رواية وبها متيم أنا الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا الجزء التاسع والثلاثون
رواية وبها متيم أنا البارت التاسع والثلاثون
رواية وبها متيم أنا الحلقة التاسعة والثلاثون
– ايوة يا بني انا دخلت عندها اهو .
تفوهت بها نرجس نحو محدثها في الهاتف؛ وهي تلج لداخل غرفة ابنتها التي كانت غارقة في النوم، تحتضن وسادتها، جلست على طرف السرير بجوارها، تهزهزها بيدها مرددة:
– بنت يا أمنية، انتي يا بت، يا بت قومي.
رفعت رأسها عن الوسادة تبصرها بنصف أعين مفتوحة، وخرج صوتها متحشرجًا من أثر النوم:
– ايه يا ماما؟…. بتصحيني ليه؟
لكزتها لتضع بيدها الهاتف قائلة بتشديد:
– قومي وفوقي كدة كلمي ابن خالتك، دا بيتصل عليكي من الصبح وانتي قاعدة مخمودة لسة، ايه يا ختي النوم ده كله.
رددت بالاخيرة وهي تنهض تاركة الفراش لتذهب وتتركها، نظرت أمنية في أثرها حتى غادرت، لتنتبه اخيرًا على صوته وهو يهتف عليها عبر الاثير:
– ما تردي يا أمنية، ولا كمان مش عايزة تردي؟
استدركت اَخيرًا لوضعها مع هذا الذي يحدثها، لتعتدل بجذعها وتجيبه بصوت فقد حماسته المعتادة:
– ايوة….. انا صحيت اهو .
– نعم يا اختي وبتكلميني من غير نفس كمان؟ بعد ما لطعتيني باليومين من غير ما تردي عليا في أي اتصال يا روح امك؟
زمت شفتيها تقلب عينيها بسأم، تكبح لسانها برد يناسب وقاحته بعد ما فعله منذ يومين معها، حينما امتدت يده عليها وضربها، ليأتي الاَن ويحدث بنبرة عادية وكأن شيئًا لم يكن،
وصلها قوله متسائلًا:
– هو انتي لسة زعلانة يا أمنية؟ انا كنت متعصب على فكرة ومش في حالتي الطبيعية، لازم تقديرها دي
– ليه؟
– ليه إيه؟
ردت مشددة على أحرف الكلمات بانفعال ظاهر:
– مكنتش في حالتك الطبيعية ليه؟ انا عايزة اعرفها دي يا ابراهيم؟
صمت قليلًا يستوعب حدتها، وهذه القوة الجديدة في مخاطبته، لتجبره على تخفيف لهجته في الحديث معها، ومحاولة الرد بإجابة مقنعة:
– يا أمنية افهمي بقى، انا خدت الموضوع على كرامتي، وبصراحة اتقهرت لما لقيت البت دي بتكتب كتابها وبيحطونا قدام الأمر الواقع عشان يسبقونا ويتجوزوا قبلنا، ولا انتي مش واخدة بالك ان بعملتها الخبيثة دي وقفت حالنا، بصراحة بقى غيران وعايز دخلتنا تبقى قبلهم، عشان دا عدل ربنا.
راوده بعض الثقة حينما لم يأتيه ردها على الفور، ظنًا منه أنها اقتنعت، قبل أن تباغته بقولها:
– ولما دا هو رأيك والسبب الرئيسي في غضبك زي ما بتقول، انا كنت غلطت في إيه لما جيبتلك سيرة المأذون وجوازنا؟ كان فين غلطي لما ضربتني بالقلم اللي شق شفتي وسال منها الدم؟ وبعدها طردتني من المخزن زي الكلبة…… ليه يا ابراهيم؟ انت عارف ان دي اول مرة انضرب فيها، لا ابويا الله يرحمه عملها قبل ما يموت، ولا امي، ولا حتى اختي اللي شالت من بعده وربيتنا عملتها؟
اكملت بصوت اختنق بالدموع التي سالت بحرقة على وجنتيها:
– انا مش رخيصة عشان تعاملني بالمنظر ده يا ابراهيم، بتتعصب على اتفه الأسباب وبتشتم وانا بفوت، ولا يمكن يكون هو دا السبب! اني بطيعك في كل حاجة ودا خلاك تفتكرني من غير كرامة، هي دي فكرتك عني يا ابن خالتي؟
ختمت ليصله صوت نهنات مكتومة منها، جعلته ينفي على الفور كي ينقذ المتبقي من عشقها له، وقد بدا جليا له الاَن حجم غباءه، حينما استخف بما فعله في المرة الاخيرة معها:
– اوعي تقولي الكلام دا مرة تانية يا أمنية، دا انتي حبيبتي يا بت والغرام كله، ازاي تظني فيا كدة بس؟ بقولك ايه، انا لازم اقابلك عشان اصالحك بجد، أجيلك البيت النهاردة مع أمي، ولا اعزمك برا في احلى كازينو ع الكورنيش؟
مسحت بطرف ابهامها أثر الدموع من وجنتيها، لترفض عرضه الكريم بثبات ادهشه:
– للأسف أنا مش فاضية النهاردة، عندنا خروجة انا واخواتي وامي، اصلنا معزومين على الغدا عند نسايبنا الجداد، في بيت جوز اختي واهله.
– اسم الله على جوز اختك واهله.
صاح بها متناسيًا منهجه الجديد معها، وقد استفزته بقوله، وكأنها قاصدة كشفه، ليتابع بوقاحة ليست غريبة عن خصاله المعروفة:
– جوز مين يا بت ال…… بتتسرمحي على كيفك ولا اكن ليكي خطيب تشاوريه، وعايزة تروحي بيت رجالة غريبة وتاكلي وتشربي معاهم يا كمان؟
هتفت بعدم تقبل لكل ما تلفظ به:
– خلي بالك من كلامك يا ابراهيم، انا مش رايحة عند ناس غريبة، بقولك نسايبنا الجداد وجوز اختيي، يعني خلاص بقى واحد من العيلة، دا الجديد ولازم كلنا نتقبله.
كلماتها المقصودة بلغة التحدي، تجعله يود القفز من محله ليفتك بها، ولكنه لا يصح له الاَن فعل ذلك، فالعصفورة قد نبت لها أنياب، بعد أن كان خبيرًا في قص أجنحتها وضمان ولائها له، ونسي أن كثرة الضغط يولد الانفجار وهذا ما يحدث الاَن.
حمحم يخشن من صوته ليتراجع عن رفضه قائلًا بمهادنة:
– انا مش هحاسبك على عصبيتك ولا غلطك معايا دلوقتي يا أمنية، عشان مقدر زعلك مني، ومعلش بقى هاجي على نفسي المرة دي ومش هدقق، اخرجي يا ستي وانبسطي، وبعدها يبقى لينا كلام تاني.
– كتر خيرك.
قالتها ساخرة، قبل أن تُنهي المكالمة وتعود بجذعها للفراش، واضعة رأسها على ذراعها الذي مددته كوسادة، لتغرق في تفكيرها وتحليل موقفه المتراجع منذ قليل حينما واجهته بخطئه، ثم مقارنة ذلك بأفعاله السابقة معها، بعيدًا عن العاطفة العمياء، وكأن عقلها أصبح اَخيرًا يعمل.
❈-❈-❈
جاحظ العينين، وجهه المظلم كاللون السترة الرمادية التي يرتديها، لا يستوعب ما اردف به زميل عمله وصديقه منذ سنوات عديدة، ليهدر به متسائلًا بخطر:
– بتقول إيه يا حمدي؟ انت واخد بالك من اللي بتهلفط بيه؟
رد الاَخير بعتب يغلف نبرته:
– اهلفط دا ايه بس يا شادي؟ هو انت شايفني عيل صغير قدامك؟ انا بقولك ع اللي حصل….
– إيه هو اللي حصل؟
صاح بها كالمجنون يقاطعه بشراسة مخيفة:
– الكلام دا ينقال على أي حد في الدنيا، إلا صبا، انا لا يمكن هقبل بحد يمس طرفها، الناس كلها في كوم، وصبا في كوم تاني، فاهم ولا لأ؟
ارتد حمدي برأسه للخلف بخوف غريزي زحف لقلبه، رغم علمه بسلامة موقفه، ليردف بدافعية:
– بس انا مغلطتش فيها شادي، انا بقولك ع اللي حصل واتنشر على صفحات النت وبقى ترند عشان اسم عدي عزام، البنت اَية في الجمال والأدب، وانا اشهد بكدة…
ردد خلفه يضيف بانفعال:
– وكل اللي في الفندق من عاملين ونزلا يشهدوا بكدة، الناس اللي ماشية في الشارع، والعيل اللي مولود من بطن امه يشهد بكدة، انا عايزة اعرف، مين اللي طلع الاشاعة دي، عشان اروح اقتله واشرب من دمه.
لوح حمدي بكف يده، بغرض التريث، وقد تأكد الاَن بصدق إحساسه في أن صديقه غارقًا في عشق الفاتنة الصغيرة، وتكلم بهدوء حتى يمتص غضبه:
– براحة بس، براحة، انا معاك ومقدر والله انفعالك، الاشاعة مالية الدنيا، ومحدش عارف مين اللي طلعها، ابن حرام ولا بنت حرام، المهم ان صبا سابت الشغل وقدمت استقالتها من الفندق كله….
للمرة الثانية يقاطعه بعقل على وشك الانفجار:
– انت بتقول إيه؟ يعني هي فعلا سابت الشغل؟ وانت ازاي تقبل باستقالتها يا حمدي؟ صبا لازم ترجع وتواجه الكل، انا أكتر واحد عارف ببرائتها، انا هقف جمبها، واللي يجرحها بنظرة هخزأ عنيه الاتنين.
اومأ له حمدي يهز رأسهِ، وبمهادنة يخاطبه:
– تمام يا سيدي، والله انا فاهمك، بس انا ايه في إيدي ؟ دي رمت الطلب على سطح المكتب قدامي، وخرجت تروح من غير انتظار الرد ولا حتى عشان امضيلها عليها.
تمتم يحدث نفسه بجزع متسائلًا:
– يعني هي دلوقتي روحت، طب ووالدها لو عرف، دا ممكن يقتلها……. وانا لا يمكن اسكت.
تفوه بالآخيرة ليستدير مغادرًا بخطواته السريعة، بدون استئذان، ولا عابئًا بقلق صديقه وندائه عليه:
– طب انت رايح فين دلوقتي وسايب الشغل يا شادي، يا شادي
❈-❈-❈
بملابس العمل التي عادت بها كما خرجت، كانت متكومة على الفراش تبكي مصيبتها بصمت، الهمزات واللمزات التي كانت تدور خلفها وأينما تسير، نظرات خبيثة تمشطها بشكل جارح، هي لم تفعل شيء خاطئ لتستحق ذلك، هي التي تحافظ على اسم والدها اكثر من الحفاظ على روحها، والتي قد تضحي بها إذا لزم الامر فداءًا له، كيف سيكون وضعه إذا علم بهذا الافتراء على ابنته؟ وكيف هي ستواجه وتدافع عن نفسها في شيء لم تفعله؟ ليتها ماتت قبل أن يأتي هذا اليوم، ليتها قبلت بما قبلت به شقيقاتها، ولتدفن احلامها، وكل هذه الخيلات الغبية، لتعي جيدًا بوضعها في هذا العالم القاسي، الذي لا يرحم ولا يتوانى عن الخوض في الشرف والعرض.
– انتي لسة نايمة يا صبا؟
تفوهت بها زبيدة وهي تقتحم الغرفة، تضغط على القابس الكهربائي لتشعل زر الإضاءة، وتابعت بخطواتها نحو الفراش حاملة بيدها كوب لمشروب ساخن مرددة:
– جومي يا بتي اشربي كوباية الاعشاب دي وهي سخنة عشان بطنك تخف.
قالتها زبيدة بناءًا على الحُجة التي اخبرتها بها ابنتها، فور عودتها من العمل مبكرًا عن أي يوم، والتي حاولت اسفل الغطاء تجفيف دمعاتها جيدًا، قبل أن تعتدل، لتتناوله منها غير قادرة على التفوه بكلمة.
تمعنت زبيدة بها النظر لتعلق بارتياب:
– هو انتي كنتي بتبكي ولا ايه؟ لدرجادي انتي موجوعة يا بتي، طب ما نطلبلك دكتور يشوفك ولا اروح بيكي المستشفى……
قاطعتها صبا سريعًا:
– يامة انا هخف من غير ما اروح لدكتور، بس انتي سيبيني اريح دلوك الله يخليكي.
تراجعت زبيدة قائلة باستسلام تنفيذًا لرغبتها:
– طيب يا بتي، مع اني مش مستريحة لمنظرك ده، دا انتي حتى مغيرتيش هدمتك اللي رجعتي بيها
اومأت بمهادنة حتى تنهي الجدال:
– حاضر هجوم واغير دلوك ان شاء الله، بعد ما اشرب الاعشاب اللي سوتيها، روحي انتي شوفي وراكي إيه، متربطيش نفسك بيا.
زفرت مذعنة لطلبها على مضض، ولكن وقبل أن تصل لباب الغرفة، التفت مرة أخرى على نداءها:
– هو ابويا لسة في الشغل يامة؟
ردت زبيدة وهي تضع يدها على عتلة الباب قبل فتحه:
– لا ما هو جاي بدري النهاردة، اصل خواتك الولاد اتصلوا بيه وجالوا انهم ركبوا ع الفجر ونازلين، سبحان الله، جاين كدة فجأة ومن غير ميعاد كمان، يتحسدوا.
قالتها بعفوية وخرجت من الغرفة ، تاركة صبا تردد بقلب يرتجف:
– حجازي وفراج نازلين كمان، كملت يا صبا، كملت يا بت ابو ليلة.
❈-❈-❈
بجناحه الخاص بالقصر، وقد كان على وشك الخروج لعمله بعد ان اتم ارتداء ملابسه وتأنق امام المراَة كطاووس مغتر بجماله وهيئته البراقة، يُمني نفسه بالسعادة، وقد وضع بعض الخطط التي سوف يسير على نهجها من اليوم في طريق تحقيق غايته، أجفل فجأة باندفاع باب الغرفة بعنف ليلج إليه شقيقه بهيئة تختلف تمامًا عن طبيعته الراقية:
– إيه ده يا مصطفى؟ في حد يفتح على بني أدم بالشكل ده؟ دي مش عوايدك دي؟
تسائل بها مندهشًا قبل أن يباغته الاَخر بصيحة غاضبة:
– واراعي ليه الأصول مع واحد مبيفهمش في الأصول؟
ليه امشي بأخلاقي مع واحد معندوش أخلاق؟
ردد بذهول، لا يستوعب هذا السباب الغير مبرر على بكرة الصباح وبدون أدنى ذنب:
– إيه يا بني الشتيمة دي كلها؟ جرا إيه لدا كله؟ هو انت حلمت بيا بشتمك ولا بقتلك قتيل؟
– لا يا حبيبي مكانش حلم، دا كان حقيقة زي الزفت وصحيت عليها، تقدر تفهمني مين البت دي اللي معاك في المطعم؟
هتف بالاَخيرة، رافعًا شاشة الهاتف أمام انظاره، فتوسعت عيني الاَخر مصعوقًا بما يراه، وما دون من كلمات أعلى الصورة كان يقرأها سريعًا بعدم استيعاب، قبل أن يجفله الاَخر بسحب الهاتف مستطردًا:
– انا كان قلبي حاسس على فكرة، بس مكنتش اتصور انها توصل بيك لدرجادي، كان بيوصلني اخبار عن نزواتك وعلاقاتك مع مومس وستات زي الزفت، بس انا كنت بفوت واديلك العذر، عشان اتجوزت على مزاج الست الوالدة، واتحملت المسؤلية صغير، ملحقتش تعيش المغامرة ولا تعمل زي باقي الشباب.
انا كنت بصبر نفسي ومنتظر انك تفوق وترجع لولادك، مش تعمل زي العيال المراهقين، توعد البنات الصغيرين وبعدها تخلف زي الجبان .
توبيخه القاسي اثار استفزازه ليردد بغضب وعدم تحمل:
– مين دا اللي يخلف زي الجبان؟ انا هتجوز صبا بجد، ومش هسمح لأي حد يمسها بكلمة.
افتر ثغر الاخر بضحكة خالية من أي مرح يعقب ساخرًا:
– لسة مش هتسمح؟! دا مصر كلها ماسكة سيرتها النهاردة، ع العموم أحسن عشان اللي تسمح لنفسها تشاغل واحد متجوز تستاهل كل اللي يجرالها.
– متقولش عليها كدة يا مصطفى، انا مسمحلكش.
صرخ بها بملامح مشتدة، ارتسم عليها الغضب بقوة، اثار انتباه شقيقه ليطالعه سائلًا:
– ومراتك وولادك، هتسيبهم في تركيا؟ خلاص البنت دي ضحكت عليك وخليتك تنسى لحمك كمان؟
تغلف وجهه بغموض ليردف بلهجة لم يفهمها شقيقه:
– ان كان على مراتي فهي اختارت لوحدها وقصرت عليا المسافة، أما عن ولادي فدول هيبقوا عندي في غضون أيام، من غير تنازل ولا مساعدة من حد، انا هتجوز الانسانة اللي حبيتها، واعيش حياتي معاها ومعايا ولادي كمان.
ضاقت عيني مصطفى يرمقه بعدم ارتياح، هذه الثقة المبالغ فيها، تُنذر بمصيبة خلف تدبير ما، يبدوا أن الأمر أسوء كثيرًا مما كان يتصور، تحركت اقدامه بيأس، يشعر بثقل يضاف على كاهله، ف البحث في هذا الأمر اصبح ضرورة ملحة، لدرء الخطر قبل وقوعه.
استدرك فجأة ليعود إليه سائلًا :
– طب انا نسيت اسألك، هتعمل ايه مع الست الولدة لما تلاقيك بتستبدل ميسون بنت الأصل العريق، بموظفة غلبانة بالفندق عندك، ولا الناس اللي مسكت سيرتها، هتوقفهم ازاي؟
بتفكير سريع وعنجهية متوارثة يستحضرها بقوة حينما يضيق الخناق عليه:
– لو كان على الست الوالدة، فدي تعبانة اصلًا، ومش بتابع أي أخبار غير عن طريق الجليسة بتاعتها، يعني سهل أمرها، أما بقى لو على الناس، فدول اساسًا بينسوا أي حاجة بسرعة، هي مدة من الزمن اخفي فيها جوازي، وبعدها اظهروا للعلن بعد ما اخليها تبقى حاجة تاني ومناسبة لعيلة عزام.
– يعني تتجوزها في السر…. وانا اللي ظنيت لدقيقة انك اتغيرت.
قالها مصطفي بخيبة أمل، ثم ذهب مغادرًا الغرفة والقصر كله
❈-❈-❈
على سطح اليخت وخلف السياج المعدني، كانت تقف موالية له ظهرها، ممدة ذراعيها للهواء الطلق، والمشهد الساحر يخطف قلبها لتنسى معه هواجسها، والمخاوف التي كانت تكبلها وتمنع عنها الحياة بصورة طبيعية، ثم تعود اليها الاَن بأجمل صورها، تركت لنفسها العنان في الاستمتاع بهذه اللحظات القليلة، مرجئة الحديث عن أي شيء يقلقها.
من خلفها كان خارجًا من باب المقصورة يحمل بيده كأسين من مشروب فاخر، ككل شيء من حولهما، يسير بتمهل ويطالعها كالفهد بنظرة ثابتة، يكمن خلفها العديد من الوعيد، هتف يواصل تمثيل دوره:
– قلبي بقى، ملكة جمال واقفة في مملكتها.
التفت اليه بوجهها الذي كان مشرق بالفرح، تطالعه بامتنان شديد، حتى إذا اقترب لفت ذراعيها حول خصره وظهره، تضمه إليها باشتياق وعشق مرددة:
– أنا بحبك اوي يا كارم، انت أحلى حاجة في حياتي.
ضحك يدعي متفاجئًا بتهورها الذي كاد أن يسقط منه الكأسين:
– طب حاسبي شوية المشروب هيدلق على هدومك.
تراجعت لتتناول كأسها، وتردد ضاحكة بعدم اكتراث:
– مش مهم، انا النهاردة مش هيهمني ولا هزغل على أي شيء، مهما حصل.
ارتشف من مشروبه يعلق على قولها:
– لو اعرف ان اليخت هيبسطك لدرجادي، كنت عملتها من زمان.
هي أيضًا حاولت الارتشاف، ولكنها ابعدت الكأس سريعًا عن فمها، لتقول بمرح:
– حراق اوووي….
قالتها ثم عادت الكرة باحتساء المزيد، تتابع بشقاوة:
– بس لذيذ، وانا بحب أوي طعم المغامرة في الحاجات دي. Thank you, my life، دايمًا فاهم دماغي.
اومأ برأسه يلعق بلسانه المتبقي على شفتيه، يتقبل دلالها عليه بصدر رحب، ليميل بعد ذلك هامسًا بإغواء:
– بقولك ايه ما تيجي افرجك على باقي الغرف جوا.
تبسمت بمكر، تطالعه بأعين كاشفة لتقول:
-تفرجني برضوا!
غمز بطرف عيناه قبل أن يقبض على كفها، متحركًا بها دون انتظار، استجابت لسحبها تقول محذرة:
– بس خلي بالك مش هنتأخر، انا عايزة اكون في القاهرة قبل المغرب.
❈-❈-❈
بعد قليل
وبداخل إحدى الغرف المخصصة للنوم كان معها على التخت يقبلها ويداعبها بلمساته الجريئة حتى استجابت معه، واندمجت في سحر اللحظة، قبل أن ينتفض فجأة لينهض من جوارها، قائلًا بمرح:
– عندي ليكي فيديو يجنن، هتنبسطي أوي لما تشوفيه.
– فيديو ايه؟
تسائلت بها وهي تجده يتناول جهاز التحكم بشاشة التلفاز الكبيرة والملتصقة بالجدار المقابل للتخت ، نظرت نحو المعروض أمامها، لتصعق جاحظة العينين، برعب ارتعدت له فرائصها، وكأن الشلل أصاب قدميها والباقي من أعضائها، فقد تمكنت بصعوبة من تحريك رقبتها نحوه، تطالعه بوجه شاحب كشحوب الموتى، لسانها التصق بسقف حلقها الذي جف، فاقدة القدرة على النطق، وبهدوء ما يسبق العاصفة، غمز لها بابتسامة مريبة يقول:
– ايه رأيك؟ جامد صح؟ مكنتش اعرف ان الفرجة كمان ليها متعة…….
توقف يراقب وقع المفاجأة والجزع الذي ارتسم جليًا على ملامحها ليتابع مائلًا بجسده نحوها:
– واضح ان انتي كمان كنتي بتتسلي بالفرجة، يا ترى عندك فيدوهات تانية مسجلة فيها انجازات حبيبك؟
ابتعلت لتجسر نفسها وقد اجبرها الموقف على مواجهة مناقضة على الإطلاق لكل ما كانت تخطط له طوال الايام السابقة، فخرج صوتها بصعوبة قائلة:
– ما انت فتحت اللاب بتاعي وخدت منه الفيديو، يعني أكيد لو في حاجة تانية…. كنت هتعرفها.
ذهب عن ملامحه العبث، وحل محلها الصورة المخيفة، يذكرها بالذي يحدث في الروايات الشهيرة، عندما يتحول الوجه الوسيم لذئب بشري في ليلة اكتمال القمر.
وبدون استئذان باغتها بأن انقض فجأة يقبض بكفه على عنقها، لتعود بظهرها مستلقية على الفراش مجبرة وهو اعلاها يزأر كالوحش:
– بتصوريني أنا يا رباب، كارم ابن اللوا فخر، يتسجلوا فيلم اباحـي من مراته، أنا يا رباب.
لم تكن قادرة على الرد وهو واصل بوعيده:
– دلعتلك وعيشتك ملكة، عملتلك قيمة قدام الناس كلها وانتي بتعلبي بوساخة من ورا ضهري، مع انك عارفة اوي بحجم الخطورة في اللعب مع واحد زيي، حفرتي قبرك بإيدك ، انا هدوقك من العذاب الوان بس اعرف الاول عملتيها ازاي ومين اللي ساعدك، قولي بسرعة قبل ما اخلص عليكي او ارميكي حية في البحر تصارعي الامواج مع سمك القرش، ما انا جيبتك مخصوص في المنطقة المحظورة يا قلبي عشان كدة، قولي…
بصيحته الأخيرة، صرخت تجيبه بقهر:
– خلص عليا واحرم ابني مني يا كارم، ما انت ظالم ما بتشوفش غير نفسك وصورتك اللي بتخاف عليها، بتعاقبني عشان صورتك في وضع مخل، والوضع ده كان في خيانتك ليا، انا صورتك وانتي بتخوني يا استاذ، بتسأل مين ساعدني، وانا بقولك اهو عملتها لوحدي.
من قبل ما اتجوزك وانا عارفة بعلاقتك بيها من كاميليا، وبعد الجواز اتأكدت بنفسي لما راقبت وشوفت بعيني المكان اللي بيجمعكم.
انخفض صوتها لتردف بألم الذكرى:
– انا عملت نسخة بمفتاح الشقة وكنت في كل مرة بوعد في نفسي ان اطب عليكم واكشفكم، ارجع زي الجبانة وافتكر وضعي معاك وانا وحيدة ومليش سند وانت مبترحمش، النار كانت بتحرقني وانا واقفة عاجزة عن ممارسة ابسط حقوقي في ان اعترض عن خيانتك ليا، وفي الاخر ملقتش قدامي غيرها، عرفت الميعاد اللي هتتقابلوا فيه، وسبقتكم وحطيت الكاميرا في اوضة النوم في مكان مداري……
توقفت لتجهش ببكاء حارق، فكان صوتها يخرج باختناق أثر به حتى كانت يديه ترتخي لا شعوريا، رغم احتفاظه بجموده وهو يتابعها تردف:
– عارف يعني ايه اشوف خيانتك ليا وانا بوقي مقفول ومش قادرة انطق ولا اتكلم، يستحيل هتعرف بالاحساس ده عشان عمرك ما كنت مكاني، انا كنت هموت لو فضلت كدة ساكتة، ملقتش قدامي غيرها، واجهتها وخليتها تشوف عملتها بعينها، امرتها تبعد عنك يا إما هفضحها، دا غير ان ابتزاتها وخدت منها فلوس.
ردد بعدم تصديق:
– خدتي منها فلوس كمان، دا انا نايم على وداني بقى.
عادت لتصرخ به بقوة ما يجيش بداخلها:
– ايوة خدت فلوس عشان اعورها زي ما عورتني، اخليها تعيش ايام سودة زي اللي انا عيشتها، عارفة اني غلطانة، بس دي كانت الطريقة الوحيدة قدامي عشان اخد حقي منها.
انهت حديثها لاهثة، مستنفذة تمامًا، وقد افضت بكل ما كان يعتمل بصدرها، وظل هو على وضعه، لا هو بقادر على الاستمرار في ما كان يخطط له في عقابها، ولا بقادر عن التغاضي، تمنعه طبيعته المتعالية وكبرياءه عن أظهار الضعف او اعطائها الحق في شيء شنيع كهذا.
وتبقى حديث الأعين هو سيد الموقف لبعض الوقت، قبل أن ينتفض رافعًا كفيه عنها، لينهض بغضبه ويتركها على تختها، تغرق في موجة عنيفة أخرى من البكاء
❈-❈-❈
للمرة الألف يحاول في الاتصال بها، وهاتفها المغلق يزيد من صعوبة الأمر عليه، لقد حسم امره، وتحرك تارك الفندق ويوم عمله ليعود بسيارته سريعًا إلى البناية التي تجمعه بها كجيران، خرج من المصعد وابصاره تركزت على باب شقتها، يريد الوصول إليها، كيف له أن يفعل؟ ولا يوجد أدنى صلة قرابة تمكنه من ذلك، اين يجد الحُجة التي يأخذها ذريعة لاقتحام المنزل؟
ليتها انتظرت قليلًا، ليته لحق بها قبل أن تغادر الفندق والعمل كله، يموت من القلق والخوف عليها ولا يجد الطريقة التي تمكنه ليطمئن
كان واقفًا بوسط الطرقة الفاصلة بين الشقتين، وعقله المشتت يدور في كل الإتجاهات، لابد له من طريقة، وبفكرة مجنونة تحرك نحو شقتها، وضع يده على الجرس، ضاغطًا عليه بدون تفكير، وانتظر لحظات مرت كالدهر حتى فتحت له زبيدة، تخاطبه باستغراب
– شادي! يا اهلًا يا ولدي، مرحب.
رد بأعين زائغة تبحث من خلفها عنها او حتى ظلها:
– يا أهلا يا خالتي زبيدة، عاملين ايه؟ هو عمي مسعود موجود؟
هيئته الغريبة ادخلت الريبة في قلبها لترد سائلة بمزيد من الدهشة والقلق:
– عمك مسعود زين والحمد لله، بس هو في الشغل دلوك، ولا انت عايزه في حاجة مهمة؟ لتكون الست الوالدة تعبانة ولا حاجة؟
نفى سريعًا برأسه يجيب بصوت واضح علّ الأخرى تسمع:
– لا لا يا خالتي متقلقيش، ماما كويسة والحمد لله، بس هي…. رحمة، رحمة اختي كانت طالبة تشوف صبا في حاجة مهمة تخصها، وزي ما انتي عارفة هي مش قادرة تقوم من مكانها، مش هي برضوا رجعت من شغلها بدري .
اومأت بتفهم لتجيبه بعفوية:
– ايوة يا ولدي فهمتك، بس صبا لسة تعبانة، دي رجعت بدري ولساها متلخمدة جوا على سريرها، أول ما ترفع رأسها وتقوم هجولها تروحها على طول، متشغلش نفسك.
تغاضى عن كل ما سبق ليردد بقلق :
– تعبانة؟ يعني هي بجد تعبانة؟ ايه تاعبها؟
تخضب وجه زبيدة بحمرة الخجل، غير متحمسة على الإطلاق لاجابة السؤال المحرج، فقد ذهب ظنها ان ما اصاب ابنتها هو بفضل عادتها الشهرية، ولكن مع اصراره وهذه البلاهة التي اعتلت تعابيره، اضطرت لمهادنته بتهرب حتى تصرفه:
– خير يا ولدي ان شاء الله، متجلجش نفسك، بلغ رحمة اني هخليها تجيلها اول ما تجوم.
زفر متراجعًا بيأس وقد افحمته السيدة، متفهمًا امتعاضها من الحاحه، ابتلع ريقه يقول بقنوط:
– طيب ياريت ما تنسيش، أو حتى خليها تفتح التليفون على الأقل.
– من عنيا الجوز يا ولدي ولا يكون عندك فكر، انا كمان لولا بس مشغولة النهاردة لكنت جيت معاك دلوك حالًا واطمنت.
قالتها زبيدة وهي تتحرك بالباب لتغلقه، لتردف اخيرًا بابتهاج وكأنها تبشره:
– اصل النهاردة ولادي الجوز نازلين من الصعيد، وبعملهم لجمة يرموا بيها عضمهم.
نزل عليه الخبر كالصاعقة، ودوار قد لف رأسه على الفور، ليرد بقلة حيلة مستنبطًا سبب الزيارة المفاجئة :
– الله يسلمهم.
قالها وتحرك يجر اقدامه، ليبتعد بخاطره عن الشقة، قبل أن تطرده المرأة بنفسها، لتظل روحه معلقة بمن ملكت فؤاده داخلها، الأمر يزداد سوءًا وهو كالعاجز، ينهشه الخوف عليها كوحش مفترس، رفع رأسه للسماء يبتغي الوسيلة والدعم من خالقه، ثم ما لبث أن يتغير كل ذلك مع فتح باب المصعد وخروج من كانت سببًا في العقدة اولا، كما يبدوا الاَن أن بيدها الحل ايضًا.
برؤيتها شعر بالأكسجين يدخل اخيرًا صدره ليتمتم كالغريق الذي وجد طوق نجاته بعد معاناة:
– موددة.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تجمعه بها، بعد ان اصطحبها لمصلحته الحكومية، حتى تنهي اجراءات عقد استلام المشروع الجديد، هتفت باستهجان يشوبه الغضب، بعد ان فتحت هاتفها ورأت الخبر:
– يا نهار اسود هي حصلت؟ دا ايه المصيبة دي؟
عقب مجفلًا لما تفوهت به:
– مصيبة ايه يا شهد كف الله الشر، ايه اللي حصل؟
ردت ترفع الهاتف امام أنظاره مرددة باستنكار:
– اتفضل شوف بنفسك، بقى صبا اللي كل الناس تحلف بجمالها وأدبها ينقال عليها كدة؟ دا عم ابو ليلة لو عرف مش بعيد تجراله حاجة، يا نهار اسود لو حاجة زي دي وصلتله بجد؟
بنظرة خاطفة نحو الشاشة فهم ما تقصده، ليرد وبرأسه يعود للقيادة والنظر للطريق الذي تقطعه السيارة:
– أكيد دا تخريف طبعًا، البنت دي في منتهى الاحترام، دا كفاية انها بنت ابو ليلة.
– انا خايفة عليها وعلى والدها أوي يا حسن، دول جماعة صعايدة وميتحملوش حاجة زي دي.
قالتها بصدق ما تشعر به نحو الرجل الذي لطالما غمره برعايته، وابنته التي لطالما كانت بمثابة الشقيقة الأخرى لها.
خاطبها حسن مهونًا:
– أكيد ربنا هيقف جمبها يا شهد، كوني واثقة من كدة.
اومأت بقلق لتتناول هاتفها مرة أخرى قائلة:
– أنا هتصل بابو ليلة، لازم اشوف اخباره ايه؟
تركها حسن مستمرًا في قيادته، يتابع محاولاتها التي تكررت مرتين في الاتصال به دون إجابة، لتطالعه بشك مرددة:
– مرتين اتصل بيه وميردوش يا حسن، معقول يكون عرف؟
تحركت رأسه بدون معنى، لينكر رغم الشك الذي اصابه
هو الاخر:
– أكيد مش فاضي، مش لازم ظننا يروح لحاجة وحشة يا حبيبتي.
سمعت منه لتبتلع ريقها بعدم ارتياح، ومقلتيها تدور بتوتر وحيرة قبل أن تحسم:
– بقول ايه يا حسن، انا مش هطمن غير لما اشوف بنفسي، كمل جميلك ووصلني لبيت ابو ليلة .
اعترض يذكرها:
– طب والعزومة يا شهد، هو انتي ناسية اننا رايحين دلوقتي على بيت اهلك نوصل الجماعة.
ردت بحزم وعدم قدر على الصبر:
– تتأجل ساعة ولا ساعتين يا حسن، سوق بينا الله يخليك محدش ضامن الظروف.
اطلق تنهيدة مطولة ليردف باستسلام:
– امرك يا ستي، تستنى العزومة وانا هتصل بماما ابلغها.
❈-❈-❈
تسائل حمدي يردد بالسؤال مندهشًا لطلب رئيسه، يناظره بشكٍ لم يقوى على إخفاءه:
– نعم! بتقول مين يا باشا؟
زفر عدي يعيد القول رغم انزعاجه لمجادلة الاَخر له:
– انت سمعت كويس، فبلاش تستعبط يا حمدي، انا عايزك توصلني لبيت صبا، اكيد انت تعرف الاماكن دي بحكم صداقتك لشادي.
بضغط شديد، كان الاَخير يكبح جماح نفسه عن الرد بما قد يتسبب في قطع عيشه، يستفزه هذا الاصرار الغير مبرر لزيارة الفتاة، متجاهلًا بغباء بما قد يضر بسمعتها في يوم كهذا والاشاعات والأقاويل التي تحاك ضدها
اطال بصمته حتى جعل الاَخر يهدر بغضب:
– في ايه يا حمدي؟ واقف مبلم كدة ليه؟ هي القطة أكلت لسانك؟ ما ترد.
زفر بداخله ليرد بنوع من المنطق علّه يسمع او يفهم:
– يا عدي باشا افهمني، احنا مينفعش نطب ع الناس كدة من غير ميعاد ولا سابق معرفة، طب هنروح بسبب ايه، متأخذنيش يعني، حضرتك باشا وليك اسمك، وزيارتك ليها ألف حساب.
ابتلع لينفي عنه الحرج، يدعي المروءة بقوله:
– كلامك معقول طبعًا، بس انا عايز اروح لأهل البنت وابين حسن نيتي، انت أكيد وصلك الضجة اللي ع الصفحات عني وعنها من امبارح، البنت ما عملتش حاجة وانا عايز ارفع عنها اي اساءة.
– تبين حسن نيتك؟!
غمغم حمدي بالكلمات الغريبة بداخله ليخرج سؤاله بتوجس:
– طب انا اسف حضرتك في السؤال، بس انت هتبين حسن نيتك ازاي يعني؟
سأله بنوع من الحدة لم يغفل عنها عدي، ولكنه تغاضي ليرد بتعالي:
– وانت مالك؟ انت اخرك توصلني البيت هناك، وانا بقى اتصرف معاهم، ان شالله حتى اطلب إيديها للجواز.
زاد الحنق بقلب الاَخر، وقد وضحت امامه الصورة كاملة، ليرد بتهكم مقصود، ورفض قاطع في ان يشارك هذا العبث وأذية أعز الناس إليه بهذا الفعل، صديقه شادي:
– تطلب ايديها للجواز كمان؟ دا كرم بالغ منك يا فندم، بس للأسف انا مش هقدر احضر معاك، عشان عندي ظرف قهري يمنعني، بس ممكن ارشحلك حد يوصلك طبعًا، أنت تؤمر.
❈-❈-❈
الانتظار هو اصعب ما يمر به الانسان، بتوقع السوء او المصيبة التي على وشك الحدوث، وهي انتظرت وانتظرت كثيرًا، رغم علمها بطول المسافة التي يستغرقها القطار من الصعيد إلى القاهرة، ولكن اليأس والشعور بالظلم جعلها مستسلمة لكل ما هو اَتي، هي حرة ولا تقبل ان يمس جلبابها طرف غبار، ترفع اسم والدها معها اينما ذهبت كتاج يزين رأسها ولابد أن تحافظ عليه، تُحمل نفسها الخطأ بثقتها في البشر، وهذه الأحلام الغبية بحياة افضل، كانت تظن بسذاجة أنها قد تحدث، ونست ان الحظ لم يكن أبدًا حليفها.
رفعت رأسها منتبهة لهذا الطرق الغريب على باب غرفتها، والذي اندفع للداخل ببطء، حتى أطلت عليها برأسها، وهذه الابتسامة البريئة رغم كل الأخطاء بشخصيتها:
– مساء الخيييير.
شهقت متمتمة بمفاجأة وعدم تصديق:
– مودة! معقول؟
خطت لتلج إليها مرددة:
– وليه مش معقول؟ لدرجادي كان مستحيل يعني؟
قالت الأخيرة لترمي بثقلها على السرير بجورها، ثم تضمها بعناق قوي تعدى الصداقة، حتى صار كالآخوة بعد فعلتها الاخيرة ووقوفها معها في أصعب محنة مرت بها، على طول سنوات عمرها القصيرة.
تلقفت صبا الدعوة وكأنها وجدت المأوى لإفراغ الدموع مع من سيتفهم وضعها.
اجهشت بالبكاء المرير، حتى رفعت مودة رأسها إليها بدعم قائلة:
– ليه العياط والدموع دي يا صبا؟ انتي قوية ومحدش يقدر يمسك بكلمة، متخليش كلام الهبل ده يأثر فيكي.
رد بضعف وصوت مهزوم من بين دموعها:
– لأ في يا مودة، ومدام دخلتي في الموضوع على طول، يبجى انتي كمان عارفة، امتى طلعتي من السجن؟ وامتى عرفتي بخيبة صاحبتك؟
اقتربت تقبلها اعلى رأسها، قبل أن تعتدل لتضمها بذراعها على كتفيها تخاطبها بمؤازرة:
– ما اسمهاش خيبة، دي اسمها غيرة وحقد، من ناس لا يعرفوا ربنا ولا الدين، صفحتك بيضة يا صبا، ومحدش ابدًا هيقدر يلوثها، واللي عملت كدة ربنا بيجازيها ولسة ياما هتشوف.
– انتي قصدك على مين؟
سألتها صبا وقد انتبهت جيدًا لما تفوهت به الأخرى، والتي تابعت تضيف:
– مش محتاجة زكاء يا صبا، انا دلوقتي بس فهمت كل حاجة والملعوب اللي اترسم عليا وعليكي، وانتي بنقاءك ده ربنا نجاكي وحفظك من كل شر.
احتدت صبا بالنظر إليها، وكل ما تردف به، يزيد من دهشتها وارتيابها، فخرج سؤالها بشي من الانفعال:
– مودة، لو عارفة حاجة جوليها، ما تسبنيش كدة انا على اخري.
وعلى عكس المتوقع، ردت الاَخيرة بابتسامة تزين ثغرها:
– هقولك وافهمك على كل حاجة، بس المهم دلوقتي هو الرسالة اللي لازم أوصلهالك……
طالعتها باستفسار، فتابعت لها بمزيد من المرح:
– مستر شادي، بيبلغك انه معاكي وفي ضهرك، دا غير انه وصاني ابلغك بالكلام اللي هترودي بيه قدام ابوكي واخواتك لما يجوا يسألوكي.
اصابها الذهول حتى رددت بكلمات غير مترابطة:
– انتي بتجولي ايه؟ شادي جارنا! اخو رحمة! جالك كدة وعارف كمان بموضوع خواتي؟
توسعت ابتسامة مودة لتقسم لها مؤكدة:
– والله زي ما بقولك كدة، دا بيتصل بيكي من الصبح عشان يكلمك بنفسه، وما صدق شافني دلوقتي وانا جيالك عشان يخليلني اوصلك كلامه وافهمك.
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)