روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية وبها متيمم أنا الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء السابع عشر

رواية وبها متيمم أنا البارت السابع عشر

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة السابعة عشر

التفت بفستانها الجديد أمام المراَة وكأنها طفلة صغيرة في يوم عيدها، نوع جديد عليها لطالما رأته على واجهات المحلات ولم تجرأ حتى في الحلم أن ترتديه، نوع لا تعرف اسمه ولكنه قصير يظهر رشاقة جسدها بشكل محبب، لونه الفوشيا ضاف على بياض بشرتها توردًا ونضارة، تشعر أنها واحدة أخرى ليست مودة التي تعرفها، زينة وجهها المتقنة، قصة الشعر القصير وقد فردته مكواة الشعر ليغدوا ويطير مع خطواتها، فرحة تغمرها لتجعل احلاما وأماني تداعب خيالها شاعرة أنها على وشك القرب من تحقيقها.
– عجبك الفستان يا مودة؟
قالتها ميرنا بجوارها، وهي تقف أمام المرأة الأخرى في غرفة لتبديل الملابس، التفت إليها الأخرى ليفتر فاهها وتتوسع عينيها بإعجاب شديد، لما ترتديه الأخرى من فستان أسود وضيق انساب على جسدها، حتى اعلى الركبة البيضاء الامعة والناصعة بإغراء، فقالت مودة بانبهار؛
– يا لهوي، بسم الله ما شاء الله يعني، ايه الحلاوة دي؟
اطلقت الأخرى ضحكة رنانة وهي تعدل من شعرها الطويل وتقول بزهو:
– يا ختي انا بسألك عن فستانك انتي مش عني .
– ما انتي حلوة وتعجبي الباشا، معقول ولا حد من الناس دي كلها يقدر الجمال ده ويتجوزك؟ دا انتي حقك تبقي هانم.
– ما انا برضوا هانم يا بت، بس في نفسي
قالتها ميرنا بتهكم ساخر لتتابع بغمغمة خفيضة مع نفسها.
– قال اتجوز قال.
خاطبتها مودة بامتنان:
– ميرنا، انا مش عارفة اشكرك على ايه ولا ايه؟ ع الفستان ولا ع المكياج، ولا ع الشفت الإضافي اللي نفذت منه النهاردة بمعجزة من الست الولية الظالمة، والبركة فيكي.
ردت ميرنا بطيبة مصطنعة:
– عيب عليكي يا بت احنا اخوات متشكرنيش، بس برضوا متقوليش على ريستك ظالمة، الست يا حبيبتي معذورة، النهاردة يوم مش عادي، واديكي شوفتي معظم الموظفين مطبقين، غيرش بس صاحبتك دي اللي جاية تحضر النهاردة بحجز متأنتكة ولابسة، ولا اكنها من الجمهور، والبركة في سي شادي جارها، اللي شايل كل حاجة فوق راسه.
عقبت مودة تمط شفتيها بتحسرة
– صبا دي مدلعة وحظها ماشي في كله، هتيجي يعني ع الشغل، يالا بقى، المهم يا ميرنا، انا مش عايزاك تسيبني لوحدي النهاردة، معلش يعني، اصل انا زعلانة منها، ومش عايزاها تفتكرني محتاجالها، بعد ما طنشتني وسابتني.
ردت الأخرى تطالع صورتها عبر المراَة:
– ولا تشيلي هم فيها دي، انا هخليكي تقضي الحفلة وتنبسطي اخر انبساط.
تبسمت مودة بانشكاح، لينعقد كفيها خلف ظهرها وتهتز بسعادة بحركة غريزة تفعلها كالأطفال، ثم توقفت فجأة مستدركة:
– صحيح يا ميرنا، انا شوفت النايت اللي بتشتغلي فيه من شوية بيشغي بالناس والضيوف، ازاي مقرطوش عليكي انتي كمان عشان تاخدي اضافي.
ردت ميرنا بعدم اكتراث مع ابتسامة تميل إلى الغرور وهي تنثر عطرها الخاص:
– عشان انا مش أي حد يا روحي، أنا مميزة عن الكل.
– ازاي يعني مميزة عن الكل؟ مديرك ملوش سلطة عليكي ولا انتي عندك واسطة؟
سألتها بعفويتها لتجعل الأخرى تنتبه لخطئها، والتلفت إليها بجدية قائلة بإنكار:
– لا طبعًا مفيش الكلام ده، دا انا كنت بهزر معاكي، وحكاية إني فلت النهاردة من الشغل الأضافي، فدي عملتها بالتنسيق مع واحدة زميلتي.
أومات مودة بهز رأسها، وقبل أن تخرج بسؤال آخر، سبقتها الأخرى بقولها:
– احنا هنقضيها اسئلة وكلام طول الليل، مش ياللا بينا بقى ناخد الليلة من أولها.
ردت مودة بلهفة وقد عاد إليها الحماس لتلقي بنظرة اخيرة على طلتها أمام المراَة:
– أيوة بقى يالا بينا.
❈-❈❈
إحساس بالرهبة وفرحة صاخبة تجعلها تكبت رغبة مجنونة كي تصيح بصوتها العالي معبرة عن فرحها، لقد صافحت نجمها المفضل والتقطت عدد لصور تذكارية معه على هاتفها لازالت تتأملها حتى الآن، وعدد اَخر بهاتف رحمة التي كانت تسحبها من مرفقها الاَن، للابتعاد عن محيط النخبة المخملية، ثم يقفن بجانب ما بالقرب من المدخل، في انتظار شادي الذي كان يتحدث مع أحد الموظفين بالفندق يعطيه بعض التعليمات..
– أنا مش مصدقة نفسي يا رحمة، سلمت على عمر دياب وهزر وضحك معايا كمان؟
ردت رحمة تشاكسها:
– مش لوحدك يا اختي، أنا كمان سلمت واتصورت وهزر معايا، اه يعني مش انتي لوحدك اللي حلوة.
تبسمت صبا قائلة:
– مش حكاية حلاوة ولا وحاشة، هو فنان جميل اساسًا مع الكل، انا بشوف أغانيه وحفلاته ع الفون وشاشة التليفزيون، دايما فرفوش وبيضحك، فنان جميل بجد.
تبسمت رحمة لسعادتها تقول:
– واديكي هتحضري حفلته ع الطبيعة يا ستي. هيصي، بقى.
– حاضر ههيص، بس انتي عارفة احلي حاجة في الموضوع ده ايه،
قالتها صبا لتتوقف ثم تخطف نظرة للخلف شديدة الإمتنان نحو شادي مستطردة:
– ان الموضوع ده جه فجأة، والبركة في شادي اخوكي ربنا يحفظه، وينول اللي بيتمناه يارب.
رددت رحمة خلفها وعينيها تتنقل من صبا إلى شادي بتمني داخلها:
– يارب.
❈-❈❈
– جامدة، بس انتي برضوا لازم تمسك نفسك عن كدة.
قالها كارم بمغزى ليلتف نحوه عدي قائلًا:
– امسك نفسي ازاي ليه؟ هو انتي شايفني قومت عندها يعني؟
ألقى كارم بنظرة للخلف نحو مجلس النساء الذي يضم زوجته وبهيرة شوكت وميسون زوجة الاخر ليقول هامسًا:
– يا بني خلي بالك، انفعالك في الرد اساسا غلط، دا غير انك مش شايل عينك من ع البنت، دي القاعة على اخرها ولا انتي مش واخد بالك؟
زفر الاَخر، ليعود بظهره للاَريكة مرددًا:
– واخد بالي طبعًا يا كارم، بس انا مش عارف ايه اللي بيحصل معايا، محتار ومش لاقي مدخل معاها، انت لو مكاني تعمل ايه؟
رد كارم رافعًا حاجبه بثقة:
– الفلوس تشتري كل حاجة في الدنيا.
ابتسامة متهمكة اعتلت ثغر الاَخر يرد:
– وكأن مستنيك تقولها، انا، عايز بس مش لاقي الطريقة اللي توصلني، معتزة بنفسها اوي، دا غير انها زي ما انت شايف كدة، بتشد النظر ناحيتها من غير مجهود، والزفت شادي بيستفزني بعمايله معاها، بيقوم بمعظم الشغل وحده، واكنه جايب بنت اخته يفسحها.
ألقى كارم بنظره متفحصة نحو شادي الذي وقف بابتسامة يتحدث مع شقيقته وصبا، ليُعقب قائلًا:
– دي مش نظرة واحد لبنت اخته، ولا حتى لاخته.
– قصدك ايه؟
قالها عدي والتف نحو الجهة التي ينظر بها كارم والذي تابع له:
– اصل انت مركز مع البنت ومش واخد بالك من الولد.
وصل إلى عدي ما يرمي إليه الاَخر، لتضيق عينيه بتفكير مراقبًا الإثنان، ومتابعًا في نفس الوقت أجواء الإحتفال الخاص ، قبل احتفال الجمهور.
❈-❈❈
بعد انتهائهم من معظم المجاملات الضرورية مع رجال أعمال ومسؤلين وشخصيات شهيرة بالمجتمع، اجتمع الأصدقاء بجلسة وحدهم، فقال جاسر:
– الليلة تجنن يا مصطفى، تليق فعلا بالحفل الخمسيني.
رد الأخيرة بنصف ابتسامة:
– يمكن، بس انا عن نفسي بتمنى الوقت يمر عشان تخلص، حاسس إني مش مرتاح .
تدخل طارق، وانظاره متجهة نحو كارم :
– ومين سمعك؟ انا والله ما قاعد غير عشانك .
عقب جاسر بينهم:
– يا جماعة متشغلوش نفسكم بحد، ركزوا في الليلة وانسو أي حاجة تعكر مزاجكم.
ردت نور:
– ازاي بس يا جاسر واحنا عاملين زي الاغراب؟ طنت بهيرة مقدمة الباشا ومراته مع عدي اللي لازق فيه….. حمد لله بقى مصطفى مش محتاج تعريف.
فقالت زهرة:
– أديكي قولتيها بنفسك، مصطفى عزام اسم اشهر من النار ع العلم، وانتي كمان، دا نص الفنانين هنا جاين مجاملة عشانك، ولا انتي ايه رأيك يا كاميليا؟
خاطبتها عن قصد لتخرجها من حالة الشرود التي تلبستها منذ مجيئها، فردت الأخرى باقتضاب وضعف:
– طبعًا معاكي حق يا زهرة، مصطفى ونور مش عايزين كلام.
شعرت بها نور، لتخاطبها بتأثر هامسة بصوت خفيض:
– لو تحبي ممكن انا وزهرة نتوسط ما بينكم ونصلحكم، انا كمان ملاحظة نظراتها ليكي، رغم تمثيلها والقنعرة اللي رسماها، لكن والله، باينة أوي نظراتها المفضوحة ليكي.
ابتسامة مريرة ارتسمت على ثغرها لتقول:
– ما هو دا اللي مضايقني، دي اختي الصغيرة وانا حفظاها، حتى بعد ما قلبت شكلها لواحدة تانية، لكن برضوا واصلني الإحساس اللي انتي بتقوليه ده، وكان ممكن اوافقك ع الاقتراح، بس للأسف هي مش عايزة او بالأصح لسة.
هتف طارق بينهم فجأة:
– لا بقى انا مبحبش جو الكاَبة ده، سيبكم من الرسميات والكلام الفاضي، انا هروح وكاميليتي نسبقكم على حفلة الجمهور، كدة كدة عمر خرج يجهز .
قال الاَخيرة متناولا كف الأخرى ليوقفها، ويقبلها بجرأة على وجنتيها لتلفت انظار الجميع نحوهما، ثم حاوط بذراعه على كتفيها باحتواء متابعًا لأصدقائه:
– حد جاي معانا يا شباب؟
– احنا يا باشا.
قالها جاسر بابتسامة لفعله وهو ينهض ليمسك بكف زهرته التي وقفت على الفور بجواره، فحاول تقليد الأخر ولكنها ابتعدت مبتسمة بخجل، ترمقه بتحذير حتى لا يفعل ويزيدها حرجًا، فشاكسها بتلاعب حاجبيه، ليعقب مصطفي لزوجته:
– قوم يا ست انتي لنبقى زي عواجيز الفرح، دا الباشوات جاين يعلموا علينا.
ضحكت نور مرددة خلفه باستغراب:
– ست انتي! شكل حبيب قلبي عايز يشرفني الليلادي قدام الجمهور
ضحك مصطفى ليضمها من خصرها، ويلحق بأصدقائه، غير ابهًا بأي شيء، ولا حتى بالعيون التي تناظر الثلاث أصدقاء وزوجاتهم بحقد .
❈-❈❈
بعد قليل
في وسط القاعة الضخمة كان الحفل الأضخم، طاولات لكبار الزوار في الصف الأول مع من حجزوا بأرقام خيالية ليكونو بالقرب من المطرب، ليتدرج بعد ذلك اسعار التذاكر في التراجع حتى المقاعد الفردية في الأخير، والتي كانت عليها صبا ورحمة ضمن الجمهور وشادي كالنحلة يجيء هنا وهناك ويطوف عليهن كل دقيقة برعاية وحماية وهن يرددن مع المطرب بمرح.
عارف إنت الحظ بعينه
كان وشِك حلو عليّ
كُل اللي الناس شايفينه
ما يجيش واحد في المية
من اللي أنا لسه ما قولتوش
عارف إنت الحظ بعينه
كان وشِك حلو عليّ
كُل اللي الناس شايفينه
ما يجيش واحد في المية
من اللي أنا لسه ما قولتوش
أنا لو تبقى معايا بيترج القلب ويِتهز
أنا لو تاخذ عيني يا نور عيني يا عيني ما تتعز
ده أنا خايف من العين يا حبيبي
اللي يغير واللي يِجز، يِجز
عارف إنت الحظ آه
أهو إنت الحظ يا حظ، يا حظ
تردد مع رحمة خفيفة الظل بحرية ولكن بحساب ، تضحك وتستمع باستمتاع، وشادي يراقبها ببهجة تغمر قلبه لسعادتها، رغم ضيقه من العيون التي تتابعها، فهي ورغم كل شيء ملتزمة محلها ولا تقف أو تتقصد لفت النظر إليها كما تفعل صديقتها في ناحية أخرى مع هذه المدعوة ميرنا، والذي لا يعلم سرها ولا هذه الصفة المميزة لها بالفندق، فهو يجدها في كل الأقسام تقريبًا.
– ايه يا عم شادي سرحان فيه ايه؟
خاطبه حمدي المسؤل العام ورد الاَخر يجيبه بإرهاق:
– وليك عين تسألني كمان يا حمدي، انا هلكت من الصبح يا بني، دا غير اني سايب والدتي تعبانة في البيت، لولا الست جارتنا، والله كنت سيبتك تحتاس لوحدك.
ضحك الاَخر يربت على كتفه قائلًا بلطف:
– معلش بقى يا عم شادي، هو يوم واحد في السنة، روح ريح رجلك وانبسط مع عمر وأغانيه، هي خلاص الليلة قربت تنتهي اساسًا، يعني لو عايز تروح برضوا ولا يهمك.
تمتم بارتياح:
– الحمد لله، اخيرا جات منك.
تحرك خطوتين ليتابع:
– بس انسى اني اجيلك بكرة اساسًا.
ضحك حمدي بمودة قائلا
– لا يا حبيبي مش لدرجادي، بس جدعنة مني همشي الدنيا على ما تيجي براحتك، ان شاء الله حتى لو بعد الضهر.
تبسم شادي برضا ليتابع طريقه:
– ماشي يا حمدي، الف شكر يا سيدي .
ضحك الاَخر يقارعه:
– لا شكر على واجب يا حبيبي.
❈-❈❈
خطفت رباب بنظرة سريعة نحو الطاولة السعيدة أو الأصح المحظوظة بوجود الجالسين عليها قبل أن تعود لحديثها مع ميسون التي كانت تثرثر، غير مكترثة بالغناء وحالة الصخب المنتشرة في الأجواء حولهم. وذلك بجلستها على الطاولة الرئيسية لأصحاب الحفل، والتي ضمت عدي وميسون وأبنائهم الصغار وكارم زوجها، وبهيرة شوكت المرأة المتعالية والتي همست بغيظ لإبنها الأصغر:
– شايف يا عدي، اخوك وعمايله، بيهيص ويغني زي الرعاع، مع شلة الهم بتوعه، دا بدل ما يقعد معانا، ويتصرف بأصله النبيل ومكانة أهله!
تبسم عدي بجانبية ساخرة يغمغم:
– عندك حق، هي فعلا شلة هم، واحنا اولاد الأصول اللي سعدا بالفعل.
قال الاَخيرة ليخطف نظرة جانبية نحو ميسون، التي تأبي أن تشعره بلهفتها، او ضعفها لوصاله، ثم انتقل لاَخر القاعدة، وهذه الوردة التي تحاوط نفسها بالأشواك وتتحداه، ويتذكر معها كلمات كارم مع رؤيته لهذا الذي يجلس بجوارها، وقد بدأ يستشعر بالفعل صدق نظرية الاَخر.
❈-❈❈
– صاحبتك مودة النهاردة عايشها ع الاَخر.
قالتها رحمة وهي تشير بذقنها نحو الجهة التي تتخذها الأخرى وترقص فيها بحرية مع المدعوة ميرنا، وردت صبا بعد أن ألقت إليها بنظرة خاطفة:
– سيبك منها، دي بت مخها طاقق بتعمل كدة مخصوص عشان تبين نفسها قدامي، لولا بس عارفة انها هبلة وزعلها غبي لكنت روحت سحبتها من شعرها.
ردت رحمة ضاحكة:
– قلبك أبيض يا صبا، هي بتعمل ايه يعني؟ دي اخرها بترقص، طب انا ياريت اكون سفيفة كدة زيها وصغيرة، لكنت عملت عمايل، وكنت ساعتها هكتسح الساحة وقعد الكل في بيوتهم.
ضحكت صبا لتندمج معها :
– يا خسارة، ابو الدهون دي اللي خسرت البشرية موهبة خطيرة وخارقة وعابرة للقارات كمان.
بروحها الجميلة ردت رحمة بدرما تدعيها:
– رغم انك فكرتيني بالدهون ودي حاجة بتضايقني عشان انا انسانة مرهفة المشاعر، بس انتي بتفهمي يا بت يا صبا.
ضحك شادي بصوت مكتوم والذي كان مكتف الذراعين وناظرا للأمام لمتابعة فقرات الحفل، وقد سمع بكل الحديث ليسأل بجدية ذائفة:
– طب يا مرهفة المشاعر يا خارقة، احنا يدوب نروح بقى، عشان الوالدة، وقبل الموهبة الخطيرة كمان ما تلح عليكي للظهور.
ضحكت رحمة قبل أن تجيبه:
– طب ما نستنى شوية، انا اتصلت بوالدة صبا وقالت انها بتتفرج على فيلم مع ماما وبيتسلوا، حتى جوزي ربنا هداه ونيم العيال.
التف بنظره نحو صبا ليسألها:
– تحبي نمشي ولا نقعد شوية؟
أجابت بابتسامة خجلة وعينيها الجميلة تشغله عن التركيز:
– يعني لو شوية كمان….
ابتلع ليزيح أنظاره القريبة عنها وعن سحرها الذي يفقده اتزانه، ليومئ برأسه وبصوت خرج بصعوبة:
– تمام، شوية تاني، بس مش عايزين نتأخر بقى زي ما انتي عارفة.
– متشكرة أوي.
قالتها بفرحة لتلتف نحو الفقرات وعمر يداعب الفنانة وزوجها مالك الفندق مصطفى عزام، دون أن يغفل عن الترحيب بجاسر الريان وصديقه طارق.
❈-❈❈
في اليوم التالي
مع اهتزاز الهاتف المستمر بإصداره صوتًا مكتومًا على الكمود المجاور لرأسها المثقل من الأساس ، حتى كاد يزيد عليها بالصداع، مما جعلها تستفيق من غفوة كبيرة، لا تدري كم الوقت مع الإظلام الكامل في الغرفة، عدا اضاءة الهاتف بورود الإتصال به، بصعوبة رفعت جذعها قليلًا ليمتد ذراعها وتتناول وتجيب على الرقم الغير مسجل بصوت ناعس رغم معرفتها به:
– الوو….. أيوة .
– الوو.. أيوة! ايه عدم التركيز ده؟ هو انتي نايمة؟
– اَه يعني، بس انت متصل بدري ليه؟ هما العمال لسة ميوصلوش الموقع؟
– !!!!!! شهد هو انت نايمة من إمتى؟
– يعني ايه نايمة من امتى؟
رددتها خلفه بعدم فهم، قبل أن تُنزل الهاتف عن أذنها وترى الساعة، فشقهت بصوت عالي وصله عبر الاثير، وهى تتمتم بذهول:
– يا نهار اسود أربعة العصر معقول!
نهضت لتفتح ستائر نافذتها لتتابع:
– ازاي ده يحصل؟ دا أنا عمري ما عملتها.
عقب حسن بروية ليُهدئها:
– إهدي شوية يا شهد، هو حصل ايه يعني لدا كله؟
– حصل ايه؟ إنت بتسأل يا حسن؟ أكيد وقف حال طبعًا، معلش هقفل معاك، عايز اشوف الشغل….
قاطعها بحدة، رغم صخب المشاعر الثائرة بداخله، بعد سماع اسمه منها مجردًا للمرة الثانية:
– عبد الرحيم شغال بالعمال يا شهد وكل حاجة عال العال، استريحي بقى.
سمعت منه لتجلس على طرف الفراش صامتة بارتباك، لا تدري كيف حدث ذلك، فتابع هو:
– كنت عايز أسألك، عاملة ايه النهاردة؟
مسحت بكفها على جانب وجهها تجيبه باستدراك:
– يعني الحمد لله، بس انا حاسة البرشام ده اللي كتبلي عليه الدكتور هو اللي خلاني نمت زي القتيلة ، انا لحد الان مش قادرة أصدق عدد الساعات اللي نمتها.
– ليه برضوا؟ نمتي الساعة كام يعني؟
– مش فاكرة، بس انا كنت مشغولة بالحسابات امبارح والوقت مر بيا واتأخرت في السهر، بعدها شربت البرشامة ونمت…. ثواني.
قالت الأخيرة وقد انتبهت على دلوف شقيقتها الصغرى بابتسامة مشرقة تلقي التحية:
– صباح الخير، ولا نقول مساء الفل يا ست شهد .
هتفت بها الاَخيرة بانفعال:
– ولما انتي عارفة اني اتأخرت يا ست رؤى، سايباني ليه نايمة لحد دلوقت؟ هو احنا ناقصين وقف حال؟
ردت رؤى تقارعها:
– وقف حال ليه يا قلبي؟ ما عبد الرحيم، سحب العمال ودور الدنيا زي ما انتي موجودة واكتر، ثم بالعقل كدة، اصحيكي ازاي وانتي نايمة قريب الفجر بعد سهرك على ملفات الشغل بتاعتك .
– سهرانة لقريب الفجر يا شهد ع الشغل في نفس اليوم اللي خارجة فيه من المستشفى، معقول!
هتف بها حسن بذهول، عبر الهاتف بعد أن وصله قول رؤى، ليتابع:
– لا انتي مفيش فيكي فايدة أبدًا، يا ريت الدكتور ما صرحلك بخروج.
صمتت بحرج، لا تعرف بما ترد، هذا الإهتمام منه، والذي بدأت تستشعره قريبًا، هي ليست بالغبية لتتغافل عنه، ولكنها لا تعرف صفته إن كانت هذه عادته مع الجميع، أم تعاطف مؤقت وسوف يختفي مع الوقت، أم يكون……
– شهد انتي روحتي فين؟
هتف بها يسأل حينما طال صمتها وهو يتحدث إليها من جهته، فردت باضطراب تخفيه:
– أه اه يا بشمهندس انا معاك….. انت كنت بتقول ايه معلش!
– معايا وبتسألي كنت بقول ايه؟ ماشي يا ستي، ع العموم انا كنت بس عايز أكلمك عن الست الوالدة، اصلها لما عرفت مني انك غيبتي النهاردة عن الشغل، زنت عليا عشان تزورك تطمن عليكي، فا انا كنت عايز أسألك يعني لو ينفع……
– الست مجيدة تأنس وتشرف يا بشمهندس، مش محتاجة استذان، دا كفاية انها هتكلف نفسها وتيجي، ربنا يبارك في صحتها.
قالتها بلهجة مرحبة من القلب وصلت إليه بقوة، ليردد خلفها بلسانه وبداخله تداعبه أفكار أخرى:
– اللهم امين، ويباركلك انتي كمان في كل حبايبك.
❈-❈❈
– شرم الشيخ! يعني انا اتنقلت لشرم الشيخ؟
هتف بها محتدًا نحو حمدي الذي ردد شارحًا:
– دي ترقية يا شادي مش نقل، يا بني بقولك بقيت مدير الفرع هناك.
صاح الاَخير غاضبَا:
– وانا مالي بهناك؟ انا شغلي هنا وسكني هنا، والدتي هنا، اسيبك والدتي العيانة يا حمدي؟
– يا حبيبي ومين طلب منك تسيبها؟ خدها معاك ، دا انت هتسكن في فيلا وتقدر تجيب اللي يخدمها وانت عايش باشا.
ردد مستنكرًا بغضب:
– مش عايز ابقى باشا، ولا عايز اسكن في فيلل، لو ده هيخليني اسيب امي لناس غريبة تخدمها، يبقى مش عايز، هو المدير اللي هناك قصر في ايه؟
تنهد حمدي ليردف بمهادنة لصديقه، حتى لا يضيع عليه فرصة يظنها في صالحه:
– يا بني المدير اللي هناك هو كمان اتنقل لفرع تاني، انا مش فاهم انت ليه معقدها؟ دي فرصة وحرام تضيعها منك، وان كان ع الست الوالدة، انا ممكن ادورلك بنفسي على واحدة وتبقالها جليسة كمان، يعني مش هنلاقي واحدة تراعيها بما يرضى الله؟
سمع شادي ليزيد إصرارًا على الرفض مرددًا:
– حتى لو موجودة انا برضوا رافض، ابعد اختي والدتها في العمر ده، وهي متجوزة في نفس العمارة مخصوص عشان تخدمها، ولا انقل اختي بجوزها وعيالها معايا كمان؟ واقلب حياتهم عشان مصلحتي!
صمت حمدي وقد بدا على وجهه الاقتناع رغم مجادلته، فقال بتعب:
– طب انا اتصرف ازاي دلوقتي؟ عدي باشا فاجئني النهاردة بالقرارات دي، وقالي انك كفاءة وتستاهل المنصب هناك.
رد شادي حاسمًا بحزم:
– والله تبلغه برفضي، قبل كان بها تمام، مقبلش يبقى استقالتي اجهزها من دلوقتي.
❈-❈❈
على تختها وهي تطرقع بالعلكة، وتطلي على ظافر قدميها بلون أحضرته جديدًا للتجربة، لترسل إلي الاَخر صورة عبر تطبيق الرسائل تطلب رأيه:
– ها بقى يا ابراهيم، ايه رأيك؟
بعثت بها برسالة صوتية، وكان الرد عبر رسالة مثلها منه هو الاَخر ولكن بعصبية:
– وانا هعرف ازاي انها رجلك؟ ما يمكن تكون صورة من النت نزلتيها عادي، دي حاجة سهلة أوي.
– بعثت له بضحكة رقيعة قائلة:
– يوه عليك يا ابراهيم وعلى كهنك، انا باخد رأيك ع اللون، مش على رجلي.
رد بوقاحة معتادة منه:
– وانا يهمني التانية، ميهمنيش لون المنوكير يا ختي.
سمعت منه لتضحك لمدة من الوقت، يروقها تطرفه الجريء في الحديث، لتستمر بتسلية في مناكفته، رغم علمها بانفعاله احيانًا، والذي قد يتطور إلى سبها وشتيمتها، ولكنها بدأت تعتاد على ذلك، همت لتبعث بصورة أخرى ولكن أوقفت مع انتباهاها، لدلوف شقيقتها رؤى، متجهة بابتسامة صفراء نحوها، ثم دنت بصمت لتتناول من أسفل التخت عدد من كؤس الزجاج باهظة الثمن والتي لا تخرج إلى في المناسبات الكبرى، اوقفتها سائلة:
– خدي هنا يا بت انتي، رايحة فين بالكاسات دي.
بسأم ردت رؤى تجيبها:
– بتسألي ليه؟ اديكي شايفاهم قصادك اهو، بتوعنا، مش بتوعك اللي بتحويشهم لجوازتك!
– عارفة يا ختي، انا بس بسأل، مين المهم اللي جه يزورنا عشان تلطعي دول تضايفيه بيهم؟ انا سمعت الجرس من شوية.
– ولما سمعتي مخرجتيش ليه تفتحي ولا تشوفي، أو تسلمي ليكون حد قريب، ع العموم اللي جه يزورنا هو البشمهندس حسن وامه، جاين يطمنوا على شهد، سيبني بقى خليني اقدملهم عصير المانجا قبل ما تسخن.
قالتها رؤى بسأم لتبتعد مغادرة على الفور، تاركة شقيقتها تغمغم خلفها بمصمصة شفتيها:
– وعصير مانجا كمان! طبعًا، وهو فيه قد البشمهندس ولا امه.
قالتها وانتفضت على اتصاله الهاتفي، لتلتقطه على الفور وتجيبه:
– أيوة يا ابراهيم..
– أيوة مين يا بت الجزمة؟ عمال ابعتلك في الرسايل وانتي لسة فاتحة، روحتي فين من غير تستأذني؟
بلجلجة ردت تهادن عصبيته:
– يا حبيبي انا متحركتش من مكاني، دي البت رؤى هي اللي دخلت عليا، وشغلتني بموضوع الضيوف اللي جات لنا.
– ضيوف مين؟
– بتقول انه البشمهندس دا اللي اسمه حسن وامه، دول اللي زاروا شهد في المستشفى.
– نعم .
صاح بها لترد بدفاعية على الفور:
– بس انا قاعدة هنا في الاؤضة ومخرجتش والله ولا شوفتهم.
بصيحة قوية هتف بها:
– ومين اللي قاعد معاهم دلوقتي؟
– هيكون مين يعني؟ شهد طبعًا.
– هي…. وهو…. وفي البيت عندكم، انا جاي حالا دلوقتي اشوف المسخرة دي
– مسخرة ايه؟
تمتمت بها بعدم فهم، لتجفل بإنهائه المكالمة وقد عزم أمره
❈-❈❈
في صالة المنزل الذي تزوره لأول مرة مع ابنها، كانت مجيدة تنصت بامتعاض لثرثرة نرجس التي استلمتها من وقت حضورها بترحيب مبالغ فيه، وفتح مواضيع شتي بلهفة وكأنها على معرفة معها منذ زمن، ولكن ما كان يصبر قلبها هو النظرات المتبادلة بين ابنها وشهد الجالسة على المقعد المقابل لهما.
– ساعتها يا ست مجيدة انا كان عندي يجي عشرين سنة لما اتجوزتوا، حظي بقى اللي خلاني اقبل بواحد متجوز ومعاه بنت، بس كنت هعمل إيه؟ وانا مطلقة قبله من راجل مكملتش معاه سنتين من غير خلفة، ابويا شكر في والد شهد، وقالي تتجوزي واحد مجرب، أحسن ما تتجوزي واحد بطوله ويطلع بعدها ما بيخلفش زي الأولاني، وانا مش ناقصة العمر يضيع مني، هو العمر فيه وقت عشان اقعد كام سنة من غير خلفة.
تدخلت مجيدة توقفها قبل أن تخطيء، فهذه المرأة التي تبدوا كالبلهاء، لا تراعي ما يتفوه بها لسانها وقد يجرح شهد:
– رزق الأولاد دا بإيد ربنا يا ست نرجس، المهم بقى خلينا في شهد اللي وشها نور النهاردة عن امبارح.
قالتها لتنتبه عليها الاَخيرة لتتابع موجهة الحديث إليها::
– حسن قالي عن المقلب اللي عملته فيكي رؤى، لما سبتك ومرضيتش تصحيكي، انا البت دي عجبتني اوي على فكرة.
– عجبتك عشان سابتني نايمة وضيعت عليا اليوم؟
قالتها شهد لتضحك مجيدة ويشاركها البقية، وحسن يضيف عليها:
– لا والاحلى يا ماما لما اتصلت بيها ولقيتها بتقولي انت ليه بتكلمي بدري؟
أطرقت شهد بخجل لتخفي ابتسامتها وقهقهت مجيدة بتسلية لرؤية هذا الوجه الجديد لها، قبل أن تلج رؤى حاملة بيدها صنية العصير بالكؤوس الفاخرة، وتدخلت معهم وهي تناول المرأة وابنها في أيديهم:
– لو تحبي، اعملها كل يوم يا طنت مجيدة؟
ردت شهد من محلها:
– دا على اساس أني هعديها المرة دي، استني بس على ما افوقلك، و هعرف اجيب حقي منك.
قالتها ليُعدن للضحك مرة أخرى، حتى أمسكت مجيدة كأس العصير ترتشف منه، لتسألها نرجس على الفور:
– عجبك العصير يا ست مجيدة؟
ردت الاَخيرة بابتهاح قائلة:
– جميل والله، تسلم إيديها القمر دي
سمعت نرجس لتنطلق مردفة بحماس:
– لا وما شوفتيهاش كمان لما تفضى من المذاكرة وتاخد الأجازة، طبيخ وغسيل وتنضيف، وترتيب في البيت، مبتخلنيش عايزة حاجة ابدًا، دي رؤى دي اللي هياخدها هيبقى يا حظه، انا نادراها لو لقيت اللي يستاهلها، والنعمة لاطلعها من الدراسة لو حتى في الثانوي كمان.
توقف العصير بحلق مجيدة وقد فهمت على مغزى كلمات المرأة الغبية، لتنقل بأنظارها نحو رؤى التي اظلم وجهها لترمق والدتها بغضب، وحسن الذي ارتكزت أنظاره على شهد التي أطرقت بنظرها لحظات، قبل أن تعود إليهما مدعية التغافل، لتغتصب ابتسامة وتخاطبها بلهجة تبدو طبيعية:
– منورة يا ست مجيدة، زيارتك ليا هنا وفي المستشفى على راسي والله
على الفور ردت الاَخيرة بابتسامة لها:
– يا حبيبتي متقوليش كدة، ربنا يديم المحبة، بس انا عايزة زيارة منك بقى، مدام خفيتي تيجي وانتي ساحبة المجنونة صاحبتك البت لينا دي عسل.
اندمجت شهد لتضيف إليها:
– وطيبة جدا والله رغم جنانها دا، ووالدتها الست أنيسة، دي كمان تتحط ع الجرح يطيب.
– بجد!
هتفت بها مجيدة لتتابع بانتباه شديد :
– طب ما تحكيلي عنها الست أنيسة دي.
– تحكي ايه يا ماما؟ احنا يدوب نمشي كفاية كدة.
قالها حسن لتجادله مجيدة باعتراضها، قبل أن يقطع الحديث صوت جرس المنزل، ويقتحم عليهما ابراهيم الجلسة، بعد أن فتحت له أمنية.
– مساء الخير عليكم.
هتف بها بصوت عالي ليجلس أمامهم واضعًا قدمًا فوق الأخرى.
ردت مجيدة وحسن التحية مع باقي الأفراد، إلا شهد التي طالعته هو وأمنية بحنق، ليزيد ابراهيم استعرضًا:
– منورين يا جماعة، معلش اتأخرت عليكم، بس انا كنت مشغول .
اومأت له مجيدة تهز رأسها بعدم فهم أصابها كالبقية، وتابع هو بقصد:
– انا صحيح ابن أصول ومبدخلش البيت هنا عشان كله حريم رغم اني خاطب أمنية اللي هي بنت خالتي، لكن مدام البيت دخل فيه راجل، يبقى لازمله راجل يقابله، ولا انت ايه رأيك يا بشمهندس؟
بابتسامة جافة التوى ثغر حسن دون رد، لتتكفل شهد به:
– انتو هتقعدوا تتعشوا النهاردة معانا يا جماعة، انا وصيت مرات ابويا من قبل ما تيجوا، يعني دي مسألة مفيهاش هزار.
احتدت عيني ابراهيم نحوها بنظرة مشتعلة، انتبهت لها مجيدة لتنهض قائلة بزوق قبل أن يتطور الوضع:
– مرة تانية يا حبيبتي، هو احنا حنروح من بعض فين يعني؟
– لأ ازاي؟
هتف بها شهد لتتابع في محاولات مع المرأة وحسن الذي انسحب هو الاًخر بخطوات مثقلة بعد أن تشبعت الأجواء بالتوتر، ونظرات هذا المدعو ابراهيم لا تبشر بالخير، ود الا يتحرك ويتركها معه ولكنه لا يريد لها الضرر بوجوده، وقد فهم ما يرمي إليه هذا الملعون.
❈-❈❈
خارج المنزل
وبعد أن دلفت لتجاور ابنها داخل سيارته، لتجد أنظاره معلقة على المبنى الذي خرج منه بقلق، ويده لا تقوى على اشعال المحرك.
– خايف عليها؟
سألته ليلتف برأسه نحوها ويناظرها باستفهام، فتابعت بتوضيح:
– انا قصدي على شهد، عشان الواد ده خطيب اختها اللي اقتحم القعدة بكلامه الغريب.
رد حسن بانفعال:
– دا متخلف يا ماما، بيلمح بطريقة غبية، وانا اللي اعرفه عن شهد انها شخصية قوية، دي بتحرك رجالة بشنبات في شغلها، ودول رجالة بجد، مش عيال هبلة زيه.
ردت مجيدة تقارعه:
– طيب ولما انت قلبك مطمن كدة، واقف لسة مستني ايه؟
شعر بالحرج ليهم بالذهاب والتحرك ولكن وما أن أدار المحرك توقف فجأة ليعود إليها قائلًا:
– بصراحة بقى انا مش مستريح، الواد ده قالقني يا ماما، وخالته دي كمان، ست مش عارفلها مرسى، البيت ده مفيهوش غير رؤى بس اللي بتحبها.
ختم كلماته ونظر إليها منتظر منها رد، ولكنها ظلت صامتة، ليزفر بضيق قبل أن يعود برأسه للأمام وعجلة القيادة، للخروج من هذه المنطقة بأكملها، فوصله صوت والدته:
– لو هماك اوي كدة، اتجوزها.
التف برأسه نحوها بحدة قائلا:
– نعم! انتي بتقولي ايه يا ماما؟
ردت مجيدة بانفعال:
– ايه يا حبيبي؟ بجبلك من الاَخر، ولا دي محتاجة تفكير كمان؟ شاغلك امر شهد واللي هي فيه اتجوزها.
❈-❈
بعد قليل
وقد غادر المنزل حسن ووالدته، كان الحديث العاصف على أشده، بين شهد وإبراهيم.
– انا عايزة افهم بالظبط، ايه معني كلامك ده مع الناس الغريبة اللي جاية تزورنا؟ ومين اللي اداك صفة انك تتكلم بالشكل ده اساسًا، انت اخرك خطيب اختي وابن اخت مرات ابويا، لا انت راجل البيت ولا يخصك من أساسه.
– لأ يا حبيتي أبقى راجل البيت وسيده كمان، انتي اخرك نفر واحد هنا، لكن انا يخصني التلت ستات اللي فيه، والرابعة اللي متجوزة في الخليج مع جوزها، كلمة ومش هتنيها تاني، الواد ده ميعتبش البيت غير بإذن مني وفي حضوري، هتقولولي إن امه معاه والكلام الفاضي، ميكلش معايا.
هدر بها متبجحًا بغضب، أعينه حمراء وجاحظة بشر، فردت شهد بهدوء غير اَبهة بهيئته رغم اشتعال رأسها بالمغزى من خلف كلماته:
– اه بقى، وانت بتأمر وتتأمر على اساس انك ضمنت وحسبت حسبتك.
صاح صارخًا بحدة أجفلت نرجس التي التصقت بابنتيها المذهولتين بما يحدث:
– ومحسبش ليه يا ماما؟ وانتي بتقفلي عليا أنا اللي خاطب وشابك بشيء وشويات عشان الفتنة صح، طب انا بقى ماسك عليها دي، وعايز الكلام دا يبقى ع الكل، التلاتة دول يخصوني وسمعتهم تهمني…..
قاطعته بصوت قوي رغم هدوئه
– وقف عندك وحاسب على كلامك، لعرفك أنا قيمة كل كلمة تغلط بيها وادفعك تمنها كمان.
صرخ معارضًا:
– يعني ايه يا ست شهد؟ ما تفهميني وطلعي اللي في قلبك من ناحيتك.
– قلب مين؟
قالتها مبهمة، لتنهض ناظرة في عيناه، متابعة بهدوئها الحازم:
– أنا سيباك تهلفط وتغلط براحتك من ساعة ما دخلت، ملتزمة معاك الأدب، وعاملة حساب انك في بيتنا، والحساب التاني لوالدك الراجل الكبارة.
– ملكيش دعوة بوالدي.
صرخ بها لترد عليه بقوة حاسمة:
– مش من مصلحتك، لأن تقديري لوالدك، هو الحاجة الوحيدة اللي مصبراني دلوقتي ان مطردكش، ولا ارميلك شبكتك وحاجتك في وشك.
صرخت من الناحية الأخرى أمنية:
– ترمي الشبكة في وش مين؟ هو خطيبي أنا ولا خطيبك انتي؟ شبكتي أنا ولا شبكتك انتي؟ ولا هي النار ماسكة في قلبك عشان ما هي دبلتي بتلمع في إيدي وانتي لأ؟
صمت ابراهيم يطالع شهد بتشفي، فجاء ردها بازدراء نحو شقيقتها:
– انتي تخرصي ومسمعش نفسك حتى، يا ارميكي معاه بره البيت وبره حياتي خالص، وغوري في داهية واشبعي بيه.
– ليه يا ختي اغور في داهية؟ ضيفة عليكم مثلا؟ ولا مليش حق زي زيك في كل حاجة؟
هذه المرة جاء الرد من رؤى:
– لا ملكيش حق يا أمنية، وقسمًا بالله لو ما طلع المحروس بتاعك دلوقتي لكون صارخة بعلو صوتي واقول انه جاي يتهجم على تلت ولايا.
توقفت فجأة نحو باب الخروج تنفذ تهديها على الفور
يا ناس ، يا أهل الشارع. يا جيران.
اجفلت أمنية وشحب وجهها بخضة، وانتاب الزعر والدتها التي كانت تشاهد كعادتها بدون حراك أما ابراهيم فقد أصابه الجزع لينتفض راكضًا للخروج من المنزل، كالفأر الذي يخرج من المصيدة، يسب ويلعن وقد انتبه بالفعل الجيران وقد خرج بعضهم، يشاهد خيبته.
تابعته رؤى حتى اختفى، متجاهلة الرد عن الأسئلة الفضولية من بعض الأفراد، لتغلق باب الشقة وتواجه بتحدي غضب أمنية مع زهول والدتها، قبل أن تنقل بنظرها نحو شهد التي كانت تقف متجمدة كالتمثال، تناظرها بصمت، وقبل أن تقترب منها لتسألها عن حالها، وجدتها تسقط فجأة على الأرض مغشيًا عليها، فتصرخ عليها بجزع:
– شهد .

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى