رواية وبها متيمم أنا الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيمم أنا الجزء الثاني والثلاثون
رواية وبها متيمم أنا البارت الثاني والثلاثون
رواية وبها متيم أنا الحلقة الثانية والثلاثون
وصلت إلى مقر المصلحة على حسب الميعاد المتفق عليه وقد كان ينتظرها من خلف شرفة الحجرة التي يعمل بها، حتى إذا رأى خيال السيارة المتواضعة، تحرك سريعًا ليتلقفها من قبل حتى أن تصل للبناية:
– اخيرًا وصلتي يا شهد؟
كتمت شهقة كادت أن تصدر منها، وقد أجفلها بفعلته، لترد بعتب:
– اخص عليك يا حسن، طب قول صباح الخير الأول.
تبسم بمكر ليتناول يدها ويسحبها بخطواته السريعة لداخل الردهة الواسعة:
– هنسلم ونصبح بعدين براحتنا، المهم بقى، جهزتي كل الأوراق اللي قولتلك عليها؟
قالت بحالة من القلق تكتنفها نتيجة لهذه المغامرة التي على وشك الإقدام عليها:
– ايوة يا سيدي جهزتها زي ما قولت، بس انا خايفة لتطلع حاجة اكبر من مقدرتي، وانت عارف اللي فيها.
وصل بها إلى المصعد ثم ضعط على زر الأحمر ينتظر هبوطه، وقال يطمئنها:
– يا بنتي بقولك متقلقيش دا مشروع صغير، انا عارف التكلفة وعارف كل حاجة فيه، عايزه يبقى بداية ليكي في الشغل الصح، مش انتي عايزة تكبري شغلك برضوا؟
رددت بقلب تسارعت دقاته وقد ذكرها بأجمل أحلامها:
– اه يا حسن، دا كان حلم ابويا، قبل الزمن ما يغدر بيه ويروح عند ربنا من غير ما يحققه.
انفتح الباب الأليكتروني ليجعلها تدلف أولا قبل أن يلحق بها، ليضغط على زر الطابق المنشود ثم قال بحماس:
– حلم الوالد هتحققيه انتي، وانا واثق من كدة.
أممت من خلفه:
– يارب يا حسن يا رب، يسمع منك ويخليك ليا.
ضغط على كفها بابتسامة عذبة تاراقص بها كل مشاعر العشق نحوها، ثم ما لبث أن يسألها بتذكر:
– مقولتيش صح، اختك امنية سربتيها فين؟
ردت بابتسامة خبيثة:
– اخص عليك يا حسن متقولش كدة، اختي، دي بتشيل المسؤلية بدالي النهاردة.
❈-❈-❈
ملتصقة بأحد الحوائط القريبة من الموقع الذي يدور بحركة العمل دون توقف، لتستظل بالجزء البسيط المتبقي بظله من أشعة الشمس التي توغلت على كل المساحة الفضاء من حولها، لتلعن هذا الجنون ، وعقلها الأحمق في اتباع وتنفيذ اوامر من يملك فؤادها:
– أيوة يا ابراهيم، انا معدتش مستحملة وعايزة امشي بقى.
هتفت بها بعد رده عن الاتصال اخيرا، فوصل إليها قوله بحده:
– تمشي فين يا بت الهبلة؟ هو ايه اللي حاصل؟
ردت بنبرة توشك على البكاء:
– الست المحروسة بدل ما تاخدني ع المكتب لما أصريت اروح واشتغل معاها، خدتني ع الموقع اللي شغالين فين رجالتها، قال ايه، عشان افهم الشغل كله على بعضه، الدنيا صحرا والشمس سخنة اوي، انا قولت عايزة اروح، لكن الزفت عبد الرحيم بيقول لازم انتظر مندوب الشركة عن المشروع كله، عشان احل محل اختي في مقابلته قال، واخد منه التعليمات الجديدة، انا تعبت أوي يا ابراهيم، حاسة نفسي هقع ولا يغمى عليا، اه .
صرخ بها من جهته بحزم:
– ما تجمدي يا بت وبطلي مياعة، الساعة تسعة دلوقتي، يعني ملحقتيش تكملي ساعة حتى.
تابعت بتذمر وسخط:
– وهي الساعة دي هينة؟ الدنيا هنا صحرا والشمس من ستة الصبح مبهدلة الدنيا، الجو حر هموت، انا في الوقت ده اساسًا بكون نايمة.
– يا بت ال……
قطع يمنع سبة وقحة كانت على وشك الأفلات من فمه، قبل أن يتمالك ليردف كازًا على أسنانه:
– يا بت الهبلة اجمدي بقى متقرفنيش في زنك، المحروسة وافقت تدخلك معاها، يبقى تتحملي شوية، وتفتحي عينك كويس عشان تفهمي، متخليهاش تتريق عليكي، احنا عايزين نحط ايدينا ونعرف كل قرش داخل ولا خارج في المكتب، هي قاصدة تتعبك، بس انتي بقى لازم تبقى شاطرة وتعرفي كل المعلومات عن المشروع ده والمكسب اللي هيجيلك من وراه، مش عايز أي حاجة تفوتك.
– منين يا ابراهيم؟ أعرف منين كل الحاجات دي؟ هو انت ليه مش حاسس بيا، بقولك مش قادرة، مش قادرة، عايزة امشي.
هدر بها بصوت وحشي جفف الدماء في عروقها:
– تلاتة بالله العظيم يا أمنية لو عملتيها وروحتي لكون مربيكي عليها دي، ان شاء الله حتى افسخ الخطوبة.
– تفسخ الخطوبة ابراهيم؟
– أيوة افسخ الخطوبة يا أمنية، مش ناقص انا دلع نسوان مرق، اقفلي يا بت متقرفتيش اكتر من كدة اقفلي.
تطلعت بصدمة إلى الهاتف الذي تم اغلاقه بوجهها، ليعود إليها السخط بإحساس القهر وقلة الحظ التي تلازمها حتى مع خطيبها.
– ست أمنية.
هتف بها عبد الرحيم، ف انتفضت مجفلة إليه، قبل أن تتدارك لترد محتدة بضيق:
– إيه؟ عايز ايه؟
بتسلية بدت بصورة واضحه على تعبيراته، رد يجيبها :
– يعني هكون عايز بس؟ دا انا جاي اسألك لو تحبي تشربي شاي معانا، اصل انا والعمال سوينا براد كبير زي ما انتي شايفة.
التفت برأسها نحو ما يقصد؛ لتجد الأبريق المتفحم من اثر نيران الموقد المصنوع حديثًا ببعض الأحجار، واكواب الشاي يغسلها واحد منهم من دلو مياه مكشوف يستخدم لهذا الغرض خصيصًا، فتقلصت ملامحها بالرفض محتجة:
– لأ طبعًا مش عايزة، بتشربوا فيه ازاي ده؟
❈-❈-❈
القت التحية فور ولوجها الغرفة برسمية كعادتها، وذلك وبعد أن توقفت أمام مكتبه بمسافة ليست بالقليلة:
– السلام عليكم يا فندم.
– وعليكم السلام يا صبا.
دمدم بها وهو يترك الأوراق التي كان يدعي الانشغال بها فور حضورها، ليتابع ترحيبه:
– اتفضلي اقعدي، هتفضلي واقفة؟
– ليه يا فندم؟ هو انت عايزني في حاجة؟
ردها المباغت اثار بداخله الريبة، ليعود بجسده للخلف قائلًا بتعالي حتى لا يظهر لهفته:
– مش انا اللي عايز يا صبا، انتي اللي جيتي وطلبتي مساعدة زميلتك، وانا بلغتك بشرط صاحبة الخاتم، يبقى إيه لازمة التأخير في شيء هام زي ده؟
ردت بسهولة صعقته:
– عشان خلاص يا فندم.
– خلاص إيه؟
– خلاص الموضوع خلص.
– موضوع إيه اللي خلص؟
هتف بالاخيرة ناهضًا عن مكتبه، وقد زحفت بعقله شكوك وهواجس حول كشف الحقيقة التي يعلمها هو جيدًا، فجاء ردها بخبث تقصده:
– يعني حضرتك انا كلمت مودة عن وصل الأمانة وردها كان لأ، يبقى ايه اللي يجبرني انا أضمنها؟ كل واحد يشيل شيلته.
ردد خلفها بعدم استيعاب:
– يشيل شيلته!
– أيوة يا فندم زي ما بقولك كدة، هي حرة بقى وربنا معاها.
راقبت التجهم الذي اعتلى وجهه، ليثبت بعقلها كلمات الظابط أمين الذي حدثهم أن هذه القضية بها أمر غير طبيعي، وقد جاء ردها الغير مبالي الاَن، بناءًا على تعليماته، لتزيد على الآخر قولها بابتسامة مصطنعة:
– على العموم يا فندم الف شكر على مساعدتك لينا.
– دا أنتي كمان بتشكريني؛
قالها ليفرد جسده واضعًا كفيه بجيبي بنطاله أسفل سترته ليتابع وكأن الأمر لا يعنيه:
– من غير شكر يا صبا، انا اتدخلت في الأمر ده عشان خاطرك انتي بس على فكرة، ولأجل ما يضيعش مستقبل البنت صاحبتك.
– عشان خاطري؟
غمغمت بها داخلها بعدم ارتياح، خصوصًا وقد انتبهت لهذا الوميض الغريب بعينيه، وهذا القرب من المسافة بينهم، باهتمام غير عادي من رئيس عمل مع مرؤسيه،
يبدوا أنها كانت غافلة ولا بد لها الاَن أن تستفيق، نفضت رأسها لتستأذنه:
– على العموم يا فندم انا بجدد شكري من تاني، عن اذنك بقى عشان اشوف شغلي.
اومأ بجفنه فتحركت تستدير ذاهبة ولكن وقبل أن تصل لباب الغرفة أوقفها بقوله:
– ما تنسيش تطمنيني عليها، عشان احدد وضعها في الفندق بعد كدة.
اومأت له برأسها قبل أن تغادر نهائيًا، يكتنفها قلق عظيم، شكوك وهواجس تدور برأسها، تتمنى من كل قلبها ألا تثبت صحتها.
❈-❈-❈
على طرف مكتبه كان جالسًا بتحفز، وقد فاض به، ولم يعد لديه قدرة على الصمت أكثر من ذلك، ولا حتى ادعاء جمود يزيد على حرق اعصابه المرهقة من الأساس، عقله على وشك الأنفجار، وقد ذهبت عنه حكمته ورزانته المعتادة، كان يعلم من البداية بخطر اقترابه منها، ومع ذلك غامر، ف ناله من العذاب ما فاق كل مقدرته، جاهد لإخفاء هذا الألم المتعاظم بداخله، لتزيد عليه الآن نيران الغيرة.
ارتفعت رأسه فجأة نحو مدخل الباب حينما شعر بها، وقد بدا على ملامحها الإندهاش لجلسته الغريبة تلك، وازداد شعورها حينما ظلت أنظاره ثابتة عليها ولم تتزحزح، فخرج سؤالها بتردد:
– في حاجة؟
نزل بأقدامه عن الأرض يجيب سؤالها بسؤال:
– عدي عزام عايز منك ايه يا صبا؟
كان السؤال مباغتًا لها حتى ارتدت للخلف مجفلة قبل أن تتدارك لتجيبه بارتباك :
– ااا طلب كدة يعني…… انا كنت طلباه….
– طلب ايه يا صبا؟
لمست من لهجته حدة على غير عادته معها دائمًا، مما استفزها لترد باندفاع:
– في إيه يا مستر؟ دي اول مرة تكلمني باللهجة دي؟
بغضب فاق قدرته على التحمل، تقدم نحوها بهدوء خطر :
– بغض النظر عن حدتي يا صبا، انا عايز اعرف دلوقتي ايه اللي يدخلك عند واحد زي عدي عزام؟ اي طلب ده اللي يخليكي تدخلي عنده كذا مرة.
– كذا مرة؟
هتفت لتتابع بدفاعية :
– اقسم بالله ما دخلت عنده غير عشان طلب محدد، مودة في ضيقة، وهو الوحيد اللي يملك يساعدها……
توقفت فجأة باستدراك سريع لتسأله:
– لكن انت عرفت منين اني دخلت عنده كذا مرة؟
بابتسامة جانبية جافة اظهرت حجم خيبة أمله فيها:
– من واحد زميلنا هنا في الشغل يا صبا، وقفني قبل ما اجي النهاردة، وقالي وهو بيستهزأ، ايه حكاية الموظفة اللي عندك؟ بتدخل عند عدي عزام رئيس الفندق، يكونش عايزة ترقية، خدتي بالك يا صبا من التلميح؟
شهقت بجزع لتردد بدفاعية وسخط:
– جطع لسان اللي يجول عليا أي كلمة شينة، هي حصلت كمان……..
توقفت بدموع حارقة انسابت على وجنتيها ، لتتابع بسؤال له:
– إنت تعرف عني كدة؟
رد مقربًا وجهه منها:
– وهو انا لو عندي شك ولو واحد في المية فيكي، كنت سألتك اساسًا؟ بس دا ما ينفيش خيبة املي فيكي يا صبا، أنا معرفتش ارد ع المتخلف ده بإيه؟ واثق فيكي وفي اخلاقك، لكني برضوا غضبان، بتقولي انك عايزة تساعدي صاحبتك اللي هي مختفية بقالها فترة عن الفندق، مجتيش ليه وقولتيلي انا عن مشكلتها يا صبا؟
بشهقات أصبحت تزداد وتيرتها ردت من بين بكاءها:
– عشان كنت اظن ان هو اللي عنده الحل، مودة ورطت نفسها في مصيبة كبيرة بسبب غباءها، وانا مجدرتش اتخلى عنها عشان ملهاش حد غيري، لو اتخليت عنها ومستقبلها ضاع ، ساعتها انا هعيش حياتي ازاي؟
رد بغضب متصاعد:
– ويعني عشان تنفذيها انتي تجيبي على نفسك الكلام يا صبا؟ مفيش اي طريقة تانية لمساعدتها غير عند عدي عزام.
انهارت لتسقط بثقلها على الكرسي خلفها، ليزداد نشيج بكاءها، هذه أول مرة تتعرض لهذا الموقف، لأول مرة تجد أحد ما يشكك في اخلاقها، وهي التي تترفع بعزة عن التحدث مع أي فرد من الرجال، سوى بكل احترام وأدب، هذا ما تربت عليه، ان يأتي هذا اليوم، ويحدث هذا في مقر عملها، وأمام شادي!
– صبا.
رفعت رأسها إليه لتجده يقول:
– ممكن تقوليلي عن نوع المساعدة اللي طلبتيها من عدي عزام؟
اومأت برأسها تجيبه:
– انا هحكيلك عن الموضوع من أوله، وانت تحكم لعد كدة.
❈-❈-❈
على الباب الخشبي المتهالك كان الطرق عليه بعنف يكاد أن يقتلعه من محله، عنف ازعج المرأة العجوز لتنهض عن محلها مجبرة حتى تفتح خوفُا على ملكها، وحتى تعطي الفاعل درس قاسي بالتوبيخ والسباب إن استدعى الأمر.
صارخة على الطارق في الخارج:
– ايه ايه في إيه؟ ما تكسر الباب أحسن…..
قطعت الباقي من كلماتها فور أن وقعت عينيها على حفيدتها الملعونة المتغيبة منذ أيام:
– مودة!
– أيوة يا ستي أنا مودة، اتفضل يا باشا اتفضل.
قالتها الأخيرة وهي تتزحزح عن موقعها ليلج أمين بخطوته السريعة داخل المنزل متخطيًا المرأة وخلفه رجل الأمن والحفيدة التي صاحت عليها جدتها:
– مين البهوات دول اللي جراهم معاكي يا موكوسة؟ بقى بتغيبي يومين وبعدها ترجعيلي بجوز رجالة؟ اشتغلتي في الحرام با بت الكلب؟
– يخربيتك
دمدم بها أمين مبهوتًا لقول المرأة التي قد تسبب له ولحفيدتها بفضيحة بحماقتها، ليحدج مودة بنظرة نارية حتى تسكتها، فلا يضطر لإسكاتها هو بطريقته، والتي من جهتها استجابت بصوت مرتجف تصلح لها ولكن بتهديد حتى تستوعب سريعًا:
– يا ستي خلي بالك من كلامك، الباشا ظابط قد الدنيا وممكن يخلي العسكري اللي معاه يحط الكلبشات في إيديكي دلوقتي ويحبسك
طالعته جدتها بتشكك تجادلها:
– وايه اللي يخلي الباشا الظابط يجي بيتنا؟ دا أكيد ملعوب منك يا ملعونة، انا مش مصدقاكي ولا بالعة الملعوب بتاعك.
– طب كدة تقتنعي؟
هتف بها ملوحًا بسلاحه الميري أمام وجهها بعد أن اخرجه سريعًا، ليردف بشراسة لا تصدر سوى في أصعب الأوقات:
– كلمة تانية يا ست انتي وهتلاقيني سأحبك ع البوكس، وفي التخشيبة تبلطي فيها كام يوم، عشان تبقى تصدقي براحتك.
تجمدت المرأة برعب فاغرة فمها، بهيئة تقارب التمثال وكأن القط قد أكل لسانها.
اطمئن أمين من جانبها، ليتلتف نحو مودة يأمرها بحسم:
– ادخلي بسرعة يالا يا مودة دوري ع الحاجة، وانت يا مدبولي ساعدها خلينا نخلص من المشوار الزفت ده.
انصياعًا لأمره تحركت على الفور نحو غرفتها، ليلحق بها رجل الأمن، وتبقى أمين مواجهًا للمرأة التي غمغمت بتساؤل غبي:
– هما دخلوا الأوضة يعملوا ايه؟
زمجر بصوت مرعب افزعها عن التكملة:
– امممممم
أنكمشت المرأة على نفسها بخوف منه ومن تهديده، فخطا ليجلس على الكنبة القريبة من المدخل، ليجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى ثم يأمرها:
– اقعدي.
تحركت بتردد ثم افترشت الأرض متربعة بقدميها ، لتزيد على جلبابها المهترئ بالأتربة والغبار، فصاح يجفلها بصيحته:
– قعدتي ع الأرض ليه؟ قومي اقعدي على أي نيلة ولا كرسي قدامك، ما تقومي.
❈-❈-❈
في غرفة مكتبه التي لم يكون قد فارقها بعد، كما أنه كان متوقفًا عن العمل والتفكير في أي شيء اَخر، سوى حسم هذا الأمر، لقد سأم من الألتفاف حولها وهي لا تعطيه فرصة للتقرب، حادة ولا يصلح معاها غير الطريق المباشر، هذا ما عرفه وتأكد منه الان.
ارتفعت رأسه فجأة على اثر طرقة خفيفة على باب الغرفة وقبل أن يعطي الأذن بالدخول وجد الأخرى تطل برأسها بابتسامة ناعمة تلقي التحية قبل أن تدلف بكليتها للداخل:
– مساء الخير يا باشا.
مالت رأسه بتهكم في الرد عليها:
– أفندم يا ست ميرنا، بتدخلي كمان من غير ما تاخدي الإذن؟
تفاجأت بجفاء استقباله الغير متوقع، فردت بابتسامة مضطربة تدعي الأدب:
– لا العفو طبعا يا باشا، أنا بس دخلت من عشمي.
– عشمك!
قالها بحدة وعينيه تمشطها بازدراء جعلها تخرج عن صمتها بمخاطبته بجرأة:
– في إيه يا باشا؟ معلش يعني، حتى لو ماعدتش بتطيقني، حاول تفتكر الود القديم اللي ما بينا ع الأقل.
– الود اللي ما بينا!
خرجت منه عاليه وللمرة الثانية لا يخفي نظرته المتدنية لها، بشكل أشعل مراجل الحقد بداخلها ليزيد عليها بعجرفته، واضعًا قدمًا فوق الأخرى، مستطردًا:
– كلمة الود والعشم دي تتقال مع أي علاقة متكافئة الأطراف يا ميرنا، أما اللي كان ما بيني وبينك، فدا اسمه هات وخد، انا كنت باخد مزاجي منك وفي المقابل بعطيكي المقابل، واظن ان المقابل بتاعي كان كويس اوي معاكي، ولا هتنكري؟
بابتسامة مصطنعة تخفي من خلفها الكثير، ارتعشت شفتها في الرد عليه:
– لا طبعًا يا باشا، هنكر ازاي يعني؟ دا انت أفضالك مغطياني من ساسي لراسي، كفاية بقى ان انت لسة مشغلني.
– امممم.
زام بفمه وعينيه على أحد الأوراق يعقب على عبارتها الاَخيرة:
– فكرتيني بالنايت اللي انتي لسة شغالة فيه؟ ياريت تحاولي تمشي ع التعليمات زي باقي زمايلك، انا مش عايز سمعة الفندق تضر بسببك، مش هقدر اسكت مديرك أكتر من كدة.
اشتعلت عينيها واوغر صدرها بالضغينة نحوه، تتمتم بعدم تصديق:
– كماان النايت، الحاجة الوحيدة اللي بقيالي مع الأجانب، هو ايه اللي حصل؟
سألها بتسلط وكأنه ينتظر منها هفوة”
– يعني سكتي يا ميرنا؟
ردت وهي تحافظ على تمسكها لتقول بطاعة:
– ويعني عايزني اقول ايه يا باشا؟ طبعًا اللي تؤمر، هو انا اقدر اكسر كلامك برضوا.
اوما برأسه يدعي الرضا، ليردف:
– كويس اوي انك فاهمة الكلام ده، تقدري تروحي على شغلك دلوقتي، وياريت ما شوفش وشك هنا في المكتب او حتى في أي حتة تخصني، غير لو انا طلبتك، يعني الدخلة من شوية دي متكررش.
– أكيييد.
قالتها عن ثقة داخلها وقد تحولت لهجتها للغموض، لتردف بانصياع تام:
– يبقى انا كدة بعتذر يا باشا لو كنت ازعجتك، تحب تأمر بحاجة تانية.
نفى بهز رأسه، يكتنفه شعور بعدم الاطمئنان، استذنت لتخرج ولكنه اوقفها قبل أن تستدير عنه:
– ميرنا…… حاولي تشوفي صرفة في موضوع الخاتم
انا شايف ان مفيش منه فايدة.
بغليل متعاظم وقد وضحت الصورة جليًا أمامها، ردت بفحيح:
– يعني قصدك انه يرجع؟
اومأ بهزة خفيفة من رأسهِ، قائلًا:
– يعني زي ما عقدتيها حاولي بذكائك ده تحليها.
صفقت باب الغرفة التي غادرتها لتسرع بخطواتها حتى وصلت إلى جزء مختصر عن الأعين، لتتوقف ضاربة بكف يدها على الحائط، بزمجرة مكتومة بحلقها، تود التعبير عما يجيش بصدرها بصرخة عالية تهز اركان الفندق وما يحاوطه من مباني، لقد فاق الأمر توقعها، وخرج كل شيء عن سيطرتها، بعد ان كانت كالملكة بين اقرنائها، بمكانة تحسدها عليها الفتيات من زميلاتها، سلطة تدعمها حتى أمام مديرها، مكاسب خيالية بالعملة الصعبة كانت تنهمر عليها بأقل جهد، حتى لقبت نفسها بجارية الملوك، التي تأخذ من المنافع المادية، وعلاقات السلطة مما يسهل عليها كل أمر صعب يواجهها، لقد صدق احساس الخطر بداخلها منذ أن رأت هذه الفتاة، عدي عزام اصبح يحيد عن طريقه المعتاد لنيل امرأة تعجبه، بل انه يتجه لناحية أخرى، لو سلكها سوف تكون الخسائر وقتها ، اكبر من ذلك كثيرًا….
زاد بعينيها التحدي ووعيد يصدح داخلها بقوة، أنها لن تنتظر أو تسمح لهذا اليوم أن يأتي ، وان حدث، لن تكون الخاسرة الوحيدة.
– عليا وعلى أعدائي.
❈-❈-❈
خرج مدبولي بوجه متجهم والعرق يغطي جبهته وأعلى قميصه في الأمام والخلف، وقد بدا عليه الإجهاد بشدة، لوح كفيه بيأس جعل أمين يدمدم بتساؤل:
– معقول؟ يعني ملقتهوش خالص.
خرج صوت الرجل بجدية:
– يا فندم احنا قلبنا الأوضة ومخليناش حتة، لدرجة اني كنست الأرضية بالمقشة، وبرضوا مفيش أي أثر.
تدخلت العجوز بينهما سائلة:
– لهو انتوا بتدوروا على إيه؟.
تجاهلها أمين لينهض ذاهبًا نحو الغرفة التي كانت مقلوبة رأسًا على عقب نتيجة البحث المضني، ومودة على الأرض تغطي بسترتها على عينيها، وجسدها يهتز من فرط بكاءها المكتوم.
بعادة اكتسبها على مدار سنوات عمله، اخفى أمين تعاطفه ليهتف بها بصرامة:
– مودة، كفاية بقى خلينا نمشي.
كشفت عن عينيها التي احتقنت بأثر الدموع لتقول بصوت مبحوح باستجداء:
– والله العظيم كنت حطاه هنا، والله ما خرجته من الجيب ده ولا شوفته بعدها، هموت واعرف هو راح فين؟ دا ملهوش أثر في أي حتة، روحتي في داهية يا مودة، روحتي في داهية.
كتلة كثيفة من الهواء طردها أمين بزفرة مشبعة بإحباطه، يزداد يقينه بأن هذا الأمر به شيء ما، وقد ساهم غباء هذه الفتاة في إيقاعها.
خرج من شروده على صوت المرأة جدتها، والتي صاحت تولول وهي تتأمل محتويات الغرفة:
– يجيكي ويحط عليكي يا بعيدة، قلبتي الأوضة من فوقيها لتحتها ليه يا بت؟ يكونش بتدورا على كنز، انا قلبي حاسس من الأول ، دخلة الرجالة الغريبة دي، أكيد وراها مصيبة.
– يخربيتك بجد يا شيخة
غمغم بها للمرة الثانية فهذه المرأة بأفعالها، قادرة على جعله يرتكب جريمة في حقها، وهو الذي كان يحترم قبل ذلك كبار السن، هذا قبل أن يراها، تخلى عن افكاره السيئة، ليسألها بعملية، ربما يأتي من خلفها بفائدة ما:
– بقولك ايه يا حجة، طب أنا كنت عايز أسألك، لتكوني لقيتي خاتم مرمي هنا ولا في أي حتة من الشقة؟
شهقت بصوت جعله يعتقد أنها على حافة خروج روحها قبل أن تلتف نحو مودة صارخة:
– يا بت الكلب، لهو انتي اشتريتي خاتم دهب كمان وضيعتيه، طب كنتي ادهولي عشان اشيلهولك
بغيظ شديد التف نحو مدبولي يأمره بحزم وقد فاض به من مهاترات المرأة:
– يا للا يا مدبولي اسحب مودة خلينا نمشي، اسحبها يا بني قبل ما تطلع ارواحنا احنا.
❈-❈-❈
– هو دا كل اللي حصل.
ختمت بهذه العبارة بعد أن قصت عليه كل ما حدث من البداية حتى دخولها منذ قليل لغرفة عدي عزام، وظل صامتًا على وضعه لمدة من الوقت، قبل أن يخرج صوته ويسألها بهدوء مريب:
– روحتي قابلتي عدي عزام في المطعم لوحدك يا صبا؟.
– ما انا قولتلك ع السبب.
– سبب إيه؟
هتف بها ليستطرد وكأنه تحول لشخص آخر :
– كان لازم تشوريني الاول، مينفهش تتصرفي من دماغك، حتى لو كان غرضك شريف، على الأقل كنت روحت معاكي، انتي غلطتي، غلطتي يا صبا.
– عشان عايزة اساعد صاحبتي.
– محدش طلب منك تتخلي عنها، رغم اني مينفعش نعفيها من مسؤلية المصيبة اللي حطت نفسها فيها، احيانًا بتكون أخطاء صغير واحنا بنعتبرها تافهه، ومع ذلك ممكن توصل بينا لحبل المشنقة لما نستهون بيها.
كطفلة مذنبة، لم تقوى على مجادلته، وقد علمت ألاَن فقط بصحة قوله، لتطرق برأسها غير قادرة على المواجهة، فتابع بتأنيب:
– وكمان بتدخلي قسم الشرطة يا صبا؟ ابوكي لو عرف..
قاطعته سريعًا بارتياع:
– هيقطع علاقتي بيها نهائي، ومش بعيد يرجعني البلد
ضرب بكفه على سطح المكتب ورأسه دارت للأعلى، يستجدي صبرًا وتماسكًا حتى لا ينفجر بها، فتابعت هي بتبرير:
– وعلى فكرة بقى انا جيبت المحامية النسوية دي مخصوص عشان تتكفل بالدفاع عن مودة وبالمرة تعرف رأيها في عرض الست دي صاحبة الخاتم، من غير،ما ادخلها انا.
لكن ساعتها بقى قابلنا حضرة الظابط أمين الله يخليه، سهل علينا الدنيا وخلانا……
– أمين مين؟
صرخ مقاطعًا للمرة الثانية لتنتبه هي على انقلابه المفاجئ مرة أخرى، وكان ردها بعفوية:
– حضرة الظابط أمين، أخو حسن خطيب شهد، ما هو شافني يوم الخطوبة وعرفني.
ظل متسمرًا أمامها بهيئته الغير طبيعية لمدة من الوقت أثارت قلقها قبل أن يشعر بنفسه وينهض عن مقعده، يفاجائها باستئذانه:
– انا ريقي نشف ورايح اشرب ميه.
طالعت اثره حتى اختفى لتغمغم بتساؤل مع نفسها:
– هو ماله اتعصب جوي كدة لما جيبت سيرة الظابط أمين؟
❈-❈-❈
في منزل أنيسة وقد اجتمعت بنصفها الثاني مجيدة التي زارتها اليوم خصيصًا بحجة الاطمئنان على صحتها:
– ها يا حبيبتي وعاملة ايه النهاردة بقى؟
– بابتسامة عذبة لا تفارقها ردت :
– الحمد لله يا حبيبتي، ربنا ما يحرمني منك ولا من دخلتك عليا، اقسم بالله انا بفرح من قلبي لما بتجيني، بحس ان اعرفك من زمان يا مجيدة
ردت الأخيرة بصدق ما تشعر:
– نفس اللي بشعر بيه والله، انتي طيبة اوي يا أنيسة، وشكلي انا كمان طيبة عشان اتلميت عليكي.
بضحكة من القلب رددت من خلفها:
– اووي، اووي يا مجيدة، بس بصراحة بقى انتي عفريتة، بتعرفي توصلي للي انتي عايزاه .
– أنااا.
قالتها مشيرة بكفها نحوها ، لتردف ببراءة:
– طب دا انا حتى غلبانة وربنا .
للمرة الثانية رددت من خلفها وكأن عدوى الفكاهة اصابتها
– اوي غلبانة اوي يا مجيدة.
اطلقت الاَخيرة ضحكة رنانة لتعلق عليها:
– الله يا أنيسة، هو انتي اتعلمتي الشقاوة ولا ايه .
– أكيد منك.
قالتها لتشارك الأخرى بالضحك من قلبها، حتى خرجت إليهم لينا من الغرفة بملابس العمل لتعلق بابتسامة لهما:
– يا ما شاء الله، ضحككم جايب لاَخر الشارع، ما تبسطونا معاكم يا بشر.
ردت مجيدة بابتسامة لرؤيتها التي تبهج القلب:
– يا ختي ربنا يبسطك وتنولي اللي بتتمنيه، يا لينا يا قمر انتي، مقولتيش بقى عاملة ايه؟
ردت وهي تعلق الحقيبة على كتفها:
– بخير والحمد لله يا طنت، ربنا يخليكي، مضطرة اسيبكم عشان الشغل.
– روحي يا بنتي ربنا يباركلك.
قالتها وانظارها اتجهت نحو السلسال الذي ترتديه في الأعلى، وظلت صامتة حتى غادرت لتسأل أنيسة بمكر؛
– حلوة أوي السلسلة اللي لا بساها لينا دي، كف وخرزة زرقا، أكيد عشان تحميها من الحسد.
أنيسة والتي لم تكن منتبه هذه المرة ردت بعفوية وهي تتناول فنجان قهوتها:
– اَه طبعا، ما هي كانت بتجمعهم من مرتب شغلها، ايام الجامعة، ابتدت بالسلسة وبعدها الكف والعين الزرقا و….. اي ده ؟ تصدقي ان اول مرة اخد بالي ان القلب مش موجود، انا لازم اسألها لما تيجي.
– يا ختي وتسأليها ليه؟ ما براحتها.
قالتها مجيدة لتقارعها الأخرى ضاحكة :
هو ايه اللي اسيبها براحتها، انا هسألها عن حاجة غايبة منها يا ست.
ردت تزيد من ذهولها:
– وانا بقولك اهو، هي أدرى باللي غايب منها، وأكيد طبعا هتلاقيه، دا سهل أوي على فكرة
قالتها لتعود لترتشف من فنجانها هي الأخرى، وابتسامة عابثة تتلاعب على ثغرها بانتعاش يسري بداخلها، تغمغم:
– هانت يا مسهل يا رب .
❈-❈-❈
عادت شهد بعد انتهاء الجلسة مع مسؤلي المشروع الذي تسعى للحصول عليه، في خطوة قد تساهم كبداية جيدة في دفعها للأمام، بمساعدة حسن الذي لا يدخر جهدًا في ذلك، بل ويفعل المستحيل في هذا من أجلها، تبسمت براحة تغمرها، تملي عينيها منه وقد كان يقود السيارة بجوارها، تشعر بأن الله قد من عليها اَخيرًا بنعمة السند التي كانت تفتقدها، بل وكانت تقنع نفسها انها استغنت ولا تحتاج، أن تستغني عن النعمة التي تفتقدها، هو الحل الوحيد للشخص اليائس البائس.
هذا قبل أن تراه ويجدد بها الأمل بالحياة والعيش بها.
– الحقي يا شهد أمنية على اخرها.
قالها حسن لتنتبه على شقيقتها التي كانت واقفة في المكان المحدد الذي وصفته لها، وجهها المكفهر، خير دليل على قرب انفجارها.
عقبت بتوجس:
– تصدق يا حسن لو حد اداها ولعة، مش هتتردد ولو ثانية تولع فينا.
سألها حسن بفضول، قبل أن يقترب من الأخرى بسيارته
– ولما هي كدة ايه اللي جبرها؟
تبسمت تجيبه بسخرية:
– المسؤلية، حب المسؤلية هو اللي جبرها يا حسن.
– يا شيخة.
قالها بابتسامة ساخرة هو الأخر، قبل أن يتوقف أمام شقيقتها التي حطت سريعًا لتتنضم معهم في المقعد الخلفي، تلقي التحية بفظاظة:
– السلام عليكم.
ردد حسن يجيب تحيتها رغم تحفظه على قلة زوقها.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، عاملة ايه يا أمنية؟
– كويسة.
بصقت الكلمة من فمها والتفت رأسها نحو النافذة، لا تطيق النظر إليهم، مما جعل شهد على تقوى على كبت ما بجوفها:
– براحة شوية يا ست أمنية، اول يوم ليكي وتعبانة فيه، نديكي عذرك، بس مش لدرجادي يعني، دا انتي مكملتيش نص يوم.
سمعت الأخيرة وقد كانت لها كالشرارة لتنطلق بمظلومية محتجة:
– نص يوم، وليكي عين كمان تألسي وتدي حكم، بعد ما خلتيني اتحمس في الشمس، قال ايه عشان اسد عنك ، افهم ايه انا عشان اقابل مسؤل الهباب بتاعكم، ولا لجنة المهندسين اللي طبت فجأة، مكنتيش عاملة حسابهم، عشان ما تصدقي بقى وتسبيني انا في الوحلة دي لوحدي، طبعا ما انتي مع خطيبك، اتسرمحي بقى على كيفك ، مدام في الحمارة اللي تسد.
تفاجأ حسن لا بل صعق، لا يستوعب هذا الأسلوب المتدني في الحديث، بل وتبجحها المبالغ فيه، بلع ردًا قاسي كان يود تقريعها به، اكرامًا فقط لشهد، والتي من جانبها تمالكت رغم الحرج الذي انتابها أمام خطيبها ،لتقول بقوة:
– مش هرد ع الأخيرة عشان انا لسة محتفظة بألأدب معاكي، حتى لو انتي متعرفهوش، بس لو هتيجي ع الشغل، ف انا بقولهالك اهو يا ختي محدش غاصبك.
افحمها ردها القاطع لتلتف نحو النافذة مغلقة فمها عن التكملة، فتبدل المرح بمحيط السيارة إلى جوًا من الكاَبة بفضلها، بعد ان صمتت شهد هي الأخرى، وحسن من داخله يلعن هذه الفتاة التي تحتاج للأدب والتقويم من جديد، ليته يملك السلطة لذلك، أو ربما هو الزمان قد يكون كفيلا بها وبأمثالها.
❈-❈-❈
– حبيب مامي.
قالتها رباب وهي تتلقف ابنها الذي ركض نحوها، فور ولوجه المنزل ورؤيتها، لترفعه عن الأرض وتضمه بقوة، تقبله باشتياق شديد، مرددة:
– يا قلب مامي، وحشتني، وحشتني، قد الدنيا وقد الكون كله.
– وانتي كمان يا مامي.
قالها الصغير لتزيد باحتضانه مشددة بذراعيها.
علق كارم والذي جاء من خلفه:
– براحة شوية ع الولد لدرجادي واحشك؟
قبلت الصغير عدة قبلات على وجنته لتردد بحب:
– اوي اوي يا كارم.
– هو بس.
قالها بصوت متحشرج وفمه يحط على أعلى رأسها بقبلة هو الاخر، انتفضت لتبتعد سريعًا مرددة بارتباك:
– اا طب انت هتفضل واقف هنا في مدخل الفيلا، مش تدخل معايا وتقعد حتى دقيقتين.
قالتها وتحركت بالطفل تسبقه، لحق بها ولسانه يردد بتهكم:
– يا ما شاء الله، وبقيتي صاحبة بيت كمان عند اختك وجوزها، لا وكمان بتعزميني عشان أضايف في ملكهم.
بنتهيدة مثقلة التفت له برأسها تطالعه بقنوط قبل أن تجلس على اقرب المقاعد وترد:
– يا كارم الوضع اتغير خلاص، مفيش داعي للتريقة يعني، ثم ان اختي وجوزها في الشغل دلوقتي، مين بقى اللي هايضايفك؟
اتخذ مقعدًا هو الأخر بجوارها ليضع قدمًا فوق الأخرى، ليرد وهو يتأمل كل ركن من حوله:
– زوق المكان ولا أروع، بصراحة اتفاجأت، يا ترى دا زوق اختك ولا جوزها؟
صمت برهة ليتابع بمغزى يقصده:
– انا برجح كاميليا، احساسي بيقولي كدة، أصل الزوق العالي ده ما يبعدش عنها.
ردت بفراسة وقد فهمت إلى ما يرمي إليه:
– بلاش السكة دي يا كارم، انا قولتلك ان الوضع اتغير، خلينا نعيش في سلام الله يخليك.
اشاح بوجهه عنها، فلم تعجبه كلماتها، وقعت عينيه على الطفلة الصغيرة ذات الجمال الملائكي، وقد كانت واقفة بأحد الأركان بخوف منه كرجل غريب لأول مرة يدخل إليهم.
انتبهت رباب نحو ما يتطلع إليه، فهتفت بمرح نحو الطفلة:
– فريدة ، تعالي يا قلب خالتو.
– فريدة!
ردد كارم الأسم وعينيه تتابع الصغيرة التي خطت نحوهما حتى تلقفتها رباب لتعرفها على أسرتها:
– دا يبقى عمار ابن خالتو، ودا جوز خالتو، سلم عليها يا كارم.
سمع منها وامتدت يده تصافح الصغيرة، يشهد بداخله ان هذا الجمال الرائع، لا يبتعد عن والدتها، فهي تشبهها كثيرًا.
بعد ان انتهى الترحيب، وانصرفت فريدة مع ابن خالتها حتى تعرفه على ألعابها، لتخلو الجلسة على الزوجين، قال كارم بوجه متجهم:
– متفتكريش اني ساكت، انا قالب الدنيا على الزفت حامد وشريكته جيرمين.
اومأت له بابتسامة مضطربة، فقال متابعًا:
– تصدقي انها هربت وسابت اولادها وجوزها العجوز كمان؟
ابتلعت تردد بتوتر:
– أكيد خايفة منك، أو من الشرطة بعد الكاميرات ما بينتها كاملة، بس الغريبة ان الأمر ما انتشرش، ولا شوفت أي جريدة او صفحة ع السوشيال ميديا كاتبة عنه.
– اجابها بتسلط تعلمه جيدا عنه:
– عشان انا كتمت ع الخبر يا قلبي، مارست سلطتي مع سلطة ناس من العيلة وقدرت اسيطر ع الوضع.
– طب كويس.
قالتها بإعجاب حقيقي، فبرغم كل شيء، هي لا تنكر ان سيطرته وتصميمه، كثيرًا ما تبهرها.
سكت فجأة ليجفلها بسؤاله:
– لكن انتي مش مستغربة فعل جيرمين؟ ايه اللي يخليها تعمل معاكي كدة يا رباب؟
سؤاله كان مباغتًا لها، حتى جعلها تتلعثم قليلًا في البحث عن رد.
– اا مش عارفة، هعرف منين يعني؟
تعلم ان اجابتها غير مقنعة، ففي الحالة العادية وهي المجني عليها، كان يجب أن تصب غضبها على هذه المرأة التي تجرأت على فعل ذلك، لكن وهي تعلم السبب وراء ذلك، كيف لها أن تفعل؟
ترى ما تفكر به الآن يصل إلى كارم، حاد الذكاء من الأساس، أم انها تتوهم وتضخم الأمر مع نفسها ؟
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)