روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية وبها متيمم أنا الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الرابع والثلاثون

رواية وبها متيمم أنا البارت الرابع والثلاثون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيم أنا الحلقة الرابعة والثلاثون

– عريس….. لصبا.
تفوه بها وقد اعتلى ملامحه شحوب مفاجئ، وجوم غطى على تعابيره، زاغت عينيه، أم أنه شرد لعالم اخر، هذا ما شعرت به شقيقته، بعد أن أخبرته بهذا الأمر عن قصد، فتابعت:
– ما هو دا الطبيعي، أمال يعني كانت هتقعد كدة من غير جواز العمر كله؟
دفعة قوية من الهواء الذي انحبس داخل صدره، طردها بزفير طويل؛ ليخرج صوته بإحباط متعاظم، يردف الكلمات الثقيلة على لسانه بصعوبةٍ جمة:
– لا طبعًا، مين قال كدة؟ دي سنة الحياة.
– ومالك بتقولها كدة وكأنها هتموت مش هتتجوز؟
تطلع إليها بإجفال يسألها:
– ليه بتقولي كدة يا رحمة؟
بأنفعال بدا جليًا في كلماتها:
– إنت عارف انا اقصد ايه يا شادي، بلاش يا بن ابويا وامي نلف على بعض، هتفضل لحد إمتى ساكت؟
ابتلع ليردد مستنكرًا باضطراب:
– ساكت عن إيه بالظبط؟ ما تخلي بالك من كلامك يا رحمة.
واصلت شقيقته ضغطها لتكشفه أمام نفسه:
– واخلي بالي ليه؟ غلطت فيك مثلًا؟ يا خويا جيب م الاَخر، دا انت هتموت ع البت……
انتفض كالملسوع يقاطعها عن المواصلة:
– اموت على مين يا رحمة؟ إنتي اتجننتي ولا إيه؟ دي عيلة.
– لا مش عيلة.
هتفت بها لتتابع بإصرار:
– إنت اللي شيل المسؤلية خلاك تنسى نفسك وسنك الحقيقي، مش اللي كبرتوا الهموم، انت لسة في عز شبابك يا شادي وهي معدية سن الرشد يبقى ايه المانع؟
اعترض يقاطعها للمرة الثانية ولكن بحدة، وكأنه كان في انتظار الفرصة ليطلق سراح وحش الكتمان المحبوس بداخله:
– المانع فيا أنا يا رحمة، مش هقولك على القيود اللي حاططها أبوها، بس هفكرك بحالي…. مش عايز اشيلها فوق طاقتها عشان انا حملي كبير، وهي زي الوردة عايزة اللي يرعاها والدلع اتخلق للي زيها، عشان هي تستاهله، لكن انا بقى هقدملها إيه؟
ردت برغبة قوية امتزجت بحماسها:
– إن كان على أمي أنا معاك ومش هسيبك، هي بس شهور الحمل تعدي وهتلاقيني ان شاء الله بشيل عنك أكتر من الاول…..
قطعت فجأة تتطلع إلى هذا الحزن الذي كسى عينيه، فقالت بجزع:
– ليه يا شادي الحزن دا كله؟ لدرجادي إنت معندكش الثقة في نفسك.
– مش موضوع ثقة يا رحمة
– أمال موضوع إيه؟
رد بتنهيدة مثقلة خرجت من العمق:
– مش عارف اشرحهالك ازاي؟ بس أنا…… خايف يا رحمة.
– انت خايف!
نهض عن مقعده، واتجهت أبصاره لخارج نافذة الغرفة التي كان يخطو نحوها، يفرج لها عما يجيش بصدره:
– خايف اواجهها باللي جوايا ومتقبلش، ساعتها مش هتحمل اقعد ثانية قصادها في الشغل، أو حتى ابقى جيرانها هنا في العمارة، مش هتحمل ابعد عنها بعد ما دوقت قربها، بنظرة منها بحس بسعادة في حياتي ما عرفتها، يوم ما بتضحك الدنيا كلها بتضحك قدامي، أنا مش قادر ابعد ولا قادر اقرب، الشوق جوايا بيقتلني ليها، وبنفس الوقت خايف لصورتي تتهز في عنيها، ع الأقل دلوقتي شايف احترامها ليا، مين عالم بقى لو واجهتها هشوف إيه؟
– حب .
قالتها رحمة بأعين ترقرت بها الدموع، وقد أوجعها الألم الذي ارتسم جليًا على صفحة وجهه، لتردف بما لمسته بحاسة المرأة منها، التف إليها يطالعها باستفسار، لا يصدق ما التقطته أذنيه، ولكنها عادت تؤكد بيقين نبت بداخلها:
– أيوة حب يا شادي، انا شايفة كدة وانت كمان شايف بس مش مصدق.
لم يرد ولكن ظل على نظرته الساهمة لها، علّه يستوعب ما تفوهت به، يداعبه الأمل في التصديق، وتصدمه صخرة الواقع أن ما يتحدث الاَن هو شقيقته، نفض رأسه ليقول برجاء يشوبه الضيق:
– يااارحمة، الله يرضى عنك بلاش الكلام ده، انا مش حمل اتعلق بحبال دايبة.
تبسمت تشاكسه بثقة:
– لا ما انت اتعلقت واللي كان كان، بس هي مش حبال دايبة، انا متأكدة منها دي، وانت كمان هتتأكد بنفسك، وبكرة تقول اختي قالت.
رسم على ملامح وجهه العبوس، يتصنع السأم من قولها، رغم حفلات الصخب التي كانت تدور بداخله، يتمنى أن يحدث.
انتفضا الإثنان فجأة على طرق باب الغرفة وصوت سامية يهتف:
– قافلين الباب عليكم ليه يا ولاد خالي، انا حضرت العشا، هاكل لوحدي يعني ولا إيه؟
التف نحو شقيقته يلوح كفيه أمامها معترضًا بسخط، طالعته بضحكة مكتومة، قبل أن ترد بصوت عالي:
– حاضر يا سامية، حضري السفرة عندك وانا شادي هيسندني ونخرجلك.
– طب ما تتأخروش بقى لا الأكل يبرد، دا حلاوته وهو سخن وموللع.
قالتها بنبرتها المائعة، تشدد على الأحرف، حتى جعلته، يزبهل بانشداه نحو شقيقته، والتي لم تكن قادرة على التوقف في الضحك.
❈-❈-❈
من شرفة المنزل التي كانت جالسة بها، تستذكر من كتابها الدروس المقررة عليها هذا العام، وبنفس الوقت تتابع الحركة الدائرة في الشارع من مارة وسيارات تخترق المنطقة وتخرج منها، على أحر من الجمر، تنتظر بلهفة وترقب، حتى إذا ما وقعت عينيها على طيف السيارة التي تقلهم من أول دخولها الحارة، انتفضت عن مقعدها تركض للداخل مرددة:
– وصلوا وصلوا، العرايس وصلوا.
أمنية والتي كانت مارة بالصدفة في الصالة بعد خروجها من المطبخ وتناول وجبة إفطارها، عقبت تطالع لهفتها بضيق:
– وافرضي وصلوا، بتجري كدة ليه زي الهبلة؟ هتتكنفلي على بوزك.
ضحكت رؤى وهي تتناول اسدالها لتسقطه عليها وترتديه، ثم لفت طرحته سريعًا قائلة:
– عشان اللحق اسلم على عريس اختي قبل ما يمشي.
قالتها وتحركت من أمامها مغادرة من باب المنزل على الفور، مصمصت أمنية بشفتيها لتردد بحنق خلفها:
– إللي ما شوفت حتى ربع الفرحة دي يوم خطوبتي، انا اللي ابقى شقيقتها من امها وابوها، لكن اقول إيه؟ أصناف وسخه.
وفي الخارج، واصلت رؤى ركضها حتى وصللت إلى مدخل البناية لتتلقف والدتها والتي كانت حاملة بعض الأكياس الكبيرة تقول بلهاث، شيليهم مني يا ختي وخففي عني شوية.
ردت رؤى بابتهاج متعاظم وهي تتفقد بنظرها سريعًا محتويات الأكياس:
– ما شاء الله، كل دي هدوم وهدايا .
التوى ثغر نرجس وهي تتخطاها معلقة بسخط:
– ايوة يا ختي زي انت شايفة كدة، ابعدي بقى خليني اروح اريح، قطيعة اتهد حيلي في اللف والدوران .
واصلت غمغمتها وهي تصعد الدرج :
– يا عيني عليكي يا أمنية يا بنتي، إللي ما شوفتي حتى نصهم.
خبئت الإبتسامة على وجه رؤى، وفتر الحماس الذي كان متقدًا منذ قليل، فهذه النبرة من والدتها وشقيقتها لا تعجبها، بل وتعتبره جحود سافر، في حق من هي تستحق أكثر من ذلك، بعد طول صبرها وشقائها معهن.
التفت بيأسها نحو العروسين الذين مازلا في السيارة حتى الاَن يتناقشان في أمر ما يخصهم، لوحت بكفها تحية لهما، لتقابلها شهد بقبلة في الهواء وحسن ايضًا كان يدعوها بكفه لتأتي، ولكنها تحججت بحمل الأشياء وضرورة الصعود بهم، حتى تترك المجال لهما.
❈-❈-❈
وفي داخل السيارة، كان الجدال على أشده بعد أن فاجئها بقراره:
– كان لازم تبلغني من الأول يا حسن، ازاي يعني عايز الخطوبة في قاعة، انا عملت حسابي على حاجة ع الضيق في شقتنا.
– وانا كمان كنت عامل حسابي على كدة، بس مكدبش عليكي بقى لما حسبناها أنا ووالدتي، لقينا ان الموضوع هيبقى مرهق، احنا قرايبنا كتير ومينفعش نعزم حد ونسيب حد
زفرت تشيح بوجهها للناحية الأخرى ولكنه لاحقها بقوله:
– الأمر مش مستاهل العصبية ولا الضيقة دي كلها يا شهد.
طالعته ببعض الضيق، ولسانها يعجز عن قول السبب الحقيقي لرفضها، فمن أين ستأتي بالمال الذي يغطي هذه الليلة بهذا الفعل المفاجئ، خرج صوتها تجادله بعتب؛ علّ هذه الطريقة تثنيه عن هذا الأمر:
– إنت شايفه أمر مش مستاهل، لكن انا شايفاه العكس، هي الحاجات دي سلق بيض، دا لازملها تجهيز وحجز القاعة، حتى الفستان هنا في الشقة، غير ما هيبقى هناك في القاعة، إمتى هلحق اعمل دا كله؟
بابتسامة عذبة رد ببساطة أذهلتها:
– ولا تحملي أي هم، القاعة اتحجزت من امبارح، اخويا أمين اتصرف مع واحد معرفة والراجل قام بالواجب وجامله، أما بقى عن الفستان والبيوتي سنتر، فدول أمرهم سهل يا شهد، نقي اللي انتي عايزاه اون لاين وانا سداد يا ستي .
هتفت معترضة بانفعال:
– تاني مصاريف يا حسن؟ هو احنا لحقنا من الشبكة ولا الهدايا، عشان تفتح في الحاجات الفارغة دي؟
ضحك يزيد بغيظها ليرد بتسلية أدهشتها:
– الله يا شهد، انتي بقيتي زوجة مصرية أصلية، واحنا لسة ع البر، أمال لما ندخل في الجد هتعملي إيه؟
قاومت بصعوبة ضحكة ملحة، حتى لا تضعف أمامه، فبدت مرتسمة على ملامحها كابتسامة مستترة، رأى هو ذلك فامتد طرف سبابته يداعب أنفها، لتحدجه بنظرة محذرة بهمس:
– خلي بالك يا عم الناس واخدة بالها، مش كفاية قعدتنا في العربية كدة مكشوفين قدامهم.
رد مشاكسًا:
– واعملك إيه طيب؟ ما انتي اللي عاملة تحذيراتك عشان مدخلش في عدم وجود راجل في البيت.
– أيوة طبعًا، اللي محرماه على اختي وخطيبها لا يمكن اعمل عاكسه.
قالتها بإصرار زاده إعجابًا بها، قبل أن تُغير لتعود للنقاش مرة أخرى:
– نرجع لمرجعونا، ياريت يا حسن ترجع عن قرارك، وتخلي الكلام ده لليلة الكبيرة، اهي ليلتك وانت حر فيها، أما ليلة الخطوبة دي على أهل العروسة، يعني…..
– ليلة مين اللي ع العروسة؟
قالها بمقاطعة مستفسرًا، وكان ردها بعفوية:
– ما انا قولتلك يا حسن، دي عادتنا من زمان .
ارتفعت رأسه يهزهزها بتفهم قائلًا:
– ااه يعني هي الحكاية كدة، لا ستي احنا معندناش الكلام ده، يعني سيبك من الرغي بقى واقتنعي، ياريتني سيبت مجيدة معايا وموصلتهاش قبل ما نيجي، عشان كانت سبتتك في ثواني.
فتحت فاهاها، وهمت ان تواصل بعندها ولكنه اوقفها:
– قفلي بقى يا شهد، لاتصلك بيها، وهي تشوف شغلها معاكي
❈-❈-❈
كان حسن في طريقه لمغادرة المنطقة بأكملها حينما تفاجأ بهذا المعتوه حينما تصدر بجسده أمام السيارة التي كانت تسير ببطء نظرًا للكثافة السكانية بها.
– ابو نسب.
هتف بها ليجبر الاَخر على التوقف مدمدًا بضيق:
– ودا ماله ده؟
تحرك ابراهيم ليلتف إليه ناحية النافذة واقترب يخاطبه بود غريب عنه:
– ماشي على طول، طب سلم يا سيدي، دا احنا حتى هنبقى عدايل .
– عدايل!
أيوة عدايل امال ايه؟ ازيك يا بشمهندس، نورت الحارة .
هتف بها ابراهيم وامتدت كفه إليه يريد مصافحته، ف اضطر أن يخرج له ذراعه من النافذة التي انفتح زجاجها، مرددًا ببعض المجاملة رغم انزعاجه من هذا الأسلوب الغريب:
– اهلا يا ابراهيم، عامل ايه؟
هتف بصوت عالي باعتراض:
– لا يا سيدي، انا مينفعش معايا السؤال كدة من باب العربية، انت تنزل معايا ع القهوة ناخد فنجانين ولا كوبايتين شاي، ساعتها بقى هقولك عامل ايه؟ وكل اللي انت عايزه
طالعه حسن صامتًا بازبهلال فهذا اللطف المبالغ فيه، لم يألفه منه على الإطلاق، واصل ابراهيم استعراضه:
– ايه يا عم البشمهندس سكت ليه؟ ولا يكونش هتتكبر على اهل المنطقة، دا احنا حتى كلنا ولاد تسعة، وعروستك ست الحارة مننا.
زفرة سريعة اطلقها حسن قبل ان يرد على كلماته:
– تكبُر ايه يا عم انت كمان؟ انا بس مستعجل، من الصبح برا وعايز اريح شوية.
بإصرار أكبر اردف بمزيد من الطف:
– والله عارف انك من الصبح مع العروسة بتنقي الشبكة، وانا بقى بالمناسبة دي عايز افتح صفحة جديدة مع بعض، دا احنا خلاص هنبقى عيلة عايز أصاحبك يا سيدي.
أمام هذا الإلحاح، اضطر حسن ان يوافق، ليصطف سيارته في احدى الأماكن القريبة، وجلس معه على طاولة صغيرة في خارج المقهى الشعبي.
وكان الطلب كوبين من الشاي، بناء على رغبة حسن الذي كان يرتشف به ساخنًا على مضص، حتى ينتهي من هذا اللقاء الثقيل، والاَخر لا يتوقف عن أدهاشه بهذه الترحاب الغير عادي:
– عارفك مقلق مني، بس حقك عشان المشاكل والخناقات اللي تمت ما بينا في أول تعارف، بس انت لازم تعذرني يا عم الحج، دي خالتي وبناتها وبنت جوزها، يعني كلهم حريم، لو انت مكاني، لازم هتخاف وتقلق من أي دكر يقرب منهم.
– دكر !
قالها حسن بازدراء ليواصل استنكاره:
-‘ما تنقي الفاظك يا أستاذ ابراهيم.
ضحك المذكور بصوت عالي وكأنه قد سمع منه مزحة ليردد بتفكه:
– معلش بقى، اصلك مش متعود على لغتنا، يبقى نديك عذرك.
رد حسن بابتسامة خالية من المرح:
– ماشي يا سيدي الله يحفظك، ع العموم انا مش شايل منك ولا حاجة، انت بنفسك قولت اننا هنبقى عيلة، يعني عفا الله عما سلف.
وضع كفه على صدره مرددًا بتفاخر:
– تشكر يا عم البشمهندس، واحنا كمان رجالة ونعجبك.
اومأ له بحركة من رأسه مع هذه الابتسامة المصطنعة، ليرتشف الشاي من كوبه، وارتشف ابراهيم ايضًا، قبل أن يتابع بالحديث:
– وحاجة تانية عشان نبقى على نور، خالتي وبناتها وشهد معاهم، دول أمانة في رقبتي، مش بس عشان خطيبتي منهم، لااا، دا عشان مسؤليتهم عليا انا وابويا من قبلي كمان، يعني من ساعة ما عم ناصر مات مقتول…….
– مقتول!
تفوه بها حسن كتساؤل، فردد الاَخر مصححًا:
– يعني مش مقتول بالظبط…. بصراحة مش عارف، بس دا اللي اتقال وقتها يعني عشان الطار اللي عليه.
– للمرة الثانية يقاطعه حسن:
– طار كمان؟ انت بتقول ايه؟
متصنعًا الندم ردد إبراهيم يدعي الأسف:
– يا نهار أبيض، أنا بايني لبخت ولا ايه؟ بس اقولك، بصراحة بقى إنت لازم تعرف، ما هي لو شهد مقالتلكش، يبقى عندها حق، اصلها حاجة تكسف يعني.
زجره حسن بانفعال:
– حاجة ايه اللي تكسف يا جدع انت؟ هو في ايه بالظبط؟
اطرق برأسه ليطلق تنهيدة مطولة قبل أن يجيبه:
– شوف يا عمنا انا هقولك ع الناهية، انت طبعًا ملاحظ ان شهد وأخواتها مقطوعين، مسألتش نفسك في مرة هما ازاي كدة؟ ملهمش عم ولا ايها صنف راجل في عيلة ابوهم؟
ظل حسن بصمته وقد عبس وجهه وتجهمت ملامحه بشدة، لينطلق الاَخر في حديثه:
– انا بقى هقولك ع السبب .
❈-❈-❈
كالعادة حينما يغلب في البحث عنها عندما تغيب، تسحبه قدميه نحو الغرفة التي تبعُد تقريبًا عن كل الصخب في المنزل، حيث تحتل جهة وحدها، لتكون كالمأوى الاَمن لها، بذكرياتها مع الكتب القيمة والأشياء الأخرى التي ضمتها مكتبة والدها قديمًا.
طرق بخفة قبل أن يدفع الباب ويلج إليها ، فوجدها أمام النافذة الزجاجة الضخمة، والتي تحتل جزءًا كبيرًا من الحائط، حيث تطل على الحديقة وما تحتويه من اشجار خضراء وزهور تبعث بالروائح المختلفة في الأجواء، بمشهد يريح العين ويسر القلب، هذا في الحالة العادية، وليس في هذا الظرف، حيث يعصف بها القلق والحيرة، كما يراها الاَن.
انتبهت إليه ف التفتت تطالع خطواته وهو يقترب، حتى إذا وصل إليها، وبدون التفوه بأدنى حرف، القت نفسها عليه لتضم خصره بذراعيها، وتريح رأسها المتعب على موضع قلبه،
شدد عليها هو الاَخر ليحتويها ويغمرها بدفئه، علّه يخفف عنها ولو قليلًا، ظلا على هذا الوضع لمدة من الوقت، لا يصدر سوى صوت أنفاسهم، حتى قالت اَخيرًا بعد فترة طويلة من الصمت:
– يا ترى هيعمل فيها لما يعرف منها؟ ولا المصيبة كمان لو كشف الموضوع لوحده.
زفر يطرد دفعة كثيفة من الهواء، ليرد شاردًا في اللون الأخضر أمامه وكأنه يحدث نفسه:
– مش هيعمل حاجة.
استلت نفسها منه لتنظر إليه بتمعن سائلة:
– هو مين اللي مش هيعمل حاجة؟ هو انت ناسي ان احنا بنتكلم عن مين؟
نفى برأسه ليردف بتصميم:
– لأ مش ناسي، وعارفه كويس كمان، وبرغم كدة بقولك انه مش هيقدر يأذيها.
بنظرة ساهمة كانت تتطلع إليه، لتقول بعدم اقتناع:
– لا دا انت باينك نسيت بجد يا طارق، ولا يمكن مش مقدر حجم المصيبة اللي عملتها رباب؟ دا كارم اللي ممكن يقتل قتيل لو حد فكر بس يمس صورته.
واصل يجيبها بالنبرة الواثقة:
– برضوا أنا لسة على رأيي، دا إحساسي يا كاميليا، كارم بكل جبروته دا، لكن برضوا عنده قلب مش وحش زي ما قالت اختك، انا شوفت نظرته ليها، شوفت دراعه اللي ارتخى بسلاحه بمجرد ما سمع كلمتين منها، ونفذ لها رغباتها كمان، انا راجل عاشق، وافهم كويس في حالة الراجل لما يبقى زيي، هو ممكن الغضب يعميه في البداية….
– ما هو دا اللي انا خايفة منه.
هتفت بها مقاطعة بتشدق، ورد محافظًا على هدوئه:
– حتى لو دا حصل، برضوا هيلين في الاَخر، هي بس عايزة شوية حرص وصبر، وزي ما قولتي انتي، لازم الحقيقية تيجي منها هي، الاعتراف مهما كانت خسايره في البداية واضحة، لكن ع الأقل بيقصر مسافات كتير من البحث والحيرة.
❈-❈-❈
– يعني هو قالك انه كان هربان من الطار، ولا الطار اتاخد منه.
سألته مجيدة بعد أن سرد أمامها الحديث الذي دار بينه وبين هذا المدعو ابراهيم، وجاءت إجابته بفتور قد حل على كل خلية من جسده:
– مش عارف يا ماما حكاية اتاخد منه دي ولا لأ، بس هو أكدلي، ان بلدهم مشهورة برفع السلاح ووالد شهد هرب من دورو في الطار اللي كان مطلوب فيه من عيلة تانية، وجه واستوطن هنا مع مراته والدة شهد قبل ما ربنا ياخد أمانته ويتجوز بعدها اللي اسمها نرجس دي، ويعيش معاها كام سنة قبل ما يلاقوه مقتول في مبنى تحت الإنشاء من ضمن المقاولات اللي كان بياخدها.
صمتت قليلًا متمعنة النظر في ملامحه، قبل أن يخرج صوتها:
– طب وانت إيه اللي مزعلك؟ خايف يعني لا يعايروك بأهل ابوها؟ هما فينهم دول؟ انت ليك البنت، مالك بيهم؟
اطلق زفيرًا خشنًا بيأس، قبل أن يجيب سؤالها:
– يا ماما افهمي، الكلام اللي قالوا الولد ده خطير، دا بيقولك ان أهلها دول كانوا هياخدوها هي واخواتها بعد ابوها ما مات، بس ابوه هو اللي وقفلهم، وجعلهم في حمايته، وانهم لحد دلوقتي متربصين للبنات عشان يستولوا على ملك ابنهم والبنات يجوزوهم في البلد هناك.
بانفعال حاد هدرت به والدته:
– إزاي يعني؟ هي سايبة اوي لدرجادي؟ ثم ايه اللي يأكد ان كلامه صح؟ مش يمكن بيألف من مخه.
– لا يا ماما الكلام ده حقيقي، مش بيألفه من مخه.
قالها أمين والذي كان حاضرًا الجلسة بينهم، على اَريكة وحده، وتابع منشغلا في التلاعب على هاتفه:
– انا بعت لواحد صاحبي بيخدم هناك في البلد اللي قال عليها ابنك، هي فعلا بلد خطيرة والعيلة دي تقريبًا ليها تاريخ طويل في القتل والسجن بين افرادها وأفراد العيلة التانية.
بقلب الأم خرج صوت مجيدة بلوعة على حياة ابنها:
– يعني ايه؟ هو كدة في خطر على اخوك.
رد أمين بحمائية غاضبًا:
– دا مين دا اللي يقدر يقربله؟ الكلام دا أبعد من خيالك يا ماما، احنا عيلتنا مش هينة، دا غير ان لو هنفكر بالعقل كدة وبهدوء، ايه اللي يخلي الناس دي تقرب من حسن، دول ما بياخدوش الطار من البنات، هياخدوا من جوازهم اللي برا العيلة؟ هما اخرهم يعملوا مشاكل.
رددت خلفه تريد تأكيدًا:
– الكلام دا بجد يا أمين؟ ولا انت بتقول كدة بس عشان تهديني؟
بابتسامة مطمئنة رد يجيبها:
– والله زي ما بقولك كدة يا ست الكل، دا اخويا على فكرة، يعني هخاف عليه زيك.
خاطبه حسن بتساؤل:
– طب ايه هي نوعية المشاكل دي عشان اخد حرصي؟
ترك أمين الهاتف من يده، ليردف بجدية حازمًا:
– قبل ما اقول على أي شيء، بعد الكلام اللي سمعته من الواد ده، عندك استعداد تكمل، ولا ناخدها من قاصرها يا بن الناس وندور على واحدة تانية، ونريح دماغنا بقى من القلبان ولا تعب القلب.
– لا طبعًا، انا مقدرش استغنى عن شهد.
قالها على الفور وبدون تردد، ابتسم أمين ثم توجه بنظراته نحو والدته ليعرف رأيها، وردت هي الأخرى
عن ثقة:
– شهد ممتازة من كل النواحي، دا كفاية انها حركت قلب اخوك، بس برضوا انا لازم اطمن .
تنقل بنظراته نحو الاثنين قبل أن يعرض عليهم قائلُا:
– عشان نريح نفسنا من الأول كدة، يبقى منعًا للأخد والرد، شهد تبقى في حمايتنا رسمي، ساعتها اهل ابوها لا هيقدروا يقربوا منها، ولا حتى هيبقالهم عين يواجهونا بيها
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وقد كانت في طريقها نحو المغادرة، بعد ان تجهزت وارتدت ملابسها، للذهاب إلى العمل، تفاجأت بهذا الطرق العنيف على باب منزلها، فتحت لتصعق بهذه المجموعة المتجهمة من الرجال، يتقدمهم الظابط عصام، قائلًا بحزم:
– مدام ميرنا، عندنا أمر بتفتيش المنزل.
وقبل أن تستوعب، وجدت مجموعة الرجال يندفعون لداخل منزلها، وورقة الأمر المكتوب توضع في كفها، خطفت نظرة نحوها قبل ان ترفع رأسها للرجل سائلة بعدم فهم:
– أمر إيه؟ وليه؟ انتوا جايين عندي تدوروا على مين بالظبط؟
رد يجيبها بهدوء:
– حضرتك احنا مش بندور على شخص، احنا بندور على حاجة مسروقة، ومجموعة من الأدلة وصلتنا ليكي.
هتفت بغضب تدافع عن نفسها:
– ايه الكلام الفارغ ده؟ أنا موظفة محترمة في أرقى فندق في البلد، يبقى ايه اللي يخليني اسرق؟ انا عايزة اعرف ايه الحاجة اللي بتدوروا عليها بالظبط؟
– الخاتم الألماظ بتاع مدام ناهد.
قالها عصام، ليتابع انسحاب الدماء من وجهها، وعينيها التي برقت بعدم تصديق، ثم تحول هيئتها للجزع، مع نداء أحد الرجال وهو يقترب بخطواته السريعة منهما:
– لقينا الخاتم ده يا سعادة الظابط، كان وسط مجموعة من المجوهرات في دولاب الهدوم.
تناوله الاَخير بابتسامة متسعة وهو يرفعه أمام عينيها قائلًا:
– وكمان وسط مجموعة من المجوهرات، دا انتي جامدة اوي بقى يا ميرنا.
❈-❈-❈
على صوت المنبه المزعج، استيقظ ليرتفع برأسه وامتدت ذراعه ليتناوله من أعلى الكمود قبل أن يغلقه، ظل لمدة من الوقت على وضعه هذا حتى استعاد كامل وعيه ليعتدل بجزعه، يزفر أنفاسه بخشونة، ممررًا كفه يده على شعر رأسه المتناثر، فوقعت عينيه على صورتها الملتصقة بالحجم الكبير على الحائط أمامه مباشرةً، ليتذكر فراشه البارد من دونها، وهذا الروتين الممل لأيامه التي مضت وهي غائبة عنه، رغم قصر عددها، إلا أنه يشعر بمرورهم كالرهر عليه، اكثر من خمس سنوات مضت ولم تفارقه اكثر من يوم أو يومين بالأكثر في أصعب الظروف نتيحة سفره أو ازدحام أعماله الكثيرة، لقد اشتاقها واشتاق قربها، اشتاق الحياة بوجودها، بل هي الحياة نفسها، هي الوحيدة التي التمس منها العشق الحقيقي له، حتى أنسته حقده على من سبقتها وما قبلها ايضًا.
تنهد ليتحامل على بؤسه ونهض ليرى كم الأعمال التي تنتظره في غياب عدي، ثم بحثه المتواصل على من تسببوا بهذه الفرقة بينهما، حتى يجد الإجابة عن السؤال الذي ارق نومه:
– ما السر وراء فعلتهم هذه؟
قبل ان يغادر الغرفة صدح هاتفه بالرقم المميز، تراجع ليتناوله على الفور ليجيب محدثه:
– الوو يا عدي صباح الخير……… الحمد لله يا سيدي، المهم انت ايه أخبارك؟……… معقول! لدرجادي جدها صعب؟……. طب يا بني ما تكلم اخوك خليه يشوفلك صرفة، انت عارف مصطفى جامد قد ايه هناك؟……. يعني رافض التعاون معاك! انا كنت متوقع كدة…… لا طبعا متسلسمش ولادك من حقك…… خلاص يبقى متريحمش، ولا تطلق غير لما ترسوا على اتفاق يكون في صالحك، الأمور دي ملهاش الاستعجال.
❈-❈-❈
كان في انتظار المصعد حينما شعر بحضورها الطاغي، وقد هلت الرائحة المسكية لتدلل أنفه، ليتنشقها بنهم حتى اقتربت لتلقي تحية الصباح بصوتها الرقيق:
– صباح الخير.
التفت بوجهه إليها يرد إليها تحيتها:
– صباح الخير يا صبا، عاملة ايه؟
اومأت بهز رأسه تجيبه بفتور ازعجه:
– الحمد لله تمام .
تركزت ابصاره عليها ولم يقوى على رفع عينيه سوى بعد ان توقف المصعد وانفتح الباب الأليكتروني، لتلج بداخله هي اولا ومن بعدها هو .
نظرت إليه باستغراب وهو يضغط على الرقم الأرضي، لتساله بفضول لم تقوى على كتمانه:
– إنت هتنزل عادي في الأنساسير؟
تبسم يجيبها باندهاش:
– وفيها ايه يا صبا؟ هي دي اول مرة ان انزل في الأسانسير؟
اهتز كتفيها لتردف :
– بصراحة انا كنت فاكراك بتخاف من الأماكن المغلقة، عشان كذا مرة اشوفك بتنزل السلم على رجليك، خمس ادوار، كنت بتصعب عليا بجد.
افتر ثغره باتسامة عريضة حتى ظهرت غمزة صغيرة على وجنته اليسرى، كانت لاول مرة تراها من هذا القرب، فتابعت بسؤاله:
– ايه اللي كان مانعك عنه؟
اطرق برأسه، والابتسامة ما زالت تزين ثغره، بماذا يجيبها؟ ايخبرها بأنها كانت السبب الدائم في الإبتعاد عنها، حتى لا يحترق بوهجها الجذاب، أما الاَن وقد صار ما قد صار، حتى اصبح يسلتذ عذابه في قربها، لم يعد فارقًا له أي شيء.
حينما طال انتظار إجابته، استسلمت صبا لإحباطها، للأ تزيد عليه في الإلحاح، وخيم الصمت بينهما، حتى خرجا من المبني، فتوقفت هي في انتظار الحافلة التي كانت على وشك الوصول، وتوقف هو بجوار سيارته، مستندًا بذراعه على سطحها يتابعها بعينيه، وهذا السؤال الملح برأسه، بعد حديث شقيقته يجعله في حالة من عدم الإتزان على الإطلاق، يداعبه الأمل، ويقتله شعور اليأس؛ أن يكون كل ذلك مجرد أوهام برأسها هي، تمتم الاستغفار يناجي من الله الصبر، في انتظار الرأي الأكيد من شقيقته، والتي وعدته ان تفاتحتها بأسلوب غير مباشر حتى تعرف رأيها.
وصلت الحافلة التي تقلها نحو جهة عملهم، وتنفس هو الصعداء، ليرفع رأسه نحو السماء متمتمًا:
– يااارب
❈-❈-❈
وفي داخل قسم الشرطة
كانت ميرنا تهتف بشراسة المدافع عن نفسه، ولو حتى ضبط متلبسًا بجرمه:
– الكلام دا كله غش، انا مش هسكت، انا لا سرقت ولا اعرف أي حاجة عن الخاتم ده، دا أكيد واحد من المخبربن حطهولي.
ضرب الظابط المكلف بالتحقيق معها ليضرب بكفه على سطح المكتب بعنف، ليسكت مهاتراتها:
– احترمي نفسك يا بت انتي، وخلي بالك من كلامك، بدل ما ازود عليكي بتهمة تانية.
ردت بعنف غير اَبهة:
– زود يا باشا على كيفك، ما هي بانت لبتها، المحروسة اللي لابساها القضية، أكيد ليها واسطة جامدة ولا تبع حد فيكم، عايزين تخرجوها هي وتلبسوهاني انا؟
كز عصام على أسنانه، يكبح نفسه على التلفظ بلفظ قبيح، ردًا على تبجح هذه المرأة، وتكلف قائلًا بصعوبة جمة:
– انا مش هفضل ماسك نفسي كتير على قلة أدبك دي، خلي بالك عشان دا كله بيكوم عليكي.
قالها وانتفض فجأة على دخول رئيسه، وهو يردد بمرح:
– صوتك طالع ليه يا عصام؟ براحة يا حبيبي لأعصابك تتعب.
وقف الاخير يقول باحترام وهو يبتعد عن كرسيه خلف المكتب، ليحل محله الاَخر:
– اتفضل يا أمين باشا وشوف بنفسك، الهانم طايحة في الكل ولا اكن مالي عينها حد.
القى الاَخير بنظره نحوها وهو يفتح في الحاسوب الذي قد دخل به، يناكفها بتلاعب:
– ليه يا ميرنا تزعلي عصام وتطلعيه عن شعوره؟ هو ذنبه انه بيتعامل معاكي بأدب يا بنتي.
صاحت تواصل استعراضها:
– انا بدافع عن نفسي يا باشا، البت مودة هي اللي اتظبطت بالخاتم والكاميرا جابتها في المحل وهي بتصورها، يبقى اشيل عنها ليه؟
– عشان انتي كمان الكاميرا صورتك.
قالها وهو يلف نحوها الشاشة ليتابع بحزم:
– مش دي برضوا مودة اللي خدتيها على مطعم التيك اواي بعد ما لففتيها ع المحلات، عشان تلطشي منها الخاتم، اول اما قامت بس وسابت الترابيزة عشان تدخل الحمام، انتي دي ولا واحدة غيرك.؟
جحظت عينيها تناظر الشاشة التي أتت بصورتها من زاوية بعيدة، ولكن بفعل التكنلوجيا الحديثة قد قربت المشهد لتبدوا واضحة بشكل جلي، وهي التي ظنت ان هذا الجانب من المطعم يخلوا من أي كاميرات، وقد كان كذلك، ولكن هذان الملعونان قد كشفا الأمر بالبحث وراءها هي عن قصد.
– ساكتة ليه يا ميرنا ما تردي؟
عقب بالسؤال عصام حينما طالت في المشاهدة، رفعت رأسها إليه، تطالعه ببغض وكره استفز أمين ليعلق هو أيضًا:
– براحة ع الراجل لتحرقيه، الأولى دلوقتي انك تفكري في حل للمصيبة اللي وقعتي نفسك فيها.
هتفت باستمرار في الإنكار:
– برضوا انا مصرة على رأيي، ومش هتكلم بأي حرف تاني غير لما يجي المحامي بتاعي.
– زي ما تحبي.
قالها أمين ببساطة وهو ينهض عن مقعده ينادي على رجل الأمن:
– مدبولي، تعالى خد البت ووديها الحجز.
❈-❈-❈
– ادخلي يا بت.
هتف بها الرجل وهو يدفعها بعنف لتلج بداخل الغرفة الممتلئة بالسجينات، توقفت بجوار الباب تلقي بنظرها على زمرة النساء التي كانت تفتحصها بتمعن، كعادة متبعة مع كل وارد جديد، خصوصًا إن كانت امرأة بهيئتها الأنيقة وملابسها النظيفة.
– يا أهلا بالروايح الحلوة.
عقبت بها إحداهن وقد كانت متكئة على وسادتها القطنية بابتسامة اظهرت سنة مكسورة في الأمام.
طالعتها ميرنا بقرف قبل ان تتجه بأنظارها نحو الأخرى والتي أتت تقترب منها بسيجارة تدخن بها:
– شكلنا كدة هنتسلى ولا إيه؟
زمجرت بعنف تنهرها قائلة:
– تتسلي مع مين يا بت؟ لا إصحي ياما، دا احنا على قديمه، ميغركيش اللبس النضيف، دا أكل عيش يا عنيا.
خبئت الإبتسامة بوجه المرأة وبدا على هيئتها التوجس، فتابعت لها بتوحش:
– حاولي يا بت تقربي، عشان اشوهك واخليكي تتحصري على اعز ما ليكي.
على الفور تراجعت المرأة من تهديدها، لتعود إلى الأخرى والتي ظلت على ابتسامتها الغريبة تناظرها ببرود، وحدجتها هي بتحدي، فهي الأعلم بالتعامل مع هذه الأصناف بخبرة اكتسبتها منذ صغرها.
ولكنها التفتت فجأة، وقد شعرت باقتراب واحدة أخرى، لترتد مجفلة بأقدامها للخلف، فور أن تبينت بصاحبة الهيئة الصغيرة، وقد كانت تطالعها بعدم تصديق لتتمتم بذهول:
– إيه ده معقول؟ ميرنا؟
❈-❈-❈
ترجلت من سيارتها لتعدو بخطوات مسرعة نحوه، وقد كان ينتظرها في أحد المواقع الخالية والتي تم الانتهاء منها وتسليمها إليه، اعتدل في وقفته ليتلقفها من وسط المسافة:
بادرته بالحديث سائلة:
– صباح الخير يا حسن قلقتني.
بابتسامة مشرقة استقبلها مرحبًا:
– صباح الفل يا روح حسن، ليه القلق بس؟
ردت وصدرها ينهج بلهاث لم يهدأ حتى الاَن:
– ازاي يعني مقلقش وانت بتقولي لازم وحالًا تيجيني عشان نتكلم على انفراد، وفي يوم زي ده، وانت عارف بالبلاوي اللي ورايا.
– بس متقوليش بلاوي.
قالها مناكفًا وهو يسحبها من يدها ويسير بها مستطردًا:
– سمحيني لو كنت خضيتك، بس انا فعلًا والله عايزك في موضوع مهم.
توقف بها اسفل مظلة شمسية ليُجلسها على احد المقاعد وهو انضم على الاَخر مقابلها، سألته بقلق:
– الموضوع ده بخصوص الخطوبة؟
نفى برأسه يجيبها:
– لا طبعًا، مالوش دعوة، بس هو في حاجة تخصها.
سألته بفضول يكاد أن يفتك بها:
– إيه بقى هي الحاجة دي اللي تخص الخطوبة؟
تنهد بتفكير عميق، يبحث عن مدخل جيد للحديث في هذا الأمر الصعب، يشفق عليها من مجرد الذكرى، فكيف له أن يناقشها به، حبيبته القوية التي تتلبس هيئة الرجال وتتعامل معهم بندية، مر عليها من الماَسي ما يكسر الظهر ويثبط الهمة، ويقتل الروح، حتى صار من الطبيعي أن تستلم، ولكنها قاومت وجابهت بشجاعة تفوق اعظم المحاربين.
عادت للسؤال مرة أخرى لتخرجه من شروده:
– حسن انت ساكت ليه؟ قد كدة الموضوع صعب؟
اقترب منها ليتناول كفها يخاطبها بهدوء، وقد حسم أمره:
– شهد من البداية كدة انا كنت عايز أسألك، انتي واثقة فيا؟
قطبت تناظره بدهشة تبادله السؤال بسؤال:
– ليه بتسأل يا حسن؟ انت وقعت قلبي على فكرة.
– سلامة قلبك.
تفوه بها، يلثم اعلى كفها بقبلة رقيقة، مستطردًا:
– يا حبيبتي انا بسألك عشان بس اتشجع وافتح قلبي معاكي، اطمني بقى ومتقلقيش.
ناظرته بحيرة لبعض اللحظات، قبل ان تجيبه بصدق:
– وانا لو عندي ذرة شك واحدة فيك كنت قبلت بيك وبخطوبتك؟ انا واثقة فيك يا حسن، ومش بس ثقة، لا دا اضمنك بعمري كله كمان.
كلمات قليلة لكن أتت عليه بفعل السحر، ارتخت اعصابه ليرد بابتسامة متسعة، وقد غمر قلبه الراحه نحوها:
– مدام طمنتي قلبي كدة، يبقى هتفهمي اللي هقوله وهتريحيني!

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى