روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الثامن والعشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت الثامن والعشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الثامنة والعشرون

توقف اَخي بدرجاته النارية، لينزع عن رأسه خوذة الحماية وإحساس الإختناق يجثم على أنفاسه وكأن قيدًا يلتف حول عنقه ويمنع دخول الأوكسجين بصفة منتظمة أو عادية لداخل صدره، اشتياقها الحقيقي له وفرحته به، وكلماتها التي تنعاد بذهنه بشكل مزعج، ثم هيئتها المكسورة حينما وجه انتقاده القاسي لها، لقد أعماه الغضب عن سماعها وقد بدا أنها في حاجة إليه أو إلى أي فرد من العائلة، كان يجب عليه التريث قليلًا، شقيقته المتهورة التي كانت تشاركه اللعب قديمًا نظرًا لأنها الأقرب إليه في سنوات العمر عن باقي أفراد العائلة، لقد كانت منطفئة، أين ذهب المرح والإنطلاق عنها؟ اين هذه الصورة المزيفة التي تبرع في تأديتها على الشاشة؟ أين كان عقله هو ليتغافل عن كل ذلك ويتركها في هذا الوقت من النهار وحدها في المدافن والمقابر .
على خاطره الاَخير انتفض مستدركًا خطئه ليضرب بقدمه على إطار الدراجة مصدرًا صوت زمجرة عالية، لاعنًا غباءه وهذه الصدفة الغريبة التي جعلته يذهب اليوم في زيارة لوالده الراحل، والذي جاءه في المنام برؤية غريبة لم يفهمها، زفرة قوية بعنف أخرجها، قبل أن يدير محرك الدراجة ليعتليها مرتديًا خوذته مرة أخرى وقد نوى بداخله على العودة، على الأقل يريح ضميره من ناحيتها وحتى وان لم يلحق بها.
استدار نحو الطريق الذي قطعه منذ دقائق، ليعاود الرجوع به بسرعة تفوق سرعته العادية في القيادة من الأساس، رغم تحذيرات كاميليا الدائمة وتوبيخها له عدة مرات ، لكنه اليوم يؤجل التفكير في ذلك، فشيء ما بداخله يجعله غير قادرا على تنفيذ هذه النصائح، شعور بعدم الارتياح يدفعه للطيران حتى يكون معها الان ويخفف من حدته، ربما تكون في حاجة إليه.
وصل إلى المدافن، ليوقف الدرجة ويهبط منها بخطوات مسرعة، مخترقًا طريقه ما بين المقابر مرة أخرى ، حتى دخل إلى الجزء الخاص بعائلته، اكتنفه أحباط شديد حينما رأى الفراغ بدونها، تمتم بكلمات حانقة ليعاود ادراجه، وقد باءت محاولته بالفشل بعد ذهابها، باستياء متعاظم، كان يسير ويدفع الحصى بقدمه، حتى خرج من منطقة القبور فتذكر أنه أخلف طريق عودته الى الدراجة، غمغم داخله بكلمات ساخطة لهذه المعاكسات التي تحدث معه بشكل غريب، استدار متوجهًا إلى الناحية الأخرى، لتقع عينيه عن بعد بهذا الرجل الضخم الذي يسير ناحية السيارة السوداء حاملًا بين ذراعيه امرأة كالجثة أو ربما تكون مريضة، وذلك من هيئتها الساكنة بغير حراك، ذلك المشهد أثار فضوله ليقف متابعًا لهما ، رغم أن الظهر العريض للرجل لم يمكنه من رؤيتها جيدًا سوى بعد أن فتح باب السيارة ليدخلها في المقعد الخلفي، فتدلت رأسها بشعرها الحريري الطويل المتساقط منها وهو…..
جحظت عينيه بعدم استيعاب وقد رأى صاحبة الوجه …
– رباب .
دمدم الأسم بهلع ليعدو نحو الرجل ليعرف ما بها، وما صفة هذا الرجل إليها ، ولكن المسافة كانت بعيدة والسيارة انطلقت بسرعة لم تمكنه من الوصول إلى شقيقته والاطمئنان عليها.
ضرب قدمه بالأرض ليستدير راكضًا نحو دراجته ، ليعلتليها ويتحرك بها، حتى إذا وصل إلى الطريق الممهد زاد بالسرعة الفائقة وعينيه تتطلع أمامه بتمعن شديد بحثًا عن السيارة التي اختفت عن أنظاره، فيبدوا أن قائدها هو أيضًا يقودها بسرعة تضاهي سرعته، وربما أكثر
❈❈-❈
عادت نرجس وابنتيها إلى المنزل، بعد زيارة لمنزل إحدى أقاربها في مناسبة عائلية وذلك بصحبة شقيقتها سميرة أيضًا، أولهن كانت رؤى التي هتفت فور ولوجوها لداخل الشقة حينما تفاجأت بشهد التي كانت جالسة على الاَريكة متكتفة الذراعين وأعينها في الفراغ بحالة من الشرود جعلتها لم تنتبه لمجيئهن إلا على صوتها:
– ايه ده شهد! إنتي هنا من إمتى؟
انتفضت الأخيرة بجزع واضعة كفها على صدرها، متمتمة:
– بسم الله الرحمن الرحيم، خضتيني يا رؤى.
– خضيتك ليه؟ ما انتي اللي سرحانة.
قالتها رؤى قبل أن تنتبه على الأكياس المحتلة الاَريكة بجوار شقيقتها لتركض نحوها قائلة بفضول وهي تتفحصهم بعد أن جلست بجوارها:
– ايه ده؟ هو انتي جيبتي الحاجات دي النهاردة يا شهد؟
أومأت لها بابتسامة قبل أن تنتبه على تحية زوجة أبيها وأمنية التي رشقت عينيها على الأكياس:
– مساء الخير يا شهد، هو انتي مروحتيش النهاردة الشغل ولا إيه؟
قالتها نرجس بإشارة نحو الأشياء التي ابتاعتها، بابتسامة ضعيفة ردت على سؤالها:
– لا يا مرات ابويا، انا روحت الشغل بس كان نص يوم وخرجت بعدها مع حسن ع السوق.
شهقت رؤى بلهفة معقبة:
– يا لهوي ياما يعني انتي النهاردة خرجتي مع حسن؟
قبل أن تجيبها تدخلت أمنية بفضول قاتل توجه لها السؤال:
– يعني خطيبك هو اللي اشترالك الحاجات دي؟
تغاضت شهد عن نظرات الأخيرة الغير مريحة لها، وردت تجيبها بتسامح:
– أيوة يا أمنية، تعالي شوفيهم مع رؤى، وانتي كمان يا مرات ابوها.
تلقفتا الاثنتان الدعوة بحماس جعلهن يهجمن سريعًا على الأكياس يتفحصن المحتويات دون التغافل عن أي شيء بها.
نرجس وكعادتها تطالع بصمت وبملامح مبهمة غير مقروءة على الإطلاق، إن كانت إعجاب أو شيء اَخر، أما رؤى فكانت تهلل بطفولية كلما أعجبتها قطعة اتجهت للأخرى بصيحة أعلى:
– يا لهوي ع الطقم الفوشيا، دا هيهبل عليكي يا شهد، وانا اللي افتكرت ان الفستان الفيروزي يجنن، طلع فيه اللي أجن منه.
– والله ما في حد أجن منك.
قالتها شهد ضاحكة، ثم اتجهت بعينيها نحو أمنية، منتبهة جدًا لهذا التقلص بملامح وجهها وفي نظرتها للمشتريات، حتى لو ادعت العكس أو التعامل بشكل طبيعي، فهي أعلم الناس بها، يلوح برأسها بعض الشفقة عليها، رغم رؤيتها لهذه المنطقة المظلمة بداخلها، شعورها الدائم بالنقص مهما ابتاعت من الأشياء، عينيها على ما يمتلكه الاَخرون، مشكلة لا تجد لها حل، وهي التي ظنت رغم كل شيء ان ارتباطها بإبراهيم رغم كل تخفظاتها عليها سيساهم ولو قليلًا في حل معضلتها على اعتبار أنها تحبه، لتجدها الاَن توسعت وتشعبت، بعد أن اصبح لهذا المعتوه موطئ قدم له المنزل بسببها، ثم يُظهر وجهه القبيح الاَن، حقدًا عليها وعلى خطيبها.
❈❈-❈
خرج بها من المصعد، وفور أن وصل للشقة المقصودة، وجد شريكته التي كانت بانتظاره، تفتح له ليلج بما يحمله لداخل الشقة، وتتقدمه هي بلهفة نحو إحدى الغرف :
– تعالي هنا ورايا بسرعة.
دلف للغرفة ذات الإضاءة الوردية، والفراش المزين بالورود ليعلق متهكمًا:
– يا حلاوة، دا انتي عاملة جو رومانسي كمان، حلاوتك يا جوجو.
ردت على عجالة وهي ترتد لخارج الغرفة:
– حطها عندك ع السرير ، على ما اجيب الحاجة ورجعالك.
– براحتك يا عسل .
علق بها حامد وهو يريح جسد رباب على الفراش، وهي ما زالت بأعين مفتوحة لا ترى شيئًا ، واعضاء مرتخية بعقل غائب تمامًا عن الواقع، تطلع لها بأعين مشتعلة فهيئتها بهذه الصورة كادت أن تفقده عقله، ليعتليها كالحيوان يفترس ثغرها، وكل ما يصل إليه بشفتيه على الأنحاء المكشوفة من جسدها، ويده تعبث بحرية وعشوائية، يريد استغلال الفرصة الذهبية في نيل الهانم امرأة الباشا الذي يعمل تحت إمرأته، الجميلة التي تبهر الرجال بمفاتنها البارزة أمام الشاشة، بملابس تحدد منحياتها بسفور وكأنها خلقت للمشاهدة، والاقتراب فقط من حق المجنون زوجها، ولكن ها هو الاَن قد تحققت أمنيته في مشاركته بها، ولن يتركها بعد الاَن.
– بتعمل ايه يا غبي؟ مش قولتلك استنى.
قيلت مصحوبة بضربة قوية على ظهره جعلته يرفع رأسه مجفلًا، يهتف بها محتجًا:
– الله في ايه يا بقى؟ هو احنا هنرجع في كلامنا ولا إيه؟
زادت مرات اخرى بضيق تنهره:
– يا غبي بقولك قوم، عايز تبوظ الشغل اللي انا بعمله، دي حتى لسة بهدومها.
اعتدل حامد يقول بمهادنة لهذه المجنونة
– يا ستي ودي صعبة يعني؟ اخلعها عنها وبالمرة اقلع انا كمان ، وخدي احلي اللقطات براحتك.
مالت برأسها مقربة وجهها من هذا الأحمق تخاطبه كازة على أسنانها علّ عقله الفارغ يعمل ولو مرة واحدة:
– هو انا هفضل افهم فيك لحد أمتى؟ بقولك عايزة كل حاجة تبان طبيعية، يعني واحدة بتخون جوزها مع عشيقها، يبقى لازم اظبطها كويس، قوم ياللا خليني البسها حاجة تليق .
نظر حامد للقطعة الوردية بيد المرأة ليهلل مصفقًا بكفيه:
– طب ياللا بسرعة بقى، وانا كمان هروح اغير هدومي.
قالها وانتفض يفسح لها المكان على الفراش، لتعقب من خلفه بازدراء:
– تغير هدومك برضوا ولا تشربلك حاجة؟ غبي.
قالتها ثم التفتت للمستلقية على الفراش بلا حول لها ولا قوة تخاطبها وهي تخلع عنها ملابسها:
– وانتي يا روح قلبي، دا انا هروقك، بحق الليالي اللي خدتها في رعب وخوف يا رباب لخليكي تكلمي نفسك، انتي لسة شوفتي حاجة، دا انا هحولك جارية للاهبل اللي جوا ده .
❈❈-❈
توقف بدراجته أمام السيارة التي كانت تفوقه بالسرعة لدرجة جعلته يتوه عن ملاحقتها عدة مرات، وفي المرة الأخيرة دخل شارع اخر قبل أن يرتد ويدخل المجاور له في هذه المنطقة السكنية الجديدة في العاصمة، والقليلة بعدد السكان، الشيء الجيد في الموضوع، حتى لا يتوه في الشوارع الزحمة، وقف أمام البناية ذات العدد الكثيف من الطوابق، بحيرة تفتك برأسه، ما الذي يجعل الرجل ذا الهيئة المقاربة للحراس الشخصين، أن يأتي بشقيقته إلى هنا؟ هذا ليس منزلها، ولا هو مشفى لعلاجها، مما جعل الشك يتسرب لقلبه، ف اتجه على الفور إلى حارس البناية، والذي كان جالسًا على أريكته يرتشف الشاي من الكوب الزجاجي بتلذذ، بقلب يضرب كالمطارق في صدره لهذا الشعور الجديد من الخوف، اقترب يسأله بلهاث ويده تشير للخلف:
– يا أخ انت، الراجل صاحب العربية السودة او اللي كان سايقها يبقى مين هنا في العمارة؟
رد الرجل بسماجة بعد أن القى نظرة عابرة نحو ما يشير إليه الاَخر:
– راجل مين وعربية سودة ايه؟ ما تفسر يا أخينا.
برود الرجل وطريقة الرد الغير مبالية ، جعلته يفقد أعصابه ليهدر صائحًا به:
– بقولك اللي كان سايق العربية السودة، البني ادم الضخم، كان شايل اختي فيها، اقسم بالله لو ما قلتوا لبلغ جوزها ابن اللوا حمدي فخر ، يجي ياخدك انت معاه ويعلقك من رجليك.
برعب حقيقي وعدم معرفة رد الرجل بدفاعية:
– والله ما اعرف يا ولدي انت تقصد مين بالظبط؟
– يقصد حامد يا بابا.
تفوهت بها الفتاة ذات العشر سنوات لتكمل مخاطبة محمد:
– بابا مكانش قاعد ساعة ما حامد خرج من العربية دي وهو شايل ست شكلها زي الهوانم وطلع بيها على شقته.
سألها سريعًا وبلهفة:
– قوليلي اللي اسمه حامد ده ساكن في اي شقة بسرعة .
❈❈-❈
– يا حلاوة المهلبية، ايه الجمال ده يا ناس؟
هلل بيها حامد فور أن اخترق الغرفة، ووجد رباب بهيئتها الجديدة مرتدية المنامة الوردية القصيرة جدًا، والشعر المسترسل حول وجهها وقد مشطته المرأة سريعًا، فبدات بصورة كاملة للجمال.
تطلعت المرأة باستنكار نحو حامد الذي ولج يفرك بكفيه مرددًا:
– احنا كدة بقينا تمام وفل اوي، وسعي بقى خليني اشوف شغلي قبل ما تصحى ولا تفوق، انا عايزة اخد وقتي مع لهطة القشطة دي.
علقت باستهجان وهي تنهض عن التخت، بنظرة من أعلى للأسفل:
– لا اطمن يا خوي هتاخد وقتك وبزيادة كمان، المادة اللي في جسمها بتفضل ساعات، يبقى اصبر بقى دقيقة كمان.
– كمان! ليه بقى؟
صاح بها بنفاذ صبر وجاء ردها بغيظ يفتك بها وهو تلوح له بالهاتف:
– عشان عايزة اخدلها كام لقطة الأول، افهم بقى ووسع من وشي.
زمجر حامد ليتخصر منتظرًا على مضض، وهي تلتقط عدة صور من عدة جهات، ولسانها يردد:
– انا لسة ما استكفيتش من اللعب معاها، ما انا مش هكشف ورقي مرة واحدة، لازم اسويها على نار هادئة الأول.
– لسة كمان فيها لعب، دا انتي دماغك سم.
علق بها حامد قبل ان يصدح صوت جرس المنزل، مع طرق متواصل على الباب الخارجي فزفر مرددًا بسخط:
– عاجبك كدة اهو الباب بيخبط، ناقص عطلة انا ولا وقف حال.
توقفت المرأة على الصوت المزعج تدمدم بارتياب شديد:
– وانتي مين بيجيلك دلوقتي عشان يخبط عليك بالشكل ده؟
رد حامد بتخمين من رأسه :
– يعني هيكون مين يعني؟ وانا اساسًا ما حدش يعرفني في العمارة دي، أكيد البواب الزفت، انا هطين عيشته.
قالها وتحرك ذاهبًا، فهتفت عليه ناصحة:
– براحة يا حامد مع الزفت ده، مش عايزين شوشرة في العمارة
سمع منها واتجه بخطوات مسرعة نحو باب الشقة الخارجي حتى إذا فتحة تفاجئ بفتى في عمر المراهقة يخاطبه بأمر أجفله:
– أختي هنا بتعمل ايه؟ اندهلي عليها خليني اشوفها.
بيده الضخمة دفعه حامد لييتعد عن باب الشقة قائلًا بعنجهية وغشم:
– اختك مين يا شاطر اللي جاي تدور عليها، امشي ياض مش ناقصة شغل عيال.
هم أن يغلق الباب بوجهه، ولكن محمد منعه صارخًا بوجهه:
– انا بتكلم عن اختي رباب اللي جيبتها من المدافن شايلها على إيدك، انا فضلت ماشي وراك لحد اما جيت هنا.
شعر حامد بالخطر ولكنه تعالى عن اظهار الخوف أو الاستسلام، ليدفعه بعنف جعله يبتعد عن الباب وهو ينهره بالقول:
– انا لا اعرف رباب ولا اعرف كباب، غور من وشي هي مش نقصاك.
لم يستلم محمد، وظل يصرح ضاربًا بكفيه على خشب الباب:
– بقولك افتح يا حيوان انا اتأكدت دلوقتي انك خاطف اختي، طلع لي اختي يا حرامي.
خرجت المرأة من الغرفة إلى حامد تردد بزعر:
– يا نهار اسود ايه اللي بيحصل ده؟ مين اللي ع الباب يا حامد وعايز يعملنا فضيحة؟
تجاهلها الاَخر وقد انتفخت أوداجه بغضب عاصف، ليلتف عائدًا نحو الباب يفتحه مرة أخرى ليسحب محمد من تلباب قميصه ويجره للداخل بغضب وحشي:
– دا انت باينك جاي على قضاك.
انتفض محمد وهيئته بدت كالعصفور بيد هذا الرجل الضخم، ليلعم انه يستطيع القضاء عليه بضربة واحدة من يده، فكر سريعًا ليجد الرد المناسب له، بصوت جاهد ان يخفي به ارتجافه:
– قولتلك من الأول اديني أختي، عشان انا اتصلت اساسًا بجوزها كارم وهو زمانه على وصول عشان يعلمك الأدب من جديد يا استاذ حامد.
بالطبع كان يكذب في الأخيرة، فهو لا يملك رقم كارم، ولكن الخدعة أتت بثمارها، على حامد الذي اظلم وجهه واستوحشت ملامحه، لتجفله المرأة بصرختها وهي تركض نحو غرفتها كي تتناول أشيائها لتلوذ بالفرار.
– يا نهار اسود، دا بيقولك انه اتصل بكارم، الله يخرب بيتك وبيت معرفتك المهببة.
كذئب بري زأر حامد بشراسة وهو يهزهز محمد يكبح نفسه حتى لايفتك به، بعد أن استبد به الغضب من فعلته، وقد خرب عليه كل تخطيطه:
– أعمل فيك إيه؟ اقطع من جسمك نساير ولا اخلص عليك بضربة من كف ايدي، وانت مش مستاهل غلوة اساسا.
برغم الرعب الذي كاد أن يشل أطرافه، والهزهزة بعنف تجعل العظام وكأنها تنخلع من محلها قبل أن تعود في نفس الدقيقة برحلة مؤلمة وقاسية، حاول محمد أن يحافظ على رباطة جأشه، ليرد بثقة أبعد ما تكون عن حالته الاَن:
– اعمل اللي انت عايزه، كدة كدة كارم هيخلص عليك دلوقتي .
وصلت صيحة المرأة مرة أخرى وهي تعدو سريعًا ذاهبة:
– انت لسة واقف مكانك يا غبي؟ عايز تقعد وتستنى قضاك؟
قالتها لتخرج من باب المنزل على الفور، وزمجر حامد من خلفها بأعين محتارة ما بين المستلقية بداخل الغرفة في انتظاره الاَن، وما بين أمنه المهدد بالخطر، وقد أفسد هذا الصغير ما كان يحلم به منذ أيام، وفي الأخير وبعد تيقنه أن لا سبيل أمامه الاَن سوى الهروب،
طير محمد بدفعة عنيفة جعلت الاخير يسقط على الأرض ليقع على ذراعه ويصدر صرخة قوية مع سماع صوت العظمة التي كسرت.
شعر حامد ببعض الراحة، ليأخذ طريقه نحو الخروج حتى يلحق بالملعونة التي سبقته، على الأقل يحصل على بقية حقه من المال، يكفيه خسارة الحصول على النجمة الجميلة.
لتخلو الشقة على الشقيقين، حاول محمد النهوض رغم الوجع الرهيب، ليستند على الذراع الاَخر متأوهًا:
– اه اه.
– يا بيه يا بيه، حامد هرب ومعاه ست تانية غير اللي جه بيها.
قالتها الصغيرة ابنة الحارس، طالعها محمد صامتًا حتى تمكن من النهوض بسرعة، ممسكًا ذراعه المكسور، ليقول اخيرًا :
– متشكر اوي يا اسمك ايه؟ ممكن تيجي تدوري معايا في الشقة هنا ع الست اللي شوفتيها.
– من عنيا يا بيه، انا هروح الناحية الشمال ع الاوضة دي والحمام، وانت روح الناحية اليمين.
قالتها الفتاة وذهبت على الفور، ليدمدم محمد من خلفها وأقدامه تتحرك نحو الجهة المقصودة:
– اجدع من ابوكي اللي ما تحركش من مكانه، صحيح الشجاعة مش بالسن.
واصل محمد طريقه متجهًا نحو الغرفة التي دخلتها السيدة الهاربة منذ قليل، وما هم بفتح الباب حتى وجده اندفع بسهولة، ليصعق بالمشهد الذي جعل شعر رأسه يقف، جحظت عينيه في البداية قبل يتدارك ليتحرك سريعًا بأنفاس لاهثة يبحث عن أي شيء يستر به شقيقته، وجد سترة بحجم كبير ملقاة بإهمال على الأرض، خمن أنها تخص هذه الضخم الذي خرج، تقدم بها ليلقيها على شقيقته التي في كانت حالة غير متزنة على الأطلاق، هيئة أدخلت الرعب بقلبه، حتى إحساس الألم بذراعه لم يعد يشعر به، جلس على ركبتيه ليربت بكفه على وجنتيها يرى ما بها:
– رباب هو انتي مالك؟ انتي شيفاني ولا حاسة بيا؟ رباب انتي صاحية ولا نايمة؟
ضغط بكفه على وجنتيها ليجبرها على النظر إليه، ولكن لم يحدث، أمسك بذراعها يرفعه ليجده يرتخي ساقطًا بشكل جعل قلبه يقع تحت قدميه، ليصرخ عليها بدمعة فرت من عينيه :
– رباب الناس دي عملت فيكي إيه؟ رباااب
دخلت الفتاة ابنة حارس البناية على صرخته لتسأله بعفوية:
– إيه ده هو انت لقيتها؟ طب ما تقومها ياللا عشان تروح بيها يا بيه.
تطلع نحوها محمد ليستعيد ذهنه، وتماسك ليتناول هاتفه من جيب سترته، يطلب صاحبة الرقم التي كالعادة لا تتأخر عن الرد عليه:
– ألوو… يا حبيبي عايز ايه؟
بدون تفكير أو تردد صرخ بها:
– كاميليا، تعالي اللحقي اختك يا كاميليا.
❈❈-❈
– ألف سلامة عليكي يا حبيبتي، شالله ما اشوف فيكي شر أبدًا.
قالتها مجيدة في جلستها مع أنيسة التي كانت تضيفها مع ابنها في منزلها، وردت المرأة ببشاشة معتادة منها:
– تسلمي يا حبيبتي ويسلم حضرة الظابط معاكي، انا مكسوفة أوي والله اني تعبتكم معايا.
تدخل امين قائلًا بلطف للمرأة:
– لا يا ست أنيسة مفيش أي تعب طبعًا، أهم حاجة بس تطمنينا عليكي، هو انتي حاسة بنفس الأعراض دلوقتي ولا لسة؟
بنظرة تحمل داخلها الكثير كانت أنيسة تطالعه بها، لترد بابتسامة ممتنة:
– الحمد لله يا حضرة الظابط، اهي الاعراض بتروح وتيجي، واحنا بنقضيها بالعلاج او الأكل المطلوب وبتعدي، المهم انا بلغني من مجيدة ان الكيكة عجبتك، صح ولا هي بتجاملني؟
القى أمين بنظرة خاطفة ذات مغزى نحو والدته التي لا تكتم سرًا ابدًا، قبل أن يعود لأنيسة ليرد بحرج يحاول إخفاءه:
– يا ست أنيسة، انتي كل حلوياتك ما شاء الله يعني، لا يعلى عليها، دي أحلى كمان من المحلات والله، انا راجل زواقة زي ما قالت والدتي، يعني كييف أوي.
ردت أنيسة بابتسامة ازدادت اتساعًا وبهجة تغمرها من الداخل:
– دا من زوقك يا زوق، انا هدوقك حاجة جديدة عملتها النهاردة….
قالتها وهمت أن تنهض ولكن مجيدة اوقفتها بالسؤال الذي يداعب ذهنها من قت مجيئها مع ابنها والذي كان هو الاَخر جالسًا بأعين زائغة وتوتر تعلم سببه:
– طب قبل ما ندوق الحلويات، مش تندهي انتي ع الحلويات اللي بجد، ولا هي الست لينا مش عايزة تقابلنا؟
– لا والله هي مش موجودة أصلًا، دي لسة مرجعتش من الشغل.
– شغل ايه اللي يقعد لحد دلوقتي؟ الساعة داخلة على تسعة.
خرجت من أمين بعفوية لم يقصدها، وغضب لاح على صفحة وجهه، لترتسم ابتسامة خبيثة على وجه مجيدة، اخفتها سريعًا وهي تراقب رد فعل أنيسة التي
استدركت لتنظر بساعة هاتفها ثم قالت بقلق، قبل أن تضغط على أحد أرقامه:
– هي بصراحة مش بعادتها تتأخر للوقت ده، ولو حصل بيتجي مع طارق .
غمغم بسخط وحنق لم تنتبه له المرأة:
– ومين طارق دا كمان؟
زجرته مجيدة بنظرة محذرة رغم استمتاعها بغضبه، ليغلق فمه موجهًا انتباهه لرودود المرأة على الهاتف:
– ايوة يا لينا اتأخرتي ليه يا بنتي؟……….. بتقولي ايه؟ طب وطارق مجابكيش معاه ليه؟………… يا نهار اسود، يعني انتي معرفتيش اللي حصل؟……….. طب شوفيليك صرفة بقى وحاولي تلاقي أي مواصلة.
قاطعها امين بلهفة سائلًا:
– أنا اسف لو بتدخل، بس هو ايه اللي حصل يعني؟
أبعدت الهاتف عن أذنها لتشرح الوضع باختصار:
– أصلها بتقول انها مزنوقة بقالها ساعة في عربيتها ومش عارفة تتحرك بيها، الشارع مسدود عشان في شخصية مهمة بمركز حساس هتعدي فيه، ولما تطلب أوبر برضوا مش بيعرف يدخلها.
من تحت أسنانه خرج صوته بانزعاج وتهكم:
– ولما هو كدة، استنت ليه لما تتأخر بالشكل ده؟ ولا اللي اسمه طارق اللي بتقولي عليه ده موصلهاش معاه ليه؟
همت أن تجيبه ولكن صراخ لينا من الناحية الأخرى جعلها تعود إليها قائلة:
– أيوة يا لينا انا معاكي يا بنتي، انا بس محتاره هترجعي ازاي دلوقت؟……… يعني هتفضلي مستنية؟
– تستنى فين؟ معلش يا ست أنيسة اديني التليفون معلش.
فاجئها بطلبه كما صعقت مجيدة لرد فعله وهو يتناول الهاتف من المرأة بسلطة دون انتظار موافقتها ليرد بخشونة نحو المتحدثة من الجهة الأخرى:
– أيوة يا أستاذة خليكي قاعدة في عربيتك واقفلي عليها لحد اما اجيلك……… انتي لسة هتجادلي؟ انا بقولك استني مكانك لا توقعي نفسك في مشاكل، وانت اسم الله عليكي متتوصيش……. استنى بقولك.
قالها لينهي المكالمة بعنف ثم تحول نحو المرأة بتحول أدهشها:
– أنا أسف لو اتعصبت عليكي……
بنظرة ساهمة طالعته أنيسة بصمت قطعته مجيدة بسؤالها:
– يعني انت بجد رايح تجيبها؟
تناول علاقة مفاتيحه والهاتف خاصته ليرد بعملية وهو يتحرك بأقدامه ليتركهما:
– يدوبك يا ماما عشان اللحق اروح اجيبها، عن اذنكم بقى.
– إذنك معاك يا حبيبي.
تمتمت بها مجيدة بذهول وهي تتابع اثره حتى اختفي، قبل ان تعود لأنيسة التي ما زالت صامتة بازبهلال تخاطبها بابتسامة متوترة :
– اطمني يا حبيبتي، هو هيعرف يجيبها ان شاءالله ويرجع بيها.
خرج صوتها اخيرًا لتردد بتمني:
– أن شاء الله، يارب.
غمغمت مجيدة بداخلها:
– ربنا يستر بس وما يلبسوش هما الاتنين بجنانهم ده قضية امن دولة، او يعكروا صفو العلاقات مع دولة اجنبية.
❈❈-❈
بداخل المشفى وخارج الغرفة التي كانت تُسعف بداخلها شقيقتها، كانت كاميليا تقطع الردهة ذهابًا وايابًا، تفرك بكفيها مرددة بقلق وصوت باكي، رغم المحاولات المضنية منها للأحتفاظ بقوتها حتى لا تنهار وتسقط، نتيجة هذه الأحداث التي تمس ألنقطة الحساسة إليها وهي اشقاءها.
– يا رب استر يا رب، نجيلي اختي يا رب، نجيهالي والنبي يا رب.
علقت زهرة بتهوين، فقد كانت جالسة بابنها الصغير على مقاعد الانتظار:
– يا حبيبتي اهدي، اختك هتقوم وتبقى بخير ان شاء الله.
بأعين تسيل منها الدموع بعدم توقف، تطلعت إليها تردف بألم :
– اصل انتي جيتي متأخر وما شوفتيهاش يا زهرة، دي كانت عاملة زي العروسة البلاستيك، مفتحة عنيها وفاقدة وعيها في نفس الوقت، لا تعرفيها صاحية ولا نايمة، في حياتي ما شوفت كدة، دا انا هموت لو جارالها حاجة، مكانش لازم اسيبها خالص.
ياريتني اتنازلت وبوست على ايديها عشان تصالحني، ياريتني ما كنت سيبتها، ياريتني ما كنت سيبتها……
قطعت بالبكاء بحرقة، تغلق فمها بقبضتها لتكتم صوت شهقاتها، فنهضت زهرة بقلب موجوع عليها لتضمها إليه بذراعها الحرة من كتفيها تهون بالكلمات الحانية:
– يا حبيبتي براحة على نفسك، سيبي امرك لله وهو القادر على رجوعها بخير ولم الشمل من تاني.
– يا رب يا رب.
تمتمت بها بتمني مع استمرار بكاءها، وقد وجدت الاَن قلبًا يشاطرها الحزن، وكتفًا تستند عليه في أصعب الأوقات التي تمر بها، ثم ما لبثت أن ترفع رأسها منتبهة على رجوع شقيقها بصحبة طارق الذي رافقه في القسم الاَخر من المشفى، لإسعاف ذراعه المصاب، وقد التفت الأربطة الطبية حوله، تحركت لتقصر المسافة بينهما وتحتضنه بكفيها من وجهه سائلة بجزع:
– عامل ايه دلوقتي يا حبيبي؟ لسة برضوا دراعك بيوجعك، وليه مجبسه؟ هو الدكتور قال ايه؟
تكفل طارق بالرد يخاطبها بتماسك:
– احمدي ربنا انه كسر عادي مش مضاعف، لكان زمانه في العمليات دلوقتي، كلها كام اسبوع ويبقى عال، الدكتور طمنا، اطمني انتي كمان.
– أطمن!
قالتها بعدم تصديق وكأن كلماته جاءتها على الجرح الملتهب عادت للبكاء مرة أخرى لتحتضن شقيقها وتقبله مرددة:
– يا رب يخليك ليا يا حبيبي، ويطمني عليك انت واختك.
تنهد طارق باستياء وعجز يقتله، لعدم قدرته على رفع الحزن عنها، تدخلت زهرة مخاطبة محمد بفخر:
– حمد الله ع السلامة يا بطل، جاسر حكالي ع اللي عملته، هو قاعد دلوقتي في الشقة اياها مع إمام عشان يعرفوا مين حامد ده، ومش هيستريحوا ولا يهدالهم بال غير لما يجيبوه، هو والست اللي كانت معاه.
– بس احنا بلغنا البوليس يا زهرة.
قالها طارق لتقارعه زهرة برغبة قوية في بث الاطمئنان بقلب محمد وصديقتها:
– وماله يا طارق، البوليس يدور واحنا كمان ندور.
ردت كاميليا بعدم اكتراث الاَن سوي بصحة شقيقتها:
– انا المهم عندي دلوقتي اختي، أي حاجة تيجي بعد كدة.
همت زهرة أن ترد ولكن خروج الطبيب من الغرفة جعلها تتوقف لتعدوا مثل الجميع في اتجاهه لمعرفة الجديد.
– ها يا دكتور طمنا.
نطقت بها كاميليا تسبق ثلاثتهم في السؤال، وجاء رد الطبيب بعملية لا تخلو من اللطف:
– اطمنوا يا جماعة متقلقوش، احنا ولله الحمد قدرنا نتعامل مع الحالة ونتصرف مع المادة اللي دخلت جسمها وسببت كل اللي عليها من اعراض.
سأله طارق بقلق شديد:
– هي ايه المادة دي يا دكتور؟
زفر الطبيب يخرج كتلة من الهواء بصدره ليجيبه باستياء:
– في الحقيقة يا استاذ طارق المادة دي خطيرة جدًا، وما حدش بيقدر يجيبها إلا من الخارج ولازم يكون حد واصل كمان، بإذن الله البوليس يقدر يجيب الناس المجرمين اللي عملوا فيها كدة ويتحاسبوا على جريمتهم.
سألته زهرة أيضًا:
– طب هي صاحية يا دكتور عشان نقدر ندخلها؟
– اكيد طبعُا هتشوفها، بس نص ساعة كدة ع الاقل على ما تفوق، عن اذنكم بقى.
قالها الطبيب وتحرك مغادرًا لتغمغم كاميليا في اثره بغضب:
– أكيد المجرمين دول لهم علاقة بجوزها، أنا قلبي حاسس ، بل أكاد اكون متأكدة من كدة.
❈❈-❈
بخطوات مسرعة والغضب يتطاير من عينيه، اقترب حتى وصل إلى سيارته ليفتح بابها بعنف قائلًا بنزق:
– اتفضلي يا ست هانم، اتفضلي يا برنسيسة، خلصينا بقى.
طالعته بأحجار الفيروز الاَتي تتوهج نيرانهم بغضبها هي الأخرى لتقول بتأفف:
– كلمني كويس لو سمحت، يا إما والله لكون…..
– تكوني إيه؟
صاح بها مقاطعًا وقد فاض به ليتابع بهيئة المغلوب على أمره:
– تكوني إيه يا لينا؟ عايزة ترجعي تاني ولا تتخانقي مع افراد الأمن اللي مضايقينك، اللطم على خدي عشان تستريحي؟ هو انتي لسة ما ستكفتيش؟
صرخ الأخيرة بأسلوب كوميدي جعلها تتماسك بصعوبة عن الضحك بوجهه، فلانت لهجتها في الرد عليه:
– أنا مبحبش اتخانق مع حد ولا قصدي اعمل مشاكل، وع العموم هركب اهو عشان نقفل خالص ع الكلام .
اعتلت السيارة لتجلس في المقعد الأمامي بجواره، ليتخذ مقعده هو الآخر خلف عجلة القيادة، فخرج صوته بنصح هذه المرة:
– انا مش بتحشر في اللي ميخصنيش، بس انتي كان لازم تقدمي في انصرافك، التأخير ده هو اللي عك الدنيا معاكي.
عادت لحالتها الأولى في الغضب لترد بشراسة قطة متحفزة لأي كائن حي يمر من أمامها:
– اولا أنا متأخرتش بخطري ولا عمري قعدت للساعة دي اصلًا، احنا كان عندنا اجتماع وطارق حصل معاه ظرف وحش خلاه يجري مع مراته ع المستشفى، ف اضطريت انا اقفل الملفات المطلوبة على قد ما اقدر، وبعدها اتفاجأت بالوقت، ولولا الإجراءات الزفت دي كان زماني في البيت من ساعتين.
اقترب برأسه منها مقربًا وجهه بعدم تردد ليرد ببعض المنطق علّها تفهم:
– الإجراءات دي مش تعسف من الجهات المسؤلة، دا تأمين لشخصية دبلوماسية، ودي حاجة ضرورية، دا غير انهم محددين طريق بديل، ما رجعتيش فيه ليه؟
تكتفت تقول بحرج مبتعدة بعينيها عنه:
– الطريق التاني طويل أوي، وانا النهاردة مكنتش عاملة حسابي في البنزين، يمكن كنت وقفت في نص السكة، ساعتها كانت هتزيد العكة معايا.
ناظرها قليلًا بصمت قبل ان يتركها ليشعل محرك السيارة ، ويركز انتباهه على القيادة ، وصبت هي اهتمامها على ربط حزام الأمان الذي حاولت به عدة مرات وفشلت في ربطه مما جعل الاَخر يصيح بها:
– في ايه ؟ مش عارفة تربطي الحزام.
– لأ مش عارفة، ومش فاهمة هو ليه كدة بيعك معايا .
– تاني يعك، احنا مش هنخلص في الليلة دي؟
قالها ليضرب بقبضته فجأة على عجلة القيادة بسيارته وتوقف فجأة ، ثم مال نحوها ليربطه بنفسه، غمره عطرها ليستشعر قربه منها وهذه الهالة من الجمال الاَسر، جميلة لدرجة اللعنة، كما أنها مشاكسة بدرجة غير عادية، على قدر ما تستفزه، على قدر ما تجعل الدماء تضخ بأوردته وكأنها تحيه حياة فوق الحياة التي يعيشها،، شعر بالأرتباك في البداية، ولكنه استطاع التماسك، ليرد بمناكفة وانفاسه الحارة تشعر بها على بشرتها:
– هو جامد اه وشديد، بس لما تتعاملي معاه بحنية، بيفك بسرعة ويلين.
قالها ليبتعد فجأة وقد نجح فيما فشلت به، ابتلعت ريقها بتوتر شعرت به جراء قربها منها، وكلماته الأخيرة تنعاد بذهنها، شاعرة انها بقصد اَخر، ربما يكون غير بريء.
❈❈-❈
إيه من الأمانى ناقصنى تانى وأنا بين ايديك
عمرى ما دقت حنان فى حياتى زى حنانك
و لاحبيت ياحبيبى حياتى إلا علشانك
و قابلت آمالى وقابلت الدنيا وقابلت الحب
اول ما قابلتك واديتك قلبى يا حياة القلب
أكتر من الفرح ده ما احلمش أكتــر من اللى أنا فيه ما أطلبش
كانت الكلمات تصدح من المذياع الذي يشعله أبو ليلة في هذا الوقت ككل يوم بشرفته، يدخن شيشته ويردد من خلفها، ولا يدري بالجالس في الشرفة المجاورة يردد معه، وكل حرف من المعاني يمس وجدانه بقوة، وصورة اميرته تداعب خياله في سعادة لا ينكرها، حتي لو كان ارتباطه بها دربًا من دروب المستحيل، يكفيه القرب منها، وسماع نفس الشيء الذي تسمعه.
❈❈-❈
وفي الناحية الأخرى كانت هي الأخرى مندمجة مع لحن الكلمات التي بدأت تعجبها هذه الأيام، رغم انها لم تكن ابدًا من محبي الأغاني القديمة، صدح هاتفها فجأة برقم غريب ومميز قطبت تنظر إليه قليلًا قبل ان تستجيب لفضولها وترد:
– الوو مين معايا:
– الوو يا صبا عاملة ايه؟
انتفضت مجفلة وقد علمت بهوية المتصل من نبرة الصوت التي أصبحت معروفة لها الان، ابتعلت لترد برسمية:
– اهلا يا فندم، حضرتك عايزني في حاجة
ضحك يزيد من غيظها قبل ان يرد :
– كدة على طول يا صبا حتى من غير ما تردي على سؤالي، ع العموم يا ستي انا متصل عشان اطمنك.
– تطمني على ايه؟
– اطمنك على صاحبتك يا صبا، هو انتي نسيتي ولا ايه؟
صدحت صوت ضحكته مرة أخرى قبل أن يختم:
– مستنييكي بكرة الصبح عشان تعرفي التفاصيل، تصبحي على خير يا صبا.
قالها وأنهى المكالمة، وقد تجهم وجهها وتعقدت ملامحها بغضب لتعلق:
– والله عال، وكمان عرفت نمرتي عشان تتصل بيا؟ الله يخرب بيتك يا مودة .

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى