رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيمم أنا الجزء الخامس
رواية وبها متيمم أنا البارت الخامس
رواية وبها متيمم أنا الحلقة الخامسة
في منزل شهد
وقد كانت غائبة منذ الأمس عنه، لتثير القلق داخل افراد العائلة، واولهم كانت رؤى التي هتفت بغضب نحو والدتها وشقيقتها:
– عاجبكم كدة الفضايح اللي اتحطينا فيها؟ ولا شهد اللي غايبة من امبارح وما حد عارف مطرحها فين؟
ناظرتها امنية بامتعاض تلوي فمها وتغمغم بالكلمات الحانقة، ردت والدتها بصوت باكي كعادتها حينما تؤنب أو تلقى التوبيخ على خطأ ما تفعله:
– طب وانا ذنبي إيه بس يا بنتي؟ هو انتي مشوفتيش بنفسك واتخضيتي زيي على شكل الدم اللي كان مغرق الدنيا، اتصرفت بطبيعتي وصرخت من خوفي، هي دي حاجة اتحاسب عليها يا ناس؟
همت أن تبكي ولكن رؤى صرخت بوجهها توقفها من البداية:
– كفاية الله يخليكي يا ماما انا فيا اللي مكفيني، ثم مين قالك اني بحاسبك على خوفك على بنتك؟ انا بتكلم ع الفضايح يا ماما، هي بعملتها السودة، وانتي بصريخك….
قاطعتها أمنية بحدة قائلة:
– لمي نفسك يا ست رؤى واعرفي انك بتكلمي اختك الكبيرة، يعني تحترمي نفسك……
– احترميها انتي الأول وبعدين ابقى احترمها انا .
هتفت بها رؤى هي الأخرى تقاطعها بتحدي، لم تفهم الأخرى لتسألها بعدم فهم:
– انتي قصدك على مين؟
تبسمت رؤى تجيبها ساخرة:
– على نفسك يا حلوة، انتي شايفة انك محترمة نفسك؟
استشاطت أمنية من الغضب، وقد قصدت رؤى بتلاعبها بالالفاظ لأن تحرجها، فضربت بكف يــ دها السليمة على ذراع المقعد بغضب هادرة بتوعد:
– اقسم بالله يا رؤى، لو ما قفلتي بقك الزفر ولميتي لسانك، لكون جيباكي من شعرك وو..
قاطعتها رؤى للمرة الثانية وقد وقفت تقابلها بتحفز
– وإيه يا ختى؟ سمعيني واطربيني، ولا اقولك تعالي، تعالي، وانا بقى هلم الناس واعمل فضيحة زي بتاعة امبارح، عشان اعرف الجيران انك زي العفريتة اهو بصحتك، وان كل اللي اتعمل امبارح، كان تمثليلة رخيصة اوي منك .
ردها العنيف كان بمثابة مطرقة ضربت على رأس أمنية حتى صارت كالمشلولة تناظرها وتناظر والدتها بأعين جاحظة بشدة، وفك متدلي بغباء، تبحث بداخل عقلها ولا تجد من الكلمات ما ترد به على هذه اللئيمة التي لم تتعد الخامسة عشر، وحينما يأست عادت للمسكنة وادعاء المظلومية بالبكاء الذي كانت تستحضره بشكل مفضوح:
– شايفة يا ماما….. شايفة يا ماما بتك بتعايرني وتذلني ازاي؟ يارب كنت موت وريحتكم مني، يارب اموووت اهيء اهيء
وسقطت على المقعد خلفها لتدخل نوبة البكاء والشهقات بصوت عالي ومزعج، جعل رؤى تتركها وتذهب لغرفتها بازدراء وقرف، ووالدتها تضرب كفا على الاَخر بقلة حيلة.
❈-❈-❈
على الطاولة التي جمعت مجيدة وابنيها الاثنان لتناول وجبة العشاء، كانت المرأة لاتتوقف عن التحدث وفتح مواضيع شتى، بحالة من الحماس تنتنابها كل ما جلس ولديها معها ليشاركنها الطعام، بسبب المشاغل الدائمة للأثنين:
– بس بقى ورحت انا مزعقة في كل الستات اللي كانوا معايا وقولت محدش يشتري، وقد كان، كلهم سابوا اللي في إيدهم وكانوا هيخرجوا معايا من المحل ونسيبهالوا مخضرة.
– ومشيتوا يا ماما؟
سألها أمين بانتباه، لتُجيبه مجيدو بزهو:
– ما هو ده اللي كان هيحصل يا حبيبي، لولا بس انه اتحايل عليا ونزل للسعر اللي ماشي في السوق، وربنا ما كنت هقبل ادخل محله من تاني.
هلل حسن مرددًا:
– يا جامد، هي دي الست الناظرة يا جدعان، مترضاش أبدًا بالحال المايل.
ازداد التحفز لدى مجيدة لتقول بعصبية:
– مش حكاية أبلة ولا استاذة يا بني، بس انا مقدرش اسكت على حاجة زي دي، يعني مش كفاية الغلا اللي احنا عايشين فيه؟ عشان يستغلونا هما كمان التجار، ويبقى كل واحد من دماغهم يزود، وكل واحد على كيفه، دا احنا على كدة ربنا يرحمنا .
– أمين يارب.
أممم بها حسن وخلفه رمزي الذي كان يأكل بصمت، وهو يقلب في الهاتف، يتابع الاخبار والمنشورات على وسائل التواصل، فظهر له بوست الصفحة التي ينتظرها، تظهر بطلتها الصباحية، بملابس رياضية متحررة كعادتها تلقي التحية على المتابعين، وتتهافت التعليقات في الأسفل لرد الصباح والثناء على جمالها الفتان، بعد أن غيرت هيئتها بالكامل تقريبًا، لتُصبح واحدة أخرى، ليس تلك الرقيقة الهشة من رأها اول مرة في الفرح المشؤم لشقيقتها، قبل ان تحل هي محلها وتتزوج بالعريس.
– سرحان في إيه يا أمين؟
رفع أنظاره نحو والدته يحرك رأسه باستفهام، لتردد له:
– يا حبيبي بسألك عشان لقيتك اتلهيت في التليفون.
تبسم لها ليرد وهو يغلق الهاتف سريعَا:
– انا معاكي يا ست الكل اهو ومركز ، ها كنتي بتقولي إيه بقى؟
تدخل حسن يجيبه:
– كانت بتتكلم على نفس الموضوع يا عم آمين، نفسها تفرح بحد فينا ونملى عليها البيت عيال .
توقف الاخير يناظرها بابتسامة زادت من غيظها لتهتف بسخط:
– بتضحك يا أمين؟ انتي هتشلني يا ولد؟
جلجل مقهقًا حتى كانت رأسه تميل للخلف معه، مسمتعًا بمنكافتها كالعادة، ومعه كان حسن يخفي ابتسامته بصعوبة، حتى تحول لون وجهها واتخذ شكل البؤس بترقرق الدموع في عينيها، على الفور نهض يسترضيها ويقبل رأسها:
– خلاص يا قلبي بقى، بهزر والله، انتي دايمُا كدة حماقية وطبعك حامي .
رددت مجيدة بدفاعية وهي تحاول بنزع كفيه عن رأسها وكتفيها:
– انا برضوا اللي حماقية ولا انت اللي بارد ومستفز؟.
ردد خلفها وهو يزيد بتقبيل كفها ووجنتها:
– فعلًا انا اللي بارد ومستفر، وانتي ماجي القمر، حني علينا يا قمر.
تبسمت اَخيرًا ليهلل بمرح مع شقيقه:
– يا سلام، و اَخيرًا ظهر صف السنان الولي يا أبو علي .
اضاف عليه الاَخر غامزًا:
– لا وكمان يا حضرت الظابط لو تاخد بالك، الوش المربرب الحلو نور.
على الفور لوحت بكفيها تخمس بوجههما مرددة:
-الله اكبر، في عيونكم المدورة انتو الجوز، في إيه؟
قهقه ثلاثتهم معًا قبل ان يختم أمين بقبلة اخيرة أعلى حجابها يقول:
– ربنا يخليكي لينا يارب، وتفضلي حلوة كدة دايمًا.
ناظرته مجيدة بامتنان وتأثر، وتابع لها وهو يعود لمقعده:
– مش عايزك تزعلي، بس انا بجد مش رافض الفكرة، بس كمان مقدرش اللف صالونات زي صاحبنا دا.
قالها بالأشارة نحو اخيه، الذي رد يدعي البؤس:
– ربنا يسامحك.
كتم أمين ضحكته ثم استطرد:
– سبيها على الله يا أمي، وان شاء الله ربنا يرزقني ببنت الحلال .
ردت مجيدة بنتهيدة وصوت متأثر:
– ونعم بالله.
ردد خلفها مع أخيه بالدعاء ثم استأذن كي يذهب ليستحم قبل ان يشاركهم الجلسة، فنظرت لأثرة تمصمص بشفتيها لتردف بضيق:
– جميل وطيب والله ويستاهل احلى البنات، بس هيلاقيها فين دي؟ وهو طول الوقت في القسم، ومبيشوفش غير الاشكال اللي مش كويسة، وبنفس الوقت مش عايز ياخدها صالونات زي ما بيقول، يبقى هيتجوز ازاي بقى؟
ضحك حسن قبل أن تباغته بسؤالها:
– متعرفش واحدة يا ولد إنت عندك في الشغل، تكون زميلتك ولا صاحبتك ولا….
قاطعها حسن مرددًا بدهشة:
– حيلك حيلك يا ست الكل، صاحبة مين؟ هو انا اعرف اصاحب اساسًا؟ ثم مين قالك ان شغلنا في زمايل بنات؟ لو مهندسات بيروحوا هما كمان مواقعهم، لكن احنا بنشتغل تحت الشمس وبينا خناشير، مفيش يا روح قلبي الكلام اللي في دماغك ده.
– مفيش خالص.
قالتها مجيدة بدرما قانطة، لتعتلي ابتسامة متسلية وجه الاخر قبل يستدرك ويتذكر، من تركها بالأمس بعد أن غفت بجواره داخل السيارة، وقد غابت اليوم عن عملها، ولم يتسنى له الاتصال او السؤال عنها، رغم فضوله الشديد لرؤيتها، أم هو التعود الذي جعله يذهب للموقع مرتين يسأل ويبحث بعينيه عنها بعد قضائها الفترة الماضية في الجدال والشجار معه يوميًا، لا يعلم لماذا؟ ولكنه يشعر أنه افتقدها.
قالت مجيدة تخرجه من شروده:
– سرحت في إيه يا منيل انت كمان؟
عاد حسن للضحك يجيبها بشقاوة:
– طب تصدقي بالله يا أمي، انا شوفت واحدة امبارح بنت كدة قمر زي ما بيقولو، شعر اصفر وعيون ملونة، ومواصفات تانية إيه تبهر، على طول جه على بالي أمين، واتمنينتها تبقى مراته.
قطبت مجيدة لتسأله باستغراب:
– يا سلام، ولما هي عجبتك اوي كدة، متنمتنهاش لنفسك ليه؟
افتر فاهه أمامها وتوقف قليلًا بتفكير قبل أن يجيبها وكتفيه اهتزت بعدم معرفة:
– بصراحة معرفش، رغم ان لو شوفتيها هتعجبك بجد والله، بشكلها وطريقة كلامها كمان، حتى اسمها كمان، لينا باين ولا ايه؟
تبسمت مجيدة وتوقفت عن الطعام تناظره بنظرة مبهمة قبل أن تقول:
– طب حيث كدة بقى، احكيلي شوفتها فين بالظبط؟
وتبقى بنت مين هي؟
ضحك حسن يردد بمرح:
– إيه يا أمي؟ هو انتي حطيتها في مخك بجد ولا إيه؟
انا معرفهاش ولا اعرف بنت مين؟ دي مجرد واحدة صاحبة المقاول اللي شغال معايا……
– نهار اسود، صاحبة المقاول؟
صاحت بها مجيدة مقاطعة لتجعل حسن يردد بصعوبة ما بين ضحكاته:
– يا ستي مش اللي في دماغك، المقاول اللي انا شغال معاه دلوقتي، تبقى بنت والله واسمها شهد كمان .
– شغال مع مقاول بنت واسمها شهد كمان! يا راجل!
قالتها مجيدة بعدم تصديق، لتكمل بخبث:
– يعني معاك بنات في اهو، امال بتنكر ليه يا ولد؟
ضغط على عينيه يردد ضاحكًا بيأس:
– مفيش فايدة، مفيش فايدة معاكي، انا عارف اني غلطت من الأول اساسًا لما اتكلمت.
– كويس ومدام عرفت غلطتك يبقى كمل يا حبيبي للآخر.
قالتها مجيدة بتصميم ليهتف حسن بقلة حيلة:.
– اكمل أيه يا ستي؟ هو انتي خلاص خلتيها حكاية؟
بنظرة الأم الحازمة وناظرة المدرسة المسيطرة قالت مجيدة:
– اه يا حبيبي خليتها حكاية، وانت بقى هتحكيها، هتقولي على المقاول البنت اللي شغالة معاك، والبنت صاحبتها اللي اتمنتها لاخوك ماشي يا بشمهندس؟
❈-❈-❈
فركت بكفيها على عينيها وهي تستعيد وعيها بعد غيبوبة من النوم قضتها على سرير صديقتها، لتعتدل بجذعها بصعوبة ورأس ثقيل، تفرد بذراعيها بتأوه، وكأنها نامت لألف سنة، الغرفة كانت مظلمة، وهدوء شديد يعم المكان، وكأن المنزل خالي إلا منها، نزلت بقدميها من السرير إلى الأرض، ثم كادت أن تقع وهي تستقيم واقفة، قبل أن تتماسك جيدًا وتذهب نحو باب الغرفة لتخرج.
وجدت انيسة في صالة المنزل مندمجة بنظارتها في مشاهدة المسلسل الأجنبي وصوت التلفاز يكاد أن مكتوم، وعلى أريكة وحدها كانت لينا تتلاعب في الهاتف، والتي انتبهت عليها تتلقاها بمشاكشة:
– يا أهلًا يا شهد، توك ما صاحية يا ست هانم ؟
تبسمت لها الأخيرة بأعين منتفخة من أثر النوم، وقالت أنيسة هي الأخرى:
– تعالي اقعدي جمبي وحسسينا انك عايشة كدة، دا انا خوفت عليكي وربنا يا بنتي .
ضحكت لها شهد وخطت لتجلس بجوار الأخرى، قبل أن ترد:
– ليه يعني؟ هو انا لدرجادي، نمت كتير المرة ادي؟
صاحت لينا تلوح بكفيها في الهواء أمامها:
– نمتي كتير؟! دا احنا دلوقتي العصر يا نور عيني، انتي داخلة على عشرين ساعة يا بت، دا انتي لو راقدة على بيض كان فقس.
ضكت شهد من قلبها وقد استطاعت لينا بعفويتها المعتادة ان تعيد إليها المرح، ف عقبت أنيسة بارتياح:
– ايوة كدة يا شوشو اضحكي، والله ما حد واخد منها حاجة.
اسعد شهد منادتها بإسم الدلال المحبب لها، فقالت متسائلة بدهشة؟
-طب يا جماعة انتوا سيبيني ليه دا كله طيب؟ ما كنتوا صحوني.
ضربت لينا بكفيها تردف ذهول:
– نصحي مين يا ماما؟ دا احنا تعبنا من الروحة والجاية عليكي، انا احاول وامي تحاول، وانتي مفيش فايدة فيكي خالص، تردي علينا وتقولي اه، وبعدها تروحي مع الأموات، انا هموت واعرف، هو انتي عضمك ده، موجعكيش بالأمانة.
ضحكت لها شهد باسترخاء مرددة:
– هو بصراحة فعلًا بقى عضمي كله واجعني، وبطني دي حاسها فاضية اوي وكأني مكلتش من ايام.
سمعت أنيسة وانتفضت عن مقعدها فجأة تقول بلهفة:
– يا حبيبة قلبي، أكيد طبعًا لازم تجوعي بعد الوقت دا كله، دقايق واسخنلك الأكل وراجعة.
قالتها وتحركت على الفور ، ف اعتدلت شهد تناديها بحرج :
– استني يا طنت متتعبيش نفسك، انا مكنتش اقصد والله.
اوقفتها لينا قائلة بسأم:
– خلاص يا شهد، متخنقنيش والنبي، هو احنا هنعطف عليكي يا بنتي؟ دا إيه النيلة دي؟
عوجت بفمها الأخرى تسجيب لمناكفتها في الرد:
– نيلة في عينك قليلة الأدب.
– الله يسامحك يا ستي.
قالتها لينا بابتسامة وقد غمرها الارتياح لعودة صديقتها لقوتها المعهودة، ولكنها تساءلت بفضول:
– مش عايزة ابقى غلسة، بس انا بصراحة بقى نفسي اعرف هتعملي إيه في موضوع الزفتة أمنية؟
تذكرت شهد همها الثقيل وتغضنت ملامحها، لتتنهد بقنوط تناظرها بصمت وملامح مبهمة.
❈-❈-❈
من شرفة غرفتها العلوية، كانت تشاهد طفلها الصغير وهو يلعب مع مربيته في الحديقة، وبنفس الوقت تتابع التفاعل على منشوراتها والتعليقات المدونة، إن كانت بالإعجاب والإطراء تزداد انتشاءًا، وإن كانت بالنقد والتحليل، كما يحدث الاَن وهي تقرأ سطور طويلة كتبها أحد الأشخاص ينتقد ملابسها وهذا الجانب الذي تتعمد أظهاره من الترف المبالغ فيه، كشخصية سطحية تحاول التخفي خلف المظاهر، حتى تشبع جانب النقص منها، زفرت تنفث دخان من انفها، فهذا التعليق قد حاز على عدد كبير من التفاعل فاق الألف، بالإضافة إلى الردود التي كانت متفاوتة ما بين الرفض والتأيد، همت أن تصفعه برد قاس أو حتى حذف التعليق نفسه، ولكنها استدركت بأنها ستكون حركة مكشوفة أمامه وأمام متابعيها وتثبت صحة قوله، رفعت كفيها تود قرقرضة اظافرها ولكنها تعلم أنه سوف سيفسد جمالهم، ولكن حجم غيظها وغليلها، سوف يقتلها إن لم ترد، ولذلك لم تجد بدًا من الضغط زر المراسلة وكتبت
” السطحي هو من يعلق على منشوراتي من أجل التفاعل وإثارة الجدل”
همت أن تترك الهاتف، ولكن تنبهت انها بهذا الفعل قد اعطته قيمة، عادت سريعًا لتمسح الرسالة ولكن، كان قد سبق السيف العزل، ورأى الرسالة هذا الشخص الذي يسمي نفسه النسر الجارح، وقد أرسل إليها هو الاَخر بالرد سريعًا:
“أهلا بالنجمة” لم أكن أعلم بأهميتي قبل أن تراسليني”
كشرت بوجهها، حتى همت أن ترد ولكن صوت بوق السيارة التي دلفت مع فتح البوابة الخارجية للمنزل، جعلها تنتفض لتغلق الهاتف على الفور، وابتلعت ريقها الذي جف لمجرد رؤيته بداخل السيارة، والحرس الذي يحاوطه.
رغم مرور هذا العديد من السنوات منذ زو اجها به، وهذا الإنكار التي تدعيه أمامه، إلا أنها تموت من الرعب بداخلها، قبل أن ترد أو تتكلم مع أي رجل غيره، حتى لو بأي حديث عادي، فهي الأعلم بطبعه وقد اختبرت بنفسها حجم شره في هذا الشأن في بداية زوا جهم.
قبل عدة سنوات
وبعد حفل زفافها الذي كان اسطوري بمعنى الكلمة بجمع الفنانين الذي غنوا فيه والمناصب العالية من عائلته واصدقاء والده وأفراد من عائلتها هي ايضًا مع شقيقها مروان رغم غياب ابيها وكاميليا واخيها الأصغر، كانت تشعر وكأنها ملكة وفرحتها بما نالته وما فعله له لها بعد ذلك من تدليل وقضاء شهر عسل في عدد من الدول الأوربية والجزر، وقد اضحت تعيش حياة الرفاهية بكل ألونها، حتى ظنت انها ملكت العالم بين يــ ديها قبل ان يحدث ما حدث وترى هذا الجانب المظلم منه، وقد كان ذلك حينما استيقظت في أحد الأيام مبكرًا وقبل أن تنتهي ايام العسل، حاولت ان توقظه:
– كارم ، يا كارم، اصحى بقى انا زهقت من القعدة في الجناح، اوووف.
التف ينقلب بجانبه عنها للناحية الأخرى يزوم برفض، ف حاولت معه مرة أخرى ولكن حينما يأست، فضلت الإعتماد على نفسها، ونهضت لتبدل ملابسها، وارتدت، تيشيرت بدون أكمام، على شورت فوق ركبتيها، وخرجت من الغرفة لتهبط إلى المطعم وتطلب اصناف وجبة الإفطار التي كانت تريدها، كان من الممكن أن تتصل هاتفيًا وتطلب ما تريده، ولكن غرور الدلال الذي اغدقها به جعلها تنزل متعمدة بقصد، لتسير بين الرجال الأجانب وحدها، فترى نفسها في أعينهم، وقد كانت فكرة لا بأس بها، بل وأسعدتها كلمات الإطراء التي تلقتها من أحد الرجال، ثم نظرات بعض الأشخاص، ومعاملة النادل لها برقة مبالغ فيها، ثم لقاءها بأحد النزلاء في المصعد والذي عرفها على نفسه على أنه ينزل بجناح بالقرب من جناحها مع كارم .
ورافقها الرجل يسير معها ويتحدث بالمزاح ليضحكها وقد وجدها تستجيب وتقهقه بدون مجهود منه، وتطور الأمر مع الرجل حتى أوقفها قبل أن تصل لغرفتها يخاطبها بلهجته الفرنسية بجرأة أجفلتها:
– لا أصدق حتى الآن ان امرأة جميلة مثلك تسير وحدها ويغفل عنها زو جها، كيف ينام هذا الرجل ويتركك؟
ضحكت رباب لتردد بعتب مزيف وهي تتحرك لتذهب:
– جوون، لا تقل هذا.
أمسك بكفها يجفلها، ليقول بنعومة؛
– عندي لك فكرة جيدة، إذا شعرت أنكِ وحيدة في أي قت انا تحت أمرك، أستطيع أن أريكِ المدينة بأكملها.
همت لتعرض ولكنه سبقها:
– استطيع إعطائك رقم هاتفي، لنتبادل الإتصالات بيننا.
لهجة الرجل وتصميمه اصابتها بالزعر حقًا، لتدرك خطأها الشنيع وهي التحدث مع الغرباء في جزيرة السمة الأساسية فيها والتي يأتي السياح من أجلها، هو المتعة، ابتعلت ريقها وهي توميء له برأسها بقلق وتحاول نزع كفها التي اطبق ولكنه زاد بإلحاح، وقد ظنها تبادله الإعجاب:
– انا هنا في إجازة لشهر قادم، وقد اصبحت وحيدًا بعد أن هجرتني صديقتي منذ أيام.
كانت توميء برأسها بمهادنة حتى لا تفتعل الشجار في بلد غريب، رغم الخوف الذي كان يزداد بقلبها منه، ثم وجدته يتركها وقد ذهبت مقلتيه للنظر خلفها، لتفاجأ بكارم نفسه قد خرج إليها بجزعه العاري على البنطال القطني، وأثر النوم يبدوا جليًا على ملامحه.
– اهلا بك سيدي.
قالها الرجل على عجالة كتحية لكارم الذي كان واقفًا محله ولم يجيب، بل إنه خطف نظرة جانبية سريعة نحوها قبل ان يعود لداخل جناحه، وتبعته تصفق الباب خلفها وتردف بدلال:
– اَخيرًا صحيت يا كارم؟ دا انا كنت هموت من الجوع، ومقدرتش استنى…….
قطعت شاهقة برعب بعد أن باغتها بإحكام قبضته على عنقها ليلصقها في الحائط هادرًا:
– خرجتي من غير ما تقولي ليه؟
ردت بصوت باكي مخنــ وق:
– ما انا قولتلك كنت جعانة….
قاطعها يضغط على عنقها أكثر، يهدر بملامح مخيفة:
– بطلي استعباط وردي، يا هدفنك هنا، يا إما اخليكي ترجعي البلد في صندوق…… الراجل ده تعرفيه من إمتى؟
بصوت مخنوق يخرج بصعوبة وبتقطع ، ودموع تهطل منها بغزارة، للألم الموجع لضغطه بدون رحمة، وبدء انسحاب الهواء منها:
– والله العظيم… كنت نازلة عشان….. اطلب الفطار…. اسفة اني غلطت….. لكن والله ولا اعرف الراجل المجنون ده، دي اول مرة اشوفه كانت من شوية بس في الأنساسير…..
ختمت ببكاء حارق وضغطه يزداد ولا يخف حتى أنها كانت تعافر بيــ ديها، وقد أيقنت أنها على وشك الموت، تبكي وتناظره بتوسل، وهو كالجماد بأعين ضيقة صقرية لا يرف جفنها.
– ابوس ايــ دك….. ابوس….. إيــ دك يا كارم، هموت، هموت…
ادرفت بالكلمات بصعوبة بالغة وقد تحول لونها للأزرق، مع النقص الشديد للأكسجين في جســ دها، تراخت ذراعيها وسملت بأنها النهاية قبل أن يتركها فجأة لتقع على الأرض بعنف، تسعل بقوة عدة مرات، حتى تستطيع التنفس، وهو يناظرها من علو بصمت مهيب، حتى ارتفعت رأسها إليه تردد بوجع:
– ليييه؟ ليه دا كله؟
نزل على عقبيه فجأة ليجذبها إليه من قماش التيشرت الذي ترتديه في الأعلى، ليهدر من تحت أسنانه بفحيح: عشان تحرمي تاني ما تلفي براسك حتى للناحية التانية من غير ما تستأذني، وأي راجل تتكلمي بس معاه من ورا ضهري اديكي عرفتي بنهايتك، انا افسحك واصرف عليكي زي ما انتي عايزة، اديكي حرية اللبس زي ما تحبي، لكن حد غيري ياكل من الطبق اللي انا باكل فيه، يبقى أكسرو احسن…… فاهمة ولا لأ
هدر بالاخيرة بغضب جعلها تردد على الفور بزعر:.
– فاهمة والله، والله فاهمة، والله فاهمة.
❈-❈-❈
– إنتي بتتكلمي جد؟
هتفت صبا سائلة بعدم تصديق، نحو رحمة التي كانت تردد لها ضاحكة:
– والله يا بنتي زي ما بقولك كدة، شادي مبلغني اقولك، خلاص يا صبا مشكلتك انحلت يا قمر .
– هزهزت رأسها ورفرفت أهدابها بعدم استيعاب، أن يتم حل مشكلتها في العثور على العمل اَخيرًا؛ بواسطة هذا المدعو شادي؟ كيف؟!
ضحكت رحمة مقهقه على هيئتها لتخاطب هذه المرة زبيدة والدة صبا، والتي كانت جالسة هي الأخرى بجوارهن في صالة المنزل:
– ما تقوليلها حاجة يا خالتي، طب اعمل إيه عشان تصدق؟
تبسمت زبيدة صامتة، فبداخلها شجار ببن شعورين أحدهما كان الارتياح لجارهم شادي، نظرا لما لمسته ورأته بنفسها من أخلاق عليا يتمتع بها بالإضافة لرعايتها الدائمة نحو والدته المريضة، ورغبة أخرى في الرفض للعمل من الأساس، نظرًا لخوفها الكبير على أصغر ابنائها، والتي تود ان تزوجها وتطمئن عليها كباقي اشقائها.
هتفت رحمة نحو الأخرى التي ما زالت مزبهلة بعدم استيعاب:
– يا بت ردي واتكلمي بقى، مبلمة كدة ليه؟
انتفضت تجيبها بانفعال:
– ما انا كمان مش قادرة اصدق يا بنت الناس، ازاي يعني؟
عبست رحمة بوجهها تدعي الضيق، رغم تسليتها فقالت :
– ومش قادرة تصدقي ليه بقى؟ مش انتي خريجة تجارة انجلش وواخدة كورسات كتير؟ هو بقى هيشغلك معاه في القسم بتاعه، يعني وظيفة كويسة، وفي فندق مشهور ومعروف، مش دا اللي انتي كنتي عايزاه يا ماما؟
اومأت صبا تهز رأسها باضطراب، فتابعت لها رحمة بحزم:
– خلاص يبقى بقى مستنية إيه؟ ياللا قومي هاتي ورقك .
– ورق إيه؟
سألتها صبا بدون تأكيز، لتجفلها رحمة بضحكتها الرنانة مرددة:
– ورق شهادتك يا مجنونة، ولا انتي هتشتغلي بطولك كدة؟
ختمت لتستمر بضحكاتها، ونهضت صبا بحرج رغم ابتسامتها حتى تأتي بورق تعينها، وقد وجدت اخيرًا فرصتها في العمل وعلى نفس القواعد التي حددها والدها، والعجيب أن من أتى بالفرصة هو جارها الغريب شادي!
❈-❈-❈
ادخلي يا صبا هو انتي هتتكسفي ولا إيه؟
هتفت رحمة وهي تدعوها للدخول خلفها داخل الشقة، وتقدمت صبا تخطو على حرج بتردد؛ ازداد فور أن وقعت عينيها عليه وقد كان جالسًا بوسط الصالة مربعًا قدميه والحاسوب أمامه ويعمل به، انتبه على دخولها وارتفعت انظاره الحادة دومًا نحوها، ابتلعت لتردف التحية بصوت يبدو كالهمس:
– مساء الخير.
انتفض ينزل أقدامه للأرض مرددًا بصوت خشن بطبيعته:
– اهلا اهلا، مساء الخير، اتفضلي يا اَنسة…..
قطع يدعي عدم المعرفة، فقالت رحمة تذكره بمرح كعادتها:
– اسمها صبا يا عم شادي، في حد برضوا ميعرفش صبا؟
تحمحم بحرج قبل ان يرمق شقيقته بنظرة محذرة قبل أن يخاطب صبا:
– اتفضلي يا اَنسة صبا، هو انتي جيبتي الأوراق المطلوبة؟
اومأت بهز رأسها صامتة قبل ان تقترب بالملف إليه على خجل:
– أهو الملف كامل وفيه كل حاجة.
نهض سريعًا يتناوله منها، ليرى لاول مرة وجهها الخمري عن قرب، وهذه العينان التي تختلف بألوانها المميزة فتجعلها قبلة للنظر، تحمحم يجلي حلقه ويتمتم بالاستغفار كعادته، لينكفىء على الأوراق ويراجعهم، وكانت الصدمة حينما رأى تاريخ الميلاد، وارتفعت رأسه إليها يسألها بدون تفكير:
– انتي عندك تلاتة وعشرين سنة بس؟!
اجابته صبا مندهشة لسؤاله:
– ايوة ما انا خريجة السنادي .
كتم تنهيدة محبطة بداخله وهو يعود للأوراق، ولا يركز بحرف واحد منها، كان يعلم انها تصغره بكثير، حتى شك أن تكون في الدراسة، ولكن قول شقيقته بالأمس عن أنها خريجة وتبحث عن العمل، جعله يصنع بداخله بعض الأمل، أن تكون في السابعة والعشرين، أو حتى خمس وعشرين لكن الاَن وبعد اكتشافه بالفرق الكبير.
– اتناشر سنة.
غمغم بها بصوت خفيض، جعل رحمة تسأله:
– بتقول حاجة يا شادي؟
رفع عينيه نحو شقيقته ينفي برأسهِ قبل أن يذهب نحو تلك الحسناء الواقفة بخجل يقتله، ليسألها:
– انتي اشتغلتي في أي حتة قبل كدة؟
أجابت على الفور :
– لا طبعُا مشتغلتش، انا قدمت في مسابقات الحكومة وفي كذا مكان تاني، لكن بقى…
قطعت تسبل اهدابها بحرج، لتزيد عليه الضغط وقد نسى نفسه وركز في ملامحها المليحة، ثم هذه الحركة البريئة وهي تشبك كفيها ببعضهم كطفلة، زفر يجبر عينيه لتحيد عنها، وغمغم كالعادة مستغفرًا، ثم قال بوجه عابس لا يعبر ابدًا عما سيردف به:
– طب انتي ما شاء الله عليكي تقديراتك حلوة، دا غير الكورسات اللي واخدها كلها ممتازة….
أوقف برهة ثم استطرد:
– حضري نفسك وتعالى بكرة الفندق.
ناظرته باستفهام وكأنها لا تفهم، ف هيئته الجامدة لا تعطيها تفسير مبشر، وسألته:
– يعني إيه؟
تدخلت رحمة تجيبها:
– يا بنتي بيقولك تعالي بكرة عشان تستلمي شغلك، جرا إيه يا صبا؟
نظرت لها ونظرت له، قبل ان تقول بحرج وعدم تصديق:
– كدة على طول؟ مش هقدم يعني في حتة تانية؟
ضحكت رحمة لترد:
– يا صبا افهمي، اخويا واخد منصب كبير في الفندق وفي الإدارة اللي قولتلك عليها، يعني ان شاء الله متيسرة، انتي بس شدي حيلك عشان تروحي بكرة
اشرق وجهها بابتسامة رائعة تجاهد ان تخفيها، وخاطبته ممتنة بحرج:
– متشكرة يااا استاذ شادي.
قالتها بنبرة هامسة فعلت به الأفاعيل، وهو يسمع لأول مرة تلفظها بإسمه، حتى أنه شعر وكأنه قد فقد النطق ليرد ولو بكلمة واحدة لها، وتركها تستأذن وتذهب من أمامه على نفس حالته من الوجوم، قبل أن تجفله بعودتها مرة قائلة بلهفة:
– طب انا اسفة لو هزعجك، هو ممكن حضرتك تشوف شغلانة تاني لواحدة صاحبتي…
قاطعها بخشونة:
– فينها صاحبتك دي؟
ردت باضطراب من هيئته:
– دي مودة جارتنا في الشارع الي ورانا.
اومأ بتفهم لينهي معها، فقد خارت قواه، ولم تعد اعصابه تتحمل اكثر من ذلك، فرد بجمود ليخفي عنها ما يشعر به:
– خليها تجيب ورقها بكرة، وربنا يسهل .
❈-❈-❈
سأل أبو ليلة بوجه جامد فور أن أخبرته زو جته عن العمل الجديد الذي سوف تلتحق به ابنته،
– كيف يعني؟ انتي متأكدة من الكلام دا يا بت؟
ردت صبا وهي تقترب منه:
– ايوة يا بوي، رحمة اكدتلي ان اللي اسمه شادي اخوها ده، موظف كبير هناك، دا خد الملف بتاعي وجالي تعالي بكرة استلمي، وحتى لما جولتلو على مودة صاحبتي، جالي برضوا هاتيها وانا اشوف.
عبس وجه أبو ليلة وامتعضت ملامحه بشكل ادخل القلق بقلب صبا التي خاطبته برجاء امتزج بدلالها معه:
– كشرت ليه يا ابوي، اوعى تكون رافض ولا عايز تمنعني، حن عليك انا ما صدقت لقيت الفرصة.
نظر إلى وجهها المخطوف وعينيها التي ترقرت بها الدموع، والتوى ثغره يخاطبها:
– ولو رفضت انتي هترضي انك تتبعيني ولا هترفضي وتمسكي بالفرصة؟
بلعت الغصة وسالت على خديها دموع ساخنة تجيبه بصوت مبحوح:
– هتبعك ومش هرفض طبعًا، بس هموت في اليوم الف مرة يا بوي ع الفرصة اللي ضاعت…
صمتت تشهق بصوت عالي فجذبها ليأخذها في حضنه يريت على ظهرها بحنان يردد:
– بعد الشر عليكي من الموت ومن أي حاجة عفشة..
استمرت تشهق بالبكاء بعد ان اخافها برد فعله، حتى استفزته ليهتف بها ساخطًا:
– كل البكا ده عشان شغلانة خايفة تروح منك يا بت الكلب؟
رفعت رأسها عنه لتجيبه بعتب:
– ايوة يا بوي، وانت عارف ووافجت بعد تعب في الزن والمناهتة معاك، لزوموا إيه بجى توجف جلبي؟
– لزومو إني خايف عليكي.
قالها أبو ليلة بنظرة صادقة أثرت في صبا وزاد عليها بقوله:
– مش عايز اجي في يوم واندم يا صبا اني وافجتك، عايز راسي تفضل مرفوعة دايما بيكي وبخواتك، سمعاني؟
أومأت برأسها تجيبه بقوة:
– سمعاك يا بوي وكلامك كله على راسي، انتي مخلف راجل تالت يا بوي.
قالتها لتفاجأ بلسعة من كفه الخشنة على جبهتها، ليردد لها بحزم مصطتع:
– وهو انتي لو راجل صح يا بت الفرطوس انا كنت خوفت عليكي أصلا.
ضحكت صبا تتقبل مناكفته ببهجة تغمر قلبها، ومن خلفها كانت زبيدة والدتها هي الأخرى تبتسم لفرحتها، رغم تبادلها نظرات القلق مع زو جها، قبل ان تترك أمرها لله وهو خير حافظ
❈-❈-❈
في منزل شهد والتي ولجت فجأة إليه بعد أن فتحت بمفتاحها، لتجفل نرجس وبناتها الاتي كنا يجلسن في الصالة بحالة من القلق اكتنفتهم جميعًا لتأخرها حتى هذا الوقت ومبيتها خارج المنزل.
القت إليهن التحية بلهجة طبيعية كالعادة:
– مساء الخير.
– شهد!
قالتها رؤى و انتفضت على الفور نحوها تخاطبها بصوت باكي:
– كدة برضو يا شهد؟ تباتي برا البيت وتتاخري لحد دلوقتي كمان.
ربتت شهد بكفيها على جانبي كتفيها، وقبلتها فوق رأسها بابتسامة حنونة، قبل أن تذهب بأنظارها نحو الجالسات الأخريات:
– مساء الخير يا جماعة عاملين إيه؟
ردت نرجس ولم تجيب الأخرى:
– مساء الخير يا شهد، قلقتيني عليكي يا حبيبتي، دي عاملة تعمليها برضوا؟
تبسمت شهد بجانبية لترد:
– فيكي الخير يا مرات ابويا، معلش بقى ان كنت قلقتك.
قالتها ثم انتقلت نحو الأخرى توجه الخطاب لها:
– إيه يا أمنية؟ وانتي كمان مقلقتيش عليا؟
رمقتها الأخيرة بنظرة حانقة لتجيبها بغيظ وهي تشيح بوجهها عنها:.
– وهو مين الأولى بالسؤال؟ إللي كانت متصابة ودخلت المستشفى؟ ولا اللي سابتها ومسألتش فيها ؟
هبطت شهد بأنظارها نحو ساعد الأخرى الملتف بالأربطة الطبية لتشهق بتصنع وتدعي الإجفال:
– يا نهار أبيض…. دا نسيت…
توقف فجأة، لتردف بعد ذلك:
– على كدة بقى مش هتعرفي تستقبلي الضيوف؟
سألتها أمنية بانتباه:
– ضيوف مين؟
ردت شهد على الفور بحدة رافعة حاحبُا واحدًا:
– ابراهيم ابن خالتك ، اصل اللي انتي متعرفهوش بقى، انا قبل ما ارجع وادخل البيت، بعت عبد الرحيم لولدته، يبلغها اني مستنياهم هي وجوزها وابنهم النهاردة.
رددت أمنية بعدم تصديق:
– انتي بتقولي إيه؟ انتي أكيد بتهزري؟
– لا يا حبيبتى بتكلم جد، دا ميعادهم خلاص بعد ساعة من دلوقتي كمان.
قالت الاَخيرة شهد، لتشير بسبابتها على الساعة الملتفة نحو معصمها:
– ابراهيم وعيلته على وصول، يعني يدوبك تلحقي تجهزي نفسك، ولا انتي تعبانة وعايزة تأجلي.
انتفضت أمنية تنهض عن مقعدها قائلة قبل أن تتحرك سريعًا نحو غرفتها:
– لا طبعا مش عايزة تأجيل.
بعد ذهابها إلتفت شهد لنرجس تخاطبها هي الأخرى:
– إيه يا مرات ابويا؟ مش ناوية انتي كمان تشوفي هتحضري إيه للجماعة؟ ولا انتي عايزة تضايفيهم بالشاي؟
نظرت إليها نزجس مزبهلة لبعض اللحظات قبل أن تنهض بحرج مرددة:
– لا خلاص بقى، هقوم اشوف في إيه في المطبخ ينفع، دول مهما كان جاين ضيوف.
بشبه ابتسامة ساخرة تتبعتها شهد حتى اختفت في المطبخ قبل ان تلتف إلى شقيقتها الصغرى، والتي كانت تطالعها بريبة، بابتسامة واسعة زادت من حيرتها قالت شهد :
-وانا كمان هروح اجهز واغير هدومي بحاجة عدلة، عن إذنك يا رؤى .
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)