رواية وبها متيمم أنا الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيمم أنا الجزء الحادي والثلاثون
رواية وبها متيمم أنا البارت الحادي والثلاثون
رواية وبها متيم أنا الحلقة الحادية والثلاثون
من وقت عودتها من زيارة الطبيبة وهي داخل غرفتها ولم تبارحها قط، تضم بذراعيها نفسها وكأنها تلمتس حنانًا تفتقده، محتجزة داخل ماضيها القبيح والذكريات المؤلمة تنعاد متوالية متكررة دون رحمة، كانت تظن نفسها نجت، حتى وهذه اللعنة لا تفارقها، على الأقل نجت بجسدها، رغم خسائرها الفادحة، يكفيها سنوات العذاب والمحاولات الحثيثة منها في التخلص من هذا الزواج البائس، يكفيها الأطفال التي ضحت بهم اجل الخلاص، وهي الآن تتمنى ظفر أحدهم، حتى وهي نجمة محاطة بمحبة الجمهور وقد من الله عليها بأعظم الرجال وتقريبًا أنجحهم.
بكاء عنيف لا تستطيع التوقف عنه، مع كل لمحة سوداء تمر بعقلها، من تعنيف وجرح في الكرامة وتلذذ بعذابها، ثم هذا الصراخ الذي يفتك بأسماعها:
– زي ما حرمتيني من ولادي، هتعيشي انتي كمان محرومة منهم، انا هخرج من الدنيا وحيد من غيرهم، وانتي كمان، هتفضلي كدة يا نورهان، مش انا بس، انتي كمان يا نورهان.
زاد صوت شهقاتها بنشيج حارق، حتى لم تعي بالغرفة التي انقشع ظلامها وهذا الذي دلف فجأة ليقتلعها من الهاوية التي كانت ماكثة بها، وقد ضمتها ذراعيه بعنف يشدد عليها تستفيق وتعود إليه:
– نور، نوور ، فوقي يا نور انا معاكي، فوقي يا حبيبتي، اسف اني كنت السبب في اللي انتي فيه دلوقتي، سامحيني يا حبيبتي سامحيني.
ظلت على بكائها، وهو يزيد بضمها لمدة ليست قليلة من الوقت، حتى توقف، وقد اكتنفها دفئه، غمرها عطر أنفاسه التي كانت تلفح وجهها في كل قبلة على جبهتها او بين بصيلات شعرها في الأعلى، وكلماته الرقيقة تطن في أذنها:
– بس يا قلبي انا معاكي، اهدي يا نور عيوني، مفيش حاجة تزعلك تاني طول ما انا موجود، انا جمبك يا روحي، انا جمبك.
تنهدت ببعض الراحة وذراعيها التفت حول خصره، ليخرج صوتها اَخيرًا:
– أنا بحبك اوي يا مصطفى، وعمري ما ازعل منك، انت نعمة ربنا عليا ورحمته رغم كل ذنوبي.
تنهيدة طويلة خرجت من العمق، سبقت رده على كلماتها:
– محدش فينا خالي من الذنوب يا نور، احنا مش ملايكة ماشية على الأرض.
صمتت قليلًا داخل احضانه، ثم قالت بدون أن ترفع عينيها إليه:
– الدكتورة قالتلك ع اللي الكلام اللي حكتهولها؟
ابعدها بيده ليواجها قائلًا:
– لأ يا نور مقالتش، الدكتورة ست محترمة مبطلعش اسرار المرضى بتوعها، حتى لأقرب ماليهم، الا اذا كان في تفاهم عن كدة.
– يعني انت ميهمكش تعرف؟
سألته والشك يدور برأسها، وكان رد قاطعًا:
– عمر ما هسأل ولا هبحث عن حاجة انتي مش عايزة تقولي عليها، كل كلامي مع الدكتورة بيتلخص في المطلوب، واللي انتي محتاجاه، كانت شكوتها دايما انك رافضة العلاج وبتعتبري الجلسات فرض مكروه عليكي .
بنظرة خاوية اعتدلت تعقب بلمحة من السخرية ومعالم الغضب تعتلي قسماتها:
– ودلوقتي بعد ما اتكلمت وجعلتني ارجع لذكريات….
انا مش طايقاها، رايها بقى اني كدة حلو.
ندمت على اندفاعها فور رؤيتها لتغيرًا سريعًا يطفو على تعبيراته، ليقول بعتاب:
– للمرة الألف بقولك لو مش عايزة تكملي مع الدكتورة انتي حرة، انا مش بغصبك على حاجة يا نور، تحبي اتصلك بالدكتور حالًا ابلغها قرارك؟
– لا يا حبيبي متعلمش.
توقفت برهة، ثم تابعت وكأنها تحدث نفسها:
– برغم كل الوجع اللي حسيته بعد ما اتكلمت بس انا…… بقى عندي شيء غريب جوايا دلوقتى بيدفعني اكمل، حتى والكلام بتعبني برضوا عايزة……. افضفض، على الرغم ان الكلمة دي مكنتش مقتنعة بيها نهائي قبل كدة.
❈-❈-❈
بخطوات متسارعة وكأنهن في سباق من تهبط الدرج اولا لتلحق بهذان المتناحران وصوت شجارهم يصل إلى خارج المنزل:
– احترم نفسك يا كارم ، وراعي اني مستقبلك في بيتي ومش عايز اغلط فيك.
هتف بها طارق يواجه خصمه الذي كان يقف متخصرًا، بشر يفوح من كل خلية بجسده، ورد بلهجة تفيض بالكره:
– وانا مش طالب استقبالك، ولا عايز ادخل بيتك من أساسه، انا عايز مراتي، اقولها كام مرة عشان تفهم.
وصلت كاميليا، فكان صوتها بقوة لم تغب عنها حتى بعد مرور هذا العدد من السنوات:
– مراتك تبقى اختي يا استاذ انت، يعني مهياش في بيت غريب ولا مع ناس غربا عشان تتعامل معانا بالشكل ده.
رد موجهًا كلماته لها بتهكم واستفزاز:
– كدة في يوم وليلة بقت اختك وصاحبة بيت كمان!
هذه المرة جاءه الرد منها نفسها:
– ايه لزوم الخناق يا كارم؟ اختي وجوزها محدش فيهم غلط فيك.
– إنتي كمان هتقولي اختك وجوزها؟
صاح بها بصوت عالي كالزئير، ليجفلها بهذه النظرة العدائية نحوها، وكأنه لا يصدق قولها، لا يطيق أن تصدر العبارة منها هي، بعد كل ما فعله من أجلها.
ارتدت بأقدامها للخلف خوفُا وهلعًا منه، حتى التفت كفي شقيقتها حول أكتفاها بحماية ترد على كلماته:
– أيوة اختها يا كارم، ومهما حصل وفرقتنا الأيام كان مسرينا برضوا هنرجع لبعض، رابطة الدم اقوي من أي شيء في الدنيا، مهمها انت انكرت وبالغت في تضخيم الفرقة ما بينا.
سمع منها وازداد تطرفه حتى اندفع فجأة يجذبها من كفها قائلًا بتملك:
– تعالي يا رباب نتفاهم في بيتنا وسيبك من الكلام الفارغ ده……
هتفت به كاميليا وبيديها أمسكت بشقيقتها توقفه:
– سيب البنت، دي مش طريقة تفاهم دي.
طارق هو الاَخر تصدر بجسده ليصير حاجزًا بينه وبين رباب قائلًا بخشونة:
– انا لحد دلوقتي ملتزم معاك ضبط النفس، ما تخلينش اعاملك باللي تستاهله.
– طب وريني هتعمل ايه؟
هدر بها يخرج سلاحه الناري المرخص من جيب بنطاله الخلفي يصوبه للأعلى مهددًا:
– ما تخلونيش اعمل مجــ زرة دلوقتي، وانتوا عارفيني مجنون ولا ها يهمني.
– مجنون على نفسك.
صرخت بها كاميليا وهم زوجها ان يرد بغشم يماثل فعل الاخر ولكن رباب كانت الأسبق بترويضه، رغم الرعب الذي زحف بقلبها:
– بلاش يا كارم العنف، مفيش حاجة تستدعي اساسًا.
رد بغضب وطاقة العنف بداخله تنشر ذبذباتها في الأجواء:
– خلاص يبقى تعقلي وتيجي معايا من غير كلام.
لهجته المتسلطة استفزت كاميليا حتى جعلتها على وشك الهجوم لتقتص منه غير مبالية بالتوابع ولكنها تفاجأت بفعل شقيقتها التي ردت برقة تقارب الرجاء:
– يا كارم انا اعصابي تعبانة، عايز اغير جو يمكن اعود لطبيعتي، ولا انت ناسي اللي حصلي، ولا باللي كان هيجرالي؟
بلهجتها اللينة استطاعت التأثير به، حتى ارتخت يده عن مسكها ورد بلهجة خفت حدتها عن السابق:
– وان شاء الله تغير الجو ده هياخد قد ايه؟ خلي بالك انا معنديش صبر.
خرج الرد من كاميليا التي كانت على وشك الأنفجار:.
– هي جارية اشترتها، افهم بقى بتقولك تعبانة، يعني تخلي عندك دم وتديها وقتها ع الأقل .
عاد لشراسته مرة أخرى، حتى هم أن يستعيد عنفه السابق ولكن زوجته منعت نشوب الحرب من أولها، وخاطبته بمهادنة:
– هحاول متأخرش يا كارم، بس انت كمان متضغطش عليا، وابقى شاكرة اوي لو تجيبلي الولد.
ردد خلفها بحدة متسائلًا:
– انتي كمان عايزاني اجيب الولد هنا يا رباب؟
ردت كاميليا تزيد من حنقه:
– وماله هنا بقى؟ هو داخل عند ناس اغراب؟ دا بيت خالته على فكرة.
اضاف على قولها طارق ببعض اللطف مرحبًا:
– وانت برضوا لو حبيت تزورها، البيت مفتوح لك في أي وقت يا كارم.
بقول الاَخير كانت نهاية النقاش، نفض كارم سترته بعنف بعد ان وزع انظاره على الثلاثة، ليذهب ساحبًا شياطين غضبه معه، وتبقت رباب برفقة طارق وشقيقتها التي خرج صوتها بغضب نحوها:
– ممكن افهم بقى، ايه الضعف اللي بتتكلمي بيه مع الراجل ده؟ هو اشتراكي؟ ما تفوقي يا بنتي وخليكي قوية قدامه.
صمتت قليلًا رباب قبل أن تفاجأها بردها:
– كارم مش وحش هياكلني، دا جوزي، وعلى فكرة بقى، هو مش سيء اوي لدرجادي يعني.
بللت شفتيها تراقب رد فعل كلماتها على وجه شقيقتها التي عصف بها الذهول حتى لجم لسانها عن الرد، وطارق الذي غلفت صفحة وجهه لتُصبح غير مقروءة على الإطلاق، وتابعت مخاطبة الاثنين رغبة في الذهاب:
– عن اذنكم بقى اروح اريح شوية في اوضتي.
ردد طارق من خلفها:
– ماشي يا رباب، روحي ارتاحي على ما يجي وقت العشا نندهلك بقى عشان تدوقي أكلنا.
اومأت له برأسها وغادرت بعد أن خطفت بنظرة نحو شقيقتها التي تسمرت محلها، ثم ظلت تراقبها وهي تصعد الدرج اللولبي المؤدي للطابق الثاني من المنزل حتى اختفت، لتوجه سؤالها نحو زوجها:
– دي لسة بتدافع عنه؟
رد بابتسامة تخلو من المرح وهو يستدير عنها نحو مقاعد البهو:
– بتقولك انه مش وحش ولا هياكلها، خلاص بقى يا كاميليا.
❈-❈-❈
– سامية! سامية مين؟
قالتها صبا مرددة الأسم بتساؤل، وعينيها تمشط الفتاة من حجاب رأسها في الأعلى الذي كان عائدًا لنصف شعرها الناعم، ثم زينة وجهها المتقنة بحرفية جعلتها تبدوا غاية في الجمال، ثم ملابسها العصرية بأناقة لا تخلو من ضيق على بعض المناطق من جسدها، لتظهرها بوضوح فج، حتى وصلت لحذاء قدمها في الأسفل، بتأمل مكشوف؛ جعل الفتاة تميل برأسها لتسألها بضيق:
– وانتي مالك؟ بتسألي ليه، انتي مين أصلًا؟
اندفعت الدماء برأس صبا، شاعرة بالإهانة فهذه الفتاة تعاملها بعجرفة وكأنها وارثة مع أهل المنزل،
همت ان تقارعها بعنف، لتريها من هي صبا، ولكن الاَخر كان قد أتى على الصوت، يحمل ابنة شقيقته فوف ذراعه، فقال مرحبًا بوجهه البشوش كعادته:
– صبا، واقفة ليه عندك؟ ما تدخلي.
انتهزتها فرصة لتصب سخطها نحو هذه الفتاة:
– الهانم اللي واقفة معوجة جدامك دي، هي اللي منعاني وبترد عليا من فوق مناخيرها.
شهقت الفتاة ضاربة بكفها على صدرها تخاطب شادي بدفاعية:
– والله ما عملت حاجة، دا هي اللي واقفة متنحة قدامي، وانا بسألها عن اسمها.
سمعت منها لتبرق عينيها بشراسة جعلت لسانها ينطق بلكنة الجنوب وبانفعال قلما يصدر منها:
– يخرب بيت ابوكي، مين يا بت اللي متنحة؟
– يا لهوي ياما، هو انتي هتاكليني ولا ايه؟
هتفت بها المدعوة سامية، أما عن شادي فقد اخفى بصعوبة ابتسامته ملحة، ليتصنع الجدية في قوله:
– مفيش داعي للنرفزة يا صبا، ادخلي الأول بدل وقفة الباب .
ردت بتحدي ادهشه:
– مش جبل ما اعرف مين دي؟
تخصرت الفتاة ترد بميوعة قاصدة كيدها؛
– لتاني مرة بقولك، انا سامية يا حبيبتي، انتي بقى اللي مين؟
تحول غضبها نحوه هو متسائلة ببعض من الحلم قبل أن تفتك بها:
– شايف الاستفزاز، يعني اخلص عليكي دلوك؟
هذه ألمرة لم يقوى على كبتها، فتبسم بعرض فمه، ليزيح بخفة سامية عن المدخل، قبل أن يجذب الأخرى من كفها حتى ادخلها واغلق الباب ، ثم رد يجيبها:
– دي تبقى سامية، بنت خالي وبنفس الوقت تبقى عمة ولاد اختي .
قالها قبل ان يصل صوت الأخرى:
– متقولش كدة يا شادي لتفتكرني كبيرة وانا أصلًا تلاقيني اصغر منها.
افتر فاه شادي لثانية وقد كان على وشك الرد ليُفحمها، فهو الأعلم بعمر كل واحد منهن، ولكنه عاد لعقله محدثًا صبا التي كانت على حافة الإنفجار:
– بقولك إيه يا صبا، انتي جاية تسألي على رحمة صح؟ ادخلي هتلاقيها في أوضتها.
خطفت نظره حانقة نحو الفتاة قبل ان تذعن لقوله مرددة:
– عشان خاطر رحمة بس، عن اذنكم.
❈-❈-❈
– الف سلامة عليكي يا رحوم، مالك بس؟
قالتها صبا ممسكة بيد الأخرى، والتي كانت مستلقية على ظهرها فوق الفراش، وردت ممازحة رغم تعبها:
– اتقلب حالي يا ختي، اهي دي جزاة الست اللي تقل عقلها وتحمل بعد ما تخلف عيلين.
بضحكة شقية من صبا ردت تناكفها:
– بجى على عيلين وفرهدتي، امال امي انا اللي مخلفة ستة قبلي تعمل ايه، ولا عمتي فوزية، اللي ابو جوزها مات النهاردة، دا دي لوحدها مخلفة تسعة ما شاء الله يسدوا عين الشمس .
– يا اختي اللهم بارك، بس ناس زمان كان عندها صحة، مش زي صاحبتك، اللي من عيلين بس فرهدت وسلمت نمر، بقى من الشهر الأول انام على ضهري، وانا لسة قدامي شهور.
قالت صبا بمشاكسة وابتسامة تداعب ثغرها:
– ولما انتي عارفة كدة مش كنتي تاخدي بالك، حرصي بجى ع العيل المتعب ده، وخلي بالك لا تعمليها تاني.
هتفت رحمة بصوت أضحكها:
– يا ختيييي اعمل فين تاني كمان؟ توبة من دي النوبة اسمع لكلام المنيل جوزي، كل اللي عليه، عايزين نخاوي العيال، ووقت الجد بشيل انا الهم وحدي.
ربتت صبا على كفها برقة تدعمها:
– معلش يا ستي ربنا يقدرك ويقومك بالسلامة، ما هي العيال رزق برضوا.
اومأت رحمة باقتناع ولكن قد خبأت ابتسامتها لتقول:
– مكدبش عليكي انا بهزر اه، بس ربنا بس هو اللي عالم بحالي، اصلي رقدتي دي زودت على اخويا، يعني مش كفاية مسؤلية امي عشان ازود عليه انا بهمي
– متقوليش كدة، بعد الشر عليكي من الهم.
قالتها صبا ثم عادت بإدراك مردفة:
– طب معلش يعني في السؤال، هي البت اللي اسمها سامية دي، لازمتها ايه هنا في البيت؟
رحمة وابتسامة عابثة لاحت على صفحة وجهها مع تفكير افقدها تركيزها في الرد:
– هي ملهاش لازمة…. قاصدي يعني…… خلتيني اتلخلبطت يا صبا، سامية بتيجي تطل عليا وعلى ولاد اخوها، اصلها بقت تقريبًا ساكنة مع جوزي في شقتنا، توضب الشقة تحت وتحضر حاجته، قبل ما تطلع هنا وتطل عليا، وو كتر خيرها يعني بتحاول تشوف اللي محتاجاه.
رددت صبا خلفها متسائلة بامتعاض:
– وايه بجى اللي انتي محتاجاه والهانم بتعملهولك؟
زاد اتساع ابتسامتها في الرد بمكر:
– يعني مثلًا في مشاوير الدكتور، ورعاية الولاد ولو عاملة اكلة حلوة تيجي تجيبها وتدوقني.
خرج صوت صبا بحدة على غير ارادتها:
– مشاوير الدكتور دي حاجة واجب عليها على فكرة، مش اخت جوزك، وحتى حكاية الولاد برضوا، رغم ان انا شايفة شادي دلوكت هو اللي شايل البت مش هي.
زادت رحمة بخبثها:
– لا ما هي مش فاضية دلوقتي، اصلها دخلت المطبخ تروق المواعين بعد العزومة، اصلها جابت صنية اكل عملاها كلها بنفسها.
– عزومة وصنية أكل كمان؟ ليه هي كانت عاملة ايه بالظبط؟
تسائلت بفضول وملامح وجهها تقلصت بغيظ، وردت رحمة بابتسامة مستترة:
– لا هي كانت عاملة كتير صراحة، رقاق باللحمة المفرومة وفرخة مشوية، دا غير المحاشي.
غمغمت صبا تردد داخلها الاصناف المذكورة، وشيء من الحقد يكتنفها، أن تجيد هذه الفتاة صنع ما تفشل فيه دائمًا، بالإضافة لهيئتها المبالغ فيها من الأهتمام بالنفس، وكأنها…….
– ساكتة ليه يا صبا؟
سألتها رحمة حين طال صمتها، وتحمحت هي تجلي حلقها، في محاولة للرد بزوق لتخفي هذا الشعور بداخلها:
– لا يعني……. اصلك لما جيبتي سيرة الأكل فتحتي نفسي إنا كمان، اجوم احصل ابويا زمانه وصل عشان اتغدى معاه انا وامي.
– يا ريتك قدمتي، كنتي اكلتي معانا.
قالتها رحمة بتسلية وقد اعجبها الوضع، وكان رد صبا أن أومأت لها بابتسامة صفراء زادت من مرح الأخرى، وقالت على مضص:
– معلش ما ليش نصيب ادوق انا الأكل الحلو ده، بألف هنا وشفا.
ضحكت رحمة مرددة قبل أن تلتفت على طرق باب الغرفة
– الله يهنيكي.
همت صبا أن تغادر ولكن اقدامها توقفت فور ولوجه الغرفة حاملًا الإبنة الصغرى لشقيقته، يردد بمزاج رائق:
– تعالي يا رحمة شوفي بنتك، بتقول انها هتعيش معايا دايمًا وخلاص استغنت عنكم .
استجابت رحمة تشهق متصنعة العبوس مرددة:
– اخص عليكي بت، بقى بتبيعي. امك وابوكي في اول ملف،
ضحكت الصغيرة تدفن رأسها في حضن خالها، حتى اقتربت منها صبا تداعبها بعفوية:
– اخص عليكي انتي يا ست رحمة، دي شوشو دي احلى فيها جلة الأصل، ولا ايه يا شموسة، تيجي معايا شوية نلعب مع بعض ع التليفون.
سمعت الطفلة لتومئ رأسها بحماس وارتمت بعفوية على صبا التي تلقفتها من ذراعي شادي الذي انتفض وكأن ماس كهربائي صعقه فور أن تلامست كفيه بكفيها دون قصد، ومن هذه المسافة بهذا القرب، ارتد على الفور عن الإثنان متحمحمًا حتى يجلي حلقه عائدَة للمزاح:
– يعني خلاص يا ست شمس، نسيتي خالك.
تطلعت إليه الصغيرة مبتسمة بدلال قبل أن تريح رأسها على كتف صبا التي ضحكت لعفوية الطفلة، فعقبت والدتها:
– شوفت اهي باعتك، عشان متشوفش نفسك عليا تاني.
تطلع شادي نحو الصغيرة ذات الثلاث سنوات، متجاهل النظر نحو من تحملها، ليمرر كفه الكبيرة على شعرها القصير بحنان قائلًا:
– معلش يا ستي انا راضي، حبيبة خالها بتلف تلف وترجعله.
قطبت صبا مندهشة العبارة، ثم التفتت للطفلة الصغيرة وشددت بضمتها قائلة بحب حقيقي لها:
– شموسة بتدلع عشان عارفة غلاوتها عندنا كلنا، واللي يلاقي الدلع ميدلعش ليه؟
– على رأيك والله.
قالتها رحمة قبل أن تفاجأ بشقيقة زوجها تقتحم الغرفة، بعد طرقها للباب على عجالة، لتلج حاملة بيدها صنية عليها عددَا من أطباق الحلوى قائلة:
– انا جيت ادوقوا بسبوستي، ما هو الأكل ميحلاش من غير الحلو ، ولا إيه يا شادي يا ابن خالي؟
قالتها وهي تقترب منه بالطبق الممتلئ، ف ارتد بجزعه يعترض بزوق:
– متشكرين يا سامية على زوقك، بس للأسف، أنا مليش في الحلو اوي، عن اذنك اشوف الشغل اللي ورايا.
قالها وخرج سريعًا، لتلتف هي نحو رحمة تقول بعتب:
– عاجبك كدة، طب حتى يجاملني بحتة صغيرة.
ردت رحمة بابتسامة ضعيفة:
– ما انتي عارفة أكله خفيف اساسًا، يعني مش هيتحمل تاني على الأكل التقيل.
اضافت صبا على قولها باستغلال للموقف:
– دا غير انه جالك ان ملهوش في الحلو، هيبلع بعافية يعني؟!
❈-❈-❈
وفي إحدى الكافيهات
كان جالسا على طاولة وحده في انتظارها، وقد اتخذ موقعه مقابلًا للمدخل، حتى لا تجد صعوبة في البحث عنه، بوقاره المعتاد، واضعًا قدمًا فوق الأخرى بأريحية، غير ابهًا بأي شيء، يغمره الحماس لمقابلة هذه المجنونة ومشاكستها، بعد أن استطاع بحيلة ماكرة منه أن يتخذ موعدًا معها.
صدح الهاتف بمكالمة واردة، اعتقد انها منها قبل أن يخيب ظنه ويجد الأسم الاَخر، تناوله بيأس يستجيب بالرد هامسًا بغيظ:
– ايوة يا ماما، عايزة ايه؟
– ايوة يا نور عيني عايزة اعرف هي معاك ولا لسة ؟
– لا إله إلا الله، موصلتش يا مجيدة اهمدي بقى.
– لييييه بقى؟ يكونش رجعت في كلامها؟
– يا ستي لو رجعت كانت هتبلغني، اقفلي بقى يا ماما، انا مش عايز صوتي يعلى.
– ماشي يا أمين هقفل بس بشرط، تبلغني بكل اللي يحصل بعد ما تخلص المقابلة.
– ويعني انت حد يقدر يخبي عنك يا ماما، دا انت استدرجتيني ولا أجدعها وكيل نيابة، وسحبتي مني كل اللي انتي عايزاه.
– لا يا حبيبي لسة فيه حاجة ناقصة.
– ايه تاني يا ماما؟
– عايزة اسألك، ناوي تديها حاجتها النهاردة ولا هتأجل؟
– ااجل ليه؟ طبعًا هديها حاجتها .
– يا بن الخايبة كدة على طول؟ مش تصبر شوية على ما تاخد وتدي معاها.
– اخد ولا ادي ايه بس يا ماما؟ هو انتي تعرفي عني الاخلاق دي برضوا؟ اقفلي الله يخليكي، ولا اقولك هقفل انا.
انهى المكالمة ثم اغلق الهاتف مدمدمًا:
– وادي التليفون كله كمان يا ست مجيدة عشان اجننك أكتر، ست مفترية بجد.
قال الأخيرة ورأسه ارتفعت نحو التي ولجت لتستحوز على اهتمام معظم الموجودين من أشخاص حوله، من رواد وحتى عمال، على الرغم من هيئتها العملية بملابس محتشمة كموظفة عائدة من عملها، تسير غير مبالية وشعرها يتطاير معها متناغمًا مع خطوتها، تتقدم باتجاهه بصورة تحبس الأنفاس في الصدر، ليتمتم على غير إرادته قبل أن تصل إليه:
– يا وعدي.
– مساء الخير يا حضرة الظابط.
وقف يستقبلها مرحبًا وقد امتدت كفه لمصافحتها:
– مساء الخير يا لينا عاملة ايه؟
– حمد لله .
دمدمت بها وهي تجلس على المقعد المقابل له، وعاد هو لمحله وشعور بالارتباك المفاجئ طفى عليه، ليردف بعدم تركيز:
– ااا يارب تكوني بخير، تحبي بقى اطلبلك حاجة تشربيها؟
ردت بحدة تجفله:
– هو الطبيعي ان اخد حاجتي وامشي، بس انا راجعة من شغلي مفرهدة، اطلبلي أي حاجة بقى ابل بيها ريقي، عصير ولا مية حتى عشان ما كلفكش.
بانشداه لقولها المباغت، ظل فاهه مفتوحًا لعدة لحظات قبل أن يستجمع نفسه، ليرد بأريحية وقد رفعت عنه شعور الحرج:
– لا يا ستي ما يهمكيش، الجيب عمران والحمد لله، اطلبي اللي انتي عايزاه يا لينا.
أومأت برأسها، قبل أن تلتف إلى النادل تشير إليه ليصل إليها وتأمره بالمشروب الخاص بهذا المقهى المشهور، وهو يراقبها صامتًا وكأنه يدرسها، حتى إذا انتهت من مطلبها وذهب الشاب التفت إليه قائلة:
– ها بقى فين حاجتي؟
عقب ساخرًا وقد ادهشه عمليتها:
— كدة على طول؟ طب خدي نفسك الأول حتى.
طالعته صامتة لبرهة ثم تبسم ثغرها تقول بنبرة حيرته بعض الشيء:
– وادي نفسي وخدته خلاص، ياللا بقى طلع السلسلة .
بادلها الإبتسام ليوميء برأسه لها مستجيبًا:
– ماشي يا لينا هطلعها.
ادخل يده في جيب بنطاله ليخرجها بعد ذلك بالسلسال الذهبي، ليرفعه أمام عينيها قائلًا:
– هي دي حاجتك يا لينا.
شهقت تختطفه من يده هاتفة بزعر:
– هي دي اه سلسلتي، بس غايب منها اهم شيء.
بوجه مقلوب يدعي المفاجأة قائلًا بدفاعية:
– ازاي يعني؟ إنتي قولتي ع السلسلة عيار واحد وعشرين واهي قدامك اهي، بالكف الفضي والعين الزرقا عشان الحسد زي ما انا شايف، ايه اللي ناقص بقى؟
– ناقص القلب، دا اهم حاجة فيها.
– يا نهار أبيض، هي فيها قلب كمان؟
– أيوة طبعًا، دا احلى حاجة فيها.
– اممم
زم بفمه متصنعًا العبوس ليقول بتفهم:
– ايوة بس انا دورت في العربية ف لقيتهم متنطورين، جمعتهم وافتكرت ان كدة تمام .
بتأثر ملحوظ اعتلى قساماتها، رددت مرة أخرى بحزن:
– طب والقلب يا أمين؟
– أدورلك عليه من تاني يا لينا.
قالها بشهامة يدعيها قبل أن يشير للنادل ويده على الشيء المفقود في جيب بنطاله، قائلًا:
– يا بني هاتلي انا كمان عصير زي الاَنسة.
❈-❈-❈
في الملهى الذي يجتمعان به كلما سنحت الفرصة للقاءهم، ولج كارم بوجه متجهم ليأخذ مكانه على الطاولة المخصصة لهما، القى التحية على عجالة، يعلو الوجوم ملامحه، وهيئته المتخفزة لا تبشر أبدًا بالخير، انهى عدي حديثه السريع مع إحدى مدراء فندقه يلقي عليه بعض التعليمات قبل أن يصرفه ويعطى انتباهه للآخر:
– إيه يا كارم، شكلك ولا اكنك خارج من خناقة.
شبك الاَخر كفيه ليطقطق اصابعه بعنف قائلًا:
– إنت بتقول فيها، دي بتوجعني اساسًا عشان كدة، عايز افش غليلي واستريح بقى.
فهم عدي مقصده، فسأله بصوت جعله منخفضًا:
– هو انت لسة ملقتش الواد اياه ولا الست اللي كانت معاه؟
رد كازًا على أسنانه:
– ابن الكلب اختفى ولا اكنه فص ملح وداب، لا عند قرايبه ولا أي واحدة من اللي كان ماشي معاهم، ولا الحقيرة التانية كمان، طفشت وسابت أولادها لجوزها واخته يراعوهم، بس مسيريهم هيقعوا في أيدي، انا مش ههدى غير لما اخلص عليهم.
اومأ عدي رأسهِ بتفهم قبل ان يبوح عما يفكر به:
– حقك طبعًا تعمل فيهم اللي انت عايزه، بس انا اللي مستغربله، اللي اسمها جيرمين دي تعمل معاك كدة ليه؟ عايزة تنتقم من مراتك بالشكل البشع ده، هي لدرجادي كانت بتحبك ولا انت هببت معاها ايه بالظبط؟
تغير وجه كارم ليردف بأنفعال غير قادر على السيطرة عليه:
– يعني هكون عملت ايه بس يا عدي؟ انا مكانش بيني وما بينها علاقة حب، وحتى لو كان، هي كانت عارفة بأخرها عندي، ولا عمري عشمتها بحاجة، دا غير انه اصلا ما ينفعش عشان هي متجوزة نجيب؛ اللي هو اساسًا بحالة صحية مش ولا بد، يعني في أي لحظة ممكن يموت وتورث بقى فلوس ماليها عدد، وساعتها تتجوز من تاني بشاب يناسبها واصغر كمان.
اربت عدي بكفه على ذراع كارم في محاولة لتهدئته:
– خلاص متحرقش اوي كدة في نفسك، اللي انت عايزه هيكون، الست دي او الراجل اللي معاها مهما اختفوا اكيد هيتجابوا، ان مكانش من رجالتك، يبقى بالبوليس، او رجالة جاسر وطارق…..
– لا طبعا انا مش عايز حد يجيبهم غيري.
هتف بها مقاطعًا بحدة، ليردف مشددًا على كلماته:
– ما حدش هيجيبهم غيري، انا بس اللي يخصني الأمر، لا جاسر ولا طارق، ولا أي زفت في الكون .
هذه المرة تناول المشروب الذي أمامه يخاطبه بمهادنة:
– ماشي يا سيدي زي ما تحب، خد بس اشرب وانا هطلب لي واحد تاني .
تناول منه ليرتشف محتويات الكأس بجرعة واحدة ثم يدفعها على سطح الطاولة بعنف قائلًا:
– واطلبلي واحد تاني كمان، انا لسة دمي بيغلي وعايز اهدى عشان افكر كويس.
اذعن عدي ليشير للنادل حتى يأتي بطلبهم، ثم عاد إليه سائلًا:
– طيب ورباب، هي عاملة ايه دلوقت؟
اشتدت ملامحه ليرد كازًا على أسنانه:
– رباب افتكرت ان ليها اخت دلوقتي يا عدي، بتقولي ان اعصابها تعبانة وعايزة تقعد عندها، بتسيبني أنا في الظرف الزفت ده .
رفر عدي واهتزت رأسه بسأم يعقب على كلماته:
– طب وفيها ايه بس؟ ما هو شيء طبيعي ان اعصابها تتعب، اللي اتعرضتلوا مش هين برضوا، خليها تبعد شوية على ما تهدى.
هتف بعصبية ازدادت حدتها:
– وما تهدى وهي معايا، تبعد عني ليه؟ انا اللي اقدر اهديها وانا اللي اقدر اجيبلها كل اللي هي عايزاه، انا اكتر واحد فاهمها، دي مش مراتي وبس يا عدي……. دي …….
توقف يمرر بكفه على شعر رأسه للخلف، مغمضًا عينيه بتعب، رمقه الاَخر لعدة لحظات صامتًا، يرى الجانب المخفي من كارم، هذا الجانب الذي لا يستطيع الفرد كبته مهما حاول ومهما كان متحكمًا او حتى مستبدًا، تفضحه مشاعره مع اول اختبار، جانب ذكره بأمره وهذه الفتاة التي استحوذت على كل تفكيره، فجعلت كل تركيزه منصبًا حول الوصول إليها مهما كان الثمن، طرد كتلة كثيفة من الهواء من صدره ليعاود النظر في سجل هاتفه، والحيرة تعصف برأسه، لماذا التأخير في الرد حتى الاَن؟ ألم يعد يهمها أمر صديقتها؟!
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
خرجت شهد من غرفتها بعد أن تجهزت للذهاب إلى عملها كالعادة، القت تحية الصباح نحو المجتمعين على مائدة السفرة بدون انتباه وقد كان ذهنها مشتت ما بين اتصلاتها بمساعدها للاطمئنان على حالة العمل، والإتمام بحقيبتها على بعض الأوراق الهامة التي سوف تحتاجها اليوم في المقابلة بخصوص التقديم لإحدى المشروعات الحكومية، بمساعدة حسن الذي لا يكف عن استعجالها الاَن:
– يا عم والله نازلة اهو ، روح انت المصلحة بتاعتك واسبقني……. ايوة ما انا بقولك تسبقني هناك عند المدير المسؤل عن المشروع، ظبط معاه لحد اما اجيلك……
قطعت بضحكة مرحة كعادتها كلما ألقى على اسماعها كلمات الغزل بخفة ظله التي باتت تعشقها، لتعقب بيأس:
– انت مفيش فايدة فيك، الست مجيدة دي طلعت فاشلة في تربيتها معاك……… ماشي ماشي يا مؤدب، طب استناني بقى مش هتأخر عليك.
انهت المكالمة والتفت نحو الجالسات أمامها يتناولن وجبة الفطور، لتبادرها رؤى بغمزة وتشاكسها:
– ايوة يا عم المشغول، عقبالنا يارب.
استجابت لها بابتسامة قبل أن ينعقد حاجبها متسائلة بفضول:
– دي أمنية كمان لابسة النهاردة، وراكي مشوار؟
ضحكت المذكورة لتنهض عن مقعدها قائلة:
– هو انتي نسيتي ولا ايه؟ مش انا قولتلك ان انا جاية اشتغل معاكي، وهامسكلك الحسابات بصفتي خريجة تجارة.
– انتي بتتكلمي بجد؟
سألتها شهد بعدم تصديق، فهي الأعلم بطبيعة شقيقتها الكسولة والإتكالية في كل ما يخصها من أمور، وعلى نفس القناعة تدخلت رؤى ايضًا قائلة بتهكم:
– يا نهار ابيض، اختي أمنية هتشتغل، دا باين الدنيا اتقلب حالها يا جدعان.
– اخرسي انتي.
هتفت بها أمنية نحو شقيقتها قبل أن توجه خطابها لشهد:
– لما اتكلمت امبارح معاكي مكنتش بهزر، عشان انا مصممة اتحمل المسؤلية زيك، ولا انتي فاكرانا هنتسنى لما تتجوزي ونتوحل في الهم لوحدنا، أو نستنى فضلتك علينا .
ليست كلماتها ولا تفكيرها، هذا ما استنبطته شهد على الفور، وهذا التحفز من ناحية الأخرى نحوها بتصميم على فعل ما تريد، بالطبع لو واجهتها الاَن بما يدور بعقلها، سوف تستغل بغباءها وتضخم الأمر، وهي ليست بالحمقاء حتى تعطيها الفرصة هي ومن يدفعها لذلك.
اثناء صمتها تدخلت نرجس تلطف كعادتها:
– معنى كدة انها عايزة تساعدك يا شهد ، ربنا يخليكم لبعض ما انتوا اخوات وهي عايزة تشيل عنك.
بابتسامة جانبية ساخرة ردت توزع انظارها بين الاثنين :
– فعلًا، يعني انتي هتشيلي عني المسؤلية بجد يا أمنية؟
ردت بثقة الحافظ بعدم فهم :
– ايوة طبعًا امال ايه ؟ لا اهو انتي فاكراني غبية يعني، ولا مقدرش اتحمل زيك مثلًا.
– لا العفو طبعا يا حبيبتي.
قالتها شهد لتتابع بتحدي:
– وانا قبلت يا قلب اختك، ومش هشغلك معايا في الحسابات وبس، لا دا انا هدخلك معايا في كله
– يعني ايه؟
سألتها وقد ارتسمت علامة استفهام كبيرة على ملامحها، تجاهلت شهد لتردف بحسم وحزم:
البسي شنطتك يا للا وحصليني، انا هسبقك تحت اسخن العربية، ياللا
❈-❈-❈
في مقر عملها بداخل الحجرة التي تجمعها برئيسها في القسم، والذي لا تعلم سر تغيره هذه الفترة معها، كانت تعمل وعينيها تتجه نحوه كل دقيقة، صامتًا بوجوم، بتركيز شديد على حاسوبه او الملفات الورقية التي امامه على سطح المكتب، كأنه لا يراها، حتى ان تطوعت وسألته يجيبها باقتضاب بدون أن يكلف نفسه حتى بالنظر إليها ، لا ترى منه هذا الإهتمام الذي كانت تلتمسته على أقل شيء، تدخله الدائم في أي امر يشغلها بحمائية منه، تتقبلها منه بترحاب لا تعلم سببه، ترى ما الذي غيره نحوها؟
– سامية؟
لم تشعر انها اردفت بالأسم بصوت واضح سوى بعد ان التفت إليها سائلًا:
– انتي بتكلميني يا صبا؟
نفت بهز رأسها:
– لا لا دا انا افتكرت حاجة كدة .
اومأ ليعود لعمله وكأن شيئًا لم يكن، وتعود هي لأحباطها قبل ان يلتفت الإثنان على اقتحام إحدى العاملات بالفندق، تنادي بإسمها
– اَنسة صبا.
– نعم.
قالتها كسؤال وجاء رد المرأة:
– مستر عدي رئيس الفندق عايزك.
– ايه؟
– بقولك مستر عدي مستنيكي في مكتبه، عن اذنك.
قالتها المرأة وخرجت، تتركها في تخبطها، وقد أجفلتها بهذا الأمر المستفز أمام شادي رئيسها والذي ادعى انشغاله دون أن يهتم بسؤالها حتى، لتبتلع ريقها باضطراب، ثم تنهض صاغرة، تردف بالإذن قبل ان تذهب:
– انا هروح اشوف المدير عايز ايه؟ عن اذنك يا مستر.
– تمام .
قالها ويده تدون بالقلم سريعًا على احد الملفات، بارتباك شديد تحركت تجبر اقدامها لتنهي هذا الأمر الثقيل، مقررة عدم تكرار خطئها والتدخل في هذه الشئون مرة أخرى.
وظل الاَخر على وضعه حتى إذا اختفت من الغرفة، خرج عن شعوره ليدفع القلم بطول ذراعه، ثم يضرب بكف يده على سطح المكتب بقوة جعلت معظم الاروق تسقط على الأرض، زافرًا بخشونة وحريق قد شب بصدره، لا يعلم كيف له أن يطفئه
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى بداخل قسم الشرطة وقد كان جالسًا مع زميله يتباحث في أحد الأمور الخاصة بعملهم، ليفاجأ بإجابة السؤال الذي شغله بالأمس، بعد رؤيته الغريبة لابن عمه في طريق مغادرته، قبل أن ينشغل بموضوع صبا وصديقتها، ثم الاَن وقد علم الأمر برمته، بشيء من صدمة اعتلت ملامحه عاد بالسؤال مرة أخرى:
– انت متأكد من الكلام دا يا عصام؟
رد الاخير بثقة كاملة:
– يا فندم ما انت عارف انا مش بجيب حاجة من دماغي، دي كلها تحريات وشهادة شهود اولهم اخو الضحية، دا غير الكاميرات، وهروب الست المتهمة والراجل الحارس، كلها دلائل مُثبتة.
باضطراب غير عادي مرر كفه على أطراف فكه بتفكير عميق، عقله لا يستوعب ان يحدث هذا الشيء مع فرد من عائلته الكريمة، خصوصًا هذا الشق المتعجرف بها، فرع الأغنياء والمناصب الهامة، لا بل وأهمهم على الإطلاق، كارم رجل الأعمال ابن اللواء حمدي فخر، والأكثر من هذا هو ان الأمر يخص زوجته، اول فتاة أحبها وأول من جرحته في كرامته، بعد أن استهانت به وكأنه لا يستحق حتى النظر إليه، هذا الأمر الذي جعله يظل لفترة طويلة من الوقت صارفًا النظر عن النساء والزواج عامة، الأمر الذي ذهب بظن والدته وشقيقه ان عقدته كان بحبها، ولم يصل إليهم ان الجرح كان في كرامته، عزة نفسه التي منعته حتى بشرح وجهة نظره لهم، كاتمًا ما يألمه داخل صدره، حتى لا يزيد عليهم.
– امين باشا، هو انت سرحت ولا ايه؟
قالها عصام ليقتلعه من افكاره البائسة، فرد ممازحًا:
– يعني وما اسرح يا سيدي براحتي، هو انت مراتي وهتشك فيا؟
ضحك الاَخير قائلَا بأدبه المعتاد:
– لا يا باشا طبعًا وانا اقدر، تحب نكمل اللي علينا .
اعترض ينهض عن مكتبه منهيًا الجلسة بقوله:
– لا بقى خليها وقت تاني، انا معايا مشوار مهم .
– مشوار ايه؟
تسائل عصام قبل أن يفاجأ برئيسه الذي هتف على احد الرجال العاملين معهم:
– عسكري مدبولي، تعالي هنا بسرعة.
دخل الرجل على الفور يؤدي التحية العسكرية، قبل ان يأمره أمين:
– روح ع الحجز وهاتلي السجينة اللي اسمها مودة، وجهز نفسك عشان انت رايح معانا مشوار.
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)