روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الثاني والعشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت الثاني والعشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الثانية والعشرون

الفصل الثاني والعشرون
بوجه مشرق وهيئة تخطف النظر إليها كالعادة، ظهرت اخيرًا، تدلف من مدخل الفندق مع هذه الفتاة صاحبتها، بالابتسامة الرزينة تبادلها الحديث في أمر ما كانت مندمجة فيه، حتى تفرقتا كل واحدة نحو قسمها، لتتخذ طريقها نحوه، في اتجاه الغرفة التي تعمل بها، هل هذا اشيتاق ام هو شيء أمر منه، لا يصدق انه يشعر بهذا الألم، لقد سافر واجبر نفسه على مصاحبة أجمل النساء في البلدة التي مكث فيها لعدة أيام، ومع ذلك لم تخرج من تفكيره ولو لدقيقة، حتى وجد نفسه يعود على الفور، ليقضي ليلة الأمس ساهرًا حتى الصباح وقد جفى النوم جفونه، ليجلس منذ السادسة هنا في انتظارها، ليُملي انظاره منها ومن جمالها الجاذب، بشخصية تختلف عن جميع النساء التي قابلها أو سمع عنها، عنيدة كالصخر، بشجاعة تنقص العديد من الرجال، لا يدري من أين ظهرت له؟
أما صبا والتي تفاجأت برؤيته، إكتنفها شعور غريب بالقلق فور أن وقعت عينيها عليه، وقد مرت ايام عديدة لغيابه منذ رفضها للعمل سكرتيرة في إحدى شركاته، فقد اختفى بعدها، ولم تراه، ولا تعلم ان كان سافر او التهى في باقي أعماله العديدة كما تسمع، ولكنها كانت تشعر بالراحة في غيابه، أما الاَن وقد عاد ليتخذ مقعده في نفس الركن القريب من طريقها، يحدق بها بهذا الشكل السافر، لا تتأمل خيرًا في القادم على الإطلاق، أبدًا.
❈❈-❈
لقد وجدها، وجدها اَخيرًا، في غرفة طفله، بعد بحثه عنها في غرفتها والأماكن التي تتواجد بها، جالسة على فراش الصغير تصفف له شعر رأسه الكستنائي الجميل، والمربية تقف بالقرب تتابعهم، تحمحم ليلفت النظر إليه من الثلاثة، قبل أن يشير إلى المرأة لتخرج، وجلس هو بجوارهم ، داعب شعر الطفل يقبله اولا ثم وجه الحديث إليها:
– صحيت من النوم ملقتكيش يعني.
بشبه ابتسامة رمقته سريعا لتجيبه، وفرشاة الشعر ما زالت تمررها على راس الطفل:
– عادي يعني، صحيت بدري، قولت اجي البس عموري واعمله تسريحة تجنن عشان لما حد يسأله عنها في الحضانة، يقولهم مامي هي اللي عملتها، ولا ايه رايك يا قلب مامي؟
اومأ الطفل لها بابتسامة، لتميل عليه وتقبله من وجنتيه المكنتزين أمام زوجها الذي كان يطالعها رافعًا حاجبيه، وانتظر حتى انتهت وانصرف الولد ذاهبًا لحضانته، ليقول متهكمًا:
– عمار باينه انبسط قوي من التسريحة، أكيد النهاردة هيبقى يوم مميز في تاريخه.
سمعت لتضيق عينيها بغيظ قائلة:
– مفيش داعي للتريقة على فكرة.
ضحك يزيد عليها ببروده قائلًا:
– أنا مبتريقش، انا بس مستغرب هرمونات الأمومة اللي هبت في يوم وليلة كدة.
هتفت بحمائية وانفعال، فقد بالغ في استفزازها بقوله:
– هرمونات! إنا مامة عمار حقيقي يا كارم، حتى لو مش لاقية الوقت الكافي اني اقضيه معاه، فدا برضوا ميدكيش الحق أنك تستهزأ.
اصدر صوت طقطقة بفمه، ليداعبها بطرف سبابته ويخاطبها بهدوء:
– ليه بس التنشنة والزعل، إهدي يا بيبي، دا انا بهزر معاكي.
لف ذراعيه حول خصرها من الخلف يقربها إليه متابعًا:
– يعني دا الحق عليا عشان قومت من نومي مشتاقلك، وفضلت ادور عليكي في الفيلا كلها واسأل الخدم لحد ما عرفت انك هنا.
مرر بشفتيه على جيدها المكشوف من فتحة بلوزتها الواسعة، وعلى رقبتها أيضًا يقبلها، حتى همس بجوار أذنها بإغواء:
– ايه يا قلبي؟ هو انا موحشتكيش؟ ولا انتي مش ملاحظة ان احنا بعاد عن بعضنا بقالنا ايام؟
حاولت فك تشنجها لتغتصب استجابة معه، وذهنها تدور به الأفكار بحيرة فتتسائل، كيف له أن يكون بهذه الحرارة معها، ويخونها مع امرأة أخرى؟ كيف لها أن تصدق كلمات العشق التي يلقيها على مسامعها، وذهنها مع المرأة التي خانها معها؟ ومن أين لها الإندهاش أو الحيرة؟ وهي لم تكن الاولى له، بل هو معتاد على ذلك من قبل حتى معرفته بها بزمن، تذكرت كلمات شقيقها ليتحفز عقلها في الاستفادة بأكبر قدر منه في الجانب الوحيد المتبقي لها، وهو المال
أنتزعت نفسها عنه فجأة ليناظرها باستغراب، فخرج صوتها بارتباك:
– اا بصراحة افتكرت دلوقتي ميعاد عيد ميلادي اللي قرب، نفسي تبقى هديتك ليا اكبر من كل السنين اللي فاتت، انا عايزة مصر كلها تحسدني عليها.
ضيق عينيه باستفهام متسائلًا بعصبية:
– يعني عايزة ايه؟ جيبي م الاخر:
– عايزة يخت زي بتاع الممثلة اياها، ويتعمل فيديو وانتي بتقدمهولي وانزله على حسابي والمتابعين يشيروه في كل حتة.
تبسم يوزن بعقله طلبها الجنوني، وقد راقه العرض، يضحك عليها به وبنفس الوقت تكن دعاية هائلة له، حتى ينتشر اسمه كرجل أعمال ناشيء يقدم هكذا هدايا لزوجته، فيصبح الحديث عنه علكة في الأفواه، صغيرته الجشعة، من أين تأتي بهذه الأفكار؟
اومأ بضحكة متوسعة يجيبها:
– وهعزم في الحفلة اجمد رجال الأعمال في مصر كمان، ايه رأيك؟
هللت بمرح لتلف ذراعيها حول رقبته تبادله بلهفة مصطنعة جموح قبلاته البرية، لتشعل جنونه بها، فيزيد بضمها، ويده تزداد جرأة عليها، حتى إذا وصل إلى نقطة الا عودة، ابتعدت فجأة، ليطالعها لاهثًا بأعين توحشت بالرغبة، فقالت بدلال وقد قررت تعظيم استفادتها منه:
– حاجة تاني كمان، بس ياريت وحياتي عندك متكسفنيش.
لم يثنيها تجهم وجهه واشتعال عينيه، وقد بدا أنه على حافة الأنقلاب للوجه الاَخر، فزادت على نعومتها بأن أراحت كفها على صدره، لتتمتم بالرجاء، وضعف الأنثى التي تصل إلى مبتغاها بحنكتها:
– عايزة ابني النهاردة يبقى معايا يا كارم، ارجوك يا قلبي ، تخلي مشوار مامتك ليوم تاني، انا زهقانة من كل حاجة، وعايزة العب مع الولد شوية، ممكن.
❈❈-❈
بداخل غرفتها وهي تتناول شيئًا من خزانة الملابس لترتديه من أجل المقابلة الثقيلة على قلبها، لكنها مضطرة لها، واليد الأخرى تمسك بالهاتف على أذنها تتحدث به:
– يا ست مجيدة، الأمر دا كان واجب عليا أنا مش عليكي……. تشكري يا ستي، والله ما انا عارفة اودي جمايلك عليا انتي والست أنيسة فين؟…….. حاضر حاضر مش هقول كدة…. عيوني هجيبها معايا، ماشي……
انهت المكالمة لتزرر أكمام القميص الذي ارتدته سريعًا ثم لمت شعر رأسها كذيل حصان، لتسحب شهيقًا مطولًا، ثم أخرجته، قبل أن تتحرك مستعينة بالله، في ضبط أعصابها:
– يارب عيني وقويني،
خرجت منها قبل التحرك متجهة نحو الصالة؛ المنعقد بها الجلسة العائلية بقيادة عابد الورداني والذي ما أن رأها نهض عن كرسيه يتلقفها مهللًا:
– بسم الله ماشاء الله عليكي يا ست البنات، حمد الله على سلامتك يا بنتي.
اقتربت تصافحه بابتسامة مرحبة:
– الله يسلمك يا عمي، تشكر ع السؤال.
رد عابد وهو قابضًا على كفها، واليد الأخرى يتحدث بها بانفعال:
– سؤال ايه بس يا بنتي دلوقتي؟ انا كان نفسي اجيلك ع المكان اللي كنتي فيه واعمل الواجب بحق، واسألي اختك كام مرة انبه عليها وهي تقولي مينفعش الزيارة، ما كنتي قعدتي بين أهلك وناسك أحسن.
بابتسامة جانبية ساخرة خطفت نظرة بطرف عينيها نحو باقي الحاضرين، قبل أن تجيبه بمغزى:
– معلش يا عمي، ما هو لما الأرض تضيق علينا، لازم الواحد يدور ع المكان اللي يستريح فيه، حتى لو كان المكان ده مش بيته، مكدبش عليك، اصل اللي اتضحلي دلوقتي، هو ان الغريب أحن اوي من اللي بنفتكرهم قرايب وفي بيت واحد واكلين معاهم عيش وملح، منورين.
قالت الأخيرة بقصد واضح وصل لأمنية ووالدتها التي بلعت ريقها باضطراب، وكأن دلوًا من الماء البارد سقط عليها، لا تصدق هذا القصف المباشر من شهد أمام زوج أختها، ووالد خطيب ابنتها، لتتبادل النظر بحرج مع شقيقتها سميرة والدة ابراهيم والذي كان جالسًا في جانب وحده يراقب بتجهم مضيقًا عينيه.
عابد والذي فهم عليها ليلقي بنظرة غاضبة نحوهن ونحو ولده ليقول بضيق:
– معلش يا بنتي، خلي قلبك أبيض وسامحي، دي مصارين البطن بتتخانق.
– دي لما يكونو من بطن وحدة يا عم عابد، اقعد اقعد.
قالتها لتجلس بثقة أمامهم، وقد وضح مقصدها جليًا ليزيد من توتر الأجواء، فخرج صوت سميرة بابتسامة زائفة تخفي احتقانها بالداخل:
– حمد الله ع السلامة يا شهد، الف بركة انك قومتي على رجليكي.
– الله يسلمك.
قالتها شهد مقتضبة بابتسامة صفراء لتلتف برأسها نحو الرجل دون أن تعيرها أدني اهتمام:
– وانت عامل ايه بقى يا حج عابد؟ وايه أخبار صحتك.
– سيبك مني ومن أخبار صحتي، انا جايلك النهاردة وكلي عشم تقبلي وساطتي، ابراهيم جاي برجليه لحد عندك عشان تتصالحوا، دا احنا حبايب ونسايب، ولا إيه؟
سمعت منه لتنقل بنظرها نحو الاَخير تخاطبه:
– اهلا يا ابراهيم.
– اهلا بيكي.
قالها ليتابع بلهجة حادة:
– أنا جايلك النهاردة عشان دي الأصول، ابويا قالي تعالى معايا يا ابراهيم نصالح شهد، قولت وماله يابا، دا انا راجل ومن الواجب عليا اني اكون رؤوف مع اهل خطيبتي اللي بحبها، وكل اللي يجي من ناحيتها، خصوصًا بعد ما عرفت انك تعبتي، اتخانقنا مع بعض، مين الغلطان بقى خلاص مش مهم ، أنا راجل قلبي أبيض
بشبه ابتسامة ساخرة، تطلعت شهد نحو شقيقتها التي افتر فاهاها ببلاهة لحديثه، ثم التفت إليه قائلة:
– كتر خيرك، ما انت بتفهم أوي في الأصول .
استشاط غضبًا لتقريعها الغير مباشر، لتشتد ملامح وجهه، وعينيه تطلق شررًا نحوها، فتدخل عابد يقول ملطفًا:
– ما انا قولتلك يا شهد، انا جايلك واسطة ما بينكم يا بنتي، دول شوية نكد، وبيحصل كتير ما بين القرايب.
صدر صوت أمنية بغباء مدافعة:
– ابراهيم معملش حاجة، مش كفاية انه جاي بنفسه يصالحها……..
– أسكتي أمنية.
هتف بها عابد مقاطعًا لها، ليحدجها بنظرة جعلت الخوف يشل أطرافها، التفت نحو إبراهيم تبتغي الدعم، ولكنه تجاهلها عن عمد، لتغلق فمها مضطرة بأعين دامعة شاعرة بالقهر، وتابع عابد بعدم اكتراث:
– ها يا شهد هتقبلي واسطتي؟
بابتسامة اعتلت ملامحها ردت بثقة تجامل الرجل لتزيد من غيظ الاَخرين:
– العفو يا عم عابد ، دا انا قابلة بالخطوبة نفسها عشان خاطرك، يبقى برضوا اكسفك في حاجة زي دي
هلل عابد بامتنان:
– حلاوتك وحلاوة لسانك اللي بينقط شهد يا شهد، انا بقول م الأول بت بميت راجل، الله يباركلك يا بنتي ويحرسك من كل شر، ويرحم ابوكي زين الرجال، يا خير ما خلف.
❈❈-❈
أثناء عمله الميداني داخل الفندق، تصادف بها تسير بأحد الأروقة وقد عرفها من ظهرها، بخطواته السريعة وصل إليها على الفور يسألها:
– انتي جاية منين يا صبا؟
أجفلت لتكتم شهقتها قائلة بضحكة مكتومة:
– إنت كنت فين؟ وطلعت إمتى؟
تبسم باتساع لفعلها العفوي يقول:
– انا في كل حتى ممكن تلاقيني في الفندق، عملي متشعب ما انتي عارفة، المهم انتي كنتي فين؟
تحركت لتتابع سيرها وهو تحرك معاها، قبل أن تجيبه:
– أصلي كنت في المطبخ عند الشيف منصور.
– وروحتي المطبخ ليه بقى يا صبا عشان تقابلي الشيف منصور؟
سألها بحدة انتبهت إليها، ولكنها تغاضت لترد بلهجة هادئة، ولكن بحرج:
– بصراحة روحت اخد منه وصفة لأكلة نفسي اعملها، وخليته يجولي الطريجة، عشان كل مرة بتبوظ مني.
أثارت فضوله ليسألها باهتمام:
– أكلة ايه دي؟ مش انتي بتقولي ملكيش في المطبخ؟
بدلال فطري بطبيعتها الناعمة والخاصة في كل شيء، ردت تزيد من عذابه في القرب منها:
– ما انا بجيت ادخل دلوكت واحاول، بس بصراحة دايما بفشل، جولت لما اكلم الشيف يمكن يفيدني بشوية نصايح مع الوصفة اللي طلبتها منه.
– وفادك؟
سألها فردت:
– فادني طبعًا دا انا خدت ورجة وجلم، وفضلت اكتب كل كلمة من وراه وعبيت في النوتة كذا صفحة، وهو جالي تعالي كل يوم وانا هرد عليكي حتى لو شغال.
– متروحيش تاني
قالها بحدة وبدون تفكير ، لتجادله معترضة:
– وليه بجى مروحش؟
فاجئته برفضها، وسؤالها المباغت له، فبماذا يرد؟ أيبرر بأسباب يخترعها من عقله؟ أم ايخبرها بالحقيقة، والنار التي تحرقه لمجرد ذكر إعجابها برجل غيره حتى لو كان بقامة وعمر الشيف منصور، فقال بمهادنة”
– يا صبا افهمي، الشيف منصور راجل جميل وزوق مع الناس كلها، وعمره ما يكسف حد، بس دا مش معناه اننا نستغل كرمه ونلهيه عن شغله، ثم تعالي هنا، هو المطبخ دا كان فاضي ولا كان مليان بمئات العمال والطباخين المساعدين.
خرجت الأخيرة بانفعال لم يستطع السيطرة عليه، فتلعثمت هي ترد بخجل:
– هو فعلا كان مشغول جدا، بس عجبني اهتمامه رغم كدة، بس خلاص بقى مش مهم، هبجى اكلمه ع الوتس .
– انتي خدتي كمان نمرته؟
هتف بها بعصبية جعلت صوته يعلو في قلب الرواق المؤدي لغرفة عمله، وردت هي:
– أيوة طبعًا وفيها ايه؟ دا نمرته مشهورة ومعروفة اساسًا، بس هو جالي، انا هرد على أي سؤال تبعتيه، ومش هتجاهل زي ما بعمل مع معظم المتابعين.
– ألشيف منصور قالك كدة؟
قالها وقد توقف فجأة عن السير، وتوقفت هي أيضًا لتجيبه ببرائة، غافلة عن النيران التي كانت تسري بجسده، كحمم سائلة تحرقه:
– ايوة طبعا وفيها ايه؟ دا راجل محترم وكويس جدًا.
قالتها لتطالع الجمود الذي تلبسه، وقد تسمر أمامها دون حراك، انفاس صدره تعلو وتهبط بتسارع مقلق، في محاولة قاسية لضبط النفس، يحجم نفسه حتى لا يحتد أو ينفعل عليها في الرواق وأمام المارة، وكيف له أن يفعل؟ وسحر عينيها يفقده صوابه واتزانه:
– مالك؟ ساكت ليه؟
سألته حينما طال انتظاره، ليعود إلى رشده يخاطبها بحزم:
– أمشي يا صبا أمشي، أمشي عشان وقفتنا هنا اساسًا متنفعش.
سمعت منه لتذعن لقوله بتفهم، كي تتحرك وتسبقه، فغمغم هو من خلفها:
– ماشي يا شيف منصور، حسابك عليا .
❈❈-❈
في غرفة المعيشة وبعد انتهائهم من وجبة العشاء، على مائدة مجيدة التي كانت عامرة بكل ما لذ وطاب، ليأتي الدور الاَن على الحلو، بعدة اصناف صنعتها أنيسة مع طبق الفاكهة، وحديث بمودة صادقة لا يخلو من المزاح والعودة بالذكريات.
– اهو انا بقى، مضحكتش كدة يا ست مجيدة بقالي زمن .
– يا حبيبتي ربنا ما يفرق جمعتنا عن بعض، انا وانتي يا أنيسة كان لازم نلتقي مع بعض من زمان، بصراحة بقى قلبي حبك من أول ما شوفتك .
– وانا كمان ربنا يديم المودة .
قالتها أنيسة لتتدخل لينا بسؤالها الفضولي:
طب انا من اول ما دخلت عندكم، وعيني وقعت ع بلكونة الصالة، وانا هتجنن واسألك، عن مشتل الزهور اللي ماليها، دا شكلهم يجنن.
ضحكت مجيدة بمرح لتنهض فجأة قائلة لها:
– تعالي معايا وانا اعرفك على جميع أنواعهم، دول ولادي اللي براعيهم بعنيا.
تلقفت لينا الدعوة الكريمة بكل سرور لتنهض، فتدخلت رؤى بفعل طفولي:
– طب وانا، ما انا كمان عايز اشوف الورد وانقي واحدة منه.
جلجلت مجيدة ضاحكة، لتشير لها بيدها :
– تعالي انتي كمان معانا، واحلى وردة لأحلى رؤى
ذهبت رؤى لتلحق بهن، فلم يتبقى سوى حسن وشهد وأنيسة التي أمسكت بجهاز التحكم لتُقلب على قنوات الشاشة الكبيرة حتى وجدت أحد الافلام وادعت المشاهدة بتركيز:
– ألله، الفيلم ده حلو اوي.
استغل حسن ليقترب بجلسته نحو شهد ليأخذ فرصته اخيرًا في الإنفراد بها:
– انا مبسوط اوي يا شهد انك قبلتي العزومة، لا يمكن تتصوري فرحتي بقعدتك كدة ع الكنبة جمبي وفي بيتنا دي تسوى عندي إيه.
ابتسمت بخجل وقد أجفلها بقوله، وصدق ما يردف يبدو جليًا على ملامح وجهه الوسيم، فحاولت الرد بلهجة عادية، لتتجنب الإنزلاق معه في حديث بدأ يتخذ منحنى اَخر:
– العفو يا بشمهندس، الكلام ده كان واجب عليا، لكن الست الوالدة بطيبة قلبها سبقت، بس ملحوقة، المرة الجاية عندي ان شاء الله
وصله تجنبها الواضح لمقصده، فتبسم بضعف يتناول طبق الحلو يقول بإحباط بدأ ظاهرًا في نبرة الصوت:
– وأنا في أي وقت هلبي الدعوة يا شهد، حتى لو العزومة حصلت بعد الشغل ما بينا ينتهي.
– ربنا يبارك فيك.
قالتها بحرج وابتسامة باهتة لتتناول طبقها هي الأخرى، تلهي نفسها بالتناول منه، قبل أن تنتبه على نداء مجيدة التي تركت الفتيات في الشرفة:
– ممكن يا شهد، تيجي معايا عشان عايزاكي في كلمتين.
❈❈-❈
بعد أن انتهى دوام عملها، وبدلت ملابس العمل للعادية الأخرى فكانت في طريقها لمغادرة القسم الذي تعمل به، حتى تعود إلى منزلها، برفقة صديقتها وجارتها صبا.
– إزيك يا مودة.
قالتها ميرنا تفاجأها، وقد اعترضت طريقها توقفها، بأن تصدرت بجسدها أمامها، تمنعها عن مواصلة السير حدقت بها مودة بتوتر واستغراب لأمرها، قبل أن تجيبها بعد مدة من الوقت:
– حمد لله يا ستي، كويسة، انتي بقى ايه أخبارك؟
– انا زعلانة على زعلك يا ستي، وحاسة نفسي حمارة اني لبخت معاكي في لحظة غضب وطلعت عن شعوري .
استرسلت بهم مرة واحدة، لتجفل مودة التي كانت تنوي على صدها وقطع الصلة معها، وقد اقتنعت بكلمات صبا بعد شجارهم الاَخير، فقالت بحرج:
– متقوليش كدة، عادي يعني، الخناق ده بيحصل دايما مع الزملا والأصحاب.
– وانا بقى معتبراني زملا ولا أصحاب؟
تلعثمت تردد بأعين تهرب من المواجهة، أمام امرأة حددت طريقها، واتحذت منهجها الخاص بها، فلا تفعل حساب اصول أو اعراف أو حرام أو حلال، بل وتتحدث بثقة عكس من ضاعت بها الثقة لضعف شخصيتها، وترددها في اتخاذ القرارات الحاسمة:
– اا أكيد صاحبتي يا ميرنا، دا انا أكلة في بيتك عيش وملح، وانا بنت أصول وافهم اوي في الحاجات دي.
مالت برأسها لتقابل عينيها بخاصتيها، وتقبض على نظرتها الهاربة لتأسرها، فقالت بلهجة معاتبة يشوبها اللوم:
– بس انا عمري ما اعتبرتك صاحبتي، بالعكس يا مودة، انا من اول ما اتعرفت عليكي وعرفت بظروفك اللي هي مقاربة لظروفي في حاجات كتير، اعتبرتك اختي، عمرك شوفتي اخت عايزة الضرر لاختها، حتى لو حصل سوء تفاهم أو خناق او حتى قطعوا هدوم بعض، برضوا بيرجعوا ويصفو وينسوا، انتي بقى ليه شايلة مني وعايزة تبعدي؟ شايفاني ست وحشة على كلام الست صبا اللي قررت من دماغها ونصبت نفسها حاكم عليا ، عشان ترميني بتهم باطلة، طب انتي شوفتي عليا حاجة بعينك ؟
ابتلعت ريقها باضطراب، فهذه المرأة تحاصرها بحنكة وخبرة تنقصها بسنوات ضوئية حتى تلحق بها،
لتنفي بهز رأسها بتونر:
– لأ بصراحة ما شوفتش حاجة.
تبسمت بانتعاش وهي تفرد نفسها، لتخفف الحصار عنها، وقالت ملطفة بعض الشيء وهي تتلاعب بخصلات شعرها الحريري الغزير:
– انا يمكن اكون شقية، ودي حاجة متعبنيش على فكرة، مش احسن ما ابقى خام، وساعتها أي حد ممكن يضحك عليا بكلمتين ويستغلني، ساعتها مين هيعوضني خسارتي بقى؟ وانا واحدة وحدانيه ومليش ضهر اتسند عليه، لا ليا أب يدلعني ويصرف عليا، ولا جار يشيل ويغطي عليا في الشغل.
مقصدها الاَخير كان جليًا بقوة لتفهمه مودة ، فتطرق رأسها بحزن، وقد لامست كلمات الأخرى الجزء الموجع لها دائمًا، وهو الوحدة وغياب الأهل، وقلة الحظ أيضًا، فخرج صوتها بضعف:
– ما خلاص يا ميرنا، هو انتي لازم تفكريني بوكستي.
اخفت الأخيرة ابتهاجها، لترسم الجدية وقد وصلت لنقطة جيدة معها، فقالت بانفعال تدعيه:
– افهمي بقى، هو انا لو قصدي اقلب عليكي المواجع، هقولك ان انا زيك؟ فكي كدة يا بت وبطلي، انا جاية اساسًا عشان اصالحك، رغم عتبي عليكي برضوا.
ابتسمت مودة بضعف ودون رد، فتابعت بتحفيزها، يالا بقى خلينا في المهم، قبضتي مرتبك ولا لسة؟
هذه المرة اشرق وجهها بابتسامة حقيقية بفرح وحماس تجيبها:
– ايوة قبضت، المرتب حلو اوي، وهقدر اجيب منه حاجات كتير.
– الف مبروك يا ستي وتتهني بيهم
قالتها ميرنا بابتسامة واسعة، لتردف:
– لو لسة باقية ع الاتفاق، انا مستعدة من بكرة او النهاردة حتى، اتسوق معاكي واجيبلك كل اللي يليق عليكي ويخليكي قمر
❈❈-❈
توقف بسيارته، ليترجل منها عائدًا من عمله، بهيبة اكتسبها بحكم وظيفته وحسن أخلاقه قبلها، يسير برزانة، متخذًا طريقه نحو مدخل البناية التي يقطن بها مع عائلته وقد تأخر اليوم بدون قصد منه، وذلك لاجتماعه الهام مع رئيسه، لفت نظره فجأة بعض وجوه المارة وبعض الشباب الواقفين حتى حارس البناية، رؤسهم للأعلى في اتجاه شرفتهم، غلت الدماء برأسه، برؤيته للسبب المؤدي لذلك، وهذه المجنونة الشقراء، تتشمم حزمة من الورود بيدها، بانتشاء جعلها غير منتبهة لهذه الثورة بالأسفل، ومشهدها يبدو كلوحة فنية، ابدع في صنعها فنان مخضرم، زفر حانقًا ليتحمحم، فخرج صوته بزمجرة شرسة أجفلت الحارس ليخفض رأسه، ملوحُا له باحترام، فظل هو على نظرته الخطرة يحدج الرجل بها حتى تخطاه ليدلف داخل المبنى ويختفي داخل المصعد، فيلتقط الرجل أنفاسه اخيرًا، متمتمُا بالحمد انها مرت على خير.
❈❈-❈
فتح بمفتاحه ليلج داخل المنزل، وبخطواته الواسعة اتخذ طريقه نحو الشرفة، وبغضبه يقتحمها، لتشهق رؤى التي كانت جالسة على عقبيها تتأمل أحد الزهور النادرة، وقد فاجئها الظل الطويل لتجفل منتفضة حتى انكسر واحد اخر خلفها مع ارتدادها للخلف أسفل أقدام لينا، لتهتف بزعر:
– يا نهار أبيض دا القصرية انكسرت.
خرج صوت رؤى بارتعاش وقد اصابها الجزع لتسببها عن غير قصد في تحطم هذا الشيء الثمين:
– أنا أسفة والله مكنتش اقصد.
زفر أمين يجلس على عقبية ليلملم المكسور، وينقذ النبتة بزهورها مرددًا:
– متتأسفيش يا رؤى، الغلط كان مني أنا .
– غلط ايه؟
هتف بها حسن وقد أتى على صوت التهشيم بصحبة أنيسة التي ضمتها على الفور إليها، فتولت لينا الإجابة بانفعالها المعتاد:
– الباشا طب علينا زي العفريت من غير احم ولا دستور ، خض البنت فوقعت القصرية وراها.
– انتي تستكي خالص، عشان انتي السبب في كل اللي حصل.
صدرت منه بعصبية وهو يضع النبتة بطينها داخل احد الاصايص الفارغة، فصاحت به معترضة:
– وانا السبب ليه بقى ان شاء الله؟
– عشان وقفتك في البلكونة، لميتي علينا الشارع كله، بيتفرجوا ع الأجنبية الحلوة التي بتشم الورد ومستكنيصة بريحته، في بيت الظابط وآخوه المهندس.
قالها سريعًا فلم ينتبه لما سقط منه في الوسط دون أن ينتبه بأنه غازلها دون أن يدري، اخفت أنيسة ابتسامتها، وخرج صوت لينا بارتباك رغم عنادها المعتاد:
– انا مخدتش بالي م اللي انت بتقوله، بس حتى لو كان يعني، دا ميدكش الحق انك تخضنا كدة.
تحرك فمه، بنية أن يرد، ولكن حسن كان الأسبق:
– خلاص يا جماعة حصل خير، انسو كل حاجة،، يالا بقى نكمل قعدتنا ، تعالي انتي متخفيش.
تفوه بالأخيرة نحو رؤى، ليقبلها بحنو أعلى رأسها مخففًا عنها، قبل ان تذهب مع أنيسة، وتلحق بهم لينا؛ التى رمقته بغيظ كعادتها، وهو لم يقصر في مبادلتها الفعل.
حتى خلت الشرفة على الشقيقان ليحدجه حسن بقرف قائلًا:
– روح شطف نفسك من الطين اللي بهدل هدومك، وتعالى حصلنا.
اومأ برأسه ينفض كفيه سائلًا:
– والدتك فين يعني مشوفتهاش، لا هي ولا شهد.
– والدتي مختلية مع شهد في أؤضتها، خلص انت بس .
قالها حسن واستدار ليغادر، ولكن الأخر أوقفه، بأن امسكه من يده ليسأله بفضول:
– هي الست أنيسة جابت ايه النهاردة م الحلويات اللي بتعملها؟
نظر حسن ليده وطرف الكم الذي لوثه الاَخر بالطين ليصيح به ناهرًا بحنق:
– يخرب بيتك .
❈❈-❈
وفي غرفتها، وقد كانت مختلية بها في حديث مشبع بالذكريات الجميلة، حتى أنهم لم ينتبهوا لكل ما حدث في الخارج.
وقد كانت جالسة على طرف الفراش بجوارها، تضع الصندوق الخشبي بحجرها، وتخرج منه الأشياء الثمينة والتي لا تقدر بثمن في عرفها.
– شايفة يا شهد، اهي دي بقى صورتنا في يوم الفرح، ودا المنديل بتاع كتب الكتاب.
ضحكت شهد وهي تتأمل المنديل الأبيض بتطريزه القديم لتردد باندهاش:
– يا نهار أبيض، دا ازاي فضل معاكي لحد دلوقتي؟
– المحافظة عليه يا حبيبتي، وعلى كل حاجة بحبها، دا أنا أي حاجة من ريحة الغالي، احفظها في عيوني مش بس في الصندوق.
قالتها مجيدة باعتزاز جعل شهد تطالعها بتأثر، قبل أن تتنبه جيدا على الصورة القديمة، لتتمتم:
– دا جوزك الله يرحمه فيه شبه كتير من حسن دلوقتي، وانتي كنتي امورة أوي وانتي صغيرة.
– اه يا حبيبتي، كنت سفيفة ورفيعة، قبل ما الزمن يتدحدر بيا واخلف جوز الحلاليف ولادي
ضحكت شهد من قلبها، والسبب خفة دم مجيدة، المرأة المتواضعة، والتي تتحدث بعفوية دون تفكير أو جهد في المزاح، ترفع الحواجز، بتباسطها دون تكلف، وكأن ما يجمعها معها هو العديد من السنوات، وليس شهور قليلة، فردت متغزلة :
– بس انتي لساكي زي القمر برضوا، طب يارب انا لما اوصل سنك، أبقى في حلاوتك كدة.
– هتبقي أحلى كمان، دا انتي قمر اساسًا يا شهودة.
قالتها مجيدة وهي تخرج الصورة الأخرى، وقد كانت عائلية، تجمعها بزوجها وابنيها الاثنان، تطلعت بها شهد بتركيز، فهذه أول مرة ترى فيها صورة حسن وهو صغير، دغدغة جميلة شعرت بها، لينتابها فضول شديد لمعرفة المزيد عنه في هذه الفترة، هل كان شقيًا كبقية الأطفال؟ أم عاقلًا كشخصيته الاَن؟ ولكنه كان بريئًا بشدة، هذا ما تخبرها به هذه الملامح الدقيقة الوسيمة.
استدركت أنها قد أطالت بتأملها، ومجيدة لم تُنبهها أو تقاطعها، بل كانت تحدق بها صامتة، فخرج صوتها بارتباك:
– انتي ست جميلة وو عيلتك كمان جميلة زيك……. أكيد جوزك كان محظوظ بيكي.
لم ترد بل ظلت تطالعها بصمت عدة لحظات، لتزيد من توترها، قبل أن تقول:
– انتي عارفة يا شهد انا ليه ندهتك واستفردت بيكي بعيد عن الكل هنا في اؤضتي، عشان افرجك كمان ع الصور وصندوق الذكريات بتاعي؟
اهتزت رأسها بعدم فهم، فتابعت مجيدة:
– أنا بعزك أوي يا شهد، ومن أول ما شوفتك وانا حاسة ان في صلة بتجمع ما بينا.
– وانا كمان والله، ربنا يديم ما بينا المودة.
قالتها شهد وقد وصل إليها المغزى العادي للحديث، غير هذا الذي تقصده مجيدة على الإطلاق، والتي جاء ردها بابتسامة قبل أن تباغتها بالقول:
– ممكن اسألك سؤال يا شهد، بس امانة عليكي تجاوبيني بصراحة ومن غير تفكير ولا حسابات من دماغك، اصل بقى مكدبش عليكي، الأمر دا يهمني أوي.
بريبة وتوجس اومأت شهد رأسها باستسلام لإلحاح المرأة قائلة:
– حاضر يا ست مجيدة هجاوبك بصراحة.
استغلت الاَخيرة موافقتها لتباغتها بالسؤال على الفور:
– انتي بتحسي بأي مشاعر كدة ناحية حسن ولا لأ؟
أجفلت لترتد برأسها للخلف وشفتيها تتحرك باضطراب، لا تدري بما تجيبها، فهذا السؤال لم يكن في حسبانها على الإطلاق، لتتمتم مستهبلة تدعي عدم الفهم:
– مشاعر يعني ايه؟ ممش فاهمة.
– لأ انتي فاهمة يا شهد، وبلاش استعباط عشان انا محلفاكي أمانة.
تعرقت مع ازدياد الحرج، وقد تمكنت مجيدة من حشرها في زاوية ضيقة لتقر وتخرج مكنونات بداخلها تخشي الاعتراف بها حتى لنفسها.
– جرا ايه يا شهد؟ لدرجادي السؤال صعب، ولا هي محتاجة تفكير من الأساس، دي حاجات تتحس كدة لوحدها، معقولة انتي محستيش بيها؟
قالتها مجيدة مواصلة الضغط، لتزيد عليها وهي التي كانت تخرج الكلمات بصعوبة من فرط ارتباكها، وهذا ما تلعب عليه الأخرى:
– مش حكاية اني محساش ولا فاهمة، بس هو يعني….
– بس هو إيه؟ انتي حاسة ان حسن بيحبك ولا لأ؟
بإقرار واستسلام اومأت شهد برأسها تتمتم:
– يعني…. بقيت كتير بحس بكدة أو ممكن يكون إعجاب عادي.
– حلو اوي، طب انتي بقى، بتفرحي لما بيوصلك شعوره ده، ولا بتجزي وبتقرفي؟
– لا اقرف دا إيه يا ست مجيدة؟ حسن راجل محترم واخلاقه غاية في الروعة رغم عصبيته احيانا وتزمته معايا في الشغل، لكنه قمة في الأخلاق، يعني إحساس القرف دا ابعد ما يكون في قلبي من ناحيته.
سمعت مجيدة لتهلل بمرح، وقد أوقعتها في الفخ:
– الله أكبر، يعني بتحبيه.
ذهلت وافتر فاهها بانشداه لتردد بعد ذلك تبتغي النفي .
– يا ست مجيدة حب ايه بس؟ انا معرفش اللي تقصديه ولا بتتكلمي عنه ده، عن ايه بالظبط؟
– هو برضوا قالي كدة!
قالتها مجيدة بضعف وقد تبدلت ملامحها للعبوس والإنكسار، لتثير الفضول لدى شهد كي تسألها بعدم فهم:
– هو مين اللي قالك؟ وقالك ايه بالظبط؟
مطرقة رأسها بحزن وهي تحتضن الصندوق القديم في حجرها، لترفع عينيها إليها بنظرة مترقرقة بالدموع تقول بعتاب:
– حسن هو اللي قالي، لما صرح لي بمشاعره وأنا قعدت اتنطط من الفرح، عشان افاتحك عن رغبته في الإرتباط ببكي، قالي متحاوليش يا ماما وتحرجي نفسك، انا نفسي مش لاقي فرصة معاها، واخاف عليكي من كسرة الخاطر.
– بعد الشر عليكي من كسر الخاطر، هو ليه بيقول كدة بس؟
هتفت بها شهد مستهجنة بغضب، هذا القول الذي أدخل الحزن بقلب المرأة والتي تابعت:
– هو بيقول كدة عشان هيموت عليكي وبيحبك، وانتي ولا حاسة بيه.
بانفعال شديد استنكرت شهد رغم فرحتها بهذا الاعتراف من حسن على لسان والدته:
– على فكرة بقى، هو مزودها اوي، ومش من حقه يزعلك كدة ويخليكي تشيلي مني، هو اتكلم ولا فاتحني اساسًا عشان يفتي من مخه ويقول اني رافضة.
التقطت مجيدة الهفوة التي كانت في انتظارها منذ بداية الحديث، لتهلل قائلة:
– يا حبيبة قلبي يا شهودة، يعني انتي مش رافضة الارتباط بيه، وهو اللي طلع حمار، وربنا انا كان قلبي حاسس، يا قلبي انتي…
ختمت بالاخيرة وهي تجذبها من ساعديها إليها لتُقبلها من وجنتيها، تدعي التغافل عن الصدمة التي ارتسمت على ملامحها، حتى انعقد لسانها في الرد عليها، لتكمل عليها بأن نهضت فجأة لتفتح باب الغرفة تهتف وتنادي بصوت عالي :
– يا حسن يا أنيسة، يا ولاد تعالوا هنا، عندي خبر ليكو يجنن، شهد وافقت ع الجواز من حسن، تعالى يا بشمهندس وشوف خطيبتك.
– خطيبتك.
تمتمت بها، وقبل أن تستوعب حتى لتفكر، وجدت أنيسة أول المقتحمين للغرفة، مرددة لمجيدة:
– يعني شهد وافقت بجد؟ طب وربنا انا كنت واثقة منها دي يا مجيدة، يا الف نهار ابيض، يا الف نهار مبروك.
قالتها لتعانق المرأة تبارك وتهنئ، قبل أن تتركها متجهة إلى شهد المذبهلة،، لترفعها إليها وتعانقها بحضن أمومي تغمرها بالقبلات:
– الف مبروك يا حبيبتى، الف مبروك يا بنتي الغالية، حسن طيب وانتي تستاهليه، وهو يستاهلك.
– انتي بتتكلمي بجد يا ماما؟
صدرت من حسن الذي ولج هو الاخر، بفرحة تتراقص بعينيه، لتطالعه شهد ترفرف باهدابها وكأنها في عالم موازي، لتتلقى كلماته وقد اقترب منها، وتناول كفها بين يديه، يعبر امتنانه بموافقتها:
– انا مش عارف اشكرك ازاي يا شهد، انا حاسس قلبي هيوقف من الفرحة عشان وافقتي، ربنا يخليكي ليا يارب.
ختم بقبلة على ظهر كفها، طالعت أثرها بصمت، لتبدوا كمن تلقت ضربة على رأسها تترنح بعدم اتزان او استيعاب، وتتوالى عليها المباركات والتهنئة من الباقين، رؤى ولينا وأمين، بلا استغراب أو تساؤل، وكأنهم هم أيضًا كانوا على علم.
– الف مبروك يا أبلة شهد، ربنا يتمملك بخير أنا فرحانة أوي .
– مبروك يا أجمل شهد، يا صاحبة العمر يا غالية.
– مبروك يا شهد، حسن اخويا اَه، بس انتي هتبقى أغلى منه، دي تاخديها قاعدة من دلوقتى.
– أنا هعمل كل جهدي عشان تبقي أسعد واحدة يا شهد، ربنا ما يحرمني منك.
وفي جانب وحدها وبعد أن وصلت لغرضها، فكانت تتابع بابتسامة رضا صامتة، لتنضم أنيسة بجوراها تهمس قائلة:
– والله وبرافوا عليكي يا مجيدة، عرفتي تلفي البت إزاي يا ولية؟
ابتسمت بثقة، تجيبها:
– مكانش ينفع معاها غير كدة، بعدين هحكيليك بالتفاصيل، المهم دلوقتي، انا عايزة السرعة، ياما نفسي اتلم على مأذون الليلة، عشان اخلص بقى.
….

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى