روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الخامس والثلاثون

رواية وبها متيمم أنا البارت الخامس والثلاثون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيم أنا الحلقة الخامسة والثلاثون

– في ذاك المطعم القريب من منزلهم، وذلك في البلدة التي يسيطر عائلتها على معظم المنشاَت التجارية الهامة بها، كان جالسًا حول طاولة وحده ينتظرها، بعدما ضافت به كل سبل التفاهم مع جدها المُصر على رأيه، في الاحتفاظ بحضانة الأطفال، بغضب شديد كان يرتشف قهوته، وقد أهلكه كثرة المفاوضات والتعنت في فرض الشروط القاسية حتى على حق الرؤية، يساعدهم امتياز المسافة الكبيرة بين الدولتين.
ارتفعت عينيه نحو المدخل يطالع هيئتها الجديدة وهي تخطو بثقة أمامه، ترتدي فستان من اللون الأزرق، انساب على جسدها الرشيق حتى بدت كعارضات الأزياء، والشعر الحريري المصفف بعناية على زينة وجهه الرقيقة، لتبدوا في غاية الجمال.
ابتسم ساخرًا بزواية فمه، يتذكر أن هذا الإنبهار بمظهرها؛ قد كان سببًا رئيسيًا لموافقته لوالدته في الإرتباط بها، قبل ان يرهقه صقيع العيش معها في زواج استمر لعدد من السنوات، أثمر في إنجاب طفلين، وهي على حالها لم تتغير، بل وساهم برودها في اتساع الهوة بينهم، حتى صار كبُعد البلدين.
– مساء الخير .
قالتها فور أن توقفت أمام الطاولة، نهض عن مقعده أتباعًا لقواعد الإتيكيت التي يحفظها عن ظهر قلب، ليستقبلها بابتسامة مصطنعة في رد التحية ومصافحتها؛ قبل ان يدعوها لتجلس مقابله، ثم بدأ في الأسئلة الروتينية المحفوظة:
– عاملة إيه يا ميسون؟ وعاملين ايه الولاد؟
ردت بلغتها التركية رافعة ذقنها للإمام:
– أنا بخير يا عدي كما تراني الاَن.
كز على أسنانه يحجم الانفعال من البداية معها، فدمدم بتحذير:
– كلميني عربي يا ميسون، مش عشان ما انتي في بلدك دلوقتي، هتنسي اللغة اللي اتعودتي عليها بقالك سنين؟
ظهر الحنق على قسماتها لتردف بقهر مكتوم:
– وماله لما اكلمك بلغة بلدي او حتى امشيك على قواعدها، ما انا بقالي سنين معاك في بلدك وبتكلم بلغتك، وبتبع كل اوامر والدتك، حتى وانت هاجرني بالشهور، مرمية زي الكرسي اللي قاعدة عليه دلوقتي.
اشاح بوجهه عنها يزفر انفاس متسارعة كي يهدأ من عواصفه، يمنع نفسه عن التلفظ برد قاسي، وكي يمتص غضبها قليلًا، فهذه البداية غير مبشرة على الأطلاق.
بعد لحظات قليلة استعاد توازنه، ليقول بلهجة هادئة نوعًا ما:
– ميسون انا اتصلت بيكي وطلبت أننا نتقابل عشان نلاقي حل وسط، مش عشان نتخانق؟
على نفس الوتيرة التي لم تهدأ داخلها، ردت بتحفز:
– وماله لما نتخانق، هتصدق لو قولتلك اني ياما اتمنتها دي، ما هو معنى اننا نتخانق يا عدي، يبقى في فرصة للصلح والتفاهم بعدها.
عادت بجذعها للخلف على مقعدها تتابع:
– لكن انت مش عايز كدة صح؟ عايز الحياة ما بينا تبقى مستمرة على حالها في الجمود، لحد اما ازهق انا واقول حقي برقبتي، زي ما حصل فعلا.
قلب عينيه بسأم، وافتر فاهه يهم بالتحدث، ولكنها اوقفته بقولها:
– انت ليه محبنتيش يا عدي؟
فاجئته بالسؤال حتى لاح على ملامحه الاضطراب، ولكنها واصلت في البوح بما يجيش بصدرها:
– شايفني وحشة ولا باردة؟ طب لو وحشة او مش عجباك ليه اتجوزتني؟ أو لو باردة مسألتش نفسك انا ليه كدة؟
تلقف سؤالها الاَخير وكأنه وجد الثغرة، ليبادل سؤالها بسؤال:
– حلو أوي، قوليلي بقى يا ست ميسون، ليه انتي كدة؟
امتدت رأسها نحوه، واضعة عينيها بخاصتيه تجيبه بقوة:
– عشان انت اللي وصلتني لكدة، انا عارفة اني كنت الاختيار الأمثل لوالدتك، وانت وافقت تنفيذًا لرغبتها، لكن انا وافقت بيك عشان كنت بحبك، أيوة كنت بحبك.
على قدر اللحظات القليلة اللي قابلتك فيها وانت عازب في الحفلات اللي جمعت بين العيلتين، دا ما منعش اني أحبك.
اجفل لهذا الإعتراف المباغت، وللمرة الثانية تربكه بصراحتها الغريبة عن طبعها المتحفظ في العادة، ظل على صمته وهي واصلت:
– مستغرب كلامي صح، وأكيد بتسأل نفسك، هي ليه عمرها ما قالت الكلام ده واحنا مع بعض، انا برضوا هرد واقولك انك السبب……. عشان انت أناني، عايز اللي قدامك بس هو اللي يعطي، انا لو حسيت بربع الحب اللي في قلبي منك، كنت رميت نفسي في حضنك من غير انتظار، إنا كنت بموت على كلمة حلوة تقولها، كنت بتقهر لما اشوف الحب في عيون مصطفى لمراته، وانا نفسي الاقي منك اي اهتمام يا عدي.
خرجت الاَخيرة بضعف لم تقوى على كتمانه، وقد أسقطت كل حصونها أمامه، فلم يعنيها أي شيء الاَن، أما هو فقد ابتلع ليُحاول الرد بلطف، يبتغي من خلفه المساومة:
– انتي أكيد انسانة رائعة يا ميسون، وانا لو كنت قصرت في حقك، فدا بيحصل كتير، ياما جوزات بتفشل الأيام دي، ودي مش نهاية الدنيا، اهم حاجة دلوقتي الأولاد، لازم نراعي البعد النفسي للمرحلة دي من سنهم، مينفعش يتقلعوا كدة من جدورهم مرة واحدة، انا والدهم وعمري ما هبعدهم عنك، لو عايزة اجيبهم كل شهر ويقضوا الأجازات معاكي بالشهور، أكيد مش همانع.
تبسمت ساخرة، فلم يفاجئها رده الصادر من أنانية بحتة، جعلته حتى لا يتأثر بقولها، وما باحت به منذ قليل، وهي لن تكون ضعيفة او تستجدي عطفه عليها، انتفضت فجأة لتقف متلبسة ثوب الامبالاة، سلاحها المتبقي للحفاظ على كرامتها، وقالت بتعالي:
– انا شايفة المقابلة لحد دلوقتي مفيش منها جدوى، انت مصمم تاخد الولاد معاك، وانا خلاص سيبت الأمر في إيد جدي، واظنك عرفت قراره كويس.
نهض هو الاَخر سائلًا بانفعال:
– يعني إيه يا ميسون؟ جدك اصدر فرمانه، ومفيش منه رجوع.
مطت شفتيها وهي ترفع النظارة الشمسية لتضعها على عينيها مرددة بعدم اكتراث، قبل أن تنسحب وتذهب:
– والله انا بلغتك اني سيبت الأمر في إيده، يعني مفيش فايدة من الكلام معايا، عن اذنك.
❈-❈-❈
استيقظ من نومه، شاعرًا بحرارة الشمس التي اخترقت الغرفة من نافذة الشرفة التي كانت مفتوحة على مصراعيها، حتى وصلت إلى فراشه، زفر ساخطًا، وهو ينهض بجذعه بضيق، ليتناول الهاتف كي يرى الساعة عليه، زوى ما بين حاجبيه مستغربًا حينما راَها تعدت الثانية عشر ظهرًا، هو في الطبيعي يتأخر في الأستيقاظ، لكن ليس إلى هذه الدرجة، نهض عن سريره بخفة ليخرج مناديًا على والدته:
– أما، انتي فين يامة؟
وصله صوتها من المطبخ وهي تخرج إليه سريعًا:
– أنا هنا يا نور عيني، صباح الخير.
جلس على كرسي مائدة السفرة التي استند بمرفقيه عليها، يرد تحيتها بنزق:
– صباح الفل ياما، كدة برضوا تخلي الشمس تحرق في عيني؟
بلهجة متأسفة ردت تستجدي رضاءه:
– سامحني يا قلب امك، دخلت لميت الغسيل من البلكونة، ونسيت اقفله، تحب بقى احضرلك الفطار.
رفع رأسه المثقل ليقول بتهكم :
– يعني مش بعادة يعني السيد الوالد يسبني أنام براحتي، إيه ناوي يرضى عني النهاردة ويديني اجازة؟
جلست تقول بتنهيدة ساخطة:
– ما هو فعلا عاملها اجازة، بس اجازة ع الجميع، اصله بيجمع الرجالة وعايز يعمل عزوة للمحروسة النهاردة في خطوبتها.
انتبه ليرفع رأسه لها سائلًا بتحفز:
– قصدك مين؟ شهد؟
– ايوة يا خويا هيكون من غيرها يعني؟
تابعت غير اَبهة بالتجهم الذي اعتلى ملامح ابنها، والشرر الذي كان يقدح من عينيه:
– أصلها هتعمل الخطوبة في قاعة وعازمين لوءات وظباط زمايل اخوه وقرايبهم قال، اتاري المنيلة وقعت واقفة، واتلمت على ناس كبارات، طبعًا تخطيط ع العالي، دي اختي نرجس بتحكي ع الهدايا اللي جابها البيه خطيبها، ولا الهدوم اللي دفع فيها شيء وشويات، وكله كوم والشبكة كوم تاني، دي بعتتلي الصورة ع الوتس، يالهوي يا ابراهيم، حاجة كدة الاَفرانكا، مش بلدي زي اللي احنا جيبناها لأمنية، فاكر يا ابراهيم احنا دفعنا في الشبكة كام؟……..
– خلاص يامة.
هتف بها مقاطعًا بحدة وعدم تحمل، ليصيح متابعًا بأمر:
– قومي حضري الفطار بقى، معدتي نشفت من الجوع.
– يا حبيبي يا بني.
هتفت بها سميرة وهي تنهض عن مقعدها سريعًا تردد وهي ذاهبة:
– حالًا هتلاقي فطورك جاهز، حقك عليا، ما انت اللي اتأخرت في نومك.
انتظرها حتى اختفت بداخل مطبخها، ليستل هاتفه من جيب بنطاله البيتي، وضغط على الرقم المعروف، فجاءه الرد سريعًا كالعادة:
– الوو يا هيما، صباح الخير يا قلبي
هتف بخشونة يوبخها:
– صباح الزفت، ما اتصلتيش بيا ليه تبلغيني بآخر الأخبار؟
– اخبار ايه؟
قالتها بعدم فهم، قابل قولها بغضب:
– انتي هتستعبطي يا روح امك؟ انا بتكلم عن خطوبة المحروسة، ما قولتيش ليه انها هتتعمل في قاعة؟
ردت بصوت مهتز:
– يا حبيبي ما انا معرفتش غير الصبح، بعتلك كذا رسالة، استئذنك عشان اخرج، ولما مرديتش…..
صاح يقاطعها بصوت عالي:
– تخرجي ولا تزفتي، انا بتكلم في إيه؟ وانتي بتتكلمي في ايه؟
– يا ابراهيم افهمني، ما هو انا مضطرة دلوقتي ارجع فستاني وأجر واحد احلى ، بعد ما فاجأتني المحروسة بعملتها، وكأنها قاصدة تبيني اقل منها .
– بس يا زفتة.
صاح بعنف يوقف إسهابها، ف انتفضت تغلق فمها في انتظاره.
التقط انفاسه ليفرغ طاقة غضبه في بث السموم كالعادة:
– اللي عايز اعرفه دلوقتي، هي جابت منين اجرة القاعة ؟ هي البت دي هتفضل كدة تعمل عمايلها وانتوا زي الهبل ساكتين؟
– لأ يا ابراهيم، ما هي بتقول ان المهندس هو اللي متكفل باللية، وعاملها قال مخصوص عشان قرايبه، شوفت بقى الحظ، متكفل بالخطوبة كلها، ومش هامه العوايد اللي ماشين عليها، بيحبها يا سيدي.
قالتها أمنية بمغزى وصله على الفور، ليزيد من غليل حقده، يضغط على شفته بأسنانه حتى كاد أن يدميها، بأنفاس متسارعة، الحمقاء تردف الكلمات بقصد إشعال غيرة المنافسة بداخله، ولا تعلم بأنه محترق من الأساس، لا يرى نتيجة ملموسة لكل ما يخطط له، ولكنه لن يقف مكتوم الأيدي.
حين طال صمته، وصله صوتها:
– سكت ليه يا ابراهيم؟
تمالك كي يسيطر على مراجل الغضب بداخله، ورد بلهجة جعلها هادئة بعض الشيء:
– مسكتش ولا حاجة، انا بس كنت بفكر في كلامك، روحي دوري على فستان عدل لخطوبة اختك، وانا كمان هأجر بدلة كويسة احضر بيها.
صاحت مهللة من محلها:
– حبيبي يا ابراهيم، يعني انا وانت هندخل، وحاطين إيدينا في إيدين بعض.
– اَه امال ايه؟ ونرقص رومانسي كمان.
في وقت آخر لو سمعتها لذهب ظنها للسخرية، ولكن اللهفة بداخلها الاَن جعلتها تتلف قوله بالتصديق مرددة:
– يا لهوي عليا، انا حاسة قلبي هيوقف، ربنا ما يحرمني منك يا هيما القلب كله.
رد يجاريها حتى ينهي المحادثة:
– ماشي يا ستي اقفلي بقى عشان ما قلبش.
– يا نهار ابيض، تقلب دا إيه؟ دا انا ما صدقت، سلام بقى، وهقفل من عندي.
القى الهاتف على سطح المائدة، وهو يتوعد بداخله:
– يعني برضوا المحروس هيمشي ويتم الخطوبة، تمام…… أما نشوف ايه اخرتها بقى؟ ولا مين اللي هيضحك في الاخر.
❈-❈-❈
في المنطقة الساحلية
وفي ذاك المنزل الخالي من جميع السكان إلا منها، وقد اصبح لها المأوى الاَمن منذ هروبها، كانت بداخل المطبخ المفتوح، حينما شعرت بدخول أحدهم، وخرجت إلى البهو لتتبين أنها صديقتها؛ مالكة المنزل التي تختفي بداخله من أعين الشرطة، وحراس كارم ، وعقاب زوجها.
– صباح الخير، عاملة ايه النهاردة؟
قالتها المرأة الأربعينية وهي تضع الأكياس الممتلئة على الأرض قبل أن تقترب منها وتقبلها سريعًا على وجنتها كتحية قبل أن تسقط على اقرب المقاعد لاهثة، تنهج من الحمل الذي كانت تحمله، لحقتها لتجلس على الاَريكة المجاورة لها، تقول بحرج وأعينها مازلت منصبة على الأشياء الكثيرة التي احتلت الأرضية:
– كل دا أكل وطلبات يا سوزي، هو انا لحقت اخلص اللي في التلاجة؟
قيمتها المرأة بنظرة سريعة، من شعر رأسها المشعث في الأعلى، ثم هذه البيجامة الصيفية بقماشها الخفيف، بنصف كوم، وبنطال قصير حتى ركبتها، ثم هذا الخف الملتصق بقدميها، فقالت بعدم رضا:
– إنتي مالك مبهدلة في نفسك كدة؟ مش عادتك دي يا جيرمين؟
التوى ثغر الاَخيرة لترد بتهكم ظاهر :
– وهتزوق ولا اتعدل لمين يا حسرة؟ للحيطان؟ .
– مش لأي حد، لنفسك يا جيرمان.
قالتها المرأة لتصيح بها الأخرى محتجة:
– لنفسي كمان؟ هو انا بقى عندي نفس اساسًا؟ سيبيني في حالي الله يخليكي.
قالتها الاخيرة واستلقت رأسها بتعب للخلف، فعقبت الأخرى بمؤازرة كي تخفف عنها:
– معلش يا حبيبتي، نعمل ايه بقى؟ نصيبك كدة، يعني نفضل نخطط ونظبط، واجيبلك المادة التمام معايا من امريكا نفسها، وع الاَخير كل حاجة تبوظ بسبب عيل.
ضربت بكفيها على فخذيها تردد بغيظ يقارب الولولة:
– عشان حظي الهباب، بدل ما اخد حقي من بت الجزمة دي اللي كانت حاطة السكينة على رقبتي، ينقلب الوضع وتبقى هي الضحية في عيون جوزها والناس كلها، واخسر انا كل الفلوس والعز اللي كنت عايشة فيه، وعليهم جوزي والولاد اللي لبسوا فضيحة بسببي، اه يا انا يا ناري.
وافقتها الأخرة مرددة خلفها:
– بصراحة عندك حق، دا انا كل ما راجعها في دماغي مخي يشت، بس اقول ايه؟ خلينا بقى في اللي جاي، وانا بظبطلك الورق المضروب اللي اتفقنا عليه مع الواد اياه، وهسفرك في اقرب وقت، وابقى سوزي قالت .
ردت تطالعها بامتنان شديد:
– تعيشي يا حبيبتي وما نحرم منك ابدًا، مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه؟ صاحبتي الغالية من أيام الفقر والمرمطة.
نهضت المراة تقول بعملية وهي تخلع عنها سترتها:
– ايام الفقر، ايام الزفت، خلينا في المهم، الواد حامد الاهبل، كل يوم مصدعني بسؤاله عنك، ابن المجنونة مش مكفيه الفلوس اللي اخدها، بيقولي عايز تعويض قال عن الوظيفة اللي خسرها، والبوليس اللي بيدور عليه.
– جاته مصيبة تاخده، هو مش مكفيه اللي حصلي؟
هتفت بها جيرمين وهي تتبع صديقتها، والتي دخلت المطبخ بالأشياء التي ابتاعتها لتضع بعضها في الثلاجة، والباقي في درفة الخزين، وتابعت بشرود وهي تتناول إحدى ثمار الفاكهة من التفاح:
– اه يا سوزي، ياما كان نفسي ع الأقل حتى انشر صورها بالقميص العرياني، دي كانت هتبقى فضيحة بجلاجل، ع الأقل كانت هتبرد ناري.
تركت المذكورة ما بيدها لترفع سبابتها أمامها محذرة:
– إياكي تعمليها يا جيرمين وتفتحي التليفون، انا مفهمش في التكنولوجيا، بس اعرف كويس ان تليفونك بمجرد ما هيتفتح هتلاقي البوليس طب فوق راسك، ماتودنيش في داهية الله يخليكي.
رددت سريعًا تطمئنها:
– لا طبعًا متخافيش، انا لا يمكن اضرك….
توقفت فجأة لتردف:
– بس انا ناري قايدة يا سوزي، اعمل ايه في القهرة دي؟ يعني تأذيني وفي الاَخر برضوا.هي اللي كسب كل حاجة.
ضيقت المرأة عينيها وبدا على وجهها التفكير بعمق، لتجاريها باهتمام قائلة:
– سبيها للظروف يا جيرمين، مش يمكن تلاقي الفرصة اللي تخليكي تنتقمي فيها على حق.
❈-❈-❈
-في الركن الذي اتخذته مكانًا لها منذ سجنها في هذه الغرفة الكبيرة مع عدد من النساء المحتجزة على ذمة قضايا، ما بين مذنبة أو غير مذنبة، او متهمة مثلها، كانت مودة مفترشة الأرضية منزوية مع نفسها كالعادة، وانظارها مرتكزة على من كانت السبب الرئيسي فيما حدث لها، وقد علمت بكل التفاصيل من محاميتها التي تبذل الجهد المضاعف لأخراجها من محنتها الآن، تلعن غباءها كل لحظة، لقد ثبت لها بالدليل القاطع الآن أن هذه الملعونة، خبيرة ومعتادة على دخول السجون، لقد فرضت شخصيتها منذ دخولها، بل وجعلت عدد من النساء لخدمتها، حتى من كن متربصين بها، لم تتمكن واحدة منهن في الاقتراب منها.
– ابلتي ابلتي، هي البت دي مش ناوية تشيل عينها من علينا ولا ايه؟
قالتها احدى الفتيات الصغيرات ممن يجلسن بجوار فراشها الذي كانت مستلقيه عليه على الأرض.
رفعت ميرنا رأسها نحو ما تقصد، لتنفث دخانًا كثيفًا من سيجارتها، ثم عادت لوضعها الأول تجيبها:
– معلش يا سكسكة، سبيها لحالها دي على الله حكايتها.
– هي مين دي اللي حكايتها على الله؟
هتفت بها الفتاة ذات العشرين ربيعًا تتابع بسخط:
– دي بت كهينة وشكلها لافقة على واسطة كبيرة، دي من وقت ما هلت علينا هنا، وما حد فينا قدر يقربلها، الظابط عصام موصي عليها بالقوي، يعني حتى استقبال المعلمة متعملش معاها، ولا طالها اللي طالنا كلنا…
قالت الاخيرة ويدها تتلمس موضع الضرب على ذراعيها وضهرها، استدركت لتصحح على الفور بهمس خفيض حتى لا يصل الصوت للناحية الأخرى:
– إلا انتي طبعًا يا ست ميرنا، سكتي الكل ولبستيهم طرح.
اظلم وجه الاَخيرة، وهذه الحقائق التي تتوضح أمامها دون بذل الجهد، الأخرى اخذت تعاطف الجميع، لينصب البحث عليها هي؛ حتى تم الإيقاع بها، القت بنظرة نحو الأخرى بطرف عينيها مدمدمة:
– والله عال يا ست مودة، واحدة هبلة تلبسني قضية وادخل فيها السجن، على اساس ان ابقى كبش فدا، لكن وديني ومقصوصي ده ما يحصل.
❈-❈-❈
في حديقة المنزل كانت الجلسة التي تجمع زهرة وابناءها مع رباب التي اشتاقت إليها في ضيافة كاميليا، والتي كانت لا تكف عن الحديث في مواضيع شتى، سعيدة بجمعتهم:
– طارق خلص الاجتماع من هنا وانا جريت على الحمام بسرعة، رجعت كل اللي معدتي، وفضلت ع الحال ده، اروح واجي ع الحمام، لحد اما لميت نفسي وجيت ع البيت من غير ما اكمل اليوم.
– ما يمكن تكوني حامل يا كاميليا؟
قالتها رباب بتخمين منها، ايدتها زهرة هي ايضًا:
– اه والله، وليه لا؟ طب ياريت.
ضحكت تردد بشعور مختلط ما بين الرفض وعدم الرفض:
– ياريت ايه انتي كمان؟ انا اساسًا محصنة نفسي يعني….
قاطعتها زهرة بتصميم:
– يعني ولا ما يعنيش، ربنا لو رايد، والله لو تعملي ايه؟ هيحصل يعني هيحصل.
عقبت شقيقتها بابتهاج:
– حقة لو طلع تخمينا صح، تشدي حيلك بقى وتجيبيلنا بنت تاني زي فريدة، انا الإنتاج دا عاجبني اوي بصراحة،
القت زهرة بنظرة خاطفة نحو الصغيرة التي كانت تلعب بالكورة المطاطية حول اكبر ابنها مجد والذي كان جالسًا بهيبته، يتقبل دعابتها بصدر رحب، لتقول بفخر:
– ديدة دي حبيبة قلبي، عروسة ابني غصب عن والدها ووالدتها.
– طب وغصب ليه بس؟ ما احنا سلمنا امرنا لله بعد الفرمان اللي اصدره عامر باشا، وقولنا امين، هو احنا نقدر نعترض.
قالتها كاميليا وانطلقت ضحكات الاثنين قبل ان تقاطعهم رباب سائلة بعدم فهم:
– فرمان ايه اللي اصدره عامر الريان ؟
تولت زهرة الإجابة وهي تطعم صغيرها الذي كان يتعلم السير حولها:
– ما تفهمي بقى يا رباب، عامر باشا اصدر امره ، ان فريدة لمجد، ومجد لفريدة.
سمعت منها لتهلل ضاحكة:
– الله حلو اوي القرار ده، عشان كدة بقولك يا كاميليا، انا كمان عايزة الإنتاج ده عشان اجوزها لابني.
– نعم يا اختي.
هتفت بها الاخيرة باستنكار ضاحك لتنطلق عدة تعليقات مختلفة في المزاح والضحك بين الثلاثة، قبل أن ينتفضن على صرخة عالية من أحد الصغار.
نهض ثلاثتهن بارتياع نحو الجهة التى صدر منها الصوت، حيث كان يتشاجر التوأم ابناء زهرة بجانب عمار الذي كان ما زال على حالته في الصراخ برعب، متفاجئًا بعنف الاثنان.
كانت كاميليا هي الأسبق في فض الأشتباك لتمسك بالولد وزهرة تمسكت بالبنت، ليفصلاهما بصعوبة، أما رباب فاحتضنت ابنها لتهدئته:
– بس يا حبيبي دول بيهزروا…..
صرخ رامي يقاطعها والذي كان يقاوم بين يدي كاميليا.
– مكنش هزار، انا كنت بربيها.
ردت رنا توأمته لتزيد من اشتعال غضبه:
– انا اللي انتصرت عليك على فكرة، حتى بالأمارة طلعت شعرك في إيدي.
قالت الأخيرة رافعة كف يدها الصغيرة أمامه، والتي التف حول اصابعها بعض الشعيرات الطويلة من شقيقها، والذي ما ان وقعت عينيه عليهم حتى جن جنونه ليصرخ، ويحاول الإفلات بكل قوته، حتى يستطيع أن يفتك بها:
– هموتك يا رنا، هقطعلك شعرك كله يا رنا .
صرخت زهرة على المربية التي أتت هي أيضًا مجفلة على الصوت:
– يا دادة، خديه الله يخليكي ونضيفيه جوا.
انصاعت المرأة لتحمله بصعوبة، نحو مدخل المنزل، وتوجهت زهرة لابنتها قائلة:
– حرام عليكي، هتجيي جلطة لاخوكي من قبل ما يدخل الابتدائي حتى، تعالي اما اغيرلك انتي كمان ونشوف طريقة نصالح بيها اخوكي.
حملتها على يديها قبل توجه خطابها لصديقتها:
– كاميليا خلي بالك من ظافر.
ردت الأخيرة وهي تتناول كف الصغير:
– روحي يا قلبي متقلقيش، هي دي اول مرة يعني؟
– لا طبعًا مش اول مرة.
غمغمت بها زهرة وقبل ان تتحرك لفت نظرها عمار الذي كان ما زال يرتجف في حضن والدته، لتعقب بإشفاق:
– يا عيني يا ابني، اول فيها يشوف المناظر البشعة دي.
ضكت كاميليا هي الأخرى تضيف على قولها بسخرية:
– اول مرة يشوف فيها خناقة على حق، معلش يا قلبي بكرة تتعود وتبقى زيهم.
❈-❈-❈
عاد اخيرًا بعد أن نهى جولته الميدانية اليومية، وقد مر على جميع الأقسام، ليجمع البيانات والمتطلبات الناقصة لهم، بخطواته السريعة كالعادة، حتى يأخذ مكانه على المكتب المقابل لها، جارته القمر التي أرقت ليله، وأطاحت بحكمته نهارًا، ليضحى كمراهق صغير، نظرة واحدة من محبوبته تروي ظمأ اشتياقه، وتعطيه جرعة من السعادة تدفعه لحب الحياة والعيش من أجلها.
دخل الغرفة ليتفاجأ بها تتحدث في الهاتف ويدها تعمل في لملمة الملفات التي أمامها:
– بتتكلمي جد؟…… يعني هي خلاص على كدة هتخرج
من براءة؟…… خلاص بقى يا مدام صفاء شدي حيلك معاها .
انتبهت لترفع رأسها إليه وتهديه ابتسامة ما أجملها، رغم انصباب تركيزها مع محدثتها على الهاتف:
– وماله يا مدام لما تخرج بكفالة؟ شدي حيلك انتي بس معاها، واحنا ربنا يقدرنا ان شاءالله وندفعها، اهم حاجة بس ان ميضعش مستقبلها….. تمام ربنا يباركلك.
انهت لتلتفت إليه، والابتسامة الساحرة ما زالت تزين ثغرها، بادرها بسؤاله الفضولي:
– شكلك كدة في اخبار حلوة عن صاحبتك؟
– صح.
تفوهت بها بغبطة تغمر قلبها لتردف مستطردة:
– اصلهم لجيوا الخاتم، بعد ما ظبطوه عند ميرنا ، اتاريها هي اللي كانت سرجاه من شنطة مودة.
– معقول! انتي بتتكلمي جد؟
قالها شادي بعدم استيعاب، ورددت هي بتأكيد ويدها تضع الملفات التي رتبتها منذ قليل بداخل ادراج المكتب:
– والله زي ما بقولك كدة، ربنا وجعها في شر اعمالها، الست دي انا عمري ما استريحلتها.
لم يغب عن شادي أن يذكرها بخطأ الأخرى:
– والله وانا كمان، بس عشان نبقى حقانين، غلط صاحبتك هو اللي وصلها لكدة، ياريت تاخد عظة من اللي حصل وتتعلم بقى .
– أكيد، وانا كمان معاملتي معاها هتبجى غير، ومش بعيد اجطع معاها، بس هي تطلع من مصيبتها.
علق بإعجاب ظاهر:
– برافو عليكي، هو دا الصح، هي دي صبا اللي انا عارفاها.
دمدم بالآخيرة، قبل ان يسألها باستغراب:
– طيب بتلمي الملفات وتعلقي شنطتك على كتفك ليه؟ هو انتي وراكي مشوار؟
ردت تجيبه بفرح انار وجهها وهي تتحرك للذهاب
– اصل النهاردة خطوبة شهد في القاعة، عايزة اروح اجف معاها، ويدوب احصل ميعادي معاها في البيوتي سنتر.
رغم حزنه لمغادرتها السريعة إلا ان السعادة التي كانت بادية على ملامح وجهها كانت تكفيه في هذه اللحظة ليحتفظ بها في مخيلته لباقي يومه، لذلك كان رده السريع معها بود وأمنية يتمنى تحقيقها بداخله:
– الف مبروك لشهد وعقبالك انتي كمان.
❈-❈-❈
في المساء
دلفت لداخل القاعة بصحبته كما وعدها، وقد كان مرتديًا حلة كاملة بدون رابطة عنق، يتبختر بتباهي قاصدًا أن يلفت النظر إليه، وهي تلف يدها حول ذراعه بفرحة تجعل قلبها يتراقص داخل قفصها الصدري، لا تصدق ما يفعله معها اليوم، لقد نفذ اكبر راغباتها وهي أن تسير متأبطة ذراعه امام جمع المدعوين من اقرابائهم او عائلة العريس، والتي يبدوا من هيئاتهم حجم الرقي والثراء، لقد كان كريمًا معها اليوم لدرجة جعلته يتغزل في فستانها الحريري ، الذي اظهر جسدها الملفوف بروعة، كما انعكس لونه النبيتي على زينة وجهها ليزيدها بياضًا كما قال لها ووصفها “ببطته”، ثم أخذها في سيارة صاحبه ليكمل فرحتها.
رغم بداية اليوم التي كانت بالسباب والتوبيخ منه، إلا أنها تشعر ان هذا هو افضل أيامها، مع انتظار ان القادم يحمل بجعبته الكثير لها مع ابراهيم حبيب طفولتها الذي سوف يصير ملكها عن قريب حينما تتزوجه:
– نقعد فين بقى؟
سألها بنبرته الخشنة لتستفيق من شرودها، وجاءت إجابتها بلهفة:
– احنا ممكن نقعد مع خالتي وامي اللي قاعدين على طرابيزة لوحدهم، أو ممكن نقعد لوحدنا، إنت ايه رأيك؟
نظر لها بطرف عينيه من مستوى طوله الذي يفرق عنها كثيرًا ليقول:
– إيه ماكفاكيش اللف بالعربية؟
نفت بهز رأسها تردد بمرح:
– لا، أنا عمري ما اشبع منك يا ابراهيم، ولا من القعدة لوحدنا .
تصنع ابتسامة بزاوية فمه، قد فعلها كثيرا طوال اللحظات التي مضت، ليدعي لطفًا زائفًا:
– وانا كمان عمري ما اشبع منك يا بطتي، بس كفاية بقي، خلينا دلوقتي نقعد معاهم، ليبقى منظرنا وحش
قالها وتحرك بعدم انتظار رأيها، ليسحبها معه نحو الطاولة التي تضم والدته ووالدته، اخفت انزعاجها وغمغمت بتبرم:
– ويعني احنا كل يوم بنخرج، ولا هما هيخافوا لما يقعدوا لوحدهم؟ ياللا بقى بلا هم.
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى
حيث تجلس نرجس بجوار شقيقتها التي لا تكف عن الحديث عن مظهر المدعوين وحجم الحفل وتكلفته وعمل المقارنات:
– شايفة يا نرجس، القاعة مليانة رتب عاليا، يالهوي، مش دا الراجل اللي بيطلع في التليفزيون، وبيظهر مع المذيع اياه يتكلم عن حالة الأمن في البلد، يا مصيبتك يا سميرة، انا جسمي بقى يتلبش.
– جسمك يتلبش ليه يامة؟ مطلوبة في قضية؟
علق بها ابراهيم وهو ينضم ليجلس معهن ومعه أمنية، فردت نرجس مؤيدة لها:
– متلومش عليا يا ابن اختي، دا انا نفسي بصراحة مستعجبة الناس النضيفة دي.
قال من تحت اسنانه وقد استفزته العبارة:
– نضيفة دا ايه؟ على أساس ان احنا وسخين مثلًا.
ردت نرجس بدفاعية مبررة:
– لأ يا بني انا مش قصدي كدة، هو احنا فيه انضف مننا؟ ما هو بصراحة يعني.. احنا اتفاجئنا بالمستوى.
تدخلت امنية بردٍ متوازن بعض الشيء، نظرا لمزاجها الرائق:
– يا جدعان ما تتعبوش نفسكم في ازاي واتفاجئنا والحاجات دي دلوقت، خلونا نعيش اللحظة، هو انتوا قاعدين لوحدكوا ليه صحيح؟
مصمصت سميرة بشفتيها لتقول بتهكم :
– عمك عابد يا اختي عامل نفسه كبير العروسة، قاعد يرحب مع اللي اسمه ابو ليلة ده بقرايب العريس، ولا اكنه ابوها والتاني عمها.
زفر ابراهيم بحريق يكتمه ليردد خلفها:
– معلش يامة، ما هو بيقف مع الجميع في الحارة، حتى مع اللي ملهمش اصل، جت عليها يعني.
جملته كانت قاسية، لدرجة انتبهت لها امنية لتخبت ابتسامتها، وقد شعرت بأن الوصف قد مسها هي أيضًا، ولكن كالعادة تغاضت حتى لا تفتعل مشاكل وتعكر صفو ليلتها، فعادت بسؤال والدتها:
– طب والست زبيدة ياما، مش بعادة يعني متبقاش معاكي؟
عادت سميرة للمصمصة بشفتيها لتردد ساخرة:
– ما هي دي كمان يا نور عيني شافت نفسها، مرات الصعيدي ابو قصعة، عاملة نفسها هانم ودخلت في زواريق اللي اسمها مجيدة، وقاعدين على طرابيزة واحدة، ومعاهم ام البت الأجنبية صاحبة اختك.
– اه قصدك لينا، بس دي مش أجنبية يا خالتي.
– أجنبية ولا زفت، ما تخلصونا بقى في ام السيرة دي.
قالها ابراهيم ليقطع سير حديثهم، فقد غلبه طبعه الحاد في إخفاء ضيقه اكثر من ذلك .
❈-❈-❈
– هما العرسان هيجوا امتى؟
صدر السؤال من أنيسة وقد ازعجها تأخرهم، لم تنتبه لها مجيدة فقد كانت منشغلة بالحديث مع إحدى النساء من افراد العائلة، وتكفلت بالرد زبيدة:
– هما خلاص على وصول، صبا بنتي بلغتني في اتصال من شوية.
ظهر الارتياح على وجه انيسة، لتردف بعد ذلك بغيظ، حينما التفت لها مجيدة:
– انتي يا ست انتي مقعدانا جمبك ليه؟ وانت مشغولة عننا كدة.
سمعت منها لتردد ضاحكة بمرح:
– وفيها ايه يا اختي لما انشغل عنك، مش ام العريس ويحقلي الله.
ضحكت بالتبعية لها الأخرى، تشاركها القول زبيدة ايضًا:
– ايوة يا اختي من حجك امال ايه؟ دا احنا عندنا في الصعيد بنطلعلها الأغاني ام العريس،
هللت مجيدة بمرح مرددة لها:
– طب ما تسمعيني يا ولية انتي، انا عايزة احفظها وادلع نفسي .
رددت زبيدة ضاحكة:
– وه، دلوك .
– أيوة دلوك.
قالتها مجيدة قبل أن تجفل مع الجميع على دخول العروسين بتغير الأضواء وانطلاق الأغنية الافتتاحية، ليدلفا الاثنان من المدخل، بهيئة تخطف الأنفاس.
العريس كان يرتدي حلة من اللون الأبيض بمظهر شبابي حتى بدا كنجم سينمائي، وعروسه التي كانت مفاجأة الجميع بهذا الفستان السماوي والمطرز بحبات لامعة، تظهرها الإضاءة كفصوص الألماظ، ابتسامتها الرائعة ملأ شدقيها، باندماج واضح معه، توقفا الاثنان فجأة في ساحة الرقص، لتشتعل الساحة بأغنية رومانسية هما وحدهما، يتمايلا على أنغامها كما تتمايل الطيور على أغصانها، بسعادة تطل من العيون وتترجمها الخطوات المتناسقة، بقرب جعل معظم الحضور وقفوا صفوف حولهم متابعين ومشجعين، تاركي الجمب الاَخر مقهورين!
– ابراهيم، يا براهيم بصلي.
هتفت بها أمنية بجوراه لتجذب انتباهه نحوها، بعد ان تسمرت رقبته على وضعها الجانبي منذ دخولهم، فالتف نحوها، ليحدجها بنظرة نارية ارعبتها لتعقب سائلة :
– براهيم انت بتبصلي كدة ليه؟.
استدرك ليرخي ملامحه قليلًا قبل أن يجيبها بانفعال:
– انا مش قصدي عليكي انتي يا أمنية، انا بس مستغرب قلة الحيا في الرقص والأحضان، عاجبك كدة يا خالتي؟
التوى ثغر نرجس كإجابة واضحة لرفضها وسميرة كان ردها بمصمصة الشفتين التي لم تتوقف عنها، فقالت أمنية بحماقة:
– انا فاكرة يوم خطوبتنا كانت بتعيب علينا، وتقول مايصحش وعيب، واهي دلوقتي بتقلدنا.
رمقها بنظرة خطرة يحجم نفسه عن الانفعال عليها، فخرج صوت نرجس تعبر عن ضيقها:
– انا اللي غايظني ان محدش بيجيب عليها عيب، يعني البت رؤى اهي بتهيص واكنه فرحها، وجمبها ابو ليلة الراجل الصعيدي بيصقف بكفوفه، ولا حتى نقح عليه الدم الصعيدي.
علقت سميرة من خلفها:
– انتي شوفتي بس ابو ليلة ، ما شوفتيش يا حبيبتي جوز اختك وهو بيهيص لهم من مطرحه اللي قاعد فيه.
تطلع أبراهيم نحو الجهة التي أشارت إليه والدته ليجد والده، يتابعهم بابتسامة متسعة، وكأنه يزوج ابنته البكر، فخورًا بها.
زفر مطولًا، يحاول التماسك والتحلي ببعض الصبر الذي وعد به نفسه، كي يبدوا طبيعًا أمام الجميع، مخفيًا ما يكنه صدره.
❈-❈-❈
وإلى صبا التي اقتربت من الطاولة التي تجلس عليها والدتها بطلتها البهية كالعادة، بل وتزيد عليها اليوم بزينة اخت العروس، كما وصفت نفسها لكل من سألها عن جهة القرابة بينهم، مرتدية فستان من اللون الجملي، اضفى على بشرتها الخمرية الضياء، واللون المميز لعيناها اظهرت جماله الصارخ برسمة للعين ما أروعها، مما جعل والدتها تردد الأدعية الحافظة فور أن وصلت إليهن، لتقلدها مجيدة لكن بصوت عالي:
– بسم الله ما شاء الله، ايه القمر اللي طل علينا ده؟
ضكحت بمرح:
– أمر بالستر، ربنا يحفظك يا ست مجيدة، مبروك للعريس.
– الله يبارك فيكي يا حبيبتي، عقبالك يا رب.
قالتها مجيدة لتردد من خلفها زبيدة:
– ان شاء الله جريب، وهنجيبك تحضري معانا، ما انتي بجيتي من أهل البيت خلاص.
ردت بمحبة خالصة وهي تشير بسبابتها أسفل عينيها:
– من عنيا الجوز، بس انتوا شكلكم في موضوع، وانا مش هحشر نفسك وهستنى الدعوة.
صمتت صبا تاركة لوالدتها التفسير الذي خمنته من البداية، لتخبر مجيدة عن موضوع الساعة في منزلهم، وذلك لقدوم هذه العريس المزمع غدًا في جلسة التعارف المتفق عليها كما هو معلن، لكن كما ترى من والديها، يبدوا أن الأمر محسوم.
أخرجتها أنيسة من شرودها بالسؤال عن ابنتها:
– هو انا ليه مش شايفة لينا من ساعة ما وصلتوا؟
انزاحت قليلًا من أمام المرأة لتشير لها نحو إحدى الزويا من القاعة قائلة:
– لينا حضرت وجات معانا، اهي هناك دي، اللي بتهزر مع حضرة الظابط.
تطلعت مجيدة هي الأخرى بتدقيق، لتجد اندماجًا بين الطرفين النقيضين، في الحديث والمزاح بل والضحك، لتقطب مغمغمة بذهول:
– ايه هو ده؟ هو انتوا كنتوا في سيشن التصوير مع العرسان ولا كنتوا فين بالظبط؟

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى