روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الرابع والعشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت الرابع والعشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الرابعة والعشرون

خجل!
يا إلهي، هذه كلمة قليلة للغاية لتعبر عما تشعر به الاَن، ام هو استغراب في غير محله؟ أن توضع في هذا الموقف، بدون ترتيب أو تمهيد مسبق.
أم هو فرح قد اتى مباغتًا لها؟ بعد أن هيئت نفسها للاستغناء عن متع الحياة في كل شيء، والمضي قدمًا في طريقها في عمل دئوب للحفاظ على إرث والدها، والحفاظ على شقيقاتها، من اطماع النفوس السيئة من الغرباء والأقرباء أيضًا،
متخذة هيئة الرجال في الملابس، وأفعالهم، حتى لا يظنها أحد أنها ضعيفة لاستغلالها، طامسة أنوثتها ورقتها القديمة خلف واجهة لقوة تدعيها وخشونة تحرص عليها، كحرصها على عائلتها وأسرتها، إذن أين ذهب كل ذلك؟
لماذا هذه الهشاشة التي تشعر بها أمامه، كعصفور مبتل، امام نظراته الثاقبة التي تخترقها، ضعف لذيذ ومراهقة تتفاعل مع كل همسة منه، لقد كانت منذ مدة قريبة تتشاجر معه، وتناطحه الرأي بالرأي، اما الاَن ورغم حنقها بما تورطت به على غير ارادتها، الا أنها لا تنكر هذه السعادة التي تجتاحها، دفء نظرته المحبة لها، أذابت بقلبها الجليد، لقد أعاد إليها أنوثتها.
بجلسة أسرية بامتياز، وحالة من المرح والمزاح الذي لا يتوقف، وكأن الجميع يعرفون بعضهم البعض منذ زمن طويل، مجيدة تتصرف بأريحية مع مسعود الذي فهم عليها من أول وهلة، فكان تعامله معها بتسامح وقد أعجبه فعلها، وزبيدة وابنتها كاسرة ثانية بعد أنيسة ولينا التي كانت كالبدر لتجبر هذا العنيد على اختطاف النظرة نحوها كل دقيقة.
– حج ابو ليلة، البنت بنتي والولد هو كمان ابني.
– يعني اطلع منها.
قالها بمشاكسة اثارت الضحكات لتهتف نحو زبيدة بعتاب معترضة:
– شوفي يا ختي الراجل عايز يمسك عليا كلام مقلتوش.
ضحكت المرأة في الرد لها:
– بيناغشك يا ست مجيدة اصل شهد بنته هي كمان، ولا البشمهندس مجالكيش.
ردًا عليها تدخل حسن:
– لا طبعا قولتلها، دا عم ابو ليلة ده من قبل ما اشوفه وانا اسمع عنه، سمعته الممتازة في كار المعمار زي الطبل.
– ربنا يبارك فيك يا ولدي، وانت كمان، لولا سيرتك الطيبة، انا ما كنت وافجت كدة طوالي ابدًا، والله ولو كنت واد مين حتى، ما كنت هديك جواب، ولا أريحك غير بعد ما افصفص وادجج في تاريخك وتاريخ عيلتك من وراك كمان، ايوة امال ايه؟ دا أنا هديك جوهرتي الغالية، ولا يكون عندك اعتراض؟
– أنااا
صدرت منه وانتقلت عينيه نحو شهد، يجُهر بعشقه لها، بالفعل قبل القول:
– لو هي عندك جوهرة، ف أنا عندي الدنيا كلها، يعني حتى لو طلعت عيني، كنت هتحمل عشان خاطرها.
– أيوة بقى يا بشمهندس، هندس ومزجنا معاك.
بشقاوة وجرأة هتفت بها لينا لتزيد من خجل العروس التي تخضب وجهها بالحمرة رغم وجود المساحيق عليه، ليرتفع كفها على أعلى عينيها، بفعل غريزي انساها شخص المقاول داخلها، فعقبت أنيسة بمكر، ترافقًا مع ضحكات الجميع
– كسفتي البنت يا مصيبة.
تدخلت مجيدة بمغزى تقصده:
– معلش يا ست أنيسة، ما هي دورها جاي برضوا.
– يااااه، يدينا ويديكي طولة العمر يا طنت.
قالتها لينا بتفكه لتُثير التعليقات المستهجنة من المرأتين، وبعدم اكتراث منهما كانت تضحك وتناكف والدتها، غير عابئة بالنظرات المصوبة نحوها منه، وقد كان جالسًا بهيبته يتحدث بالطلب رغم فرحه بشقيقه، احترامًا لأهل المنزل الذي يدخله لأول مرة، قبل أن ينتبه فجأة مع الجميع على زغروطة غير متقنة على الإطلاق، أطلقتها رؤى بكوميدية.اثارت الضحك بصخب، فقد كانت خارجة من المطبخ تحمل فوق يديها صنية كبيرة من المشروبات الباردة لتضايف بها الحضور، وخلفها والدتها ابتسمت هي أيضًا تسايرهم، قبل أن تنضم بجوار ابنتها أمنية في جنب خاص، لا يعجبها ما يحدث وهذه الفرحة الطاغية، لأشخاص احتلوا مسكنها لينصبوا الفرح على حساب فرحتها هي.
– اعدلي وشك يا خيبة، متبقيش زي البومة كدة قدام الناس.
همست بها نرجس، وهي تلكزها بكوع ذراعها على خصرها المترهل، فكان ردها هو نظرة حارقة، لترد بالكز على أسنانها:
– أنا برضوا اللي بومة، ولا هي اللي ظالمة وقلبها اسود من الغيرة مني، اضحك ازاي ياما؟ وهي هتاخد كل حاجة حلوة بجوازة عنب، بشمهندس زي القمر وعيلة نضيفة طايرين بيها طير، وانا الغلبانة اللي رضيت بقليلي مع ابن خالتي، حتى مش هلاقي اللي يجهزني، بعد ما تغور وتسيبني.
جزعت نرجس وانسحبت الدماء من وجهها، ف ابنتها الغبية على وشك فضحها، ابتلعت لتهمس بالضغط على شفتيها بغيظ اختلط برجاءها:
– امسكي نفسك يا بت الهبلة هتفضحينا، أجلي كل حاجة بعدين، وشي بقى في الأرض منك.
اعتدلت أمنية بجلستها لتردف بغليلها:
– ماشي ياما هسكت واعمل نفسي بضحك كمان.
صمتت برهة لتهمهم داخلها
– كدة كدة الليلة مش هتكمل اساسًا، ابراهيم وعدني.
❈❈-❈
– مدام رباب يا مدام رباب.
اجفلت على النداء من خلفها وقد كانت عائدة من الخارج بعد لقاء بأحد القنوات التي استضافتها لشهرتها، بصفة بلوجر وكشخصية مؤثرة لفئة كبيرة من الشباب، التفت إلى صاحب الصوت باستغراب تسأله:
– ايوة يا حامد، بتندهلي ليه؟
تقدم الشاب الثلاثني بهيئته الرياضية كحارس تلقى افضل الدروس ليصبح فرد أمن مهم تستعين بها الشركات المختصة بتوظيف أمثاله، دنى برأسه نحوها يقول بصوت خفيض:
– انا أسف لو ازعجتك، بس اديكي شايفة اهو، رغم اني الحارس بتاعك، لكن مبقدرش اكلمك بحرف حتى، وعم كريم واقف زي اللقمة في الزور معانا
– ايه!
تفوهت بها بعدم فهم، لتضيق عينيها بارتياب لأمره، فهم من نظرتها إليه توجسها منه، فقال يقطع عليها حبل افكارها المتهورة:
– انا عايزة اقولك على حاجة بخصوص مخاوفك إن يكون في حد بيراقبك.
ظهر على وجهها الاهتمام، ولكن ما زال احساس الشك يروادها، فجاء رده المباغت لها:
– انا شوفت واحد اظن انه هو اللي بيضايقك ويطاردك.
– ايه؟ بتقول إيه؟
هتفت بها ولم تدري أن صوتها صدر عاليًا هذه المرة حتى لفت نظر اقرب حراس الفيلا، فرد هامسًا:
– وطي صوتك يا هانم، ولو انتي عايزة تفهمي القصة، ياريت بس حتة مختصرة شوية.
أومأت رأسها بتحفز، وتحركت أمامه ليتبعها حتى توقفا بجانب المنزل بالحديقة، لتبادره بالسؤال:
– ممكن بقى تفهمني، انت قصدك ايه؟.
مرر حامد بكفه الكبيرة على جانبي وجهه وعينيه تراقب في جميع الأنحاء حوله، ليرد بصوت حذر:
– شوفي يا هانم، عشان ابقى واضح معاكي، انا حاسس ان السواق بتاعك يعرف البني أدم ده.
– عم كريم، ازاي يعني مش معقول؟
تفوهت بها بعد تصديق ليُضيف مؤكدًا لها:
– انا بقولك ع الشك اللي في قلبي، ودا مجاش من فراغ، انا عايز بس افكرك بمشوار الصبح لما روحنا نجيب المحروس الصغير، وانتي وقفتي فجأة وخلتيني انزل بسلاحي ادور.
– ورجعت قولت اني ملقتش حد.
ردت بحدة مع تذكرها لعودته دون نتيجة، ليزيد من احباطها، مع نظرات الامتعاض من السائق العجوز، فجاء رده بدافعية:
– مظبوط يا هانم، انا قولت كدة وكدبت، رغم اني شوفت الولد بعيني، وهو بيجري قدامي ويختفى، عارفة ليه؟
طردت من صدرها زفير محملا بالغضب، بعد سماعها لهذه المعلومات الخطيرة من الرجل المفترض به حمايتها، لترد بنفاذ صبر:
– اخلص يا حامد، خلص وجيب من الاَخر، أنا على اخري.
اقترب برأسه منها مقربًا وجهه، قبل أن ينزل عينيه عنها ليردف بأسف زاد من دهشتها:
– أنا شوفت الولد ده كذا مرة قبل كدة مع عم كريم.
صعقت بذهول جعلها تتجمد محلها، أن تكتشف الخطر بهذا القرب منها، وتكون الخيانة من اقرب الأشخاص إليها، كان أكبر من قدرتها على التحمل، طاقة عنيفة هزتها، تماسكت بصعوبة حتى لا تترنح أمامه أو تقع، ولكن عقلها ما زال يعمل لتسأله بتدارك:
– وانا اتأكد ازاي من كلامك ده.
جاء رد الرجل بثقة واقناع:
– انا هحاول بكل جهدي عشان اكشفهولك، واكشف الولد ده كمان قدامك.
❈❈-❈
بعد مشاورات ودية، تخلو من الشروط واللألتزامات وهذه الأشياء المعتاد التحدث عنها في هذه المناسبات الخاصة، وذلك لتساهل مسعود رغم حرصه على تعزيز العروس الغالية، وذلك بفضل مجيدة التي تقدم بمحبة خالصة كل ما في وسعها من اجل إنجاح الأمر، مبتعدة عن التعقيد والتزمت في المطلوب من العروس نحوهم، والتي أثبتت هي الأخرى حسن نيتها بموافقتها على السكن في منزل العائلة، رغم تخيرها في هذا الأمر، لتزيد من فرحهم، ويتم قراءة الفاتحة بينهم عن قناعة، حتى إذا أمم الجميع بانتهائها، اطلقت أنيسة زغروطة حقيقية معتبرة اهتزت لها اركان الشقة، لتصل الى سكان المبنى من الجيران، والمارة على الأرض في المنطقة.
– لولولولولويييي.
هللت مجيدة بابتهاج غمر صدرها، لفعل المرأة التي اسعدتها بذلك:
– الله عليكي يا ست أنيسة يا قمر، أيوة كدة فرحي قلبي.
أنيسة بزهو اختلط بفرحة كانت تنتظرها منذ زمن بعيد:
– هو انتي لسة شوفتي حاجة، دا كمان لما تيجي الفرحة الكبيرة، مش هتعرفي تلميني من الإزعاج اللي هعمله، وعد عليا، ما هوقف ابدًا دا انا نادراها.
– يا روح قلبي انتي، طب يالا بقى الله يرضى عنك يارب سمعيني وطربيني بواحدة تانية، دا انا حاسة قلبي بيهفهف معاها والله.
قالتها مجيدة لتنطلق الأخرى مصدرة واحدة اكبر من سابقتها.
– لولولولولولولويييي.
تدخلت زبيدة بين المرأتين وقد استشعرت رغبة العريس في الانفراد بعروسه، وحرجه من البوح بذلك أمام زوجها:
– طب ويعني هو الفرح زغاريط وبس؟ اينعم هي حاجة ع الضيق، بس يعني مفيش مانع لما نشغل سماعة صغيرة حتى، دا احنا اهل بينا وبين وبعض، مش أغراب يعني عشان نستنى دبل ولا شبكة ولا ايه رأيك يا ست نرجس؟
باغتتها بالسؤال لتزبهل بعدم تركيز لبرهة من الوقت، قبل أن تتدارك، لتنهض منتفضة، ملبية طلب المرأة :
– اه صحيح، دا احنا عندنا واحد في أؤضة أمنية، هروح اجيبه.
قالتها وركضت هاربة من اعين ابنتها التي كانت تطلق شررًا حارقًا، وقد اعتبرته عدونًا سافرًا على أشيائها، همت لتذهب من خلفها تمنعها، ولكن زبيدة اليقظة من خلفها انتبهت لتوقفها قبل أن تتمكن من الخروج من الغرفة، استني عندك يا أمنية، خدي يا حبيبتي الصنية وديها المطبخ.
لم تعطيها فرصة للاعتراض، وقد أعطتها ظهرها تهتف بالحضور،
– يالا بينا يا جماعة، خلونا نهيص في الصالة ونسيب العرسان مع بعض شوية.
سمعت مجيدة بحماس لتنهض ساحبه معه أنيسة والفتيات أيضًا، وتبعهم مسعود على مضض، ليجلس مع امين في ركن وحدهما في الصالة، وتلتف النساء والفتيات حول رؤى يصفقن لها بأيدهن بحرية، وهي ترقص بفرحها بينهن في الوسط، على الأغاني الشعبية السائدة
واختلت غرفة المعيشة على الخطيبين، ليكن اول فعل منه نحوها، هو تناول كف يدها ليقبل ظهرها، بعد أن جلس على الكرسي المقابل لها، قائلًا:
– شكرًا
تعقد ما بين حاجبيها باندهاش مرددة خلفه بتساؤل:
– شكرًا!
– أيوة شكرًا.
قالها ليعاود مسك يدها مستطردًا:
– إنك قبلتي بيا، شكرا…… انك بقيتي خطيبتي، شكرًا…….. إنك عطفتي على قلبي من جحيم الفكر ونار الشوق لرؤياكي، بعد ما بقيتي النفس اللي بتنفسه، الف شكر.
رقة الكلمات باستشعار الصدق الذي تتحدث به الأعين،
يصل الروح بالروح، القلب بالقلب، فيذيب الثلوج وينبت ازهار من الحب والعشق بين اثنين كانو غريبين، ليصبحو الاَن حبيبين.
لم تعرف بما تجيبه، لم يسعفها عقلها بجملة مفيدة، وقد
أسرها بنظراته الصادقة وسحر ما يردف به، عاجزة عن الرد بما يستحقه، مشدوهة بهذا العشق الذي لطالما كذبت نفسها وادعت زورًا انه وهم في خيالها.
– ساكتة ليه؟
سألها بتسلية لا تخلو من الرقة التي يغدق عليها بها، وكانت إجابتها مترافقة بهزة خفيفة بكتفيها، قائلة:
– مش عارفة، مش عارفة ارد، هو انت لدرجادي بتحبني يا حسن؟
تنهيدة طويلة بصوت مسموع خرجت من صدره بتأثر، ليستند بمرفقه على ذراع الكرسي المجاور له، ليميل برأسه على قبضة يده قائلًا لها:
– من غير ما احكي ولا ارغي يا شهد، انا عايزك بس تبصي في عيوني وانتي تعرفي اجابة سؤالك
هل هي في حلم؟ أم أن واقعها البائس قد تبدل من وقت ظهوره؟ هذا ما كانت تشعر به وبقوة معه، أسبلت اهدابها عنه بخفر، وافعاله تجبرها على الخجل بدلال تناسته منذ زمن، تحمحمت وأنظارها تتهرب منه، فخرج قولها الممازح باهتزاز:
– شغل عيوني بقى وتسبلي واسبلك، هو احنا فينا بقى من الكلام ده يا بشمهندس؟.
أطلق ضحكة مدوية اجفلتها، ورأسه يميل إلى الخلف لمدة من الوقت زادت من حرجها، وسعادتها أيضًا، وقد اطربت اسماعها لهذه الرنة الرجولية الخالصة بها، ليردف بابتهاجه:
– يعني مش عايزاني أسبلك يا شهد، طب اسبل لمين بس يا ربي؟ أسبل لمين؟
استطاع بخفة ظله أن يضحكها، لينزع عنها تشنجها رويدًا رويدًا، وقد بدأت الاَن تستوعب وضعها الجديد معه.
❈❈-❈
دفعت الباب الخشبي المتهالك، بعد أن فتحته بمفتاحها، لتلج داخل المنزل، عائدة من الخارج، حاملة بيدها العديد من الأكياس بالأشياء التي ابتاعتها، بعد أن اهدرت معظم الراتب الذي تحصلت عليه من عملها، ولم يتبقى سوى القليل، ليكفيها بالكاد كمصروف لها حتى اَخر الشهر، بلهاث امتزج بحماسها القت التحية على جدتها الجالسة على الاريكة الخشبية الوحيدة، ركبيتيها ملتصقة بصدرها، وقدميها على الخشب المثقل رغم قدمه، تشاهد باندماج مسلسلها المفصل في التلفاز الصغير على المنضدة الخشبية القريبة منها ومن الاَريكة:
– مساء الخير يا ستي عاملة ايه؟
لم تجيبها كالعادة وظلت على وضعها وهذا التركيز الشديد مع أبطال المسلسل وكأنها داخل عالمهم أو معهم على الأصح.
بعدم اكتراث، أكملت مودة السير نحو غرفتها، فهذا الفعل من جدتها ليس بالجديد عليها، بل اليوم تستحسنه، حتى لا ترى ما جاءت به، ولكن وقبل أن تصل لغرفتها، حدث ما كانت تخشاه وانتبهت توقفها بالنداء عليها:
– ايه اللي معاكي دا يا مودة؟
إنتفاضة سريعة صدرت منها وجسدها يلتف اَليًا نحو جدتها، تمالكت لتجيب بصوت جعلته عادي:
– يعني هيكون ايه بس يا ستي؟ دا طقم جديد جيبته للشغل.
استقامت المرأة بجسدها النحيف كحفيدتها لتنزل بأقدامها على الأرض، تخطو نحوها وتقول بريبة، ونظرات الشك تظلل عينيها:
– الكياس دي كلها على طقم واحد؟ حاطة في الباقي ايه يا بت؟
كانت في الأخيرة قد وصلت إليها، لتمتد يدها نحو أحدهم تريد جذبه من مودة، والتي وعت لترتد سريعًا بما تحمله للخلف بعيدًا عن الأخرى، تجيبها بلجلجة:
– ااا ما انا جايبة معاهم جزمة كمان وكام طقم داخلي وعلبتين كريم عشان الحبوب.
– كل ده جايباه؟
قالتها المرأة رافعه كفيها أمامها بتهويل وعدم تصديق، لتردف متابعة ببحة مفاجئة اصابت صوتها، وعينيها تتنقل على الأكياس بصدمة:
– يا بت الهبلة يا عبيطة، كل دي فلوس رمتيها في الأرض وعلى حاجات تافهة؟ طب جيبتي تمنهم منيين؟ اوعي تكوني سرقتيني يا مودة.
ابتلعت الاَخيرة ريقها وخطواتها ما زالت ترتد للخلف؟ لتجيب بدفاعية؟ وصوت يشوبه الارتباك:
– والله ما سرقتك يا ستي؟ دي فلوسي أنا اللي قبضتها من شغلي الجديد…..
توقفت فجأة وعينيها انتقلت على جسد المرأة لتقارعها باستدراك:
– وانا هسرقك ازاي صح يا ستي؟ وانتي لافة الفلوس حوالين على وسطك؟ بتنامي وتقعدي بيها، دا انتي بتستحمي بيها.
بحركة غريزية؟ نزلت المرأة بيدها على خصرها؟ تتحس لفة النقود من فوق قماش جلبابها المهترئ، وبعد أن اطمأنت بوجودهم، رفعت رأسها إليها، متجاهلة ذكرهم في الرد عليها:
– ويعني لما تقبضي يا بت الكلب؟ تصرفي فلوسك كلها ع اللبس والمسخرة؟ طب ومصاريف البيت والأكل والشرب، ولا انا هفضل طول عمري اضيع فلوسي عليكي.
باستنكار قارب السخرية رغم بؤس ما تردف به:
– هوني على نفسك يا ستي، وفري فلوسك اللي مغرقاني بيها دي، انا عاملة حسابي ومخلية اللي يكمل معانا الشهر، طب افرحك أكتر.
اضافت بصوت مقلدة طريقتها بالهمس خشية ان يسمعها احد الجيران كما تخبرها دائمًا:
– انا جايبة فرختيين بحالهم.
– فرختين!
– والله يا ستي فرختين وحطيتهم في فيرزير التلاجة كمان.
كلماتها أتت بأثر السحر على المرأة؟ وقد تبدلت ملامح الغضب لأخرى بالشغف لأمر الفرختين، جرى ريقها، شاعرة بقرص في معدتها التي جاعت فجأة لتمرر بلسانها على شفتيها، تقول بتوبيخ يتعارض تمامًا مع هيئتها:
– يعني بخيابتك ضيعتي الفلوس على الهدوم والفرختين، دا بدل ما تحوشي ولا تحطيهم في جمعية عشان تجهزي نفسك.
بشبه ابتسامة لا تمت للبهجة بصلة، طالعت مودة بصمت هذه اللهفة الشديدة على وجه جدتها؛ لخبر الطعام الذي تحرم نفسها وتحرمها منه؟ ببخلها الشديدة وكنز القرش، ليوم لن يأتي ابدًا، ثم ما لبثت أن تفاجئها بقولها:
– طب انا جعانة اوي، وقاعدة مستنياكي من الصبح، اعملي أي حاجة ناكلها، ولااا، ولا حتى سوي حتة منهم دول نقسمها على بعض؟ على الأقل نستفاد بمرقتهم .
قالتها والتفت لتعود لمسلسلها وأريكتها، تتجنب النظر إليها بحرج، بإشفاق رغم كل ما تعانيه منها، أومأت مودة بهز رأسها مذعنة لها بطاعة:
– حاضر يا ستي، ادخل بس وادخل الحاجة اللي في إيدي ع الأوضة وراجعلك حالًا احضر عشا، عن اذنك.
❈❈-❈
وسط حشد النساء القلائل، وفي ظل اندماجها مع رقص رؤى ودلعها مع لينا والفاتنة الأخرى ابنة الرجل الصعيدي ولي شهد وكبيرها في الاتفاقات التي تمت منذ قليل مع قراءة الفاتحة، انتبهت اَخيرًا بعد مدة من الوقت لإشارت ابنها؛ الذي كان يلوح بتردد مع خجله في النظر نحو النساء، على الفور جرت أقدامها المتعبة من الوقفة، لتلبي طلبه.
حتى اذا وصلت إليه وقد كان قريبًا من مدخل المنزل، مطرقًا رأسه للأسفل، ولم يرفعها سوى بعد أن شعر بها؛
– نعم يا حضرة الظابط، عايز ايه؟
بابتسامته المعتادة، تطلع إليها قليلًا لتتشبع عينيه من رؤية الفرح الذى انار وجهها وجعلها تزداد جمالُا وتألقًا، ليشاكسها بقوله:
– فرحانة يا ست الكل عشان قربتي تخلصي من واحد؟
اومأت بهز رأسها تبادله المزاح:
– اوي يا حبيبي، وفرحتي الكبيرة هتبقى لما اخلص منك انت قبل منه كمان.
بحركة اعتاد عليها كلما رق قلبه لتحقيق امنيتها، اقترب منها ليقبل أعلى رأسها قائلًا:
– ربنا يسهل يا أمي، بس انتي ادعيل….
– متقولش الكلمة ده.
قاطعته بها لتفاجأه مستطردة بشراسه، ترفع سبابتها أمامه بتهديد:
– وقت والوعود والدعا عدى يا أمين، أنا دلوقتي عايزة فعل، فاهم ولا اقول من تاني.
اومأ مقهقهًا بصوت مكتوم يردد بطاعة:
– فاهم يا أبلة مجيدة فاهم، تحبي اسمع كمان.
نفت بهز رأسها وقد ارتخت ملامحها، وعاد الإشراق لها، لتقترب وتتأبط ذراعه ورأسها تلتف نحو جهة الفتيات، فهمست بمكر:
– طب بقولك ايه، ايه رأيك في البنت اللي زي قمر هناك دي؟
– بنت مين؟
سألها بعدم تركيز لتجيبه:
– بنت الراجل الصعيدي، انا عرفت ان اسمها صبا.
ما زال عقله لا يعلم بما تدبره والدته من فخ له، ضيق عينيه، ليعقب باستفهام:
– مش فاهمك يا ماما، وضحي أكتر .
استمرت مجيدة على مخططها لتكشفه أمام نفسه:
– يعني هيكون قصدي ايه بس؟ البت حلوة وتشرح القلب بطلتها، بصلها كدة، جميلة وتليق بحضرة الظابط صح، دا غير النسب مع والدها الراجل المحترم، وانت شوفته بنفسك.
سمع منها والتفت رأسه بالفعل نحو صبا، اعجبه حسنها الافت للنظر بشدة، مع كلمات والدته التي ترن بعقله، ولكن وعلى غير ارادته حادت عينيه عنها، وذهبت نحو من تقف بجوارها، ليتركز كل الاهتمام عليها، جميلة وحيوية، مشاكسة ومستفزة لدرجة تجعل الدماء تضخ داخل أورته بقوة، رغبة في تكسير رأسها العنيد، ثم إشباعها تقبيلا حتى…….
نفض رأسه فجأة من الأفكار المتهورة التي طرأت عليها، بسبب التحديق بهذه المجنونة ذات الشعر الأصفر، والسبب والدته، والتي التف إليها قائلًا بغيظ:
– انا ماشي يا ماما، عشان لو قعدت أكتر من كدة، مش بعيد اتخانق بسببك.
بنصف شهقة وابتسامة خبيثة تلاعبت على ثغرها، وقد خمنت بما يدور برأسه، ردت ببرائة:
– تتخانق بسببي أناا؟….. ليه يا بني؟….حصل إيه؟
ضغط بأسنانه على شفته السفلى وجسده يستدير عنها بخطواتٍ ثابتة نحو باب المنزل، يردد بيأس منها:
– يا مجيدة، يا مجيدة بطلي لؤمك ده، دا انتي ست…. حقنة.
راقبته وهو يغادر بابتسامة تحولت للضحك المكتوم، لتظل على وضعها هذا تطالع أثره، وبرأسها تتوعد له بالمزيد، حتى تصل به إلى نتيجة ملموسة كالتي وصلت إليها مع شقيقه، خرجت منها تنهيدة حالمة لتهم بالعودة إلى فرحها مع الفتيات، ولكن وقبل أن تلتف للناحية الأخرى تفاجأت بهذا البغل قليل الذوق، صاحب المشاجرة الأخيرة مع شهد، يطل أمامها من مدخل الشقة، وقد وقعت عينيه عليها، ليدمدم وانظاره نحوها:
– تعالى يابا خش…… دا باينها بقت هيصة واحنا مش واخدين بالنا.
قالها ليفسح المجال لرجل ذو هيبة، بجلباب بلدي وهيئة شعبية يقول:
– ندخل كدة على طول من غير احم ولا دستور، طب استني نستأذن أصحاب البيت.
باستعراض مكشوف دلف ابراهيم يهتف بصوت عالي لفت أنظار الجميع:
– ما البيت مفتوح على آخره يابا اهو للأغراب، هي جات علينا يعني، بس اقولك، احنا برضوا ولاد أصول.
توقف بخطواته أمام مجيدة ليجفلها بالتصفيق بكفيه يصيح بصوته:
– يا خااالتي، يا صاحبة البيت، يا خااالتي .
انتبهت له المذكورة كبقية الموجودين، فقد كانت جالسة بالركن مع ابنتها أمنية التي انتفضت برؤيتهم لتسبقها نحو الرجل:
– يا اهلا يا عمي، اهلا يا عمي نورت، اتفضل، اتفضل يا عمي.
صافحها عابد الورداني وتقدم معها لداخل الشقة بهيبته، لتتلقفه نرجس بترحيبها المبالغ فيه:
– يا اهلا يا جوز اختي، نورت الدنيا كلها، اتفضل دا احنا كنا منتظرينك
– كنتوا منتظريني!
تمتم بها بتهكم واضح، قبل أن يلتفت نحو التي ظلت محلها تتابع ما يحدث بتحفز للاَتي بهذا الدخول الغير مطمئن.
– مساء الخير يا ست هانم .
ردت له التحية بارتياب:
– مساء الخير.
قالتها مجيدة لتلتف رأسها بحدة بعد ذلك نحو ابراهيم الذي هتف يجفلها بقوله:
– اهي دي تبقى ام العريس يابا، ام العريس اللي دخلت معاه المرة اللي فاتت ساعة الخناقة اياها، فاكر يابا، لما طلعتني غلطان عشان كنت بتكلم في الأصول، وعدم زيارة راجل غريب في غياب الرجالة، اهم كررورها من تاني، وعاملين خطوبة كمان من غير رجالة برضوا.
– مين دول اللي عاملين خطوبة من غير رجالة يا واد.؟
هتف بها مسعود وقد كان خارجًا من الشرفة، ممسكًا بيده سجادة الصلاة، التي أنهى عليها فرضه، ليتخطى النساء الاتي توقفن عن التصفيق والرقص، يتابعنه وهو يتقدم بغضبه نحو ابراهيم ووالده؛ الذي اردف موجهًا الكلمات إليه:
– في ايه يا حج عابد؟ ولدك داخل يهلفط بكلام مش مفهوم ليه؟
بنظرة غامضة وغير مفهومة رد عابد بلهجة هادئة وكأنه يمتص غضب العرق الصعيدي:
– براحة شوية يا عم ابو ليلة، احنا مش جاين نتخانق اصلا، هي العروسة فين؟
خرجت له شهد من غرفة المعيشة، وخطوات حسن تسبقها ليقف بجوارها داعمًا ومدافعًا، ومهاجم اذا لزم الأمر.
– أنا اهو يا حج عابد.
قالتها شهد تخاطبه بتوجس وعدم فهم، وقبل أن يرد سبقه ابراهيم، الذي اربدت خلجات وجهه بالغضب:
– اسم الله، دا الحلوين خارجين من الأوضة اللي كانوا فيها لوحدهم! دي هيصة يابا….
صيحة قوية من مسعود خرجت منه لتقطع استرسال كلماته السامة:
– لم نفسك وخلي بالك من كلامك يا واد، شهد مع خطيبها اللي قرا فاتحتها معايا، وانا حاضر لسة مسيبتش البيت ولا مشيت، وهي اساسًا بميت راجل مش في حاجة لحد منينا.
– والأصول يا صعيدي ياللي بتعرف في الأصول.
هتف بها ابراهيم بطريقة مفهومة رغبة في اشتعال الوضع، هم مسعود أن يقرعه بكلمات قاسية في حق رجولته الناقصة، وأفعاله الرخيصة؛ بذمه في من هي ارجل منه ومن عشر من أمثاله، ولكن عابد فاجئه بقوله:
– طب يعني تعملي خطوبة وتعزمي ابو ليلة يبقى الولي قدام عريسك، وانا اللي عشرة العمر مع ابوكي وصاحبه من واحنا عيال صغيرين، متفتكرنيش حتى بتليفون تبلغيني؟
ازبهلت شهد في البداية امام الصدمة التي خيمت على رؤوس الجميع، ليقطع الصمت ابراهيم بصيحته:
– انت بتقول ايه يابا؟ بتعاتبها بعد ما داست على هيبتك؟
تجاهله عابد لينتقل بحديثه نحو مسعود يعاتبه:
– يعني يرضيك الكلام دا يا ابو ليلة؟
ألقى الاَخير بنظره نحو ابراهيم الذي يحترق بغضبه، قبل أن يطالع عابد بنظرة خبيرة يستشف منها مقصده الحقيقي من خلف كلماته، والذي فاجئه بابتسامة جانببة، رافعًا سبابته أمام وجهه ملوحًا بها وهو يستطرد:
– انا لولا اني عارف بمعزتك عندها، ما كنت هفوتلها انها تتعداني ابدًا، مع اني برضوا مضايق عشان خدت محلي في اليوم اللي طول عمري مستنيه.
إلا هنا واتضحت الصورة كاملة أمام الجميع لترتخي ملامح ابو لية والعريس ووالدته، وجاء رد شهد المهادن لشهامة الرجل ليزيد على غيظ الأعداء:
– سامحني يا عمي، والله كل حاجة جات بسرعة وملحقت حتى افكر.
تدخلت مجيدة بسرعة بديهة وقد استوعبت الاَن ما يحدث:
– امسحها فيا انا دي يا حج، ابو ليلة انا دخلته في الموضوع من الأول، بحكم معرفة ابني العريس بيه، حكم انا ام العريس.
بسماحة متبسمًا، امتدت كف الرجل ليرحب بمجيدة مهللًا:
– يا اهلا با الهانم أم العريس، خلاص يبقالي عندك حق عرب .
– حق العرب تاخدوا مني انا يا عم الحج.
قالها حسن ليبادله الترحيب والمزاح ويتدخل ابو ليلة بوجهه البشوش يدعوه:
– ادخل يا حج عابد، دا انت ليك شوجة يا راجل، الساجع يا بت.
هتف بالاخيرة نحو صبا التي سمعت لتذعن لأمره وتركض بلهفة نحو المطبخ، وقد ذهب عنها الروع اَخيرًا، بخوفها من إفساد الخطبة، واطمئنانها باكتمال فرحة شهد، بعد أن طمست الفتنة من أولها، تاركة اباها يسحب الرجل ليشاركهم الفرح، وعادت رؤى بإشعال السماعة مرة أخرى، وانيسة اطلقت زغرووطة قوية، ليعلق عليها عابد ضاحكًا مع رفيقه، متجاهلًا ابنه الذي تسمر محله، ومراجل من الغضب تغلي بداخله، وقد خاب ظنه في اباه، ليضيف على غضبه امتهان لكرامته، كما اهدر عليه حقه في تنفيذ ما خطط له، ليسترد جزءًا من هيبته أمام الناس وامامها، أمامها هي سر عقدته، والمسبب الرئيسي للجرح الغائر في أعماقه!
اقتربت منه أمنية المحطمة هي الأخرى الاَن بما اصاب خطيبها وزاد على حزنها، لتطبق بأصابعها على كف يده، فتنتشله سريعًا من دوامة من الشرود كاد أن يغرق بها، تلتمس منه الدعم وتؤازره في نفس الوقت، رمقها بنظرة غريبة لم تفهمها، ليطرد من صدره زفيرًا حارقًا، قبل أن ينزع يدها فجأة ويستدير مغادرًا، تصحبه شياطينه، ف التفت نحو والدتها بقهر يملأ صدرها، لتذهب نحو غرفتها غير مبالية بأي شيء حولها، وتوقفت نرجس بسلبيتها المعهودة، تشاهد بصمت كالعادة.
❈❈-❈
عودة إلى رباب التي كانت جالسة أمام المراَة بحالة من الشرود تلبستها، حيرة تفتك برأسها من وقت أن أخبرها هذا المدعو حامد عن السائق وصلته بالذي يراقبها، ماذا تفعل؟ وكيف تصدق وهي لا تملك الدليل؟ وان ثبت صحة ما اردف به الرجل، ماذا سيكون رد فعلها معه؟ والسؤال الأهم والذي يروادها بقوة الاَن، لماذا لا يكن حامد أصلًا له ضلع بما يحدث؟ أو ربما على العكس هو فعلا يساعدها، ويبتغي كشف الحقيقية أمامها، رأسها على وشك الانفجار، وجزع يزداد بداخلها من الإثنان، فكيف يتثنى لها الشعور بالأمان وهي مجبرة على مرافقتهما لها في كل خطوة؟
– رباب.
صدرت من خلفها فجأة لتنتفض مجفلة على رؤية انعكاس وجهه المُتجهم في المراَة، يخطو لداخل الغرفة بهيئة انبأتها بصحة ما توقعته، وقد جهزت نفسها إليه، تبسمت لتنهض عن مقعدها وتلتف لاستقباله ملبية النداء بنعومة تجيدها:
– نعم يا بيبي، حمد الله ع السلامة.
ارتباك طفيف طغى سريعًا على ملامحه، بعد أن جالت عينيه عليها مجبرًا، مع انتباهه لما ترتديه من منامة قصيرة جدًا، كاشفة عن معظم جسدها بإغراء، وقد زينت نفسها، لتقف بميل ودعوة صريحة للفتنة تناظره بوداعة في انتظار رده، ابتلع ريقه ليجلي حلقه اولًا، يستدعي الجدية في قوله:
– منعتي الولد عن ماما ليه النهاردة؟ وقفلتي في وشها السكة؟
– أنااا.
تفوهت بها تشير بكف يدها على نفسها، لتعيد انظاره إلى ما ترتديه، واقتربت بخطواتها المتمايلة لتزيد من تشتيه، فتقف أمامه تقول ببرائة:
– ان شالله يارب اموت لو عملت كدة، دي هي اللي زعقتلي عشان بقولها اني عايزة اروح بابني التمرين واحضره، واسألها حتى ان كنت غلطت فيها.
استغلت تركيزه معها لتزيد من اقترابها اكثر، ورائحة العطر الباريسي الذي اغرقت به نفسها يذهب بعقله، لتمتد يدها وتتلاعب بزرائر قميصه ألاسود، تتابع:
– الولد هو اللي أصر اني اروح معاه النهاردة يا كارم، وانا صعب عليا ومقدرتش ازعله.
ظل على وضعه صامتًا تحت تأثيرها المغوى، بهذه النظرة التي تعلمها جيدًا منه، لتكتنفها حالة من الانتشاء لنجاحها في ذلك، فزادت لتسطيل بجسدها، رافعة نفسها على أطراف أصأبعها، لتطبع قبله فوق خده، لتقول:
– هو انا اقدر يا قلبي على زعلك ولا زعل مامي.
بفعلها الاَخير ازداد اشتعال عينيه، ليطبق فجأة على كفه يدها يأمرها بأنفاس ساخنة وتسلط لا يفارقه:
– اطلبي مني الأول قبل ما تتصرفي من مخك تاني.
اومأت بهز رأسها، لتكن كالقطة المطيعة، وتجاريه بعد ذلك في رغباته بحرارة تجيدها من أجل ترويض غروره، والحصول على ما تبتغيه منه.
❈❈-❈
في اليوم التالي.
استيقظت مودة بين كوم الملابس والأشياء التي ابتاعتها بالأمس لتنام ليلتها بينهم كطفلة في ليلة العيد، تنتظر الشروق حتى ترتدي الجديد، بسعادة طالعتهم وقد افترشوا الفراش بجوارها على التخت ، قبل أن تنهض بهمة ونشاط دؤوب، لتغتسل سريعًا في حمام منزلها القديمة، ثم تناولت شطيرة من الجبن بالخبز البلدي، قبل أن تعدوا عائدة بمرح لتبدل العباءة المنزلية، بهذه الفستان الرائع، والذي ظلت تلتف به أمام المرأة لفترة طويلة من الوقت، تتحرق داخلها لترى نظرة زملائها لها في الفندق بهذا الفستان الافت بنقوشه الزاهية والتي تذكرها بألوان الربيع، حتما ستتغير نظرتهم إليها.
تنهدت بحالمية لترتدي الحذاء الجديدة، ثم تنثر رائحة العطر وقد اجادت بحرفية وضع المساحيق على وجهها، فلم يتبقى سوى الذهاب إلى العمل، باطلالتها الجديدة الجاذبة للنظر،
تناولت حقيبتها تبحث عن مفتاح المنزل، لتنذكر وضعه بالسترة القديمة التي عادت بها من التسوق، بحثت عنها لتجدها وسط كوم الملابس المتسخة والتي رمتها دون تركيز اثناء خلعها بالأمس، نظرا لانشغالها في تحضير الطعام لجدتها، ثم انشغالها بتجربة الأشياء الجديدة امام المراَة حتى نامت بينهم.
اخرجت المفتاح لتتذكر فجأة الخاتم الذي وجدته في محل الملابس، وشكله الرائع، بحثت سريعًا داخل الجيب والجيب الاَخر ولم تجده.
عادت للبحث مرة أخرى تلعن غبائها، كيف لها أن تنسى شيء كهذا، حينما يأست، القت السترة لتبحث بين بقية الملابس، لربما وجدته ببنهم، وقبل أن تتفحصهم بدقة تفاجأت بصوت الجرس المزعج القديم وطرق عنيف على باب المنزل، جعل جدتها تردف بالسباب عليها وعلى الطارق، لتنهض مجبرة حتى ترى من القادم.
فتحت لتفاجأ بعدد من الوجوه، شكلها لا ينبئ بخير على الإطلاق.
– آنسة مودة.
قالها الرجل الأول ذو الهيئة الجامدة والباعثة على الرعب، لتجيبه على الفور:
– أيوة حضرتك أنا مودة، بس انتو مين ؟
جاءها رد الرجل بنبرة قاطعة:
– احنا قوة أمنية مكلفة بالقبض عليكي، بتهمة سرقة خاتم الماظ تمنه ربع مليون جنيه.

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى