا أما، طيب بالإذن .
قالها ثم ارتقى درجات السلم بتعب، وكمن قاموا بسلب قوته منه عنوة، صعد للأعلى ودلف للشقة الخاصة بهم، ليلاحظ تشبث الصغيرة به بقوة قائلة بخوف :- لاه يا أبوي مريداش أقعد إهنة .
سألها بتعجب من حالتها بحنو :- ليه دة بيتنا، مريداش تقعدي وياي ؟
هزت رأسها نافية توضح له :- أنا رايدة أقعد وياك، بس شمس لاه هترميني للكلب .
بدأ صدره يعلو ويهبط بعنف، كم ود اختناقها تلك التي زرعت هذه الأفكار المشينة بداخلها، وعلى الرغم من أن ابنته أخبرته بأنها تكذب، ولكن خوفها أثر عليها فربت على ظهرها بحنان وهتف بتعقل :- أنتِ متوكدة إنها هترميكِ للكلب ؟ في مرة مدت يدها عليكِ ؟ ولا في مرة طلبتي حاچة ومعملتهاش ؟
هزت رأسها بلا، فتابع بعتاب :- يبقى ليه هترميكِ للكلب ؟ متخافيش هي مش هتعمل إكدة واصل، هي مقعداش إهنة أصلًا .
سألته بطفولية :- راحت بيتها الأول ؟
أومأ بنعم مرددًا :- أيوة راحت ومش راچعة تاني عشان زعلانة مني ومنك .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- ليه أنت زعلتها ؟
ردد بأسف :- قولتلها كلام عفش كتير .
أردفت بتفكير طفولي :- چبلها عروسة وهي هتصالحك .
رسم ابتسامة باهتة على تفكيرها، فلو كان هذا ما سيجعلها تعفو عنه، لأشترى لها مصنع عرائس بأكمله، تنهد بعمق قائلًا :- لاه هي كبيرة متنفعش معاها، العروسة دي ليكِ أنتِ .
أخذت تفكر قليلًا فأردفت بفرح وكأنها عثرت على كنز :- هي بتحب الوكل قوي، هاتلها وكل كتير .
شر البلية ما يضحك، لم يستطع أن يكبح نفسه من الضحك، إذ صدحت ضحكاته في الارجاء، شاركته الصغيرة ظنا منها أنها وجدت الحل، بينما أخذ هو يسترجع بذاكرته رؤيته لها وهي تأكل بنهم، وكأنها ماثلة أمامه يستمتع بتذمرها، توقف فجأة ليشعر ببرودة هزت أوصاله، أنها ليست هنا ومعه، لقد أضاعها بغباء منه وتسرع غير معهود، تنهد بوجع شديد اعتصر فؤاده، يعلم جيدًا أنها لن تقابله ولن ترضى عنه، لذا لم يذهب لها على الأقل الآن .
بعد وقت غفت الصغيرة فوضعها في الفراش وأودع قبلة حنونة على رأسها ثم خرج من الغرفة، مر الوقت وهو على حاله من هنا لهناك، جفاه النعاس كما فعلت هي، نظر في الساعة وجدها منتصف الليل، نزل برفق وخرج يمشي يستنشق الهواء في حديقة المنزل .
استيقظت من نومها وأمعائها تصدر صوتًا دلالة على الجوع، فهي لم تتناول شيئًا منذ الظهيرة، بعثرت خصلات شعرها قائلة بضيق وهي توبخ نفسها :- استفدتي إيه دلوك من الزعل خليه ينفعك، أنا چعانة قوي بس مريداش أكل قدامهم .
نهضت من مكانها وارتدت حجابها بإهمال، ثم خرجت تتسحب على أطراف أصابعها، حتى خرجت ووصلت للمطبخ بالأسفل، وجدت الجميع نيام كما أن المنزل تغمره السكينة، فتحت البراد لتبدأ تعد الطعام بهدوء، حتى لا تحدث ضجة يستيقظ أحد على إثرها .
بعد ساعة جلست تأكل بنهم تسد جوعها، تحاول قدر المستطاع أن تنسى أو تتظاهر بذلك، تحاول انتشال ذاتها من ذلك البئر الذي تغرق فيه، لن تستسلم ستريه من هي جيدًا، وأنها لن تظل تبكي على الأطلال، تنتظر عودته لا لن تفعل، ستظهر له إنها بدونه تستطيع المضي قدمًا، وستجعله يندم على كل كلمة قالها في حقها، لن تمرر له فعلته كما السابق، لقد تعدى جميع الخطوط الحمراء .
عاد هو ودلف للداخل وكاد أن يضع قدمه على أول درجة ليرتقي السلم، ولكنه توقف عندما سمع صوت قادمًا من ناحية المطبخ، تعجب فالجميع يغفو بسلام إذًا من بالداخل ؟ سار ناحية الصوت بخفة، مال برأسه بحذر لتتسع عيناه بذهول مختلط بالفرح، لقد ظن أنها بالفراش تنتحب بمرار، ولكن رؤيتها على هذا النحو كان آخر توقعاته، ابتسم بحب فها هي شمسه تعود من جديد لثوبها القديم، لمعت مقلتاه فجأة بلهيب لو تمثل لحرقها، وهو يرى شعرها الظاهر بوضوح للعيان، وهي غير عابئة لدلوف أي أحد بهذا الوقت لهنا، ولج ليقف قبالتها ولدهشته لم تكلف نفسها مقدار ذرة بأن ترى على الأقل من الذي يمتثل قبالتها. بقلم زكية محمد
شعرت بوجوده منذ البداية، وكيف يغفل القلب عن الأكسجين خاصته والذي يمده بالحياة ؟ لكنها ظلت ثابتة وتابعت ما تفعله وهي تدعي عدم الانتباه، مقررة التجاهل وإعلان حربها عليه، وأقسمت أن تهزمه شر هزيمة ستقهر حصونه، وستعتلي عرش قلاعه وتتربع عليها .
كان في وضع يحسد عليه، لوهلة شعر بمن عقد لسانه فعجز عن الكلام، حمحم بهدوء ولكن لا حياة لمن تنادي، وكأنه غير مرئي جز على أسنانه بعنف وجلس قبالتها، وظل يحدجها بنظرات لو كانت نيران لحولتها لكوم رماد، توترت قليلًا ورسمت ملامح العبس، فقد طعنها وترك جرحها ينزف دون أن يبالي به أو بها، هتف بصعوبة وهو يحاول تجميع الحروف ليشكل بها جمل :- أنتِ كيف قاعدة إكدة ؟
تركت الطعام الذي بيدها وهتفت بغرابة وحنق :- قاعدة كيف ؟ ما أنا قاعدة زي الناس، ولا أنت مستني أولول !
أنهت جملتها بنبرة ساخرة، لينظر لها بأعين جاحظة وتابع حديثه بغيظ :- كيف سايبة شعرك ؟ مخيفاش حد من إخواتي يوعالك ؟
أردفت بتبرير :- محدش صاحي كله نعسان .
دب على المنضدة بعنف قائلًا :- وأفرضي حد فيهم صحي ونزل يعمل أيوتها حاچة ؟ داري شعرك دة يلا .
أجابته ببرود :- باكل، لما أخلص .
استشاط غضبًا من افعالها، وكاد أن تصيبه ذبحة صدرية ليردف بحدة :- اسلوبك دة تبطليه أحسنلك .
رفعت حاجبها باستنكار قائلة بتهكم :- وإن ما بطلتش هتعمل ايه يعني ؟ هتضربني ؟
صمتت قليلًا لتكمل بنبرة مشوبة بالوجع :- مبقتش فارقة مش هيكون أكتر من اللي قولته .
شعر بنصل حاد قامت بغرزه بكل قوتها بصدره، كلماتها صفعته بعنف منقطع النظير، جف حلقه كمن تاه في صحراء وتركوه بدون رشفة ماء، لم تعد قادرة على الصمود أكثر من ذلك، فنهضت بجمود وسارت إلى حيث غرفتها، لتنهار هنا وسط جدرانها التي شهدت شتى معاناتها، بينما ظل واقفًا يطالع طيفها بكل ندم، لن تغفر بسهولة صعد خلفها يجر أذيال خيبته، والتي لم يكن المسبب الرئيسي فيها سواه، يعض على أنامله ندمًا، ويتمنى أن يعود الزمان للخلف، ما كان تفوه بتلك السموم التي سرت بجسدها، ولكن هل ينفع الندم على اللبن المسكوب ؟ لن يعيده لما كان عليه .
**********************************
بعد أسبوع على تلك الأحداث، استمر الوضع على ما هو عليه، استمرار مكوث شمس بمنزل والدها، تجاهلته تمامًا وباتت تصد أي محاولة له فتعود بإخفاق زريع، تتهرب منه وتتظاهر بالثبات وبمجرد أن تختفي عن الأعين، تغرق في محيط أحزانها، وما جعل فوهة جراحها تتسع، خوف الصغيرة منها عندما قابلتها في إحدى المرات، وحاولت الاقتراب منها والتحدث معها كما تفعل، إلا أنها فاجئتها بردة فعل غير طبيعية إذ انكمشت بخوف وركضت كمن رأت وحشًا، لتصيبها صاعقة حينما علمت من والدتها كل شيء، وأن ذلك كان ملعوبًا من الأخرى لتعكر صفو حياتها، والتي بدأت في الاذدهار لتبدأ في الانهيار .
يجلس شاردًا حتى أنه لم يشعر بجلوس الآخر إلى جواره، والذي هتف بتعجب :- وه اللي واخد عقلك !
انتبه له واستدار قائلًا :- عامر أنت إهنة من ميتا ؟
أجابه بهدوء :- يدوبك لسة مقبمر ( قاعد) چارك، مقولتش بتفكر في ايه ؟
أردف بنفي :- لاه مفيش سرحت شوية .
صمت حل على الاثنين، قطعه عامر حينما قال :- كيفك يا وِلد أبوي ؟ من زمان مقعدناش القعدة دي .
ارتبك وردد بتوتر :- أها كله مشغول والدنيا تلاهي .
طالعه بعتاب قائلًا :- الزمان سرقنا يا واد أبوي، وبدل ما نبقى چار بعضينا نونسوا حالنا بعدنا وزادت المسافات .
جعد أنفه بضيق وردد :- وه هتقعد تنخر في القديم وتقلب علينا المواچع، إحنا خلصنا منها السيرة دي .
أردف بهدوء :- أنا مهتكلمش على اللي فات، أنا رايد أفتح وياك صفحة چديدة، أنا عمري ما عديتك مع إني كنت أقدر بس احنا دم واحد، أنا مسامحك يا واد أبوي في حقي بكرة بورة ضيقة .
نهض من مكانه قائلًا :- حق إيه دة كمان ؟ دة حقي أنا .
تعجب من مكابرته ولكنه هتف بمهاودة :- ماشي يا واد أبوي على كيفك، بس بزيدانا خصام خدنا إيه من تحت راسه .
أردف بإنكار :- أنا ممخاصمش حد، وأدينا قاعدين تحت سقف واحد من وقت ما چيت شوفت حاچة عفشة صدرت مني ؟
هز رأسه بنفي مرددًا :- لاه يا سالم، ربنا ما يچيب حاچة عفشة، ويستر في اللي چاي ويعديها سلامات .
أردف بضيق :- إن شاء الله .
ربت على قدمه بود وأردف بصدق :- أنا أخوك الكبير وفي مقام أبوك، أيوتها حاچة رايدها اطلبها وأنا مش هتأخر .
أومأ له بموافقة، ليسترسلا الحديث في مواضيع شتى، لتراقبهم أعين مليئة بالحقد، وتتساءل بم يملي عليه فيغيره ويجعله يحيد عن الطريق التي رسمتها له، أي مصيبة حلت عليها ؟ لم تكن في الحسبان
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★:
في منزل شقيق عطيات، أتت وجد لزيارة أمها والبقاء معها لأيام معدودة، كانت بمثابة عقود على ذلك العاشق، والذي لم يستطع أن تغيب عن ناظريه أكثر من ذلك، توجه نحو وجهتها ليروي عينيه برؤيتها وقلبه المتعطش لقربها، وصل ليترجل من سيارته ثم دلف للداخل، أشرق وجهه بابتسامة عريضة، أخيرًا سيراها بعد غياب أسبوع، مر عليه أعوام .
– في قربكِ تمر الأيام كاللحظات، وفي بعدكِ تمر كالسنوات .
أسرع من خطواته كالمجنون ليقف على مشهد فجر البركان الخامد بداخله، وجعل دمائه تغلي بتفاعل مع الحمم . بقلم زكية محمد
كانت تجلس برفقة والدتها وابنة وابن خالها، أخذوا يضحكون بشدة على مرحه المعتاد منذ أن اتوا، لتتوقف هي فجأة وتبتسم لذلك الواقف بحب، إلا أنها أنكمشت بخوف حينما رأت منظره الذي لا يبشر بالخير، كادت أن يصيبها لهبه فتحترق، وعلمت سر تحوله والذي لن يمرره مرور الكرام، ودت لو تنشق الأرض وتبتلعها على الفور، ضغطت على كف والدتها تستمد منها العون، لتتطلع لها فتجد وجهها قد شحب لونه، وعيناها متسمرة على نقطة ما وجهت أنظارها إلى ما تتطلع، لتهب واقفة ترحب به ببشاشة قائلة :- يا مرحب يا ولدي تعال واقف ليه، الدار دارك .
ابتسم بخفوت واقدم نحوهم مرددًا السلام، وهو مازال يصوب مقلتيه نحوها، لتشعر بتراخي جسدها وتنظر للأرض قائلة بهمس :- يا وقعتك المربربة يا وچد، عديها سلامات يا رب .
هتف وليد ابن خالها بترحاب :- يا مرحب بيك يا خالد الدار نورت .
صافحه ليضغط على يده بعنف قائلًا بغيظ :- منورة بأهلها .
شعر وليد بقوة قبضته ولكنه تحمل، وتعجب في نفسه من ذلك التصرف، أردفت عطيات بود :- أقعد يا ولدي، روحي نادي على أبوكِ يا بسنت .
أومأت بموافقة وانصرفت، بينما قبض على ذراع وجد قائلًا بابتسامة مزيفة :- معلش يا خالة معاود طوالي وراي مشوار مهم .
كانت ترتعش بين يديه، تخشى أن يصب عليها غضبه،
فمسكت يد والدتها تستغيث بها، فأردف بغضب مكبوت :- أمشي قدامي أحسنلك .
هزت رأسها بنفي قائلة بذعر :- لاه أنت بتخوف .
جعد أنفه باستنكار قائلًا :- نعم ؟ بخوف ! ليه شيفاني عفريت إياك ؟ قدامي طيب بدل ما أوريكِ العفريت على حق .
تمسكت بوالدتها أكثر وهي على وشك البكاء، بينما صاح هو بانفعال :- لما أقولك كلمة تسمعيها .
تدخل وليد قائلًا بحنق مما يفعله :- في إيه يا چدع أنت بالهداوة إكدة .
زمجر بوجهه بغضب :- ملكش صالح أنت، خليك في حالك .
جعد أنفه باستنكار وردد :- أنت طايح في الكل إكدة ليه يا چدع أنت .
دفعه بقوة كاد أن يسقط على إثرها، ليردد خالد باحتدام جامح :- دة لو عاچبك .
وقف قبالته وقد وصل غضبه لذروته، وأردف باحتدام :- لاه باينلك أتچنيت ع الآخر .
لم يستطيع أن يسيطر على أعصابه، إذ لكمه بقوة صرخت وجد على إثرها، وهي ترى شخصًا آخر غير ذاك الذي تعرفه، سرعان ما التحم الاثنان ودلفا في شجار عنيف، أتى من في المنزل على صوتهم، هتف
ناجح بصرامة وصوت عال :- وقف يا وِلد منك ليه ؟ مش مالي عينكم إياك ؟ بطلوا واحترموا الكبير اللي قدامكم .
ابتعد الطرفان عن بعضهما وهما يحدجان بغل في كل منهما الآخر، تابع ناجح حديثه بضيق :- عيال صغيرة أنتوا ! إيه اللي بتعملوه دة ؟
تحدث ابنه باعتراض :- يا أبوي أنت موعتلهوش وهو عمال طايح في الكل و..
قاطعه قائلًا :- نفهم الأول مش نتحدت بأدينا، قولي يا ولدي عملك إيه وليد ؟
حدجه بكره مرددًا بكمد :- عمال يضحك ويتمسخر ويا مرتي، وأنا قولتلك يا حچ ناچح متخليش أيوتها راچل يلمح طيفها .
تطلع له وليد بصدمة قائلًا :- أنت أتچنيت ؟ بتمسخر كيف يعني أنا كنت ويا عمتي وخيتي وهي مكناش لحالنا .
أردف بغيرة وحمية :- وتضحك وياها ليه من أصله ؟ بس الحق علي أنا مهملها إهنة، البيت دة مهتعتبيهوش تاني .
نظرت له بذهول كيف له أن يبعدها عن والدتها ؟ بينما تحدث ناجح بروية قائلًا بمرح :- تعال أقعد إهنة چاري بس وخلينا نتكلم بالعقل .
أمتثل لطلبه وجلس على مقربة منه، فتابع الآخر حديثه :- وليد يعرف الأصول يا ولدي زين، هو علطول إكدة طالما في الدوار بيقلبوا فقاني تحتاني، كله ما بيبطلش ضحك على اللي بيقوله ولا اللي بيعمله، هو ما غلطش ولا هي غلطت خابر إنك غيران عليها بس بحبحها هبابة، الغيرة لما بتزيد عن حدها بتتقلب ضدها، ربنا يصلح حالكم ويهنيكم بس بلاش تمنعها من أمها ترضاها على نفسك ؟ حكم عقلك الأول يا ولدي .
صمت وهو ما زال على حالته، الغضب يعصف به هنا وهناك، يكاد ينفجر ولا يشعر به أحد عداها هي، والتي تراقبه وقلبها يكاد يتوقف عن الخفق من شدة هلعها، استطاع ناجح أن يمتص غضبه، وانخرطا في مواضيع شتى لينقضي النهار دون أن يشعر، وحانت اللحظة التي ستغادر فيها معه، والتي شعرت بأنها تقدم على موتها بأيديها، صعدت معه السيارة والتزمت الصمت وكذلك هو، دعت الله أن يمر الأمر بسلام، فهي ليست مطمئنة بسكونه والذي ليس إلا إنذار ما قبل العاصفة.
وصلا للمنزل ومن ثم لشقتهما وما إن أوصد الباب، التف ناحيتها وأخذ يتقدم منها بخطوات أتلفت أعصابها، تراجعت للخلف بذعر بدورها وهي تراقب تقدمه منها وتردد الشهادة بداخلها ظنا منها أنه سيقتلها لا محال.
صرخت بهلع ما إن وقف قبالتها ووضعت كلتا يديها أمام وجهها في وضع الحماية وهي تُردف بخوف وصوت أشبه للهمس :- أحب على يدك يا خالد ما تضربنيش، والله ما عملت حاچة تزعلك واصل .
شعر بمن قام بطعنه في قلبه بسكين حادة حينما رأى هيئتها تلك أتخاف منه و تخشاه ! بعد أن كانت تحتمي فيه من تقلبات الحياة و مصاعبها !
مسك يديها برفق والتي كانت ترتجف بشدة و ضمها بين كفيه بحب قائلاً بحنان :- وچد انتي خايفة مني ! خايفة من خالد يا وچد !
لم تتفوه بأي كلمة وإنما ظلت عيناها تراقبه بوجل ولما هو مقدم لفعله بينما نظر في عينيها مباشرة و أردف بألم :- خابرة انتي حسستيني بإيه دلوك ؟
صمت قليلاً ثم أردف بوجع :- حسستيني إني ما استاهلكيش لما تكوني خايفة مني إكدة يبقى ما استاهلكيش لما تبقي خايفة كل هبابة و تچري على أمك بدل ما تچري لحضني و تدّسي فيه ولما ما تلاقيش معايا الأمان يبقى ما استاهلكيش .
زفر بضيق قائلاً بعتاب و لوم :- إكدة يا وچد بتخافي من خالد حبيبك اللي مستعد يبيع كل حاچة لأچل ما يشتريكي ! بقلم زكية محمد
قطبت جبينها ببلاهة و صدمة فهتفت بغباء :- يعني انت مش هتضربني ؟!
عض على شفتيه بغيظ وضرب على الحائط بقبضته كي لا يفرغ شحنة غضبه فيها ثم أردف بحدة :- يعني بعد الحديت دة كله چاية تقولي الكلمتين دول ! طيب أنا هبعتك لأمك تقعدي چارها، وأتچوز واحدة فيها عقل مش مُخ خروف ..
وما إن هم ليستدير و يترك الغرفة ركضت لذراعيه لتختبئ فيها و أردفت ببكاء :- خالد متهملنيش أنا اللي ما استاهلكش أنا واحدة چات في الحرام و ….
قاطعها بحزم قائلًا :- أنا قولتلك إيه قبل سابق مش قولتلك لو لقيتك بتتحدتي بالحديت دة تاني هعاقبك ….ثم أضاف بخبث :- ها فاكرة العقاب ؟
أخفت وجهها في صدره و ضربته بقبضتها بخفة على ظهره تنهره قائلة :- يا قليل الحيا ..
ضحك بصوته العالي قائلاً :- أنا چوزك يا هبلة .
أردفت بحب :- و الهبلة بتموت فيك ومش متخيلة حياتها واصل من غيرك ربنا يخليك ليا يا خالد أنا بحبك قوي .
شدد بذراعيه حول و ابتسم بعذوبة قائلاً بهيام وهو يقبل أعلى رأسها :- وأنا أتخطيت الحب والعشق من زمان يا وچد أنا بقيت مهووس بيكي و رايدك چاري وبس .
ابتعدت عنه و أردفت بحذر وخوف :- طيب أنت يعني هتوديني أشوف أمي تاني؟
تذكر ذلك السمج فكاد أن يرفض ولكنه عاد ليحكم عقله فردد بغيرة :- هوديكِ بس رچلي على رچلك .
ابتسمت له بحب قائلة :- انت أماني يا خالد انت وطني اللي بتحامى فيه .
قهقه عاليًا وهو يقول بخبث :- طيب مفيش حاچة إكدة ولا إكدة لخالد ؟
شهقت بخجل و أردفت بحدة خفيفة :- خالد بس
أردف بعبث :- هو انتي خليتي فيها خالد ما خالد خلاص غرق في بحورك يا بت راشد واللي كان كان .
ضحكت بخفة وهي تطالعه بنظرات عاشقة تخصه وحده لطالما هو الأمان و الحصن المنيع لها .
★★★★★★★★★★★★★★★★
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وجلا الليل)