روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل السادس والعشرون 26 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل السادس والعشرون 26 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء السادس والعشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت السادس والعشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة السادسة والعشرون

بعشق تملكها حتى تغلغل في الأعماق وصار يجري في عروقها كمجرى الدم، تحيا به؛ وقد أضحى النفس الذي تتنفسه، عبير الروح التي ارتقت بعشقه، لتصبح امرأة أخرى تليق برجل مثله، يُبهجها ولو ابتسامة صغيرة تعلو ثغره، ويحزنها ألا تكون هي السبب بها.
ما أصعب هذا العشق حينما يعجز المُحب عن إسعاد المحبوب بما يستحق ويتمنى.
هذا ما كانت تشعر به نور في وقفتها الاَن بوسط الدرج، تراقب زوجها المنشغل دائمًا على حاسوبه حتى في وقت استراحته بالمنزل، لكم الأعمال التي لا تنتهي معه، في جلسته بوسط البهو الكبير على اَريكته الاَثيرة وأبناء شقيقه يلعبن من حول بألعابهم، ويشاكسنه بالعبث بأشياءه كعلاقة المفاتيح والهاتف، وهو بكل ود وروية يجيب عن أسئلتهم التي لا تنتهي، رغم انشغاله، وكأنه يعوض الأطفال ولو قليلًا عن غياب أبيهم عنهم
– هتجيبلي عربية اسوقها لوحدي زي عربيتك يا عمو؟
– حاضر من عيوني يا إياد، تكبر انت بس ويشتد عضمك وانا ليك عليا اجيبلك أحسن عربية.
– طب وانا يا عمو هتجيبلي واحدة كمان؟
قالها الطفل الاَخر والذي كان منشغلًا باللعب على الهاتف، وكان رد مصطفى بحزم لا يخلو من اللطف:
– هجيبلك اللي انت عايزه بس لما تخف من اللعب شوية ع التليفون، انت قولت شوية صغيرين واحنا دلوقتي عدينا النص ساعة.
بتذمر وسخط اعتلت الملامح الصغيرة، هتف زياد:
– ما انا اعمل ايه بس يا أنكل؟ ماما مانعة عننا العاب البلاي ستيشن بقالها كام يوم، وشايلة مننا التليفونات بتاعتنا، بصراحة بقى زهقت.
– شايلة عنكم التليفونات ليه؟
سأله مصطفى بانتباه وقد ترك ما يعمل عليه، فجاء الرد من الطفل الأكبر:
– أنا اقولك يا عمو، اصلها كذا مرة تنبه علينا نبطل نتصل ببابا ، بس زياد ما بيسمعش الكلام، بيتصل بيه وبيبلغه كل حاجة حصلت معاه في اليوم بتاعه…..
قاطعه مصطفى بسؤاله الاَخر وقد اعتلى الغضب ملامحه:
– طب وانت يا إياد ما بتتصلش انت كمان ولا هو واخد العقاب لوحده؟
– لا يا أنكل انا كبير على اني اتصل بيه كل شوية، زياد واخد العقاب لوحده بس انا ماما مضيقة عليا وبتديني الفون لما بطلبه منها بس وتعرف انا عايزه في ايه!
الكلمات العفوية من الطفل جعلت مصطفى يتناسى ما كان يعمل عليه، ليزداد تجهمه بحالة من الشرود في هذا الأمر البغيض بغياب شقيقه عن ابناءه وزوجته، والتي من الواضح أن البرود الذي تدعيه أمامهم، جعله يغفل عن الشعور الحقيقي لامرأة يهجرها زوجها وهو بنفس المدينة معها، حتى لو كانت هذه المرأة هي ميسون، العرق التركي المتأصل بعنجهية متوارثة، تجعلها تتعالى حتى عن إظهار ما يعتمل بصدرها.
– زياد.
صدرت بقوة جعلته ينتفض مجفلًا ليرى انفجار ميسون هذه المرة على الطبيعة، وقد تخلت عن الواجهة الباردة لتخطو نحوهم بغضب، وتختطف الهاتف من يد ابنها قائلة بتوبيخ متعمد:
– انا مش منبهة إن مفيش لعب في الفون غير بمواعيد منظمة مني انا شخصيًا، ولا انت قاصد تكسر تعليمات مامتك؟
ألقت الهاتف بعنف على الاَريكة التي كان جالس عليها مصطفى لتحدجه باتهام مقصود، مما اضطره للرد:
– في إيه يا ميسون؟ دول يدوب عشر دقايق اخدهم الولد بس في اللعب، ما انت منعاه بقالك أيام ومحدش اعترض.
مقارعته لها باعتراض واضح أمام أبناءها، ارتد بأثره عليها، لتكفهر تعابيرها ويعلو صوتها ولأول مرة بوجهه وبغضب مكبوت:
– عشان محدش له حق فيهم قدي، أنا امهم واخاف عليهم من تأثير الحاجات دي، ولا انت متعرفش بخطورة الأجهزة دي على الأطفال ع اللي في سنهم، ولا صحيح انت هتعرف منين؟
قالت الاَخيرة بقصد وضح تأثيره جليًا على وجه مصطفى الذي وجم صامتًا ولجم لسانه عن الرد عليها، فلم تتحمل نور التي كانت تتابع من جهتها، لتجفلها بصيحتها الغاضبة:
– مفيش داعي للكلام ده يا ست ميسون، ولادك اهم قدامك، جوزي مقربش منهم، دا هما اللي بيتلزقوا فيه عشان بيحبوه، وهما اللي بيمسكوا حاجته بإرادتهم، ولا يعني عشان هو مبيكسفهومش…….
– خلاص يا نور .
هدر بها بمقاطعة هو الاَخر لينهي الجدال من أوله، ثم نهض فجأة ململمًا أشياءه في يده، ليغادر المنزل، منسحبًا في هدوء، وتحركت ميسون بدورها ممسكة بولديها نحو مخدع جدتهم؛ المساندة لها على الدوام، فتبقت نور وحدها لتسقط بانهيار جالسة على درجة السلم التي كانت تقف عليها، فهي الأعلم الاَن بجرح حبيبها، وما يعانيه في هذه اللحظة بالذات.
❈❈-❈
ترجلت صبا من حافلة العمل، وفور أن وصلت لداخل المبنى التي تقطن به، توقفت محلها غير قادرة على المواصلة، وقلبها يأكلها من القلق، لهذا الغياب المريب من صديقتها وجارتها، مودة.
شيء يحثها على الخروج نحو منزلها في الشارع الاَخر، لتسأل وتطمئن بنفسها، وشيء اَخر، يدفعها نحو التجاهل حتى تظهر لها، فغياب يومًا ليس بالأمر المهم، ولكن غلق الهاتف وعدم الرد على المكالمات يجعلها تعود لنقطة الصفر في تشتت الفكر.
زفرت بضيق وهي تلمح الرقم المجهول الذي يطلبها للمرة الخامسة من وقت استقلالها حافلة العمل بعد انتهاء نوبة عملها.
همت للتجاهل كالمرات السابقة ولكنها استدركت فجأة مع تذكرها لغياب مودة، لربما تكون هي،
استجابت هذه المرة لحدسها وتوقفت قبل أن تضغط على زر مصعد البناية لتجيب باحتراس:
– الوو السلام عليكم.
– الووو يا صبا اخيرًا رديتي.
صدر الصوت المتلهف من الجهة الأخرى لتتنبه كل حواس الأخيرة معها وتسألها بتخوف:
– ايه ده معقول! هو انتي اللي بتتصلي يا مودة؟
سمعت الاَخيرة لتجيبها بصوت باكي:
– ايوة يا صبا، دا انا اللي جرالي النهاردة يتكتب في الحواديت ، انا بكلمك م المستشفي….
قاطعتها صبا هاتفة بقلق متعاظم:
– يا نهار اسود، مستشفى كمان؟ هو انتي إيه اللي حصل معاكي؟ حادثة لا قدر الله ولا إيه بالظبط؟
– هقولك على كل حاجة يا صبا، بس لما تيجي وانا هفهمك كل شيء، ارجوكي يا صبا متتأخريش عني.
بحمائية ومروءة ليست بالغريبة عنها، ارتدت صبا للتحرك والخروج من المبنى ، فقالت وهي تشير بيدها نحو سيارة أجرة تقلها:
– انا جيالك على طول، جوليلي اسم المستشفى اللي انتي فيها.
❈❈-❈
وإلى أمين الذي أنهى بتلذذ واستمتاع بالطعم؛ اَخر قطعة كانت متبقية من كيك الشكولاتة، ضمن المجموعة التي قد أتى بها في مقر عمله بداخل علبة بلاستيكية نكاية في شقيقه الذي خرج الاَن ليلهو ويمرح مع خطيبته، بعد أن تفنن في كيده مع مجيدة، باتفاق على اخراجه عن شعوره، فكان رده الحازم، أن حرم الأثنان من تذوق حلوى السيدة أنيسة، وبرغبة غريبة بداخله تجعله يشعر في الاستحواذ على كل ما يأتي من المرأة وكأنه يخصه، لا يعلم من أين استمد هذه الفكرة، ولكنها تكبر وتترعرع معه بدون سبب منذ معرفته بها.
على خاطره الاَخير، تناول الهاتف ليطلب الرقم الذي حصل عليه مؤخرًا عن طريق معرفه شخصية بأحد الأصدقاء المختص بالآتصالات والشبكات في مجال عملهم، وبفضول استبد به طلب صاحبة الرقم برغبة شريرة في مناكفتها، وكانت المفاجأة ان جاءه الرد على الفور ودون انتظار:
– الوو مين معايا؟
ردها كان بعملية بحتة ولكن صوتها الناعم اللعين رغم حدته، جعله يعض بأسنانه على شفته السفلى ليكبح لجام لسانه عن قصفها بتوبيخ قاسي حتى لا ترد على كل من هب ودب.
يبدوا ان صمته قد طال ليصله هتافها بنزق:
– الوو مين معايا بقول؟….. ما ترد يا بجم،….. ما ترد يا لوح…… هي الرزالة وقلة الأدب بقت هواية ولا إيه؟ دا إيه القرف ده؟.
قالت الاَخيرة لتنهي المكالمة بعنف جعله يردد بسخط خلفها:
– أهو انتي…….. بقى كل دي شتيمة عشان بس واحد طلبك ومردش، امال لو رد ولا عاكسك كنتي عملتي إيه؟
القى الهاتف على سطح مكتبه بإهمال ليغمغم بغيظ:
– اه يا ناري لو بس الاقي فرصة وافش غليلي فيها، ماشي يا لينا، ماشي .
– أمين باشا ممكن ادخل
قالها احد الضباط الصغار ويدعى عصام، مصحوبة بطرق خفيف على باب المكتب المفتوح من الأساس، أوما له سامحًا بالدخول، ليدلف الشاب ملقيًا تحية عادية بدون رسميات، وبادله الاَخر بود معتاد منه، قبل أن يأمره بالجلوس امامه، يتناولان الموضوعات المطروحة في العمل، ومن أبرزها كان ملف مودة، والذي تناوله امين سائلًا بعدم فهم:
– مالها يعني البنت دي؟ دي واحدة سارقة يا عصام والجريمة لابساها من كل جهة، مش بس تصوير الكاميرا.
رد الاَخير بحدسه البوليسي:
– معرفش ساعتك، بس انا حاسس ان الموضوع في حاجة غريبة مش مفهومة، وكأنها متلفقة رغم ان القضية ثابتة عليها، اصل بصراحة كمان البنت اللي كانت معاها معجبتنيش……..
– ليه يعني معجبتكش؟ مالها البنت ؟
سأله أمين باستفهام وكان رد الاَخر حازمًا رغم تشتته:
– من الاَخر كدة يا فندم انا حاسس ان في حاجة مش مظبوطة.
بدا الاهتمام جليًا على وجه أمين، ليتناول الملف يقلب في أوراقه بتمعن وتركيز، ثم سأله بانتباه:
– هي البنت دي قاعدة في اي قسم في المستشفى؟
❈❈-❈
توقف بالسيارة أمام إحدى الكافيهات المشهورة بالمدينة، ليلتف إليها سائلًا بمرح :
– سيدتي الجميلة تسمح تنزل معايا هنا ولا نغير على مكان تاني يناسب جلالتها؟
رددت خلفه ساخرة رغم الدهشة التي اعترتها للوصف المبالغ فيه من وجهة نظرها:
– كمان جلالتها! شالله يجبر بخاطرك يارب
– أمين يارب.
قالها بلهفة ليتابع بخبث امتزج ببهجته:
– فاكرة لما قولتيها قبل كدة تحت شجرة النبق، وانتي عاملة نفسك مش واخدة بالك من مشاعري رغم انها كانت بتبوظ من عيوني، وأي عيل صغير يقدر يكشفها لوحده.
– تبوظ من عيونك؟
قالتها بعدم مقدرة على كبت ضحكها، ليردف بحماس لم ولن يفتر في شرح ما يشعر به تجاهها:
– ايوة يا شهد، انا كان باين عليا اوي على فكرة، لأني بجد اتعلقت بيكي اوي وكنت هموت لو الدنيا فرقتنا من غير ما نرتبط.
رغم فرحها بكلماته التي تدغدغ مشاعرها من الأعماق، إلا انها لم تقوى على كبت سؤالها الملح:
– ليه يا حسن؟
– ليه إيه؟
– ليه حبتني؟ إيه اللي جذبك في واحدة زي؟
– تقصدي إيه بواحدة زيك؟
صدر سؤاله عن قصد رغم فهمه لما ترمي اليه، ولكنه يريد المزيد من المعرفة عنها، انتابها الحرج في البداية ولكن الفضول القاتل داخلها جعلها تجيب بكل صراحة:
– إنت فاهم يا حسن أنا اقصد ايه بكلامي، ولا تكون فاكرني مكنتش واخدة بالي من نفسي ولا الإهمال المقصود في شكلي.
– أيوة بقى.
تفوه بها وكأنه قد عثر على ما يبتغيه ليسألها مباشرةً
– ليه الإهمال المقصود واللبس الرجالي الأوفر؟ انتي قمر يا شهد وانا بشوف ان إهدار حقك في الظهور كبنت، دا ملوش أي لازمة مع واحدة في شخصيتك.
لاحت فجأة ابتسامة خفيفية على ثغرها، كبتتها على الفور قبل أن تجيبه:
– انت بتتكلم عن شخصيتي اللي انت شايفها دلوقت، لكنك متعرفش شخصيتي القديمة زمان، دلوعة ابوها دي الصورة اللي الناس كانت واخداها عني.
– إحكيلي عنها يا شهد.
قالها حسن وقد اقترب برأسه منها يتابع بإلحاح:
– أنا نفسي اعرف كل حاجة عنك يا شهد، وبتمنى منك تفتحيلي قلبك وتقولي.
توقفت أمام رغبته بأعين زائغة، تدور في كل الجهات، نحوه وحوله، بتفكير عميق، قبل أن تحسم أمرها، لترد بالمزاح:
– يعني انت عايزانى احكي كدة من اول خروجة وكمان في العربية، طب حتى بل ريقي بكوباية مية الأول .
– يا سلام، يعني انتي جيتي في جمل.
قالها حسن وهو يترجل من السيارة سريعًا، ثم التف نحو جهتها ليفتح الباب المجاور لها، قائلًا بفعل مسرحي:
– ممكن تتفضل سيدتي وتدخل معايا الكافيه المتواضع ده.
بخجل شديد انزلت قدميها على الارض الخارجية، لتعقب خلف غلقه للباب:
– طب كنت اعملها وانا لابسة فستان، على الأقل كانت لاقت شوية عني وانا نازلة كدة معاك بالبنطلون.
اثني ذراعه امامها بحركة مكشوفة لتتأبطه وتتشبث فيه بيدها، فعلت على حرج، ليسير بها نحو وجهتهم ورد على كلماتها:
– عمر الأنوثة ما كانت بالفستان ولا الرجولة كانت بالجلبية البلدي ولا البدلة الرجالي، دي حاجة بتبقى طبع في البني ادم نفسه، وانتي خير مثال يا شهودتي، برغم الوش الخشب وكل البهدلة اللي كنت عاملاها في نفسك، إلا اني كشفتك من أول مرة وعرفت انك موزة جامدة كمان.
هتفت من خلفه ساخرة، حتى تخفى خجلها :
– موزة جامدة كمااان! انا كنت فاكراك طيب وبريء يا حسن.
ضحك بصوت عالي يردد خلفها :
– طيب وبريء! طب ازاي بس يا شهد؟ دا انا ابن مجيدة.
عقبت تقارعه بمشاكسة:
– ابن مجيدة، وكمان بتقولها قدامي، طب انا فتانة يا حسن وهنقل لها الكلام ده.
ضحك باندماج واضح معها يقول:
– قولي يا غالية ، وانا هبلغها اني فعلا انحرفت ولازم بقى تلمني وتجوزني بسرعة، واهو تبقي كسبتي ثواب فيا بالمرة.
اكمل بضحكاته فلم تملك أمامها سوى أن تفرغ غيظها به بضربة بقبضة يدها الصغيرة على ساعده، وكان رده بميوعة جعلتها هي الأخرى تضحك:
– اه يا دراعي، إيدك تقيلة اوي شهد .
❈❈-❈
بداخل المشفى الحكومي، والذي دلفته صبا على الوصف، لزيارة صديقتها الموجودة به في غرفة وحدها، وبحراسة رجل الأمن والذي وللمفاجأة لها، بمجرد أن أفصحت له عن هويتها ورغبتها في زيارة المريضة، سمح لها بالدخول بدون جدال او حتى مناقشات عادية، لتكتشف حقيقة الوضع بعد رؤيتها لها وسرد ما حدث:
– بتقولي ايه؟
– بقولك اللي حصل يا صبا…… بس والله ما كنت اقصد……..
بازبهلال خلى من الاندهاش او أي شيء اَخر، تجمدت تطالعها وهذه الموجة من البكاء التي غرقت بها، لتزيد على بؤسها، وتزيد من شعور الغيظ الذي ينمو داخلها نحوها، حتى انفجرت بها:
– يعني ايه مكنتيش تقصدي؟ دا انتي بنفسك بتقولي ان الكاميرا صورتك بالحجم الطبيعي وانتي بتحطي الخاتم في جيبك، يبقى ازاي بقى متقصديش؟
ضغطت مودة بقوة على عينيها وهذه السيل من الدموع الذي لا يتوقف لتجيبها:
– يا صبا افهميني الله يخليكي، انا الخاتم لقيته ع الأرض، يعني لا دورت في ادراج ولا حتى مديت ايدي في جيب الست، غلطت اني حطيته في جيبي، لكن والله ما كنت اعرف ان قيمته غالية كدة، كنت فاكراه انتيكة ولا تقليد زي اللي بجيبها وبشتريها…..
– انتيكة إيه ولا زفت ايه؟
هدرت بها صبا مقاطعة، لتتابع بشدة غير مبالية لحالتها:
– دي سرقة يا مودة، ومش سرقة حاجة هينة، لا دا الماظ يا غالية، يعني لو بعتي بيتكم والعمارة اللي انتي ساكنة فيها برضو مش هتجيبي تمنها.
ردت مودة بتشدق عن قناعة ترسخت داخلها بوجود الحل:
– بس اقدر أجيبه هو نفسه لو هما خرجوني، لأنه أكيد وسط هدومي اللي قلعتها أو حتى اتنتر تحت الدولاب أو السرير، انا بس اخرج وهقلب الاوضة واطلعه ان شاء الله.
التوى ثغر صبا بحنق وضيق من سذاجة مودة التي أصبحت ترهقها ذهنيا بالفعل، لتوجه سؤالها لها بسأم:
– ودا هيحصل ازاي بقى يا ناصحة، والقضية لابساكي لابساكي؟ هتقنعيهم ازاي يعمولها دي ويخرجوكي؟ ولا يكونش فاكرة ان الست صاحبة الخاتم هترضى تتنازل ولا تعمل معاكي صلح، على أمل انك ترجعيلها الخاتم.
– لا ما انا عرضت الفكرة ع الست واتحايلت عليها، لكنها مرديتش.
قالتها مودة لتصدمها صبا بردها:
– ما هو دا الطبيعي على فكرة، مين هيصدق اساسًا واحدة بتقول هروح ادور، دي عاملة زي حين ميسرة كدة.
صمتت مودة فجأة لتطالعها بنظرات غير مفهومة، أثارت الريبة بقلب صبا، قبل أن تخرج ما في جعبتها:
– بس انا اعرف حل تاني يا صبا، واحد لو اتدخل بتقله مع الست دي، هيخليها ترضى بالصلح.
انتظرت صبا باقي الحديث بأعين متسائلة، لتردف لها الأخرى:
– صاحب المول اللي مأجرة فيه الست دي محلها، يبقى عدي باشا، مالك الفندق بتاعنا.
رغم تفاجئها بالأسم وموقعه في هذا الشيء القاسم في مستقبل صديقتها، إلا أنها ما زالت لم تفهم بعد غرض الأخرى من ذكره، وسألتها مباشرةً:
– أيوة يعني ودا هيحلها ازاي؟ دا مش بعيد يطردك لو عرف باللي حصل.
– ممكن!
دمدمت بها مودة وملامحها ازدادت غموضًا لتبتلع ريقها بتردد وتفكير، قبل أن تحسم امرها قائلة:
– صبا انا واقعة في عرضك تساعديني.
– اساعدك في إيه؟ والله لو في إيدي مش هتأخر، ولو ستك تسمحلي هدخل البيت واقلبه لحد ما الاَقي الخاتم.
قالتها صبا بعفوية ونية صادقة في نجدتها، مما شجع الأخرى على المواصلة
– لأ يا صبا، انا مش هطلب منك تدفعي ولا تروحي لستي، لأن انا عارفاها وعارفة طبعها كويس، دي ممكن تعمل فضيحة في العمارة كلها وتجرسني لو عرفت باللي حصل، انا بس هطلب منك تكلمي عدي بيه يخلي الست تتناز…….
– أكلم مين؟ هو انتي اتجننتي؟
هتفت بها صبا بمقاطعة حادة وعدم تقبل للفكرة من الأساس، ولكن الأخرى انهارت تستجديها بالبكاء:
– يا صبا انا مليش حد غيرك يساعدني في الموضوع ده، ابوس إيدك اقفي معايا، انا مش طالبة منك غير تقولي الحقيقية، يمكن قلبه يحن ويديني فرصة.
فاض بها لتمسك بكفيها على جانبي رأسها تردد بعدم تحمل:
– الله يخرب بيتك، الله يخربيتك يا شيخة، هو انتي فاكرة اللي بتقوليه ده سهل اوي كدة، ولا انا اساسًا ليا معرفة بيه اوي الراجل ده عشان يقبل وساطتي، ثم تعالي هنا، انتي مش قولتي ان اللي اسمها ميرنا كانت معاكي في المحل بتنقي هدوم هي كمان، ما تغور بقى تكلمه ولا تستعطفه، مش برضوا ليها كلام معاه.
بنظرة منكسرة بواقع المغلوب على أمره، خرج صوت مودة بدمدمة متحشرجة بألم:
– قولتلها بس هي مارضيتش، وقالتلي كفاية انك ورطتني معاكي وكنت هروح في داهية بسببك، يعني مليش غيرك يا صبا، لو سيبتيني محدش هيلومك، بس انا ساعتها هروح في داهية ومش هلاقي حتى حد يسأل عني، وحتى لو مت في السجن برضو محدش هيحس بيا.
زفرت صبا، لتطرد حزمة كثيفة من الهواء مشبعة بمشاعر الحنق والغضب منها ومن هذه الصداقة التي جمعتها بها، وكأنه الحمل الثقيل التي ابتليت به، ومع ذلك لا تقدر على كرهها او حتى منع التأثر بما أصابها، لتردد في الاَخير بيأس وقنوط:
– انا كان مالي ومالك بس، دا كان يوم مهبب يوم ما تعرفت عليكي.
❈❈-❈
– لدرجادي كنتي بتحبيه؟
سألها حسن وقد توقف عن تناول الطعام وعن الانتباه لأي شيء آخر دونها، وقد احتلت تركيزه، مع تمعنه بكل تعبير من ملامح وجهها التي كانت متألمة الاَن بتذكرها للماضي الذي حفر الجراح بداخلها، حتى أصبحت ندوبًا يصعب اندمالها، وجاء ردها على سؤاله:
– ابويا كان دنيتي الحلوة، بعد ما توفت أمي ولما اتجوز مراته التانية، دايمًا كان بيعوضني ويحسسني اني نمرة واحد عنده، عشان متأثرش بفرحته بأي واحدة اتولدت من اخواتي، فضل يدلعني ويفتخر بيا قدام الناس، لحد ما في يوم وقع وراح مني في غمضة عين، عشان أصحى ع الكابوس الكبير، تعبه وشقاه في تأسيس مكتب المقاولات، مسؤلية اخواتي ووالدتهم معاهم، واحنا ملناش قرايب من طرف ابويا غير في البلد.
قاطعها بتخمينه الطبيعي في هذه اللحظة:
– عشان كدة نزلتي مكانه ولبستي لبس الرجالة؟
بضحكة خالية من أي مرح عقبت :
– ياه يا حسن انت مستعجل أوي، دي كانت اَخر مرحلة على فكرة.
قطب باستفهام سائلًا:
– ليه بقى؟ هما كانوا مراحل؟
– أينعم .
تفوهت بها، لتردف متابعة بالعد على أصابعها:
– اول حاجة كانت مرحلة الحزن الشديد واحساس اني هموت من غيره؟ تاني حاجة كانت مرحلة التخبط في دنيا انا مش فاهمة هكمل فيها ازاي؟ تالت حاجة كانت الفوقان بقى.
قالت الاَخيرة لتتوقف برهة بملامح اشتدت فجأة، ليردف هو متسائلًا:
– فوقان من إيه بالظبط يا شهد؟
ردت ولمحة من القسوة والتصميم اعتلت تعابيرها:
– فوقان على الدنيا الصعبة وغدر البشر، الناس اللي كانت محاوطانا من كل جهة وانا فاكرة انهم حبايبنا اللي بيواسونا، اكتشف انهم بيعملوا لمصلحتهم، وبيقسموا الورثة، لا وكمان جايبين اللي يشتري المكتب والمقاولات، حتى الشقة اللي احنا قاعدين فيها.
– دول كانوا من أهل مرات ابوكي صح؟
قالها حسن بفراسة وذهن صاحي، وكان ردها بإماءة برأسها لتردف:
– كانوا فاكرينها ميغة، ياخدوا بنتهم بالعيال وانا بقى اشوف نصيبي واتجوز بابن الحلال اللي يشيل…..
ضغطت في الاَخيرة لتكظم غضبها، متذكرة ابن الحلال المقصود هذا……. ثم ما لبث أن تمالكت لتكمل:
– ساعتها قلبت الطرابيزة على راس الكل ووقفت وقولت اللي لو شبر في ملك ابويا، يجي ويدب رجله فيه.
– برافو يا شهد.
قالها حسن بنبرة قوية امتزجت بالفخر، وجاء ردها بسخرية:
– برافو على ايه يا عم؟ دا انا طلع عيني اول ما دخلت الكار الزفت ده، دا غير ان الكل كانوا بيستهزئوا بيا ومفتكريني لقمة طرية عشان بنت، وياما اتضحك عليا لدرجة اني كرهت نفسي وكنت هحلق شعري واعمل راجل بحق، عشان اغير صورتي قدام العمال وأصحاب العمل ويحترموني، لكن ابو ليلة ربنا يخليه كان معايا خطوة بخطوة، هو اللي وقف جمبي، وكان سندي وسط الديابة والكار الصعب ده، اكيد يا بشمهندس انت على علم بالبلاوي الزرقا اللي فيه.
تناول كف يدها التي كانت باردة في هذا الوقت، لينقل دفئه إليها، وطبع قبلة تفخيم واجلال لها قائلًا:
– اللي انا عارفه كويس دلوقتي يا شهد، هو اني بحبك، وربنا يقدرني أعوضك عن كل سنين الشقا اللي شوفتيها في حياتك، وبكرة الأيام تثبتلك إني سندك.
❈❈-❈
ظلت ساهرة محلها في الشرفة تنتظره بقلق يعصف بها ، وبرغم التأخير والبرودة التي اشتدت قسوتها في الليل، لفت جسدها بشال من الصوف وثبتت محلها دون كلل أو ملل حتى وصل والساعة تقترب من الثانية والنصف، بقلب متلهف تلقفته بالعناق فور دلوفه الغرفة مهونة بالكلمات:
– الف حمد الله على سلامتك يا حبيبي، انا كنت هموت من القلق عليك.
نزع يديها عن عنقه قائلًا بجمود:
– ليه يعني؟ ما انا كل يوم بتأخر، ايه اللي جد؟
تلبكت باضطراب، وخرج صوتها بتلعثم:
– اا أنا قصدي يعني عشان…….. الكلام اللي قالته مي…سون.
– قصدك يعني لما عايرتني بعدم الخلفة.
باغتها بالرد، لتنتبه هي لهذه القسوة التي غلفت ملامحه، بواجهة ثلجية يحدثها وقد اختفى الدفء بعينيه الذي كان يحاوطها في كل نظرة منه لها، ابتلعت غصتها مقدرة حالته، لتسحبه من ذراعه قائلة بتهوين:
– معلش يا حبيبي اعذرها، هي برضوا فراق عدي عنها مأثر فيها ومخليها زي القطة اللي عايزة تهبش في أي حد يقرب منها ومن ولادها.
أجلسته على الاَريكة الاَثيرة، لتجلس بجواره متغاضية عن النظرات الحادة التي كان يحدجها بها، مرجعة السبب لغضبه من ميسون قبل أن يفاجئها بقوله:
– طب هي واديها عذرها، انما انتي يا نور إيه عذرك؟
رفرفرت بأهدابها تستوعب وتعيد برأسها، معتقدة أنها سمعت خطأ، حتى سألته بعدم تصديق:
– أنا إيه يا حبيبي؟ انا نور حبيبتك.
مال بجسده نحوها، يخترق بسهام عينيه خاصتيها، وكأنه يصل بكل سهولة إلى اغوارها، وما تخبئه بهذا البئر العميق داخلها، فخرج صوته بخواء:
– انتي فعلًا حبيبتي، بس بتعملي إيه عشان ترضيني؟ بتطبطبي، بتدلعي، بتحسسيني بحبك وخوفك عليا، تمام، لكن في المقابل بقى، بتحاولي مثلا تتخطي ولا تخرجي الصندوق الأسود اللي حفظاه جواكي، والمسبب الرئيسي لكل المشاكل اللي احنا فيها؟ لا يا نور، انتي لما تتزنقي بتاخدي الطريق السهل، وتقوليلي اتجوز وخلف ، وكأن انا راجل متاح كدة لأي واحدة تخش حياتي اتجوزها واخلف منها على طول، طب مفكرتيش الست دي لو جمعتني بيها مشاعر، ولا افرضي مجمعتش، ومرت كدة في حياتي، الطفل أو الطفلة، هربيهم ازاي من غير امهم؟ ولا اسيب امهم في حياتي بدون محل للأعراب؟…….
توقف برهة يراقب الدموع التي تدفقت على وجنتيها، ليردف اخيرًا وهو ينهض بما يزيد على ألمها:
– إنتي مش حاسة بيا يا نور.
❈❈-❈
في اليوم التالي
وفي مقر عملها، بعد أن ذهبت إلى قسم النظافة، وبررت غياب مودة بحجة مرض شديد الزمها البقاء في منزلها، حتى لا يضيع عملها، بتمسك واهي لمستقبل على وشك الضياع هو الاَخر.
كانت صبا على حالة من الشرود منذ الأمس، تعصف بها حيرة قاتلة، لا تدري ماذا تفعل؟ اتذهب لهذا الرجل تطلب منه المساعدة في واقعة مؤسفة كهذه؟ أم تتجاهل الرجاء والبكاء وتتركها لنصيبها، ولكن كيف؟
حتى وهي مخطئة بغباءها، لكنها الأعلم بهذا العيب الخطير بها، ف السبب الرئيسي هو الحرمان الشديد والظروف القاسية التي نشأت عليها، حتى وان كان هذا ليس بالمبرر، ولكن المحك الرئيسي الاَن هو مستقبلها، بدخول السجن سيضيع مستقبلها، وقد تركت الأمر بيدها في انقاذ مستقبلها، طردت من صدرها تنهيدة مثقلة ومشبعة بهم كانت هي في غنا عنه، ولكنها ورغم ذلك لا تجد خلاص منه.
– مالك يا صبا؟
سألها شادي بقلق لحالها ارتد عليه، وقد توقف عن العمل متذ فترة طويلة، مركزًا انتباهه عليها، فهيئتها لا تقترب أبدًا من المعتاد منها، فجاء ردها باضطراب:
– لااا مفيش حاجة، متشغلش نفسك انت.
بإنكارها المتعمد ازداد تجهمه ليعاود السؤال مرددًا بعصبية هذه المرة:
– إزاي يعني مخدتش في بالي؟ انتي شكلك بيقول ان في مصيبة حصلت.
نفت بهز رأسها، وقبل أن تتفوه بكلمة سبقها بتخمينه:
– هو ابوكي فاتحك تاني في موضوع الجواز من ابن عمك؟
فاجئها بقوله لتزبهل لبعض الوقت، باضطراب واضح عن رد مفيد له، فتابع بانفعال أكثر:
– ما تردي يا صبا، انتي ساكتة ليه؟
– طب يعني عايز ارد اجولك ايه؟ اهو موضوع وخلاص شاغل بالي، لازم تعرفه؟!
خرجت منها بعصبية لم تحسبها حسابها، فالتحقيق معها الاَن كان آخر ما ينقصها، مع وجع الرأس الذي يفتك بها من التفكير، ولم تدري بخطئها سوى بعد رؤية تأثير كلماتها عليه، وقد تبدلت ملامح وجهه، ليرمقها بنظرة لم ولن تنساها أبدًا قبل أن يتنحى عن جهتها، موجهًا انظاره نحو الحاسوب الذي يعمل عليه بصمت مهيب، جعلها تتراجع على الفور قائلة:
– أنا أسفة والله مش جصدي بس…..
قاطعها بحدة ضاربًا بكفه على سطح المكتب.
– أنتي حرة………
كان يصلها صوت أنفاسه الهادرة وإظلام وجهه كان خير دليل، ليثبت لها خطئها في حقه، ابتعلت لتحاول مرة أخرى على استحياء:
– يا مستر انا…….
أوقفها هذه المرة ملوحًا بكفه أمامه لتصمت وتبتلع الباقي داخل جوفها، وبنظرة نارية مشتعلة بحالة الغضب الذي كان ينضح منها، أنتبهت أيضًا على الألم الذي رأته به، لينهض فجأة منهيًا الحديث متناولًا أحد الملفات التي يعمل بها، وخرج دون استئذان ليتركها محلها، ينتفض جسدها تأثرًا بما حدث، ليس خوفًا منه، ولكن كان شيئًا اَخر لا تعلم له أسم، شيئًا حفر بقلبها وجعًا، شيئًا جعل الدموع العزيزة من عينيها الجميلة تسقط.
❈❈-❈
– تحبي نروح فين يا هانم؟
سألها العم كريم سائقها المخصوص، بعد أن تنازلت اليوم لتخرج بصحبته وبصحبة الحارس المكلف بها، وقد يأست من تغيرهم في نفس اليوم من قبل كارم، فاضطرت على مضص أن تقبل مرافقتهم حتى يأتي لها بمن هم أكفأ على حسب قوله، ردت باستعلاء تقصده:
– روح ع النادي بتاع العيلة ولو طقت في دماغي اغير السكة هقولك.
قالتها والتفت نحو النافذة موجهة انظارها نحو الطريق، علها تزيح عن رأسها بعض التوتر الذي اصبح ينتابها بحضور هذان الرجلين، تلهي نفسها بتصفح الصفحات المنافسة، واخبار التريندات الجديدة على وسائل التواصل الإجتماعي، النظارة السوداء على عينيها لم تخلعها، متعمدة الظهور بمظهر القوة أمامهم، حتى لا يظن أحدهم أنها تخشى شيء، ولكن كان هذا ظنها، قبل أن تصلها رسالة هذا المجهول مرة أخرى:
– ” كدة برضوا للمرة التانية بتلبسي الطقم الضيق ده، طب أنا مش منبه عليكي ان البلوزة ضيقة اووي، وانا أعصابي من ساعة ما شوفتك بقت سايبة اوووووووي”.
– يا ولا ال……
تفوهت بها بغيظ تحدج الأثنان من ظهروهم بنظرات نارية، لتصرخ فجأة بعدم احتمال:
– وقف العربية بسرعة، وقف العربية بسرعة إنت وهو ، اقف بقولك.
– نعم يا هانم في إيه؟
قالها السائق، ليضيف الحارس أيضًا:
– في حاجة يا رباب هانم؟
صرخت بشراسة بالإثنان ضاربة بقدمها المقعد المقابل لها:
– في ولا مفيش، ملكش دعوة، اقف انت كمان، مش عايزة اشوف خلقة أي حد فيكم ، اقف بقولك.
توقف السائق صاغرًا لأمرها في وسط الطريق، فترجلت بسرعة تأمره للخروج من محله كما لوحت بيدها للاَخر، لتتولى القيادة بنفسها، قائلة بتهديد:
– أنا هقول لكارم يتصرف معاكم إنتوا الاتنين، وديني لخليه يربيكم.
قالتها وانطلقت بالسيارة ليضرب السائق كفًا بالاَخر مدمدمُا:
– لا حول ولا قوة الا بالله، هي الست دي جرا في عقلها ايه بس؟ ولا هي ناقصة يعني دلع نسوان كمان ع الصبح.
ضحك حامد يردد له:
– أديك قولت بنفسك دلع نسوان، تلاقيها عايزة تعمل نمرة على جوزها، تجر من وراها فايدة.
عقب السائق وهو يخرج هاتفه:
– انا هتصل بكارم بيه، يشوف صرفة معاها.
تحرك حامد يلوح لسيارة أجرة أن تقف له، قائلًا:
– وانا هروح له الشركة بنفسي، مش ناقص انا تحميل مسؤلية، الست هي اللي طردتنا، ايه ذنبنا إحنا؟
وبداخل السيارة ضغطت رباب تقود بالسرعة الفائقة، فغضبها كان قد وصل لاَخره، وطاقتها قد نفذت، فلم تعد لديها قدرة على التحمل، حتى حينما اتصل بيها كارم وقد خمنت بذكائها ان أحد الملعونين قد أبلغه بأمرها، تجاهلت عن عمد لتغلق الهاتف بوجهه، وبوجه الحقير الذي يرسل لها الرسائل، وقد احتل عقلها التمرد، غيرت طريقها عن النادي الذي كانت تقصده، متجهة لناحية أخرى، علها تجد السكينة بصحبة من فارقوها، لتغمغم بغل:
– وانت بقى يا كارم خليك كدة، دوق شوية من القلق، يمكن تحس.
❈❈-❈
خرجت صبا تبحث بعينيها عنه، في جميع الأرجاء حولها، فقد طال انتظارها له، وزاد القلق الذي ينهش قلبها، ذهبت في الأماكن المعروف تواجده بها الاَن، كمطبخ الفندق مثلًا ليجمع البيانات المطلوبة، كما عادت الكرة لقسم النظافة وغيرها من الأماكن ولكن لم تصل لشيء، وقد أكد لها الجميع عدم حضوره اليوم من الأساس، ليزيد صداع رأسها، بشعور الذنب أيضًا، وهي التي لم تنتهي بعد من موضوع مودة والمشكلة التي تطوق رقبتها بها، شعور بالاختناق، يحجب عن صدرها الهواء، وهذا الحمل الثقيل لا تجد منه مهرب.
تنهيدة متعبة صدرت منها حينما وقعت عينيها على غرفة هذا الرجل مالك الفندق، ماذا ستفعل؟ وبماذا تخبره؟ عقلها توقف على الإطلاق، حتى تحركت يدها على غير إرداتها وبجرأة لم تتخيل أن تصدر منها قبل ذلك، في الاتصال برقم رجل غير أباها واخوتها الرجال، بقلب وجل كانت تنتظر الرد حتى انتهت نغمة الاتصال دون رد، همت لتعاود الكرة لتفاجأ هذه المرة بإغلاق الهاتف.
أغمضت عينيها لتفتحهم على وسعهم بعد ذلك وقد حسمت أمرها، فلا داعي للإنتظار أكثر من ذلك في أمر منهي، وهي تعرف من البداية انه لا مناص من التهرب أو التأجيل.
سحبت شهيقًا طويلًا حتى تتمالك وتفكر بعقلانية في خطاب هذا الرجل، سارت ببعض الثقة وقد أجمعت أمرها أن نيتها الأساسية هي المساعدة في فك كرب صديقتها، ومن قصد الخير ف الله المستعان في توفيقه .

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى