روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الرابع عشر

رواية وبها متيمم أنا البارت الرابع عشر

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الرابعة عشر

افصل الرابع عشر
بالقرب من البناية التي تقطن بها، توقفت سيارة الأجرة الجماعية، لتترجل منها، فوقعت عينيها على مساعد شقيقتها الذي كان خارجًا منها مهرولًا بخطواته، هتفت به توقفه وقد اقلقها هيئته:
– عبد الرحيم استني هنا.
التف إليها الاَخير وتوقف ينتظرها حتى اقتربت لتسأله:
– هو انت كنت عندنا فوق؟
– اه يا ست رؤى، اصلي كنت جاي اطمنكم ع الست شهد لتقلقلوا على غيابها.
رددت خلفه بتوجس:
– تطمنا على غيابها! ليه هي مالها شهد؟ وايه اللي يخليها تغيب؟
بدا على وجه عبد الرحيم الحرج، مما زاد على رؤى بالشك لتعيد السؤال بقلق:
– ما تقول يا عبد الرحيم، ما لها اختي؟ انا خرجت من المدرسة ع الدروس، يعني من الصبح غايبة عن البيت، اختي مالها؟
تكلم يخاطبها بمهادنة، حتى لا يزيد عليها:
– اهدي بس اهدي وخليني افهمك، شهد اختك كويسة والحمد لله، المشكلة حصلت عندنا في الموقع، عامل النصبة اللي شغال معانا بقالوا سنين، حصلتلوا حادثة، وهي بس عشان قلبها رهيف مستحملتش فوقعت من طولها……
– اختي انا وقعت من طولها؟
هتفت بها مقاطعة فتابع لها يستطرد بعفويته:
– يا ست افهمي، هي بس حصلها تعب في أعصابها…
– اختي اعصابها تعبانة؟
قاطعته للمرة الثانية بجزع ارتسم على ملامح وجهها حتى أشفق عليها، وحاول طمأنتها ولكنها بدت وكأنها تعلم ما حدث بقولها:
– هي شافت الحادثة بعينها عشان كدة تعبت صح؟
– لا والله ما حصل، هي بس شافته وهو خارج من اوضة العمليات راحت وقعت من طولها.
قالها بغرض تهدئتها ولكن ما حدث هو أن زاد من ارتياعها، لتصيح به:
– اختي فين دلوقت؟ وديني عند اختي يا عبد الرحيم.
تنهد بتريث يجيبها:
– يا ست رؤى افهمي انا جيت ابلغ الست والدتك عشان اخدها معايا ع المستشفى لو حبت، بس اختك امنية قالتلي امشي واحنا هنحصلك، يعني مينفعش اخدك لوحدك، منظرها مش حلو، شوفيهم فوق لو حابين اتصلي بيا وانا اجيب تاكسي واخدكم معايا.
توقف ليتحرك قبل أن يستئذان:
– انا في بيتنا يا ست الكل، هاتشطف بسرعة عشان اغير هدمتي واكلي لقمة، لو عايزة زي ما قولتلك، رني عليا بس، الرقم عندك في التليفون.
ذهب عبد الرحيم والتفت هي مسرعة نحو منزلهم، حتى، إذا وصلت هناك هتفت بوالدتها التي فتحت لها الباب:
– ماما انتي لسة قاعدة بهدوم البيت؟ مخرجتيش ليه مع عبد الرحيم يوديكي عند شهد؟
تلجلجت نرجس قليلًا بتوتر قبل أن تجيبها:
– يا بنتي ما انا رايحة اهو على ما اختك تجهز وتخلص، هو انتي عرفتي اللي حصل لشهد منين؟
أجابتها رؤى تردف على عجالة وهي تدلف لداخل المنزل:
– انا قابلت عبد الرحيم وهو نازل من عندكم وقالي، المهم يالا بقى خلصونا، يا أمنية، ياللا يا أمنية…
ردت الأخيرة وهي تخرج لها من الغرفة:
– ايوة أيوة، يالا إيه بقى؟ هو احنا رايحين فسحة؟
تفاجأت رؤى وهي تجدها بملابس المنزل هي الأخرى، تضع الهاتف على أذنها وتتحدث بهدوء، لتصيح بها:
– هو انتي كمان لسة ملبستيش؟ امال امتى هتجهزي زي ما قالت والدتك؟ بلاس برودك دا دلوقتي يا أمنية، عايزين نلحق نطمن على شهد.
بملامح ممتعضة ردت أمنية:
– وانا يا اختي مانعت ولا اعترضت؟ ما قولنالك رايحين، بس بقى بالأصول، عشان انا واحدة مخطوبة، ولازم استأذن خطيبي الأول، قبل ما اتحرك خطوة من البيت، هو محرج عليا في كدة.
صرخت رؤى تخرج عن طورها الهادئ:
– تستأذني خطيبك على مشوار اختك اللي وقعت في المستشفى ومحدش فينا معاها؟ لييه؟ كان كاتب كتابه، دا حتى لو كان برضوا في حاجة زي دي، مش عليكي حرج.
اهتزت بجســ دها المكتنز لتقول بأعين متهربة:
– برضوا مينفعش انا لازم استأذن.
بوجه محتقن وأعصاب على وشك الانفجار خاطبيتها رؤى:
– ماشي يا ست المطيعة خلصينا بقى ونيلي اتصلي، مستنية ايه؟ ولا التليفون أصلا على ودانك بيعمل ايه؟
ردت أمنية بصوت مرتبك:
– ما انا بحاول من ساعة ما مشي الواد ده اللي اسمه عبد الرحيم، بس ابراهيم لسة ما بيرودش، باينه نايم بقى ولا إي…….
– كمااان.
صرخت بها رؤى لتتابع بعدم احتمال:
-عايزة تنتظري لحد اما يصحى الباشا ولا يتكرم ويرد عليكي، لا بقى دا ما سموش برود، دي التناحة بعينها..
تحركت بخطواته تردف:
– انا رايحة لعبد الرحيم، رايحة معايا يا ياما؟
اضطربت حدقتي نرجس وذهبت أنظارها نحو أمنية التي ضيقت عينيها بتحذير، لكن رؤى كانت اقوى في صيحتها:
– اتحركي بقى يا ماما، هو انتي لسة هتستني الهبل ده؟ بنتك عايزة تستنى المحروس بتاعها، يبقى مع نفسها، لكن انتي مينفعش قعادك اكتر من كدة، يالا يا ماما.
أتى التوبيخ بنتائجه على نرجس التي ركضت بخطواتها سريعًا حتى دلفت لغرفتها مذعنة لأمر رؤى، والتي وقفت تتبادل حرب النظرات مع أمنية الساخطة، بعد أن أفحمتها بحزمها وقوة شخصيتها، رغم صغر سنها، وفرق العديد من السنوات بينهن.
❈-❈❈
صراخ وعويل، رجال ونساء حولها يناظرنها بشفقة، وهمسات وكلمات عديدة لم تفهم منها شيء، وهي مصرة أن تتخطى وتقتحم داخل المنزل المكتظ بالبشر، حتى دلفت لداخل الغرفة الحبيبة فذهبت بعينيها نحو الفراش لتجد أمامها جســ د مستلقي عليه دون حراك مغطى نصفه بملاءة بيضاء، والنصف الأعلى مكشوف، لتكمل بأنظارها على الجلباب المُغبر، ثم الوجه المغرق بالدماء؛ والأتربة تغطى معظم ملامحه، و….. لقد علمته!…. إنه هو…. هو … باباااا ……
صرخة قوية شقت حلقها، والصور القبيحة والمؤذية تتداخل أمامها ببشاعة وكأنها بداخل هوة سحيقة تبتلعها، يختفي بها كل شيء إلا من صوت ضعيف يأتي من بعيد ويقوى شيئًا فشيء:
– شهد، فوقي يا شهد، شهد شهد.
خرجت الأخيرة بقوة تتنزعها من ظلمتها، لتجد وجهه أمامها، بجزع يردد لها:
– هو انتي كنتي بتحلمي؟ يا شهد انا بكلمك.
كانت تتنفس بصعوبة وأعين جاحظة على ملامح ملتاعة ، جعلت قلبه يسقط داخل صــ دره، يردد لها
– يا شهد فوقي وكلميني ولا اروح اندهلك الدكتور.
– دكتور إيه؟
همست بها لتستعيد وعيها اَخيرًا وترى الصورة جيدة، داخل الغرفة ذات الجدارن البيضاء، ابرة مغروزة على ظهر كفها، موصولة بأنبوب طويل لمحلول معلق في اعلى العمود الرفيع بجوار التخت النائمة عليه، وهذا المدعو حسن مائلًا بجســ ده نحوها، ومازال يخاطبها بقلق:
– انتي واعية دلوقتي عشان تكلميني؟ ولا اجيب الدكتور زي ما قولتلك؟
نفت برأسها، واستدركت لتتمالك وتعتدل بجزعها على الفراش الطبي، لتحاول بيأس السيطرة على ارتجافها والذي فضحه صوتها المهزوز:
– هو انا إيه اللي حصلي؟ وليه المحاليل والرقدة هنا على سرير المستشفى؟
تحمحم حسن بعد ان اطمأن قلبه قليلًا بعودتها وتناول المقعد القريب ليجلس بالقرب من تختها ويجيبها:
– المحاليل والرقدة هنا في المستشفى، دا بأمر من الدكاترة، بعد انتي ما اغمى عليكي.
رددت خلفه متسائلة بعدم تذكر:
– أغمى عليا؟ انا اغمى عليا طب ليه؟
– الكلام دا حصل بعد ما شوفتي عبيد وهو خارج من اؤضة العمليات يا شهد.
قالها حسن ليجد انعكاس كلماته على ملامحها التي تغضنت بتأثر تغمض عينيها بألم، وكأن تذكرها لعبيد اعاد عليها ذكرى ابشع….
سألها حسن يجفلها:
– شهد هو انتي إيه اللي خلاكي افتكرتي والدك؟
زادت بإغماض جفنيها لعدة لحظات صامتة، حتى جاء ردها في الاخير برفض:
– ممكن ماتسألنيش السؤال ده؟ عشان بصراحة لا انا عايزة ولا قادرة ارد.
تطلع بعينيها وهذا الرجاء بهما ليرى جرحها الغائر والذي تحاول جاهدة أن تخفيه خلف قشرة صلبة بهيئة الرجال حتى لا يرى أحد ضعفها، تنهد حسن بثقل ما يشعر به تجاهها في هذه اللحظة، وقال مهونًا:
– خلاص يا شهد مش هسألك، انا بس هقولك تهدي شوية عشان تقدري تستعيدي صحتك مرة تانية.
– صحتي! ليه هو انا عندي إيه بالظبط؟
سألته بجزع وعينيها زاغت بتوتر، فقال حسن:
– ميروحش فكرك لبعيد يا شهد، انا اقصد الضغط على أعصابك، الكلام دا هو اللي خلاكي تقعي من طولك النهاردة، والدكتور اللي فحصك نبه ع الحكاية دي، انتي اعصابك تعبانة يا شهد ولازم تستريحي.
تجعد جبينها لتسأله بعدم فهم:
– استريح ازاي يعني؟ هو انا مش هقوم دلوقتي بعد ما اخلص المحلول ده.
تحركت رأسه بنفي أمامها يردف:
– لا يا شهد، الدكتور امر انك تباتي الليلة في المستشفى، ولما تروحي بكرة تستريحي في بيتكم كمان
اعترضت وهي تحاول أن تنزع ابرة المحلول من كفها:
– خلاص يا عم يبقى استريح في بيتنا أحسن، هو الموضوع مستاهل…..
اوقفها بمسك يــ دها الحرة قبل أن تتمكن من فعل ما برأسها العنيد ليهدر بها بحزم:
-اسمعي الكلام بقى، بلاش استهتار، الدكتور أمر يبقى تنفذي وانتي ساكتة.
برغم توترها من فعلته، وقرب وجهها منه، إلا أنها اصرت على عدم الطاعة بقولها:
– يأمر براحته، وأنا بقى محدش يمشي عليا، سيب إيدي يا حسن.
لأول مرة تلفظ أسمه بدون اللقب المهني له، لأول يعرف بطريقتها الناعمة في نطق الأسم، حتى أنها مرت على أسماعه وكأنها لحن موسيقي، لأول مرة يراها بهذا القرب، الجمال المتخفي خلف هيئة رجولية كاذبة تدعيها ولا تليق بها.
– بقولك سيب إيدي يا حسن .
قالتها مرة أخرى غير دارية بحالته، وهو يجاهد للتماسك أمامها فقال بصوت متحشرج:
– هسيبك يا شهد، بس تبطلي تنشيف الدماغ ده.
اومأت رأسها بمهادنة حتى يتركها، ففعل ولكن بحذر حتى لا تعود لما تفعله مرة أخرى، أما هي فقد ابتلعت ريقها بارتباك واضطراب في مشاعر تستشعرها الاَن بعد فترة طويلة من السنوات، وقد ظنت أنها اندفنت مع من دفنوا
– إيه اللي حصل يا شهد؟
صدرت بدخول ابو ليلية فجأة للغرفة مندفعًا بقلق نحوها، نهض على الفور حسن يستقبله:
– تعالي يا عم مسعود وشوف المجنونة دي، مش برضوا انت كبيرها وليك كلمة عليها؟
– ليه يا بوي في ايه؟
سأل مسعود وهو يتقدم بخطواته حتى جلس على طرف التخت منتبها لحسن الذي اردف:
– المقاول قريبتك دي، الدكتور منبه عليها الراحة التامة الليلادي في المستشفى وهي راسها والف سيف لتنزع ابرة المحلول وتقوم.
سمع منه أبو ليلة ليلتف إليها بنظرة دافئة رغم مزاحه قائلًا:
– ليه يا بت اخوي؟ وراكي الأبعدية وخايفة عليها تتسرق؟ ولا فاكرة انهم ميجدروش يسوا امورهم من غيرك؟ خواتك كبروا يا شهد، ما عدوش صغيرين زي الأول .
تجعدت ملامحها لتقول بسأم:
– مش موضوع اخواتي يا ابو ليلة، انا نفسي بكره المستشفيات، دا غير اني رافضة القعدة على موضوع تافه.
– تافه!
هتف بها حسن باندهاش، فقال مسعود:
– طول ما وجعتي من طولك يا شهد يبقى مفيش حاجة تافهة، انا اول ما سمعت باللي حصل، جيت على ملا وشي جري، مش خوف على عبيد وبس، لا دا عليكي انتي كمان، عشان عارفك.
ضيق عينيه حسن بتفكير، وبدا على الاضطراب على ملامح شهد وهي تخاطبه:
– عارفني ازاي يعني؟ في إيه يا عم؟ ما انا زي الفل قدامك اهو.
– بس يا بت، بلا جدامي، بلا وراي، اسمعي كلام الدكتور وبطلي رط ع الفاضي.
هتف بها ابو ليلة بحزم جعلها تبتسم بطاعة لأمره، ثم تبادلا الحديث ثلاثتهم حول حالة عبيد وانتظارهم لاستفاقته حتى يطمئنوا عليه، وحسن يحاول الاندماج معهم، حتى أتت رؤى ووالدتها ليطمئنا عليها ويرافقنها، فوجدها فرصة حسن لينفرد بمسعود حتى يعرف ما يود معرفته.
❈-❈❈
في غرفة عملها بالفندق، وهي تتحدث مع والدتها عبر الهاتف، خرج صوتها بجزع:
– شهد!…. انتي متأكدة من كلامك دا ياما؟………….
كلمتيها بنفسك واطمنتي؟……….. اكيد طبعًا افتكرت حادثة والدها ودا اللي جابلها التعب،…….. يا امي انا هخلص شغلي واعدي عليها، مش هستناكي……….. خلاص يا ستي متزعليش، هعدي عليكي انتي كمان ونروح……
قطعت جملتها مع رؤيتها لهذا الرجل المتغطرس وهو يقتحم الغرفة، انهت سريعًا وهي تفف لتحيته….
– طب سلام دلوك، وبعدين هبجى اكلمك…
– مساء الخير.
قالها مع اقترابه لمكتبها، وردت تجيب التحية بعملية:
– مساء الخير يا فندم، تؤمر بحاجة؟
سؤالها الملاصق لرد التحية اثار بداخله الضيق، لعدم سماحها بإعطائه فرصة التعامل معها بود عادي حتى، تجهم ليسألها متحججًا:
– شادي فين يعني؟ انا مش شايفه.
قطبت في البداية مستغربة السؤال، ولكنها سريعًا عادت لتجيب بمهنية:
– حضرتك مستر شادي اكيد مشغول دلوقتي في إعداد الحفل مع الناس المختصين.
– وانتي مش معاه ليه؟
سألها بفضول يجعله يحترق بداخله ليعرف، وجاءت اجابتها:
– انا هنا بنفذ اؤامر رئيسي، وهو بيأمرني لتنفيذ الاعمال ألإدارية.
– اممم
زام بفمه يفرد جســ ده واضعًا كفيه في جيبي بنطاله، أنظاره مرتكزة عليها، ليقول بإصرار على المجادلة:
– وليه اعمال إدارية بس؟ معندكيش كفاءة في باقي الأعمال؟
ارتفعت عينيها الجميلة لتحدجه بحدة رغم دبلوماسية الرد:
– والله يا فندم لو مستر شادي شايفني بالمنظور ده، أكيد طبعًا يبقالوا الحق في التصرف كما يشاء، ينقلني عن العمل، او يصرفني حتى، هو حر.
صمت يختزل نظرتها داخل عقله وهذه القوة والتحدي بها، رغم ادعائها الاحترام له، فقال بخبث:
-،مش يمكن مقدر الجيرة وبيجامل على حساب راحته، انا شايف انه بيجي على نفسه زيادة، ومن رأيي انه ميدخلش الأمور دي في الشغل، يعني من الأفضل انك تتنقلي من عنده….
– أتنقل!
هتفت بها بصدمة وعدم تصديق أن يكون قاصدًا هذا بالفعل، تنقل من العمل بهذا القسم وتذهب إلى أين؟ ليس لديها معرفة بأحد ولا تريد الأختلاط بأحد غريب، يناسبها العمل هنا ولا تشعر بأدنى رغبة في تركه
– سكتي ليه؟
سألها مراقبًا كل همسة منها لمعرفة رد فعلها والذي بدا على تجهم ملامحها، لتقول بتماسك:
– انا قولت من الأول، مستر شادي حر في أي شيء يعمله، حتى وانا شايفة اني مقصرتش.
– مش مهم انتي تشوفي، المهم انا اللي اشوف.
قالها عدي بمقصد ليذكرها انه هو صاحب القرار، ومن له حق التصرف، وليس هذا المدعو شادي.
– عدي باشا!
قالها الاَخر وهو يلج الغرفة بخطوات مسرعة كعادته، فالتفت صبا إليه بنظرة متلهفة وكأنها كانت تنتظر مجيئه، ورد عدي:
– انا كنت بمر جمبك يا شادي وجيت اسألك عن اَخر ترتيبات الحفل.
أجلى شادي حلقه ليجيب باضطراب اقلق صبا، مع بدء حفظها لطبيعته حينما يصيبه التوتر لشيء ما:
– حاجات بسيطة اوي هي اللي فاضلة يا فندم، ودي خاصة بترتيب الحضور وحجز تذاكر الجمهور، وانا عامل ملف عشان اطلعك على اخر المستجدات…. اا ثواني هجيبهولك.
وقالها وتحرك خلف مكتبه، ولكن عدي اوقفه:
– ابعتهم ورايا يا شادي، انا مستنيك في الريسيبشن، ولا ابعتهم مع المساعدة بتاعتك احسن.
قالها وتحرك بتعالي ساهم في ازدياد احتقانها منه، لتغمغم فور مغادرته:
– يا ساتر على تقل دمك… إيه ده؟
التفت نحو رئيسها لتجده يلملم في وضع اشياءه في الحقيبة السوداء، لتسأله بفضول:
– أنت بتلم حاجتك ليه؟
اجاب وهو يحكم إقفال الحقيبة:
– رحمة اتصلت بيا من شوية، بتقولي ان امي تعبانة ونقولها المستشفى، انا وكلت حمدي يتابع بدالي عشان اروح احصلهم حالا دلوقت.
نهضت صبا توقفه قبل ان يغادر:
– طب استنى، انا كمان جاية معاك.
– وشغلك يا صبا؟ والملف اللي عدي عزام عايز يشوفه؟
ردت غير مبالية وهي تتناول حقيبتها وهاتفها:
– انت مش قولت انك وكلت حمدي يتابع بدالك، خلاص بقى خليه يوصله بالمرة.
❈-❈❈
بعد قليل
وعلى كرسيه المفضل في الركن الذي اتخذه ملكية خاصة له، كان جالسًا يرتشف قهوته، يدعي العمل على حاسوبه وعقله يسبح في بحر العيون التي سيطرت على مركز الرؤية لديه، فلا تمكنه من مشاهدة الارقام او الأشخاص او العالم الذي يدور كخلية نحل من حوله،
ينتظر مجيئها بفارغ الصبر، على الرغم من عدم مرور وقت منذ مغادرته الغرفة، ناظرها بعينيه، تطل من الجانب الذي تقطعه دائمًا في الذهاب والعودة نحو محل عملها، هم أن ينتشي بالفرح، ولكنه تفاجأ بمجيء شادي خلفها، ثم مرافقته لها وتجاهلهم له، بأن اتخذوا طريقهم نحو باب الخروج بالفندق، ظل على وضعه المصدوم، لعدة لحظات يتابعهم بعدم استيعاب، حتى أجفله حمدي:
– عدي باشا.
التف إليه يجيب بحدة:
– نعم! عايز ايه يا حمدي؟
تحمحم الأخير بحرج وهو يدنو ليُناوله الملف المطلوب قائلًا:
– حضرتك دي البيانات اللي انت طلبتها، شادي كلفني اجيبهالك عشان هو خرج مستعجل.
– شوفته.
هتف بها سريعًا ليتابع بغضب:
– ولما هو خرج مستعجل واستئذن منك، مبعتش المساعدة بتاعته ليه؟ ولا هي كمان عندها مشوار مهم عشان تخرج معاه؟
– هي فعلا خرجت معاه يا فندم، اصل والدة شادي نقلوها المستشفى وهي بحكم انها جارتهم، استأذنت تروح معاه.
قالها حمدي، ليخرج رد عدي عليه بسخرية امتزجت بغضبه:
– وانت بقى الحنين مرديتش تزعل الاتنين.
تفاجأ حمدي باللهجة الحادة من رئيسه وبدون مبرر، فقال بحرج:
– حضرتك الموضوع هنا ميخصش الحنية، بس دا شيء عارض، والحكاية دي أي حد فينا مُعرض ليها.
صك على فكه ليصرفه ببعض اللطف، وداخله يحترق بالغيظ، وقد الجمه المنطق عن صب جام غضبه فيه، أو الانتقام من الاثنان، او هي على الأخص، بأن ذهبت غير مبالية به أو بأمره، وكأن ليس لديه سلطة عليها أو رئيسها في العمل.
زفرة طويلة أطلقها ليغمغم بتوعد:
– ماشي، ماشي يا صبا.
❈-❈❈
بعد مرور عدة ساعات.
خرجت من المصعد بخطوات مسرعة، لتستدرك وتستدير برأسها لتهتف به من خلفها:
– ما تيلا بقى يا ابراهيم، مد رجلك دي شوية كدة، احنا أساسًا متأخرين.
ناظرها بامتعاض يزيد من تمهله بتخايل في سيره، ليقول باعتراض:
– متأخرين بقى ولا كنا مجيناش اصلًا؟ احمدي ربنا اني وافقت اجيبك، وكمان اجي معاكي عشان انا راجل وابن اصول .
ابتسامة ساخرة خرجت منها بمرح، لتردف بمغزى:
– لأ فيك الخير يا سي ابراهيم.
توقفت لتكمل هامسة بمغزى:
– اللي يسمعك بتقول كدة، يقول ان انت جاي من نفسك، مش بعد محاولات من الزن على راسك لما نشفت ريقي، وبرضوا موافقتش غير بعد ما أخدت حق التوصيلة.
قالت الاَخرى بغمزة ضاحكة، ليلتف الاَخر يمينًا ويسارًا، ليخاطبها بحذر:
– خلي بالك يا بت من كلامك، احنا في مكان عام، يعني مش ناقصين عبط.
– أنا عبيطة! ماشي يا ابرهيم .
قالتها لتسبقه بخطواتها المسرعة، حتى كان جســ دها المكتنز يهتز أمامه في طقم الخروج الذي ترتديه ، ليظل هو يمهل بالخطوات خلفها متعمدًا، مغمغمًا بمصمصة من شفتيه:
– الحاجة الوحيدة اللي عجباني فيكي!
❈-❈❈
وفي الجهة الأخرى
خرجت مجيدة من المصعد المقابل، تستند على ذراع امين الذي أتى بصحبتها، مذعنًا لإلحاحها، بعد أن اصرت على المجيء.
– هو دا الدور اللي فيه اؤضة شهد؟
أجاب على مضض، وعينيه تجول يمينًا ويسارًا:
– هو دا الدور فعلا يا ست ماما، بس انا بقى مش عارف اوضتها في اي جهة عشان ابنك المحروس مقليش ان المستشفى كبيرة كدة.
قالت مجيدة مدافعة:
– يا بني هو في إيه ولا ايه بس؟ دا يا حبيبي بيتكلم بالعافية.
توقف بها ليقول بتذمر:
– اه يا ست الكل، هو يتاثر ويزعل وانا بقى اللي اشيل واعطل نفسي في اللف والدوران، يعني هما كان من أهلنا.
نهرته مجيدة تلكزه بقبضتها وتقول بتوبيخ:
– بس يا واد متقولش كدة، ربنا ما يجيبها لحد يارب، قريب ولا غريب، وان كان على اخوك اتصل بيه وخليه يجي ياخدنا، هي مش صعبة اوي كدة يعني.
زفر أمين يتناول الهاتف بضيق ليتصل على شقيقه
❈-❈❈
وفي غرفة شهد
وبعد أن خرج حسن ليستقبل شقيقه ووالدته، كانت هي تتلقى العناق والقبلات من شقيقتها، بجمود وعدم راحة:
– الف سلامة عليكي يا اختي، والله ما تعرفي انا كنت زعلانة قد إيه؟ ولولا ابراهيم كان وراه شغل مهم لكان جابني قبل امي واختي كمان.
القت شهد بنظرها نحو الاخير، والذي كان واقفًا بالقرب منها، لتردد بعدم تصديق:
– كان وراه شغل!…. ومهم كمان؟
رد إبراهيم رافعًا رأسه أمامها بزهو يدعيه بكذب:
– اَه امال ايه؟ انا كان ورايا مصلحة مهمة بعملها، مش صايع يعني ولا فاضي.
رمقته شهد بنظرة كاشفة أثارت حنقه من الداخل، فتدخلت نرجس بمداهنة:
– سميرة اختي على طول بتقولي انك مشغول، روح يا بني ربنا يفتحها عليك، انت وكل الشباب اللي زيك.
خطفت شهد نحوها نظرة سريعة يائسة قبل أن تتجه نحو شقيقتها الصغرى والتي كانت بركن وحدها، تقف متكتفة، توزع انظارها نحو الثلاثة بسخط صامتة، فهمت عليها شهد لتخاطبها:
– انتي يا حلوة، واقفة بعيد عني ليه؟ مش تيجي كدة جمبي، ولا انتي خايفة اني اعديكي؟
قالت الاَخيرة بتفكه جعل الأخرى تضحك مستجيبة بمرح لتردد وهي تقترب منها:
– ايوة بقى، واتعدي كمان من طبعك، ومدام هتبقى عدوة يبقى نخليها شامل كمان بالشكل، عشان اخد حلاوتك وجمالك.
جذبتها من كفها لتتلقفها بعناق مرددة:
– دا انتي اللي قمر، واحلانا كلنا، يا اخر العنقود يا سكر معقود انتي.
عوجت أمنية ثغرها بزاوية وهي تشيح بوجهها عنهن، لا تطيق هذه اللحظات المستفزة من هن، التقت عينيها بابراهيم الذي فهم، ليناظرها بتشفي وكأنه يخبرها بحجم المحبة الفارق بين الشقيقتين، وهي المكروهة منهن، وبينهن كانت تقف نرجس، لا تفقه ولا تعي بحديث الأعين الدائر بحدة، ولكن شهد بفطنتها لم يفُتها ذلك، فسألت تجفلهما:
– مقولتيش يعني، التقيتوا ازاي عشان يوصلك؟ استناكي برا في الحارة ولا روحت انتي بيت خالتك ومشيتي معاه؟ ولا……. مش معقول يعني يكون طلعلك البيت…. ولا طلع؟
على الفور نفت أمنية بهز راسها، وهي تخفي ارتباكها بالهجوم المضاد:
– لا طبعا مطلعش، جرا ايه يا شهد؟ دا مبيدخلش البيت وانتو قاعدين، هسمحلوا ان يدخل وانتو غايبين؟ ما تخلي بالك من كلامك، الله.
اضاف هو ايضًا وقد اعجبه قولها:
– يمكن فاكراني ناقص ولا قليل أصل؟
صمتت شهد ولم تريحهم بأي رد فعل، بل اتجهت نحو شقيقتها الصغرى سائلة:
– وانتي بقى يا ست رؤى قوليلي، عرفتي ازاي تروحي لعبد الرحيم عشان يوصلك؟
همت تجيبها رؤى، ولكنها توقفت على طرق باب الغرفة، وحسن يطل برأسهِ يقول باستئذان:
– والدتي جاية مع اخويا تشوفك يا شهد، ممكن؟
اعتدلت بجذعها لتردد بترحيب:
– اه ممكن وممكن اوي كمان، خليها تدخل، تعالي يا ست مجيدة.
ابتعد حسن عن المدخل ليُفسح الطريق لوالدته التي ولجت بابتسامة مشرقة من القلب تردف التحية:
– مساء الفل يا قمري.
– مساء الفل يا ست مجيدة اتفضلي.
تقدمت إليها تحتضنها بحنان قبل أن تجلس على طرف التخت مرددة:
– الف سلامة عليكي يا قلبي.
هذا القلق مع دفء المشاعر التي كانت تصدر منها بصدق وصل لشهد حتى خرج صوتها ببحة مجروحة من العمق، فكيف للمحروم مهما بالغ في اعتزازه بنفسه او التغاضي، الا يتأثر بلمسة حانية من القلب؟
– الله يسلمك يارب يا ست مجيدة، متحرمش منك.
– يا حبيبتي ولا منك، دا انا من وقت ما سمعت من حسن باللي حصل، وانا لا على حامي ولا على بارد، وكنت هتجنن وانا منتظرة حد من الولاد يجيبني عندك وما صدقت أمين وصل من نبطشيته، قومت ساحباه من قبل حتى ما يغير هدومه.
اضاف الاَخير على قولها:
– ولا حتى ادتني فرصة اكل لقمة…. المهم بقى الف سلامة عليكي.
تمتمت شهد بإحراج:
– الله يسلمك يا حضرة الظابط، مكنش فيه لزوم للتعب.
– مين دا اللي ظابط؟
سأل ابراهيم، قبل أن يلتفت إليه حسن يجيبه:
– اخويا هو اللي ظابط، وانا الباشمهندس حسن اللي شغال مع المقاول شهد، ودي الست والدتي، وعلى فكرة بقى احنا حضرنا خطوبتك.
تدخلت نرجس بتذكر:
– ايوة صح، انا فاكرة الست مجيدة لما جت سلمت عليا وباركتلي، ازيك يا هانم؟ عاملة إيه؟
قالت وهي تدنو من مجيدة بترحيب مبالغ فيه، وتعرفها على ابنتيها، رؤى، والعروس أمنية والتي كانت مزبهلة بغباء لفت انتباه ابراهيم الذي لكزها يهمس بتحذير:
– مالك يا بت متنحة كدة ليه؟ ما تظبطي كدة واتعدلي.
أجابت بهمس هي الأخرى مستغله انشغال والدتها في الحديث مع الأغراب، واستئذان الظابط امين، ليتناول شيئًا ما في الخارج، قبل ان يعود ليغادر بوالدته، لتقول وانظارها نحو المتبقي:
– معلش يا ابراهيم، بس بصراحة انا متفاجئة من السهونة اللي ساكنة معانا وهي متصاحبة على ناس نضيفة كدة وعاملة علاقات معاهم، يخربيت كدة، ايه الحلاوة دي؟
لفظت الاَخيرة بحماقة جعلت الاَخر يحدجها بنظرة نارية يتمتم من تحت أسنانه:
– بتعاكسي في الرجالة قدام عيني يا بت الجزمة، وحياة امك لاربيكي عليها دي.
قالها وتحرك مغادرًا دون استئذان ليصفق الباب خلفه بعنف جعل جميع من في الغرفة ينتبهون، قبل ان تجفلهم الأخرى بقولها:
– يا نهار اسود، دا باينه خد على خاطره مني؟ عن اذنكم بقى يا جماعة، براهيم، يا ابراهيم.
غادرت هي الأخرى لتترك الجميع يتطلعون في الباب المنغلق باندهاش، قبل ان تتكلم نرجس بتلعثم:
– اا معلش متأخذوناش، اصلهم زي ما انتو عارفين مخطوبين جداد وكل يوم في حال، البت صغيرة بتعيش سنها والواد مجنون بيها، اهو دا عيب العيال لما يتخطبوا صغيرين..
ختمت بضحكة سخيفة لم يتجاوب معها أحد، مجيدة التي لم يعجبها قولها، فقد انتبهت على وجه شهد الذي تغير، رغم ادعائها عدم الاكتراث، ورؤى الصغيرة، التي اشاحت بوجهها بتنهيدة مثقلة، لا تخرج سوى من كبار، اما حسن فتدخل يغير دفة الحديث من أجلها:
– شوفتي يا ماما الانسيال بتاع شهد، دا معمول مخصوص باسمها، ( قلب ابوها ) اهو دا بقى الدلع اللي على حق
❈-❈❈
في شقة شادي وبعد أن اطمأن الأطباء على حالة والدته وصرح كبيرهم بخروجها، عاد بها ليضعها على تختها تحت انظار رحمة شقيقته، والتي كانت تساعد معه في تغطيتها وصبا التي رافقتهم، للنهاية انضما والديها معها.
– الف سلامة عليكي يا ست الحجة.
قالتها زبيدة مخاطبًا المرأة التي أومأت لها بتعب تغمض عينيها، فدثرتها ابنتها جيدًا لتخرج مع شقيقها، وشهد ووالدتها، وتلقفهم مسعود بالسؤال، فقد كان منتظر في الصالون.
– ها يا جماعة، عاملة ايه الست كوثر دلوك؟
اجابته رحمة وهي تسقط بجســ دها على أقرب مقعد وجدته أمامها:
الحمد لله يا عمي، ربنا نجاها والدكاترة لحقوها، المرة دي النوبة كانت صعبة اوي، بس الحمد لله اهي عدت.
– الحمد لله يا بتي.
تمتم بها مسعود قبل ان يخاطبه شادي ليجلس هو وأسرته، وقال له بامتنان:
– انا متشكر اوي يا عم ابو ليلة على وقفتكم معانا، والله ما عارف هقدر ارد جميلك انت واسرتك دا ازاي؟
هتف به مسعود مستنكرًا:
– جميل إيه يا واد؟ احنا جيران يعني اجرب من الأهل، الجميل ده يبجى مع الناس الغريبة، ثم احنا عملنا ايه يعني؟
تدخلت رحمة تجيبه:
– لا يا عم ابو ليلة عملتوا، الست زبيدة اللي جات على صرختي وسندتها معايا وقت اما وصلت الإسعاف، صبا اللي متأخرتش وسابت شغلها وجات جري ع المستشفى مع شادي، ولا انت اللي سيبت حالك وقريبتك المحجوزة في المستشفى عشان تقف معانا برضوا، ربنا يبارك فيكم، وما يجيبلكم حاجة وحشة أبدًا.
رد ابو ليلة وهو ينهض واقفًا عن مقعده.
– امين يا بتي، احنا وانتو يارب.
– على فين يا عمي؟.
سأله شادي، ورد ابو ليلة وهو يشير بيده نحو زو جته وابنته:
– يعني هيكون فين؟ ادوبك نروح ونسيبكم تريحوا، يالا يا بت انتي وهي.
قالت رحمة:
– طب استنى حتى نشرب مع بعض كوباية عصير.
– في الفرح يا بنتي ان شاء الله.
قالتها زبيدة وهي تتحرك خلف مسعود لتلحق بهما صبا التي توقفت فجأة قبل ان تخرج من الشقة لتسأله:
-هتجدر تروح بكرة الشغل؟
سمع منها ليجيبها بتشتت:
– مش عارف يا صبا، بس انا لو لقيت والدتي على حالها، هضطر اقعد طبعًا.
وقفت هي متفكرة قليلًا، لتقول:
– خلاص يبجى تبلغني، عشان لو كدة، يبجى انا كمان هجعد.
بعدم استيعاب ردد شادي:
– تقعدي! طب افرضي روحت؟
– يبقى هروح، عشان كدة بجولك بلغني.
قالتها ببساطة الجمته عن المجادلة، حتى خرجت، ليظل متسمرًا محله، ينظر في اثرها بذهول يكتنفه، وكأنه قد فقد حاسة الفهم أو التميز من عقله.
❈-❈❈
عاد أمين بعد ان سد جوعه بأحد المطاعم القريبة، توجه إلى المصعد حتى يأتي بوالدته ويغادر، وقد يأس من الإلحاح على رأس أخيه الذي يرفض المغادرة حتى يطمئن من الطبيب المناوب على حالة عبيد، والمرتدة بدورها على حالة شهد.
توقف فجأة على الصوت الذي كان يدوي من خلفه، وقد علم بصاحبته من العصبية وانفعالها في الرد:
– ازاي يعني اقعد اليوم كله ومسمعش غير دلوقتي وبالصدفة كمان؟ طب انتي تعبانة، طب وخواتك، ولا واحدة فيهم تفتكر ترد عليا……… ما تحاوليش تبرري، انا جاية دلوقتي وهعرف حسابي معاهم….. اقفلي بقى عشان داخلة الانساسير، اقفلي يا شهد الله يخليكي.
سمع الأسم، واشتعلت رأسه بالأفكار والتخمينات، ليربط الخطوط ببعضها، ويظل على حاله، معطيًا ظهره لها حتى هبط المصعد وانفتح أمامه ليدلف بداخله، وخلفه رجلين، ثم كانت هي الاَخيرة ليُغلق اليكترونيًا، ويتحرك بهما، خلف الرجلين وقف يتابعها، فقد كانت شاردة تزفر وتتأفف بملامح عابسة ولذيذة، لتذكره بشجاره معها، وتسليته في استفزاز امرأة جميلة مثلها، خرج الرجلين على أحد الطوابق، ليخلو المصعد عليهما، فانتبهت اَخيرًا، لتهتف به:
– ايه ده؟ إنت تاني؟
ناظرها ببرود ليقول مندهشًا:
– أيه ده؟ وانتي كمان؟ دا ايه الصدفة الغريبة دي؟
– صدفة!
هتفت بها لتلتف عنه مغمغة بتذمر:
– هو يوم باين من اوله اساسًا، ناقصني بس خناقة عشان تكمل!
كتم ابتسامته، ليظل على هيئته الجامدة حتى خرجت وخرج خلفها، لتسير نحو الغرفة الموصوفة وهو خلفها، حتى وصلت إلى غرفة شهد، وما أن تمكنت من فتح الباب حتى وجدته خلفها ايضَا، إلى هنا وانفرط عقد حكمتها، لتصيح به:
– انتي جاي ورايا لحد باب الأوضة كمان؟ إيه يا اخينا؟ هو انت مبلبع حاجة ولا توهت في السكة ومش عارف طريقك؟
– انا اللي توهت في السكة؟ في إيه يا اَنسة؟
هتف بها بحزم، فخرج على صوته حسن ونرجس وابنتيها، ومجيدة التي سألت مجفلة:
– ايه في إيه؟ مالك يا لينا؟ ايه اللي حصل؟
سمعت الاَخيرة لتجيبها باحتقان:
– تعالي يا ست مجيدة واحكمي بنفسك، البني أدم الغريب دا كل ما يشوفني نتخانق مع بعض، والنهاردة جاي ماشي ورايا لحد الاوضة هنا زي ما انتي شايفة كدة اهو، دا باينه مجنون، ولا متحرش دا ولا أيه؟
– نقي ألفاظك، انا مش عايز اغلط.
هتف بها أمين وتدخل حسن يخاطبها بلطف:
– يا آنسة لينا، اكيد في سوء فهم ما بينكم، امين دا يبقى اخويا وجاي هنا عشان ياخد والدتي ويروحها، اخويا مش متحرش ولا مجنون، دا ظابط محترم.
– ايه ظابط؟
هتفت بها بعدم تصديق، ليتابع لها حسن موضحًا حتى تفهم، وتوقفت مجيدة بقلب يقفز داخلها تعيد برأسها الكلمات، وتغمغم:
– كل ما يشوفها يتخانق معاها! يعني كذا خنافة، لدرجة انهم بقوا عارفين بعض، يالهوي، دا باينه بدأ ده اللي اسمه ايه ما بينهم؟ ولا ايه يا مجيدة؟

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى