رواية وبها متيمم أنا الفصل الثاني عشر 12 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيمم أنا الجزء الثاني عشر
رواية وبها متيمم أنا البارت الثاني عشر
رواية وبها متيمم أنا الحلقة الثانية عشر
-واخد بالك قاعدة نايمة من امبارح، بتهرب من المواجهة.
– مش يمكن تكون تعبانة فعلًا يا جدع انت .
– يا راجل، يعني انا بقى مش هعرف افرق إن كانت تعبانة ولا بتمثل، يا بني انت لو كنت معايا، كنت هتتأكد من اللي بقوله بنفسك.
– طب وبعدين انا بقالي ساعة دلوقتي مستني المواجهة ما بينكم، وبصراحة هموت لو ما حضرتش.
– عايز تحضر إيه؛
– الخناقة يا سيدي، مش ياللا بقى
– عيوني حبيبي .
كان هذا نص الحوار السريع الذي التقطته اسماعها وهي تدعي النوم قبل أن تجفل على ضوء قوي احرق جفنيها لتفتحهما فجأة ثم أغلقتهم على الفور، لتشيح بوجهها الناحية الأخرى وهي تعتدل بجذعها بعيدًا عن النافذة التي كان يفتح ستائرها حسن، مغمغة بالسباب:
– يا ولاد الجزمة انت وهو، عاملين فيها رباطية عليها، في حد كدة يفتح النور من غير استئذان؟
دنى حسن ليقترب برأسه منها مرددًا بابتسامة صفراء:
– صباح الفل يا ست الكل، كدة برضوا تسيبيني وتنامي من امبارح، وانا قاعد على نار مستنيكي، كل دا نوم يا ماما؟
عدلت مجيدة الوسادة خلفها لتستند بظهرها عليها وعلى قائم السرير وردت بتحفز:
– وماله يا خويا لما اسيبك وافضل نايمة لحد دلوقتي، لهو انت مستنيني احضرلك الرضعة؟
كز حسن على اسنانه وشقيقه اطلق ضحكة مدوية يردد:
– ايوة يا مجيدة اديلوا على دماغه وميهمكيش.
حدج شقيقه الذي وقع على نفسه من الضحك، بغيظ يهتف به:
– لم نفسك يا امين، خليني اخلص خناقتي مع الست الوالدة وبعدها افضالك .
ردت مجيدة على الفور:
– اسم الله عليك يا غالي، وتتخانق معايا ليه بقى ان شاءالله؟ منعت عن مصروفك ولا نيمتك من غير عشا؟
قهقه أمين من الخلف، حتى كتم بكفه على فمه، ليشير إلى حسن بالمتابعة، ليصيح الأخر بوالدته:
– انتي عارفة يا ماما سبب الخناقة، فبلاش تسفهي الموضوع بالتريقة، دا إسلوبك لما تتزنقي على فكرة، انا عارفك
– اتزنق!
قالتها باستنكار، لتتابع:
– وإيه بقى اللي يزنقني يا حبيبي ولا انتي فاكرني خايفة؟ ايوة اتصلت برقم شهد اللي نقلته من تليفونك لتليفوني، ها بقى حد له حاجة عندي؟
زمجر حسن يضرب كف بالاَخر، ليصبح مخاطبًا شقيقه الذي أوقف ضحكاته بصعوبة تقديرًا للموقف؛
– طب كلمها انت يا عم الحج، الست الوالدة فتحت التليفون من غير إذني وفتشت في الأرقام ونقلت كمان على تليفونها، يعني دي جزاتي يا ماما اني معرفك الباسورد وبخليكي تقلبي في تليفوني براحتك.
تابعت مجيدة بعند:
– ما هو من خيابتك، يعني لو مصاحب ولا خاطب، كنت هتعرف باسورد التليفون لامك يا واد؟
– ارحمني يارب.
صرخ بها حسن، فتدخل أمين ملطفًا:
– صلو ع النبي يا جماعة، خلونا نتفاهم، وانتي يا ست ماما، خفي شوية، ابنك على اخره .
رددت خلفه باستهجان:
– آخره بقى ولا أوله، انا اتكلمت مع شهد ودي انثى زيي، وانا بقى حبيت اصاحبها، هو ماله بقى؟ يحشر نفسه في كلام الستات ليه؟
سمع حسن ليعود بضرب كفيه ببعضهما، وغضب امتزج بذهوله، مع قلة حيلته مع والدته، والتي حينما تريد تنفيذ امرا ما برأسها، تفعل ولا تبالي. فقال أمين يرتدى بينهم ثوب حمامة السلام:
– طب انا معاكي يا ستي، بس معلش يعني؟ انتي لازم تقدري شكل ابنك قدام الناس، وتعملي حساب لمصلحته وشغله وكدا ممكن تضريه فعلًا لو الست المقاول دي، كانت شرانية او فهمت الموضوع غلط.
ردت مجيدة على الفور بإنكار:
– لا يا حبيبي، شهد مش شرانية ولا واحدة وحشة، واسأله بنفسك عنها، دي جات على ملا وشها بتجري جري عشان تطمن عليها، هي دي حنية البنات، مش الجلفنة وقلة الإحساس.
صاح حسن مرددًا لها:
– جلفنة وقلة إحساس، قصدك عليا انا صح؟
تبسمت مجيدة تشير بإصباعيها السبابة والوسطى نحوهما، ليصرخ أمين:
– وانا كمان يا ست ماما؟ طب ليه بقى؟
ردت ببساطة غبر مبالية:
– وانت تفرق إيه عنه بقى؟ انتو الاتنين معندكمش إحساس.
❈-❈-❈
أنهت شهد فرضها وارتدت ملابسها لتخرج من غرفتها وهي تلف شعرها من الخلف كدائرة قبل أن تجلس لتتناول وجبة إفطارها مع نرجس وابنتها رؤى قبل الذهاب إلى العمل، وتمتمت بالتحية:
– صباح الخير.
– صباح النور، صباح الورد يا شوشو.
تفوهت بالاَخيرة رؤى، فتبسمت لها شهد بإشراق تردد:
– يا قلب يا شوشو انتي، إيه الوشوش اللي تفتح النفس ع الصبح دي، صباحك جميل زيك يا بت.
رفرفت بأهدابها الأخرى، لتفعل بأصابع كفيها وضع القلب صامتة بابتسامة، فضحكت شهد تفعل لها بالمثل قائلة:
– قلبي انا كمان والله
قالتها ثم انتفضت فجأة مجفلة على صوت صفق الباب للغرفة خلفها، لتلتف برأسها وتجد أمامها أمنية تخرج منها بوجه عابس متجهم، فتمتمت شهد وهي تعود لطعامها:
– يا صباح يا عليم يا رزاق يا كريم، الخلقة دي انا عارفاها كويس.
سحبت الأخرى المقعد بعنف حتى اصدر صريرًا، ثم سقطت عليه بجســ دها المكتنز، حتى كاد أن يقع بها، فعقبت والدتها بحنق:
– ما براحة يا بت هي خناقة؟ مش خايفة الكرسي ليوقع بيكي؟
بنظرة ممتلئة بالغل ردت أمنية وعينيها مثبتة على شهد التي كانت تتجاهلها كالعادة لتهتف بها:
– ما اقع ولا اموت حتى، هو انا اهم حد اساسًا في الدنيا دي؟
التوى ثغر نرجس المزموم على جانب واحد، وقد علمت بفرض ابنتها بقولها، حدجتها شهد بغضب بعد أن اجبرتها بأسلوبها المستفز على الرد:
– في إيه بالظبط؟ ما تتعدلي يا بت واتكلمي عدل، ولا انتي صاحية تقولي يا شر اشطر؟
تدخلت رؤى تحاول تلطيف الأجواء بالمزاح:
– أمنية حبيبتي، روقي كدة وروحي صبحي على أونكل ابراهيم يظبطك بكلمتين حلوين من بتوعه، ولا باينه مقصر اليومين دول ولا إيه؟
كلمات بسيطة قيلت بعفوية كانت بمثابة الكيروسين الذي سُكب كي يشعل الحريق، لتصيح بها غاضبة:
– ما هو نبرك ده هو اللي جابلي الفقر، ابراهيم بقالوا يومين لسانه مش بيخاطب لساني، لا في تليفون ولا حتى برسالة ع الوتس، يكش افركش، عشان تفرحوا وتستريحوا اوي .
مرة أخرى توجهت بالأخيرة نحو شهد التي اَلمها الرعب الذي ارتسم على وجه شقيقتها الصغرى، بعد ان اجفلتها هذه المجنونة بصراخها وكلماتها السامة، فنهضت لها مواجهة بحزم وقوة:
– ما تاكليها احسن ياختى؟ هي عملت إيه لدا كله؟ دي يدوب بتهزر معاكي.
– لا مش بتهزر.
صرخت بها لتتابع على نفس المنوال بنبرة باكية:
– هي عارفة كويس ان بقالنا يومين ما بنتكلمش، عشان كدة بتنكشني عشان تزيد عليا الغلب، ما انتو كلكم مش حاسين بيا، منعينه يدخل البيت ولا يجي ويفرحني زي بقية العرسان، انتو قاطعين عليا فرحتي، ومديقين على ابراهيم، عايزينه يطفش ويسيبني، هو دا كان غرضكم من الأول صح، انا دلوقتي بس اللي فهمت.
قالت الأخيرة وانطلقت بنوبة لبكائها بصوت عالي، والتقطتها نرجس داخل احضانها لتزيد من سخط شهد في الرد نحوهن:
– انتي كمان بتاخديها في حضنك، جاي على هواكي أوي استعباطها؟
– وانا ذنبي إيه بس يا بنتي؟
قالتها نرجس بدفاعية كعادتها، لتصيح بها وبابنتها:
– اسمعوا بقى انتو الجوز، انا كلامي كان واضح من الأول، الواد دا ملوش داخلة هنا غير مع اهله وبعد اتفاق معايا انا شخصيا واكون حاضرة كمان، مش عجبوا تحكمواتي، يبقى يلم نفسه ويخلص شقته وانا بقى لو هشحت يا أمنية، هجوزك عشان اخلص منك ومن قرفك، انتي ملكيش غيره اساسًا، هو يستهالك وانتي تستاهليه…… وع العموم بقى دا اَخر كلام عندي، واللي مش عاجبوا يشرب من مية البحر.
قالتها والتفت لتغادر بغضبها، وتتركهن، انتفضت خلفها رؤى تنناول حقيبتها وفور ان تحركت خطوتين، توقفت لتلقي بكلماتها نحو التي تبكي بحرقة في حضن والدتها:
– بتعيطي وعاملة نفسك مظلومة، على اساس ان احنا اغبيا زيك ومش فاهمينك، ولا فاكراني مش عارفة انه بيجيلك واحنا مش موجودين، امال دا لو فاتحين له البيت ده هيعمل ايه؟
قالت الاَخيرة بشراسة اجفلت الاثنتين، قبل ان تغادر بقرف من أمامهن
❈-❈-❈
لمسات حانية صغيرة ناعمة، كانت تدور بعشوائية على ملامح وجهها حتى أصبحت تستمتع بها، مفضلة عدم الأستيقاظ كي لا تنحرم منها، ظنًا منها انها تحلم، زادت اللمسات مع همهات طفولية وضحكات مكتومة، جعلتها تتيقن انه واقع.
لتفتح جفنيها وتصعق برؤية الوجه الصغير وابتسامة شقية، بمعنى ان، لقد انكشفنا
– ظافر.
قالتها وانتفضت لتعتدل بجذعها عن الفراش، لتخطفه داخل احضانها، فتقبله بفرح وعشق، حتى انتبهت على زهرة الجالسة في الناحية الأخرى من الفراش، متربعة القدمين تتأملهم بابتسامة رائقة، لتصيح بها :
– كدة برضوا يا زهرة، قاعدة انتي مكانك وسايبة العفريت ده شلفطلي ملامح وشي .
– قولنا نعمل فيكي مقلب، والاستاذ ظافر استغل الوضع على اكمل ما يكون، واكنه مدرب ع الحركات دي بقالوا سنين.
قالتها زهرة لتنطلق الأخرى في تقبيل الطفل ومداعبته، وهي تصرخ بتهديد ووعيد:
– بقى هو كدة، دا انت نهارك النهاردة مش معدي .
قالتها لتدغده بمرح وشر وهو يجلجل مقهقهًا، وظلت زهرة تتأمل اشراق وجهها بصمت، سعيدة بأنها قد تمكنت ولو بشيء بسيط، من رفع الحزن عنها.
– جيبتي جوز المتخلفين معاكي ولا لأ؟
سألتها نور، لتناظرها قليلًا باستفهام قبل ان تستوعب سريعًا لتجيبها:
– لا يا ستي الحمد لله، عامر الريان النهاردة اتكفل بيهم، وخدهم معاه على مزرعة الخيل، يراقبوا اخوهم وهو بيتدرب:
– مجد باشا.
قالتها نور وهي تتوقف قليلًا عن اللعب للتتابع:
– اهو دا بقى اللي وحشني بجد، كان نفسي اشوفه، لكن انتي جيتي من امتى؟ وازاي وصلتي لغرفتي هنا اساسًا… يا نهار أبيض…
توقفت لتكمل الحديث بهمس:
– هي طنت بهيرة مشفتكيش؟
ضحكت زهرة تنفي بهز رأسها وهي تجيبها بنفس الهمس:
– لا الحمد لله مشفتنيش ولا انا شوفتها، بس حتى لو حصل يعني، انا اساسًا دخلت بصحبة مصطفي باشا عزام يعني حماية..
خبئت ابتسامة الأخرى لتعقب بأسى:
– يعني هو اللي اتصل بيكي يا زهرة، عشان تجيبي الولد، وتخففي عني، كالعادة برضوا، بيفتكر يفرحني وينسى نفسه
قالت زهرة في محاولة انكار مكشوفة منها:
– وانتي مين قالك بقى ان هو زعلان؟ دا الراجل قالي بنفسه، حصل خلفة او محصلش، انا متمسك بنور، ومش عايز اولاد من واحدة غيرها، افهمي بقى يا مجنونة.
تبسمت لها الأخيرة بضعف، لتطبع قلبة على وجنة الصغير، ثم قالت بغصة مسننة تؤلمها:
– ودا اللي مزعلني، بيجي على نفسه عشان ميجرحنيش، انا عارفة ان العيب فيا، وهو نفسه كمان عارف، مش عايز ليه بقى يتجوز ويريحني؟….
– يريح مين يا ست انتي؟
هتفت بها زهرة تقاطعها بعبوس عقد ملامح وجهها، لتتابع بعدم تصديق:
– في إيه يا نور؟ هو انتي ليه مُصرة ان العيب فيكي؟ إذا كان الدكاترة نفسهم، برا وجوا، مصرين وأجانب، كلهم أكدوا انك سليمة زيك زيه، ليه بقى الإصرار على إن العيب فيكي؟
ابتعلت وهربت بعينيها من النظر بخاصتي الأخرى، لا تجد من الكلمات ولا الحجة التي تمكنها من الإقناع، هي متأكدة من شيء تعلم حقيقته، وتخجل من البوح به، أو بمعنى أصح، لا تريد النبش في جراح ماضي، هو السبب الرئيسي لما تواجهه الاَن، فخرج صوتها بتحشرج:
– كل واحد وعارف بنفسه يا زهرة، وانا تعبت من شيل الذنب، يعني لما اطلب من مصطفى انه يتجوز، مش عشانه وبس، لا دا عشاني انا كمان ارتاح.
همت زهرة ان تتكلم ولكن الأخرى قاطعتها قبل ان تبدأ:
– حتى لو الدكاترة أكدو اني سليمة في الخارج، انا عارفة اني معطوبة في الداخل.
طالعتها زهرة بعدم فهم، لتضيف الأخرى بقناعة:
– عارفة انك مش مصدقة زيه، بس انا محدش هيعرفني قدي، خليه بقى يريحني….
بشبه ابتسامة ليس لها معنى ردت زهرة بتأكيد هي الأخرى:
– جوزك مكدبش لما انك محتاجة دكتور يا نور
تغضن وجه الأخرى وانتفضت لتنهض من الفراش، حاملة الطفل على ذراعها، لتقول بغضب:
– انتي كمان يا زهرة هتقولي زيه؟ هي الرغبة في الأطفال بقت مرض يعني؟
تنهدت زهرة بثقل تنهض خلفها لتقارعها وهي تقف أمامها:
– مش الرغبة نفسها يا نور، احنا بنتكلم عن انفعالك ده، والعصبية الزيادة على شيء في علم الغيب، الخلفة دي رزق من عند ربنا، ومحدش ابدًا يقدر يمنع رزق ربنا ساعة ما يريد بيقول كن فيكون، دا لو انتي اصلًا فيكي عيب زي ما بتقولي
– وإذا كان المنع من عند ربنا نفسه.
غمغمت بها داخلها قبل ترسم ابتسامة مغتــ صبة على شفتــ يها، تردد:
– ونعم بالله.
❈-❈-❈
– بتعملي إيه يا صبا؟
سألها لتجيبه بعدم تركيز وانظارها مثبتة على شاشة الحاسوب التي تعمل عليها أمامها:
– بشوف الأسئلة اللي بتوصل ع البريد الإلكتروني عشان اجمعهم واجيبهم لحضرتك، بس انا ملاحظة ان تقريبًا معظم الأسئلة زي بعضها……
ناظرها بتساؤل، فتابعت بلهفة:
– دول بيسألوا عن حفلة عمر دياب، معقول الفندق هنا هيجيب الهضبة….
قالت الأخيرة بأعين متوسعة من الإنبهار، لتزرع ابتسامة على وجهه، مرددًا خلفها:
– اه يا صبا هيجيب الهضبة، بتحبي اغانيه على كدة؟
تبسمت بحرج تجيبه وانظاراها هبطت تبحث في الملفات بعدم تركيز:
– يعني مش حكاية احب اغانيه ولا اكرها، بس دا الهضبة، يعني اشهر من النار ع العلم…..
ترك شادي ما كان يعمل به، ليمارس هوايته المعتادة في تأملها، يُشبع انظاره منها ومن خجلها الذي يغلب طبعها مهما ادعت من القوة والجرأة، فقال يناكفها:
– شكلك كدة مش طالعة لوالدك، ولا بتحبي الفن الأصيل، دا الراجل ليلاتي يشغل الست في البلكونة جمبي، ويردد وراها
هذه المرة ابتسمت بملأ فمها، تحاول ان تسيطر على حرجها في الرد عليه:
– هو صوت ابويا بيوصلك؟
تبسم بتأكيد يجيبها:
-ودخان الشيشية اللي بيكركر فيها، انا تقريبًا بقيت ادخن سلبي وراه، زي ما حفظت كمان الاغاني معاه.
كتمت بكفها على فمها حتى لا تصدر ضحكتها صوتًا، لتقول:
– معلش بجى اتحمل، جارك راجل رايق وميحبش السهر بعيد عن بيته، لا على جهوة ولا مع أصحاب، نصيبك كدة.
احلى نصيب
ود ان ينطق بها، مع انه شيء في علم الغيب، ويقارب المستحيل، ولكنها اخطات مرة أخرى وذلف لسانها بكلمات الجنوب، والتي لم يعلم انها بهذا الجمال سوى الاَن، بعد ان سمعها منها .
– صباح الخير يا شادي.
أجفل بها لينتفض عن محله فور رأى صاحب الصوت متفاجئًا بحضوره يقف أمامه بهيئته الراقية والنظارة السوداء تغطي على اللون الأخضر في عينيه، ليتمتم بالتحية ردًا عليه ومعه صبا هي الأخرى والتي وقفت احترامًا لحضوره، رغم احتقانها من هيئته المغرورة وتخايل خطواته وكأنه الطاوس.
– عملت إيه في ترتيبات الحفل؟
سأل بها شادي، والذي رد يجيبه رغم دهشته:
– حضرتك انا مجهز البيانات، وكنت هجيبهالك على اخر اليوم
اومأ عدي برأسهِ، وعينيه المختفية تحت اللون القاتم للنظارة، تتابعها في الناحية الأخرى، تقف بتململ، وكأنها غير عابئة به ولا بحضوره، وهو الذي اجبرته قدميه ليأتي كي يراها.
فقال شادي والذي كان مرتابًا من حضوره الغريب:
– حضرتك لو عايز تشوف البيانات، انا ممكن اديهالك دلوقتي تشوفها.
رد عدي بعد ان يأس منها ومن لا مبالاتها:
– خليها اخر اليوم بقى زي ما قولت، انا اساسًا مش فاضي.
قالها وتحرك مغادرًا بخطواته السريعة، وعاد الاثنان لأماكنهم، فغمغم شادي بشعور غير مريح:
– عجيبة يعني، جاي بنفسه يسألني ع التقارير
❈-❈-❈
خرجت مودة من إحدى غرف الفندق التي انهت تنظيفها وترتيبها، تخرج المكنسة الكهربائية الضخمة بغرض ان تضغها على الحامل في الخارج، حتى اجفلت بمن اصطدمت بها:
– أسفة معلش مكنش قصدي .
– لا ولا يهمك بسيطة.
قالتها مودة بعدم تركيز قبل أن تلتف نحو الفتاة الجميلة، ذات الشعر الطويل والزينة المتقنة على ما ترتديه من ملابس قصيرة، ولكن مهلًا:
– هو انتي شغالة معانا هنا في الفندق؟
سألت مودة الفتاة بعد انتباهاها على شعار الفندق المدون على الزي الخاص بها، رغم الاختلاف الكلي لهيئة من تقف أمامها، واجابت الأخرى بابتسامة:
– ايوة يا حبيبتي انا شغالة هنا زي زيك؟ لهو انا مش باين عليا؟
ردت مودة تبادلها الابتسام:
– بصراحة لا مش باين عليكي، دا انا في الأول افتكرتك من النزلاء قبل ما اخد بالي من اليونيفورم بتاعك، بس انتي ازاي لبسك غريب كدة؟ هو انتي قسم إيه؟
ضحكت الأخرى لترد وهي تساعدها في تحريك الحامل:
– قبل ما اقولك انا قسم ايه؟ قوليلي انتي الأول، انا لبسي غريب في إيه بالظبط؟.
توقفت قليلًا بتردد قبل ان تجيبها بحرج:
– اصله يعني…… متأخذنيش، قصير كدة لفوق الركبة، دا غير انه ضيق فوق وتحت…. بس عسل والله على جســ مك المظبوط.
قالت الأخيرة وكأنها تصحح خطأها مما جعل الأخرى تضحك لها ثم توقفت تقول:
– شكلك طيبة اوي يا عسل، وانا بقى استريحتلك اوي، وعايز اصاحبك، إيه رأيك اعرفك بنفسي وانتي تعرفيني بنفسك.
اومأت مودة لها بحماس وضحكة مرتسمة ببلاهة على وجهها لتمد بكفها أمامها تقول:
– انا اسمي مودة وشغالة هنا في قسم النظافة، زي ما انتي شايفة كدة.
تقبلت الاخرى لتبادلها المصافحة تأخذ دورها في التعريف:
– وانا بقى يا ستي اسمي ميرنا، شغالة هنا برضوا بس في أرقى حتة في الفندق، المكان اللي بيضم البشوات والأجانب الفايف ستار بس .
باعين تبرق بالأنبهار سألتها مودة بفضول:
– مكان ايه؟
❈-❈-❈
وصل إلى الموقع ليعلم بالصدفة انها كانت حاضرة منذ قليل ولكنها اختفت خلف المبني في الأرض الخالية تقريبًا إلا من أشجار السدر المنتشرة بكثافة في هذه المنطقة الصحراوية، بدون تفكير تحرك على الفور ليبحث عنها، حتى تفاجأ بشبحها جالسة على أحد الاحجار الكبيرة، يبدوا انه كانت شاردة في شيء ما، لدرجة لم تجعلها تنتبه له ولخطواته التي كانت تدعس على الاوراق والفروع الجافة حولها:
– مش خايفة على نفسك في المنطقة اللي انتي قاعدة فيها لوحدك دي؟
قالها لتنتبه إليه، وتمسح على جانبي عينيها سريعًا، لترد بصوت حاولت جاهدة على ألا تظهر اضطرابه:
– لا طبعًا وايه يعني اللي هيخوفني؟
تعقد جبينه وهو يرى اثار الدموع العالقة على بشرتها التي تلونت بالأحمر على عدة مناطق من وجهها، ليسألها بتوجس:
– هو انتي كنت بتعيطي؟
نفت بهز رأسها، ولما شعرت ان كذبتها مكشوفة، ردت بمرواغة:
– مش لدرجة البكا يعني او الزعل، بس هو زي ما تقول كدة افتكرت ابويا.
تناول حجر له ليجلس بالقرب منها ويسألها:
– اسف ع التدخل، بس انا بصراحة كنت عايز اعرف، ايه اللي فكرك بوالدك عشان تسيبي شغلك وتجيبي هنا في الجو الخلا ده وتعيطي؟
– يا عم مش عياط.
قالتها بسأم وهي تكمل شارحة:
– انا بقولك افتكرت، ودي حاجة طبيعية عندي، انا عمري ما نسيت ابويا اساسًا، كل حاجة في شغلي بتفكرني بيه، انا معظم وقتي قضيته معاه، اصل انا بكريته وفرحته بيا كانت بتخليه ياخدني في أي حتة معاه، في الشغل، في البيت ،في المكتب، ما هو دا اللي خلاني امسك من بعده.
– قصدك على شغل المقاولات؟
سألها لتوميء برأسها وتجيبه:
– مهانش عليا تعبه وشقاه يروحوا لناس اغراب لما ابيع السجل بتاعه وادفن تاريخه .
سمع منها وظل صامتًا يتأملها بتفكير عميق، حتى رفعت رأسها إليه بتساؤل، فقال:
– هتزعلي لو فضولي خلاني أسألك عن الكلمة المحفورة في دلاية الانسيال اللي في إيــ دك ده؟
انتبهت لتنقل بنظرها نحو ما يرمي إليه،
– إيه ده انت خدت بالك؟
قالتها بتساؤل ليهز رأسه إليها وكأنها أجابة عادية، وعلى طرف لسانه يود القول بأن هذا الموضوع وهذه الكلمة تشغل حيزًا غير هين برأسهِ منذ أن التقاها اول مرة، وهو يفكر، ان كانا رمزين او كلمة لأسم عزيز عليها، كحبيب مثلا او خطيب او …..
– قلب ابوها.
– نعم.
خلعت الأنسيال لترفع أمامه الجملة التي يقصدها، شارحة:
– دا قلب صغير، ودا اللي الكلمة اللي لازقة فيه( ابوها) يعني قلب ابوها، عملهالي قبل ما يموت، كانت حالتنا حلوة مكنش زي دلوقت، الجاي يدوبك على قد اللي رايح.
قال حسن بتأثر:
– دا كان بيحبك اوي بقى.
– اوي.
غلبتها مشاعرها لتخرج منها بتحشرج ثم اشاحت بوجهها عنه حتى لا يرى دمعة خائنة غلبتها، ولكنه انتبه:
– انا اسف يا شهد لو كنت فكرتك.
عادت إليه بابتسامة قائلة:
– بتتأسف على إيه بس؟ انا افتكرته اساسًا قبل ما تيجي، امال انا جيت استخبى ليه هنا تحت شجر
النبق.
– بس والله المنظر حلو مش وحش..
– منظر ايه؟
سألته باستفهام، لتجده دنى نحو الأرض يتناول حبة نبق ناضجة، مسحها على القميص الذي يرتديه، يردف لها:
– على فكرة انا بحب اجي هنا وانقي منهم على كيفي، تحبي تدوقي ولا لازم بقى تقومي وتغسلي.
مد يــ ده بالثمرة الناضجة فردت وهي تتناولتها:
– لا طبعًا دا طاهر ومفيش ايــ د لمسته، ولا حتى اتلوث بالكيماوي، انا كمان باجي هنا وانقي براحتي.
اخفى داخله ابتهاجًا يعبث بقوة لمجرد تقبلها لشيء منه، فنهض فجأة ليقول بحماسة:
– طب استنى بقى وانا انزلك اللي احلى واحلى.
– هتعمل إيه؟
قالتها لتجده امسك بعصا قريبة وعلى احد الفروع، القريبة من مستوى طوله ضرب بضربتين فقط، وافترشت الأرض حولها بالثمار الناضجة، شهقت ضاحكة، لتردد بمرح:
– ايه دا كله؟ ومين فينا اللي عنده مرارة ينقي؟
تبسم هو بانتشاء ليجلس على عقبيه ويجيبها وهو يتناول الأطيب والأكبر:
– يا ستي احنا ننقي اللي احنا عايزينه والباقي بقى يقعد لصاحب نصيبه.
بوجه تبدل عن الحالة السابقة لها مئة وثمانون درجة، كانت تضحك وعينيها تناظر الخير الذي امتلأت به الأرض حولها لتعقب:
– ونسيب الشغل ونقعد ننقي.
نظر لها بأعين تفيض بحنان ذكرها بفعل والدها قديمًا يقول:
– لا يا ست المقاول، انتي تقعدي مكانك زي الهانم وانا هنقى الحلو منهم واجيبلك لحد عندك.
صمتت بخجل أصابها من كلماته، فتابع هو ليزيح عنها الحرج:
– دا روتين بعمله كل يوم، من ساعة ما استلمت الموقع هنا، مجيدة مدخلنيش البيت لو مرجعتلهاش بمجموعة كبيرة من دول.
ضحكت شهد لتسأله بتذكر عنها:
– طب هي عاملة ايه دلوقتي؟ كويسة ولا لسة الضغط تاعبها؟
– كويسة.
قالها حسن بابتسامة مستترة وهو منهمك في تجميع الثمار، وهتفت شهد نحوه بقلق:
– طب خلي بالك طيب، الأرض هنا كلها شوك، اهو ده بقى العيب الوحيد في الشجرة دي.
رفع راسهِ إليها، ليقول بمغزى وكأنه يوصل إليها رسالة دعم وتشجيع:
– أي حاجة حلوة لازم يبقى حوليها شوك يحميها. الحاجة السهلة بتبقى طمع للكل.
❈-❈-❈
قالت بهيرة تخاطب ابنها الذي كان يقبل أطفاله بعد ان وصل منذ قليل فقط للقصر الذي هجره لأكثر من اسبوعين:
– اخيرًا شوفنا وشك يا عدي، اولادك بيحضونك وكأنك جاي من السفر، مش معاهم هنا في نفس البلد .
داعب شعر رأس ابنه الأكبر ذو الخمس سنوات ليهمس له في اذنيه:
– اطلعوا فوق في اوضكم انت واخوك، وشوف الهدايا اللي انا جيبتها.
هلل الطفل ببعض الكلمات الأجنبية ليسحب شقيقه ذى الثلاث سنوات بحماس وفرح نحو غرفهم،
فتكلم عدي يجيب والدته:
– ما انتي عارفة باللي حاصل يا ماما، الهانم مكلفتش نفسها تبعتلي رسالة حتى، زي ما يكون ما صدقت اني سيبتلها البيت ومشيت.
تغضن وجه بهيرة لتقول بعبوس وضيق:
– عدي، انت مش شايف انك مزودها اوي مع ميسون؟ هي مهما كانت برضو ست، حتى لو كان الدم التركي بتاعها متقنعر حبتين، لكنها برضوا بتيجي بالكلام الحلو، انت يا بني اللي بقيت مش طايقها وعلى ابسط خناقة بتسيت البيت وتمشي، ودا بيوسع مسافة البعد ما بينكم.
زفر عدي بضيق يضرب بكفه على ذراع الكرسي الذي يجلس عليه، فتابعت هي:
– طب اتعلم شوية من اخوك، دا مبيسبش دقيقة يفضى فيها من الشغل، عشان يفسح الهانم ويسافر بيها ويدلعها ، مع انها متستهلش.
ردد خلفها بسأم:
– ومتستاهلش ليه بقى يا ماما؟ مدام بيحبها.
دبت بعصاها على الأرض بقوة لتقول بحقد:
– ايوة متستهلش، سنين وهي معاه ومش هاين عليها تفرحه بطفل يشيل اسمه، يعني مش كافية قبلنا بيها وهي مش من وسطنا ولا كانت تليق له من الاساس
التوى ثغر عدي المغلق، وقد مل من الحديث المكرر على اسماعه، فتابعت والدته:
– لكن انت مراتك بنت عيلة مأصلة، وفوق كدة حفظت للعيلة هيبتها لما خلفت اللي يحفظ نسلها.
تبسم ساخرًا لينهض من جوراها مغمغمًا:
– – ما هو من حظي بقى!….
أوقفته بهيرة سائلة:
– رايح تصالحها يا عدي
التف إليها برأسهِ يهديها ابتسامة غير مفهومة قبل ان يكمل طريقه
❈-❈-❈
بدون استئذان قام بفتح الباب ليلج بداخل جناحه، فوقعت عينيه على الفور نحوها، وقد كانت جالسة امام المرأة تصفف شعرها البني، والتقت زُرقاوتيها بخاصتيه عبر انعكاس صورته أمامها، وضع كفيه في جيبي بنطاله، يلقي التحية بلهجة عادية خالية من أي مشاعر كالتي تتصارع داخلها من أجل أن تلقي بنفسها داخل احضانها وتعانقه بشوق يمزقها نحوه:
– مساء الخير يا ميسون.
ابتعلت لتجيبه بنفس النبرة:
– مساء الخير… انتي عامل إيه؟
تبسم بغموض يجيبها باقتضاب وكأنه يبصق الكلمة:
– كويس.
تحرك بعد ذلك نحو الغرفة الملحقة كخرانة ضخمة لملابسه، نهضت هي من امام المراَة بحيرة متسائلة، تذهب خلفه ام تنتظر حتى يأتي هو؟ قلبها الذي يضرب بعنف داخلها يحثها للحاق بها، ولكن كرامتها التي تمنعها دائمًا من المبادرة، كالعادة لها الكلمة العليا. توقفت للحظات في انتظاره، حتى تفاجأت به يخرج بعدد من الحُلات الفاخرة ليلقيهما على الفراش أمامها قبل ان يتصل بأحد الخدم:
– عزيزة، تعالي هنا بسرعة ع الجناح عايزك توضبي الشنطة.
– بتطلب عزيزة توضب الشنطة ليه عدي؟
خرج سؤالها بصدمة وعدم تصديق:
ناظرها بجمود هيئته يجيب بهدوء كاد ان يجلطها:
– عشان ماشي وراجع تاني ع الفندق يا ميسون، عندك اعتراض؟
نفت برأسها تدعي عدم الاكتراث، تغالب تشنج جســ دها، والذي يهددها بالسقوط، متأثرًا بخيبة الأمل التي اصابتها في مقتــ ل منه، فقالت بعنجهية تبتغي رد الصفعة:
– لا طبعا معنديش ادنى اعتراض، انت حر .
تبسم بظفر فقد كان يراهن نفسه على ردها هذا، فقال ببرود: – OK يا ميسون، عن اذنك بقى.
قالها وتحرك ذاهبًا على الفور، لتسقط هي اَخيرًا خلفه، تبتلع الإهانة بعزة ترفض التنازل عنها، هو من يخطيء وعليه ان يبادر بالصلح وليست هي!
❈-❈-❈
انهت صبا دوام عملها وخرجت من الغرفة تسبق شادي والذي كان مضطرًا للإنتظار، حتى يأتي مالك الفندق عدي عزام، ويطلعه على البيانات والتقارير الخاصة بالحفل الضخم والذي سوف يقام بمناسبة مرور اكثر من خمسين عامًا على تأسيس الفندق. مناسبة هامة وتحتاج لترتيب هام، ومسؤلية عظيمة تلقى على كاهله. رفعت الهاتف لتجيب على من تتصل بها:
– ايوة يا ست مودة، انا خلصت اهو انتي قاعدة فين؟….. في الريسبش فين بالظبط؟
قالت الأخيرة لتنتبه نحو الأخرى وهي تلوح لها بكفها، بركن ما تقف به، بجوار امرأة غريبة عنها.
خطت إليها صبا، وفور ان اقتربت منهن، التقطتها مودة قائلة بلهفة:
– بقالي ساعة بشاورلك يا مجنونة، توك ما واخدة بالك؟
ردت صبا مستغربة:
– واديني خدت بالي وجيت يا ستي، سحباني ورايحة بيا على فين؟ مش احنا ماشين ياما؟
– ايوة يا ستي ماشين، بس استني اعرفك الأول.
– سألت صبا قبل ان تقف بها الأخرى امام نفس المراة التي رأتها منذ قليل، لتعرفها:
– شوفي يا بقى دي صبا صاحبتي، وانتي يا صبا، دي ميرنا صاحبتنا الجديدة هنا في الفندق.
– هي دي صبا.
غمغمت بها الأخرى داخلها، وهي ترمقها بأعين خبيرة مقيمة، لتقول بابتسامة تجيدها:
-اهلا يا صبا، انا اتشرفت بيكي اوي،
صبا هي الأخرى لم تكن اقل منها، فنظام الملابس التي ترتديها والزينة المبالغ فيها جعلت شعور بعدم الارتياح يكتنفها على الفور من هيئة الأخرى، لتصافحها بأطراف اصابعها على مضض ترد باقتضاب:
– اهلا تشرفنا.
تفاجأت ميرنا بعجرفة صبا في التعامل معها، حتى توقفت الكلمات بحلقها، وتولت مودة المهمة:
– ميرنا دي يا صبا اجدع واحدة قابلتها في الفندق هنا، طيبة اوي واتصاحبنا بسرعة….
قاطعت استرسالها صبا بحدة سائلة:
– شغالة في قسم ايه؟
-انا….
– شغالة في البار بتاع الفندق هنا.
قالتها مودة لينقلب وجه صبا فقالت بتجهم ملحوظ:
– يا اهلا بيكي تشرفنا يا… انسة ميرنا، مش ياللا بقى .
توجهت بالاخيرة نحو مودة التي تمتمت بإجفال:
– هاا.
– انا هسبقك عند الاتوبيس.
قالتها صبا على عجالة قبل ان تتحرك وتتركهن بدون استئذان، تطلعت مودة في ظهرها بصدمة لعدة لحظات، قبل ان تستأذن بحرج من الأخرى:
– اا معلش يا ميرنا، ما انتي عارفة بقى اتوبيس الفندق، ممكن يمشي ويسبنا، عن اذنك.
– اتفضلي يا قلبي طبعًا.
قالتها ميرنا بابتسامة مصطنعة حتى ذهبت الأخرى راكضة تلحق بالمتعالية صديقتها، لتتبعهما بأنظارها، حتى تفاجأت بعدي نفسه والذي كان يدلف الفندق عائدًا من الخارج، وتركزت انظاره على الأولى، فتبسمت هي بسخرية متمتمة:
– دا الباشا باينه وقع ولا حدش سمى عليه!
– كفاية يا ابراهيم، يا ابراهيم كفاية….. يووووه وبعدين بقى…..
كانت تردد بمقاومة ضعيفة، تحاول فك ذراعيه عنها، تبتعد بوجهها عن مرمى قبلاته والتي كانت تجد طريقها على عنقها وجيدها حتى الزرارين المفتوحين في اعلى العباءة، مع ازدياد جرأة اللمسات شعرت بالخطر، ف اشتدت قوتها حتى دفعته عنها ليسقط على مجموعة من أشولة ألحبوب:
– ما قولتلك كفاية يا أخي الله.
بأنفاس لاهثة ووجه متعرق تطلع إليها بذهول وعدم تصديق:
– يخرب بيتك، إيه اللي انتي عملتيه دا يا بت؟
هتفت بدفاعية أمامه وهي تعدل من هيئتها التي بعثرها هو:
– إيه يا عنيا؟ بوقفك قبل ما تتمادى اكتر من كدة، ولا انت عايز تضيعني؟
ابتلع ريقه يلملم شتات نفسه هو الاَخر بأن أخرج سيجارة واشعلها يخرج فيها غيظه، فتابعت إليه بلهجة أخف:
– إيه؟ كل ده مكفكاش للصلح؟
ارتفع طرف شفته يناظرها بعدم رضا، قبل أن يقول:
– وانتي بقى مسمية ان دا صلح؟
شهقت لتتخصر بعبائتها السمراء تقول مستنكرة:
– امال انت تسميه إيه بقى يا عنيا؟ جايالك برجلي لحد عندك في المخزن اللي في ضهر دكان ابوك، يعني ممكن أي حد يشوفني، وساعتها تضر سمعتي، دا غير ال……
توقفت بقصد ملمحه عما حدث منذ قليل، ثم تابعت:
– ولا انت كمان هتنكر.
بنظرة وقحة مرر عينيه على معالم الأنوثة لديها والبارزة بوضوح رغم العباءة السمراء، الشيء الوحيد الذي يجذبه بها، فقال بمكر وهو ينفض رماد سيجارته:
– لا مش هنكر يا أمنية، بس دا يجي إيه بقى جمب كرامتي اللي بعترتيها على باب شقتكم، لما خلتيني اروح وقفايا يقمر عيش، واتهمتيني اني عايز اسوء سمعتك، انتي بقى شايفاني كدة! وانا اللي جاي اطمن واسلم عليكي!
– تاني يا ابراهيم!
هتفت بها بسأم لتزفر وتردف بتعب:
– واحنا مش أصلحنا خلاص، دا انت زليت أمي عليها وعذبتني عذاب، وانا اتصل واترجى وقلبك القاسي غير بجملة وحيدة بعد دا كله:
– “لو عايزاني تعاليلي المخرن” واديني جيت و…. ارضيك بإيه تاني؟
على طرف لسانه كان يود أن يخرج ما يدور برأسه ويحتاجه منها الاَن، ولكنه تمالك ليجيب بخبث وتروي في انتظار المنفعة:
– هو انتي ليه محسساني اني وحش اوي كدة؟ مع انك اكتر واحدة عارفة انني هممني المصلحة، وعارفة اني خطبتك مخصوص عشان اجيبلك حقك من اختك الحرامية اللي سارقاه، عايز ابقالك ضهر بدل ما انتي واخواتك وخالتي كدة عاملين زي الشحاتين عندها، وهي تعبي في كرشها من مال ابوكي، يا بت دا انتو بتخدموا بلقمتكم عندها…..
– أنا مبخدمش حد.
هدرت بها بوجه اظلم بالكره والحقد تتابع:
– انا قاعدة زي الست في بيت ابويا، ولا يهمني شهد ولا حتى ألف غيرها.
رقص حاجبيه ليكيدها بقوله:
– بس امك بقى شغالة خدامة عندها، هي واخواتك، ولا هتقدري تنكريها دي كمان؟
امتقع وجهها وتبدلت ملامحها للقهر وتصيح به:
– انت عايز ايه يا ابراهيم؟
تبسم بشيطانية وقد اسعده تأثير كلماته عليها، فقال :
– يعني هعوز ايه يا ختي؟ انا بس كنت برد عليكي، اديكي شايفة اهو، خير ابويا زايد ومغطي، المخزن متعبي بالبضاعة يعني مش محتاجلك، انا بس شفقان عليكي عشان محبش الظلم.
ردت تمتم بمسكنة وهي تعدل بحاجبها:
– – ربنا موجود بقى، هو اللي بيخلص الحقوق، ما انا لو امي ناصحة كانت لمت الليلة من أولها، خدت حقنا منها، لكن تقول ايه بقى….
قاطعها بقوله:
-طب ما تشتغلي انتي معاها عشان تعرفي تجيبي حقك وحق اخواتك منها.
اعترضت باستهجان مرددة:
– انتي عايزاني انا اشتغل؟ لا يا حبيبي انا متحملش شغل ولا قرف، هي ناقصة تعب وهدة حيل وكمان حر وشمس يأثروا على بشرتي ولا جمالي.
بابتسامة جانبية ساخرة، ردد خلفها:
– لا وانتي جمالك مقطع الدنيا.
توقفت بنظرة غاضبة تحدجه قائلة:
– هو انت قصدك تتريق عليا يا ابراهيم؟
سمع منها واعتدل مستقيمًا ليجيب وهو يتجه نحو الباب الخارجي للمنزل:
– لا يا ختي ولا اقول ولا اعيد، انا بس مستغرب كلامك وخوفك الزيادة دا على نفسك ولا هيئتك، مع ان اختك يعني اهي بقالها سنين في الكار بتاع دا اللي استلمتوا اصغر منك ومع ذلك لسة بخيرها ومتغيرش فيها غير حبه السمار اللي غطوا وشها الابيض من الشمس وبرضوا حلوة…..
قال الأخيرة مشددًا عليها وهو يحاول في قفل البتب الكبير، حتى انفتح والتف إليها، فوجدها متغضنة تعوج فمها بامتعاض مرددة:
– حلوة! بقى بعد كل المرار اللي شايفينه دا منها، بتقول حلوة.
تنهد بغيظ يقول بقرف:
– وايه دخل ده بده؟ انا بتكلم ع الشكل بطلي غباوة…. ويالا بقى هوينا اطلعي عشان انا كمان اطلع، قبل ما اتخنق.
ابتعلت الإهانة بمعاملته الجافة معها تلقي بنظرة نحو الشارع الذي كان خاليًا فقالت قبل ان تغادر:
– طب متنساش بقى تتصل بيا بعد ما توصل الدكان .
– مش هنسى يا ختى.
تمتم بها لتذهب من أمامه ويتابعها بعينيه حتى وصلت إلى الشارع الرئيسي واختفت به، ليأخذ انفاسه ويخرج هو ايضَا، يغمغم بحنق وهو يغلق الباب من الخارج:
– قال جمالها وبشرتها، فاكره نفسها السفيرة عزيزة المحروسة!
❈-❈-❈
في غرفة المكتب الصغير، كانتا الاثنتان على يجلسن على الاَريكة القديمة المتهالكة يتناولان بنهم في الأطباق البلاستيكية الطعام الحارق، واصوات الضحكات تصل إلى خارج الغرفة.
– اممم، الله يخرب بيتك وبيت اللي يأمنك على اكله، بوقي اتحرق يا زفته.
صرخت بها شهد بأعين تدمع وكفها تضرب على جدار الحائط بجوارها، والأخرى تقهقه بتسلية ولا تستطيع التوقف، فصاحت بها متابعة:
– يا بت الشطة حرقت بقي، اوقفها ازاي؟
اجابتها لينا من بين ضحكاتها:
– وقفي الأكل يا أمي، وصاحبتك هتقوم بقى بالواجب متخفيش، انا هتخلص ع الاتنين عادي اوي معايا.
– كمااان، بجحة وليكي عين تطمعي في اللي في إيــدي،
دا انتي على كدة قاصدة بقى؟
أجابت بهز رأسها وضحكة منتشية ترتسم على ملامح وجهها وتقول:
– اه بصراحة يا صاحبتي، اصل الكشري المرة دي يجنن بجد.
عقبت شهد ساخرة تردد:
– كشري! ودا بقى فيه كشري! دا بقى شطة بطعم الكشري، ربنا يحميكي لشبابك، انا معدتك اتحرقت.
كانت لينا تتناول بتلذذ لتزبد من غيظها وهي التي تتناول ملعقة وتتوقف دقائق، حتى تستطيع تتناول الاخرى، فرغم المعاناة كانت تستمتع هي الأخرى.
انهت طبقها لينا لتضعه الفارغ في سلسة المهملات القريبة منها، فقالت لشهد بامتنان على طريقتها؛
– مرسي ازي يا شهد ع العزومة الجميلة دي، الواحد كان محتاج جرعة الحرارة، وانه يشعر بلذة الألم في……
– في مصارينه.
قالتها شهد مقاطعة لها لتضحك الأخرى وهي تسقط بجســ دها بجوارها، وتقول بموافقة:
– هو فعلا كدة…. عرفتي تعبري ع اللي جوايا يا شهد .
سمعت لتقول بدهشة ترافق ابتسامتها:
– اقسم بالله انتي الناس مغشوشة فيكي، اللي يشوفك من برا بشكلك ولا لبسك الخوجاتي ده، ميفتكرش أبدًا ان زوقك كدة على فكرة.
بكفيها الإثنان فركت لينا على شعر راسها الكستنائي لتسقطه أمامها ثم تعيده للخلف بجنون، قائلة:
– انا عارفة نفسي كويس I am special، ( أنا مميرة) حطيها قاعدة في دماغك دي يا صاحبتي.. يعني لازم اكون مختلفة عن كل الناس.
ارتفع حاجبي شهد وانخفضا سريعًا، لتعقب ضاحكة:
– انتي مش مميزة يا قلبي، انتي مخك ضارب
وضعت لينا قدمًا فوق الاخر لتقول بزهو:
– حتى مع دي، برضوا مميزة.
همت شهد ان تستمر بمناكفتها، ولكن صوت الهاتف منعها، تناولته لتجيب بدون ان تركز في الرقم:
– الووو… إزيك يا شهد…
سمعت الأخيرة لتجيب بارتباك وقد علمت بهوية المتصل.
– اهلًا ست مجيدة عاملة ايه؟
جاءها الرد بصوت عاتب:
– كويسة يا ستي، بس لازم يعني انا اتصل عشان تسأليني.
ردت شهد بحالة شديدة الحرج :
– انا آسفة والله يا ست مجيدة لو كنت مقصرة في السؤال بالتليفون، بس ربنا العالم، انا كل ما اشوف البشمهندس حسن بسأله عنك واسأليه بنفسك.
في الناحية الأخرى تبسمت الأخرى بملأ فمها، وقد أعجبها ردها، فهمت ان تزيد بدلالها ولكنها توقفت على صوت السعال الخفيف وتبعه قول شهد وهي تخاطب شخصًا ما بجوالها.
– لينا، ازازية المية والنبي .
– إيه لينا ؟!
غمغمت بها مجيدة ثم انتظرت قليلا، حتى ارتشف شهد من الماء، لتخاطبها:
– هنيُا يا قمر.
– الله يهينيكي يا حجة.
قالتها شهد لتجفلها مجيدة بقولها:
— هو انتي قاعدة فين دلوقتي يا شهد انتي وصاحبتك؟
تطلعت شهد بدهشة نحو صديقتها وهي تجيبها:
– انا قاعدة في مكتب الشغل، وصاحبتي معايا، بس انتي عرفتي منين ان لينا صاحبتي؟
تجاهلت مجيدة الرد ع السؤال، وقالت تزيد من دهشتها:
– بقولك ايه انا ليا عندك حق عرب، عشان قولتلك اعزميني عندك وانتي معبرتيش.
– والله يا حجة انا…..
– متكمليش يا شهد، انا مش بضغط عليكي، انا بس عايزاكي تصالحيني.
تعرقت شهد بشدة، فكلمات مجيدة المفاجئة لها، مع حرارة الكشري، جعل الاضطرب يبدوا جليًا على ملامح وجهها، حتى انتبهت لها لينا لتناظرها باستفهام، فهته لتلوح لها بكفها للإنتظار، قبل ان تجيب:
– طب انتي عايزاني اصالحك ازاي يا ست مجيدة؟
❈-❈-❈
– ها إيه رأيك بقى؟
قالتها ميرنا وهي تدلف لداخل الملهى والذي كان فارغًا من رواده، سائلة الاخرة والتي كان تجول معها بعينيها بانبهار على شيء حولها لتردد ضاحكة بلهاء:
– رأيي في إيه بس؟ دا عامل زي اللي بنشوفه في التلفزيون، لأ دا مش زي، دا احلى كمان….
ضحكت ميرنا لتجلس على أحد المقاعد واضعة قدم فوق الأخرى تزيد من انبهار مودة لتسألها بفضول:
– لكن انتي بتقدمي الخمرا وتقعدي مع الزباين تفتحي أزايز؟
– افتح إيه؟
تفوهت بها الأخرى لتطلق ضحكة مجلجلة، حتى لفتت انتباه رجل البار الأجنبي، قبل ان يعود لمواصلة عمله في ترتيب طاولة البار امامه وتنظيفها، ثم اردفت:
– يا بت افهمي، انا شغالة نادلة، يعني اقدم الطلبات وبس، انتي في مكان محترم يا بنتي، الحاجات اللي بتقولي عليها دي، تحصل في الأماكن اللي برا مش هنا.
اومأت مودة بتحريك رأسها، فقالت بأسف:
– طب معلش بقى سامحيني لو كنت غلطت، انا مفهمش اوي في الكلام ده.
تبسمت ميرنا وهي تجذبها لتجلس على الكرسي المقابل لها، فقالت:
– انتي طيبة اوي يا مودة، وانا عمري ما ازعل منك عشان الصفة دي اللي عندك بالذات، عكس صاحبتك دوكها، يا ساتر.
– قصدك مين؟ صبا؟
– اه هي صبا دي، متقنعرة ورافعة مناخيرها كدة لفوق، بتسلم عليا بطرف صوابعها بقرف، ليه كدة يعني؟ بصراحة انا زعلت منك يا مودة لما عرفتيني عليها.
قالتها بلهجة عاتبة اثرت في الأخرى لتقول :
– والله ما متنقعرة، هي بس شايفة نفسها عشان ابوها مدلعها اكمنها اخر العنقود، دا غير ان حالته كويسة مش مخليها محتاجة حاجة، مشافتش الغلب زي حالتنا ولا اتمرمطت من شغلانة لتانية دي حتى الوظيفة اللي مسكتها دي، جاتلها كدة بالواسطة من الاستاذ شادي اللي اخته تبقى جارتها
اردفت الأخيرة ببؤس فقالت الأخرى تدعي الأشفاق عليها:
– يا حبيبتي، دا انتي باينك شقيتي وتعبتي اوي، لهو انتي معندكيش اخوات ولا اب يصرف عليكي زي المحروسة دي.
مصمصت بشفتيها تصدر صوتًا لتقول:
– يا حسرة، انه خوات ولا أنه أب؟ دا ابويا مشافش وشي من ساعة ما اتولدت، طلق امي وهي حامل بيا، المسكينة فضلت تعافر عليا وعلى تربيتي لحد اما ماتت وانا عمري تلتاشر سنة، وسابتني مع ستي بقى نناقر في بعض، انا قليلة الحظ في كله اساسَا.
ابدت لها ميرنا ملامح متأثرة بشدة عكس ما كان يدور برأسها، فهذه الفتاة نكاد ان تشببهها في الظروف، لكن باختلاف الطباع والمظهر، ف ميرنا رغم كل الظروف التي مرت بها كيتمية تربت في ملجأ وكان جمالها هو سبب شقائها في البداية نظرا لطمع الرجال بها، لتكن عرضة للاستغلال منذ صغرها، قبل ان تعي جيدًا لتستغل هي هذه الصفة بحنكة تعلمتها مع قسوة الزمن،
لتستعمل ذكائها جيدًا في جلب المال بعدم الاستهانة بإمكانياتها، فلا تستسلم أو تكن متاحة للجميع، لا بل كانت تترقي في هذا المجال رويدًا رويدًا، حتى صارت كجارية الملوك، ثمنها غالي وسعرها أغلى .
– هو انا صعبت عليكي لدرجادي؟
قالتها مودة حينما طال الصمت وقد اقنعتها ملامح الأخرى بذلك.
اخفت ابتسامتها ميرنا لتقترب نفسها نحوها قائلة:
– بقولك ايه يا مودة، انتي دخلتي قلبي بجد، وانا بقا عايزاكي تفتحي قلبك معايا وتقولي كل اللي في نفسك، انا اكبر منك والدنيا علمتني بكتير اوي عنك، يعني هفيدك بجد.
أومات مودة رأسها بلهفة فتابعت الأخرى:
– يالا بقى احكيلي عن نفسك اكتر، وقوليلي ازاي اتعرفتي باللي اسمها صبا دي
❈-❈-❈
خرجتا الاثنتان من خارج المصعد، لتحط اقدامهن على الطابق المنشود، فقالت لينا التي كانت تفور وتغلي بداخلها:
– انا مش فاهمة، ايه اللي خلاني اوافقك واجي كمان على بيت معرفوش ولا اعرف حد فيه، دا ايه العبط ده؟
تبسمت شهد تجيبها همسًا:
– وانا كمان والله ما فاهمة ايه اللي خلاني اوفقها، بس انتي شوفتي بنفسك زنها، وازاي قدرت تلفني بزوقها
ضحكت لينا ساخرة تقول لها:
– قال وبيقولوا عليكي مقاول قال، دا انتي طلعتي خيبة.
– يمكن اكون خيبة صح، بس بصراحة بقى هي صعبت عليا لما قالت انها وحيدة ونفسها نيجي ونونسها، اهو نجبر بخاطرها وخلاص.
قالتها شهد وقد اقتربت من باب الشقة، لتوقفها لينا تقول بحذر:
– هما دقيقتين وبس، وهمشي واسيبك بعدها لو فضلتي تقعدي، انا مش ناقصة كلمتين في جنابي من طارق ولا يسلط عليا والدتي.
اومأت لها شهد برأسها بموافقة، قبل ام تضغط على الجرس في الخارج، فلم تنتظر كثيرًا حتى وجدت مجيدة تفتح لها بابتسامة من الأذن إلى الأذن مرحبة بلهفة:
– حمد الله ع السلامة يا قمر، نورتونيني.
تبسمت لها شهد تتقبل عناقها والترحيب الحار، قبل ام تتركها وتذهب الأخرى قائلة بأعين متوسعة:
– هي دي بقى لينا؟
قالت ولم تكد تكملها حتى اجفلت الأخرى تخطفها بعناق اخر وتقبيل على الوجنتين مرددة:
– يا ختي عليكم وعلى حلاوتكم، نورتوني يا بنات، نورتوني
❈-❈-❈
على مقعده بوسط البهو الضخم يباشر التحضيرات ويمارس عمله بالتحدث عبر الهاتف وبالحاسوب، وعينبه تجول بلا هواده في انتظارها، في انتظار رؤيتها، وقد تيبست اقدمه منذ الصباح، ليظل محله، لا هو بقادر على الذهاب إلى عمله ولا هو بقادر على الذهاب نحو الغرفة القابعة بها، رغم ان عملها يحتم عليها الآن عدم الجلوس في مكتبها الا للضرورة، إذن ماذا يمنعها:
– ايوه يا كارم، هاجي يا بني متقلقش…….. يا سيدي عارف بميعادنا متقلقش……. يا عم نتابع الشغل من الفندق، ما انت عارف ان احنا عندنا حفلة ضخمة……. لازم اباشر كل حاجة بنفسي طبعًا…….. يا سيدي انا مهتم المرة دي وعايزها تبقي حدث عالمي، اقفل بقى عشان جايلي عميل مهم.
انهى مكالمته سريعًا فور ان انتبه عليها، وأخيرًا رأها.
كانت قد خرجت على ميعاد البريك الخاص بالموظفين في هذا الوقت بعد أن انهت جزءًا كبيرًا من العمل، حتى اصاب الصداع رأسها، تبحث عن مودة التي اختفت عنها ولم تتصل كعادتها بها منذ الصباح، وصلت إلى بهو الفندق، فتقابلت عينيها بهذا المتغطرس جالسًا في الجهة القريبة منها يرتشف من فنجان قهوته وامامه الحاسوب على الطاولة الصغيرة، ف التفت رأسها بضيق، وقد اصبحت تراه كثيرًا وبشكل متكرر هذه الأيام، في نفس المكان القريب من الجهة التي تذهب وتجيء بها نحو غرفة عملها، تشعر بغربة في هذا الفندق الذي يبدوا كمدينة بسكانها، وهي لا تجد راحتها سوى في هذه الغرفة التي تجمعها بجارها الغريب… شادي!
اشرق وجهها بمجرد رؤيتها له يتحدث مع أحد الأشخاص، لم تدري بنفسها وهي تتقدم بخطواتها حتى هتف بأسمه منادية:
– مستر شادي .
قالتها ف التفت الرؤس نحوها، حتى اذا انتبه هو استأذن سريعًا من الرجل ليقابلها في نصف المساء، ثم اشار لها على احد الزويا حتى توقفا بها ليجيبها بغيظ:
– مالك يا صبا، بتندهي ليه قدام الناس كدة؟
اسبلت أهدابها عنه وقالت بحرج:
– آسفة لو احرجتك.
تمتم بالاستغفار يهدأ من فوران صدره الذي يغلي مع انتباهه للنظرات المصوبة نحوها، وتمالك ليرد بلهجة لينة بعض الشيء:
– لا مفيش احراج ولا حاجة، انا بس استغربتك لما ندهتيني فجأة كدة، هو انتي كنتي عايزاني في إيه؟
رفعت عينيها الجميلتين إليه لتأسره في النظر إليهم، فلم ينتبه جيدًا لما تقوله:
– مش عايزة حاجة شخصية، بس اصل حضرتك مش باين من الصبح ودي مش عادتك.
لوح برأسه امامها باستفسار حتى تعيد ما قالته وقد ذهب تركيزه بلا رجعة:
– يا فندم بسألك، انتي ليه مجتش مكتبك من الصبح؟
ابتسامة جانبية اعتلت ثغره وقد أسعده قولها، حتى ولو كان المقصد يختلف تمامًا عما يتمناه بداخله، فتحمحم، ليجيبها برزانة تختلف تمامًا عن الصخب الذي يدور بداخله:
– انا مش فاضي من الصبح يا صبا زي ما انتي شايفة كدة، بدور زي النحلة في كل حتة عشان ترتيبات الحفل، ما انتي عارفة.
– عارفة طبعًا، ودا اللي مخليني مضايقة عشان انا دوري ان اكون معاك في الترتيبات والتعب ده، لكن انت….
– لا يا صبا.
هتف بها يقاطعها بحدة متابعًا:
– مية مرة اقولك، انتي خليكي في الشغل الاداري، انا مطلبتش مساعدتك غير في دي وبس؟
– طب ليه حضرتك؟
– من غير ليه؟
اردف بالآخيرة ملوحًا بكفه امامه لتقطع الجدال، كتمت زفرة احتقان امامه، لتتكتف بغيظ مرددة:
– تمام يا فندم زي ما تحب.
اخفى داخله بصعوبة ابتسامة بتسلية، وقد بدت امامه كالطفلة المتذمرة، بعد أن أزاحت بانظارها عنه لا تقوى على ان تخفي ضيقها منه، فقال يناكفها:
– هتعملي زي العيال الصغيرين بقى لما يزعلوا؟
عادت لترفع عينيها امامه، مشيرة بسبابتها نحوها بتساؤل:
– انا برضك بعمل زي العيال الصغيرين؟ ليه بجى؟ عملت ايه ان شاءالله؟
قالتها بانفعال زاد من تسليته، وزادت ابتسامته مع عودتها للكنة الجنوبية، حتى كاد ان ينسى وضعه بوسط البهو، ولكن الأعين الفضولية حولهم جعلته ينتبه، فقال مغيرًا دفة الحديث:
– انتي فطرتي النهاردة يا صبا؟
رغم استغرابها لتبدل الحديث فجأة، ولكنها ردت بالنفي بهز رأسها، فتابع هو:
– طب بقولك ايه؟ انا عن نفسي هموت من الجوع، اسبقيني ع المكتب وانا هجيب لنا كام سندوتش نفطر بيهم.
اعترضت على الفور:
– لا طبعًا متجيبيش، انا اساسًا مليش نفس.
– طب مش عايزة كوباية شاي تقيلة، زي اللي بتشربيها دي كل يوم؟
تبسمت هذه المرة موافقة، فقال مستطردًا بهدوء:
– تمام يا ستي، اسبقيني بقى وانا هاجي بالسندوتشات والشاي.
– تاني سندوتشات.
– امشي الله يخليكي .
قالها بحزم مزيف رغم ابتسامته، لتذعن وتنصرف من أمامه بابتسامة هي الأخرى نحو غرفتها بالعمل، لتشعل حريقًا بناحية قريبة، داخل قلب هذا الذي كان يراقب من محله، بتركيز شديد لكل همسة وكل كلمة تتبعها ابتسامة، لينفث غضبه مع دخان السيجارة التي ابدلها بفنجان القهوة، فيُشيعها بأنظاره حتى اختف، رأسه تشتعل بالأفكار التي تجعله يلعن موقعه الذي يقيده عن التصرف بحرية، وما يود فعله الاَن.
حسم فجأة ليتناول هاتفه ويتصل عليها:
– ايوة يا ميرنا انتي فين؟…….. ومرزوعة عندك بتعملي ايه مع البت دي؟……….. طب خلصي معاها وتعالي بلغيني بكل حاجة.
❈-❈-❈
تشعر بالفرح، لا بل هي تود الرقص حتى تتعب وتتعب أقدامها، رؤية الفتاتين معها وداخل الشقة وما تلمسه بإحساس الأم نحوهن يجعلها تجزم أن هذا هو الاختيار السليم:
– ما تدوقي الكيك يا لينا، مبتكليش ليه؟ هو انتو مش عاجبكم الطعم يا بنات؟
قالتها بالحاح لم تكف عنه منذ أن اجلستهم بصحبتها في غرفة المعيشة، التي تقضي بها معظم وقتها.
ردت شهد بابتسامة صادقة:
– والله يا ست مجيدة طعمه حلو، احنا بس اللي مش قادرين ناكل اي حاجة دلوقتي؟
قارعتها تقول بعدم تصديق:
– ومش قادرين ليه بقى؟ يعني مش كفاية مردتوش تتغدوا معايا، حتى الحلو مش قادرين عليه.
تدخلت لينا هي الأخرة تقول بزوق رغم استغرابها يللموقف كله:
— يا حجة احنا متغدين قبل ما نيجي، انتي ساعة ما اتصلتي، شهد كانت بترد عليكي وعلبة الكشري في إيــ دها.
– كشري!
– قالتها مجيدة بابتسامة، قبل ان تتابع:
– ما شاء الله، باين عليكم مرتبطين اوي ببعض، هو انتوا اصحاب من امتى؟ معلش يعني لو بسأل، اصلي بصراحة بقى انا ارتحتلكم قوي يا بنات.
تبسمت لها الفتاتين وردت شهد تجيبها:
– احنا اصحاب من زمان قوي، يعتبر متربين مع بعض، رغم ان لينا تسكن في حتة راقية شوية، وانا في منطقة شعبية، لكني بصراحة صداقتنا بدأت من ابتدائي، والست والدتها كان ليها فضل كبير عليا بحنانها بعد وفاة امي الله يرحمها.
سألتها مجيدة بتأثر، :
– هي امك ماتت من امتى يا شهد؟
اجابتها شهد بصلابة اكتسبتها مع مرور السنين؛
– والدتها توفت وهي في رابعة ابتدائي، متحملتش الولادة، ماتت هي والجنين
– بأعين غائمة تهدد بتساقط الدموع رمقتها مجيدة بإشفاق، فقالت لينا بلهجتها المرحة:
– مالك يا ست مجيدة؟ إجمدي كدة، امال لو تعرفي بقى ان ابويا واخويا حصلوا والدتها بعد كدة بشهور في حادثة عربية هتقولي ايه؟
توقفت تناظرها بعدم تصديق تسألها:
– معقول! انتي بتتكلمي جد؟
ضحكت لينا ومعها شهد التي خشت ان تفهم المرأة خطأ:
– ودي حاجة هيبقى فيها هزار يا ست مجيدة، احنا بس بنتعايش مع الدنيا، وبنضحك على همنا بدل ما يكسرنا، ما هو كل شيء برضوا بأمر الله.
سمعت مجيدة اتردد خلفها:
– ونعم بالله يا حبيايبي، ربنا يخليكم لبعض.
تمتمتن خلفها:
– امين يارب
ثم انتفضت فجأة لينا مستئذنة:
– طب احنا يدوبك بقى نمشي يا طننت،
نهضت خلفها شهد ايضًا، لتتبعهم مجيدة باعتراض:
– كدة على طول؟ ودا اسمه كلام؟ هو انتو لحقتوا تقعدوا؟
بررت لها لينا باعتذار:
– والله ما اقدر، انا متأخرة اساسًا عن اجتماع ضروري غي الشركة اللي بشتغل فيها، دا انا ممكن اخد جزا اساسًا.
عبست مجيدة لتنقل بأنظاره نحو الثانية:
– وانتي كمان يا شهد ممكن تاخدي جزا؟
ردت شهد بتشتت واحراج:
— لا طبعًا مفيش بس لازم امر وعندي شغل متكوم…
قاطعتها مجيدة بوجه بائس تقول بصوت ضعيف:
– دا انا ملحقتش اقعد معاكم دقيقتين، يعني يا ربي، مكتوب دايما كدة عليا الوحدة
قالتها بمسكنة اثرت في الفتاتين ليتبادلن حديثًا بالأعين وتفاهم، جعل لينا تقول اخيرًا:
– خلاص يا خالتي متزعليش، شهد هتقعد معاكي شوية، وانا بقى ابقى اعوضها بمرة تانية.
❈-❈-❈
بعد قليل
وبعد ان تركت شهد مع المرأة خرجت لينا في المصعد، في الطابق الارضي وقد كانت في طريقها نحو باب الخروج قبل ان توشك على الاصطدام بأحد الأشخاص، والذي ارتد على الفور مرددًا بالاعتذار:
– انا اسف معلش.
رفعت عينيها بغضب مرددة بغيظ:
– طب وقبل ما تتأسف بقى، مش تاخد بالك من خطوتك، بدل ما تدخل كدة زي القطر السريع،
توقف امين ليخلع عن عينيه النظارة السوداء، يتحقق جيدا من صاحبة الصوت وقد عرفها من هيئتتها، ويبدوا انها هي ايصا عرفته لانها توقفت تناظره بتحدي، حتى سألها بدهشة:
– انتي ايه اللي جابك هنا؟
– تخصرت لتجيبه ببرود عكس ما يدور بداخلها نحوه :
– وانت مالك؟ كانت عمارتك هي ولا دا بيت اهلك!
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)