رواية وبها متيم أنا الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا الجزء السادس والثلاثون
رواية وبها متيم أنا البارت السادس والثلاثون
رواية وبها متيم أنا الحلقة السادسة والثلاثون
في جنح الظلام وعلى أطراف أصابعه كان يتسلل بخفة، داخل المنطقة العشوائية القديمة، مستغلًا انطفاء معظم اعمدة الانارة بها نتيجة الإهمال، أو عمليات التخريب التي تحدث للمصابيج في كل معركة لمعتادي الإجرام من سكان هذه الأماكن وما يشبهها.
استمر بحرصه حتى اقترب من وجهته، بالقرب من المنزل الموصوف، والذي كانت أنوار نوافذه خير دليل على استيقاظ السكان بداخله، ولم يأت ميعاد نومهم بعد.
القى بنظرة سريعة على ساعته، والتي كانت لم تتعد الحادية عشر بعد، ليدفع ببعض الزفير من انفه وفمه، وقد ارتدت قدميه للخلف حتى وصل الى المنزل المهجور، والذي سقط معظمه فيما سبق؛ حتى اصبحت الجدران للنصف وأقل، تخفى خلف أحدهم، ليجلس منتظرًا مجيء من أتى من أجله مخصوص، بجلبابه الأسود وغطاء الوجه الذي التف حوله ولم يترك سوى عينيه، ليتساوى مع الظلام، فلا يلفت إليه الأنظار من أهل المنطقة، وإن حدث وراَه أحدهم، فسوف يظنه صاحب الحظ السئ شبحًا.
❈-❈-❈
انتهت الرقصة الرومانسية بين العروسين ليذهبًا إلى مقرهم الأساسي في الحفل وهو اعتلاء المنصة التي كانت مصممة بأناقة على هيئة تاج لتناسب الأمير وعروسه.
استغلت رؤى لتعدو بخطوات مسرعة نحو طاولة العائلة، لتبادرهم القول بتلهف:
– ماما يا ماما، شوفتي الفرح، شوفتي العرسان يا خالتى، دا كمان لو روحتوا معانا السيسشن، كان يجنن.
التوى ثغر الأخيرة لترمقها صامتة بسخط، وردت نرجس:
– شوفنا يا اختي، وشوفنا كمان تنطيطك ولا اكنك عيلة صغيرة ومش عاملة حساب حد، مش عروسة وعلى وش جواز.
رددت خلفها بعدم استيعاب، مشيرة بسبابتها نحوها:
– أنا على وش جواز يا ماما؟
– ايوة عروسة وعلى وش جواز، يعني ترسي كدة عشان لو شافك حد من الناس اللي هنا وحط عينه عليكي، ميقولش هبلة.
قالتها أمنية بتصنع الجدية، امام نظرات خطيبها والذي كان جالسًا يتابع بصمت مريب، ولكن الفضول دفعها لتردف بتساؤل:
– ثم إيه حكاية السيشن دي كمان اللي اتأخرتوا فيه، هو مش منظر طبيعي وخلاص، يتنيلوا يا خدوا فيه لقطتين الكاميرا!
تبسمت بشقاوة تحرك رأسها أمامها مغيظة لتقول:
– مش هقولك، هسيبك كدة تتفاجئي وانتي بتتفرجي عليهم دلوقتي ع الشاشة، واعرفي لوحدك .
ختمت بإخراج لسانها لتزيد بعدم اكتراثها:
– وهروح بقى اكمل رقص مع اصحابي، عشان لما يشوفني عريس زي ما بتقولي، ياخد ديلوا في سنانه ويجري.
قالتها وذهبت كما أتت لتعقب في اثرها أمنية بغيظ:
– ايه بت الهبلة دي؟ هي بتكلمني كدة ليه؟
عاد ابراهيم ليحدجها بثاقبتيه مرددًا بتحذير:
– سيبك منها يا أمنية واقفلي بوقك دا شوية، ولا انتي كان عندك غاية تروحي معاهم؟
نفت على الفور مرددة:
– لا لا لا طبعُا، انا كفاية اني جيت معاك، دي تسوى الدنيا بحالها .
صمت يطالعها رافعًا حاجبه بتشكيك، قبل أن يلتفت نحو والدته التي وقفت فجأة تقول على مضض:
– انا رايحة اسلم وابارك، مش ناقصة ابوك يعملها حكاية.
– وانا كمان رايحة معاكي
قالتها نرجس، ف اتجهت أمنية له سائلة:
– واحنا يا ابراهيم، هنروح معاهم ولا نروح لوحدنا؟
ضيق عينيه قليلًا بتفكير، قبل أن يجيبها:
– خليهم يسبقونا، واحنا نبقى نحصلهم.
❈-❈-❈
على المنصة وقد كانت جالسة بجواره بذهن شارد، أعينها تدور يمينًا ويسارًا وفي الأنحاء حولها، بعدم تركيز؛ تتلقى التهاني من المدعوين والتصوير معهم، هي وعريسها، ودائرة الفكر برأسها لا تتوقف.
إنتهى حسن من الترحيب بأحد المباركين من أصدقائه، قبل أن يعود إليها متغزلًا:
– طب برضوا دا كلام! حد يبقى زي القمر كدة ويسرح؟
التفت إليه تطالعه باستفهام، فعاد بمشاكستها
– ايه اللي واخدك مني يا قمر؟
أهدته ابتسامة ساحرة سلبت فؤاده كالعادة، لتنفي بهز رأسها مردفة بالجملة الروتينية بهمس:
– عادي يعني.
كان من حسن حظها، أنه التهى مرة أخرى مع أحد اقربائه من الشباب، والذي امتدت كفه لمصافحتها قبل يتبادل معه المزاح، وعادت هي إلى شرودها، وذلك الذي حدث معها منذ بداية اليوم، حينما واجهها بما علمه عن مقتل والدها وتاريخ عائلتها:
“” – ايه اللي انت بتقوله دا يا حسن، جيبت منين الكلام ده؟
– هتفت بها بصدمة ناهضة عن مقعدها، وقف هو الاَخر، ليقابلها بوقفته أمامها أسفل المظلة الشمسية، يتابع بإصرار:
– مش مهم جيبته منين يا شهد، المهم دلوقتي ازاي نتصرف؟ انا مش عايز اعرضك لأي خطر ولا عايزك تدخلي في أي مشاكل وصراعات مع الناس دي، أمين اخويا جاب كل المعلومات عنهم، وعرف ان والدك كان معاه حق لما بعد عنهم .
لاح على وجهها توترًا وحرج فهمه جيدًا، حبيبته الأبية ترفض الظهور أمامه بمظهر الضعف، كما أنها تخجل من هذه النقطة السوداء والتي تمس عائلتها، لتزيد من تأكيد الفكرة برأسه.
عادت تسأله بإلحاح، ورأسها تضج بالأفكار السيئة:
– يا حسن انا لازم اعرف المصدر اللي وصلك الكلام ده من الأول، دي اول مرة انت تكلمني فيها، وكمان في يوم مهم زي ده، انا بصراحة الشكوك ملت مخي، وعايزة افهم عشان اتجاوب معاك، ولو عندك نية يا بن الناس للفركشة أو حتى متردد….
قطعت مجبرة بحضوره الطاغي حينما اقترب بجسده منها ليقلص المسافة بينهم، واضعًا انظاره نصب عينيها، ليرد بصوت مفعم بالعاطفة نحوها:
– أنا مقدر عصبيتك وعارف بكل اللي بيدور في دماغك، بس كمان برجوا منك تركزي كويس في كلامي، انا بفاتحك عشان معايا الحل اللي ينهي أي اشكال من بدايته، انا بحبك يا شهد، ولا يمكن افرط فيكي حتى لو بعمري كله.
صمتت تبتلع ريقها، تأسرها عينيه، يجذبها الحنان المتدفق بهما، يغمرها عطره الرجولي بدفء جعلها كالمغيبة تستمع بإذعان وهو يستطرد:
– لو ليا عندك معزة يا شهد اسمعي كلامي المرة دي، وبلاش تغلبي العند ما بينا عشان بفاجئك بقراري، قراري ده مأخدتهوش من فراغ، دا جه بعد ما سألت واتأكدت من صحة المعلومات اللي اتقالتلي، هل هتنكري ان عيلة والدك حاولوا معاكي انتي واخواتك بعد وفاة الوالد عشان ياخدوكم وياخدوا مكتب المقاولات بتاعه، واللي أسسه بعرقه وشقاه؟
غامت عينيها مع تذكرها للحروب التي واجهتها، من جهة نرجس السلبية وافراد عائلتها واطماعهم، ومن جهة أخرى هؤلاء الأشخاص من عائلة أبيها والذين ظهروا فقط بعد رحيله، وقد كانت تظنهم السند قبل أن تفاجأ بغدرهم ونيتهم السيئة بكل وقاحة للأستيلاء على ورثها وورث أخواتها، وعليهن أيضًا، قبل أن تنتفض وتخرب كل الخطط والمؤامرات التي كانت تحاك حولها، بمساعدة أبو ليلة والحج عابد….
استدركت فجأة لتباغته بسؤالها:
– حسن، هو ابراهيم اللي بلغك بالحواديت دي؟
لم ينكر صحة تخمينها ليرد بعملية:
– رغم اني مبحبوش وبرضوا مضمنش حسن نيته، لكن اللي يهمني دلوقتي الحل، هتثقي فيا يا شهد وتوافقي على عرضي؟
اشتدت ملامحها، واحتدت عينيها بوميض مشتعل، هذا المعتوه لايزال ينخر كالسوس من خلفها، عقله الخبيث لن يرتاح سوى بتخريب حياتها، كما فعل قديمًا وأفسد العديد من الفرص، لقد ظنت بالموافقة على خطوبته من شقيقتها، رغم معارضتها الشديدة في البداية، إلا أنها تأملت أن يكون قد ازاحها من تفكيره، ويتخطى التعلق المريض بها، ولكنها كانت مخطئة.
– كل ده تفكير يا شهد؟
قالها حسن لتسفيق من شرودها، وتجيبه بالرد الحاسم:
– انا موافقة على عرضك، من قبل حتى ما اعرفه””
عادت لواقعها الجديد على صوت نرجس وهي تخاطبها بود زائف:
– الف مبروك يا شهد، الف مبروك يا حبيبتي.
تلقت العناق والقبلات منها تغتصب ابتسامة بصعوبة، ردًا علبها؛
– الله يبارك فيكي يا مرات ابويا، تسلمي.
– تسلمي انتي يا حبيبتي من كل شر.
قالتها نرجس قبل ان تفسح المجال لشقيقتها، وتتجه بمباركتها نحو حسن الذي كان يبادلها الود رغم عدم ارتياحه لها، اما سميرة فهي كالعادة لا تخفي كرهها، وذلك ما يبدوا جليًا في ابتسامتها الصفراء.
انسحبا الاثنان لتأتي مجيدة بصخبها وضحكة من القلب تشرق وجهها بالفرحة، تردد بمرح؛
– العرسان عاملين ايه؟
قالتها لتتلقى عناق ابنها على الفور، لتربت بكفيها على ظهره ضاحكة، وابتسامة صافية بود حقيقي تطالع بها شهد، تحمل في طياتها السلام والإطمئنان؛ لتبدد سنوات من الغيوم والضباب
❈-❈-❈
من النافذه إلى المقعد المجاور لشقيقته، ثم إلى النافذة مرة أخرى، ينظر إلى الشارع يترقب انتظارها، ويطالع الساعة بتوتر يعصف به، حتى هتفت به رحمة:
– ما تهدى بقى يا بني خايلتني.
التف إليها والقلق يصدر مع كل حرف يخرج بين كلماته:
– أهدى ازاي بس يا رحمة؟ وانتي بتقولي العريس دا جاي بكرة، انا عايز اعرف رأيها قبل ما تشوفه، مش عايز ادخل في دوامة الانتظار المر لمعرفة قرارها في الجوازة، عايز ارسى حل، هتفتحلي باب جنتها، ولا اهج واسيب البلد كلها.
دب الرعب بقلبها تأثرًا بكلماته، لتبلغه اعتراضها علّه يعود لعقله:
– يا لهوي يا شادي، انت واعي للي انت بتقوله؟
اومأ يوافقها الرأي يهزهز برأسه قائلًا:
– أيوة يا رحمة واعي للي بقوله، بس اعمل إيه؟ ما انتي اللي عشمتي قلبي بكلامك امبارح، أنا طول الوقت بكبت إحساسي جويا، لكن دلوقتي وبعد ما عرفت كمان انها ممكن تروح مني، معدتش قادر اسكت، مش قادر يا رحمة.
زحفت بجسدها على الفراش حتى اقتربت من الطرف، وامتدت ذراعها نحوه لتربت بكفها على ساعده مهونة بحنان:
– سيبها على الله وربك يساويها، قادر ربنا يجعلك نصيب فيها، من هنا للصبح يعدلها المولى.
ردد خلفها باستنكار اختلط بإحباطه:
– وانا لسة هستني للصبح؟ بقولك مش قادر…..
قطع يستل هاتفه، ليصغط على أحد الارقام ويهاتفها، سألته رحمة بفضول:
– طب هتتصل بمين؟
أشار إليها بكفه لتتوقف عن الكلام، وانتظر حتى أتته الإجابة من الطرف الأخر:
– الوو السلام عليكم، مين معايا؟
أربكه صوتها الناعم الرقيق، حتى جعله يتلعثم في البداية، باحثًا عن رد ليبرر سبب اتصاله بها، فهذه اول مرة يفعلها:
– ااا صبا، ممعلش لوو بتصل بيكي في وقت متأخر.
– لا ولا يهمك يا مستر، مفيش تأخير ولا حاجة، أنا اصلًا لسة في الفرح.
قالتها بتسامح وعفوية جعلت أعصابه ترتخي بعض الشيء، فجاء رده بفضول لم يقوى على كبحه:
– هي مش خطوبة عادية يا صبا، ليه التأخير ده كله؟
ردت بابتهاج وصل إليه عبر صوتها:
– لا ما هي بقت كتب كتاب، والليلة احلوت جوي حتى ابويا بيرجص بالعصاية.
– ضحك من جهته ليرد مستمتعًا بحديثها:
– يااه دا بين شهد دي غالية اوي عند ابو ليلة عشان ينزل من هيبته ويرقص لها.
– جوي جوي والله، دا انا حاسة ان فرح اختي النهاردة.
– ربنا يفرحك كمان وكمان.
حديثهما كان مفعمًا بالتباسط، حتى انه نسي السبب الأساسي لإتصاله، ولم ينتبه سوى بعد أن ذكرته.
– بس انت مجولتش سبب الإتصال يا مستر.
– السبب! اَه السبب، ااا انا كنت بتصل عشان ابلغك يعني….. رحمة، رحمة عايزاكي ضروري.
زهلت الأخيرة تضرب كفًا بالاَخر، لا تصدق ما يفعله شقيقها والذي فاجئها بجراته في الاتصال، يبدوا أن الحب يفعل المعجزات كما تسمع دائمًا، حينما أنهى المكالمة، بادرته بالسؤال على الفور:
– ها سي يا شادي، ردت وقالتلك ايه بقى؟
استفاق ليلتف إليها متحمحمًا بادعاء الجدية:
– اا بتقول انها هتيجي الصبح تطل عليكي.
ظلت تطالعه صامتة، محافظة على ابتسامتها الماكرة، لتزيد من اضطرابه، انتفض فجأة يهتف بها معترضًا:
– في إيه يا بنتي؟
❈-❈-❈
– طنت مجيدة وماما، مش شايلين عيونهم من علينا.
قالتها لينا وعينيها تختطف النظرات نحوهن، التف هو نحو الجهة التي تقصدها، ليعود اليها معقبًا:
– اعذريهم يا ستي ما هم لازم يستغربوا، دول ياما شاهدوا خناقتنا.
زمت شفتيها لترد بابتسامة مستترة ودلال يليق بها:
– وهما شافونا دلوقتي بقينا حبايب يعني؟ عشان بس واقفة معاك هيعملوها حكاية.
توسع ثغره بابتسامة عذبة، يطالعها بإعجاب وانبهار، رائعة بكل خصالها، حتى وهي مجنونة تنفعل على أتفه الأسباب، تتشاجر بحدة غير اَبهة بأي شيء او صفة الذي يقف أمامها، ولكن في المقابل ، تملك من سمات الجمال ما ينصبها ملكة، ومع ذلك تتصرف بطبيعتها دون تصنع،
تذكر حينما أتى متأخرًا ليصطحب شقيقه والعروس خطيبته لموقع التصوير، وقعت عينيه عليها وقد كانت خارجة من صالون التجميل كأميرة يونانية من إحدى أساطير الخيال، لقد توقف قلبه عن النبض لحظات قبل ان يستعيد خفقانه مرة أخرى، كي يملك رباط جأشه حتى يستطيع التعامل معها بثبات.
المناكفة الشرسة، لها قدرة عجيبة على تحريك الماء الراكد حتى يصبح حمم بركان مشتعلة، وقد أحيت فؤاده بعد سنوات عديدة من سباته.
طال في تأمله لها، حتى جعلها تخرج عن صمتها قائلة:
– مالك يا عم ساكت ليه؟ أنا بكلمك على فكرة.
عاد للضحك مرددًا:
– طب ما انا عارف ان انتي بتكلميني، لازم يعني ارد على كل سؤال؟
افتر فاهاها باندهاش لتضرب كفًا بالآخرى تقول:
– مفيش فايدة فيكم انتوا يا ظباط، التناكة بتجري في دمكم، اموت واعرف، هي الصفة دي بتاخدوها في المناهج، ولا انتوا بتتولدوا بيها يعني ولا ايه؟
عقب ساخرًا يضيف عليها:
– لا وانتي الصادقة، دي بتبقى من أساسيات المعايير اللي بيتم اختيارنا عليها.
– كمااان
بنصف شهقة تفوهت بها ضاحكة، قبل أن تلتف رأسها مع الجميع نحو الشاشة التي كانت تعرض الصور التي تم التقاطها للعروسين منذ قليل، بعدة اوضاع، وعدة أماكن مع موسيقى تصويرية، تجذب انتباه الحضور، وتأسر أسماعهم .
وقفا الاثنان يتطلعان كالبقية بقلوب مبتهجة وحالمة، عدة دقائق زيادة من فرح المحبين، وغيظ الأخرين، حتى إذا انتهت توقف حسن بالميكرفون معلنًا:
– مساء الخير يا جماعة، انا عارف ان ناس كتير كانت فاكراها خطوبة عادية بس احنا حبينا نعملها مفاجأة، اتفضل يا عم الشيخ.
قالها متجهًا بأنظاره نحو مدخل القاعة، والتفت رؤس الحاضرين بالتبعية خلفه، نحو رجل الدين الذي كان يتقدم بخطواته، بصحبة مسعود أبو ليلية، لتنطلق الزغاريد القوية من زبيدة وأنيسة ومجيدة التي كانت تردد بالأدعية الحافظة، واضعة كف يدها على موضع قلبها تخشى ان يتوقف من الفرحة.
أمام الذهول الذي اكتنف المدعوين، تحرك فريق من عمال القاعة، بطاولة عقد القران في الوسط، والتي كانت مجهزة من قبل ذلك باتفاق مسبق، حتى إذا وصل الشيخ جلس على كرسيه دون انتظار، هلل ابو ليلة بصوت عالي.
– ما تزغرتوا يا جماعة، زودا فرحتنا .
انطلقت دفعة قوية لعدد من النساء يشاركن اهل العروسين فكان الصخب على أشده.
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى
تسمر واقفًا لمدة من الوقت لا يستوعب الصدمة، رغم كل ما يحدث ويراه من دلائل من حوله، وكأنه في عالم اخر، يكذب عينيه التي كانت تجول وتتنقل دون هوادة عليها وعلى الملعون الذي يسحبها بحمائية نحو طاولة عقد القران، استعاد وعيه على احتجاج والدته من خلفه:
– كتب كتاب يا نرجس وكنتوا مخبين علينا، ليه يا حبيبتي هنحسدكم؟
هتفت الاَخيرة تجيب بدفاعية:
– والله ما اعرف يا اختي، انا زي زيك .
– نعم.
تفوه بها وهو يستدير بجسده نحوهن يردف بهدوء مريب:
– انتي بتقولي ايه؟ يعني المأذون هيعقد ع المحروسة وانتي متعرفيش يا خالتي؟ ازاي يعني؟
ملامحه كانت مظلمة، مخيفة حتى لأمنية التي ارتعبت من هيئته، لتضيف هي الأخرى بلجلجة، رغم سلامة موقفها:
– احنا متفاجئين زينا زيكم والله، ما كنتش اتصور انها تطالع بالندالة دي وتخبي عن أهلها كمااان.
– عشان كرديات وهبل.
تلفظ بها كسبة بوجهها قبل أن يستدير عنها، وسعير الغضب بداخله، يحرضه على افتعال جريمة متكاملة الاركان لأيقاف هذا المهزلة، حتى لو أدى لقتل هذا الداهية وقتلها، كي لا تكون لأحد غيره، ولكنه ليس بالأحمق ليفضح نفسه أمام هذا الجمع من البشر، وعلى رأسهم هذه المناصب الهامة من رجال الأمن، لو كان الأمر في الحارة لتمكن بحيلة ما؛ أن يفسد الحفل من مكانه جالسًا، لكن هنا يقف كالعاجز مقيدًا، وقد بوغت بالضربة الموجعة، التف بغليله نحو النساء يفرغ سم حلقه بهم، فهو لن يتوجع وحده:
– انتي هتفضلوا كدة ساكتين وسايبن المسخرة دي تحصل، عندها حق بقى تعاملكم كدة، مدام معندكمش كرامة، دي العيلة الصغيرة عملت لها قيمة عنكم، وقالت لها، ولا انتوا مش واخدين بالكم؟
ذهبت أنظارهم نحو رؤى التي التصقت بشقيقتها العروس هي ولينا وصبا وبعض الفتيات الأخريات، بفرح يقفز من أعينهن، دليل علمهم سابقا بما يحدث.
عاود ابراهيم يقول بفحيح:
– لو انتوا هترضوها على نفسكم، تبقوا تستاهلوا اللي يجرالكم، انا راجل دمي حر.
– يعني هنعمل ايه؟
سألته أمنية بعدم فهم قبل أن تتفاجأ به،وهو يتناول هاتفه من فوق سطح الطاولة ليضعه بجيبه، ومفاتيح السيارة التي أتى بها، موجهًا حديثه نحوهن:
– هتخرجوا معايا انتوا التلاتة دلوقتي، البت دي لازم تشوفكم وانتوا خارجين وبتحرجوها، عشان مترفعش عينها في عين الناس دي اللي فرحانة بيهم.
انصاعت أمنية كالمغيبة لتنفيذ أمره، أما نرجس، فكانت مترددة بجبن منها، في مواجهة شهد، وبنفس الوقت تريد الذهاب معه وتركها، لتثأئر لنفسها بعد أن همشتها بهذه الطريقة، وكأنها غريبة وليست من أهل المنزل، تطلعت نحو شقيقتها تود المؤازرة منها، ولكن الأخرى كانت غير منتبهة وقد بدا التوتر عليها، وهي تقول:
– بقولك ايه يا ابراهيم، الناس بقت تاخد بالها مننا، وابوك زي ما انت شايف، رايح يشهد مع الراجل الصعيدي على عقد المحروسة، لم الدور يا بني احسن، احنا مش قد غضبه، دا باينه دا كمان مطبخها معاهم.
للمرة العاشرة تتوالى معه الصدمات وقد تيقن من صحة ما تردف به والدته حينما ابصر بعيناه المذكور وقد اتخذ مكانه على طاولة عقد القران، زاد المرار بحلقه فلم يعد قادرًا على الصمود أكثر من ذلك.
التف بحدة نحوهن قائلًا:
– خليكم مرزوعين، وانا ماشي وسيبهالكم.
قالها وتحرك بخطواته السريعة مغادرًا، وتبعته أمنية غير أبهة بأي شيء غيره، ضربت سميرة بقبضتيها على فخذيها أسفل الطاولة تقول بحسرة:
– يا عيني عليك يا بني حاسة بيه، بس مش قادرة احصله ليتخرب بيتي كمان.
طالعتها نرجس بأسف لم تتقبله الأخرى، لتأخذ دور ابنها في الحقد مرددة:
– انتي لازم تعمليلك كرامة، فاهمة ولا؟ البت دي لازم تعرف ان عندك عزة نفس، مش بهيمة ولا خيبة.
❈-❈-❈
بعد انتهاء عقد القران والذي تم في أجواء من المرح بفضل التعليقات التي كان يطلقها رجل الدين ( المأذون) والرد عليه من العريس المعروف أصلا بخفة ظله؛ والتي كانت تجبر العروس على الضحك، لتتغلب على خجلها الفطري،
لتشتعل الساحة بعد ذلك بالرقص وتصفيق الأحباب الذين التفوا حولهم بمشاركة فعالة، تنبع من فرح حقيقي لارتباط الاثنين.
مجيدة والتي كانت على حالة من الغبطة فاقت التصور، بعد أن أكرمها الله اخيرًا بالزوجة الصالحة لابنها الأصغر، وحالة من الأمل تزداد كل لحظة بفك عقدة الاَخر، مع استشعارها بالكيمياء التي حلت جديدًا بين أمين ولينا التي بدأت ترى تجاوبها بوضوح.
لم تنسى ولو لحظة ترديد الأدعية الحافظة من كل شر، خصوصًا وقد انتبهت جيدًا لجمود نرجس وعدم تقدمها لمباركة شهد على عقد القران، هي وشقيقتها الأخرى، والتي لم تُخفى الحقد الظاهر على قسماتها، بالإضافة إلى الإنصراف المخزي من طرف شقيقتها، وهذا المدعو ابراهيم خطيبها فور البدء في إجراءات عقد القران:
وتساؤل يدور بذهنها:
– لما كل هذا الكره نحو شهد؟
❈-❈-❈
– وبعدين بقى؟ هتفصل كدة ساكت لحد امتى يا ابراهيم؟
سألته بتوجس وقد طال انتظارها لدرجة زرعت بقلبها الشكوك، فحقيقة الوضع حتى ولو كان يحق له الغضب والأعتراض، لا تستوجب كل هذا الجمود والتجهم بشرود، وكأن الأمر…….
هذه المرة خرج قولها بانفعال حينما لم تجد تجاوبًا منه:
– على فكرة بقى، هي مش مستاهلة الزعل دا كله، ايه قيمتها دي كمان عندك؟ دا انا اللي هي اختي مش هاممني، وعلى يدك سيبتها وخرجت عشان خاطرك..
التفت رأسه بحده نحوها يحدجها بشرار عينيه، وللمفاجأة، وجدها تواجه بتحدي، بل وزاد بعينيها شك جعله يعيد التفكير سريعًا في الرد عليها بخبث:
– انتي شايفة انه ميستحقش، بس انا اللي هاممني الكرامة، البت دي قلة قيمتنا كلنا لما فاجأتنا بعملتها ولا اكننا ناس غريبة عنها، دي عمرها ما حصلت في الدنيا ، العروسة تعقد في يوم خطوبتها من غير ما تبلغ أهلها، إلا اذا كانت مش معترفة انهم أهلها
استطاع التأثير بالضغط على هذه النقطة الحساسة، حتى بدا الاعتراض يعلو تعابيرها، لتردف بكبرياء زائف:
– في ستين داهية، انا كمان مش معتبراها اختي.
اصدر صوتًا بزواية فمه، يبدوا كنصف ضحكة ساخرة ليردف لها:
– ما هو دا اللي هي عايزاه يا اختي، عشان بعد كدة لما تقش الجمل بما حمل، ما يبقالكمش حق تطالبوا بيه.
حمق تفكيرها يساعده كثيرًا في التفريغ عن غضبه، بل ويجعله يكتشف مواهبه الخارقة في برمجتها لصالحه، لذلك لم يفاجئه ردها:
– دا انا كنت اطبق في زمارة رقبتها لو حصل، أنا صاحيالها قوي.
قابل انفعالها بضحكة مستهزئة زادت من غيظها لتباغته القول:
– بس عشان كمان نبقى عادلين، ابوك هو اللي مشجعها مع الراجل الصعيدي، طيب ابو ليلة واهو غريب ومش مننا، انما ابوك بقى يعمل كدة ليه؟
ضغط بقبضتيه حتى ابيضت مفاصله، ليردف كازًا على أسنانه:
– ابويا راجل كبير، وهي بتدخلوا من ناحية الصحبية اللي كانت بينه وبين ابوها، عقله ميجبش لؤمها معاه، ومع ذلك انا لا يمكن افوتها المرة دي، لازم اخد موقف يعرفه اني مش موافق على عمايله دي، ع الأقل عشان يقدر خاطركم بعد كدة.
سألته بفضول:
– يعني هتعمل ايه؟
اجابها بنزق:
– مش محتاجة سؤال، انا النهاردة مش بايت فيها، وبكرة لما اقابله مش هسكت له، ان شالله حتى اتخانق معاه.
تطلعت أمامها نحو المنطقة التي توقفت بها السيارة منذ قليل لتردف بتفهم:
– اه عشان كدة بقى انت واقف قصاد المخزن الخلفي للدكان.
– ايوة يا اختي فهمتيها لوحدك؟
قالها ثم انتبه عليها، ليمشط بعينيه على وجهها بزينته المتقنة ثم هذا الفستان المحكم على منحانيتها المكتنزة، رغم شعورها بوقاحة النظرات لكن ذلك لم يمنع أن تكتنفها دغدة لذيذة تعطيها الثقة بأنوثتها التي تؤثر به، حاولت نهره فخرج صوتها مهتزًا:
– شيل عينك يا ابراهيم عيب.
ابتسامة خبيثة ارتسمت على ملامحه، وقد كانت أمامه كصفحفة كتاب مفتوح، فقال مستغلًا ضعفها أمامه:
– بقولك ايه، لسة محدش رجع من الخطوبة الزفت دي، تعالي اقعدي معايا الشوية دول ونسيني على ما يجوا.
باعتراض واهي هزت رأسها تقول:
– لا يا ابراهيم مينفعش، الدنيا ليل دلوقتي، اخاف لتزودها معايا، ما انا فاهمة اوي انت عايزني معاك ليه.
نهض فجأة مترجلًا من السيارة يأمرها بحسم قائلًا:
– مدام عارفة ايه لزوم الرغي؟ اخلصي ياللا هما دقيقتين مش هيزيدوا.
❈-❈-❈
توقفت سيارة الأجرة على جانب الطريق، ليترجل منها العم كريم بعد انتهاء نوبة عمله، تاركًا السيارة الفخمة لأصحابها، كان حاملًا على يديه متطلبات المنزل من فواكه وخضروات وبقالة، يخترق الطرقات الملتوية الصغيرة من زقاق لاَخر، مسافة ليست ببعيدة، ولكن ما يصعب الأمر هو الصعود والهبوط على الأرض الغير سوية، بالإضافة إلى الظلام الذي يقابله كثيرًا في عودته ليلًا، مما قد يجعله عرضة لقطاعي الطريق ومعتادي الإجرام.
يخطوا بتسارع، وقد اصبح على مقربة من منزله ولكن وقبل أن يصل اليه، بوغت بيد قوية تسحبه بسرعة البرق ليجد نفسه داخل منزل جاره المتوفي منذ سنوات عديدة، والذي تصدعت جدارنه وتهدمت معظمها، ليصبح مسكنًا للأشباح
– بسم الله الرحمن الرحيم، انت مين؟
تمتم بها بصوت مرتعش، يشعر ببوادر ازمة قلبية من الرعب الذي شل اطرافه، وعقله يخبره أنه من أحدهم، تكلم الاخر وهو يكشف عن وجهه الملثم.:
– أنا حامد يا عم، اهدى بقى.
شهق العم الكريم يسحب أنفاس كثيفة بخشونة، ليستعيد ثباته قبل أن يتمالك، ليدفعه بكفيه محتجًا:
– روح يا شيخ الله يلعنك، كنت هتجيبلي سكتة قلبية بعبطك ده، إنت اتجننت؟
ضحك بسماجة وهو يرخي قبضته عنه يقول باستظراف:
– معلش يا اسطا، جات شديدة عليك دي، بس اعملك ايه بقى؟ ما انا ملقتش طريقة تانية عشان اقابلك، ولا انت كنت هتوافق يعني لو دخلت استنيتك في بيتك.
– بيت مين؟
هتف بها ليتابع موبخًا، رغم الزعر الذي كاد يشل اطرافه:
– طب كنت اعملها يا حامد، عشان كنت بلغت عنك وخلصت من خلقتك، انت ايه اللي جايبك اساسًا؟
– الهوا هو اللي جابني.
اردف بها حامد ساخرًا ليضيف :
– دي برضوا مقابلة يا عم كريم تقابلني بيها، وانا اللي اديتك الأمان عشان اجي اقابلك وابلغك باللي طالبه منك.
ازداد انفعال الرجل ليهتف بسخط:
– اسم الله عليك وعلى جمالك، يعني انتي جاي تقطعني الخلف، وليك عين كمان تطلب مني؟
تغيرت نبرة الاَخير، ليرد بلهجة راجية:
– ايوة جاي اطلب منك يا عم كريم، عشان بصراحة بقى انا معنديش حد اثق فيه يوصل الأمانة دي لأهلي،
ارتد الرجل للخلف برعب، فور أن وقعت عينيه على الظرف الممتلئ بالنقود، ليزداد ارتجافه حتى خرج صوته بلعثمة وارتعاش:
– الله يخرب بيتك، انت انت اا عايزني أروح برجلي لبيت أهلك اللي متراقب والبس مصيبة، انت طلعتلي منين يا واد انت؟
ضحك بخشونة مرددًا:
– طلعتلك من الضلمة، ولا انت مش واخد بالك؟
اكمل بضحكه الساخر، ليزيد من حنق الرجل، والذي يأس منه، فتحركت أقدامه للخلف ينوي المغادرة قائلًا:
– طب يا خويا خليك في الضلمة اللي جيت منيها، أنا معايا عيال عايز اربيهم.
هم حامد أن يقطع عليه طريقه، ولكنه تفاجأ بمجموعة من الرجال الضخام تشبه فرقة الموت، تقتحم فجأة وتحاوطه هو والعم كريم، والذي صرخ برجاء:
– انا مليش دعوة بالواد ده، انا راجع لولادي…..
اوقفه كبيرهم بأشارة من كفه قائلًا:
– احنا عارفين ومراقبين من بدري، زوق عجلك انت يا عم كريم، وبرضوا لا شوفت ولا سمعت بأي حاجة.
– ابدا والله ما هتكلم ، عمري ما هتكلم .
ردد بالكلمات الرجل وهو ينسحب من البيت المظلم، ليهرول هاربًا إلى منزله، والذي توقف بمدخله فور أن دلف إليه، ليشرئب برأسه نحو الخارج، بفضول دفعه للمعرفة، ليصعق برؤية حامد محمولا على كتف أحد الرجال كخرقة بالية، يذهبون به نحو سيارتهم التي كانت مركونة في مكان قريب، مشهد اقشعر له بدنه، وهو يعلم بما ينتظره.
❈-❈-❈
– تعالى اقعدي يا مودة.
تفوه بها الضابط عصام اَمرًا بلطف، فاستجابت له باحترام لتجلس على الكرسي المقابل لمكتبه، والذي اشار عليه بيده، منكسة الرأس بخوف أو ربما خجل، تأملها قليلًا قبل أن يقول:
– ارفعي راسك وردي عليا لما اكلمك، انتي خلاص كلها يوم ولا يومين وتخرجي، مدام صفاء المحامية بتعمل المستحيل عشان تخرجك.
ردت بصوت خرج كالهمس:
– عارفة يا فندم.
خاطبها بلهجة تميل للنصح:
– مش مهم تعرفي وبس، المهم تاخدي بالك بعد كدة، الأخطاء الصغيرة في الحاجات بتجر وراها مصايب، مش عيب ان البني ادم ينشأ في ظروف وحشة، العيب انه ياخدها حجة عشان يمشي في طريق الغلط.
رفعت رأسها تقول بدفاعية:
– بس انا والله ما كنت اعرف بقيمة الخاتم…….
– خلاص يا مودة.
قالها مقاطعًا وبحزم يتابع:
– انا مش بتكلم ع اللي راح، انا بتكلم ع اللي جاي، حاولي تصبري شوية عشان ما يتكررش معاكي اللي حصل، حتى لو هيتعبك الحرمان، أكيد في يوم هتشبعي، وتلاقي كل اللي اتحرمتي منه، فاهماني يا مودة؟
اومأت برأسها وكلماته رست في قلبها قبل عقلها:
– أكيد يا باشا فهمت.
❈-❈-❈
انتهى من حمامٍ دافئ أرخى به عضلات جسده المتشجنة، نتيجة الإجهاد في عمله المتواصل طوال اليوم دون توقف، دلف إلى الغرفة بالمنشفة الصغيرة يجفف شعر رأسهِ، ولكنه انتبه على الإضاءة التي كانت تصدر من هاتفه على الكمود المجاور لفراشه، تناوله سريعًا، ليفتر ثغره بابتسامة، فور علمه بهوية المتصل، رد على الفور دون انتظار:
– قلبي بقى، عاملة ايه يا بيبي؟
جاءه الرد بصوتها الرقيق:
– كويسة يا حبيبي والحمد لله، وانت عامل ايه؟
طرد دفعة من الهواء الساخن ليرد وهو يقف أمام المراَة ليمسح على النقط المتبقية من الماء على أطراف وجهه:
– يعني عايزاني ابقى ازاي بس في بعدك؟ مش ناوية تحني وترجعي بقى؟
تلجلجت قليلًا وخرج قولها بارتباك:
– ااا يا كارم ما انا كنت عايزاك تيجي الأول عشان نقعد مع بعض، بس انت مبتجيش.
استدار بجسده ليعود لفراشه قائلًا:
– ما انا قولتلك يا بيبي ان شغل الشركة كله كان متكوم فوق راسي اليومين اللي فاتوا، على العموم عدي راجع الليلة، يعني اعدي بالمرة بقى اخدك انتي والولد، ولا انتي موحشكيش كوكي حبيبك؟
قال الاَخيرة بتمهل وإغواء وصوت أنفاسه الساخنة وصلت إليها، ليذكرها بسحر لمساته الخبيرة وتأثيرها عليها، إعترضت تصيح به:
– يووه يا كارم، ما بلاش الاعيبك دي بقى وكلمني جد.
اطلق ضحكة انتشاء وتسلية ليقول بثقة:
– ماشي يا رباب هتكلم جد، بس انتي مش شايفة ان زيارتي لبيت ناس بيكرهوني منظرها مش حلو؟ يا بيبي تعالي البيت وافتحي براحتك معايا مية موضوع، كفاية بقى انا صبري بدأ ينفذ.
شاب قوله لمحة من السيطرة والتهديد رغم محاولاته الدائمة في معاملتها بلطف، ابتلعت ريقها الجاف لتردف بإلحاح ورجاء:
– يا حبيبي افهمني بقى، البيت اساسًا هيبقى فاضي، ما انت عارف كاميليا وجوزها بيبقوا في الشغل لحظة الصبحية، يعني انا وانت هنبقى براحتنا.
صمت قليلًا قبل أن يجيبها على مضض، برغبة قوية منه لعدم الضغط عليها، تقديرًا لما مرت به:
– ماشي يا رباب، هعدي عليكي عشرة الصبح، نتكلم شوية قبل ما اروح شغلي، كدة كويس؟
– كويس طبعًا، كويس يا كارم .
قالتها بنبرة قلقة رغم إذعانه لرغبتها، فما ينتظرها من مواجهة معه، ليست بالهينة.
ولحسن الحظ او سوءه بالأصح، لم ينتبه هو جيدًا لنبرتها، وقد وصله اتصال اخر على نفس الهاتف، ونظرا لأهمية الأمر طلب منها انهاء المكالمة من جانبها ليرد على المتصل الاخر:
– ايوة يا بني، وصلتوا لحاجة؟
اجابه الاَخر بمغزى:
– كان عندك حق يا باشا لما خلتنا نراقب كريم السواق، الأمانة دلوقتي معانا.
– بتقول ايه؟
هتفت بها بعدم تصديق في البداية، قبل ان يتدارك سريعًا ليأمر رجله بحزم:
– الواد دا يجي الفيلا عندي في الحال، وخلو بالكم، مش عايز أي حد يحس بيكم.
❈-❈-❈
بداخل المخزن وقد استجابت لرغبته، ليقتطف القبلات واللمسات الجريئة منها، يساعده ضعفها لتبدوا في يده كالعجينة يشكلها كيفما يشاء، تطيعه كالمغيبة ولكن حينما يصل إلى نقطة ما؛ تقربها من خطر الوقوع في المحظور، توقفه على الفور، وهذا ما كان يحدث الاَن:
– كفاية، كفاية، خليني امشي بقى.
وكأنه لم يسمع بل زاد بضمها يلثمها بحرارة قاربت العنف؛ ازعجها بشدة لتتشجع في إبعاده عنها بقوتها المعهودة قبل ذلك.
– يا ابراهيم بقولك كفاية، كفاية يا أخي.
مع قولها الأخيرة، استطاعت تدفعه بغشم جعله يقع ارضًا، فصاح بها ناهجًا بأنفاس لاهثة:
– انتي بتكرريها تاني معايا يا بت؟ مش مالي عينك انا ؟
زمت شفتيها تقول بدلال، وهي تلملم ما بعثرته يداه على ملابسها:
– ليه يا حبيبي؟ عايزني اسيبلك نفسي لحد ما تضيعني؟
رمقها ببغض شديد، ليشيح بوجهه عنها زافرًا بحنق، وقد افسدت مزاجه، بعد أن نسي بها قليلًا همه، ولكنها عاودت:
– انا بحبك اه وبعملك اللي انت عايزه عشان واثقة فيك يا ابراهيم، لكن مش هبلة عشان اسلملك كدة واحنا لسة ع البر.
التف إليها رافعًا طرف شفته العليا باستنكار، ليتحرك بخطواته حتى وصل إلى أحد أجولة الحبوب جلس عليه، ليخرج من جيب قميصه علبة السجائر، سحب واحدة يضعها بفمه، قبل أن يشعلها بعود الثقاب الذي كتم نيرانه أسفل حذائه، واستمر على صمته، لتستطرد راغبة في مشاكسته:
– انت زعلت مني يا ابراهيم؟
رد بصوت خشن:
– وانتي مالك ازعل ولا اتفلق حتى، مش خايفة على نفسك يا ختي؟
تبسمت بابتهاج داخلها، وظن خادع بتأثيرها عليه، فقالت بمغزى:
– والله ان كنت هماك اوي كدة، اهو المأذون موجود، وانا موجودة، ولا هي المحروسة وخطيبها كانوا أحسن مننا لما شبكوا وكتبوا الكتاب في ليلة واحدة.
الحمقاء الغبية ضغطت على زر الخطر دون قصد، وبغفلة منها أكملت وهي ترتدي حجابها، بدون أن تنتبه على ملامحه التي توحشت حتى نهض ليقف مستمعًا لها بتحفز وهو على حافة الإنفجار:
– اهو دلوقتي البشمهندس بقى جوزها رسمي، يعني لو طلب منها أي شي، هتسلمه من غير جدال، لا دا تلاقيه بترحيب منها كمان، ما هي قاعدة بقالها سنين عطشانة، وفجأة لقت البحر اللي تغرق فيه…….
قطعت متفاجئة به أمامها، ونظرة من قعر الجحيم أدخلت في قلبها الرعب، وقبل أن يخرج السؤال منها، باغتها بصفعة قوية بكفه الكبيرة، سقطت على الجهة اليمني من وجهها لتهتز بعدم اتزان حتى كادت أن تقع، او يحدث برأسها ارتجاج، قبل أن تتماسك لتطالعه بذهول، وخيط دماء سال من جانب فمها، ترافقه دمعة ساخنة، بشفاه مرتعشة وكأن الكلمات اختنقت بجوفها، وبدون أدنى ذرة من ندم، مد ذراعه يشير بسبابته أمامها، بصوت شرس:
– امشي اخرجي حالًا، غوووري من وشي.
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)