رواية وبها متيم أنا الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا الجزء الثالث والأربعون
رواية وبها متيم أنا البارت الثالث والأربعون
رواية وبها متيم أنا الحلقة الثالثة والأربعون
في غرفة المكتب الخاصة بوالده قديمًا، والتي أصبحت مقره الدائم الاَن، في متابعة اعماله الكثيرة من خلالها، كي لا يبتعد عن زوجته في هذه المرحلة الهامة من علاجها بعد الخروج من المشفى منذ عدة أسابيع، حتى وهي في كنف والدته، والتي أصرت على مجيئهم منزل العائلة من أجل مساعدته أيضًا في رعايتها ورعاية الطفل الصغير عمار، ومع ذلك أبى أن يقصر في حقها، ولذلك فضل مباشرة العمل من هنا، ومن يريده يأتي إليه، كعدي عزام الذي كان يراجع معه عدد من العقود في هذه الوقت.
– كدة كل حاجة تمام، يعني نخش المناقصة بقلب جامد.
قالها مخاطبًا عدي بحماس، والذي رد بفتور أصبح من أهم سماته الشخصية هذه الأيام:
– خلاص، يبقى انا هبتدي في الإجراءات من بكرة.
ختم عبارته وهو يدفع الملف الذي كان بيده على سطح المكتب بضيق؛ انتبه له الآخر ليترك هو أيضًا ما كان يعمل عليه، ويرمقه عدة لحظات بتفحص، ثم ما لبث أن يسأله بفضول استبد به:
– هو انت لسة برضوا متأثر بموضوع البت اياها؟
تجمد يطالعه بنظرة خاوية، وأعين فقدت لمعة الشغف والحياة الصاخبة، ليزفر طاردًا كتلة كثيفة من الهواء المشبع بإحباطه، قبل أن يقول اَخيرًا:
– وإيه الفايدة؟ اتأثر ولا متأثرش، ما خلاص…..
سأله مرددًا باهتمام:
– خلاص إيه؟
زاد عبوس الاَخر، ليطرق بأطراف أصابعه على سطح، طرقات رتيبة مملة، والكلمات تخرج بصعوبة منه:
– أنا عرفت انها كتبت كتابها امبارح على الزفت جارها، شادي اللي ساب الشغل عندي وراح اشتغل في فندق منافس، بوظيفة أعلى، نظرًا لكفائته إللي انا عارفاها كويس.
اكتنف كارم شعور جارف بالأسف، فخاطبه بما يشبه الإعتذار:
– أنا مكنتش اعرف ان الموضوع اتطور معاك للدرجادي؟ بس يعني… دي مش اَخر الدنيا، والستات على قفا من يشيل.
– لا يا كارم، عمر الموضوع ما كان كدة.
قالها عدي بصدق ما يعتمل بصدره، ليستطرد بصوت طغى عليه الشجن:
– أنا دلوقتي بس إتأكدت إن امتلاك سيدات العالم كله، بملكات الجمال اللي فيه، ما تساويش نظرة واحدة من ست انت بتحبها وتحبك بجد.
وإن إحساس الكره لما تشوفه في عيون الست الوحيدة اللي حركت مشاعرك، مفيش في الدنيا أبشع منه.
ابتلع مرار حلقه متذكرًا حديثه الاَخير معها، حينما علم بحضورها في أحد الايام، كي تنهي إجراءات فسخ العقد مع الفندق، فركض بخطواته السريعة كي يلحق بها قبل أن تغادر وكأنه يتشبث بفرصته الأخيرة معها.
” دفع بقوة باب الغرفة لدرجة اجفلت حمدي، لينتفض ناهضًا عن مقعده خلف المكتب مرددًا بجزع:
– عدي باشا، إيه في حاجة؟
لم يلتفت له، بل انصب تركيزه على من كانت جالسة مقابله، تناظرة بتحدي ولم تتحرك بها شعرة واحدة، فرد يجيب الاَخر، وعينيه لم تتزحزح عن عنها:
– سيبنا لوحدنا دلوقتي يا حمدي.
اعترض الاَخير بعدم تقبل:
– اسيبكم ازاي يعني؟ صبا اساسًا بتخلص ورقها وماشية.
هم أن يوبخه بعدم اكتراث لمكانته ولا بمنصبه، ولكن صبا كانت الأسبق:
– عادي يا أستاذ حمدي، مفيهاش حاجة……… دا مهما كان برضوا، كان رئيسي وصاحب الشغل اللي كنت باكل منه عيش.
كلماتها المنتقاة بذكاء؛ اللجمت حمدي عن المعارضة، وساهمت في ارتخاء الاَخر، وقد اتخذه بادرة جيدة منها، ثم بالطبع استجاب الأول، ليخرج محترمًا رغبتها، وثقة تامة في رجاحة عقلها.
فور اختلاء الغرفة عليهما بادرها بالسؤال الملح:
– إنتي بجد مخطوبة لشادي يا صبا؟
ردت بهدوء وصراحة أيضًا:
– هي لسة مبقتش خطوبة رسمي، يدوبك كلام في بدايته.
توسعت عينيه بذهول، ودائرة الأمل تتوسع بداخله، ليردف:
– طب كويس أوي، يعني ينفع صبا تقبلي طلبي، مدام لسة مفيش اتفاق ولا خطوبة رسمي، قولي اه وانا مستعد انفذ كل اللي تقولي عليه، أكيد عرفتي كويس اوي دلوقتي، إن انا محتاجلك قد ايه وعايزك ازاي؟
سألته بما يشبه الأختبار:
– في السر برضوا ولا عرفي؟
نفى سريعًا، وقد تغلب الشوق على العجرفة التي كان يتمسك بها:
– زي ما تحبي يا صبا، لو عايزة إشهار والدنيا كلها تعرف انا مستعد.
– دلوقتي؟!
تمتمت بها، فطالعها بعدم فهم، قبل أن تردف نحوه بانفعال:
– حضرتك جاي دلوقتي تعرض عليا الجواز؟ بعد ما زقيت ميرنا عليا أنا وصاحبتي؟
احتج بعنف، ينكر بكذب مكشوف:
– يا صبا البت دي كدابة، بلاش تصدقيها، دي اكيد بتألف من دماغها، انا لو مش عايزك في الحلال، مكنتش جيت اعرض عليكي الجواز من تاني اهو.
تكتفت بذارعيها، ترمقه بتمعن لتزيد من توتره، قبل أن يخرج ردها:
– عارف يا عدي باشا، انا ممكن اصدق كلامك، في إني عجبتك او ممكن تكون حبيتني على فكرة، مع ان دي مش متأكدة منها، بس اللي انا متأكدة منه، هو انك شوفتني واحدة زي أي واحدة تقدر تجيبها بفلوسك، طبعًا عشان الفرق الخرافي في المستوى، ودي مقدرش الومك عليها، بس انا كمان محدش يلوم عليا لم ابقى معتزة بنفسي ومبقلش بواحد يشوفني اقل منه، حتى لو كان بيعشقني بجد، مش كمان كل محاولاته في القرب مني كانت بالغلط…….. يا باشا دا انت حتى لما حاولت تصلح، جيت واتقدمت لأهلي انك تتجوزني في السر وغرورك صورلك ان احنا ما هنصدق ونتمسك بالفرصة.
للمرة الأولى يتمكن شخص ما؛ من جعل عدي عزام يشعر بالخزي، لقد كانت قوية لدرجة جعلته يسبل أهدابه عن مواجهتها في إحدى المرات، قبل أن يتمسك بغروره الواهي في الإنكار، رغم فشله، لقد كانت رحيمة حينما أنهت لقاءه بها سريعًا، وقد استكفى من هذا الكم من الحقيقة التي ألقتها بوجهه.
على قدر رزانتها في الحديث، على قدر قسوة الكلمات التي كانت تلسعه كالسياط لعلمه التام أنها محقة، في كل حرف تلفظت به، لقد كان يبتغي التغير والتمرد، ونسي أن التغير لابد أن يكون بداخله”
– عدي انت سرحت؟
تسائل بها كارم لينتشله من دوامته، قبل ان يجفله رنين الهاتف أيضًا، فتناوله سريعًا يجيب الإتصال الغريب من زوجته:
– الوو…. أهلا يا ميسون.
وصله صوتها بصراخ؛
– عدي، الحقني يا عدي.
❈-❈-❈
بخطوات وئيدة، حريصة، خرجت من حمام الغرفة، تلف رأسها بالمنشفة البيضاء، بعد أن أنعشت جسدها بالماء الدافئ، والمعبأ بالروائح العطرية التي تعشقها، كي تستعيد بعض من روحها القديمة، بجرعة من الرفاهية والدلال، فقد سأمت المشفى وملازمة الفراش طوال الفترة الماضية، ما زال الدوار يكتنفها على أقل حركة، رغم اختفاء بعض الأعراض الأخرى مثل الرنين في الأذن والإرهاق الدائم وكثرة النوم، والحساسية من الضوضاء وضعف التركيز والذاكرة، وغيرها من الأشياء التي كانت تفقدها صوابها في بعض الأوقات. وتبقى معه الصداع الذي يأتي ويجيء، رغم كل الإحتياطات والعلاجات.
– حاسبي يا رباب.
تفوه بها مرافقًا لذراعيه التي تلقفتها فور ان أهتزت بسيرها، وتابع بسؤاله بعد أن تفحص وجهها جيدًا:
– لسة برضوا الدوخة؟
رفرفت بأهدابها قليلًا ثم أومأت رأسها بخفة، لم ينتظر مزيدًا من الشرح، دنا بذراعه الاَخر يحملها من أسفل ركبتيها، والمئزر الأبيض الذي كانت تريديه، ثم ذهب بها إلى الفراش يريحها عليه بكل حذر، وقال معاتبًا:
– ما استنتيش ليه على ما اطلعلك؟ مكانش ليه لزوم أبدًا تعملي أي مجهود من غيري.
اشرق وجهها بابتسامة ضعيفة لترد:
– ويعني انا عملت ايه بس؟ انا أخري بس غطست في البانيو.
– برضوا كان لازم تستنيني وانا اساعدك.
قالها منشغلًا بشد الغطاء على جسدها، فضحكت بصوت مكتوم، لتردف بمشاكسة:
– إنت باينك استحلتها يا كارم، وانا اللي فاكراك بتساعدني لكرم أخلاق منك، مش لأغراضك الدنيئة.
بادلها هو الاَخر الضكك ليندس بجوارها اسفل الغطاء، الذي غطى نصفه، وقد استلقي بنصف نومة، وقال معترفًا:
– بصراحة اَه منكرش، دي كانت من أجمل المهمات على قلبي.
خبئت إبتسامتها مع تذكرها للمجهود الخرافي الذي قام به، طوال الفترة الماضية، ليوفق بين رعايتها ومزوالة عمله بالمنزل، ف التفت ذراعها حوله لتريح رأسها بعناقه، وتمتمت بهمس:
– أنا تعبتك أوي معايا يا كارم، حملتك فوق طاقتك، بصراحة مكنتش اتخيل ان عندك روح المساعدة والصبر دا كله عليا.
قبلها فوق رأسها بخفة متقبلًا نقدها، ليقول:
– فاهمك انا على فكرة، بس اللي عايزك تفهميه انتي، هو اني عمري ما اتعرضت للمواقف دي مع الناس اللي بحبهم، والدي لما تعب مخدتش يوم بليلة واتوفى، وماما ربنا يخليها لسة موضعتنيش في موقف اختبار زي اللي اتحطيت فيه معاكي، انا لو بإيدي كنت شيلت كل الألم منك وخدته ليا بعيد عنك.
زادت من التشبث به، متنعمة بدفئه ورائحته التي تعشقها، تردف ردًا على كلماته:
– بعد الشر عليك يا حبيبي، حمد لله انا متقبلة اختبار ربنا.
تبسم بمكر يبعد رأسها بخفة ليطالع وجهها الجميل قائلًا:
– بس بيني وبينك يعني، فين الصعوبة اللي بتتكلمي عليها دي؟ دا انا بشتغل يدوب ساعتين، وبعدها اطلع عندك، ادلع نفسي بقعدة حلوة معاكي، يا في الجنينة تحت، او في الأوضة هنا، اخدلي حضن، او بوسة من خدود القمر…. ولا شفايفه.
قالها ودنى برأسه يقتطف قبلة متمهلة شغوفة رغم حرصه الشديد، حتى لا يؤذيها، فرأسها لم تستعد حالتها العادية بعد، ليتبعها عدد آخر على أنحاء وجهها، يبث بها عشقه الكامن بين أضلعه، داخل هذا الصغير الذي أصبح يضخ الدم من أجلها، واجل اسرته الصغيرة.
– كارم .
اجفل فجأة على صوت والدته، يتبعه طرق على باب الغرفة، تسحب من جوارها بهدوء، حتى فتح للأخرى، والتي دلفت خلف طفله الصغير:
– بابي.
– يا قلب بابي.
قالها وهو يتلقفه بين ذراعيه، ثم قام برد التحية لوالدته بقبلة على جانب وجهها، قبل أن تسبقه للداخل قائلة:
– عاملة إيه مراتك النهاردة؟ إيه أخبارك يا حبيبتي؟
همت لتعتدل بجذعها ولكن المرأة أوقفتها:
– أوعي تتحركي خليكي زي ما انتي، انا اساسًا كلمتين وماشية على طول.
– ليه طنت؟ هو انتي لسة قعدتي؟
اضاف كارم هو الاَخر:
– ايوة يا ماما اقعدي الأول، وبعدها اتكلمي براحتك.
– يا حبيبي انا مش تعبانة، انا بس كنت عايزة اخد رأيك في مشوار كدة، أصل الست مجيدة كلمتني بنفسها، دا غير الدعوة اللي وصلت من أيام، هتقدر تحضر النهاردة فرح أولاد عمك، أمين وحسن؟
سهم بنظرته نحوها، ثم انتقل نحو زوجته بشيء من توتر، وقبل أن يعترض سبقته هي:
– مش أمين دا اللي هيتجوز لينا سكرتيرة طارق؟ دي زهرة وجوزها كمان هيحضروا مع كاميليا، خلينا نروح مع طنت يا كارم.
احتج قائلًا بحدة:
– ازاي يعني؟ هو انتي حمل سهر ولا أغاني وزيطة، ثم أمين نفسه ده انا مش قابل اروح فرحه، لو كان اخوه بس كنت عديتها.
اشاحت بوجهها عنه تفمغم بكلمات غير مفهومة، جعلته يردف سائلًا بحنق:
– بتبرطمي تقولي إيه يا رباب؟
ردت بهمس وكذب:
– مبقولش حاجة، واعمل اللي انت عايزه.
كز على أسنانه بضيق فتدخلت والدته تأخذ حفيدها منه:
– براحتكم انتوا الاتنين، انا هاخد عمار ونروح لوحدنا، على الأقل يتعرف على ألأطفال اللي زيه من العيلة.
تحركت ذاهبة وقبل أن تصل للباب أوقفها بقوله:
– استني يا ماما.
التفت تجيبه:
– نعم.
القى بنظرة خاطفة نحو التي ما زالت على صمتها، تكظم غيظها، وتنظر في أي جهة إلا نحوه.
فقال زافرًا بسخط:
– إحنا كمان رايحين معاكي.
تطلعت إليه بلهفة فتابع حازمًا:
– ساعة بالكتير ونكون راجعين.
قالها وتحرك يسبق والدته في المغادرة، والتفت إلى كنتها تبادلها ابتسامة النصر وقد نجحت خطتهما
❈-❈-❈
في منزل ناصر الدكش
خرجت من غرفتها القديمة، بعد أن ارضعت صغيرتها، تهتف بأسماء أهل المنزل من شقيقاتها الفتيات:
– يا رؤى، يا أمنية، انتوا فين يا بنات؟
– احنا هنا في أؤضة شهد يا فريال .
تحركت على الصوت لتلج إليهم، وتتسمر على مدخل الغرفة ترمقهم بدهشة:
– يا ما شاء الله، فاتحين درج الفلوس بتاع اختكم، وبتندهوا عليا كدة عادي؟ طب انا هفتن عليكم
ضحكت أمنية معقبة وهي تحصي عدد الأوراق النقدية التي في يدها:
– روحي افتني يا اختي، هي علم بكل شيء، أنا أصلًا واخداهم لعبد الرحيم عشان يلف بيهم ع العمال ويقبضهم، ما انتي عارفة يا عسل، اختك في الصالون دلوقتي ومش فاضية.
– أنا كدة معايا ست الاف.
هتفت بها رؤى، قبل أن تتناولهم من أمنية لتضعهم على الحزمة التي معها، لتردف:
– ع التمانية اللي معايا، يبقى كدة اربع تاشر، حلو اوي على أجرة العمال، احنا لسة ورانا مصاريف كتير.
رمقتها شقيقتها الكبرى بإعجاب، لتكمل بخطواتها حتى وصلت لتجاورهم على الفراش قائلة بفخر:
– ما شاء الله عليكي يا أمنية، خدتي ع الوضع وبقيتي تتكلمي زي شهد بالظبط، باين الشغل نفعك.
أبت الاَخيرة أن تتطرق للماضي المخزي بنظرها، وردت بقوة جديدة عليها:
– طبعًا أكيد، الشغل للست أحسن من أي شيء، وأي راجل حتى، وانا الحمد لله مش بشتغل عند حد، انا بشتغل في ملك ابويا الله يرحمه، وبكرة المكتب بتاعه، يبقى أكبر مكتب مقاولات فيكي يا جمهورية بإيد بناته ان شاء الله، أسيبك بقى.
قالت الأخيرة وهي ترفع الحقيبة التي امتلأت بالنقود أعلى كتف ذراعها، ثم لفت حجابها على عجالة وخرجت على الفور، عقبت فريال في أثرها:
– اختك يا رؤى اتغيرت وبقت شخصية تانية، دي حتى في شكلها الخارجي، عودها خس وبقت مظبوطة.
ردت رؤى بابتسامة مبتهجة:
– ومتخسش ليه؟ وهي استلمت تقريبًا معظم الشغل مع الشهد، وطول النهار على رجليها، ما هي الانتخة زمان هي اللي كانت متخناها.
اومأت فريال تهزهز في ابنتها بتفهم، قبل أن تقول:
– سبحان الله، بعد ما فاقت من الوهم بتاع الحب مع الزفت ابراهيم، اللهي ربنا ياخده، اختي حست بنفسها، ياريتها انصدمت بحقيقته من زمان.
– كل حاجة بتيجي في وقتها.
تفوهت رؤى بالعبارة، ثم تناولت منها الصغيرة تداعبها وتشاكسها وسألتها اثناء ذلك:
– ماما فين؟ مش سامعة صوتها يعني؟
مصمصت فريال بشفتيها، لتقول بامتعاض:
– اهي اللي عايزة الصدمة صح؛ هي امك، تصدقي بالله الست دي لحد الآن بتكلم خالتك، وحزينه ع اللي حاصلها هي وابنها.
سمعت رؤى وامتعض وجهها بضيق تتمتم:
– ربنا يهدي.
❈-❈-❈
بداخل المحل الذي افتتح حديثًا، خطت حتى توقفت بجوار العارض الزجاجي، تستند عليه بمرفقها، مستغلة انشغال الأخرى بترتيب بعض البضائع من هدايا وأغلفة وعلب أدوات مكياج مختلفة، تأملتها قليلًا بتسلية، قبل أن تجفلها بصيحتها ممازحة:
عندكم شامبو يا اَنسة؟
شهقت مودة بخضة، قبل أن تلتف اليها بوجه مزعور، لكن سرعان ما استعادت توازنها، لترد مستجيبة للمزاح وتهتز بجسدها، تقليدًا للمشهد المشهور:
– لأ يا ختي، عندنا دباديب.
ضحكت صبا بملأء فمها، حتى ظهرت أسنانها البيضاء، لتردف بمرح:
– أموت أنا في قفشات الأفلام.
رمقتها مودة بتفحص، يعجبها هذا الإشراق الذي يزين ملامح صديقتها، فقالت بمشاكسة:
– انا شايفة الحلوة مزاجها عالي النهاردة، إيه؟ ناوية تحققي أمل الأستاذ شادي وتخرجي معاه؟
أطلقت شهقة تصنعت بها الصدمة، لتنكر قائلة:
– اطلع مع مين يا ست مودة؟ عايزة بت ابو ليلة تطلع مع عريسها؟ اللي كتب كتابه عليها بس امبارح كمان؟ مش كفاية انه رضي بيه وسلمه جوهرته النفيسة؟ كمان عايزاه يسمح بالسرمحة والكلام الفارغ ده؟
– يا شيخة!
قالتها بتهكم، قبل أن تتابع وتسألها بفراسة وتوجس:
— بت انتي، كلامك مش راكب على بعضه معايا، إيه اللي وراكي؟…..
– قلم يا مودة.
انتفضت مجفلة، وخرجت هذه المرة شهقتها بغير افتعال، لتستدير إليه وتجده أمامها مباشرةً، يرمقها بأعين مشتعلة، يعتلى تعابيره الغيظ مكررًا نحو مودة التي أردفت تحييه:
– أهلًا يا استاذ شادي نورت المحل.
– أهلًا بيكي يا مودة، ناوليني قلم حبر لو تسمحي.
اردف بالكلمات وأبصاره لم تحيد عنها، فقد كانت شهية بشكل موجع، وجهها المشرق بابتسامة ساحرة كشمس أخرى تضيء المكان من حوله، تلهث بابتهاج طفلة انتهت من الركض واللعب، اللون المميز بعينيها، يشع بشقاوتها المحببة، حتى وهي تجعله يدور حول نفسه بأفعالها
– إيه بتبصلي كدة ليه؟
سألته تدعي عدم الفهم وقد امتدت يده على العارض الزجاجي وكأنه يحاصرها، ليجيب بتحفز:
– هي مين اللي مينفعش تخرج مع خطيبها؟ حتى وهو كاتب كتابه عليها امبارح؟ وعشان ما هي جوهرة نفيسة؟
توسعت عينيها تتصنع الأجفال لتردف:
– يا نهار أبيض، هو انت سمعت الكلمتين اللي جولتلهم من شوية؟…… دا كانوا هزار.
طالعها بتشكك، يجسر نفسه حتى لا يتأثر، وقد كانت كقطعة السكر أمام عينيه، فتابعت تزيده:
– وعلى فكرة الهزار مكانش مع مودة، دا كان معاك انت، عشان كنت متأكدة انك جاي ورايا، بعد ما عديت جصادك، وعملت نفسي مش واخدة بالي منك وانت بتفتح باب العربية، جبل ما تمشي على شغلك.
كالعادة تأخذه بيدها إلى البحر وتعيده عطشان، كما يقال في الفلكلور الشعبي، زمجر بوعيد وتشكيك يتمتم:
– عارفة يا صبا لو ما بطلتي عمايلك دي هيحصل إيه؟
بتحدي نابع من ثقتها في عشقه، رددت بلهجة يغمرها الدلال:
– يعني هتعمل إيه يا أستاذ شادي؟ أنا مغلطتش فيك، أنا بت مؤدبة وماشية في طوع ابويا اللي جاعدة في بيته، فيها حاجة دي؟
لم يرد على الفور، بل ظل على تواصله البصري معها عدة لحظات بملامح مبهمة، قبل أن يغلبه طبعه وابتسم ليردف متوعدًا:
– خليكي في طوع ابوكي اللي مطلع عيني ده، ومحرم عليا حتى القعدة معاكي، كلها تلت أسابيع، شايفة؟
رفع كف يده أمامها ليشير على الأصابع الأخيرة مرددًا:
– التلاتة دول بس يعدوا يا صبا، وانا هطلع عليكي انتي وابوكي القديم والجديد.
– خلاص على ما يعدوا يعدلها ربنا، عن إذنك.
قالتها وتحركت مغادرة على الفور، لتختفي كالزئبق في كل مرة يلتقي بها، زفر أنفاس خشنة وظلت ابصاره معلقة بأثرها، يضغط بأسنانه على شفته السفلى مغمغمًا:
– ماشي يا صبا، ماشي.
حينما التف نحو الأخرى وجدها ممسكة بالقلم صامتة، وقد بدا أنها كانت مندمجة في المشاهدة، امتدت ذراعه نحوها، ليفيقها بقوله:
– القلم يا مودة.
– ها
– بقولك القلم يا مودة.
– اَه اَه خد اهو.
تناوله منها، ثم أخرج ورقة نقدية أعلى من سعرها، وضعها أمامها، ثم غادر على الفور.
– طب استنى خد الباقي طيب .
حينما لم يتراجع أو يلتف، جعدتها لتضعها في جيب سترتها، وابتسامة غزت محياها تردد:
– الله يخرب عقلك يا صبا، جننتي الراجل.
عادت لترتيب المتبقي من بضائعها، تلقي بنظرة شاملة على مملكتها الصغيرة، بعد أن تمكنت اخيرًا من الحصول بمساعدة من صبا التي أصبحت شريكتها بالسر وشادي معها، بالإضافة إلى النقود التي تحصلت عليها من جدتها بمجهود مضني، ليصبح مشروعها الصغير، بداية لحياة جديدة لها، وقد وجدت أملها به، كل أشياء الفتيات بحوزتها، بالإضافة للعائد الجيد ليمكنها من حياة كريمة، والأهم من كل ذلك، أنها حلال .
❈-❈-❈
– مزعل عروستك ليه يا أمين؟
قالها حسن ويده على مقبض الباب الذي كان يغلقه، ليدلف إليه بداخل الغرفة التي اقتحمها دون استئذان:
التفت إليه الاَخر من أمام مراَته، يهتف بضيق:
– يا عم ما تزعل ولا تتلفق، هي حرة.
طقطق حسن بفمه، يصدر صوتًا مستنكرًا ليخاطبه بمهادنة:
– يا بني براحة بس، هو ايه اللي حاصل بالظبط لكل ده؟ انا شهد لما كلمتني، مفهمتش منها حاجة، وبصراحة الخناق في اليوم ده بالذات مينفعش.
أجفله بهتافه الساخط.
– لأ ينفع، مع المجنونة دي ينفع اوي، طب هي متوترة وبتخانق دبان وشها، انا ايه ذنبي؟ كل دقيقة إتصال،
الوو شوفت يا أمين اللي حصل مع البنت اللي بتظبط الفستان؟ شكلها مش هتلحق تظبطه، انا بقول نأجل الفرح أحسن يا أمين، الوو مبترودش ليه يا أمين؟
ضرب بكفيه أمام شقيقه الذي كان يضحك، غير قادرًا على التوقف، واستطرد بغيظه:
– حتى لما روحت أوصلها على صالون التجميل، اتخانقت مع الراجل اللي بيضرب ولد صغير في الشارع، وكانت عايزة تسلمه للبوليس، ولما اتدخلت معاها اكتشفت إنه ابوه، والولد نفسه اتخض لما سمع حكاية القسم، وبرضوا مش مقتنعة، فين على ما قعدت أحايلها عشان تسيبه، وبعد ما وصلتها ما ارتحتش ساعة، ولقيتها بتتصل بيا وتصرخ، الحقني يا أمين، اتاريها اتخانقت مع الست اللي سبغت شعرها بدرجة لون مش عاجبها، وخد عندك بقى، انا شعري باظ ومش هينفع اكمل الليلة، انا بقول نأجل يا امين.
من غير حلفان لو كانت قصادي، لكنت طبقت في زمارة رقبتها.
ضحك شقيقه حتى بانت نواجزه، فتناول ذراعه ليجلسه على التخت بجواره يخاطبه بلهجته الهادئة:
– طب صلي على النبي كدة واهدى، انت عارفاها أكتر مني، قلبها أبيض، بتقوم تقوم وتنزل على مفيش، دا غير انها متوترة زي انت ما قولت بنفسك، ودا حقها، عشان يعني ما كل حاجة تمت بسرعة، والخطوبة والجواز في شهر واحد، قدر دي يا عم.
طرد من صدره زفرة متعبة، ليفرك كفيه ببعضهما، ثم تمتم بتفهم:
– اللهم صلي عليك يا نبي، ما هو دا اللي مصبرني عليها، مجنونة وبتقلب في ثانية، دلوعة ولذيذة، وفي نفس الوقت حرشة وبتلسع.
اسهب في الوصف بعدم انتباه، وقد غفل عن الاَخر، والذي تبسم باتساع فمه، يستدرجه بمرح:
– حلو أوي ده، وايه تاني كمان؟
استدرك ليناظره بقرف مرددًا:
– هو إيه اللي حلو اوي، إمشي ياللا من جمبي، إمشي وروح اشغل نفسك بعروستك، مالك انت ومالنا يا بارد؟
❈-❈-❈
وفي صالون التجميل، كانت بحالة من البكاء الذي لا يتوقف، حتى بتوسلات المرأة مديرة المكان لها، كي تهدأ وتعمل على إصلاحه بلون آخر، على الرغم أنه نال استحسان الجميع، من عاملات او زبائن مثلها، وكلمات الثناء تنصب عليها وعلى العروسة الهادئة بجوارها كما تم تصنيف شهد اليوم، والتي لم تكف عن تهدئتها:
– اهدي يا لينا، ربنا يسعد قلبك، كل دا بكا؟ بتجيبي الدموع دي منين بس؟
بنهنهات عالية والمحارم الورقية التي كانت تمسح بها على وجهها، قد ملأت الأرضية أسفلها، ردت بصوت عاتب:
– هو السبب يا شهد، مش معبرني، وكأنه زهق مني، دا احنا لسة متجوزناش رسمي، أمال نبقى في بيت واحد هيعمل معايا ايه؟
ختمت بوصلة عالية جعلت شهد تضرب بكفها على ذراع المقعد الجلدي الذي تجلس عليه بتعب، لتعود إلى محدثها في الهاتف:
– أيوة يا حسن، لسة زعلانة ومش راضية تهدى……. إيه؟
خاطبتها تعيد ما أخبرها به:
– بيقولك افتحي الفون وشوفي الرسايل عليه.
سمعت منها لتستجيب لطلبها على مضص، ثم رفعت رأسها إليها بدهشة قائلة:
– إيه ده؟ دا أمين باعت صورتي ع الوتس وبيقول انه يجنن، صورتي باللون الجديد وصلتله ازاي؟
ردت شهد بانفعال:
– انا اللي صورتك يا لينا عشان اخد رأيه، واهو بيقول انه عاجبه، ردي بقى عليه دلوقتي، أكيد هو اللي بيرن عليكي.
قالتها وقد نبهها صوت الهاتف، فرددت الأخرى بزهول اكتنف ببهجة تخفيها:
– دا هو اللي بيرن بجد….. أنا هروح اكلمه جوا في غرفة اللبس براحتي.
اشارت لها بكفها لتخرج تنهيدة قوية، تغمرها الراحة، ثم عادت لزوجها:
– ايوة يا حبيبي، اهي قامت ترد عليه، عشان يصالحها براحته.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر خارج مصر، وفور أن حطت طائرته العاجلة على أرض البلدة التي بها زوجته وأولاده، دلف داخل القصر المهيب بقلب وجل، أول ما التقاه بعينيه كانت هي وقد كانت تنتحب على أحد المقاعد في البهو الكبير، بجوار جدتها، تحتضن طفلها الأكبر إياد.
– ايه اللي حصل يا ميسون؟
قالها والقى التحية باللغة التركية نحو المرأة العجوز، قبل أن يتلقف صغيره الذي ركض إليه على الفور، ليرفعه على ذراعيه، ويضمه ويقبله.
هتفت به زوجته بانهيار:
– زياد يا عدي، زياد اتخطف يا عدي.
سهم بنظراته لها بعدم استيعاب، ليجد الصغير يؤكد له بقوله:
– بابا الناس اللي أخدوا زياد كانوا عايزين يا خدوني انا كمان، واحد فيهم قالي تعالى معايا هوصلك لباباك.
زاد اتساع عينيه وانظاره اتجهت نحو مجموعة الرجال الضخام في الجهة الأخرى، كانوا ملتفين حول جد ميسون في اجتماع لأمر جلل، فدارت رأسه باستدرك متأخر، وقد تنبه اَخيرًا للخطأ الذي تسبب به، بفضل رعونته وغروره
❈-❈-❈
في المساء
وبداخل القاعة التي امتلأت عن اَخرها بالمدعوين لهذا الحفل الصاخب، بزواج الشقيقين، على أجمل صديقيتن، شهد و لينا، وقد جمع بينهما القدر كما تمنوها بليلة ما في الطفولة، وكانت الصدفة أن تحققت بالفعل الاَن.
كل أسرة أو مجموعة ضمتها طاولة، والفرح إعتلى جميع الوجوده المحبة.
جاسر وطارق يقومان بمهامهم على أكمل وجه، كشقيقان للعروس لينا، شقيقات شهد الثلاث يملأن الأجواء حولهم حيوية وصخب، وقد تجمعت قلوبهم المتشتتة اخيرًا بامتنان نحو شقيقتهم الكبرى، أما صبا وعائلتها من رجال ونساء التفوا على طاولة واحدة يرأسها والدهم، مسعود أبو ليلة وزوجته، فكانت تقتنص النظرات بخبث نحو من احتل طاولة أخرى بالقرب منهما مع شقيقه الوحيدة، وقد أتى بدعوة مخصوص من المهندس حسن، يرمقها بغيظ في انتظار الاختلاء بها بعيدًا عن والدها، وكل دقيقة يرسل لها بأشارة الثلاثة أصابع كتهديد لها، لتتقبلها بالضحك غير ميالية، لتزيد من تصميمه.
❈-❈-❈
وعلى الطاولة التي جمعت عائلة الريان، كانت زهرة تزفر بسخط مدمدمة بلوم نحو عمها عامر والد زوجها وجد الأحفاد
– استغفر الله العظيم يارب، يارتني ما جبتهم، انت يا عمي اللي جبرتني، دول يباتوا في البيت من المغرب، ما يجوش افراح، ولا يخرجوا أساسًا.
قالتها بإشارة نحو التوأم المزعج، والذان لم يكفان عن المناوشات الخطرة كل دقيقة فيما بينهم، وهي كالعادة تحاول درء الشجار من أوله، إما بخطابهم بلين ورجاء، أو نظرة محذرة بالعقاب، ولكن لا فائدة.
تبسم لها الرجل كالعادة ليرد بهدوءه المعتاد:
– طب وانا مالي يا زهرة، انا يا حبيبتي لما صممت على مجية الولاد، كان قصدي على البرنس الكبير، مجد حبيب جدو، وأصغر نمرة قلب جدو دا كمان.
قالها وهو يهدهد ظافر الصغير.
افتر ثغرها بابتسامة صفراء تنقل انظارها بين الاثنان الذان أصبحا يتابعا الحديث دون فهم جيد، لتردد خلفه:
– يعني الكبير حبيب جدو، والصغير قلب جدوا، وجوز المصايب دول، ايه محلهم من الإعراب؟
تولت لمياء بالنيابة عنه الإجابة قائلة بلوم:
– اخص عليك يا عامر انت وزهرة، رامي ورنا دول حبايب تيتية من جوا، رامي اللي هيبقى بطل في الكارتيه، ورنا اللي هتبقى ملكة جمال، بس هما هيسمعوا الكلام ويبقوا شاطرين النهاردة، مش كدة يا ولاد؟
– صح يا تيتة.
قالها رامي بخشونة أكبر من سنه، وتلاعبت توأمته بقصة شعرها، وقد أعجبها الوصف، لتسألها بدلال:
– يعني انا حلوة يا تيتة؟
ردت متغزلة بها:
– يا قلبي انتي قمر، وطالعة شبهي كمان، بس خليكي أمورة زي البنات الحلوين، وسيبي الخناق للولاد الوحشين.
اومأت الصغيرة برأسها بابتسامة منتشية، وكأنها استجابت للنصيحة وظهرت عليها الطاعة، عقبت والدتها بتهكم:
– يا حبيبتي دي ما صدقت، طب يا ريت بس تحافظ على فستانها سليم النهاردة من أي خناق ولا بقع أكل.
ضحك ثلاثتهم، يتبادلون المزاح، حتى اقتربت أنيسة تصافحهم ومعها مجيدة التي جاءت ترحب بهم كذلك، بمودة صافية توزع الابتسامات على ثلاثتهم حتى تناولت الصغير تقبله، مخاطبة والدته:
– قمور ما شاء الله عليه، دا أصغر الأحفاد مش كدة؟
توجهت بالاَخيرة نحو عامر، والذي رد يجيبها بفخر:
– ايو طبعًا، والتوأم دول يبقوا إخواته، دا غير البطل الكبير كمان مجد أكبرهم، بس دا مشغول مع والده وعمو طارق في استقبال المدعوين، ما هي لينا دي تبقى بنتنا احنا كمان.
تبسمت مجيدة بمودة صافية للرجل، لتضيف على قوله أنيسة بزهو داخلها، وقد أسعدها ما تفوه به:
– طبعًا دا مفيهوش جدال، بنتكم زي ما هي بنتي.
تدخلت لميا أيضًا تشاركهم:
– ربنا يتمملها بخير يا أنيسة، وانتي يا ست مجيدة ربنا يفرحك بأحفادك قريب.
– يا ختي يسمع منك ربنا.
تمتمت بها الأخيرة بتمني، تدعو الله أن يكمل عليها فرحتها بمجموعة تملأ البيت صخبًا ومرح.
❈-❈-❈
في خارج القصر، تحديدًا في الحديقة الأمامية، وبعيدًا عن أنظار الجميع، يحاول مرارًا وتكرارا في الإتصال على مجموعة الحمقى التي اتفق بغباء معهم منذ فترة، للقيام بهذا الفعل، والذي لم يُقدر شناعته إلا الآن، بعد أن التمس نتائجه المزرية بنفسه، يشعر بأن قلبه يكاد أن يتوقف من الرعب لمصير طفله، فهذا الإختفاء الغريب، وعدم توصله إلى أي طرف منهم، حتى وبعد أن ذهب إلى مسكنهم في المنطقة الفقيرة ولم يجد أحد، زاد من إحساس الذنب لديه، وفزع شديد بداخله، خشية السيناريو الأسوء إن حدث، من أشخاص لا يعلمهم، ولا تربطه بهم سوى صلة المال، أي من الممكن استبداله ان وجدوا من يدفع أكثر، يا إلهي…… كيف غفل عن هذه النقطة.
– يارب أحفظلي ابني
تضرع بها داعيًا بخشوع إلى ربه، قبل أن يجفل على صوتها.
– عدي.
إلتف إليها، ليبصرها تتقدم بخطواتها المنهزمة أمامه، وجهها الشاحب، وشعرها المبعثر بعدم اهتمام، عينيها الذابلة من كثرة البكاء، منكسرة وهشة؛ لدرجة جعلته يشعر بقبضة قاسية تعتصر قلبه، كيف لهيئتها المزرية تلك إن تحرك الحمائية بداخله نحوها، يلعن غروره وعنجعيته المتوارثة، وقد كانت أهم أسباب فشله، حتى في زواجه بامرأة كانت تعجبه حقًا قبل ذلك، بل وكان يراها أميرة من قصص الخيال، قبل ان يتزوجها ويزهد فيها وكأنه انتهى منها، رغم وجود الأطفال بينهم.
– عايزة إيه يا ميسون؟
تفوه بالسؤال فور أن توقفت أمامه، رفعت رأسها المطرقة لتطالعه بحزن شديد وشفاه مرتعشة تخرج الكلمات منها بصعوبة:
– أنا عارفة إن عندك حق، لأني فعلًا زوجة متستحقش، كنت بتهمك بالأنانية، وانا نفسي مكنتش بعمل اللي يقربني منك…..
قطعت بشهقة بكاء كتمتها بقبضة يدها، فتدخل لإيقافها:
– مش وقته الكلام دا يا ميسون…
– لأ وقته.
قاطعته بحدة لتفصح عما يعتمل بصدرها الاَن:
– كان لازم اعرف ان العلاقة بين الراجل والست، لازم يبقى فيها تنازل من الطرفين، حتى لو الطرف الأول معملهاش، من الواجب ان التاني يجرب، انا ولا مرة جربت، كل مرة كنت بستناك انت اللي تيجي وتبادر، بإيدي خليت المسافة تكبر ما بينا، انا ست متستحقش.
خرجت الأخيرة ببحة مخنوقة جعلته يزرف دمعة من طرف عينيه، ليضمها إليه بوجع ينخر بين أضلعه مرددًا:
– لا يا ميسون متقوليش كدة، متقوليش كدة يا ميسون، انتي تستحقي واحد أحسن مني كمان.
نزعت رأسها لتنفي بها:
– لأ يا عدي انا عرفت نفسي، وعشان كدة بقولهالك اهو، موافقة ع الطلاق، وموافقة تاخد الأولاد مني، لأني استاهل كل اللي يجرالي.
جذبها بعنف ليهدر بها بصرامة:
– مفيش أولاد هيبعدوا عنك، هنلاقي زياد، والاتنين هيتربوا معايا ومعاكي.
قالها ليزيد من ضم رأسها على صدره، حتى بللت قميصه بدموعها، وقد كانت ترتجف بين يديه، وهو أيضًا معها حتى أجفل الاثنان على صوت صغير قريب منهما!
صرخت ميسون فور أن رأت طفلها يخترق الباب الخشبي الصغير للحديقة ويتقدم بخطواته نحوهما:
– مامي وبابي أنا جيت.
– زياااد.
ركضت لتعتصره بين ذراعيها تشدد عليه بلوعة أم كادت أن تفقد طفلها، فتوقف عدي يطالعه بعدم تصديق، ينتظر دوره في العناق والتقبيل، وتزامنًا مع ذلك تفاجأ بآخر شخص يتوقعه، يخترق الحديقة خلف طفله الذي كان يهمس لوالدته:
– عمو هو اللي جابني يا ماما.
– مصطفى.
دمدم بها نحو المذكور، والذي توقف يرمقه بنظرة مظلمة، وملامح مغلفة أنبأته بحقيقة ما توصل إليه شقيقه.
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)