رواية وبها متيم أنا الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا الجزء الرابع والأربعون
رواية وبها متيم أنا البارت الرابع والأربعون
رواية وبها متيم أنا الحلقة الرابعة والأربعون
بداخل الحديقة، وبعد مغادرة الجميع، وقف الشقيقان في مواجهة غير محسوبة من جهة الطرف الثاني وهو عدي، فلم يكن يتصور في أقصى خيالاته أن يصل الأمر إلى شقيقه الأكبر؛ فيتصرف بحنكته المعتادة ويأتي هو بالطفل، بنجاح يلازمه كالعادة، وهو الحامي والمسيطر، رافع رأس العائلة بنزاهته وعقليته الفريدة في التفكير السليم، عكسه هو في كل شيء، فاشل حتى في تدبير الخطط!
– مش ناوي تسألني، جيبت الولد ازاي؟
كان السؤال كفخ شعر به عدي، أو بالأصح، هو بداية لجره نحو الحديث المتوقع، ولكنه تجاهل يدعي عدم الفهم بقوله:
– وهسألك ليه تاني؟ ما انت جيبت الفايدة لما شرحت من شوية لميسون عن علاقاتك المتشعبة في البلد واللي مكنتك من معرفة مكان الولد في اسرع وقت، بجد انا مش عارف اشكرك إزاي؟
جمود جسده والتعابير المنغلفة على ملامحه، لم تتغير ولو حتى بشبه ابتسامة ساخرة، بل كان يطالعه بهدوء ما يسبق العاصفة، حتى تكلم اَخيرًا:
– بتلف وتدور معايا في الكلام معايا يا عدي، حتى وانت عارف إني وصلت للحقيقية بنفسي، يعني مش محتاج تأكيد منك ولا سؤال.
علم عدي أنه لا مناص من التهرب والإنكار، طالما شقيقه يحدثه بهذا الهدوء الخطر، وجميع الطرق سوف تذهب به لنفس النتيجة، فخرج سؤاله بفضول ملح:
– طب مدام كدة يبقى تقولي انت عرفت ازاي؟ ما هو مش معقول يعني في ظرف ساعات قليلة تنزل من مصر وتيجي بالولد على هنا، وكأنه كان مستنيك في المطار.
رمقه مصطفى بتعجب قبل أن يفتر فاهه بابتسامة جانبية ساخرة لم تصل لعينيه قائلُا:
– مشكلتك يا عدي انك دايمًا بتاخد بالظاهر زي الست والدتنا بالظبط، ما بتركزش في بواطن الأمور، ولا في تحليل الشخصية اللي بتكلمك، يعني أنا مثلًا لما اقولك بإني عرفت بموضوع الولد منك انت شخصيًا مش هتصدني، لأنك متأكد انك ما اعترفتش بحاجة قدامي، وهو دا فعلا اللي حصل، لكنك ناسي اني فاهمك وحافظ أكتر من خطوط إيدي، يعني عارف بطريقة تفكيرك،
توقف برهة يراقب تعقد ملامح الاَخر، وهذا الصمت منه دون أي إعتراض أو مجادلة على غير عادته، وكأنه متقبل تقريعه، فتابع:
– كان ممكن اقدر موقفك، رغم اعتراضي على الطريقة الكارثية، بس دا لو كنت هتحافظ عليهم وتعوضهم عن افتقاد والدتهم، مش تتجوز وتعيش حياتك وتدمرهم.
زفر عدي يخرج دفعة من الهواء المشحون بإحباطه، ورد مصححًا:
– معدتش في جواز خلاص يا مصطفى، دي كانت فكرة وراحت لحالها، أهم شيء عندي دلوقتي هو الأولاد
– مش فاهم، يعني خلاص قررت تسيبهم لميسون؟
سأله بتوجس، رغم ارتيابه لهذه النبرة المنهزمة، وأتت الإجابة تزيد من حيرته:
– لا يا مصطفى، مش هسيبهم ولا هسيب مراتي، طمن قلبك.
تحرك بخطوتين ليقف بجوار إحدى أشجار الحديقة، يضع كفه على جزعها، ليردف بتنهيدة خرجت من العمق:
– أنا خلاص عرفت نصيبي، وحمد لله نصيبي مش وحش للدرجة اللي تخليني اهرب ولا اصر على الفراق، أينعم انا كان نفسي في الحب….. أعيش المشاعر اللي كنت بشوفها دايمًا في عنيك انت ومراتك…… بس خلاص بقى.
وضحت الرؤيا جلية امامه الاَن، ليستنبط بعقله الراجح؛ أن شقيقه بدأ يستفيق من غفوته، فرد بنبرة تجلى فيها الحنان الأخوي:
– إنت قولت ان نصيبك مش وحش، وانا شايف إن دي كلمة قليلة عليه، لإنك في نعمة يا عدي، مراتك وولادك من أروع ما يكون، ولو ع المشاعر اللي نوهت عنها، فدي تقدر تخلقها مع ميسون بكل سهولة، خصوصًا وانا عارف كويس انها بتحبك، يعني في انتظار إشارة بس منك ، وتلاقيها فكت جمودها، بل وسلمت كل حصونها ليك، ولو بتثق في رأيي، فدا شيء انا متأكد منه.
لاح على وجه الاَخر الإقتناع، ولكنه ظل صامتًا، ليرتب الأفكار برأسه جيدًا هذه المرة، كي يصلح ما فات بنهجه الجديد، ناسيًا عنجهيته القديمة وتعاليه حتى على اقرب الأشخاص إليه.
أما مصطفى وبعد أن اطمئن لجانب شقيقه، استل هاتفه من جيبه، ليتصل بالقطعة الغالية من قلبه، حبيته وزوجته:
– الوو يا مصطفى، انت اخيرًا اتصلت؟
هتفت بها عبر الاثير بنبرة أجفلته، ليجيبها على الفور بتبرير:
– ايوة يا حبيبة قلبي ما انتي عارفة اللي حصل، وع العموم اسف لو اتأخرت باتصالي عليكي، المهم بقى انتي عاملة ايه؟
ردت بصيحة أعلى من سابقتها، وكأن الامر جلل:
– انا محتاجكاك بسرعة يا مصطفى، عايزاك دلوقتي حالًا تبقى معايا، أشتاقتلك وعايزة احضنك اووي،
❈-❈-❈
وعودة إلى الوطن
وبالتحديد داخل القاعة مع أجواء حفل الزفاف، وهذه الأغنية الرومانسية، التي كانت تصدح بقلبها، وزوج العروسان يتراقصان عليها
ادي اللي في بالي بالملي
قمر ومن السما نزل لي
دي بِاسم الله ما شاء الله تشوفها تسمي وتصلي
ما دي اللي في بالي بالملي
قمر ومن السما نزلي
دي بِاسم الله ما شاء الله تشوفها تسمي وتصلي
عشان اوصفها مالهاش حل
كلام اغانيا كله اقل
دي خير في حياتي جاني وهل ومن حظي انه متشالي
عشان اوصفها مالهاش حل
كلام اغانيا كله اقل
دي خير في حياتي جاني وهل ومن حظي انه متشالي
المهندس حسن، وشهد العسل عروسه.
تتمايل برقة استعادتها على يده، وأناقة لم تغب عنها حتى وهي بملابس الرجال التي كانت تخفي بها أنوثتها، كي لا تكن مطمع لأي كان، أما اليوم فقد كانت ترتدي فستانها الأبيض، بهيئة ملوكية تليق بها، حيث كان ضيقًا حتى الخصر، ثم يتسع بعد ذلك بعد ذلك بطبقاته العديدة من الشيفون، والدانتيل المزين بالنقوش الدقيقة، وزينة الوجه الرقيقة كطبيعتها التي كانت تدفنها سابقًا، بين يدي حبيبها والذي لا يمل من تأملها، حتى والعيون منصبة نحوهم، يجعلها تخجل مهما حاولت الإنكار:
– بتبصي على إيه؟ ركزي معايا.
قالها بهمسة محذرًا حينما التفت نحو شقيقاتها تبادلهم الابتسامة حينما لوحوا لها بطريقة كوميدية، لتعود إليه
مرددة باضطراب:
– اركز فين تاني يا حسن؟ إنت مزهقتش تركيز؟.
ضحك ينفي بهز رأسه:
– لا طبعًا، هو انتي لسة شوفتي زهقان؟ دا احنا لسة مدخلناش في الجد، أمال لما ندخل بجد بقى، هيحصل أيه؟
قال الاَخيرة بنبرة موحية جعلتها تستدرك على الفور، لتنهيه:
– خلي بالك يا حسن، الناس مفتحة عيونها أوي معانا، بتلقط كل إشارة، يعني اظبط كدة.
ضحك بملأ فمه، ليزيد بتصميم:
– لا ما انا مبيهمنيش، أصلي قلعت برقع الحيا من زمان، وامي واخويا عارفين عني أوي الحكاية دي، ناقص بس انتي تعرفي، وهعرفك؟
ختم جملته بغمزة بطرف عيناه فاجأتها، لتكتم شهقة الأجفال، مع ضحكة لم تقوى على كتمها، مرددة بيأس:
– أنت مفيش فايدة منك يا حسن، ناوي تفضحنا.
شاركها الضحك يومئ رأسه يؤكد تخمينها
❈-❈-❈
وبالجوار كان الزوج الاَخر،
الضابط أمين ، وعروسه لينا، والتي كانت اية من الجمال هي الأخرى، بفستان لا يفرق عن ما ترتديه شهد سوى أنه كان عاري الذراعين وجزء مكشوف في الأمام مما جعل هذا الأمر سببًا في عدد من المشاجرات والمناوشات بينها وبينه، فقد كان على حافة الأنفجار، يكبح شياطين غضبه بصعوبة في عدم الفتك بها أمام الجميع، وكان هذا ما يظهر جليًا في لمساته والكلمات الموجهة إليها:
– اَه، ما براحة يا أمين، إيدك ضاغطة أوي على ضهري.
بأعين يكسوها الإحمرار المخيف، وغضب يقطر مع كل كلمة يردف بها، همس مهددًا بوعيد:
– احمدي ربنا انها ضاغطة بس، يعني ما ترفعتش ونزلت على وشك بقلم، ولا طيرت صف سنانك بلوكامية.
– يا عم بقى، هي توصل لدرجادي يعني؟
قالتها ببعض العشم متغاضية عن تهديداته الصريحة، ولكنه عاد مؤكدًا دون تراجع:
– اه لدرجادي وأكتر كمان، تحبي تجربي لينا؟
أخفت بصعوبة ابتسامتها، فبرغم طبيعتها الحادة دائمًا في الشجار معه، إلا أنها هذا اليوم كانت متفاهمة بعض الشيء، لانفعاله المبالغ فيه منذ أن رأها، بصالون التجميل، حينما دخل ليأخذها منه، فهذا الفستان الذي غيرته في اَخر لحظة بالأمس، لم يتسنى له رؤيته على الإطلاق سوى عليها اليوم، وقد كانت مفاجأة له بكل ما تحمل الكلمة، حتى انها خشيت من أن يقتلها بحق أمام مديرة المكان التي جاهدت مع شقيقه وشهد في فض الإشتباك، والذي انتهى بعد مدة من الوقت والمحايلة للتقبل حتى وافق على تكملة اليوم بشرط تغطية المكشوف، تصرفت المرأة بذكائها لتغطي على الذراعين بكومين من الشيفون، ولكن تبقى الجزء الذي في الأمام والذي لم يجدا له حالاً على الأطلاق، حتى وافق به على مضض، مع تهديد ووعيد طوال الوقت.
ردت بلهجة يشوبها الدلال:
– لا يا سيدي مش عايزة اجرب، مدام انت صعب أوي كدة، كل ده ومكفكش؟
وكأن بكلماتها تصب بالوقود لتزيد من اشتعاله، احمرت عينيه يدفعها بغلظة نحو صدره يهدر بصوت خفيض كازًا على أسنانه:
– بلاش تختبري صبري أكتر من كدة، انا على اَخري، سبيني ماسك نفسي بالعافية دلوقتي.
دب الخوف بداخلها من هيئته ولكن طبيعتها العنيدة لم تثنيها عن المواصلة بعتاب:
– ما انت لو كنت فضيت نفسك شوية معايا امبارح، أو حتى بصيت ع الصور اللي كنت ببعتهم عشان تختار منهم، كنت نقيت على كيفك كمان، بدل ما تتفاجئ بزوقي.
هم أن يزيد بانفعاله، ولكنه انتبه على صياح الجميع مع حمل شقيقه لشهد ليدور بها مع قرب انتهاء الأغنية، وجاء صوت لينا معقبة:
– دا بيشلها وبيلف…….
قطعت بشهقة مجفلة فور أن شعرت بنفسها هي الأخرى وكأنها تطير، وقد ارتفعت قدميها عن الأرض، بعد ان باغتها هو الاَخر وحملها بذراع واحدة، ليدور بها مثل شقيقه، وسط الصياح والصفير وزغاريد النساء حولهم، لفت ذراعيه حول عنقه بابتسامة ساحرة تهديها له، وكأنها ميثاق تصالح، كي يرضى عنها، اهتز قلبه لها، رغم الجمود الذي يدعيه، فعقله الخبيث ما زال متمسك بالانتقام، ولكن بعد انتهاء الحفل.
❈-❈-❈
مشهدهم ابهج الجميع وأثر بهم، خاصة تلك التي كانت تتابع بحالمية هي الأخرى وأنظارها معلقة بمن كان يناظرها في الجهة المقابلة لها، وعيونه منصبة عليها من جهته، قبل أن تنتهي الفقرة، ف يلوح لها بيده كي تترك مقعدها وتأتي خلفه، مستغلًا انشغال والدها مع ضيوف الحفل، وابتعاده بمسافة كافية.
اذعنت مستأذنة من والدتها، بحجة الذهاب إلى المرحاض، ثم تسحبت تتبع أثره حتى انتهى بها المطاف بأن وجدت نفسها بالحديقة الخلفية للقاعة، تطلعت في الظلام تهتف منادية بإسمه، بعد أن اختفى عن عينيها:
– شادي يا شادي .
ظهر فجأة من خلف العمود القريب، ليصبح أمامها على الفور، فلا يفرق عنها سوى سنتميترات قليلة، طوله المهيب وحضوره الطاغي يبعث بقلبها ذبذبات لذيذة من الخوف والترقب، وقد بدا أنه على حافة الأنفجار:
– إيه بتبصلي كدة ليه؟
تفوهت بها وهي ترتد بأقدامها للخلف، وهو على نفس خطواتها محتفظًا بالقرب المهلك، ليردف بتسلي اختلط بغيظه:
– تفتكري هعمل فيكي إيه؟ وانا جايبك من القاعة على المكان الضلمة هنا؟
توسعت عينيها الجميلة لتردف بدراما:
– يا نهار أبيض، لتكون هتموتني يا شادي؟
اومأ برأسه، وابتسامة ارتسمت على ملامحه الخشنة، فجعلته أوسم الرجال بعينيها، ليستمر تراجعها مع خطواته في القرب منها حتى اصطدم ظهرها بالجدار خلفها، فاستند بذراعه عليه ليكمل حصارها،
ودنى برأسه ليقارب مستوى طولها، فيسألها اخيرًا:
– إيه؟ خايفة يا صبا؟
بأعين إلتمع فيها الشغف، ردت بثقة ودون تردد:
– عمري….. عمري ما اخاف منك يا شادي.
ضحك بدون صوت، قبل ان يعود لانفعاله ضاربها بكفه على الجدار بجوارها قائلًا:
– حتى وانا عايز اخنقــ ك بإيدي دلوقتي ع العمايل اللي بتعمليها فيا يا صبا انتي وابوكي؟
ضحكت تزيد من حنقه مرددة:
– طب وانا عملت ايه طيب…
قاطعها يقبض على كفها التي كانت تلوح بها أمامه:
– متقوليهاش الجملة دي قدامي تاني، سامعة؟ عشان دي أكتر جملة بقيت اسمعها منك، إنتي عايزة تشليني صح؟
– يدي يا شادي.
قالتها ليستدرك بضغطه على كفها التي احتجزت بيده الضخمة، تطلع بها، ثم رفع ابصاره نحوها، قائلًا بانتشاء:
– ومالها إيدك بقى؟ مش انا جوزك برضوا ويحقلي ان
امسكها واقرب كمان لو حبيت…
– أها.
خرجت منها لتتابع بلهجة ماكرة:
– يبجى الحج ابو ليلة بجى معاه حج؟
وكأنها تعزف على أوتار نبضات قلبه التي تصرخ بمحبتها، يتقبل منها كل شيء حتى وهي تتعمد إغاظته، بألعابها المستمرة، وكأنها طفلة في ثوب امرأة كاملة الأنوثة.
زاد بضغطه يكبح ابتسامة ملحة تجاهد للظهور، وردد بتوعد:
– العبي وهيصي على كيفك يا صبا، بس خلى ابو ليلة بقى ينفعك لما تبقي تحت إيدي وفي بيتي.
همت لتنزع يدها عنه، ولكنه لم يسمح فقالت بتحذير:
– خلي بالك، لو حد طب فوج راسنا دلوك هتبقى وجعة، وابويا ما هيصدج، عشان تبجي تتوعدلي بجى براحتك بعد كدة.
ظل صامتًا، يأسره السحر بعينيها الجميلة، وقد ساهمت الإضاءة الخفيفية، لإضافة مزيدًا من الهالة العجيبة
حولها، حتى خرج صوته بتأثر:
– أنتي طلعتيلي منين يا صبا؟
توقف برهة ثم اردف:
– قلبتي حالي وزرعتي في قلبي الحب اللي بيتقال عنه في الحواديت، وانا اللي طول عمري بقول عنه كلام فارغ ويصلح بس للرويات.
لم ترد ببنت شفاه وقد جذبها الصدق في عينيه، لتظل صامتة تبتغي المزيد، مزيدًا من عشقه الذي يعيد تشكيلها من جديد، فإن كان هو يتعجب من حالته نحوها، فهي الأخرى متفاجأة من حجم المشاعر التي تكتشفها يوميًا في التعلق به.
❈-❈-❈
وفي خارج القاعة حيث التقت أمنية بمساعد شقيقتها سابقًا ويدها اليمني هي حاليًا، عبد الرحيم، بعد أن اخبرها عن أمر ما في العمل، يجب الأسراع في البت فيه، القت عليه ببعض التعليمات كي ينفذها صباحًا، قبل أن يتركها عائدًا إلى منزله، وتعود هي إلى حفلها.
كانت تسير شاردة، وقد أصابها ما كان يحدث مع شقيقتها الكبرى، تفكير وقلق، مع كل بداية عمل تتولى أمره، وقد أصبحت الاَن هي المسؤلة الوحيدة حتى عودة شهد.
– حاسبي يا اَنسة.
صدرت من أحد الأشخاص، فقد كانت على وشك الاصطدام به، استدركت لتتراجع على الفور مرددة باعتذار:
– معلش معلش انا اسفة مخدتش بالي والله.
ردد خلفها مصححًا بجرأءة ينتقدها:
– لا انتي كنتي سرحانة، مش موضوع مخدتيش بالك
لم يعجبها قوله، فانتصبت بوقفتها رافعة حاجبها، تردف بشراسة:
– سرحانة ولا مش سرحانة، انتي مالك؟ ما انا اعتذرت وفضيناها على كدة.
لم يأبه لفظاظتها، بل فاجئها بأن اقترب برأسه نحوها، مضيقًا عينيه بتركيز يسألها:
– هو انا ليه حاسس اني شوفتك قبل كدة؟ هو انتي جيتي عندنا القسم من قريب.
تفاجأت حتى ارتدت رأسها للخلف تبتلع ريقها بحرج قائلة:
– قسم مين؟ وانت ايه دخلك بالاقسام اساسًا؟
ذاكرته القوية تنشطت حتى علم بهويتها ليجيب عن سؤالها بتركيز شديد، غير منتبهًا للإصفرار الذي غزا ملامحها، مع انسحاب الدماء من وجهها، وذلك بنبش هذا الغريب وتذكيره لها، بهذا الأمر المخجل:
– انا النقيب عصام، بس مش انتي برضوا البنت اللي فتحت دماغ خطيبها اللي حاول يتهجم على اختها.
ارتفعت وتيرة أنفاسها، وقد بلغ الحنق بداخلها آخره، فقالت بلهجة معتزة رغم الألم الذي كان ينخر بعظامها، في عودتها لماضي تكرهه، وتتمنى طمسه من تاريخها لتنسى معه هذه الحقبة من الحمق والغباء وغياب العقل:
– ايوة انا اللي فتحت دماغ خطيبي، وعندي استعداد اعملها مية مرة تانية، لو حد حاول يتحرش بيا بكلمة واحدة حتى، انا او أي حد يخصني، عن إذنك بقى.
قالتها وتحركت تتخطاه ذاهبة بعدم انتظار، غافلة عنه، وقد توقف محله يطالع انصرافها بإعجاب شديد، فهي لا تعلم انه كان متابعًا للقضية، بحكم صداقته لأمين وذلك لأن الأمر يخص زوجة شقيقه، رأها مرة أو مرتين أثناء التحقيقات وكانت في حالة مزرية، ليست هي من يراها الاَن على الإطلاق، معتزة بنفسها، ورأسها مرفوعة رغم خجلها من عمل يشرف أعظم العائلات، وفوق كل هذا جميلة بحق.
❈-❈-❈
– اخيرًا جيتي يا كاميليا؟
هتفت بها زهرة فور اقتربت منها الاخيرة لتجلس بجوارها وتأخذ مكانها حول طاولة العائلة، اشارت لها بالأنتظار قليلًا حتى تلتقط أنفاسها، فقد كانت تلهث بتعب اصار القلق بقلب لمياء لتسألها:
– حبيبتي ليه كدة؟ هو انتي كنتي بتجري ولا ايه؟
نفت برأسها وتولت زهرة مهمة الرد عنها:
– لا طنت مش جري، بس هي الحمل بتاعها صعب المرة دي، وأي مجهود بيأثر عليها.
– يا قلبي، ربنا يعينك ويكمل حملك على خير، دا انا فرحت قوي لما قالي طارق.
قالتها لمياء بتأثر، فتدخل زوجها يقول بمرح:
– أيوة يا بت يا كاميليا، شدي حيلك بقى وهاتلنا قمورة لظافر كمان، عشان مجد واخوه يبقوا عدايل.
قالها عامر وانطلقت ضحكات الجميع حتى أتى على أثرها جاسر وطارق الذي التصق بزوجته ليعلق سائلًا:
– إيه يا جماعة؟ ما تضحكونا معاكم.
اجابته زهرة تنقل انظارها منه وإلى جاسر:
– أصل انكل عامر بيحجز من دلوقتي، عايز مراتك تجيب بنت تانية لظافر، بعد ما خلاص ضمن مجد لفريدة.
سمع زوجها ليضرب كفًا بالاَخر معلقًا بدهشة:
– انتي كمان يا زهرة بتقولي ضمن؟ في إيه يا جدعان؟ دا العيال لسة مكبروش، ولا يفهموا أي يا حاجة من الكلام ده.
رد عامر بتصميم مخلافًا له:
– وانت مالك انت؟ كبروا ولا مكبروش انا قررت وخلاص، ولا انت عندك اعتراض يا سي طارق انت كمان؟
نفى الاَخير بهز رأسه:
– لا يا عم وانا اقدر، خد البت واللي جاي في السكة كمان، ان كان ولد ولا بنت حتى، انت تؤمر يا باشا.
– أيوة كدة.
قالها عامر، لتضج الطاولة بضحكاتهم، حتى زوج الأطفال ، مجد الذي كان واقفًا برزانة كعادته، وفريدة التي كانت تضحك بخجل وكأنها تعي المقصود من الكلمات
❈-❈-❈
بطاولة بعيدة شيئًا ما على الحفل الصاخب، والأصوات القوية للسماعات، حيث كانت تتابع الأجواء الرائعة بابتسامة تزين محياها، بجوار زوجها الذي كان جالسًا على مضض، يحصي الدقائق والثواني حتى تكمل ساعة، ثم يذهب بها مغادرًا كما اشترط عليها مقدمًا،
عقبت بحالمية تلفت انتباهه:
– الله يا كارم، شكلهم يجنن وهما بيروقصوا مع بعض، وولاد عمك دول طلع زوقهم يجنن، البنات قمامير
ناظرها من طرف عينيه بامتعاض، وظل على حاله من الصمت، فاستطردت هي:
– ولا كاميليا، اللي يشوفها يقول اخت العروسة، واقفة مع لينا هي وطارق، ولا اكنهم أهلها بجد، ولا العروسة التانية مرات المهندس اخوه، بصراحة الفرح كله يجنن يا كارم.
التف إليها وقد فاض به، ليهمس بضيق لا يقوى على إخفاءه:
– في إيه يا ستي؟ عمالة توصفي وتشعري ولا اكنك حضرتي افراح، يجي إيه ده في فرحنا، اللي مصر كلها تشهد بيه.
ذهب عنها العبث، وطغى ملامحها شيء من حزن دفين داخلها، حتى ظهر في ردها له:
– انا مش بتكلم على قيمة في الفرح والا اللي اتصرف فيه، انا بتكلم على العفوية، الفرحة اللي طالعة من القلب وبتظهر على الوشوش، إحنا فرحنا كان اسطوري يا كارم، وانت مقصرتش معايا في أي حاجة ربنا يخليك، بس انا كان ناقصني أوي الحتة دي
وصله مقصدها الصريح، وعلى الرغم من تأثره بوجهة نظرها، إلا أنه رد بفظاظة باختلاف تام عما يدور بداخله من شفقة نحوها:
– مفيش حد بياخد كل حاجة يارب، وعمر السعادة ما كانت كاملة مع أي بني أدم، ولا انتي كمان مش شايفة نفسك سعيدة؟
شعرت بغيرة مستترة خلف غلظة كلماته، فلطفت قائلة بابتسامة عذبة تعلم جيدًا بتأثيرها عليه:
– وهو دا سؤال برضوا يا روح قلبي، دا انت فرحت عمري كله، مش سبب سعادتي وبس.
ارتخت عضلات وجهه المتقلصة، وتحرك جفنيه بحركة بسيطة جعلتها تدرك حجم اضطرابه، على عكس فعله، حينما اظهر تجاهلا ليلتف نحو متابعة الحفل، دون الرد بكلمة، وزادت هي من سحرها، بأن أطبقت بكفيها على ذراعه المستند أعلى الطاولة، لتريح برأسها عليه، وكي تذكره باحتياجها الدائم إليه.
رق قلبه لفعلتها، ودنى بوجهه طابعًا قبلة خفيفة على أعلى رأسها، قابلتها بابتسامة، قبل أن تنتبه لزوج السيدات الاتي يقتربن مع والدة زوجها:
– مين دول يا كارم؟
سألته فانتصبت راسهِ يجيبها بهمس حذر:
– دي الست مجيدة والدة العرسان والتانية باينها والدة لينا عروسة أمين.
اعتدلت بجذعها وشعور بالحرج ظل يكتنفها لا تعلم سببه، ولكن سرعان ما تبدد كل ذلك مع اقتراب مجيدة ترحب بود وابتسامة عذبة بها وبكارم:
– حمد الله على سلامتك يا حبيبتي، اقسم بالله لو اعرف كنت جيتلك لحد عندك.
– الله يسلمك يا طنت، كأني جيتي والله.
خرجت منها باضطراب واضح لسماحة المرأة الغير عاديه، فتكلف زوجها بالرد أيضًا:
– كأنك جيتي يا طنت مجيدة، دا انتي أم الأصول.
اضافت والدته هي الأخرى:
– انا قولت كدة من الأول، بس هي بقى اللي محبكاها، يا ست خليكي في فرحك.
خرجت الأخيرة في مخاطبة لمجيدة التي تبادلت معها الرد بمزاح كعادتها، قبل أن تنصرف مع رفيقتها أنيسة والتي لم تقوي على كبت السؤال الملح برأسها:
– هي مرات كارم دي ممثلة مشهورة ولا حاجة؟ اصلي حاسة اني شوفتها قبل كدة، بس مش عارفة فين؟
بابتسامة صافية، مشبعة برضا يغمر قلبها، وقد اكرمها ربها بالعوض الحقيقي لأبناءها، ردت مجيدة:
– اه يا أنيسة هي فعلا مشهورة، واتجوزت كارم عشان هو نصيبها اللي مكتوب لها، بالظبط زي ولادنا كدة.
توجهت بالأخير نحو المنصة الجالس عليها ابناءها وزوجاتهم، لتخرج بتنهيدة ارتياح خرجت من العمق وهي تتأملهم:
– الحمد لله.
❈-❈-❈
عادت أمنية لتجلس على طاولتها بجوار شقيقتها الكبرى فريال والتي كانت تلاعب طفلها مع متابعة أجواء الحفل، ووالدتها التي علقت بتهكم:
– اخيرًا يا اختي جيتي تريحي رجلك، ما تكملي لحد الصبح أحسن، ما انتي اتعديتي من الهبلة الصغيرة.
مالت أمنية برأسها تتأملها بدهشة افقدتها النطق، فتكفلت شقيقتها بالرد:
– وماله يا ماما لما ترقص للصبح، مش فرح اختها الكبيرة.
التوى ثغر نرجس بعدم تقبل والتفت تشيح بوجهها للناحية الأخرى، فخرج صوت أمنية:
– سبيها يا فريال، أصلها زعلانة على اختها اللي بتقطمها كل ما تشوفها، صعبان عليها يدخل قلوبنا الفرح، ولا اكن الراجل اللي مات ده مكانش جوزها، لما قتله المحروس ويتم بناتها.
بوجه مكفهر التفت لها نرجس تردف الكلمات من تحت أسنانها:
– عيب عليكي يا أمنية الكلام، انا بتكلم على منظرك قدام الناس، ثم كمان ابن اختي بيأكد انه معملش حاجة، دي اختك هي اللي بتفتري عليه….
تدلى فك أمنية بذهول شديد، تتبادل النظرات المصعوقة لبلاهة والدتها، أم هو الحقد الذي يعمي القلوب، فيحجب عنها روية الحقيقة، ولكن في كل الحالات، تجنبها هو الأفيد.
انتفضت فجأة تترك مقعدها مخاطبة شقيقتها:
– بقولك ايه يا فريال، انا رايحة اكمل رقص، لو قعدت اكتر من كدة هيجرالي حاجة، عن اذنك يا أختي.
تبسمت لها الاخيرة بتشجيع، غير عابئة باحتجاج والدتها، والذي كان بمصمصة شفتيها مغمغمة:
– ارقصي يا اختي على خيبتك، اهي ضيعت ابن خالتك منك، وسابتك في الهم والشغل عشان هي تتهنى، يا عالم بقى مين هيرضى بيكي؟
أما أمنية فقد اندمجت مع الفتيات في الرقص الرزين بهز الذراعين مع شهد ورؤى، وحتى لينا، غافلة عمن حدد هدفه بمتابعتها من وقت ان اصطدم بها في بداية اليلة، حتى انه لمح لصديقه العريس من أجل أن يمهد له الطريق في الارتباط بها، فور عودته من رحلة العسل.
❈-❈-❈
انتهى الحفل وعاد كل فرد إلى مؤاه، صبا التي أكملت ليلتها بالحديث على الهاتف مع حبيب قلبها، ليسمعها من كلمات الغزل الجميل وذكر ما تم في حفل اليوم، لمناقشة الترتيبات لحفلهم الذي اقترب ميعاده، وهذه التفاصيل الجميلة التي تعشقها الفتيات.
– شوفت لما حسن وأمين شالوا العرايس وجعدوا يلفوا بيهم.
جاءها صوت بضحكة ماكرة ليسألها:
– وانتي بقى عايزاني اشيلك يا صبا، مش خايفة ابوكي يطخك بالبندجة.
بادلته الضحكة ولم ترد، ما بين اعتراض وأمنية ترادوها صمتت تاركة أمرها له، فجاء رده يفاجئها:
– طب والله ليحصل يا صبا.
– هو اللي يحصل؟
سألته بعدم فهم، فضحك يردد بسعادة مراهق في بداية شبابه:
– هيحصل اللي في بالك يا صبا ومكسوفة تطلبيه، لكن والله انا ما هتكسف، بس يجي يومنا وانتي تشوفي، بس ادعي ربنا مقعش بيكي.
– ايه؟
صدرت منها عالية وقد اثارها الحماس بقوله، ف استعادت رشدها سريعًا لتتابع بصوت خفيض:
– انت بتجول إيه يا عم انت؟
ضحك ليكمل حديثه الممتع معها، برسم الأحلام والمشاكسة والمشاجرة احيانًا، في تدريب يومي، حتى بجمعهم بيت واحد
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
دلف لداخل جناحه معها بعد استقلاله أول طائرة عائدة للوطن، وعلى عكس ما توقع وجدها مستيقظة في هذا الوقت المبكر، وكأنها لم تنم ليلتها من الأساس،
– نور .
سمعت بإسمها منه، ف التفت بلهفة تترك الشرفة، راكضة نحوه، فتلقفتها ذراعيه يرفعها عن الأرض بضمة قوية، وكأن الغياب مر عليه سنوات، وليس يوم واحد بليلته.
غاصت في عناقه ببكاءه حارق أجفله ترتجف بين ذراعيه، حتى أثارت بقلبه الجزع، ف استل نفسه عنها بصعوبه ليكوب وجهها بين يديه مرددًا وهو يتأملها بمزيد من الخوف:
– مالك؟ ليه العياط دا كله؟ حصل حاجة في غيابي؟
نفت تهز رأسها دون صوت، فتابع بأسئلته يستكشف الأمر المريب
– مفيش، طيب ماما تعبت معاكي ولا جرالها حاجة؟
فعلت نفس الأمر، ونهنات بكاءها ازداد علوها، حتى صرخ بعدم احتمال:
– أنا قلبي وقع في رجلي يا نور، جيبي من الاخر الله يخليكي.
سمعت وحاولت التماسك لتتحرك من أمامه حتى تناولت ملف طبي من أعلى الكمود، لتضعه أمامه، تناوله بحركة سريعة، يلقي نظرة استكشاف لمحتواه، حتى ارتفعت رأسهِ إليها يردد بعدم فهم، أو بالأصح يخشى التصديق:
– يعني ايه؟ فهميني.
من بين بكاءها الحارق كانت تخرج الكلمات بابتسامة غريبة:
– اللي فهمته صح يا مصطفى…. دا تحليل الدم اللي بيقول….. إني حامل.
تجمد يطالعها ساكنًا بأعين توسعت بشدة، فعادت هي للبكاء تومئ برأسها مؤكدة:
– والله زي ما بقولك يا حبيبي، انا حاسة من فترة بس كنت بكدب نفسي، الدكتورة شافت التحليل وهي كمان مكانتش الفرحة سايعاها انا…….
قطع استرساله بأن خطفها ليسحقها بين ذراعيه، وصوته يتردد ببحة ترافقها دمعة ساخنة سقطت على أطراف عينيه:
– بتتكلمي بجد يا نور؟ يعني هخلف طفل منك يا نور.؟
على صوت بكاءها مع التماس الضعف والارتجاف الذي تخلل نبرته، مشفقة عليه بشدة، لقد ذاق الأمرين في الصبر عليها ولم يمل، حتى حدث المستحيل اَخيرًا.
ظلا الاثنين على هذه الحالة حتى هدأت أنفاسهم، ليسقط جالسا بها على التخت، فقد كان بحالة غير عادية من عدم التوازن، تميد به الأرض أم أنه دوار لف رأسه، أم هو القلب الذي اصبح يضرب بعنف بين جنباته، أم هي برودة أصابت أطرافه، لم يشعر بنفسه إلا وهو يقبلها بعنف، ولا يترك انشًا من وجهها دون تركه في حاله، ليعود بضمها مرة أخرى، ولكن هذه المرة بهدوء، وقد استكانت انفاسه، ليغمر روحه بدفئها…. ولا يشبع.
❈-❈-❈
وفي مكان آخر
داخل غرفتها وقد استيقظت باكرًا كعادتها لتؤدي فرضها وحين انتهت من الورد اليومي لتجد الساعة تقترب من السابعة، هبت منتفضة، تتذكر موعد الأولاد وسفرهم،
وصلت إلى غرفة حسن الأقرب إليها لتطرق بصوت عالي أجفله مع ندائها:
– قوم يا حسن، انا عارفاك خوم نوم، وانتي يا شهد، قوم انتي كمان.
انتفض من امام المرأة التي كان يهندم أمامها هيئته:
– انا صاحي يا ماما، اقسم بالله صاحي وعارف بميعاد الطيارة، وشهد كمان صاحية اطمني.
وصله صوتها المشاكس كعادتها من خلف الباب:
– خلاص يا خويا متعصبش نفسك، براحة كدة، هروح انا اشوف الحلوف التاني، صباحية مباركة يا عرييس.
عقب من خلفها مغمغمًا باستهجان:
– عريس فين بعد حلوف دي، دايمًا ست الحبايب تختمها.
تفوه بالاَخيرة نحو شهد اللي كانت تضحك من خلفه، ليتابع مستطردًا بمرح:
– ولا إيه يا عروستي؟
اقتربت تشاركه المساحة الصغيرة أمام المراَة، لتصفف شعرها بجواره قائلة:
– انتي بتاخد رأيي؟ امك دي عسل.
– والله انتي اللي عسل.
قالها ليجذب نحوها يضمها مقبلًا لها بعشق، يتابع بروحه المرحة بتغزله:
– يا شهد حياتي وقلبي كمان، يا عسسل.
❈-❈-❈
وفي الغرفة المجاورة
وقد كان ينتظرها على طرف التخت بغيظ يفتك به، حتى إذا طلت اخيرًا بهيئتها المهلكة، ترتدي مئزر الحمام، وشعرها المبتل يحاوط وجهها ويزيد من فتنته، وهدوء اثار استفزازه ليهتف بها ساخطًا:
– ما كنتي كملي نومك احسن في البانيو، ساعة مستنيكي.
القت الفوطة الصغيرة من يدها بإهمال، فلم يعجبها رده، وردت غير مبالية:
– ولا اما انت مزنوق أوي كدة، ما كنت خرجت للحمام اللي في الصالة، حبكت يعني اللي في الأوضة.
افتر فاهه بذهول، لينهض مستقيمًا يقابلها بحنق مرددًا:
– مزنووق! كل تفسيرك راح ع الزنقة؟ وكمان عايزاني اخرج في أول يوم ليا على حمام الشقة، دي كانت امي تاكل وشي بتريقتها.
تخصرت تميل برأسها باستخفاف ردًا على كلماته، غير واعية بحجم ما تفعله به:
– وانا اعملك ايه يعني؟ ما انت اللي جايبه لنفسك بخناقك على أول الصبح، دا بدل ما تسمعني كلمتين حلوين على بداية اليوم.
قارعها بانفعال ظهر بتقليد طريقتها في الكلام مرددًا:
– كلام حلو، وهيجي منين الكلام الحلو وانتي عصبتيني من أولها، دا غير انك مأخرانا اصلًا.
اشتعل حجري الفيروز بعينيها، لترمقه بنظرات حارقة، تحتج على سخريته منها:
– أنا صوتي مسرسع كدة؟ بتتريق عليا أمين؟ ما انا لو صوتي وحش كدة اتجوزتني ليه؟ عشان تعكنن عليا في اول يوم كمان……
رافق كلماته الاَخيرة الضرب بقبضتيها على صدره حتى أوقف كل شي، الضرب بتكبيل يديها الاثنتين بيده، والكلمات التي ابتلعها بحلقه، بعد أن أخرسها بقبلته، قاومته في البداية، ولكن سرعان ما استكانت مستجيبه له، غير انها استدركت الوقت، لتباغته فجأة بدفعة بقوة أجفلته يناظرها بذهول مستفسرًا ، وكانت إجابتها:
– ميعاد الطيارة يا أمين، هو انت نسيت؟
نظر إلى الساعة بيده فارتفعت راسه قائلًا بعجالة:
– لسة فاضل نص ساعة، تعالي بقى.
…….. تمت ……..
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)