روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل العشرون 20 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل العشرون 20 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء العشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت العشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة العشرون

الفصل العشرون
في غرفة المكتب التي كانت تضمهم بعد الانتهاء من مناقشة عدد من الموضوعات الهامة والمطلوبة لشراكتهم، ترك كل شيء ليجلس في الركن الخاص من المكتب كي يحتسي مشروبًا باردًا، بذهن شارد، يستجيب بردود مقتضبة على أسئلة كارم التي لا تنتهي، حتى مل الاَخر ليعبر عن اعتراضه:
– في أي يا عدي؟ ما تركز معايا يا اخي، احنا بنتناقش يا بني، يعني تاخد وتدي معايا، دي صفقات بملايين.
زفر الاَخر بقوة قائلًا بسأم:
– ملاين ولا ملاليم، ما تتصرف يا كارم بالسلطة اللي في إيدك، انا واثق فيك يا سيدي.
– حتى لو واثق فيا، انا برضوا عايز رأيك وخبرتك في العمل مع مصطفى اخوك، دا جينيس يا بني، بيتكسح في أي موضوع يدخله.
بابتسامة غير مبالي:
– يا عم ما يكتسح زي ما هو عايز، طالما بعيد عن مجالنا ، احنا مالنا .
– مالنا بيه ازاي؟!
هتف بها كارم ليتابع وهو ينهص عن مكتبه لينضم معه في الركن الخاص:
– انت ناسي انه مشارك جاسر الريان والمجموعة بتاعتهم في المعمار بننافس اكبر الشركات في البلد، ولا اكمن احنا لسة صغيرين مش حاسبها دي .
قلب عينيه عدي قائلًا بعدم احتمال وقد فاض به:
– يادي جاسر الريان، يا كارم اهدى شوية احنا مش صغيرين يا حبيبي، بالنسبة للوقت القليل اللي اشتغلنا فيه، والصفقات اللي خدناها، احنا مش قليلين على الإطلاق، بس مش في يوم وليلة يعني هنوصل للمنافسة قدامهم، مجموعة الريان سابقاك بزمن.
رد كارم بقنوط وهو يدفع القلم من يده ليعود بظهره على الكرسي:
– عارف ياسيدي عارف، انا بس الحماس هو اللي واخدني، وعايز احصلهم بقى.
– هتحصلهم وتسبقهم كمان يا حبيبي اطمن.
قالها عدي وهو يعود لمشروبه بشرود، مما جعل كارم الذي أنتبه عليه، أن يسأله بفضول:
– شكل دماغك مش ريقالي خالص النهاردة، أنا مش فاهم يا بني، هو إنت إيه اللي شاغلك بس؟
تطلع إليه بنظرة فهمها كارم ليتابع بفراسة:
– البنت أياها صح؟ يا بني ارسالك على حل معاها بقى، انجز عشان تفوقلي، النسوان بتروح وتيجي، اهم حاجة الشغل.
سمع منه عدي وتغيرت ملامحه بنظرة مبهمة، وكأن الكلمات لا يتقبلها، أو هي عكس ما يريده!
❈❈-❈
قالت ميرنا وهي تدفع الباب الزجاجي للمطعم الذي حجزت به مسبقًا للإحتفال بعيد ميلادها المزعم، بصحبة الفتيات مودة وصبا التي ترافقهن على مضص:
– ادخلوا يا بنات ادخلوا، خلونا نلحق ترابيزتنا.
عقبت مودة بالإنبهار كعادتها:
– يا لهوي يا ميرنا، دا المكان باين عليه غالي أوي هندفع تمنه منين؟
بابتسامة واثقة ردت ميرنا:
– يا حبيبتي متشليش هم فيها دي، انا متكلفة بكل الفلوس، انتو بس عليكم تنبسطوا وتروقوا نفسكم.
صبا والتي كانت تتفقد المكان حولها بتفحص اثناء السير، سألتها بتوجس:
– وانتي هتجيبي منين؟ انا اعرف إن الاماكن دي، بتبقى الأسعار فيها خيالية، وانتي بتقولي حاجزة .
– أيوة حاجزة ودافعة كمان، دي هي ليلة، شالله محد حوش.
قالتها ميرنا لتهلل مودة بمرح:
– أيوة بقى خلينا نهيص كدة ونفرفرش يا قمر.
برد سريع من ميرنا، وهي تضمها من كتفيها:
– فرفشي وانبسطي على كيفك يا قلبى انتي، انا بعتبركم زي خواتي يا بنات، ربنا يخليكو ليا.
اغتصبت صبا نحوهن ابتسامة بصعوبة لتعلق بنصح:
– حلو جو الأخوة ده، بس ياريت نقلل العواطف شوية واحنا داخلين، الناس عيونهم علينا .
اجفلت ميرنا لفعل صبا الصارم رغم ابتسامتها، لتزعن مضطرة تاركة مودة التي قالت متفكهة:
– اه صحيح يا ميرنا، خلي بالك، العسكري صبا معندهاش الكلام ده.
بابتسامة جانبية رمقتها الأخيرة، لتغمغم ميرنا داخلها نحو الأعين المصوبة نحوهن، بتركيز نحو صبا:
– عسكري! وهو في عسكري بيخطف عيون الناس كدة!
❈-❈❈
أمام باب المنزل وقف متأفافًا ليزفر بضيق وهو يضغط على الجرس، بعد أن أخبرته والدته بضرورة الدواء، رافضة كل الحلول المقدمة لأن يأتي به أحد غيره، إن كان عسكري الخدمة في سيارته، أو حتى حارس البناية هنا، وفي كل مرة لا تغلب في حجة حتى اضطرته للمجيء بنفسه.
وصل لأسماعه الصوت المألوف من داخل المنزل وهي تهتف من قريب:
– خلاص يا ماما هشوف أنا من ع الباب حاضر.
وصلت إليه العبارة قبل فتح الباب مباشرةً ليجدها أمامه بهيئتها اللعينة الجميلة، رافعة شعر رأسها لأعلى بفوضوية، لتُظهر طول عنقها وملامحها الأوربية الفاتنة بملابس بيتية راقية، تبًا لها، لقد كانت تتحداه بوقفتها صامتة حتى على باب منزلها:
– أهلًا.
قالتها باقتضاب ليناظرها من تحت أجفانه من علو مرددًا خلفها:
– أهلًا.
– اتفضل يا حضرة الظابط.
قالتها بتمهل تتكئ على أحرف الكلمات بشكل لم يعجبه، ليرد عليها بنفس الوتيرة:
– شكرا.. يا اَنسة
– هو أمين اللي وصل عندك يا لينا؟
صدرت بصوت والدته من الداخل، ليسبق الأخرى بالرد :
– انا جيبتلك الدوا يا ماما تعالي خديه.
– كدة ع الباب! ميصحش يا حضرة الظابط، اتفضل .
قالتها لينا وهي تتزحزح من أمامه لتُعطيه المساحة كي يدلف، خطا خطوتين بعجرفة دون النظر إليها، ليُخفي حرجه، حتى إذا وقعت عينيه على والدتة التي كانت جالسة بوسط الردهة لوح لها بالكيس البلاستيكي الذي يحتوي على علب الدواء، لتهتف إليه بصوت واضح وهي تترك طبق المسليات من يدها على ذراع الأريكة :
– عايزني أجي عندك، طب استنى دقيقة على ما اقدر اقوم.
قالتها لتهم بالنهوض ولكن أنيسة التي كانت خارجة من المطبخ، تحمل بيدها طبقًا كبيرًا من الطعام أوقفتها:
– تقومي فين يا ست مجيد؟ ما تقدم يا بني برجلك شوية هو انت غريب؟ أتفضل يا حضرة الظابط.
تطلع نحو المرأة الشقراء ليستنتج مع هذا الشبه القوي بدون تفكير صفتها، تحمحم يقول بحرج:
– يزيد فضلك يا هانم، بس معلش خليها مرة تانية،
اقتربت أنيسة باعتراض تجادله:
– لا طبعًا مرة تانية دا إيه؟ اتفضل يا بني حتى ولو دقيقة، أنا أنيسة والدة لينا .
قالت الأخيرة وقد امتدت يدها لتصافحه، على الفور بادلها المصافحة بابتسامة قائلًا:
– أنا عرفتك اساسًا من الشبه، تشرفنا يا هانم .
– الشرف لينا يا حضرة الظابط، اتفضل بقى مينفعش التعارف ع الواقف.
ود تكرار اعتراضه وقد انتقلت أنظاره نحو والدته التي كانت جالسة بأدب، تدعي البراءة، ليضطر ويستجيب لإلحاح المرأة.
عقبت لينا من خلفه بلهجة متهكمة:
– البيت نور يا حضرة الظابط .
رمقها بنظرة حانقة قبل أن ينتبه على شهد التي كانت جالسة بالقرب ليسألها بمودة صادقة:
– عاملة ايه النهاردة يا شهد؟
برقة أجابته مبتسمة:
– الحمد لله كويسة، الف شكر على سؤالك.
– لا العفو يا ستي، هو السؤال محتاج شكر؟
قالت أنيسة وهي تأتي بإناء زجاجي يحتوي على الماء، وفي اليد الأخرى الكوب الذي أعطته لمجيدة لتتناول علاجها:
– بسم الله ما شاء الله، مؤدب وسمح، متفرقش عن اخوك المهندس، ربنا يفرح والدتكم بيكم يارب.
رددت مجيدة خلفها سريعًا:
– يارب يا حبيبتي يارب.
تبسم لها أمين ببشاشة قائلًا:
– كل شيء بأوان ان شاء الله…… طب اقوم انا .
– تقوم فين يا بني؟ هو انت لحقت تقعد؟ دا حنا لسة بنتعرف عليك يا حضرة الظابط.
قالتها أنيسة لتتضامن معها مجيدة بخبث:
– هو كدة، اصله بيتكسف بقى.
رددت خلفها لينا ساخرة وقد اتخذت مكانها على مائدة السفرة:
– بيتكسف! وهو في ظابط بيتكسف يا طنط؟
كبتت مجيدة ابتسامة ملحة وهي تراقب وجه ابنها الذي تلون بالأحمرار غيظًا من لينا، مع تحفظه في الرد عليها بوجود والدتها والتي تابعت بزوق:
– بقولك ايه يا بني، انت هتاكل لقمة سريعة معانا، الأكل بيحب اللمة، وزي ما انت شايف، كل حاجة جاهزة قدامك.
اعترض سريعًا بتشنج:
– لا لا اكل فين؟ انا مستعجل ورايح شغلي اساسًا، دا غير اني أكلت في البيت عن اذ…..
– بلاش طيب دوق الحلويات.
هتفت بها مجيدة بمقاطعة أجفلته لتتابع نحو أنيسة :
– هو أصلا أكلته سفيفة وبيشبع بسرعة، لكن بقى في الحلويات، ما يشبعش منها أبدً، دا أستاذ في التذوق.
– استاذ في التذوق!
غمغم بها بداخله مستهجنًا أفعال والدته الغير مفهومة، ليفاجأ بأنيسة تخاطبه بحماس:
– خلاص مدام مش هياكل، يبقى يقول رأيه في الكيك ده.
قالتها وهي ترفع له طبقًا يحتوي على عدة أنواع لقطع الكيك بأشكال مختلفة، لتقدمه إليه.
بحرج شديد هم أن يرفض ولكن المرأة تابعت بأدب جم:
– متكسفش الزاد، حتى عشان تقولي رأيك في اللي بعمله.
باستسلام للألحاح ورقة المرأة في الحديث، امتدت يده للطبق قائلًا:
– يا خبر ابيض، اخلجتيني بزوقك والله، انا هاخد واحدة عشان خاطرك، لأني فعلا عايز امشي.
قالها ليقضم من القطعة وفي باله يهم بالنهوض ولكنه أجفل بالطعم الرائع، ليقول بتلذذ:
– دي مش جميلة وبس، دي تجنن تسلم إيدك .
عقبت شهد من مكانها بجوار لينا المنتظرة بدء الطعام على مضض:
– طنت أنيسة تاخد الجايزة الذهبية في الحلويات، انا باجي واطلب بنفسي منها.
ناظرها أمين يهز رأسه موافقًا، لتقول أنيسة بحماس لهواية تعشقها:
– خلاص يبقى تدوق من النوع التاني كمان وتقول رأيك برضوا.
هذه المرة لم يعترض، وامتدت يده على الفور متناولا القطعة في قضمتين بنهم للطعم الرائع، ووالدته تتطالعه بانتشاء، مغمغمة داخلها:
– أيوة كدة، الحلو يجيبه الحلو.
❈-❈❈
– على الطاولة التي تم الحجز عليها مسبقًا، قالب من الحلوى الشيكولاتة توسطها والذي تم التوصية عليه أيضًا مع الطلب، مغروز به عدد من الشموع التي كانت تطفئها في هذا الوقت ميرنا بالنفخ من فمها، لتنطلق ضاحكة بعد ذلك، تشاركها مودة التي هللت بفرح طفلة صغيرة:
– هاااي، كل سنة وانتي طيبة يا أحلى ميرنا.
قبلتها الاخيرة بوجنتيها لتحتضنها مرددة:
– وانتي بألف خير وصحة يا حبيبتي، تسلميلي يا مودة.
بابتسامة رزينة أخرجت صبا هدية مغلفة من حقيبتها لتضعها أمام صاحبة الاحتفال قائلة:
– كل سنة وانتي طيبة، دي حاجة بسيطة مني .
شهقت ميرنا متفاجئة وهي تتناول العلبة قائلة بفرحة حقيقية:
– إيه ده؟ ازاي طيب؟
توقفت لتشهق بعدم تصديق:
– وسلسلة فضة كمان؟ دي شكلها غالي أوي دي، إمتى جبتيها؟
– جيبتها اون لاين يا ستي، والطلب وصلني قبل ما اخلص الشفت بتاعي.
قالتها صبا لتتذكر رد فعل شادي حينما تفاجأ برجل الأمن قائلًا:
– اَنسة صبا، في واحد عايزك؟
– واحد مين؟ مين اللي عايز صبا؟
خرج السؤال من شادي بحدة يسبق ردها، ليصحح له الرجل:
– دا مندوب شركة للشحن، بيقول ان صاحبة الاسم طلبته على هنا……
– اه يا عبد الرحمن، خليه يدخل هنا.
قالتها صبا ليخرج رجل الأمن على الفور، ويدلف خلفه رجل الشحن والذي بدا من هيبته أنه شابًا في بداية العشرينات من عمره:
– السلام عليكم.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اتفضل.
قالتها صبا وقد نهضت عن مقعدها لاستقباله، ليتوقف الشاب فجأة مرددًا بأعين توسعت بإعجاب واضح:
– انتي الاَنسة صبا؟
انتبه شادي ليقف هو الاَخر تاركًا ما يعمل به ليرد بالنيابة عنها:
– أيوة هي الاَنسة صبا، انت بقى فين بطاقتك عشان نتأكد ان انت مندوب الشحن؟
أجفل الشاب من حدته ليخرج له البطاقة من محفظته على الفور بارتباك، أمام صبا الذي استغربت هذه الهيئة منه، وتدخله أيضًا ولكنها انتظرت حتى تأكد ليعود إليها قائلًا بعصبية:
– هو انتي كنتي طالبة ايه؟
باضطراب ردت وعينيها تتنقل منه والى الشاب بحرج:
– طلبت سلسة فضة.
– وانا جيبتها اهو، أكيد زوقها يجنن زيك.
خرجت من الشاب المتحمس ببلاهة جعلت شادي يخرج عن شعوره، ليحط بكفه الكبيرة على طرف قماش القميص الذي يرتديه الشاب، يردد له بشراسة:
– هي إيه اللي زوقها يجنن زيها؟ هو انت جاي توصل ولا جاي تشعر في صاحبة الطلب؟
بخوف شديد ردد الشاب:
– يا عم انا مش قصدي حاجة والله، دي دعابة عادية.
– هي إيه اللي عادية؟
– هو أكيد مش قصده حاجة وحشة.
صاحت بها صبا خشية على الشاب، لينقل بغضبه إليها:
– وانتي إش عرفك قصده ولا مش قصده، اقعدي مطرحك يا صبا.
بزعر تملكها جلست مزعنة حتى انتهى من الشاب الذي سلمها طلب الشحن بعد ذلك بالأدب، دون التفوه بكلمة زائدة عن التعامل برسمية تحت مراقبة مشددة من شادي، الذي لم يتمالك فضوله في السؤال فور ذهاب الفتي:
– ولما انتي عايزة تشتري سلسة، ما روحتيش ليه مع رحمة أو والدتك ع المحلات في السوق عشان تنقي براحتك؟
للمرة الثانية يتدخل وهي تتقبل غير معترضة، لتجيبه:
– انا مكنش عندي وقت، دا حاجة جات كدة فجأة، عيد ميلاد واحدة معرفة، وعزمتني عليه النهاردة، بصراحة اتكسفت احضر وإيدي فاضية.
سألها باستفسار:
– مين صاحبة عيد الميلاد؟ مودة؟
– لأ مش مودة، دي ميرنا.
قالتها لتتبدل ملامحه على الفور بعبوس جعله يشيح بوجهه في البداية قبل أن يعود إليها محتدًا:
– هو انتي تعرفي ميرنا منين عشان تحضري عيد ميلادها، انا مش عايز أتدخل، بس انتي بتجيبلها هدايا ليه؟
– كل ده ومش عايز تدخل؟
غمغمت بها داخلها، قبل أن تجيبه بتروي:
– مش صاحبتي ولا حتى معرفة شخصية، بس كلمتني مع مودة وأحرجتني، عشان ما هي يعني واحدة وحدانية، ومعندهاس حد يحتفل معاها في اليوم ده.
– ميرنا وحدانية، ازاي يعني؟ معندهاش أصحاب ولا أهل؟
نفت بهز رأسها:
– لأ معندهاش أهل غير خالها، أبوها وامها متوفين واتجوزت مرتين وفشلت، لا خلفت ولا عندها اصحاب، دا حسب كلامها، دا غير انها بتقول إن الناس فاهماها غلط عشان ما هي منفتحة في اللبس حبتين ونفسها تلاقي حد يصاحبها بجد.
سألها بتجهم:
– وانتي صدقتيها، مش يمكن تكون بتكدب؟
فكرت قليلًا قبل أن تجيبه بصدق:
– مش عارفة، بس بصراحة هي صعبت عليا لما بكت على حالها، فلقيت نفسي بهاودها، رغم اني رفضت اروح بيتها واتحججت بغضب ابويا لو غيبت لبعد المغرب، بس هي سهلتها وجالت انها عزمانا في مطعم جريب من هنا.
صمت يطالعها بإعجاب متزايد لصراحتها في الرد لترتخي ملامحه؛ في سؤاله لها بهدوء مع تركيزه في كل لفظ يخرج بلهجتها الجنوبية المحببة:
– ابوكي عارف بالمشوار؟
أومأت بهز رأسها، ليتابع بأمر:
– طب اكتبيلي اسم المطعم بالكامل وعنوانه، وابقى اتصلي بيا اوصلك لو حسيتي انك مش مرتاحة او لقيتي أي حاجة معجبتكيش.
– سرحتي في إيه يا صبا؟ ما تقولي رأيك.
استفاقت على صوت ميرنا التي هتفت بها، لتتحمحم قائلة باضطراب:
– لا عادي يعني، مش لدرجة السرحان، بس هو يعني… انتي كنتي عايزة رأيي في إيه؟
قلبت عينيها ميرنا لتقول بسأم:
– يا ستي بقولك كلمي صاحبتك، اللي عملاها حكاية، وفاكراني زعلانة عشان مجبتليش هدية زيك، انا بقولها مش مهم، وهي بتقول انها لازم تردها لما تقبض.
سمعت منها لتنقل بعينيها نحو الأخرى قائلة برقة:
– لو هامك قوي، اشتري بعد ما تقبضي، بس انا من رأيي ان الموضوع مش مستاهل، انا سديت عنك وعني، والأكيد يعني، هو أن الجيات أكتر من الريحات، ماشي يا ست مودة.
باقتناع رددت خلفها الأخرى، شاعرة برفع هم سوف يثقل ظهرها، وينقص من مرتب أول قبض لها.
– ماشي.
عقبت ميرنا ضاحكة:
– يا سلام، كدة من مجرد كلمتين، هو انتوا مين فيكم الصغيرة؟
ردت مودة بابتسامة:
– بصراحة انا، فرق بيني وبين صبا أكتر من سنة تقريبا، بس اعملها ايه بقى؟ بتعرف تقنعني، وعقلها اكبر مني، بنت ابو ليلة بجد.
– يا دي ابو ليلة وبنت ابو ليلة.
عمغمت بها ميرنا داخلها بحنق قبل أن ترتفع أنظارها لتُجفل الفتيات بشهقة تدعي المفاجأة بقولها:
– يا نهار أبيض، عدي باشا، وهنا معانا في المطعم؟
التفتت صبا بانتباه لتجد المذكور يقف أمامها بالقرب منهم، لا تدري متى جاء وكيف وصل إليهم، لتهلل ميرنا باستقباله، وهو يجيبها بعجرفته المعتادة:
– اهلا يا ميرنا، انتوا عاملين عزومة هنا ولا ايه؟
ردت مودة بلهفة وعدم تصديق:
– اصل النهاردة عيد ميلاد ميرنا واحنا بنحتفل معاها كدة ع الضيق.
اومأ برأسه ليلتفت نحو صبا التي أُذهلت بحضوره، وقال يخاطبها:
– عاملة ايه يا صبا؟
اومأت برأسها وهي ما زالت بجلستها ولم تنهض كالأخريات
– الحمد لله، كويسة.
قالت ميرنا:
– شكلك كدة متعود ع المطعم يا باشا، ما تجبر بخاطري، وتدوق من التورتة بتاعتي.
نقل بأنظاره نحو ما تقصد ليفاجئ الفتيات بسحب كرسي يجلس عليه قائلًا بموافقة:
– تمام يا ميرنا، كل سنة وانتي طيبة.
– وانت بألف صحة وسلامة يا باشا، ربنا يجبر بخاطرك يارب.
كانت تهلل مدعية عدم التصديق، متاجهلة صدمة صبا ومودة التي ظلت على وقفتها ببلاهة، وقد نسيت الجلوس في حضرته، ليخاطبها:
– اقعدي يا بنتي هتفضلي، أنتي واقفة؟
– هاا.
تفوهت بها بعدم تركيز قبل أن تجفلها صبا بقولها القوي:
– اقعدي يا مودة.
سمعت منها لتجلس على الفور، وتتابع ميرنا التي كانت تتحدث بحماس:
– ما تستغربوش يا بنات، عدي باشا مفيش اطيب منه، دا أفضاله عليا من ساسي لراسي، انا صحيح يدوب موظفة عنده، بس هو عمره ما ردني في طلب، ربنا يبارك فيه.
– بلاش الكلام ده يا ميرنا.
قالها يدعي التواضع، لتتابع الأخرى في المدح بصفاته، حتى هتفت مودة بمبالغة تعقب:
– دا على كدة احنا كنا واخدين فكرة غلط عنه، صدق اللي قال صحيح، باشا ابن باشا.
بابتسامة خفيفة لم تصل لعينيه استجاب لها، وقد بدأ ينتابه شعور بالضيق لعدم اندماج صبا معهم، وهي تتململ بجلستها وانظارها متجهة نحو مخرج المطعم، ويدها على حقيبتها وكأنها تنتظر الفرصة للإستئذان، إلى هنا ولم يستطع الإحتمال أكثر من ذلك، توجه لميرنا بنظرة فهمتها للتصرف سريعًا:
– يا لهوي ياما الطقم.
هتفت بها مودة وقد تفاجأت بالبقعة الكبيرة التي توسطت الجيبة التي ترتديها في الأسفل لتزيد بتوسع جراء سقوط العصير عليها من الكوب الذي كانت تمسك به ميرنا رفيقتها، والتي شهقت تكمل دورها:
– يا نهار أبيض، انا اسفة يا مودة، دا انا كنت بمسكه عشان اشرب منه، معرفش ايه اللي خلاه سقط من إيدي.
– سقط من إيدك، يبقى ينزل على فستانك انتي مش فستانها هي.
خرجت من صبا بحدة أجفلت الأخرى، لدرجة جعلتها تتعلثم في الرد، قبل أن تسعفها مودة بسذاجة أذهلتها:
– مكنش قصدها يا صبا، هي مسكته وهي سرحانة اساسًا أكيد يعني مخدتش بالها.
همت لتقرعها لهذا الرد المستفز ولكن عدي سبقها:
– خلاص يا بنات روحو على حمام المطعم وصلحوه.
– لا حمام ايه؟ احنا ماشين اساسًا.
قالتها صبا بحزم وهي تنهض وتلملم اشيائها بعنف لتضعهم في حقيبتها اليدوية، قبل أن توقفها ميرنا:
– لا طبعًا مينفعش الكلام ده، انتي عايزة الناس تضحك عليها ولا ايه؟ تعالي يا ميرنا معايا ع الحمام وانا هتصرف واخليه ينشف بسرعة .
قالتها وهي تسحب الأخرى سريعًا وتتحرك بها، وتصعق صبا بقولها:
– استنينا هنا مع عدي باشا وخلي بالك من حاجتنا واحنا مش هنعوق عليكي.
بأعين متوسعة تابعت عدوهن السريع ليختفين عن أنظارها في لمح البصر، وهي متسمرة محلها بعدم استيعاب:
– هتفضلي واقفة كدة كتير؟ مينفعش تجري وراهم، واقعد انا ارعي حاجتهم، هيبقى شكلي وحش اوي.
– وانت ايه اللي مقعدك؟
ودت ان تبصقها بوجهه ولكن تمالكت لتمسك بزمام أمرها ثم تعود لمقعدها مرة أخرى بجمود ملحوظ جعله يسألها:
– مضايقة ولا متوترة يا صبا؟
– لا مضايقة ولا متوترة، انا بس مستعجلة عشان واعدة ابويا متأخرش عليه، والوقت قرب ع المغربية
قالتها وهي ترفع طرف كمها لتشكف عن الساعة التي ترتديها، وتلقي نظرة عليها، ثم تنهدت بضيق تكتمه، فقال عدي مع نظرة متمعنة بها وهذا ما كان يزيد عليها:
– قوليلي يا صبا انتي مستريحة في الشغل عندنا؟
– نعم!
قالتها كسؤال ليرد بابتسامة:
– بسألك عن شغلك، يمكن تفكي شوية لما تتكلمي، انا عدي عزام يا صبا لو تاخدي بالك، يعني مينفعش الموظفة عندي تنفخ وهي قاعدة قصادي في مطعم انا أملكه.
جحظت عينيها بصدمة ومقلتيها تحركت في الأجواء كرد فغل طبيعي ليستطرد بثقة:
– أيوة يا صبا يبقى ملكي، وانا جاي هنا مخصوص بعد ما شوفتك مع البنات، انا عايزك يا صبا…. أنا عايزك تشتغلي معايا.
❈-❈❈
– الجيبة خلصت ولا لسة ؟
هتفت مودة من داخل الغرفة الصغيرة بالحمام النسائي الكبير، لتجيبها الأخرى بنزق وقد كان تركيزها منصبًا نحو الطاولة التي تركتها لعدي كي ينفرد بهذه المحظوظة، وتنحشر هي على مدخل الطرقة الفاصلة، تصطدم بالنساء التي تدخل وتخرج من الحمام، لتعطل هذه الغبية حتى وهي ممسكة بالجيبة، وقد أتت بها الفتاة العاملة وجففتها منذ لحظات.
– ما تتصلي ع البت الساعية بقى يا ميرنا، أنا زهقت، دا غير اني بدأت اقلق، لتكون البت دي عملت فيها حاجة أو حرقتها كمان، عشان تبقى وقعة.
صدر مرة أخرى الصوت المتذمر، لتتجعد ملامح وجهها بسخرية مغمغمة:
– تعمل فيها حاجة! دا على أساس أنها محسوبة لبس اساسًا؟
مصمصمت بامتعاض، قبل أن تتدراك بتذكرها للهاتف، الذي تناولته لترفعه أمامها، وتبدأ التصوير!
❈-❈❈
– اشتغل معاك فين؟
سألت بحدة تجاوز عنها من اجل الوصول لهدفه، ليتابع بهدوء:
– بغض النظر عن عصبيتك في الرد، بس انا هعديها عشانك، انا طالبك تشتغلي عندي في الشركة، دي الشركة الخاصة بيا بعيد عن المجموعة ولا شركاتي مع كارم ابن اللوا حمدي فخر، هتبقي السكرتيرة لمكتبي، هتاخدي مبلغ خيالي، دا غير انك هتبقى واجهة للشركة بمنصب متحلمش بيه أي واحدة متخرجة جديد زيك .
برغم النيران التي اشتعلت برأسها ولكنها استطاعت التحكم في انفعالها لتسأله بفضول:
– اشمعنا انا؟
– نعم!
– بسألك يا فندم، اشمعنا انا اللي اخترتني دونًا عن كل الكفاءات الموجودة في الفندق وغير الفندق في املاكك واملاك الأسرة الكريمة؟ رغم اني خريجة جديدة زي ما قولت؟
– عشان مش عايز غيرك.
ود لو يقولها بصوت واضح لها، أو يدخل في الموضوع مباشرةً، بأنه يريدها، ولو طلبت منه الملاين سوف يعطيها في سبيل الحصول عليها، ولكن لعمله الأكيد لصعوبة الأمر، قال كاذبًا:
– أكيد عشان كفائتك يا صبا، دا غير انك زي ما قولت من شوية واجهة مشرفة.
– كفاءتي دي اللي اتريقت عليها من مدة لما قولت ان مستر شادي مدلعني، وبيقوم بمعظم الشغل عني؟
فاجئته بفطنتها والذاكرة السريعة التي اسعفتها لتقرعه بشجاعة تزيده إعجابًا بها رغم غضبه منها، بابتسامة حقيقية اعتلت قسمات وجهه قال:
– شكلك لسة زعلانة مني، ع العموم يا صبا يعني عشان تعرفي، انا صارم اوي في الشغل ودي طريقتي في الشد على الموظفين، المهم بقى إيه رأيك؟
ناظرته بتحدي لتقول بقوة وغير مبالية:
– في الحقيقة يا فندم انا قبل ما اتوظف في الفندق، اتعرض عليا نفس المنصب وفي شركة كبيرة برضوا، فكان ردي، هو نفس اللي هقولهلك دلوقتي، لأ يا باشا، عشان انا اخر همي ان ابقى واجهة.
تجمد أمامها، وبدى بملامحه التي تعقدت أمامها كتمثال بلا حراك، فتابعت بذكاء:
– انا شايفة ان البنات اتأخروا، وبما انك صاحب المطعم، ف انا بطلب منك يا فندم يعني لو تكرمت، ممكن تبعت حد من العمال يستعجلهم، ابويا لو زودت عن كدة في التأخير، مش بعيد يقطع عيشي من الفندق ويرجعني الصعيد عشان يجوزني هناك، يعني دا لو مش هتطردني إنت كمان؟
افحمته بطريقة لم يتوقعها ليجد نفسه يلتف للناحية الأخرى نحو إحدى العاملات مستشيط من الغضب يهدر بإسمها:
– سمر.
انتفضت الفتاة مجفلة حتى انتبه بعض الرواد بجوارها،
واستطرد عدي بنزق غير ابهًا وهو ينهض عن طاولة عيد الميلاد:
– تعالي شوفي الاَنسة عايزة إيه؟
قالها وخطا ذاهبًا بغضبه، تشيعه صبا بنظرها وبقلبها شعور غير مريح على الإطلاق ينتابها نحو هذا الرجل.
-❈❈-❈
كنتي فين يا رباب؟
تفاجأت بها وهي تدلف لداخل غرفتها، لتنتبه عليه، وقد كان واقفًا بتحفز واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله داخل الشرفة، وقد بدا أنه ينتظرها منذ مدة من الوقت، كظمت لتكتم صيحة الغضب بوجهه، حتى يخرج صوتها بنبرة تبدوا طبيعية وهي ترفع قبعة من أعلى رأسها، لتلقيها بإهمال، ثم بيدها كانت تفك حزام المعطف الذي كانت ترتديه لتخلعه:
– طب استنى على ما ادخل واخد نفسي حتى يا كارم، كدة على طول…. أسئلة!
بغضب تملكه خطا ليقترب منها قائلًا بتحذير مشددًا على أحرف الكلمات:
– أنا بسألك يا رباب، كنتي فين؟ مشيتي الحارس وخرجتي بعربيتك من غير السواق، عشان ترجعيلي دلوقتي الساعة ٧ الليل !
زفرت لتسقط بجسدها على طرف التخت قائلة بضيق:
– يعني هكون روحت فين يعني؟ اتسوقت شوية مع واحدة صاحبتي، وانا لابسة الكاب عشان اخد حريتي واقضي وقت حلو معاها، وناكل كمان وننبسط.
بتهكم ساخر:
– تاخدي حريتك طبعًا عشان المعجبين، دا على اساس ان انتي نجمة مشهورة وصورك محتلة الشاشات، مش كدة يا بيبي؟
احتقنت لترد بتمالك تحسد عليه رغم الحريق الذي شب بداخلها:
– مش لازم اكون نجمة تمثيل ولا غنا، أنا بلوجر مشهورة برضوا ولا انتي مش عارف عدد متابعيني؟
احتدت عينيه بشراسة يرمقها ورأسه تميل نحوها ليبث بقلبها الرعب بقوله:
– عارف ولا مش عارف، ميت مرة اقولك ما تتحركيش خطوة من غير ما تبلغيني، وحركة انك تمشي الحارس والسواق دي، عشان تمشي لوحدك، متكررش تاني.
بشجاعة زائفة خرج صوتها تقارعه:
– ما انت بتقول اني مش مشهورة، ايه لزوم الحارس بقى؟
– عشان حراستك.
– لا دا مش عشان حراستي، دا عشان تفضل مراقبني ومغبش عن عينك .
دنى حتى أصبح وجهه لا يفصل عن وجهها سوى سنتيمترات قليلة، بأعين مشتعلة، تلفح أنفاسه الحارقة بشرتها، ليزيد على جزعها بتهديده:
– دا حقيقي، وتاني مرة لو اتكرر منك الفعل ده، ما تلوميش إلا نفسك.
بصق كلماته واستقام بجسده يتركها مغادرًا الغرفة، ليدخل الأكسجين اخيرًا صدرها، وقهر يشل أطرافها عن الحركة، بإحساس بالعجز، وقيوده الحريرية باتت تخنقها.
دوى صوت الهاتف لتتناول وتجيب بدون تركيز:
– الوو…
– ألوو يا ملكة الجمال عاملة ايه؟
سمعت الصوت الذي عرفته مع التكرار، لتتحفز كل خلاياها في الرد عليه بحدة:
– إنت تاني؟ هو انا مش حاظره رقمك وعملتلك بلوك ع الصفحة كمان، بتجيب رقمي منين عشان تكلمني كل شوية من رقم شكل؟
تجاهل عنفها ليجيب بهدوء:
– يا قلبي بلاش تتعصبي وانتي اساسًا جاية تعبانة، بعد ما انهارتي جمب قبر والدك ووالدتك، واتفلقتي من العياط جمبهم.
– يخرب بيتك، دا انت بتراقبني بجد بقى.
صاحت بها وهي تنتفض واقفة بغضب، فما كان منه إلا أن اجابها بهدوء:
– مش مراقبة، سميها مراعية لحبيبة قلبى، ملكة الجمال وحبيبة الملايين.
ختم بصوت قبلة وصلتها قبل أن ينهي المكالمة، وتسقط هي بانهيار لا تدري ما الذي يحدث معها.
❈❈-❈
— قاعدة لوحدك هنا في الضلمة ليه يا ميسون؟
قالتها نور وهي تخطو نحو مدخل المنزل عائدة من عملها، وقد تفاجأت بالاَخيرة، جالسة بركن مظلم في الحديقة، بعيدًا عن الإضاءة وأعين الحراس والعمال، وباقي اسرتها، رمقتها المذكورة بهدوء لتجيب بلهجته العربية الغير متقنة:
– ولا حاجة، عادي.
– ولا حاجة عادي!
رددتها نور من خلفها لتغير مسارها، متجهة نحوها، لتتناول كرسي وتقربه لتجلس جوارها، فقالت ميسون بفظاظة:
– بتقعدي جمبي ليه؟ انا قولتلك اقعدي .
تقبلت نور لتخفي حرجها بابتسامة قائلة:
– لا يا ستي ما قولتيش، بس انا عزمت نفسي اقعد معاكي، ينفع؟
بتجهم اعتادت عليه، حتى أصبح من السمات الرئيسية بشخصيتها، طالعت نور للحظات صامتة ثم تمتمت بغمغمة وهي تشيح بوجهها:
– خلاص بقى مدام قعدتي.
في وضع اَخر كانت ستضطر نور إلى الإنسحاب بحرج لتتلافاها وتتلافى الجلوس معها، ولكنها لم تقوى على التحرك، ولم يطاوعها قلبها على تركها، وقد تسرب إليها شعور غريب بالإشفاق عليها، رغم هذا الجمود الذي تدعيه، والصلف المعتاد منها دائمًا في التعامل مع الجميع سوى بهيرة شوكت التي تدللها على الدوام، فقالت تخاطبها:
– ميسون هو انتي حد زعلك في حاجة؟
اعتدلت لتواجها بحدة قائلة:
– وانتي بتسألي ليه؟ يهمك اوي تعرفي باللي مزعلني؟
– طبعا يهمني يا ميسون، هو انتي فاكراني جبلة مبحسش؟ او مش هتأثر لزعلك مثلا؟ ليه بقى هو أنا عدوتك؟
قالتها بصدق وصل للأخرى لتتمتم بالرد:
– لا يا نور انتي مش عدوتي، بس كمان مش صاحبتي ولا عمرك هتحسي بيا، عشان مش في مكاني.
طالعتها باستفهام سائلة:
– يعني إيه؟ وضحي يا ميسون.
ردت بصراحة أجفلتها:
– يعني انتي معاكي جوزك اللي بيحبك وبيعشقك، دا غير جمهورك اللي بيعمل مهرجان في أي مكان تروحيه، لكن انا واحدة مسكينة، سيبت بلدي واهلي عشان اتجوز هنا واخلف من واحد ما بيحبنيش، وفي الاخر سايبني كدة، وحدي اربي الولاد، كل يوم اضحك واهزر معاهم عشان اشحت نظرة حب في عيونهم، مش بلاقيها بصدق غير منهم.
تفاجأت، لا بل هي صعقت لقسوة ما تحمله الكلمات التي اردفت بها الأخرى، ابتعلت نور ريقها الذي جف بحرج، لا تعلم بما ترد، تهون عليها او تلوم صراحتها الفجة بأن تحسدها في الشيء الوحيد المتبقي لها، وهو حب زوجها والجمهور، وقد حرمت من نعمة الأطفال التي تتنعم بها هي.
خرج صوتها اَخيرًا بعد تنهيدة مثقلة:
– سامحيني يا ميسون لو مقصرة معاكي، انتي عارفة بقى الشغل اَخد كل وقتي، بس كنت عايزة اقولك على حاجة، انا الدنيا مش حلوة معايا كدة زي ما انتي شايفاها، بس كمان هعذرك…..
صمتت برهة ثم تابعت:
– انا متأكدة ان في نقطة وصل بينك وبين عدي، أكيد لو حاولتوا انتوا الاتنين هتلاقوها، وترجع المية لمجاريها، يعني ما تنتظريش انه يجي لوحده، لازم انتي كمان تحاولي…..، عن إذنك
قالتها ونهضت لتذهب دون انتظار رد؛ تعلم بقرارة نفسها أنه لن يعجبها، لعلمها الأكيد بشخصية ميسون المتعالية عن النصيحة.
❈❈-❈
على مدخل غرفة نومه، كانت واقفة لمدة من الوقت تراقب شروده بابتسامة حالمة، تعلم أنه يفكر بها، هو ابنها الذي تفهمه أكثر من نفسه، وتحفظ خطوط وجهه والتعابير التي ترمز بها لكل انفعالاته، إن كان بالفرح او الحزن او العشق، كما تراها الاَن وبكل وضوح، طرقت بخفة على الباب ليشعر بها اخيرًا ويعتدل بجلستة على الفراش منتبهًا لها وهي تتقدم بخطواتها حتى جلست بجواره قائلة:
– عامل ايه يا بشمهندس؟
تناول الطبق الذي كانت تحمله بيدها وقد سهت عن تقديمه في غمرة شرودها به، ليقول بابتهاج:
– زي الفل يا ست الكل، بس ايه الجمال ده.
قالها ليتناول بالملعقة منه قائلًا بتلذذ:
– الله يا ماما، حلو اوي الرز باللبن ده، عملتيه ازاي؟
تبسمت بمرح تجيبه:
– دا طريقة جديدة، عملتها بوصفة من الست أنيسة، مش معقولة بجد الست دي، استاذة حقيقي في الحلويات.
– لا دي تستاهل جايزة بقى، مدام عرفتك تعملي بالطريقة اللي تجنن دي.
قالها حسن وهو مندمج في اسقاط ملاعق الحلو داخل فمه بنهم، لتغزوا ابتسامة سعيدة وجه مجيدة قائلة:
– شهد برضوا قالت حاجة زي كدة، دا باين القلوب عند بعضها.
توقف ليردد خلفها باستفسار سائلًا:
– شهد قالت كدة؟ ازاي يعني؟
طالعته بمكر قائلة:
– وانت لازم تعرف باللي قالته بالظبط؟ اهي قالت زي ما قالت حاجات كتير معايا، ما انت عارف انا قضيت معاهم نص النهار، والست أنيسة الله يباركلها، مكانتش عايزة تسيبني.
لوك بفمه ليعود للطبق بعدم تركيز يتلاعب بالملعقة، فقالت تلاعبه:
– تحب اعرفك قالت إيه؟
– ايه؟
– مش هقولك.
قالتها لتطلق ضحكة مدوية، بتسلية لهيئته الحانقة بغيظ من فعلها، وتابعت بمناكفته:
– ما انت لو تطلع إللي في قلبك وتقول الصراحة، انا كمان هتكلم وقول حكاوي.
هذه المرة لم ينفعل أو يغضب، بل طالعها صامتًا لعدة لحظات بتفكير قبل أن يجيبها:
– طب لو قولتلك اني موافق على عرضك، هتعرفي تتصرفي؟
– عرض إيه؟
سألته متناسية، ليقول على الفور:
– انا فعلا عايز اتجوز شهد، بس بصراحة مش عارف ادخلها ازاي؟
هللت بفرح مرددة :
– يا صلاة النبي احسن، يا صلاة النبي، أيوة كدة خليني افرح.
هتف بها حازمًا يوقفها:
– يا ماما بقولك مش عارف ادخلها ازاي؟ يعني لازم اعرف مشاعرها ناحيتي الأول، وانها ممكن توافق ع الارتباط ولا لا؟ ولا انتي نسيتي ظروفها واللي بتمر بيه مع اخواتها وعيلتها؟
باستدراك متأخر فهمت مجيدة قصده، لتخبو ابتسامتها، مرددة بحيرة:
– اه صحيح دا انت عندك حق……. مكدبش عليك انا كان كل همي عليك انت والحلوف التاني اخوك…… نسيت أمر البنات نفسهم…… دا كدة عايزة تخطيط من أول وجديد .
….

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى